أنقذوا العام الدراسي من الضَّياع
أ. عدنان السمان
بُدئ الفصل الدراسي الثاني في المدارس الحكومية في الضفة الغربية يوم الأحد العاشر من شباط من العام(2008) الثامن بعد الألفين للميلاد بعد أن قرر المعلمون تعليق إضرابهم عن العمل حتى العشرين منه بهدف إعطاء من يعنيهم الأمر من المسئولين فرصة لإنهاء الخلافات، ودفع المستحقات، ثم عاد المعلمون وأعطوا المسئولين أسبوعًا آخر لتحقيق المطالب، وحلّ الخلاف.
هذه الخطوة من جانب المعلمين والموظفين هي خطوة إيجابية يستحقون عليها الشكر، ومن الضروري أن يرد من يعنيهم الأمر في حكومة تسيير الأعمال بخطوات إيجابية تضع حدًّا للخلافات، وتعيد الأمور إلى نصابها والحقوق إلى أصحابها، وبهذا يستمر المعلمون وسائر الموظفين في العمل والعطاء بأقصى طاقاتهم، ونضع بهذا حدًّا لحياة القلق والضَّياع والجهل والتشرد التي يعيشها – مع الأسف الشديد – مئات الآلاف من طلبتنا الذين يُفترض أنهم حُماة الديار، وعُدة الوطن، ورجال المجتمع ونساؤه، وصانعو المستقبل المشرق لهذه الأمة في غدها الآتي... آمال عريضة هذه التي ينتظر المواطنون تحقيقها بفارغ الصبر بعد أن تزول الخلافات، وتعود المياه إلى مجاريها، وهل في هذا الوجود ما هو أغلى من هؤلاء الأطفال والفتية ، وهل فيه ما هو أحلى وأجمل من هؤلاء الأحبة، وهم يتوجهون إلى مدارسهم باسمين مغتبطين فرحين مقبلين على الحياة بهمة وقوة ونشاط؟
الأهداف التي ينتظر مجتمعنا تحقيقها من انتظام الطلبة في مدارسهم، والمعلمين في مراكز عملهم هي أهداف سامية، إنها عودة الحياة إلى هذا الوطن، وعودة الروح إلى هذا الشعب الذي تنتظره مسئوليات لا حصر لها تجاه الوطن، وتجاه المواطن.. الموظفون اليوم هم الفئة الوحيدة "العاملة" في هذه الديار بعد أن امَّحت أو كادت فئات الفلاحين، والعمال، والتجار، والصنّاع.. بمعنى أن الموظفين هم الفئة التي ترى العملة بشكل منتظم في هذا المجتمع ( وإن كانت رواتب نسبة عالية منهم هزيلة لا تكاد تسدّ الرمق ولا سيما بعد موجات الغلاء المتلاحقة الرهيبة) وهذا معناه أن نحو مليون مواطن يشكّلون أربعين بالمئة من المواطنين في الضفة الغربية تعيلهم فئة الموظفين، وهذا معناه أيضًا أن استقرار أحوال هذه الفئة، وتحسين أحوال ذوي الدخل المتدني من عامليها ومتقاعديها ينعكس إيجابًا على نصف المجتمع، على أن ينصرف من يعنيهم الأمر في حكومة تسيير الأعمال لمعالجة أحوال النصف الآخر بشكل يحتفظ معه المواطن بكرامته، وبماء وجهه بعد سنوات من الفقر والحاجة والحرمان.
