عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


الاثنين، ٢٩ آب ٢٠١١

مزيدًا من المحبة والتسامح في العيد..

متابعات
مزيدًا من المحبة والتسامح في العيد..
أ.عدنان السمان
www.samman.co.nr
    العيد فرحةٌ للصغار ،وبهجة للكبار .. ولئن كانت الدنيا روضًا فإن الأعياد زهره وأريجه . ولئن كانت الحياة رحلة فالأعياد زينتها وزخرفها ، وهي المحطات التي يستريح فيها المسافرون من عناء السفر ومتاعبه ، ويجددون فيها نشاطهم ، ويستعيدون قواهم لمواصلة السير على طول دروبها الطويلة ... في العيد تصفو النفوس ، وتنقشع غيوم التجّهم والعبوس .. فيه تؤدّى الشعائر ، وتُزار المقابر ، ويُقبل الناس على الحياة بهمة وعزم ونشاط يَصِلون أرحامهم ، ويعودون مرضاهم ، ويزورون أقرباءهم وأصدقاءهم ، ويناقشون قضاياهم ، ويتحدثون في أحوال أمتهم وقضاياها ، وفي أحوال الدنيا من حولهم .
      والعيد فرصةٌ لالتقاط الأنفاس ، والاستماع جيِّدًا لأحاديث الناس ، والاطّلاع على أحوالهم ، وأخبارهم ، والوقوف على أفكارهم وآرائهم ، وهو فرصة لمناقشة أحوال الأمة بهدف إيجاد الحلول المناسبة لقضاياها ومشكلاتها ، والاتفاق على أفضل السبل لإخراجها من أزماتها ، وإعادة أيام عزها وأمجادها في محاولة لصنع رأي عام واعٍ مستنير ...والعيد أيضًا فرصة لإسداء النصح لطالبيه ، فالدين النصيحة ، والدين المعاملة، والدين أمر بالمعروف ونهي عن المنكر ، والدين تغليب للمصلحة العامة على غيرها من المصالح ، واهتمام بقضايا البلاد والعباد دونه كل اهتمام ... كل هذا في إطار من المحبة ، والتفاهم ، والتسامح ، والغفران .. بعيدًا عن الشتيمة والتجريح والاتهام ، وبعيدًا عن الفحش في القول ، ونسف الجسور بين أبناء المجتمع الواحد ... فالعيد هنا فرصة للتصافي ، وتنقية القلوب من الضغائن ، والأحقاد ، وسوء الفهم بسبب ضغوط الحياة ، وتراكماتها ، وأحداثها التي يضيق بها صدر الحليم !!
        والعيد فرصة مثالية لتراجع المخطئين عن أخطائهم ، والمسيئين عن إساءاتهم ، وهو فرصة للتراجع عن الغواية والضلال والانحراف ، والسير في طريق الرشاد والسداد والاستقامة ... إن وقفة صادقة مع النفس في هذا اليوم كفيلة أن تعيد الإنسان – مهما بلغت أخطاؤه – إلى جادة الحق والصواب ، وأن تعود به إلى دائرة العاملين المخلصين الأوفياء من أبناء الأمة الذين يُؤْثرون الباقية على الفانية ، ويفضّلون الموت في خنادق أمتهم على العيش في قصور أعدائها .
   والعيد مناسبةٌ يعيد فيها الإنسان النظر في مسلكياته ، وعلاقاته بالآخرين ، فيقلع عن الإساءة للناس ، ويحجم عن إلحاق الأذى والضرر بهم مهما كانت الأسباب ، ويعاملهم بالتي هي أحسن حتى لو أساءوا إليه ، وما دام الإنسان كائنًا اجتماعيًّا فإن ممارسة الأذى والعدوان مهما كان ضئيلاً هو  من المحرمات التي يجب على هذا الكائن الاجتماعي تجنبها حتى تستقيم أمور الناس ، وتصلح أحوال المجتمع ، وتستقيم أمور الأمة ، ويعلو شأنها بين الأمم.
     وفي العيد .. عيد المحبة والتسامح والمغفرة يَحْسُن بقادة الأمة ، ومفكريها ، وسياسييها ، وأهل الرأي فيها أن يبتعدوا في أقوالهم وأفعالهم عما يثير الفتن بين الناس .. فحسبنا ما نحن فيه من تفسّخ ، وتقاطع ، وتنابذ ، واحتراب .. حسبنا ما نحن فيه من غمّ وهمّ وتشتّت وبعد عن الصواب !! ألا فليتق الله فينا أولئك الذين يريدونها حروبًا طائفية ومذهبيّة مدمرة في كل ديار العروبة والإسلام !! ليتّق الله فينا أولئك الذين يصطنعون الأزمات ، ويفتعلون المشكلات والانقسامات في صفوف هذه الأمة التي أصبح أمرها عجبًا بين الأمم !! ليس منا من دعا إلى عصبيّة ، وليس منا من دعا إلى طائفية ، وليس منا من دعا إلى فئوية ، وليس منا من دعا إلى تنابذ أو تدابر أو تخاصم أو احتراب ...
     كلنا في هذه الديار إخوة .. كلنا في ديار العروبة والإسلام إخوة .. كل العرب إخوة .. وكل المسلمين إخوة.. المسلم أخو ( المسيحيّ) لا يسلمه ولا يخذله !! والسنيّ أخو الشيعيّ لا فرق بينهما إلا بالتقوى والعمل الصالح ، والموقف المشرّف من كافة قضايا الأمة!!
      فمزيدًا من التضامن والتكافل والتعاون يا عرب .. مزيدًا من التفاهم والمحبة والتعاضد أيها المسلمون .. ومزيدًا من التعقل والحكمة والروية يا كل أصحاب المواقع والألقاب والمناصب والأقلام في كل ديار العروبة والإسلام.. مزيدًا من العمل من أجل مستقبل الأجيال على كل أرض  العرب، وعلى كل أراضي المسلمين.. مزيدًا من وحدة الرأي، ومن وحدة الهدف، ومن وحدة المشاعر والغايات والأهداف.. مزيدًا من العمل من أجل حقن الدماء التي ما كان لها أن تُسفك في رمضان، وفي غير رمضان،و ما كان لها أن تُسفك في هذا اليوم الأول من شوّال عيد الإسلام، وعيد المسلمين، وعيد الفطر السعيد.. فيا أيها المحتفلون بالعيد اذكروا إخوةً لكم يُقتلون ظلمًا وعدوانًا في كثير من ديار العروبة والإسلام، واذكروا إخوةً لكم، وأخواتٍ ما كُنَّ ليجعن أو يَهُنَّ لو قمنا بالواجب نحوهنَّ.. واذكروا في هذا اليوم أسراكم ومشرديكم، وترحَّموا على شهدائكُم، وكل عام وانتم بخير.
29/8/2011

الخميس، ٢٥ آب ٢٠١١

متابعات                  
لماذا يصول هذا السفير ويجول كما يريد؟؟
أ0 عدنان السمان
www.samman.co.nr
   السفراء الأمريكان في كثير من بلدان هذا العالم العربي الإسلامي الواسع المترامي الأطراف يصولون ويجولون ويقررون، ويرسمون السياسة العامة لهذه البلدان التي يحكمونها بالتنسيق مع أولئك الحكام الذين يصنعونهم، أو يوافقون عليهم، أو ينسقون معهم من أبناء تلك البلدان، أو من المحسوبين على تلك البلدان.. والسفراء الأمريكان في كثير من البلدان غالبًا ما يرسمون خطوط السياسة العامة، وغالبًا ما يتدخلون في أدق تفصيلات الشأن اليومي لشعوب تلك البلدان، وغالبًا ما ينشطون بين تلك الشعوب يجندون من يجندون، ويستميلون من يستميلون، ويغرون من يغرون، وهم في هذا كله يركزون على النخب من أبناء تلك البلدان، حتى أصبح كثير من الأكاديميين، والإعلاميين، والمثقفين، والسياسيين، والاقتصاديين، ورجال المال والأعمال، ورجال الدين، والوجهاء، وزعماء القبائل والعشائر طوع بنان أمريكا، وحتى أصبحوا رهن إشارتها، ينسقون معها، وتنسق معهم، ويستشيرونها، وتستشيرهم، وتمنحهم من "برها" و "إحسانها"، وتغدق عليهم من "نعمها" و"نعيمها" ما يمكنهم من تحقيق مكانة "سامية" مرموقة في مجتمعاتهم، وتضع بين أيديهم من وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة ما يستطيعون من خلاله التأثير على عقول العامة، وعلى تفكيرهم وأفكارهم وتوجهاتهم، في محاولة من أمريكا لفرض سيطرتها على هذا العالم العربي الإسلامي الكبير، وإخضاعه لمشيئتها بهذه الطرق التي تمكنها من التغلغل في أدق تفصيلات الشأن العربي الإسلامي، وتمكّنها من الاطلاع على أدق تفصيلات حياة شعوب هذا العالم وأممه، وتمكنها بالتالي من التحكم المطلق بخط سير هذه البلدان في هذا العالم العربي الإسلامي، أو هذا الشرق الأوسط الكبير كما تسميه الخارجية الأمريكية منذ سنين.
   ولعل من الضروري جدًّا أن نشير إلى أن أمريكا تراقب أعمال ساسة هذه البلدان، وتصرفات قادتها، وتقف بعد ذلك موجهةً، أو مؤيدةً، أو عاتبةً، أو مهددةً متوعدةً، أو واعظةً ناصحةً، ولعلها بعد ذلك كله تتدخل عسكريًّا لاجتياح هذا البلد واحتلاله، ونهب خيراته وثرواته، والقضاء على أسرار قوته، والعمل على تمزيقه وإفقاره وإضعافه وإغراقه في بحارٍ من الدم والفتن والحروب العرقية والمذهبية والطائفية والعشيرية والقبلية، وإغراقه أيضًا في بحار من الفساد والخصومات والاحتراب والاقتتال، وضرب الناس بعضهم ببعض للسيطرة على هذا البلد، والقضاء المبرم على كل آماله في التحرر والتطور والتقدم والنهوض والخلاص من التبعية للغرب الأمريكي، وبالطبع للغرب الأوروبي المتحالف بالضرورة مع أمريكا.
   ولعل من الضروري جدًّا أيضًا أن نشير إلى أن كل من جندتهم أمريكا، وضمنت وقوفهم إلى جانبها من كافة الفئات والمستويات والشرائح في تلك البلدان يقفون دائمًا إلى جانبها، وقد يكونون البدائل لتلك الأنظمة التي تحاول أمريكا هدمها في هذا البلد أو ذاك من بلدان العروبة والإسلام.. ولعل من الضروري أن نشير
إلى أن أمريكا عندما تتعرض لمزيد من الخسائر في اجتياحها لهذا البلد العربي أو ذاك، وعندما تشتد عليها وطأة المقاومين والممانعين الذين يحاربون سياستها، ويقفون بالمرصاد لأطماعها وغزوها واجتياحاتها، وعندما تشتد عليها هجماتهم، ويكبدونها كثيرًا من الخسائر، وعندما لا تكون بحاجة لمزيد من المغامرات العسكرية في دنيا العروبة والإسلام، فإنها تلجأ إلى الاعتماد على مؤيديها في تنفيذ ما تريد.
   في مصر عندما نكبت أمريكا بسقوط نظام حسني مبارك، وعندما اقتيد هذا الطاغية للمحاكمة، فإنها وضعت ثقلها لإفشال ثورة الخامس والعشرين، ووضعت كل ثقلها لحرمان شعب مصر من جني ثمار ثروته، وعملت كل ما بوسعها من أجل ضرب تلك الثورة الشعبية، وحرمانها من متابعة سيرها نحو تحقيق الأهداف والغايات في بناء مصر الحديثة الحرة، والخلاص من التبعية للغرب، وانتهاج سياسة عربية إسلامية رشيدة تعيد بناء مصر الحرة القوية المستقلة المرهوبة الجانب. وما يقال في مصر يقال في تونس، ويقال في غيرهما من الأقطار التي بذلت أمريكا وتبذل جهودًا مضنية من أجل وضع اليد عليها، والتحكم بها تحكّمًا مطلقًا، أو شبه مطلق في أسوأ الأحوال.
   سياسات أمريكا هذه ينفذها – في الغالب – سفراء أمريكا في أقطار هذا العالم العربي الإسلامي الكبير بشيءٍ من السرية حينًا، وبشيءٍ من التكتم أحيانًا، وبشيءٍ من الدبلوماسية المغلفة بالأصول والأعرف المتبعة، ولكنها في سوريا أخذت طابعًا مختلفًا، لأن أمريكا اتبعت في سوريا أسلوبًا مختلفًا لاختلاف الظروف، ولحساسية الوضع في هذه المنطقة المتفجرة من العالم العربي، فسوريا التي تغذي المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي، وسوريا التي تغذي المقاومة والممانعة في لبنان وفي كل أقطار سوريا الكبرى، وسوريا التي تربطها علاقات استراتيجية مع إيران الإسلامية، وسوريا التي قطعت شوطًا كبيرًا في الدفع بالعلاقات التركية السورية في الاتجاه الصحيح، وسوريا التي تصر على زراعة أرضها، وتطوير اقتصادها، وتوفير كافة الخدمات الصحية والتعليمية لكل مواطنيها، ولكل المواطنين العرب المقيمين على أرضها، وسوريا التي لم تخضع لكافة الضغوط الأمريكية المفروضة عليها منذ نحو ثلاثة عقود، وسوريا الحديثة التي تصر على تنفيذ خطى الإصلاح، لا رضوخًا للغرب وادعاءاته ومزاعمه في هذا المجال، وإنما نزولاً عند رغبة الشعب العربي في سوريا، واستجابةً لمنطق التحديث والإصلاح والتطور الطبيعي الذي تقتضيه سنن الحياة، وتفرضه مقتضيات التطور والتقدم والنهوض.. سوريا هذه التي ترفض الوصاية والتدخل في الشأن العربي السوري الداخلي والخارجي أيضًا، تجد نفسها اليوم في مواجهة واقع أمني جديد فرضته عليها أمريكا التي لم تستطع أن تفعل بها ما فعلته بالعراق، لاختلاف الظروف والأحوال.. لقد لجأت أمريكا إلى أسلوب العبث بأمن سوريا، ولجأت إلى هذا التجييش الإعلامي، وإلى هذه الزفة الإعلامية التي جندت لها كل أتباعها، وكل هذا الحشد الهائل من الموالين لها المنسقين معها من أبناء هذه الديار السورية، ولقد رأت امريكا أن يقوم سفيرها في سوريا بقيادة هذه الفتنة التي قررت إثارتها في هذا البلد العربي ظنًّا منها أنها قادرة على إخافة النظام في دمشق، وظنًّا منها أن هذا النظام سيستسلم أمام كل هذه الأكاذيب، وأمام كل هذه الادعاءات التي يروج لها هذا الإعلام الأمريكي الأوروبي المعادي، ومعه كثير من وسائل الإعلام المحسوبة على أمة العرب.. السفير الأمريكي يصول ويجول في سوريا كما يريد، وينفق كما يريد، ويتصل بمن يريد، وينسق بين هذه الأطراف التي تجمعها كراهية هذا النظام لأسباب خاصة بكل منها.. السفير الأمريكي في دمشق يتحرك، ويتحدى، ويقود الفتنة ضد سوريا، وضد أمن سوريا، وضد عروبة سوريا، وضد سياسة سوريا المقاومة الممانعة، وضد سياسة الإصلاح في سوريا، لأن هذا السفير الذي يمثل رأس الأفعى في هذا الكون لا يريد إصلاحًا، وإنما يريد تبعية لأمريكا، وتبعية للغرب، وتبعية لكل أعداء العروبة والإسلام، ويريد أن تركع سوريا تحت قدميه، وما علم هذا السفير، وما علمت أمريكا التي يمثلها هذا السفير أن ذلك لن يكون، وأن سوريا العصية على المؤامرات والدسائس بشعبها المتكاسك المؤمن بعروبته وإسلامه، وبعلاقاته العربية الوثيقة، وبتأييد الأغلبية الساحقة من اللبنانيين والأردنيين والفلسطينيينن لسياسته وتوجهاته وغاياته وأهدافه في الحرية والوحدة والاشتراكية والتقدم والنهوض.. سوريا هذه قادرة على تجاوز هذه الأزمات التي يخلقها هذا السفير ويخلقها معه نفرٌ من المرتبطين به ممن ينفذون السياسة الأمريكية المعادية لإرادة شعوب هذه المنطة، وغير هذه المنطقة من العالم.
   أقول بعد ذلك: ماذا كانت أمريكا لتفعل لو أن السفير السوري في نيويورك هو الذي يثير الفتن في أمريكا؟؟ ماذا كانت أمريكا لتقول لو أن سفيرًا عربيًّا يوزع المال والسلاح على عناصره للعبث بأمن الولايات المتحدة الأمريكية، وزعزعة استقرارها؟؟ وأقول أيضًا لأمريكا إنها أكثر من مخطئة في سياستها هذه، وإنها لن تجني من الشوك العنب، لأن من يزرع الشوك لا يجني به عنبًا، بل يجني أشواكًا ستظل تدمي قدميه ويديه حتى يتراجع عن عدوانه، وحتى يتراجع عن اضطهاده للشعوب.. فالشعوب هي الأقوى، ولسوف تتهاوى أمريكا أمام قبضات هذه الشعوب وضرباتها ذات يوم.
25/8/2011  

الثلاثاء، ٢٣ آب ٢٠١١

إذا التقى المسلمان بسيفيهما!!

متابعات
إذا التقى المسلمان بسيفيهما!!
أ. عدنان السمان
www.samman.co.nr
     لست أدري ما الذي دهى هذه الأمة من محيطها إلى خليجها، ومن نواكشوط إلى ما وراء أندونيسيا، ولست أدري ماذا أقول في أمة عربية إسلامية تبلغ مساحة أراضيها ثلاثة وثلاثين مليونًا من الكيلومترات المربعة، ويقع أكثر من سبعين بالمئة من مياه العالم، ومن ثرواته المائية والحيوانية والنباتية والنفطية ضمن حدود أراضيها المترامية الأطراف، وضمن مياهها الإقليمية التي قد لا تُحدّ ولا تُردّ، ثم تجد أكثر الجياع في هذا العالم من أمة العروبة والإسلام التي حباها الله أعظم ثروة بشرية حيوانية نفطية مائية في تاريخ هذا الكون!! ليس هذا فحسب، ولكن الذي لا بد من قوله هنا إضافة إلى ما سبق أن غالبية هذه المساحات الشاسعة من أرض العرب والمسلمين التي لا يمكن للشمس أن تغرب عنها هي أراض واقعة تحت السيطرة الغربية، وتحت سيطرة كل أعداء هذه الأمة العربية الإسلامية, وتحت سيطرة كل طامع في هذه الأمة، وكل متطلع إلى إذلالها، ونهب خيراتها، وتجويع إنسانها، وهدم بنيانها، وتركيع سكان هذه الأراضي العربية الإسلامية، وترهيبهم، وتجريدهم من كل مصادر قوتهم، ومن معتقداتهم، وثقافتهم، ومكونات شخصيتهم العربية الإسلامية ومقوماتها، واتهامهم بعد ذلك كله، أو قبل ذلك كله بالإرهاب!! أما الذي لا بد من قوله هنا إضافة إلى هذا وذاك فهو هذا الاقتتال، وهذا الاحتراب الذي يجري ويدور على هذه الأرض العربية أو تلك، وفي هذا البلد الإسلامي أو ذاك، في الوقت الذي يجب أن تكون فيه كل ديار العروبة والإسلام ديارًا واحدة موحدة، عليها مشروع واحد موحد هو المشروع العربي الإسلامي الذي يوفر الحياة الهانئة الهادئة السعيدة الرغدة لكل العرب، ولكل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ويوفر الحياة الهانئة الهادئة السعيدة الرغدة لكل الناس في هذا العالم دون استثناء، ودون النظر إلى ألوانهم، أو أجناسهم، أو أديانهم، أو معتقداتهم.. فالإسلام هو دين البشرية، والإسلام هو دين الإنسانية كلها في هذا الكون.. والإسلام لا يفرق بين مسلم وغير مسلم في هذا، لأن رسالة الإسلام الخالدة إنما جاءت للبشرية جمعاء، وبالتالي فإن هذا الإسلام هو دين الحياة، وهو دين الإنسانية، وهو الدين الذي يوفر كل متطلبات الحياة لكل الناس دون استثناء.
     إن مما يؤلم النفس حقًّا هو هذه المعارك والحروب الذي يشنها عرب على عرب، ويخوض غمارها مسلمون ضد مسلمين، وإن مما يؤلم النفس ويمزقها أن كل هؤلاء وأولئك ينهضون إلى الفتن من كل مجثم، وكأنهم لم يقرأوا كتاب الله، ولم يقرأوا ما أعد الله من الثواب العظيم لأهل طاعته، والعذاب المقيم لأهل معصيته في الزمن السرمدي الذي لا يزول، وكأنهم لم يقرأوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار. قالوا: يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: لأنه كان حريصًا على قتل صاحبه.
     أسمعتم يا عرب؟ أسمعتم أيها المسلمون؟ أسمعتم يا من تخوضون هذه الفتنة الكبرى التي يغذيها الغرب، ويغذيها معه كل أعداء هذه الأمة العربية الإسلامية؟ أسمعتم يا من تحتكمون فيها إلى هذا الغرب الذي لم يكن يومًا إلا ألدَّ الخصام لهذا الشرق العربي، ولهذا الشرق الإسلامي؟ أسمعتم يا عرب؟؟.
 
