عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


الخميس، ٣٠ حزيران ٢٠١١

لهذه الأسباب كانت "القدس" جريدتي!!

مواجهات
لهذه الأسباب كانت "القدس" جريدتي!!
أ.عدنان السمان
    لأنها الماضي الذي كان وما هان، ولن يهون.. ولأنها الشباب والهضاب والحِراب مذ كانت في ذلك العام الحادي والخمسين، ليكون "الجهاد" أول صحيفة تصدر على أرض هذا الجزء من الوطن في أعقاب النكبة الكبرى التي أصابتنا في عام النكبة ذاك.. ولأنها تحمل اسم هذه الحبيبة التي ما انحنت يومًا إلا لله.. ولأننا كبرنا معها وبها، وكَبُرَتْ معنا وبنا على إيقاع يوسف النجار وعزف أبي شلباية المنفرد.. ولأننا سمعنا ما لا يسرُّ من نقدٍ جارح واتهام صريح، ونحن في مرحلة التأسيس الثانية، والوطن العربي كله يلعق جراحه في أعقاب النكبة المزلزلة الثانية.. ولأن من وجّهوا سهام النقد والتجريح والاتهام تلك هم من فرضوا أنفسهم عليها لاحقًا، وهم من حاولوا ويحاولون شراءها، والتحكم بخط سيرها، وإلحاقها بمشاريعهم واستثماراتهم الكثيرة خارج الوطن وداخله أيضًا.. ولأن كل هؤلاء وأولاء وأولئك لم يكتفوا بذلك كله، بل لقد اتخذوه مرتكزًا ونقطة انطلاق للممارسة الحساب والعقاب والثواب، وتطبيق سياسة المغانم والمغارم، وسياسة الإحلال والإقصاء، وسياسة من لم يكن معي فهو ضدي، وسياسة كم الأفواه، وفرض سياسة الأمر الواقع الجديد، وسياسة التفرُّد بالقرار، والانفراد بتقرير مصائر البلاد والعباد، والتحكم بأقدارهم وأرزاقهم وأعناقهم ومقدّراتهم.. ولأن هذا كله وكثيرًا غيره مما قد يقال، وقد لا يقال أمر مخالف للقانون، مخالف لطبائع الأشياء، مخالف لثقافة هذه الديار، مجافٍ للحقيقة، ينطوي على قدر هائل من الظلم والإجحاف والعدوان على كثير من الناس.. ولأن الوطن لكل أبنائه، ولأن الشعب هو صاحب القرار، ولأن كل ثوابت هذا الشعب خطوط حمراء ينبغي أن يقف عندها كافة من أوهَموا أنفسهم أنهم فوق القانون، وأنهم غير ملزمين بالوقوف عند الإشارات الضوئية أيضًا.. لكل هذه الأسباب التي ذُكرت، ولكل تلك الأسباب التي لم تُذكَر فإن كل محاولاتهم مرفوضة، وإن كل أوهامهم ما ظهر منها وما بطن، وإن كل أطماعهم ما أعلن منها وما استَتر مرفوضة، ولو جنَّدوا لفرضها كل أساليب الإغراء، وكل وسائل الترغيب، وكل وسائل الترهيب!!
    يا كل أحباب هذه الأرض العربية الحرة في فلسطين، ويا كل المتفائلين بمستقبل هذا الشعب، وبقدرة هذه الأمة على تقرير مصيرها، وإقامة مشروعها العربي، والخلاص من براثن الغرب بشقيه، والتصدي لكل الغزاة الطامعين بنا المجترئين علينا.. يا كل الأحبة في القدس، وفي كل فلسطين لم يعد أمامي الآن إلا أن أنهي هذه الزفرة الغاضبة المحتجة على ما اتخذه نفزٌ (ليس عندي ما أصفهم به) من إجراءات بحق الفكر السياسي الحر وبحقي، وليس عندي ما أقوله سوى أنه لهذه الأسباب كانت "القدس" جريدتي منذ البداية، وستظل جريدتي حتى النهاية، ولو كره الكارهون!!
30\6\2011
 

الثلاثاء، ٢٨ حزيران ٢٠١١

متابعات
كُنْ معنا.. وكن بعد ذلك فاسِـــــــــــــدًا كما تريد!!