ولكي لا نبتعد هنا عن جوهر الموضوع فإننا نعود لنؤكد على الأهداف الحيوية التي يتوخاها الناس من انتظام الطلبة في مدارسهم، ومن استمرار هذا الدوام المشروط بإعادة حقوق المعلمين، وحل الخلافات خلال هذه المدة الزمنية التي حدّدوها وسيلةً من وسائل رأب الصدع الذي أصاب العملية التربوية، ووسيلةً من وسائل مكافحة التشرّد والتسيّب والجهل الذي يعصف بكثير من الطلبة في هذه الديار.. ولعل من الوسائل التي لا بد منها، ولا غنًى عنها لإصلاح كل هذا الخلل الذي أصاب العملية التربوية التعليمية هذا الدَّور الذي يجب أن يقوم به أولياء الأمور تجاه أبنائهم وبناتهم.. إذ لا يُعقل أبدًا أن يبقى الأب – في كثير من الأحوال – آخر من يعلم، هذا إذا عَلِم! ولا يُعقل أن يبقى كثير من الآباء على جهل مطبق بأحوال أبنائهم، وأسماء مدارسهم، وصفوفهم، ومعلميهم... لا بد من اهتمام أولياء الأمور بأبنائهم وبناتهم، ولا بد من إعطاء هذه القضية حقَّها من الاهتمام، والبحث عن الحلول، والضغط من أجل إصلاح الخلل!! ألم يسمع الآباء وأولياء الأمور بما جرى في الشارع من اعتداءات رهيبة على كثير من الأطفال في الآونة الأخيرة؟؟
ولعل من الوسائل التي لا بد من التأكيد عليها لإصلاح العملية التعليمية التربوية مسألة تعويض الطلبة خلال ما تبقّى من هذا الفصل الدراسي عما ضاع من ساعات وأسابيع وشهور خلال هذا العام، والأعوام التي سبقته.. وإن خير وسيلة لتعويضهم عما فات، ولضبط العملية التربوية من جديد يكمن في العودة إلى العمل في أيام السبت كما كان الأمر مذ كان التعليم، ومذ كانت المدارس في هذه الديار!
إن واضعي المنهاج قد وضعوه على أساس عام دراسي من سبعة أشهر لا ينبغي لها أن تنقص يومًا واحدًا!! وبغير ذلك فإن المعلم سيلجأ – مضطَّرًّا - إلى الحذف والسلق كي ينهي المقرر في نصف المدة الزمنية المحددة، وربما في أقل من النصف ، أو نصف النصف!!!
إن أسبوعًا دراسيًّا من خمسة أيام يعني باختصار شديد أن لا يستفيد الطلبة شيئًا ذا بال من الحصص المتأخرة في اليوم الدراسي، ويعني باختصار شديد أن نفتح بابًا للتشرد والفلتان في صفوف الطلبة، وأن نحشرهم حشرًا في أيام الحر والبرد في صفوف تنقصها التدفئة شتاءً، وترى كثيرًا من الطلبة وهم نيام في أيام الحر... في الوقت الذي لا نجد فيه أدنى فائدة لهذه العطلة الأسبوعية المدمرة للمدارس ولكافة الدوائر، ولا سيما دوائر الصحة.. إن هذه الحجج التي يسوقها بعضهم لتسويغ هذا الأمر هي حجج باطلة.. لا حاجة بنا لما يسمونه أسواق المال! ولا حاجة بنا لهذه المضاربات المدمرة! وإذا كان لا بد من ذلك، فما علاقة مدارسنا وعياداتنا به؟ ما علاقة مؤسساتنا ودوائرنا بهذه المضاربات والمقامرات التي عادت على كثير من المجتمعات والشعوب بالكوارث والنكبات والويلات!! ثم إن من اخترعوا هذه الأسواق، واستفادوا منها أيضًا لا تعطل مدارسهم يومين في الأسبوع، بل يومًا واحدًا، وانظروا من حولكم لتروا الحقيقة!!
إن الناس في هذه الديار يطالبون المسئولين بإنهاء الخلاف مع المعلمين، حتى يكون هذا الفصل الدراسي أفضل من سابقه، وهم يأمُلون في تحقيق الأهداف السامية التي يتوخونها من العملية التربوية، ويبدو أن هذا الأمر لن يتم إلا بإعطاء المعلمين والموظفين حقوقَهم دون إبطاء حتى ننقذ هذا العام الدراسي من الضياع، وحتى يتفرغ الناس لإصلاح ما أصاب كثيرًا من المشافي والمراكز الصحية والعيادات من تقهقر نتيجة للإغلاقات والخصومات والمشاحنات.. إننا نأمل في أن يلبي من يعنيهم الأمر مطالب المعلمين حتى لا يُضطروا لتنفيذ إضرابهم الذي يعني ببساطة إلغاء هذا العام الدراسي عمليًّا وقانونيًّا.. وتدمير ما تبقى لهذا الشعب من آمال في الحياة والحرية على أرض هذا الوطن.
11/3/2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق