في يوم الأسير...
أ. عدنان السمان
كان عدد الأسرى الفلسطينيين قبل شهر أيار من عام أربعة وتسعين وتسعمئة وألف( أي قبل أربعة عشر عامًا من يومنا هذا في بلدنا هذا) ثلاثمئة وتسعة وستين أسيرًا.. وقد ارتفع هذا العدد في يومنا هذا، ولا أقول في بلدنا هذا، ليصبح أكثر من اثني عشر ألف أسير، لقد تضاعف ذلك العدد أكثر من ثلاثين ضعفًا، وضُرب في أكثر من ثلاثين، ولا أحد يعلم كم سيبلغ هذا العدد في المستقبل المنظور أو غير المنظور.. وإن كنتُ من المتفائلين الذين يتوقعون أن لا يبقى في تلك السجون والمعتقلات أسير واحد من أسرانا، أو أسيراتنا، أو أشبالنا، أو مواليدنا الجدد، وإن كنتُ أيضًا من المتفائلين الذين لا يتوقعون أن يموت أحد من أسرانا – مثل من ماتوا- في تلك المعتقلات والسجون التي تشكّل واحدًا من أسوأ الشواهد على هذا العصر الذي نُكب فيه شعب، ودُمِّرت فيه أمة، واستكان فيه مجتمع دولي، وانقاد فيه حكام ومحكومون لمشيئة هؤلاء وأولئك، ولإرادتهم في إذلال الناس، وتجريدهم من أبسط حقوقهم السياسية والاجتماعية والإنسانية في هذا الزمن الذي لا معنًى فيه لعاجز أو متخاذل أو جبان.
قبل حلول عهد السلام، وفي زمن المعارك والحروب والمواجهات الساخنة والباردة، وقبل العام أربعة وتسعين من القرن الماضي، وبشهادة المنظمات الدولية، ولجان حقوق الإنسان كان عدد أسرانا ثلاثمئة وتسعة وستين أسيرًا، وفي عهد السلام، والاتفاقات، والتفاهمات ، واللقاءات، والاجتماعات، والمؤتمرات، وبعد أربعة عشر عامًا من المفاوضات يرتفع عدد هؤلاء الأسرى ليصبح أكثر من اثني عشر ألف أسير، ليس هذا فحسب، وإنما لنجد بين أسرانا كثيرًا من النساء، وكثيرًا من الأطفال، وكثيرًا من المرضى، وكثيرًا من ممثلي الشعب المنتخبين بطريقة ديمقراطية حرة نزيهة شفافة لا أظن أنه جرت في هذا الكون انتخابات تماثلها في كل حسناتها وإيجابياتها، وفي كل ما أسفرت عنه من نتائج أيضًا!!
اثنا عشر ألف أسير بينهم ممثلو شعب على مستوى المجلس التشريعي، وعلى مستوى المجالس البلدية، والمرجعيات الدينية، والسياسية، والاجتماعية، والقومية ... هؤلاء الأسرى دون أدنى شك هم ممثلو هذا الشعب في كافة الميادين، وعلى شتى الصعد.. والعدد مرشح للزيادة في كل يوم، فما الذي يحدث؟ ولماذا يحدث؟ وإلى متى سيستمر هذا الذي يحدث؟؟
الذي يحدث هو اعتقال شعب بهدف كسر إرادته، واختراق صفه وهدفه، ليصبح أكثر استجابة للإملاءات، وأكثر رضوخًا للتوجيهات والممارسات، وأقل عنادًا وإصرارًا وتمسكًا بالحقوق والثوابت، وأقل رفضًا للانتهاكات والمخططات وكل المحرمات التي تمارس جهارًا نهارًا، وكأن الأمور قد بلغت نهايتها، وكأن الحلول قد أصبحت اليوم كما يريد هؤلاء وأولئك ويشتهون.. أما لماذا يحدث ما يحدث؛ فهذا – والله – لا يخفى على ذي فطنة أبدًا.. فالفرقة، والقطيعة، والرضوخ، والاستسلام ، والخنوع ، والتمزق، وأسباب أخرى هي التي مدت لهم الحبل، وجعلتهم في نشوة من سكرة النصر على هذه الهياكل والأشباح التي تخلو من كل أثر للحياة، بعد أن جفّت فيها الدماء، وفارقتها الأرواح، فإذا هي ميتةٌ:
ليس من مات فاستراح بميْتٍ إنما الميْتُ ميِّتُ الأحياءِ
إنما الميْتُ من يعيش كئيبًا كاسفًا بالُه قليل الرجاءِ
لست أدري – والله – إلى متى سيستمر هذا الذي يحدث.. وإن كنت على يقين أن كثيرًا من العواصم العربية ذات الصلة، وأن دائرة المفاوضات تستطيع فعل شيء كثير في هذا المجال... إنني على يقين أن إصرار هذه الأطراف على الإفراج عن هؤلاء الأسرى قبل أي لقاء أو اجتماع أو تفاهم أو حديث في موضوع هذا السلام الذي بات مضحكًا مبكيًا بعد كل هذه الكوارث التي حلت بالناس بعد حلول عهد السلام هذا الذي مكّنهم من كل شيء، وأعطاهم كل شيء، وأطلق أيديهم في كل شيء.. هكذا دون أي مقابل.. إصرار هذه الأطراف على الإفراج عن الأسرى كفيل بإخراج قضيتهم من هذا الموت الرهيب الذي يغشاها.. إصرار هذه الأطراف على ضرورة الإفراج عن كل المعتقلين الفلسطينيين والعرب، وإغلاق هذا الملف مرة واحدة وإلى الأبد كفيل أن يزيل كل أكداس التراب عن قبور الأحياء هؤلاء، وكفيل أن يعيدهم من جديد إلى بيوتهم وعائلاتهم، بل وإلى مواقع العمل التي لا معنًى لها بدونهم.
إنهم الأمل، إنهم الأمة، إنهم الممثلون الحقيقيون لهذا الشعب، إنهم الذين ضحَّوا بكل شيء في سبيل هذا الوطن، فلماذا لا نفعل شيئًا من أجلهم؟ لماذا لا نعيد إليهم الحرية حتى يعيدوا لهذا الوطن مجده، ولهذا الشعب كرامته، ولهذه الأمة معنى وجودها؟..
11/4/2008
Introducing Live Search cashback . It's search that pays you back! Try it Now
هناك تعليق واحد:
للاسف اصبحت قضية الاسرى من الثانويات في حياة حكوماتنا العرب .
ولكن باذن الله النصر والفرج قريب .
إرسال تعليق