أ.عدنان السمان
   قال محدثي: سأتكلم اليوم في كثيرٍ من القضايا، ولن أتركَ لك مجالاً للكلامِ أبدًا. قلت: إني أسمعُ جيدًا، فقُل ما تريد. قال: أخبار الفساد والفاسدين في هذا الوطن العربي الكبير تطغى على غيرها من الأخبار والعناوين، وحركات التمرد، وسفك الدماء، والقصف، والرعب، والخوف في عدد من أقطار العروبة تتصدر العناوين الرئيسة في كثير من الصحف والمطبوعات، وشاشات التلفزة، وتفردُ لها كثير من الصحف عناوين بارزة على صدر صفحاتها الأولى، وتنشر صورًا تقشعِّر لهَوْلِها الأبدان لضحايا حركات التمرد هذه على صفحاتها الداخلية في كثير من الأحيان.. فما الذي يجري في هذا الوطن العربي؟ وما حكاية حركات التمرد؟ ولماذا تعصف الاشتباكات المسلحة ببعض أقطار العروبة؟ وما معنى هذا الصمت في أقطار عربية أخرى؟ وهل صحيحٌ أن قضايا الفساد والفاسدين وراء كل ما يجري هنا وهناك؟ وهل صحيحٌ أن الأقطار التي لا زالت تحتفظ بالهدوء والاستقرار هي أقطار خالية من الفساد والفاسدين؟
    لا أكاد أصدق أن بلدًا عربيًّا يحظى حتى هذه الساعة بكل هذا الهدوء، وبكل هذا الصمت الذي دونه صمت المقابر وهو يمنع المرأة حتى اليوم من حقها في قيادة السيارة، ومن حقها في الترشح للمجالس البلدية والقروية والنيابية، ومن حقها في الانتخاب، إضافة إلى حرمانها من سلسلة طوية لا تكاد تنتهي من الحقوق الطبيعية للإنسان.. لا أكادُ أصدق أن بلدًا كهذا يرفلُ كل مترفيه_ وما أكثرهم_ في ثياب العز والهناءة ورغدِ العيش والنعيم المقيم، والعيش الخيالي الخرافي، والتصرف المطْلَق بالمال العام، وبكل ثروات البلد في الوقت الذي تعيش فيه غالبية الناس في ذلك البلد عيشًا أشبه بعيش الجاهليين، وحياة لا تختلف كثيرًا عن حياة الغربيين في القرون الوسطى.
    لا أكاد أصدق أن ثوريًّا عربيًّا أو غير عربي يستعين بهذا الحشد الهائل من دول الغرب والطائرات الغربية التي تقصف الناس وتقتلهم وتريق دماءهم، وتقصف المنشآت العامة والخاصة في هذا البلد الذي يدَّعون الثورة على نظامه الفاسد!! وإذا كان ذلك النظام الذي خرجَ عليه أولئك "الثوار" فاسدًا حقًّا فماذا نقول في هذا الثوري الذي يستعين بالغرب على الناس في هذا البلد؟ وماذا نقول في هذا الثوري الذي يقف إلى جانبه كل أعداء البشرية، وكل أعداء الشعوب الذين اضطهدوها، ومازالوا يضطهدونها، ويمتصون خيراتها، ويمثّلون بثوارها الحقيقيين في كثير من أقطار العروبة والإسلام؟
    ولا أكاد أصدق أن هؤلاء الذين يخوضون حرب إبادة ضد كثير من شعوب الأمة الإسلامية العربية، ويُهزَمون أمام ضربات أولئك الثوار، ويعلنون مباشَرتهم في الانسحاب منها خائبين مهزومين، ثم وبقدرة قادر يتحولون إلى أصدقاء يدافعون عن حق أبناء هذه الأمة الإسلامية العربية في العيش بحرية، ويقفون إلى جانبها في "تمردها" على هذا النظام المقاوم الممانع الذي ما لان أمام كل محاولاتهم التي تستهدف تركيعه، وتستهدف تطويعه، وتستهدف إرهابه وتخويفه كي يسير في فلكهم، وكي يرفع يده عن كل حركات التحرر والتحرير التي يتبناها في كثير من ديار العروبة، متحالفًا مع حركات وحكومات ترفض التبعية للغرب، وترفض المساومة على كل قضايا العرب العادلة، وكل قضايا المسلمين العادلة، وكل قضايا الشعوب العادلة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية!!
 
     ولا أكاد أصدق أن كل هذا الحشد الإعلامي الهائل، وكل هذا التجييش الإعلامي غير المسبوق الذي يحاول النيل من استقرار هذا البلد الذي يرفع شعار التصدي للمشاريع الغربية على كل أرض العرب يأتي لصالح الناس في ذاك البلد! وكيف من الممكن أن تكون كل تلك الحملات الإعلامية والسياسية والعسكرية التي تستهدف أمن ذلك البلد وأمانه، كيف من الممكن أن تكون لمصلحة الناس هناك، وكيف من الممكن أن تكون لمصلحة شعب ذلك البلد؟ إنه لمن العار أن يفتعل الغرب وأعوانه المشكلات والأزمات يريدون بها إسقاط ذلك النظام الذي يرفض مشاريعه، ويرفض الرضوخ لوعيده وتهديده، ويرفض التخلي عن عمقه العربي، وفكره القومي، وانتمائه الإسلامي.. وإنه لمن العار أن يكون الغرب وراء كل هذه الضحايا في ذلك البلد، وفي غير ذلك البلد، ثم يأتي ليذرف الدموع عليهم، وليحمّل النظام القائم كامل المسئولية عن سفك دمائهم، ثم ليطالب بعد ذلك بإسقاط ذلك النظام بعد أن فرض عليه سلسلة من العقوبات الاقتصادية على مدى ستة وعشرين عامًا، ولا يزال يشدد من تلك العقوبات حتى اليوم.. ولئن رفض ذلك النظام كل وعود الغرب، ولئن رفض كل وعيده وتهديده أيضًا، ولئن رفضَ ذلك النظام العربي القومي الممانع المقاوم كل دعوة للتنازل عن الحق العربي، والإرث العربي، والثقافة العربية في كل تلك الديار، وفي كل أقطار الجوار التي يتوسطها، ويقيم أقوى الصلات، وأوثق العلاقات مع أحرارها وحرائرها وثوارها وشرفائها ومناضليها وكافة المتمسكين بالثوابت من أبنائها وبناتها.. ولئن كان الغرب، ولئن كان معه كل أعداء القضية العربية على علمٍ بإصرار ذلك النظام على الاستمرار في حمل الرسالة، وأداء الأمانة، فإن ذلك التجمع يثبتُ بإصراره على الاستمرار في التحريض والإثارة وتغذية الأعوان والأنصار والحلفاء بالمال والسلاح أنه مصرٌّ على السير في الشوط إلى نهايته، وليس لهذا الإصرار سوى معنًى واحد، وليس له أيضًا سوى نتيجة واحدة هي سقوط مزيد من الضحايا لفترة قد تطول وقد تقصر، ثم خروج ذلك النظام بعد ذلك منتصرًا على كل تلك القوى الخارجية، وعلى كل أدواتها وأعوانها دون استثناء.
    إن من المؤلم أن يستجيب كثيرٌ من العرب لوسوسة الغرب وهلوسته وأحلامه في السيطرة على كل أرض العرب، وإقامة المشروع الغربي الحليف على هذه الأرض العربية، وإن من المؤلم أن نجد في هذا التجمع كثيرًا من السياسيين والاقتصاديين والمنتفعين والإعلاميين ورجال الدين والأئمّة الذين كان عليهم أن يقفوا في خندق الأمة لا في خنادق أعدائها وفنادقهم، وإن من المؤلم أن كل هذا التحالف الغريب، وكل هذا التجمع المريب العجيب يعلم علم اليقين أن الغرب لا يريد خيرًا  بالعرب، وأن الغرب هو _مع الأسف_ عدوُّ العرب، وأن الغرب هو الذي يصنع الفساد والفاسدين في بلاد العروبة والإسلام، وأن الغرب يقول بلسان عربي ذي عِوَج، وهو يخاطب أعوانه وأنصاره ومجنَّديه: " كنْ معنا، وكن بعد ذلك فاسدًا كما تريد!!" كل هذا التجمع الذي يضم كثيرًا من المستفيدين والمنتفعين والحاقدين والطامعين والموتورين والضالين المضلّين الكاذبين المزوّرين يعلمُ يقينًا أنَّ الغرب ومعه كل أعوانه وأنصاره هم مصدر كل فساد وإفساد في كل ديار الإسلام والعروبة، وأن هذا التجمع يعلم يقينًا أن كل الأحرار والثوار العروبيين الشرفاء المتمسكين بالثوابت المتشبثين بالحقوق وبالكرامة العربية، وبإقامة المشروع العربي على كل أرض العرب هم الذين يلاحقهم الغرب وأعوانه وعملاؤه والمخدوعون بكلامه المعسول، وهم الذين يغري بهم الغرب سفهاءه وأجراءه وعصاباته المسلّحة، وهم الذين يخطط الغرب للتخلص منهم بكل الوسائل، ومختلف الطرق والأساليب، حتى لو سقط في سبيل  تحقيق هدفه هذا وأهدافه هذه مليون قتيل، أو ملايين القتلى.. إن إسقاط بعض النُّظُم العربية، وإحياء بعضها الآخر، وإرباك الوطن العربي، وإغراقه ببحرٍ من الدماء هي أهداف هذا الغرب.. ليقيم بعد ذلك مشروعه الغربي على كل أرض العرب... وليحكم أمة العرب بعد ذلك كما يريد، وكما يريد أعوانه وأتباعه والمعجبون المبهورون بثقافته وديمقراطيته وعدالته... فهل يعتقد الغرب أنه قادر على ذلك؟ وهل يعتقد أولئك الضالون المخدوعون الذين ربطوا مصائرهم بمصيره أن هذا النهج الذي يسلكونه هو نهج الأحرار الشرفاء الأخيار الأبرار من أبناء هذه الأمة!!.
    قلت لمحدثي: لقد أصبتَ أيها الرفيق، ولقد وصفتَ كثيرًا من أدواءِ هذه الأمة وأمراضها، ولقد أنصفتَ كثيرًا من شرفاء هذه الأمة وثوارها وقادتها العروبيين، ولقد قلت كلمتك بصدق وصراحة، وإن كانت مبتسرةً موجزة اكتفيتَ فيها في كثير من المواقف بالإشارة العابرة، وبالتلميح بدلاً من التصريح، لقد تكلمتَ فأجدتَ، ووصفتَ فأحسنتَ الوصفَ، وسخِرتَ فكنتَ الساخر الثائر الواثق من نفسه، وإن أثرتني، وجعلت الدم يغلي في عروقي بلهجَتِكَ الخَطابيَّة، ولقد أزعجتني كثيرًا وأسعَدتَني بهذا التوصيف الذي يدفع المرء لسلوك سبيل التصدي والتحدي ولو كان في التسعين من عمره.
28\6\2011
 
 

السبت، ٢٥ حزيران ٢٠١١

في هذا الوضع الهلامي.. وفي هذا التعتيم الإعلامي!!




في هذا الوضع الهلامي.. وفي هذا التعتيم الإعلامي!!
أ.عدنان السمان
   عندما تعصف الأزمات، وتفتك النوازل والملمّات بشعب من الشعوب.. وعندما يتعرض مصير شعب لمخاطر الاجتياح والاحتلال والاقتلاع والتهجير والتدمير.. وعندما لا يجدي الاعتدال، والتبعية، وكافة أشكال الاجتهادات والمفاوضات والتوسلات والوساطات والمشاورات والزيارات والتنازلات، (وما أدراك ما التنازلات؟) في وضع حد للعدوان الذي يستهدف شعبًا من الشعوب في وطنه وتاريخه وثقافته ووجوده على أرضه.. وعندما يصبح مصير شعب من الشعوب مهددًا على أرض وطنه بالتلاشي والانقراض والاضمحلال والزوال.. وعندما تضطرب أحوال ذلك الشعب، ويصيب كثيرًا من أبنائه وبناته القنوط واليأس والإحباط.. وعندما يتمكن خصومه (من كافة الفئات والجهات والمستويات) من اختراقه، واحتوائه، وتفريغ كثير من أبنائه وبناته من محتوياتهم ومضامينهم، وشراء كثير من هؤلاء الأبناء، وإلحاقهم بجنوده وعساكره، وأجهزة أمنه بدواعي العيش المشترك، والأمن المشترك، والمصالح العليا المشتركة، وصولاً إلى المرحلة النهائية التي يخطط لها المخططون من أولئك الخصوم.. وعندما يسفر الخصوم عن نواياهم، ويعلنون تنكرهم لأبسط حقوق ذلك الشعب في العيش على أرض وطنه، ويبالغون في استخفافهم به، وبكل فئاته وقياداته ومقدساته ومكوناته، وبكل أطيافه وأحلامه وآماله.. وعندما تكثر الخلافات والانشقاقات والعداوات والخصومات والمماحكات في أوساط ذلك الشعب تبعًا لذلك كله، وتبعًا لكثير غيره.. وعندما تشتد هذه الخلافات والعداوات والصراعات والخصومات بين كثير من أبناء ذلك الشعب وتشتد، ويصبح الناس على شفيرالهاوية، وعلى شفا حرب أهلية مدمرة قد لا تُبقي،وقد لا تذر.. عندها ترتفع كل الأصوات مطالبة بوحدة وطنية تحافظ على بقايا ذلك الشعب، وتحمي ما تبقى له من آثار على أرض وطنه، وقد تكون منطلقًا لعملية إصلاح واسعة، ولعملية تغيير واسعة، ولعملية إنقاذ واسعة، ولعملية استنهاض شعبي، واستنفار أهلي جماهيري، ونفير عام يدعو إليه داعي الوطن، ويقتضيه بقاء الأمة وثباتها فوق أرضها، تحمي به وجودها، وتدافع به عن حياضها، وتدفع به الضيم عن أجيالها ومقدساتها ومستقبل ذراريها فوق تراب وطنهم الطهور.