 
23/8/2011

الأحد، ٢١ آب ٢٠١١

في الذكرى الثانية والأربعين لحريق المسجد الأقصى

متابعات
في الذكرى الثانية والأربعين لحريق المسجد الأقصى
أ. عدنان السمان
        " النيران تندلع في المسجد الأقصى، وتؤدي إلى إتلاف الرواق الشرقي الجنوبي، والمحراب، وزاوية زكريا.. ولقد تصدعت أعمدة القبة.. ولوحظ أن النار اندلعت من أعلى، وليس من أسفل حتى أن السجاد لم يُصب بأذى.. وقد اندلعت النيران في حوالي الساعة السابعة من صباح الخميس 21/8/1969... ولم تمض دقائق حتى انتشر الخبر في طول القدس وعرضها.. كما أن محطات الإذاعة، ووكالات الأنباء قد نشرته في مختلف أنحاء العالم".
    هذا شيء مما نشرته "القدس" في عددها الصادر صباح يوم الجمعة في الثاني والعشرين من شهر آب من العام تسعة وستين وتسعمئة وألف تحت عنوانها الرئيس على صدر صفحتها الأولى: حريق كبير يدمّر جانبًا من المسجد الأقصى.
    الجاني تردد على المسجد الأقصى عدة مرات قبل تنفيذ فعلته.. وفي صباح يوم الخميس 21/8/1969 حاول أحد الحراس اعتراض سبيله لمنعه من الدخول، فسارع إلى الفرار عن طريق باب حِطّة حيث ترك وراءه (جرزة) صوفيّة، التقطها الحارس، وسلمها فيما بعد إلى المسئولين في الهيئة الإسلامية التي وافقت في اليوم التالي للحريق (الجمعة 22/8/69) على تسليمها إلى المحققين من رجال الشرطة الإسرائيلية لقاء إيصال رسمي.
    دينس مايكل روهين/ 28 سنة/ مزارع من مدينة سدني في استراليا.. كان عضوًا في كنيسة الله البروتستانتيّة التي تأسست في قبرص، وضمت إليها أكثر من مليون ونصف عضو.. تؤيد اليهود، وتؤمن بأن المسيح هو المهدي المنتظر، وسيعود مرة ثانية... غادر سيدني في العام 1958، وقضى أحد عشر عامًا في الترحال مثل اليهود قبل أن يصل إلى هذه الديار سائحًا ليقيم في كيبوتس مشمار هشارون مدة ثلاثة أشهر.. يقضي نصف يومه في العمل الزراعي، ونصفه الآخر في دراسة التوراة.. وبعد أن غادر الكيبوتس توجه إلى القدس العربية، ونزل في فندق من الدرجة الثانية هو فندق ريفولي.. حيث عُثر في غرفته بالفندق على مواد مشتعلة وسراج كان يجري عليه بعض التجارب... وقد غادر الفندق عند الساعة السادسة من صباح يوم الخميس 21/8 تاركًا ملابسه وجميع حوائجه.
    اعترف روهين خطّيًّا بإحراق المسجد الأقصى.. وقام بتمثيل الجريمة، وقال إنه حاول قبل أسبوعين أن يقوم بفعلته، ولكنه فشل... ولقد وجه إليه النائب العام الإسرائيلي مئير شمغار في الثلاثين من آب 1969 تهمتين هما: الحرق الجنائي، والمساس بمكان مقدس... في 25/ 9 (الخميس) صدر تقرير لجنة التحقيق في ظروف إحراق المسجد الأقصى.. وفي 29/9 (الإثنين)  ذكرت الوكالات أن محاكمة روهين ستتم خلف حاجز مانع للرصاص... بعد أسبوع، وفي يوم الأربعاء 8/10 نُشرت وقائع الجلسة الأولى لمحاكمة روهين، وفي اليوم التالي استمعت المحكمة لشهادة رئيس السدنة ورئيس الحرس..
    ولقد حرصت "القدس" على نشر وقائع جلسات محاكمة روهين اعتبارًا من 8/10 حتى 31/10 وفي جلسة الجمعة هذه ذكرت "القدس" أن روهين يدّعي النبوّة.. ويعلن نفسه ملكًا للقدس ويهوذا.. وأن الوحي يأتيه بشكل ذبذبات كهربائية في رأسه وجسمه.
    في يوم الإثنين 3/11 نشرت "القدس على صدر صفحتها الأولى "تفاصيل الجلسة الأخيرة" وفي 4/11 جاء قولها : استئناف محاكمة روهين.. تفاصيل الجلسة التاسعة. وفي 5/11: استئناف محاكمة روهين.. شهادة البروفيسور غيبنز والدكتورة لفنغستون لمتهم مصاب بانفصام الشخصية وباختلال في الدماغ... في يوم الخميس 27/11 قالت: انتهاء محاكمة روهين.. المحامي يطلب إطلاق سراح المتهم.. وتبرئته من المسئولية الجنائية... وفي يوم الأربعاء 31/12: تبرئة روهين من المسئولية الجنائية عن إحراق الأقصى.. وإدخاله مستشفى الأمراض العقلية في الطالبيّة. (أُصدر علنًا في هذا اليوم 20/12/ 1969 بحضور المدعي مئير شمغار. غبرائيل باخ. يونا بلاتمان ممثلين للدولة، وبحضور المتهم دنيس مايكل روهين ومحاميه يتسحاق تونيك... التواقيع).
    بقي أن نشير إلى أنه على امتداد الشهور الأربعة التي أعقبت هذا الحريق الرهيب، وحتى صدور قرار تبرئة روهين شهد الوطن العربي موجات استنكار.. واجتماعات.. وتصريحات.. كما تقدمت الباكستان والجزائر والسنغال في الرابع عشر من أيلول 69 بمشروع قرار من سبع نقاط إلى مجلس الأمن حول هذا الحريق... كما أن "القدس" قد قادت حملات التبرعات للأقصى.. وقادت الدعوة إلى إعماره.. وشهدت صفحاتها مقالات ناريّة تعبّر عن أسمى المشاعر، وأنبل العواطف والتضامن مع الأقصى والقدس... وفي يوم الأربعاء 26/11/ صدر بيان عن لجنة إعمار الأقصى تحدد فيه موقفها من موضوع الإعمار الذي يستدعي التشاور مع العالمين الإسلامي والعربي... وفي يوم الخميس 18/12 نُشر تصريح لسماحة الشيخ حلمي المحتسب حول إصلاحات الأقصى.
    حريق المسجد الأقصى الذي أسفر عن إحراق منبر صلاح الدين، وإتلاف الرواق الشرقي الجنوبي، والمحراب، وزاوية زكريا، وتصدّع أعمدة القبة، وغير ذلك من الأضرار المادية الجسيمة... هذا الحريق الذي احترقت معه مشاعر كل العرب، وكل المسلمين، وكل محبي الحق والعدل، وكل المؤمنين بالله وبالقيم والمثل العليا والمقدسات، وكل أبناء الحضارات والثقافات والشرائع العريقة الراقية، وكل هواة التاريخ وعشاق الآثار في هذا العالم... هذا الحريق الذي أصاب أولى القبلتين لم يكن الفصل الأول من فصول هذه المسرحية المأساة، ولم يكن الفصل الأخير... فما إن ضموا الشطر الشرقي من القدس (بعد أيام من حرب سبعة وستين) إلى شطرها الغربي الذي كان قد وقع في أيديهم عام ثمانية وأربعين.. حتى راحوا يبحثون.. وينقّبون.. ويغيّرون معالم البلدة القديمة.. ويعيدون كتابة تاريخها وجغرافيتها.. ويتصرفون فيها تصرف المالك في ممتلكاته... لقد راحوا يهدمون بيوتًا هنا، وأخرى هناك، وزاوية لهذه العائلة وأخرى لتلك.. بل لقد أزالوا بعض الأحياء، وكثيرًا من البيوت،  وراحوا يغيرون معالم البلدة القديمة، ولاسيما تلك الأماكن، والمواقع، والبيوت القريبة من الأقصى والملاصقة له... وها هم يحفرون، ويبنون، ويهدمون كما يحلو لهم تحت الحرم، وفوق الحرم، وحول الحرم... وحتى لا يظن أحد أنهم يفعلون هذا في البلدة القديمة فقط نقول إنهم ومنذ الأيام الأولى لاحتلالهم القدس عام سبعة وستين راحوا أيضًا يقيمون الأحياء السكنية لمستوطنيهم، وراحوا يصادرون، وينهبون، ويستولون على الأرض بكل الوسائل... فهذه منطقة خضراء، وتلك منطقة مغلقة، وهذه ليست للبناء، وتلك للمرافق العامة... وبمرور الوقت أصبحت الأحياء العربية في القدس محاصرة مغلقة معزولة عن سائر الأراضي المحتلة منذ عام سبعة وستين.. محاطة بالأسوار والجدران والبوابات، لا يستطيع أحد دخولها حتى لو كان من أبنائها الذين فصلهم هذا الجدار عنها إلا بشق الأنفس.. أما الذين لا يحملون هويتها فدخولهم إليها أضحى من المستحيلات، والحديث في هذا الأمر يطول ويطول.. إنه بحاجة إلى أكثر من مقال هنا وآخر هناك، وأكثر من كتاب مصوَّر يروي كل هذا الذي جرى ويجري دون أن يعترض معترض، ودون أن يرفع صوته أحد مطالبًا بوضع الأمور في نصابها!!! لقد أصبحت المستوطنات في محيط القدس، وفي داخل القدس أيضًا هي الأصل، وأصبحت الأحياء العربية هي الاستثناء.. فإلى متى؟ وما الذي يبتغيه هؤلاء؟؟
    بقي أن نقول في هذه الذكرى الأليمة إن كل هذا الذي يجري ويدور في هذه الديار منذ عقود من عدوان، واضطهاد، واستخفاف بالناس، واستيلاء على أراضيهم، ومصادرة لحقوقهم السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، واعتداء على إنسانيتهم، ومشاعرهم، وكرامتهم، واتّجار بمقدّراتهم، ومقدّساتهم، واحتياجاتهم، لا يمكن أن يخدم بأي شكل من الأشكال قضية السلام الذي أضحت الشعوب في أمسّ الحاجة إليه كي يعيد إليها شيئًا من أمنها وأمانها، وكي يعيد إليها  شيئًا من حقوقها السليبة، وشيئًا من كرامتها الذّبيحة... هذه الاعتداءات.. وهذه التجاوزات والانتهاكات.. وهذا التلاعب والتحايل والخداع الذي لا ينطلي على أحد لا يمكن بحال أن يضع نهاية لهذه المسرحية التي تعددت مشاهدها وتفرّعت، وكثرت فصولها وتشعّبت، واستحكمت أهوالها وتجذَّرت... وأصبح اللعب فيها على المكشوف.. وأصبح القتل والنهب والسلب والاغتصاب أكثر من مألوف... نريد حلاًّ منصفًا عادلاً متوازنًا يعيد الحقوق إلى أصحابها، ويؤسس لحياة بشرية باسمة.. ترضى عنها الأجيال القادمة.
        وبقي أن نقول أيضًا في هذه الذكرى الثانية والأربعين لإحراق الأقصى إنهم ماضون في تهويد القدس، وماضون في بناء المستوطنات فيها، وماضون في تهويد الضفة الغربية، وماضون في زرعها بالمستوطنات، وماضون في تجاهل أدنى الحقوق الوطنية الثابتة للفلسطينيين في وطنهم فلسطين، وماضون في حصار غزة، وعزلها عن هذا العالم، وماضون في حصار الأقصى، والتهديد في كل لحظة بهدمه، وماضون في ترويع الفلسطينيين، وهدم منازلهم، ومصادرة أراضيهم، والقذف بهم في غياهب السجون والمعتقلات، وأنكى من كل هذا أنهم ما زلوا يتشدقون بالسلام، ومازالوا يناورون ويتظاهرون بالموافقة على إقامة "دولة" للفلسطينيين على جزء من أراضي الضفة الغربية، شريطة أن تكون هذه "الدولة" مقطّعة الأوصال، منزوعة السلاح، محاطةً بالمستوطنين، خاضعةً لرغباتهم وتجاوزاتهم، ومحاطةً أيضًا بجيش الاحتلال الإسرائيلي، ولا سيما من جهة الشرق، لا تملك حقًّا في مياه، أو فضاء، وليس لها أدنى وجود على معبر أو بوابة تربطها بالعالم الخارجي، وأدهى من هذا وأمرّ أنهم يريدون أن تكون هذه "الدولة" الوهم إضافة إلى كل ما فيها من مستوطنين ومواطنين مكانًا يحشرون فيه أهل الجليل والمثلث والنقب تحقيقًا ليهودية "إسرائيل"، ويستقبلون فيه عددًا محدودًا من لاجئي لبنان أو غير لبنان إلغاءً لحق العودة، وتخلصًا منه، والتفافًا عليه، وتشويهًا لمعناه، وصولاً لشطب هذه القضية الفلسطينية، ظنًّا منهم أنهم قادرون على ذلك، وظنًّا منهم أنهم قادرون على شطب هذا الشعب، وإخضاعه، وتركيعه، وتصفية قضيته، ووضع اليد على أرضه وثرواته ومقدساته، وظنًّا منهم أنهم قادرون على وضع نظرية الإقصاء والإحلال موضع التطبيق، وظنًّا منهم أنهم بذلك يصنعون السلام ويحققونه، وما علموا أن هذا الذي يطلبونه ويصرّون عليه هو العدوان، وأن العدوان لا يمكن أن يؤسس للسلام، وأن السلام لا يتحقق إلاّ بإحقاق الحقوق، وعودتها إلى أصحابها، وأن السلام أيضًا لا يمكن أن يكون عادلاً شريفًا دائمًا إلاّ إذا كان متكافئًا مقنعًا تؤمن به الشعوب، وترضى عنه الأجيال القادمة.
21/8/2011
 

السبت، ٢٠ آب ٢٠١١

إن كنت لا تدري فتلك مصيبةٌ!!

متابعات
إن كنت لا تدري فتلك مصيبةٌ!!
أ. عدنان السمان
www.samman.co.nr
     عجبت لأولئك الذين ارتضَوا لأنفسهم أن يكونوا عونًا لأعدائهم على أممهم وشعوبهم من حيث يعلمون أو لا يعلمون، وعجبت لأولئك الذين يهدمون بيوتهم ويخربونها وهم يعلمون أو لا يعلمون أنهم بهذا إنما يقدمون أكبر خدمة لهذا العدو الطامع في أوطانهم، المتطلع إلى إذلال إنسانهم، وتشويه تاريخهم وثقافتهم، وتحويلهم إلى مسوخ وهياكل ومجموعات وجماعات متناحرة متباغضة متخاصمة خالية من كل معنًى أو مضمون، لاهثة خلف السراب، تهون عليها في رضى أعدائها نفوسها، ويهون عليها في التزلف إلى هذا الغرب، وفي التقرب منه كل شيء حتى شرفها.. وأرثي لحال كل هؤلاء الذين حسبوا أنهم بالوقوف إلى جانب ذلك الغرب بشقيه قد أصبحوا جزءًا منه، وباتوا جزءًا لا يتجزأ من عالمه، وأنهم قد ارتقَوا إلى "مثالية" هذا الغرب، وإلى تسامحه وقيمه وأخلاقه وحريته وعدالته وديمقراطيته التي يقرعون بالحديث عنها، والتسبيح بحمدها آذاننا صباح مساء.. أرثي لحالهم وقد تنكروا لأممهم وشعوبهم، وأصبحوا عبيدًا لهذا الغرب، وأداةً طيعةً في يده لتدمير هذه الأمم والتنكيل بتلك الشعوب، ونهب أموالها، واحتلال أوطانها، وتدمير بنيانها، والقضاء على اقتصادها، وضرب زراعتها وصناعتها وتجارتها، وتحويلها إلى شعوب وأمم مستهلكة لتبقى خاضعة خانعة لمن يقدم لها المأكل والمشرب والملبس، ولمن يقدم لها الرواتب والمنح والأعطيات والمساعدات، وحتى لا تفكر يومًا بالخلاص من هذا الغرب الذي تنازلت له عن كل شيء.. أرثي لحال كل أولئك السياسيين والإعلاميين والإداريين والمثقفين والأكاديميين المتفرنجين الذين ربطوا مصائرهم بتلك الدول التي أذلت أممهم وشعوبهم، واغتصبت أوطانهم، وسامت إنسانها سوء العذاب، وسقته من كؤوس المنايا ما لم يكن ليخطر له على بال.. أرثي لحال كل هؤلاء الذين يرَون بأم أعينهم كل هذه الأعداد الهائلة من الأسرى، وكل هذه الأعداد المذهلة من القتلى والجرحى، وكل هذه الملايين المسحوقة المقموعة الجائعة من أبناء هذه الأمة، ثم لا يحركون ساكنًا من أجل التخفيف من معاناتهم، وفعل ما يفرضه الواجب تجاههم، بل على العكس من ذلك تمامًا نراهم ينتقلون بكل فئات هذه الأمة المنكوبة من مرحلة إلى مرحلة أسوأ منها، ومن نكبة إلى نكبة أدهى وأمر من سابقتها، في محاولة لتركيع هذه الأمة وتيئيسها وإقناعها بضرورة نبذ كل ما هو قديم موروث، واتباع كل ما هو جديد وافد من الغرب، واعتناق فكر الغرب ، وثقافة الغرب، وخطط الغرب، ومخططاته، وكافة مشاريعه ومشروعاته، ومشاريع أحلافه وحلفائه وتوابعه وأتباعه في كل أرض العرب، وعلى كل أرض العرب، وغير العرب.
     أرثي لحال هؤلاء اللاهثين خلف الغرب، وثقافة الغرب، وسراب الغرب.. أرثي لحالهم وهم يتسابقون للفوز برضاه، بمختلف الوسائل، دون وازع من خلق، أو رادع من ضمير.. أرثي لحالهم وهم يكذبون ويزورون ويدلّسون وينسجون القصص والأخبار عما يجري في هذا البلد العربي أو ذاك.. أرثي لحالهم وهم يتسابقون في تأليف الروايات والحكايات التي من شأنها أن تسيء إلى بلد لم يسئ إليهم، ولم يسئ إلى قضيتهم التي يدّعون حرصهم عليها، ولم يسئ إلى ثوابتهم التي يدّعون التمسك بها.. أرثي لحالهم، وهم يحاربون من يناصر قضيتهم، بل ويعتبرها قضيته الأولى.. أرثي لحالهم، وقد شُغلوا عن قضاياهم بقضايا غيرهم، فإذا قال لهم قائل:هذه قضاياكم، وما أكثرها! فاشتغلوا بها خير لكم من هذا الذي تقولونه وتفعلونه وتروجون له. قالوا: قضيتنا بخير، وأشقاؤنا هناك بحاجة إلى مؤازرتنا ودعمنا.. أما كيف كان ذلك؟ فقد زعموا. وأما أين هو الخير؟ فالخيل معقودٌ بنواصيها الخير. وأما إن كانوا لا يعلمون، أو إن كان بعضهم لا يعلم حقيقة ما يدور هناك، ولا يعلم حقيقة ما يقول أو يفعل فتلك مصيبةٌ. وأما إن كانوا يعلمون، أو إن كان بعضهم على الأقل يعلم، فالمصيبة أو المصائب أعظم. ورحم الله الشاعر حيث يقول: إن كنت لا تدري فتلك مصيبةٌ//أو كنت تدري فالمُصيبة أعظمُ.
20/8/2011
 

الاثنين، ١٥ آب ٢٠١١

وإذا أتتك مذمتي من ناقصٍ!!

متابعات
 
وإذا أتتك مذمتي من ناقصٍ!!
أ. عدنان السمان
www.samman.co.nr
     بعيدًا عن المهاترات, وكافة أوجه الخصومات والمخاصمات والمشاحنات، وبعيدًا عن سائر ألوان الضغائن والأحقاد والعداوات، وكل ألوان الكبائر والصغائر والتفاهات والحماقات، ومختلف أشكال الدسائس التي تلون حياة كثير من الناس في هذه الديار، وفي غير هذه الديار من أقطار هذا الكون.. وبعيدًا عن المجاملات، وكافة أوجه العلاقات العامة التي باتت في هذه الأيام عِلمًا له قواعده وأصوله ونظرياته ووجهات نظره واعتباراته، وله منظروه ومقرروه وخبراؤه وأساتذته وجهابذته.. وبعيدًا عن سائر ألوان العلاقات الخاصة التي تربط هذا بذاك، وهذه بتلك، وتشد هؤلاء إلى أولئك في إطار المسائل الشخصية البحتة، والروابط العائلية والعاطفية الإخوانية المحضة، أو في أطر المنافع المتبادلة، وحسابات الربح والخسارة، وحسابات الحقل والبيدر، والمصالح الشخصية والفئوية والحزبية الضيقة وغير الضيقة.. وبعيدًا عن كل ما تحمله هذه الأيام الوافدة إلينا من الغرب لا من الشرق (بعد أن اختل نظام هذا الكون) في ركابها من أوامر ونواهٍ وتعليمات وتوجيهات وقرارات وممارسات أقل ما يمكن أن يقال فيها إنها محاولة لمصادرة العقل الفردي والجمعي، والالتفاف على الإرادة البشرية، والحقوق الثابتة في القول والتفكير والتعبير، وفتح المجال واسعًا أمام الأقلام والأفواه التي اشتراها هذا الغرب، أو تمكن من خداعها وتضليلها بمعسول كلامه، وبريق وعوده، وسحر بيانه، وأحاديثه عن الشراكات والثقافات والحوارات والتفاهمات التي ستجعل من الدنيا كلها جنة خضراء، ولكن لهذا السيد الغربي ولمن يسير في ركابه من التابعين وتابعيهم.. وأقل ما يمكن أن يقال فيها أيضًا إنها محاولة لسوق الناس في هذه الديار وغير هذه الديار من أقطار هذا الشرق سوق الحمر، وإغراقها في بحارٍ من الدماء والدموع حتى لا يبقى فيها مقاوم لهذا الغرب وسياساته، أو ممانع لخططه ومخططاته وتوجهاته وأطماعه.
     بعيدًا عن كل ما سبق ذكره، وبعيدًا عن كثير غيره من تحسسات المتحسسين، وتشنجات المتشنجين عندما يتحدث متحدث عن فكر قومي عربي، أو ثقافة عربية إسلامية، أو فكر شرقي تقدمي تحرري تنويري، أو مشروع عربي إسلامي أو غير إسلامي على هذه الأرض العربية، وعلى تلك الأرض الإسلامية، أو تقارب وتفاهم وتعاون وتنسيق عربي إسلامي شرقي تقدمي مشترك بين كل أقطار هذا الشرق وأممه وشعوبه التي تؤمن إيمانًا عميقًا نفسَّا وثيقًا بحق هذه الشعوب في ثرواتها، وبحقها في حرياتها، وبحقها في استقلال أوطانها وأقطارها، وبحقها المطلق في الخلاص من التبعية للغرب، وفي الخلاص من أتباعه وأعوانه.. وحتى لا يفهم أحد من هذا العنوان أن الأمر يتعلق بذمٍّ وبسباب وشتائم يوجهها ناقص لمن هو أو لمن هم خير منه في كل المعايير والمقاييس والاعتبارات، وحتى لا يذهب ذاهب في هذا الاتجاه المؤدي إلى حلبة الصراعات الشخصية التافهة وغير التافهة، فإنني أقول إن الأمر أبعد من كل هذا وذاك، وإن الشأن الشخصي هو أبعد ما يكون قصدًا عما يمكن أن يوحي به هذا العنوان، أو هذا الصدر من هذا البيت الذي استهواني طالبًا يافعًا يهوى الأدب، ويذوب في الشعر على مقاعد الدراسة، مؤكدًا على أن الأمر أبعد من ذلك، وأنه يتعلق بالشأن السياسي الأخلاقي في هذا الذي يجري ويدور في كثير من أقطار العروبة في هذه الأيام التي تنوء بأثقالها، وأنه يتعلق أيضًا بكل هذا التدخل الغربي السافر بالشأن العربي الداخلي، وبالشأن العربي العام، وبالمال العربي العام، وبلقمة عيش العامل العربي، والفلاح العربي، وبكتاب الطالب العربي، ومصروفه اليومي، وبمستقبل الأجيال العربية على كل أرض العرب، وبمستقبل هذه الأمة العربية بين أمم هذا العالم.. آملاً أن أوفق في إبراز الأفكار التي يعكسها هذا المشهد المأساوي العربي، وأن تسعفني الكلمات في طرح هذه الأفكار والتعبير عنها بصدق ووضوح لا يرى فيه القارئ أي التباس أو غموض أو رثاثة، ولا يجد فيه السامع غضاضة في مواصلة الاستماع، ومتابعة الإصغاء، على الرغم مما يكتنف هذا المقال وكثيرًا غيره من مقالاتي التي أكتبها في هذا الاتجاه من إطالة، وعلى الرغم مما يعتريه ويعتريها ويعتريني فيها من ميل إلى التفصيل والإطناب، وجنوح إلى الموازنات والمقايسات، وإعراضٍ عن المشاحنات والمهاترات والتخرصات، وتعلقٍ بالإيماءات والإيحاءات والإشارات، وإيثار للتلميح على التصريح حينًا، وعنايةٍ بالسجع والمحسنات أحيانًا.. وماذا في ذلك؟  إنني لا أرى فيه غضاضة ما دمنا في هذه الديار نشخّص حالة غريبة، ونصور واقعا شاذًّا فريدًا لم يسبق لنا أن عشناه، وما دمنا في هذا الليل الطويل بحاجة لكل ما في الدنيا من صبر وأناة وبصر وتبصر وبصيرة، ونحن ندب فيه راغبين في الخلاص منه بأقل الخسائر، وأبسط التكاليف.. وما دامت لغتنا هذه، وثقافتنا هذه خير زاد لنا في رحلة البحث عن الحقيقة، وفي رحلة البحث عن الذات، وفي رحلة العبور من الشك إلى اليقين، ومن الظلمات إلى النور، ومن برد الشتاء وعريه وتجهمه وأهوائه وأنوائه وعواصفه وأعاصيره إلى جمال الربيع.
     في الماضي الذي كان شهدت العلاقات العربية الغربية ألوانًا شتى من الصراع، وألوانًا شتى من المد والجزر، وألوانًا شتى من حروب العظمة وتدمير المواقع وفرض السيطرة، ولئن كانت المعارك والحروب بين الغرب والشرق العربي الإسلامي هي الصفة المميزة لتلك العلاقات منذ فجر التاريخ، وعلى امتداد الماضي البعيد والوسيط، وعلى امتداد هذا التاريخ الحديث أيضًا من منبعه إلى مصبه في بحر الدم العربي المائج الهائج.. لئن كانت هذه هي حالنا، وهذه هي طبيعة العلاقات العربية الغربية مرورًا بالإسكندر المقدوني، وبكل الفاتحين العرب المسلمين في عهود الراشدين والأمويين والأندلسيين، ومرورًا بالحملات الصليبية وبالأيوبيين والعثمانيين، ولا أقول إنتهاءً بالحربين العالميتين الأولى والثانية، ووقوع معظم أقطار العروبة والإسلام قبيل ذلك وبعده وبالتزامن معه تحت احتلالاتٍ غربية أوروبية مختلفة، وما أعقب الحرب العالمية الثانية من انتصار أمريكا وخروجها من تلك الحرب القوة الغربية الاولى، وما أعقب ذلك أيضًا من إقامة الدولة العبرية على معظم أرض فلسطين عام ثمانية وأربعين، ثم سيطرة هذه الدولة بعد ذلك على ما تبقى من أرض فلسطين، وعلى أجزاء واسعة من أرض العرب خلال حرب سبعة وستين، ثم عملية الليطاني عام ثمانية وسبعين، وتوقيع معاهدة السلام الإسرائيلية المصرية، واجتياح لبنان عام اثنين وثمانين، وانعقاد مؤتمر مدريد، وتوقيع اتفاقات أوسلو، وقيام سلطة الحكم الذاتي في غزة وأريحا، وتوقيع اتفاقية السلام الإسرائيلية الأردنية، وتمكن المقاومة اللبنانية من تحرير أرض الجنوب اللبناني، وبروز نجم حسن نصر الله، وفوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وحصار غزة، وإطلاق يد الاستيطان والمستوطنين في الضفة الغربية، وتوقف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، ووصولها إلى طريق مسدود، وإصرار السلطة الفلسطينية على التوجه إلى الأمم المتحدة لإعلان قيام الدولة الفلسطينية على أرض سبعة وستين، ورفض الإسرائيليين والولايات المتحدة هذا التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة في العشرين من أيلول الوشيك.. ولئن تمكن الإسرائيليون خلال السنوات الثلاثين الماضية من إقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية وثقافية مع عدد كبير من أقطار العروبة، ولئن تمكنوا بالتنسيق مع الغرب بشقيه الأمريكي والأوروبي من إخضاع كثير من القادة والسياسيين العرب، ومن إخضاع أو احتواء كثير من المفكرين والإعلاميين والمثقفين وقادة الفكر والرأي في كثير من ديار العروبة، فإن آخر ما تفتقت عنه أدمغتهم للرد على ثورة الياسمين في تونس، وللرد على ثورة الخامس والعشرين في مصر، وللرد على المد القومي العربي الذي تدفق في شرايين العرب وعروقهم نتيجة هذه الإنجازات التي حققتها العروبة في تونس ومصر هو أن يخلطوا الأوراق، وأن يغرقوا كثيرًا من أقطار العروبة في حمامات دم تدمر تآلف العرب، ووحدتهم، وسر قوتهم، وتدمر اقتصادهم، وتهدم بنيانهم، وتتصدى لمكاسب التونسيين والمصريين بكل قوة لإعادة عقارب الساعة فيهما إلى الوراء، حيث حكم الطاغيتين المستبدين اللذين كانا أكبر خادمين للسياسة الغربية في بلديهما.. بل إن ما فعله هؤلاء على أرض القطر العربي السوري كان هجومًا على انتصارات حزب الله اللبناني، وكان ردهم على قوة المقاومة اللبنانية، وكان ردهم على الممانعة الفلسطينية، وكان ردهم على مشاعر العروبة المتنامية في كل أجزاء سوريا الكبرى وبلاد الشام: في لبنان، وفي فلسطين كل فلسطين، وفي الأردن،  وكان ردهم على كل مواقف سوريا من الاحتلال الأمريكي للعراق، وكان ردهم على الدور السوري في القضاء على حكم الشاه، وتفجير الثورة الإسلامية في إيران، وكان ردهم على الدور الذي قامت به سوريا في تركيا، والذي لم يكتمل، وكان ردهم على الدور السوري في لبنان وفي كل أقطار الجوار، وعلى الدور القيادي السوري في كل أرض العرب، وكان ردهم أيضًا على إصرار سوريا على تحقيق الاكتفاء الذاتي، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية لكافة فئات الشعب العربي في سوريا، ولكافة العرب المقيمين على أرض هذا القطر العربي السوري، ولا سيما الفلسطينيين والعراقيين منهم، حيث توفر سوريا كافة الخدمات وعلى رأسها الخدمات التعليمية حتى درجة الدكتوراة، والخدمات الطبية حتى زراعة الأعضاء بشكل مجاني، وهذه حقيقة يعلمها كل من يعرف سوريا، ويعرف طبيعة التوجه العروبي العربي الذي انتهجته كافة الحكومات السورية المتعاقبة منذ عهد الاستقلال، وحتى يومنا هذا.. وكان ردهم على تطور الزراعة في سوريا، وعلى التطور الصناعي والتجاري، وعلى تطور العلاقات السورية مع كثير من أقطار هذا العالم، ولا سيما دول المنظومة الاشتراكية، والدول المتحررة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وكان ردهم على كل هذه التوجهات العربية السورية ثقافيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا وإعلاميًّا وتربويًّا وتعبويًّا وعربيًّا وإسلاميًّا وأمميًّا، وكان ردهم على المواقف العربية السورية الداعمة والمؤيدة لإقامة المشروع العربي الوحدوي على كل أرض العرب.
     لكل هذه الأسباب، ولأسباب أخرى نربأ بأنفسنا عن ذكرها، أو الخوض فيها كانت هذه الهجمة التي شنها الغرب بشقيه الأمريكي والأوروبي على سوريا.. وكان كل هذا التجييش الإعلامي غير المسبوق، وكانت كل وقاحة الأمريكان في حديثهم عن الشرعية، وفي حديثهم عن الحرية، وفي حديثهم عن إرادة الشعوب، وهم الذين كانوا ولا يزالون أعدى أعداء هذه الشعوب، وكان كل هذا الإنفاق بسخاء على تلك الخلايا النائمة التي حرص الغرب، كما حرص أتباعه وأعوانه ومؤيدوه والمتناغمون مع سياساته وأطماعه في كل بلاد العروبة والإسلام من بعض أبناء العروبة على زرعها في سوريا، لتكون أداته في ضرب هذا النظام عندما يقرر السيد الغربي ذلك!! لقد حاصرت أمريكا سوريا منذ ثلاثين عامًا، ولقد أربكها كل أعدائها المتحالفين ضدها بالمؤامرات والحوادث والأحداث، وسلطوا عليها أتباعهم وأعوانهم للعبث بها، ولإعاقة مسيرة العمل والبناء والإعمار كلما كان ذلك ممكنًا، وشنوا عليها الحملات الإعلامية الباطلة لتشويه صورتها محليًّا وإقليميًّا وعربيًّا ودوليًّا.. ولما لم تفلح كل هذه المحاولات والجهود، ولما فشلت كل هذه المؤامرات، ولم تمنع سوريا من كسر الحصار الامريكي، ومن توفير أفضل الخدمات لشعبها ولكل العرب المقيمين فيها، ولما تمكنت سوريا من التأثير بقوة في المنطقة العربية، وفي الساحة الدولية أيضًا، ولما كان القرار السوري بضرورة بناء محور طهران بغداد دمشق (أنقرة) بيروت من أجل إحقاق الحق العربي في فلسطين، ومن أجل حماية لبنان واللبنانيين، ومن أجل الرد على خطط الغرب ومخططاته في السيطرة على الأرض العربية، فقد كان قرارهم بشن الحرب على سوريا بهذا الشكل الذي نراه: لقد فرضوا عليها نوعًا من أسوأ أنواع الحروب الأهلية التي ابتليت بها كثير من الأقطار عبر التاريخ، مستغلين في ذلك كل العيوب والهنات والأخطاء التي لا يمكن أن تخلو منها مسيرة شعب، او مسيرة أمة، أو مسيرة ثورة، أو مسيرة حكم، أو مسيرة حكومة، أو مسيرة دولة قررت أن تحقق لنفسها ولشعبها ولأمتها كل ما يمكن أن تحققه من رعاية وعناية وعزة ومنعة وتقدم واستقلال واستقرار.. ومستغلين في ذلك كافة التناقضات العربية،  والخلافات العربية، والأمراض العربية، والصراعات العربية العربية القبلية، وتبعية كثير من العرب للغرب، ومستغلين في ذلك حاجة كثير من السوريين الفقراء ، وكثير من العرب الفقراء، وجهل كثير منهم بحقيقة الأهداف الغربية في سوريا، فأغدقوا عليهم الأموال التي لم تتمكن دولهم من توفيرها لأسباب تتعلق بظروف هذه الدولة وأحوالها، وزودتهم بالسلاح عبر الحدود السورية المترامية الأطراف من كافة الجهات، وحرضتهم وحركتهم للعمل ضد الدولة، وضد المؤسسات، وضد المنشآت العامة والخاصة.. وكلما تدخلت الدولة لوضع الأمور في نصابها ارتفع صياح هذه الفضائيات الكاذبة، وارتفع صراخ كثير من المطبوعات المتآمرة، وصراخ كثير من الإعلاميين الذين آثروا السير في هذه الزفة الإعلامية على الوقوف إلى جانب الحقيقة، وإلى جانب شعوبهم وقضاياهم، ظنَّا منهم أنها فرصتهم لتحقيق المآرب والأهداف والغايات، وظنًّا منهم أنها ليست أكثر من أيام ثم يحصدون ثمار ما يزرعون!! وما علموا أن ما يبتغون صعب المنال، وأن الدولة التي يراهنون على انهيارها ليست كما يتوهمون، فكافة الفئات، وكافة الشرائح فيها، وكافة المستويات والتجمعات والثقافات والاتجاهات تقف مؤيدة كل التأييد لمسيرة الإصلاح، ولمسيرة البناء، ولمسيرة العز والفخار، ولمسيرة  العروبة التي تقودها سوريا، ولمسيرة بناء الدولة العربية على كل أرض العرب التي يرفعها السوريون الأباة...
     إن ما تدعيه دول الغرب بشقيه، وما تزعمه، وما تطالب به هو أكثر من عجيب، وأكثر من مستهجن، فالغرب الذي زرع الفتنة يدعي الحرص على وقفها، ويطلب من الدولة أن لا تتعرض للمدنيين، وكأن الدولة هي المعتدية، وكأن الدولة تحارب المدنيين، وتحارب الناس في الشوارع وليس العكس!! وكأن الدولة أيضًا هي التي تقصف المساجد وتقصف بيوت الأهالي في المدن السورية وفي القرى السورية!! وها هي بريطانيا تدخل شيئًا شبيهًا بهذه التجربة، ولسوف نرى ونسمع ما الذي ستفعله ديمقراطية المملكة المتحدة في مواجهة عناصر كهذه.. إن المراهنين على خضوع سوريا لهذه الدولة أو تلك مخطئون، وإن من يتعاطفون مع تباكي الأمين العام للأمم المتحدة واهمون، وإن المراهنين على محاولات أمريكا لتجنيد مجلس الأمن، واستصدار قرار بإدانة سوريا لا يعرفون أن سوريا قوية بشعبها وبعلاقاتها العربية الأممية، وبدعم كثير من الدول الكبرى لها في المحافل الدولية، وفي مجلس الأمن تحديدًا، ولسوف تخرج سوريا من هذه الفتنة المؤلمة أكثر قوة، وأكثر إصرارًا على استئناف مسيرتها العربية الإسلامية حتى تحقيق أهداف العرب في الوحدة والحرية والاشتراكية.
     بقي أن نقول، والأسى يعتصر منا القلوب، إن العربي لا يعتب على الغرب، ولا يعتب على أعدائه في كل هذا الذي يجري على أرض سوريا، وعلى كثير من أرض العرب، ولكنه "يقينًا" يعتب على عربي يرضى لنفسه أن يكون رأس حربة في هذا الجسد العربي، وفي خاصرة هذه الدولة العربية التي قررت أن تعيد للعرب أمجادهم.. وبقي أن نقول إن كل هذا الزيف، وكل هذا التزوير، وكل هذا التحامل الذي تبديه كل وسائل الإعلام التي تناصب القطر العربي السوري كل هذا العداء السافر المكشوف هو أكثر من مؤلم، وأكثر من مؤسف، وأكثر من شهادة أيضًا على أن الدولة السورية بخير، وعلى أن الدولة السورية على حق،  وعلى أن القطر العربي السوري على حق ما دام هؤلاء وأولئك هم الذين يحاولون النيل منه، وما دام هؤلاء وأولئك هم الذين يذمونه.. ومن هم هؤلاء؟؟  إن العرب كل العرب تعرفهم، بل إن العجم أيضًا تعرفهم.. وبقي أيضًا أن نقول إن من يريد إصلاحًا لا يفعل هذا الذي يفعله، ولا يطالب منذ اللحظة الأولى التي رفع فيها صوته بنزع سلاحٍ حرر أرضًا عربيةً من احتلال ما كان يومًا ليفكر بالخروج والانسحاب لولا هذا السلاح.. وإن من كان عربيًّا مسلمًا، أو مسيحيًّا، أو كتابيًّا، أو وجوديًّا دهريًّا علمانيًّا لا يؤمن إلا بالمادة لا يمكن أن يرتضي لنفسه هذه المكانة، وهذه المهانة التي تضعه فيها تبعيته لكل أعداء العروبة.. إننا لا نملك إلا أن نردد مع هذا الشاعر: وإذا أتتك مذمتي من ناقصٍ// فهي الشهادة لي بأني كاملُ.
     ونحن إذ نؤمن أن الكمال لله وحده، فإننا نقول: ما كان أحرى كل هؤلاء الذين يشنون هذه الحملات الإعلامية الظالمة على سوريا أن يعملوا على معالجة عيوبهم، وأن يعملوا على إصلاح هذه العيوب.. ما كان أحراهم بالنظر إلى اعوجاج رقابهم.. ما كان أحراهم أن يشفقوا على ضحاياهم من المواطنين السوريين الأبرياء ومن غير المواطنين السورين الأبرياء أيضًا من هؤلاء الذين يضللونهم، ويغررون بهم، وهم يعلمون أنهم لن يحققوا شيئًا، ولن يتمكنوا من مواجهة شعب وجيش وحكومة ومجتمع حريص على تاريخه وثقافته وعروبته وإسلامه وإنجازاته وثوابته ومكاسبه ومعتقداته.. ما أحراهم بالاكتفاء بكل هذا الذي فعلوه، وبالعودة من حيث أَتَوا، لأن استمرارهم لا يعني إلا مزيدًا من الخسائر في صفوف أولئك البسطاء المغرر بهم، ولا يعني إلا مزيدًا من الخسائر لبلدٍ وضع كافة إمكاناته وطاقاته وكافة قواه البشرية في خدمة القضايا العربية المصيرية التي تستهدفها دول الغرب بشقيه، ويقف إلى جانبهم في ذلك نفرٌ من المحسوبين على أمة العرب، وما هم من هذه الأمةِ في شيء.
 