    ولئن كان شعار الوحدة الوطنية الذي يرفعه كثير من الناس في مثل هذه الظروف والأحوال مطلبًا شعبيًّا جماهيريًّا عامًّا، ولئن كان هذا الشعار أكثر من ضروري لحماية أمن الوطن والمواطن، ولئن كان أكثر من ضروري لوضع حد للشقاق والنفاق والانشقاق وحالة التردي والتشظي والتخبط والضياع التي تغشى البلاد والعباد، ولئن كان أكثر من ضروري لوضع الأرجل كل الأرجل على الطريق الذي قد يوصل إلى شيء من الطموحات والآمال..  لئن كان شعار الوحدة الوطنية المرفوع أكثر من ضروري لتحقيق ذلك كله، ولتحقيق كثير غيره أيضًا إلا أنه من الضروري جدًّا أن نعلم أن هذا الوضع الهلامي الذي أفرزته ثقافة الكسل في بلاد السمن والعسل، ورسم معالمه فقه الخضوع والاستسلام والخنوع، وروجت له ثقافة الأحلام الوردية والأوهام اللازوردية التي ملأت كثيرًا من الرؤوس التي أحسنت الظن كثيرًا بأولئك، واصطنعته لنفسها كل هذه الفئات المتسلقة المستفيدة التي أضحى كل همها أن تعيش حياة الترف، وأن تدافع عن واقع مريب منحها أكثر مما كانت تتوقع، وأن تعيش في ظل وضع منحها أكثر مما كانت تطلب في سبيل خلق هذا الواقع الهلامي الجديد، والإنسان السرابيِّ اللاهث الجديد، والحياة الجديدة التي لا تمت بأدنى صلة لما سبقها من حيوات.. هذا الوضعُ الهلاميُّ يحول دون وضع شعار الوحدة الوطنية المرفوع موضع التنفيذ.
    وهذا الوضع الهلامي الأميبي المترهل المتسيب ذو الأقدام الكاذبة بحاجة إلى من يضفي عليه صفة المثالية، وهؤلاء الأميبيون المترهلون المتسيبون ذوو الأقدام الكاذبة، وكل هؤلاء المنتفعين المستفيدين الفاشلين الانتهازيين من راكبي الأمواج والدراجات النارية الذين يلبسون لكل معركة لبوسها بحاجة إلى من يمجّدهم، وبحاجة إلى من يروّج لعهدهم الزاهر الميمون، وبحاجة لمن يسوّقهم محليًّا وعربيًّا وإقليميًّا وإسلاميًّا ودوليًّا، وبحاجة إلى من يسبّح بحمدهم، ويشيد بعملقتهم، وحكمتهم، وحسن قيادتهم، وطيب فعالهم، وحميد خصالهم وصفاتهم، وكل شيء بحسابه، وما بين الخيّرين حساب!!