13/8/2011

الأحد، ١٤ آب ٢٠١١

وإذا أتتك مذمتي من ناقصٍ!!

متابعات
وإذا أتتك مذمتي من ناقصٍ!!
أ. عدنان السمان
www.samman.co.nr
     بعيدًا عن المهاترات, وكافة أوجه الخصومات والمخاصمات والمشاحنات، وبعيدًا عن سائر ألوان الضغائن والأحقاد والعداوات، وكل ألوان الكبائر والصغائر والتفاهات والحماقات، ومختلف أشكال الدسائس التي تلون حياة كثير من الناس في هذه الديار، وفي غير هذه الديار من أقطار هذا الكون.. وبعيدًا عن المجاملات، وكافة أوجه العلاقات العامة التي باتت في هذه الأيام عِلمًا له قواعده وأصوله ونظرياته ووجهات نظره واعتباراته، وله منظروه ومقرروه وخبراؤه وأساتذته وجهابذته.. وبعيدًا عن سائر ألوان العلاقات الخاصة التي تربط هذا بذاك، وهذه بتلك، وتشد هؤلاء إلى أولئك في إطار المسائل الشخصية البحتة، والروابط العائلية والعاطفية الإخوانية المحضة، أو في أطر المنافع المتبادلة، وحسابات الربح والخسارة، وحسابات الحقل والبيدر، والمصالح الشخصية والفئوية والحزبية الضيقة وغير الضيقة.. وبعيدًا عن كل ما تحمله هذه الأيام الوافدة إلينا من الغرب لا من الشرق (بعد أن اختل نظام هذا الكون) في ركابها من أوامر ونواهٍ وتعليمات وتوجيهات وقرارات وممارسات أقل ما يمكن أن يقال فيها إنها محاولة لمصادرة العقل الفردي والجمعي، والالتفاف على الإرادة البشرية، والحقوق الثابتة في القول والتفكير والتعبير، وفتح المجال واسعًا أمام الأقلام والأفواه التي اشتراها هذا الغرب، أو تمكن من خداعها وتضليلها بمعسول كلامه، وبريق وعوده، وسحر بيانه، وأحاديثه عن الشراكات والثقافات والحوارات والتفاهمات التي ستجعل من الدنيا كلها جنة خضراء، ولكن لهذا السيد الغربي ولمن يسير في ركابه من التابعين وتابعيهم.. وأقل ما يمكن أن يقال فيها أيضًا إنها محاولة لسوق الناس في هذه الديار وغير هذه الديار من أقطار هذا الشرق سوق الحمر، وإغراقها في بحارٍ من الدماء والدموع حتى لا يبقى فيها مقاوم لهذا الغرب وسياساته، أو ممانع لخططه ومخططاته وتوجهاته وأطماعه.
     بعيدًا عن كل ما سبق ذكره، وبعيدًا عن كثير غيره من تحسسات المتحسسين، وتشنجات المتشنجين عندما يتحدث متحدث عن فكر قومي عربي، أو ثقافة عربية إسلامية، أو فكر شرقي تقدمي تحرري تنويري، أو مشروع عربي إسلامي أو غير إسلامي على هذه الأرض العربية، وعلى تلك الأرض الإسلامية، أو تقارب وتفاهم وتعاون وتنسيق عربي إسلامي شرقي تقدمي مشترك بين كل أقطار هذا الشرق وأممه وشعوبه التي تؤمن إيمانًا عميقًا نفسَّا وثيقًا بحق هذه الشعوب في ثرواتها، وبحقها في حرياتها، وبحقها في استقلال أوطانها وأقطارها، وبحقها المطلق في الخلاص من التبعية للغرب، وفي الخلاص من أتباعه وأعوانه.. وحتى لا يفهم أحد من هذا العنوان أن الأمر يتعلق بذمٍّ وبسباب وشتائم يوجهها ناقص لمن هو أو لمن هم خير منه في كل المعايير والمقاييس والاعتبارات، وحتى لا يذهب ذاهب في هذا الاتجاه المؤدي إلى حلبة الصراعات الشخصية التافهة وغير التافهة، فإنني أقول إن الأمر أبعد من كل هذا وذاك، وإن الشأن الشخصي هو أبعد ما يكون قصدًا عما يمكن أن يوحي به هذا العنوان، أو هذا الصدر من هذا البيت الذي استهواني طالبًا يافعًا يهوى الأدب، ويذوب في الشعر على مقاعد الدراسة، مؤكدًا على أن الأمر أبعد من ذلك، وأنه يتعلق بالشأن السياسي الأخلاقي في هذا الذي يجري ويدور في كثير من أقطار العروبة في هذه الأيام التي تنوء بأثقالها، وأنه يتعلق أيضًا بكل هذا التدخل الغربي السافر بالشأن العربي الداخلي، وبالشأن العربي العام، وبالمال العربي العام، وبلقمة عيش العامل العربي، والفلاح العربي، وبكتاب الطالب العربي، ومصروفه اليومي، وبمستقبل الأجيال العربية على كل أرض العرب، وبمستقبل هذه الأمة العربية بين أمم هذا العالم.. آملاً أن أوفق في إبراز الأفكار التي يعكسها هذا المشهد المأساوي العربي، وأن تسعفني الكلمات في طرح هذه الأفكار والتعبير عنها بصدق ووضوح لا يرى فيه القارئ أي التباس أو غموض أو رثاثة، ولا يجد فيه السامع غضاضة في مواصلة الاستماع، ومتابعة الإصغاء، على الرغم مما يكتنف هذا المقال وكثيرًا غيره من مقالاتي التي أكتبها في هذا الاتجاه من إطالة، وعلى الرغم مما يعتريه ويعتريها ويعتريني فيها من ميل إلى التفصيل والإطناب، وجنوح إلى الموازنات والمقايسات، وإعراضٍ عن المشاحنات والمهاترات والتخرصات، وتعلقٍ بالإيماءات والإيحاءات والإشارات، وإيثار للتلميح على التصريح حينًا، وعنايةٍ بالسجع والمحسنات أحيانًا.. وماذا في ذلك؟  إنني لا أرى فيه غضاضة ما دمنا في هذه الديار نشخّص حالة غريبة، ونصور واقعا شاذًّا فريدًا لم يسبق لنا أن عشناه، وما دمنا في هذا الليل الطويل بحاجة لكل ما في الدنيا من صبر وأناة وبصر وتبصر وبصيرة، ونحن ندب فيه راغبين في الخلاص منه بأقل الخسائر، وأبسط التكاليف.. وما دامت لغتنا هذه، وثقافتنا هذه خير زاد لنا في رحلة البحث عن الحقيقة، وفي رحلة البحث عن الذات، وفي رحلة العبور من الشك إلى اليقين، ومن الظلمات إلى النور، ومن برد الشتاء وعريه وتجهمه وأهوائه وأنوائه وعواصفه وأعاصيره إلى جمال الربيع.
     في الماضي الذي كان شهدت العلاقات العربية الغربية ألوانًا شتى من الصراع، وألوانًا شتى من المد والجزر، وألوانًا شتى من حروب العظمة وتدمير المواقع وفرض السيطرة، ولئن كانت المعارك والحروب بين الغرب والشرق العربي الإسلامي هي الصفة المميزة لتلك العلاقات منذ فجر التاريخ، وعلى امتداد الماضي البعيد والوسيط، وعلى امتداد هذا التاريخ الحديث أيضًا من منبعه إلى مصبه في بحر الدم العربي المائج الهائج.. لئن كانت هذه هي حالنا، وهذه هي طبيعة العلاقات العربية الغربية مرورًا بالإسكندر المقدوني، وبكل الفاتحين العرب المسلمين في عهود الراشدين والأمويين والأندلسيين، ومرورًا بالحملات الصليبية وبالأيوبيين والعثمانيين، ولا أقول إنتهاءً بالحربين العالميتين الأولى والثانية، ووقوع معظم أقطار العروبة والإسلام قبيل ذلك وبعده وبالتزامن معه تحت احتلالاتٍ غربية أوروبية مختلفة، وما أعقب الحرب العالمية الثانية من انتصار أمريكا وخروجها من تلك الحرب القوة الغربية الاولى، وما أعقب ذلك أيضًا من إقامة الدولة العبرية على معظم أرض فلسطين عام ثمانية وأربعين، ثم سيطرة هذه الدولة بعد ذلك على ما تبقى من أرض فلسطين، وعلى أجزاء واسعة من أرض العرب خلال حرب سبعة وستين، ثم عملية الليطاني عام ثمانية وسبعين، وتوقيع معاهدة السلام الإسرائيلية المصرية، واجتياح لبنان عام اثنين وثمانين، وانعقاد مؤتمر مدريد، وتوقيع اتفاقات أوسلو، وقيام سلطة الحكم الذاتي في غزة وأريحا، وتوقيع اتفاقية السلام الإسرائيلية الأردنية، وتمكن المقاومة اللبنانية من تحرير أرض الجنوب اللبناني، وبروز نجم حسن نصر الله، وفوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وحصار غزة، وإطلاق يد الاستيطان والمستوطنين في الضفة الغربية، وتوقف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، ووصولها إلى طريق مسدود، وإصرار السلطة الفلسطينية على التوجه إلى الأمم المتحدة لإعلان قيام الدولة الفلسطينية على أرض سبعة وستين، ورفض الإسرائيليين والولايات المتحدة هذا التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة في العشرين من أيلول الوشيك.. ولئن تمكن الإسرائيليون خلال السنوات الثلاثين الماضية من إقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية وثقافية مع عدد كبير من أقطار العروبة، ولئن تمكنوا بالتنسيق مع الغرب بشقيه الأمريكي والأوروبي من إخضاع كثير من القادة والسياسيين العرب، ومن إخضاع أو احتواء كثير من المفكرين والإعلاميين والمثقفين وقادة الفكر والرأي في كثير من ديار العروبة، فإن آخر ما تفتقت عنه أدمغتهم للرد على ثورة الياسمين في تونس، وللرد على ثورة الخامس والعشرين في مصر، وللرد على المد القومي العربي الذي تدفق في شرايين العرب وعروقهم نتيجة هذه الإنجازات التي حققتها العروبة في تونس ومصر هو أن يخلطوا الأوراق، وأن يغرقوا كثيرًا من أقطار العروبة في حمامات دم تدمر تآلف العرب، ووحدتهم، وسر قوتهم، وتدمر اقتصادهم، وتهدم بنيانهم، وتتصدى لمكاسب التونسيين والمصريين بكل قوة لإعادة عقارب الساعة فيهما إلى الوراء، حيث حكم الطاغيتين المستبدين اللذين كانا أكبر خادمين للسياسة الغربية في بلديهما.. بل إن ما فعله هؤلاء على أرض القطر العربي السوري كان هجومًا على انتصارات حزب الله اللبناني، وكان ردهم على قوة المقاومة اللبنانية، وكان ردهم على الممانعة الفلسطينية، وكان ردهم على مشاعر العروبة المتنامية في كل أجزاء سوريا الكبرى وبلاد الشام: في لبنان، وفي فلسطين كل فلسطين، وفي الأردن،  وكان ردهم على كل مواقف سوريا من الاحتلال الأمريكي للعراق، وكان ردهم على الدور السوري في القضاء على حكم الشاه، وتفجير الثورة الإسلامية في إيران، وكان ردهم على الدور الذي قامت به سوريا في تركيا، والذي لم يكتمل، وكان ردهم على الدور السوري في لبنان وفي كل أقطار الجوار، وعلى الدور القيادي السوري في كل أرض العرب، وكان ردهم أيضًا على إصرار سوريا على تحقيق الاكتفاء الذاتي، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية لكافة فئات الشعب العربي في سوريا، ولكافة العرب المقيمين على أرض هذا القطر العربي السوري، ولا سيما الفلسطينيين والعراقيين منهم، حيث توفر سوريا كافة الخدمات وعلى رأسها الخدمات التعليمية حتى درجة الدكتوراة، والخدمات الطبية حتى زراعة الأعضاء بشكل مجاني، وهذه حقيقة يعلمها كل من يعرف سوريا، ويعرف طبيعة التوجه العروبي العربي الذي انتهجته كافة الحكومات السورية المتعاقبة منذ عهد الاستقلال، وحتى يومنا هذا.. وكان ردهم على تطور الزراعة في سوريا، وعلى التطور الصناعي والتجاري، وعلى تطور العلاقات السورية مع كثير من أقطار هذا العالم، ولا سيما دول المنظومة الاشتراكية، والدول المتحررة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وكان ردهم على كل هذه التوجهات العربية السورية ثقافيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا وإعلاميًّا وتربويًّا وتعبويًّا وعربيًّا وإسلاميًّا وأمميًّا، وكان ردهم على المواقف العربية السورية الداعمة والمؤيدة لإقامة المشروع العربي الوحدوي على كل أرض العرب.
     لكل هذه الأسباب، ولأسباب أخرى نربأ بأنفسنا عن ذكرها، أو الخوض فيها كانت هذه الهجمة التي شنها الغرب بشقيه الأمريكي والأوروبي على سوريا.. وكان كل هذا التجييش الإعلامي غير المسبوق، وكانت كل وقاحة الأمريكان في حديثهم عن الشرعية، وفي حديثهم عن الحرية، وفي حديثهم عن إرادة الشعوب، وهم الذين كانوا ولا يزالون أعدى أعداء هذه الشعوب، وكان كل هذا الإنفاق بسخاء على تلك الخلايا النائمة التي حرص الغرب، كما حرص أتباعه وأعوانه ومؤيدوه والمتناغمون مع سياساته وأطماعه في كل بلاد العروبة والإسلام من بعض أبناء العروبة على زرعها في سوريا، لتكون أداته في ضرب هذا النظام عندما يقرر السيد الغربي ذلك!! لقد حاصرت أمريكا سوريا منذ ثلاثين عامًا، ولقد أربكها كل أعدائها المتحالفين ضدها بالمؤامرات والحوادث والأحداث، وسلطوا عليها أتباعهم وأعوانهم للعبث بها، ولإعاقة مسيرة العمل والبناء والإعمار كلما كان ذلك ممكنًا، وشنوا عليها الحملات الإعلامية الباطلة لتشويه صورتها محليًّا وإقليميًّا وعربيًّا ودوليًّا.. ولما لم تفلح كل هذه المحاولات والجهود، ولما فشلت كل هذه المؤامرات، ولم تمنع سوريا من كسر الحصار الامريكي، ومن توفير أفضل الخدمات لشعبها ولكل العرب المقيمين فيها، ولما تمكنت سوريا من التأثير بقوة في المنطقة العربية، وفي الساحة الدولية أيضًا، ولما كان القرار السوري بضرورة بناء محور طهران بغداد دمشق (أنقرة) بيروت من أجل إحقاق الحق العربي في فلسطين، ومن أجل حماية لبنان واللبنانيين، ومن أجل الرد على خطط الغرب ومخططاته في السيطرة على الأرض العربية، فقد كان قرارهم بشن الحرب على سوريا بهذا الشكل الذي نراه: لقد فرضوا عليها نوعًا من أسوأ أنواع الحروب الأهلية التي ابتليت بها كثير من الأقطار عبر التاريخ، مستغلين في ذلك كل العيوب والهنات والأخطاء التي لا يمكن أن تخلو منها مسيرة شعب، او مسيرة أمة، أو مسيرة ثورة، أو مسيرة حكم، أو مسيرة حكومة، أو مسيرة دولة قررت أن تحقق لنفسها ولشعبها ولأمتها كل ما يمكن أن تحققه من رعاية وعناية وعزة ومنعة وتقدم واستقلال واستقرار.. ومستغلين في ذلك كافة التناقضات العربية،  والخلافات العربية، والأمراض العربية، والصراعات العربية العربية القبلية، وتبعية كثير من العرب للغرب، ومستغلين في ذلك حاجة كثير من السوريين الفقراء ، وكثير من العرب الفقراء، وجهل كثير منهم بحقيقة الأهداف الغربية في سوريا، فأغدقوا عليهم الأموال التي لم تتمكن دولهم من توفيرها لأسباب تتعلق بظروف هذه الدولة وأحوالها، وزودتهم بالسلاح عبر الحدود السورية المترامية الأطراف من كافة الجهات، وحرضتهم وحركتهم للعمل ضد الدولة، وضد المؤسسات، وضد المنشآت العامة والخاصة.. وكلما تدخلت الدولة لوضع الأمور في نصابها ارتفع صياح هذه الفضائيات الكاذبة، وارتفع صراخ كثير من المطبوعات المتآمرة، وصراخ كثير من الإعلاميين الذين آثروا السير في هذه الزفة الإعلامية على الوقوف إلى جانب الحقيقة، وإلى جانب شعوبهم وقضاياهم، ظنَّا منهم أنها فرصتهم لتحقيق المآرب والأهداف والغايات، وظنًّا منهم أنها ليست أكثر من أيام ثم يحصدون ثمار ما يزرعون!! وما علموا أن ما يبتغون صعب المنال، وأن الدولة التي يراهنون على انهيارها ليست كما يتوهمون، فكافة الفئات، وكافة الشرائح فيها، وكافة المستويات والتجمعات والثقافات والاتجاهات تقف مؤيدة كل التأييد لمسيرة الإصلاح، ولمسيرة البناء، ولمسيرة العز والفخار، ولمسيرة  العروبة التي تقودها سوريا، ولمسيرة بناء الدولة العربية على كل أرض العرب التي يرفعها السوريون الأباة...
     إن ما تدعيه دول الغرب بشقيه، وما تزعمه، وما تطالب به هو أكثر من عجيب، وأكثر من مستهجن، فالغرب الذي زرع الفتنة يدعي الحرص على وقفها، ويطلب من الدولة أن لا تتعرض للمدنيين، وكأن الدولة هي المعتدية، وكأن الدولة تحارب المدنيين، وتحارب الناس في الشوارع وليس العكس!! وكأن الدولة أيضًا هي التي تقصف المساجد وتقصف بيوت الأهالي في المدن السورية وفي القرى السورية!! وها هي بريطانيا تدخل شيئًا شبيهًا بهذه التجربة، ولسوف نرى ونسمع ما الذي ستفعله ديمقراطية المملكة المتحدة في مواجهة عناصر كهذه.. إن المراهنين على خضوع سوريا لهذه الدولة أو تلك مخطئون، وإن من يتعاطفون مع تباكي الأمين العام للأمم المتحدة واهمون، وإن المراهنين على محاولات أمريكا لتجنيد مجلس الأمن، واستصدار قرار بإدانة سوريا لا يعرفون أن سوريا قوية بشعبها وبعلاقاتها العربية الأممية، وبدعم كثير من الدول الكبرى لها في المحافل الدولية، وفي مجلس الأمن تحديدًا، ولسوف تخرج سوريا من هذه الفتنة المؤلمة أكثر قوة، وأكثر إصرارًا على استئناف مسيرتها العربية الإسلامية حتى تحقيق أهداف العرب في الوحدة والحرية والاشتراكية.
     بقي أن نقول، والأسى يعتصر منا القلوب، إن العربي لا يعتب على الغرب، ولا يعتب على أعدائه في كل هذا الذي يجري على أرض سوريا، وعلى كثير من أرض العرب، ولكنه "يقينًا" يعتب على عربي يرضى لنفسه أن يكون رأس حربة في هذا الجسد العربي، وفي خاصرة هذه الدولة العربية التي قررت أن تعيد للعرب أمجادهم.. وبقي أن نقول إن كل هذا الزيف، وكل هذا التزوير، وكل هذا التحامل الذي تبديه كل وسائل الإعلام التي تناصب القطر العربي السوري كل هذا العداء السافر المكشوف هو أكثر من مؤلم، وأكثر من مؤسف، وأكثر من شهادة أيضًا على أن الدولة السورية بخير، وعلى أن الدولة السورية على حق،  وعلى أن القطر العربي السوري على حق ما دام هؤلاء وأولئك هم الذين يحاولون النيل منه، وما دام هؤلاء وأولئك هم الذين يذمونه.. ومن هم هؤلاء؟؟  إن العرب كل العرب تعرفهم، بل إن العجم أيضًا تعرفهم.. وبقي أيضًا أن نقول إن من يريد إصلاحًا لا يفعل هذا الذي يفعله، ولا يطالب منذ اللحظة الأولى التي رفع فيها صوته بنزع سلاحٍ حرر أرضًا عربيةً من احتلال ما كان يومًا ليفكر بالخروج والانسحاب لولا هذا السلاح.. وإن من كان عربيًّا مسلمًا، أو مسيحيًّا، أو كتابيًّا، أو وجوديًّا دهريًّا علمانيًّا لا يؤمن إلا بالمادة لا يمكن أن يرتضي لنفسه هذه المكانة، وهذه المهانة التي تضعه فيها تبعيته لكل أعداء العروبة.. إننا لا نملك إلا أن نردد مع هذا الشاعر: وإذا أتتك مذمتي من ناقصٍ// فهي الشهادة لي بأني كاملُ.
     ونحن إذ نؤمن أن الكمال لله وحده، فإننا نقول: ما كان أحرى كل هؤلاء الذين يشنون هذه الحملات الإعلامية الظالمة على سوريا أن يعملوا على معالجة عيوبهم، وأن يعملوا على إصلاح هذه العيوب.. ما كان أحراهم بالنظر إلى اعوجاج رقابهم.. ما كان أحراهم أن يشفقوا على ضحاياهم من المواطنين السوريين الأبرياء ومن غير المواطنين السورين الأبرياء أيضًا من هؤلاء الذين يضللونهم، ويغررون بهم، وهم يعلمون أنهم لن يحققوا شيئًا، ولن يتمكنوا من مواجهة شعب وجيش وحكومة ومجتمع حريص على تاريخه وثقافته وعروبته وإسلامه وإنجازاته وثوابته ومكاسبه ومعتقداته.. ما أحراهم بالاكتفاء بكل هذا الذي فعلوه، وبالعودة من حيث أَتَوا، لأن استمرارهم لا يعني إلا مزيدًا من الخسائر في صفوف أولئك البسطاء المغرر بهم، ولا يعني إلا مزيدًا من الخسائر لبلدٍ وضع كافة إمكاناته وطاقاته وكافة قواه البشرية في خدمة القضايا العربية المصيرية التي تستهدفها دول الغرب بشقيه، ويقف إلى جانبهم في ذلك نفرٌ من المحسوبين على أمة العرب، وما هم من هذه الأمةِ في شيء.
 