    في مثل هذه الأوضاع الشوهاء المنكوسة العمياء الكتعاء العرجاء التي فُرِضت على ذلك الشعب فرضًا، وفي غمرة هذه الصراعات الدامية التي تعصف بكثير من أقطار العروبة، وفي ظل هذه الأحداث الموجعة التي تتعرض لها سوريا بالذات تنبري أجهزة الإعلام تلك للتشهير بالنظام السوري، وشن الحملات الشعواء على كل رموزه مطالبة بإسقاطه، ولا يغيب عن بال المطبوعات والصحف التابعة لأجهزة الإعلام تلك أن تتخذ سلسلة من الإجراءات التي تنسجم كل الانسجام مع هذا الدَّور الذي تحدده لها طبيعة هذه المرحلة، وطبيعة هذه الحملة، وطبيعة هذا التوجه، وطبيعة هذا الدور المرسوم لتضليل الناس، وصرف انتباههم عن كل قضاياهم العادلة، وعن كل ما يتعلق بقضيتهم المقدسة قضية العرب الأولى والمركزية والمصيرية كما كانت تسمى مذ كانت، وتصرفهم عن كل المخاطر المحدقة بهم وبقضيتهم هذه، هذه الصحافة التي كانت_ على علاتها_ وتحاول الظهور بمظهر من يمسك بالعصا من الوسط، وتحاول أن تفتح صفحاتها للرأي وللرأي الآخر المضاد، وتحاول أن تكون أكثر انفتاحًا على قضايا الثورة والثوار، وتقرير المصير، وحركات التحرر والتحرير، والتي كانت_ على علاتها_ أكثر حرصًا على سمعتها، وأكثر حرصًا على احترام حرية الفكر، وحرية الرأي، وحرية التفكير والتعبير، وكانت أكثر حرصًا على الظهور بمظهر من ينتمي إلى هذا الوطن، وتاريخ هذا الوطن، وثقافة هذا الوطن، وتقاليد هذا الوطن، وعاداته، وأعرافه، ومثُلِه العليا، وآلامه، وآماله.. هذه الصحافة تصبح اليوم أكثر جرأة على إبراز رأي بعينه، هو الرأي الذي كان مضادًّا، وإظهار فكر سياسي بعينه هو الفكر السياسي الذي كان ممنوعًا، وإشهار توجه بعينه هو التوجه الذي كان فيما مضى خيانيًّا، والترويج لاتجاهات وتيارات كانت حتى عهد قريب ضربًا من الزندقة، وضربًا من الفجور، وضربًا من الردة، وضربًا من التبعية للمعسكر الغربي، وضربًا من الخروج على إجماع الأمة، وخيانةً للمبادئ والثوابت والمعتقدات، ومجموعة الأفكار التي شبَّت عليها هذه الأمة، ورضعها ذلك الشعب مع لبان الأمهات!!
    هذه الصحافة ترى في نفسها اليوم سوطًا في يد هذا "الزعيم" أو ذاك، وعصًا في يد هذه "المتزعمة" أو تلك، وحذاءً في يد هذا "الحانوتي" أو في رجله، وفي يد ذاك المهرج أوفي رجله، أو تلك المستبدة التي تفرض رأيها على الآخرين في بلاد غير بلادها، وفي دنيا غير دنياها، وعالم غير عالمها، وفي شرق لن يكون لها فيه في قادم الأيام أي وجود، وما كان لها أن تفعل ذلك لو كانت تحترم نفسها، ولو كانت تشعر بأدنى قدر من الاحترام تجاه الآخرين في هذا العالم.. هذه الصحافة أضحت بوقًا تنفخ فيه هذه الساحرة الماكرة، وأضحت بوقًا تنفث من خلاله هذه الحية الرقطاء سمومها، وأضحت منبرًا تروج من خلاله لأفكار سياسية مريبة، وحلول كانت حتى عهد قريب حلولاً مشبوهة مرفوضة بإجماع هذه الأمة، ووجهات نظر كانت حتى الماضي القريب كافية لتنفيذ حكم الإعدام بمن يعتنقها.
    ولم تكتفِ تلك الصحافة بالتنكر لكثير من ثوابت الأمة، ولكثير من قضاياها، ولم تكتفِ بالسير في هذا الموكب الإعلامي الذي يضم بين صفوفه كل أعداء شعبنا، وكل أعداء قضيتنا المقدسة، ولم تكتف بالتناغم مع هذه الزفة الإعلامية التي يقودها نفر من سيئي الأخلاق، سيئي الأهداف والتوجهات والغايات، بل راحت تكيل الثناء والمديح بدون حدود لتلك الأحوال الكارثية، والأوضاع الهلامية التي خطط لها المخططون، وراحت تكيل الثناء والمديح لكثير من هؤلاء الذين ربطوا مصيرهم بأولئك، ورهنوا وجودهم ومستقبل أجيالهم على الأرض بمشاريع يقيمها أعداؤهم فوقها، وعلى ثرى أوطانهم، وفوق رفات أحيائهم وأمواتهم، وراحت في الوقت نفسه تبدي مزيدًا من التنكر لمن لم يستجب لعربدة الغرب الإعلامية، ولعربدة الغرب الثقافية، ولعربدة الغرب العسكرية على كل أرض العرب حتى لو قتل هذا الغرب بقصفه أُسرًا فلسطينية في كل يوم، وأُسرًا ليبية في كل يوم، وراحت تبدي مزيدًا من الاستخفاف بحرية الرأي والتعبير والتفكير، وتمارس مزيدًا من التعتيم الإعلامي، والتجاهل الممض لما يصدر عن كل هذه القلوب المكلومة من كلمات وعبارات ومقالات ونداءات ومناشدات مكتوبة بالدم محذرةً من كل هذا الذي يجري على كل أرض العرب، ومن كل هذا الذي يجري على أرض سوريا، ومن كل هذا الذي يجري على أرض هذا الوطن النازف دمًا ودمعًا ورعبًا وحبًّا وملحًا وموتًا وقيدًا وسلاسل وحواجز ومعتقلين ومعتقلات.
   ولئن سمح هؤلاء لمقربيهم وأحبابهم وأعوانهم من المرتبطين بأجندات أعدائهم وخصومهم بقول ما يريدون، ولئن خصصوا لهم الأماكن البارزة في مطبوعتهم، ولئن حظروا على غيرهم قول ما يريدون، ولئن استبدَّ هؤلاء برأيهم، ولئن فرضوا التعتيم الإعلامي الكامل أو شبه الكامل على غيرهم، ولئن تبجَّح هؤلاء المتبجحون بالحرية، ولئن تشدَّقوا بالديمقراطية الكاذبة الموهومة، ولئن سوّقوا أفكار هذا المعتدي أو ذاك، وروّجوا لها، ولئن ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا أبواقًا لهذه الجهة أو تلك فإن هذا كله وهم، وإن هذا كله لباطل، وإن الوهم زائل، وإن الباطل دائمًا هو الباطل، وإن محاكم التفتيش إلى زوال، وإن الحق أبلَج وإن الباطل لجلج، ولا بد للباطل أن يزول: الحق أبلج والسيوف عَوارِ|| فحذارِ من أسدِ العرين حذارِ.
     في هذا الوضع الهلامي، ووسط هذا التعتيم الإعلامي، لا بد من القول إن  محاولات التهميش والتحجيم والتقزيم التي يمارسها هؤلاء بحق من علموهم كيف يكون التفكير، وكيف يكون التعبير، وكيف يكون الإعلام، وكيف تكون صورة الوطن وصورة الحبيبة في الإعلام، أقول إن كل كل هذه المحاولات زائلة باطلة، وهي مدانة مدانة مهما حاولوا تغليفها، ومهما حاولوا تسويقها والترويج لها في أسواق النخاسة.
    لم يعترض أحد منهم على كل هذه الإجراءات، وعلى كل هذه الجرأة على التصدي للكلمة الشريفة النظيفة والموقف الوطنيِّ التوعويِّ التعبويِّ الثوريِّ المقاوم لكل أشكال التفريط والتطبيع والتراجع والاستسلام لكافة المشاريع الغربية على كل أرضنا العربية من محيطها إلى خليجها انطلاقًا من هذه الديار..  لم ينتقد أحد منهم شيئًا من هذا، ولم يستقِل أحد منهم احتجاجًا على هذه القيود التي تُفرَض في كل يوم على هذا الإعلام الذي أضحى جزءًا لا يتجزأ من إعلام العدو، يدخل من خلاله إلى عقول السُّذَّج، ويرسم لهم طرق التحرك والمراوغة والمناورة والالتفاف على أهداف هذه الأمة وغاياتها في التحرر والتحرير.