14/8/2011
 
  

الأربعاء، ١٠ آب ٢٠١١

كُنْ معنا.. وكن بعد ذلك فاسِـــــــــــــدًا كما تريد!!

إعادة
كُنْ معنا.. وكن بعد ذلك فاسِـــــــــــــدًا كما تريد!!
أ.عدنان السمان
   قال محدثي: سأتكلم اليوم في كثيرٍ من القضايا، ولن أتركَ لك مجالاً للكلامِ أبدًا. قلت: إني أسمعُ جيدًا، فقُل ما تريد. قال: أخبار الفساد والفاسدين في هذا الوطن العربي الكبير تطغى على غيرها من الأخبار والعناوين، وحركات التمرد، وسفك الدماء، والقصف، والرعب، والخوف في عدد من أقطار العروبة تتصدر العناوين الرئيسة في كثير من الصحف والمطبوعات، وشاشات التلفزة، وتفردُ لها كثير من الصحف عناوين بارزة على صدر صفحاتها الأولى، وتنشر صورًا تقشعِّر لهَوْلِها الأبدان لضحايا حركات التمرد هذه على صفحاتها الداخلية في كثير من الأحيان.. فما الذي يجري في هذا الوطن العربي؟ وما حكاية حركات التمرد؟ ولماذا تعصف الاشتباكات المسلحة ببعض أقطار العروبة؟ وما معنى هذا الصمت في أقطار عربية أخرى؟ وهل صحيحٌ أن قضايا الفساد والفاسدين وراء كل ما يجري هنا وهناك؟ وهل صحيحٌ أن الأقطار التي لا زالت تحتفظ بالهدوء والاستقرار هي أقطار خالية من الفساد والفاسدين؟
    لا أكاد أصدق أن بلدًا عربيًّا يحظى حتى هذه الساعة بكل هذا الهدوء، وبكل هذا الصمت الذي دونه صمت المقابر وهو يمنع المرأة حتى اليوم من حقها في قيادة السيارة، ومن حقها في الترشح للمجالس البلدية والقروية والنيابية، ومن حقها في الانتخاب، إضافة إلى حرمانها من سلسلة طوية لا تكاد تنتهي من الحقوق الطبيعية للإنسان.. لا أكادُ أصدق أن بلدًا كهذا يرفلُ كل مترفيه_ وما أكثرهم_ في ثياب العز والهناءة ورغدِ العيش والنعيم المقيم، والعيش الخيالي الخرافي، والتصرف المطْلَق بالمال العام، وبكل ثروات البلد في الوقت الذي تعيش فيه غالبية الناس في ذلك البلد عيشًا أشبه بعيش الجاهليين، وحياة لا تختلف كثيرًا عن حياة الغربيين في القرون الوسطى.
    لا أكاد أصدق أن ثوريًّا عربيًّا أو غير عربي يستعين بهذا الحشد الهائل من دول الغرب والطائرات الغربية التي تقصف الناس وتقتلهم وتريق دماءهم، وتقصف المنشآت العامة والخاصة في هذا البلد الذي يدَّعون الثورة على نظامه الفاسد!! وإذا كان ذلك النظام الذي خرجَ عليه أولئك "الثوار" فاسدًا حقًّا فماذا نقول في هذا الثوري الذي يستعين بالغرب على الناس في هذا البلد؟ وماذا نقول في هذا الثوري الذي يقف إلى جانبه كل أعداء البشرية، وكل أعداء الشعوب الذين اضطهدوها، ومازالوا يضطهدونها، ويمتصون خيراتها، ويمثّلون بثوارها الحقيقيين في كثير من أقطار العروبة والإسلام؟
    ولا أكاد أصدق أن هؤلاء الذين يخوضون حرب إبادة ضد كثير من شعوب الأمة الإسلامية العربية، ويُهزَمون أمام ضربات أولئك الثوار، ويعلنون مباشَرتهم في الانسحاب منها خائبين مهزومين، ثم وبقدرة قادر يتحولون إلى أصدقاء يدافعون عن حق أبناء هذه الأمة الإسلامية العربية في العيش بحرية، ويقفون إلى جانبها في "تمردها" على هذا النظام المقاوم الممانع الذي ما لان أمام كل محاولاتهم التي تستهدف تركيعه، وتستهدف تطويعه، وتستهدف إرهابه وتخويفه كي يسير في فلكهم، وكي يرفع يده عن كل حركات التحرر والتحرير التي يتبناها في كثير من ديار العروبة، متحالفًا مع حركات وحكومات ترفض التبعية للغرب، وترفض المساومة على كل قضايا العرب العادلة، وكل قضايا المسلمين العادلة، وكل قضايا الشعوب العادلة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية!!
 
     ولا أكاد أصدق أن كل هذا الحشد الإعلامي الهائل، وكل هذا التجييش الإعلامي غير المسبوق الذي يحاول النيل من استقرار هذا البلد الذي يرفع شعار التصدي للمشاريع الغربية على كل أرض العرب يأتي لصالح الناس في ذاك البلد! وكيف من الممكن أن تكون كل تلك الحملات الإعلامية والسياسية والعسكرية التي تستهدف أمن ذلك البلد وأمانه، كيف من الممكن أن تكون لمصلحة الناس هناك، وكيف من الممكن أن تكون لمصلحة شعب ذلك البلد؟ إنه لمن العار أن يفتعل الغرب وأعوانه المشكلات والأزمات يريدون بها إسقاط ذلك النظام الذي يرفض مشاريعه، ويرفض الرضوخ لوعيده وتهديده، ويرفض التخلي عن عمقه العربي، وفكره القومي، وانتمائه الإسلامي.. وإنه لمن العار أن يكون الغرب وراء كل هذه الضحايا في ذلك البلد، وفي غير ذلك البلد، ثم يأتي ليذرف الدموع عليهم، وليحمّل النظام القائم كامل المسئولية عن سفك دمائهم، ثم ليطالب بعد ذلك بإسقاط ذلك النظام بعد أن فرض عليه سلسلة من العقوبات الاقتصادية على مدى ستة وعشرين عامًا، ولا يزال يشدد من تلك العقوبات حتى اليوم.. ولئن رفض ذلك النظام كل وعود الغرب، ولئن رفض كل وعيده وتهديده أيضًا، ولئن رفضَ ذلك النظام العربي القومي الممانع المقاوم كل دعوة للتنازل عن الحق العربي، والإرث العربي، والثقافة العربية في كل تلك الديار، وفي كل أقطار الجوار التي يتوسطها، ويقيم أقوى الصلات، وأوثق العلاقات مع أحرارها وحرائرها وثوارها وشرفائها ومناضليها وكافة المتمسكين بالثوابت من أبنائها وبناتها.. ولئن كان الغرب، ولئن كان معه كل أعداء القضية العربية على علمٍ بإصرار ذلك النظام على الاستمرار في حمل الرسالة، وأداء الأمانة، فإن ذلك التجمع يثبتُ بإصراره على الاستمرار في التحريض والإثارة وتغذية الأعوان والأنصار والحلفاء بالمال والسلاح أنه مصرٌّ على السير في الشوط إلى نهايته، وليس لهذا الإصرار سوى معنًى واحد، وليس له أيضًا سوى نتيجة واحدة هي سقوط مزيد من الضحايا لفترة قد تطول وقد تقصر، ثم خروج ذلك النظام بعد ذلك منتصرًا على كل تلك القوى الخارجية، وعلى كل أدواتها وأعوانها دون استثناء.
    إن من المؤلم أن يستجيب كثيرٌ من العرب لوسوسة الغرب وهلوسته وأحلامه في السيطرة على كل أرض العرب، وإقامة المشروع الغربي الحليف على هذه الأرض العربية، وإن من المؤلم أن نجد في هذا التجمع كثيرًا من السياسيين والاقتصاديين والمنتفعين والإعلاميين ورجال الدين والأئمّة الذين كان عليهم أن يقفوا في خندق الأمة لا في خنادق أعدائها وفنادقهم، وإن من المؤلم أن كل هذا التحالف الغريب، وكل هذا التجمع المريب العجيب يعلم علم اليقين أن الغرب لا يريد خيرًا  بالعرب، وأن الغرب هو _مع الأسف_ عدوُّ العرب، وأن الغرب هو الذي يصنع الفساد والفاسدين في بلاد العروبة والإسلام، وأن الغرب يقول بلسان عربي ذي عِوَج، وهو يخاطب أعوانه وأنصاره ومجنَّديه: " كنْ معنا، وكن بعد ذلك فاسدًا كما تريد!!" كل هذا التجمع الذي يضم كثيرًا من المستفيدين والمنتفعين والحاقدين والطامعين والموتورين والضالين المضلّين الكاذبين المزوّرين يعلمُ يقينًا أنَّ الغرب ومعه كل أعوانه وأنصاره هم مصدر كل فساد وإفساد في كل ديار الإسلام والعروبة، وأن هذا التجمع يعلم يقينًا أن كل الأحرار والثوار العروبيين الشرفاء المتمسكين بالثوابت المتشبثين بالحقوق وبالكرامة العربية، وبإقامة المشروع العربي على كل أرض العرب هم الذين يلاحقهم الغرب وأعوانه وعملاؤه والمخدوعون بكلامه المعسول، وهم الذين يغري بهم الغرب سفهاءه وأجراءه وعصاباته المسلّحة، وهم الذين يخطط الغرب للتخلص منهم بكل الوسائل، ومختلف الطرق والأساليب، حتى لو سقط في سبيل  تحقيق هدفه هذا وأهدافه هذه مليون قتيل، أو ملايين القتلى.. إن إسقاط بعض النُّظُم العربية، وإحياء بعضها الآخر، وإرباك الوطن العربي، وإغراقه ببحرٍ من الدماء هي أهداف هذا الغرب.. ليقيم بعد ذلك مشروعه الغربي على كل أرض العرب... وليحكم أمة العرب بعد ذلك كما يريد، وكما يريد أعوانه وأتباعه والمعجبون المبهورون بثقافته وديمقراطيته وعدالته... فهل يعتقد الغرب أنه قادر على ذلك؟ وهل يعتقد أولئك الضالون المخدوعون الذين ربطوا مصائرهم بمصيره أن هذا النهج الذي يسلكونه هو نهج الأحرار الشرفاء الأخيار الأبرار من أبناء هذه الأمة!!.
    قلت لمحدثي: لقد أصبتَ أيها الرفيق، ولقد وصفتَ كثيرًا من أدواءِ هذه الأمة وأمراضها، ولقد أنصفتَ كثيرًا من شرفاء هذه الأمة وثوارها وقادتها العروبيين، ولقد قلت كلمتك بصدق وصراحة، وإن كانت مبتسرةً موجزة اكتفيتَ فيها في كثير من المواقف بالإشارة العابرة، وبالتلميح بدلاً من التصريح، لقد تكلمتَ فأجدتَ، ووصفتَ فأحسنتَ الوصفَ، وسخِرتَ فكنتَ الساخر الثائر الواثق من نفسه، وإن أثرتني، وجعلت الدم يغلي في عروقي بلهجَتِكَ الخَطابيَّة، ولقد أزعجتني كثيرًا وأسعَدتَني بهذا التوصيف الذي يدفع المرء لسلوك سبيل التصدي والتحدي ولو كان في التسعين من عمره.
 
 

الاثنين، ٨ آب ٢٠١١

عندما يصبحُ الوطنُ حقيبة..!!

إعادة
عندما يصبحُ الوطنُ حقيبة..!!
أ.عدنان السمان
     في الماضي البعيد، وفي الماضي القريب أيضًا كان الناسُ، في غالبيتهم، بُسَطاء بدائيين، وكانوا، في غالبيتهم، مسالمين طيبين، قلَّ أن يفكروا بأكثر من ضرورات العيش، وأساسيات الحياة، بل قلَّ أن يعرفوا شيئًا مذكورًا أو غير مذكور من تعقيدات هذه الحياة التي نحياها، وعلى الرغم من سَعَة خيالهم، وصفاء أذهانهم، وصدق نظرتهم، وعمق فلسفتهم، وقوة عبارتهم، ودقة وصفهم، وسحر بيانهم.. في الماضي كان الناس أقرب إلى الفطرة، وكانت حياتهم أقرب إلى الهدوء على الرغم من كل أشكال التوتر والحروب، وعلى الرغم من كل صعوبات الحياة ومشقاتها، وقسوة الطبيعة وأهوالها في تلك الأزمنة التي قلَّت فيها الدول، وكثُرَت فيها الأوطان، وتنوعت فيها الأعراق والألسُن والتيارات والتوجهات، وكانت أعداد الناس فيها محدودة، وكانت وسائل الاتصالات والمواصلات بينهم معدومة أو شبه معدومة، لكنهم، مع كل ذلك، عرفوا كيف يعيشون، وكيف يحاربون ويسالمون، وكيف يكرهون ويحبون، بل إن قصص حبهم وعشقهم كانت تملأ الآفاق في أزمنتهم تلك، ولقد تمكنت من الوصول إلى زماننا هذا ليجد فيها كثير من أهل هذا الزمان زادًا لنفوسهم، وغذاءً لعقولهم وقلوبهم التي ينعشها الحديث عن الحب، وتسعدها هذه الصفحات المشرقة من حياة المحبين والعشاق في تلك الفترة المتقدمة من طفولة البشرية، ومن مراهقتها النفسية والفكرية والشعورية واللاشعورية أيضًا.. إنه، وعلى الرغم من كافة الأوبئة والمعارك والحروب وتجارة الرقيق والسَّبي والتشريد والاغتصاب التي عرفتها تلك العصور والأزمنة، وعلى الرغم من كل ألوان القهر والفقر والجوع والموت التي كانت تفتك بالناس آنذاك إلا أنهم، يقينًا، لم يعانوا مما يعاني منه إنسان هذا الزمان، ولم يشاهدوا شيئًا من هذه الحقائب التي تملأ الرحب، وتضطرب بها واجهات العرض، ودور الأزياء، والمحالِّ التجارية في هذا الزمان.. صحيح أنهم قد عرفوا كثيرًا من أشكال الحقائب وألوانها وأحجامها ومقاساتها المختلفة، وصحيح أن التائهين والتافهين والساقطين والمتساقطين واللاهثين خلف السراب موجودون في كل عصر وفي كل مصر إلا أنك لا تملك ألاّ أن تتميّز من الغيظ وأنت ترى أصحاب الحقائب من أبناء هذا الزمان تغص بهم الشوارع والساحات والطرقات، وتعجُّ بهم القرى والمدن والمخيمات، ويدرك اللاحق السابق، ويتفانى كل أولئك وهؤلاء في خسيس المغنَم، ويتسابقون نحو "القمم" الشمّاء على جماجم النساء والفقراء والأغبياء والأبرياء.. ولا تملك ألاّ تتميّز من الغيظ وأنت ترى كل أصحاب هذه الأخاديد، لا أصحاب ذلك الأخدود وحده، ولا تملك ألاّ تتميّز من الغيظ كجهنم الحمراء وأنت تسأل هؤلاء كما سأل خزنتها أولئك إن كان قد جاءهم النذير، وإن كانوا قد استمعوا له، وإن كان هؤلاء أيضًا قد جاءهم النذر لا النذير، فآثروا ألاّ يسمعوا، وآثروا إلا أن يظلّوا سادرين في الجهل والجهالة والعماية والغواية والفجور، وأصروا على أن يشعلوا النار في تلك الحفر والخنادق والأخاديد التي مُلِئت بالناس من شتى الألوان والأشكال والأعمار والأجناس، وأصروا أيضًا على أن ألا يروا في أوطانهم وأبدانهم وأديانهم وإنسانهم أكثر من حقيبة تحقق لصاحبها سهولة التنقل والعمل والثراء، وعصًا سحريةً تجلب لهم الحظ، وتأتيهم بالنساء والقِيان والجواري والغلمان صباح مساء، وقوةً هائجة جامحة عمياء يذلون بها من يشاءون، ويعزّون من يشاءون، ويفعلون ما يريدون وما لا يريدون.. فالفاعلون يقينًا هم السادة الآمرون لا العبيد المأمورون!!
     عندما يصبح الوطن حقيبة يحدث كل هذا، ويحدث ما هو أدهى وأنكى وأمرّ من كل هذا..يسعى المخربون الحاقدون المأجورون الضالّون المتآمرون من الساقطين الأوباش لتخريب هذا الوطن وبيعه لأعدى أعدائه الطامعين فيه المتربصين به الدوائر، وعندما يصبح الوطن حقيبة سفر يهجر الناس هذا الوطن ، يتنكر الناس لهذا الوطن، يبيع الناس هذا الوطن لمن يدفعون الثمن من أعدائه، ولمن يحبون الوطن ممن عاشوا أزمانًا بدون وطن، ولمن علّمتهم الفواجع والقوارع والنوازل والخطوب أن الوطن هو أغلى ما يملك الإنسان، وأن الوطن فوق الغرائر والمذاهب والمناصب والرواتب والرتب، وفوق المال والنساء والحشيش وكل أنواع "السجاير" والعقارات والعمارات والمفروشات والسيارات، وكل مهن القيادة والقوادة، وكل صور البيع والشراء والنماء والثراء السريع وغير السريع.. وعندما يصبح الوطن حقيبة سفر ترى الناس يروحون ويجيئون مسرعين ومبطئين في شتى الاتجاهات يُسيِّرهم المخططون والمشرفون والموجهون والموجِّهات، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى يريد كلٌّ منهم أن ينجز المهمة التي أُوكِلَت إليه ليحصل بعد ذلك على المقابل الذي وعدوه به، حتى إذا ما انتهت المهامّ أو كادت، وظفر المخططون بما أرادوا أو كادوا، بُهت الكاذبون المفترون المزورون، وابذعرّوا في الآفاق متنكرين متكتمين متسللين لِواذًا حتى لا يراهم أحد، وحتى لا يسألهم أحد عما فعلت أيديهم، وقالت ألسنتهم!!
     وعندما يصبح الوطن حقيبة أموال تتجمع الأموال في هذه الحقيبة، يأتي بها الشطّار من كل صوب وحدب، يغدقها المغدقون عليهم لقاء عقود وعهود والتزامات وجهود بُذِلَت وتُبذَل وسوف تُبذَل، ولقاء تعهدات ومقاولات كلما أنجز منها جانب دُفِع ثمن ما أُنجِزَ، وكانت دفعة أو دفعات لإنجاز المرحلة التالية، ويكون البذخ والترف والإنفاق بسخاء، والتبذير بدون حساب، ويكون أيضًا أن يجمع هؤلاء وأولئك ما استطاعوا من محاسيب وأعوان يشاركونهم الثراء والترف وحياة المجون، ويسبّحون بحمد أبطال هذا الرخاء، ويروّجون لأفكارهم ومشاريعهم المستقبلية المباركة، وعبقريتهم في تحقيق الطموحات والأهداف التي عجز السابقون عن تحقيقها، وسيعجز غيرهم عن تحقيق شيء منها.. فهم وحدهم الذين عرفوا كيف يلعبونها، وهم وحدهم الذين يستطيعون حسم الأمور والمواقف لأنهم عرفوا كيف يخاطبون ضمير العالم! وعرفوا كيف يُحرجون من كانوا خصومًا بالأمس، وعرفوا كيف يحولونهم إلى أصدقاء، وأي أصدقاء!! وأما غالبية الناس في وطن الحقيبة، أو حقيبة الوطن هذه، فإنهم لا يرَونَ شيئًا مما في هذه الحقيبة، والويل لمن يتفوّه منهم بكلمة احتجاج أو شكوى، والويل لمن يعترض منهم على هذه الإجراءات والممارسات.. والتهم دائمًا جاهزة: الناس في هذا الوطن سيئون، وهم مدانون بكافة فئاتهم وشرائحهم، ولا حاجة بنا لذكر ما فعلوا على امتداد عشرات السنين.. يكفي أن نقول إنهم سيئون باعوا وطنهم بدل أن يفتدوه.. ولولا تدخلنا في الوقت المناسب وقبل فوات الأوان لما بقيت من هذا الوطن بقية نتحدث عنها، ونحارب باستماتة من أجل إنقاذها سِلمًا لا حربًا، لأننا نؤمن فقط بهذا النهج، ولأننا جئنا بعقول مفتوحة، وقلوب مفتوحة لاستعادة ما أضاعه المقامرون، وما باعه البائعون من هؤلاء الناس السيئين!!
     والحديث عن الحقائب يطول ويطول، ولعل من ألعن أنواعها هذه الحقائب الدبلوماسية، وحقائب الحشيش والمهرَّبات والممنوعات والمسروقات بشتى أنواعها وأطيافها وصورها وأشكالها، والحقائب الوزارية التي تُستَسهل في سبيلها الصعاب، ويُراق على جوانبها الدمُ.. هذه الحقائب التي فيها من المكاسب والمزايا والامتيازات ما فيها.. إن قضاء بضعة أيام في منصب رفيع كهذا كفيل أن يؤمّن صاحبه إلى ولد الولد!! وإن نسينا شيئًا في هذا السياق فإننا لا يمكن أن ننسى حقائب المتفجرات التي نقف عندها لحظة واحدة، لأن مثل هذه الوقفة ستلحق بنا أفدح الخسائر والأضرار، ولأنها ستجلب يقينًا لنا تهمة التعاطي بالإرهاب، والتفاعل مع الإرهابيين، وفي هذا ما فيه من دمار شامل إلى ولد الولد، ودمار شامل قد يحل بالبلد، وما أدراك ما البلد؟!
   أما عندما يتحول الوطن بتاريخه وجغرافيته وثقافته وفكره وتراثه وحضارته ومستقبل الأجيال على أرضه إلى حقيبة امرأة، فهمناك الطامة الكبرى، وهناك الداهية الشؤمى، وهناك الويل والثبور، وهناك عظائم الأمور، وهناك ابتلي المؤمنون، وهناك زلزلوا زلزالاً شديدًا.. فالويل لك إن وافقت، والويل لك إن عارضت، والويل لك إن مانعت، والويل لك من المرأة وأحبابها وأنصارها ومؤيديها والمسبحين بحمدها.. والويل لك من الرجل الذي يؤمن بها، والرجل الذي لا يؤمن بها.. عندما يتحول الوطن إلى حقيبة امرأة فإن الرجال يحملون هذه الحقيبة قبل النساء، وتصبح هذه الحقيبة زيًّا شعبيًّا، وزيًّا رسميًّا يتزيّا به الناس شيبًا وشبابًا وأطفالاً.. وعندما يحدث هذا، فاعلم أنها النهاية، واعلم أن منظومة القيم التي تحمي الأسرة والمجتمع والبنيان كله قد انهارت، أو أنها في طريقها للانهيار.. ليس معنى هذا أنني ضد نصف المجتمع إلى هذا الحد، وليس معنى هذا أنني لا أؤمن بأن المرأة هي كل المجتمع لا نصفه، ولكنّ معنى هذا يقينًا أنني أكاد أموت خوفًا من هذه الطريقة التي يتحدثون فيها عن المرأة، ويعاملون بها المرأة، ويحاولون بها رفع مستوى المرأة، وينظرون من خلالها إلى المرأة، وإنني في الوقت نفسه أكاد أموت غيظًا وأنا أنظر إلى بعض هذه النماذج من النساء اللواتي فرضن أنفسهن لهذا السبب أو ذاك، وإلى هذه النماذج التي تحاول اللحاق بمن وصلن من بنات جنسهن، لأنني أؤمن بالكفاءات من الجنسين، ولأنني لا أؤمن بتفضيل جنس على جنس، ولا أتعصب لجنس دون جنس، يمكن أن أقبل بوجود فلانة في هذا الموقع، أو ذاك، فقط لأنها امرأة، وفقط لأن الكوتة قد اقتضت ذلك.
    إن الحقيبة التي من خلالها يولد الوطن، ومن خلالها يقوى الوطن ويزدهر، ويشتد عوده، ومن خلالها يكون الجيل القوي القادر على حماية الوطن واستعادة أمجاده، ومن نسيج خيوطها يولد مع الفجر أحرار وحرائر على مستوى المسئولية والعمل هي الحقيبة المدرسية التي أهملناها عمدًا، وتلاعبنا بها عمدًا، كي يقطف كل هؤلاء وأولئك ثمار غياب الحقيبة المدرسية التي ما بُنيَ وطن في غيابها.