    سوريا اليوم تخرج أكثر قوة بعد أن تحددت كل معالم الصورة، وبعد أن أصبحت الدنيا كلها تعرف يقينًا أبعاد هذا التدخل الخارجي، والتآمر الخارجي عليها لأهداف لم تعد خافية على أحد، وعلى رأسها اعتقاد هؤلاء وأولئك أن التخلص من هذا النظام العربي المقاوم القائم في دمشق أمر ممكن، وهو أمر لابد منه لوضع اليد على كل بلاد الشام، وعلى كل أقطار سوريا الطبيعية، وعلى كل المقاومين الممانعين لمشاريع الغرب على كل الأرض العربية، وعلى كل أرض بلاد الشام قبل ذلك، أو بعده، وبالتزامن معه!! سوريا تخرج أكثر قوة ومنعة على كل الأصعدة، وعلى كل المستويات الشعبية والرسمية في كل هذا العالم، سوريا تجدد اليوم عمق علاقاتها الإستراتيجية مع المعسكر الشرقي الصديق، ومع الوعي العربي العميق، ومع الضمير العربي المقاوم الممانع الذي لا يهادن، ولا يسالم، ولا يساوم، ولا ينحني أمام العواصف والأعاصير.. وستبقى سوريا هي سوريا العصية على الغزو والعدوان والطغيان والتآمر وخلط الأوراق، وستبقى سوريا أيضًا القوة العربية القادرة على حسم المواقف، وعلى تأديب الطغاة والجهلة والمتسيبين الأميبيين ذوي الأقدام الكاذبة، والقامات القميئة، والأطماع الرخيصة، والآمال الكسيحة الذبيحة الخائبة.
    لستم الأوصياء على الناس، خسئتم، ولستم من يملكون زمام التقويم والتقييم، ولستم من يعرف للناس أقدارهم وأوزانهم، ولستم من يملكون حق وضع الناس في الأماكن التي تضعونهم فيها وفقًا لمعاييركم ومعايير المخططين الذين يضعون لكل طريق من طرقكم خارطته، ولكل مسرب خارطته، ولكل زقاق من أزقتكم، ولكل كهف من كهوفكم المظلمة خارطته، ولكل كذبةٍ من أكاذيبكم خارطتها، ولستم من يملكون حق التصرف في هذا الإرث الوطني العربي الأموي الإسلامي الأممي في كل هذه الديار التي لا يقرر بشأنها، ولا يتحدث باسمها، ولا يمثلها في كل أحوالها وحالاتها، وعبر كل أحداثها وحوادثها، وفي كل ظروفها وملابساتها إلا أبناؤها الذين اخلصوا الود لها، وصانوا كرامتها، وكانوا الأوفياء المحبين لها، والذين حفظوها في سويداء القلوب، وفي حبات العيون.. وليكن بعد ذلك ما يكون!!
    وإذا كان العنوان هو المقال كما يقال الفرنسيون فإن عدوان هؤلاء على العنوان هو محاولة مكشوفة لشطبه والإبقاء على شيء من الصلة مع صاحبه أو أصحابه، وإن محاولة طمس معالمه وإخفائه دليل على الحيرة والارتباك، وإن كل هذا الذي يحدث دليل قاطع، وبرهان ساطع على سير هؤلاء في الطريق الذي يرسمه لهذا الوطن وإنسان هذا الوطن كافة أعدائه.. علمًا بأن الطريق ما زال مفتوحًا أمامهم للتراجع عن غيِّهم وضلالهم، وعلمًا بأن خير الخطّائين التوّابون، وعلمًا بأن الإنسان يخطئ ويصيب، وليس أمام المخطئ إلا أن يثوب إلى رشده، هذا ما نأمله، وهذا ما ندعو إليه، وهذا ما نتوقعه ونحن نخاطب كل هؤلاء.
25\6\2011

الأربعاء، ٢٢ حزيران ٢٠١١

في معاناة هذا الشعب المذبوح.. والاعتقال الإداري المفتوح..!!

أ.عدنان السمان
   إذا كان التعرض للإنسان بأي شكل من أشكال السوء أو الأذى عملاً لا أخلاقيًّا يحاسب عليه القانون.. وإذا كانت كلمة في غير موضعها يتفوّه بها إنسان بحق إنسان آخر تكفي لإدانته، وتصلح لأن تكون أساسًا ينطلق منه القاضي النزيه لإصدار الحكم ضده، وإلصاق تهمة القذف والتشهير به، وتصلح أن تكون أساسًا ينطلق منه أهل المدينة الفاضلة لإنزال العقاب العادل به جزاءً وفاقًا لا لما فعلت يداه، ولكن لما قالت شفتاه، ونطق به لسانه، ولاسيما إن كانت هذه الكلمة أو تلك كاذبةً مفتراةً لا تمتُّ إلى الحقيقة بأدنى صلة، أو كانت سببًا في إيقاظ فتنة نائمة لعن الله موقِظَها.. وإذا كان العدوان على الناس في أبسط حقوقهم في العيش الكريم، وفي أبسط حقوقهم في القول والتعبير والتفكير سببًا كافيًا للرد، وسببًا كافيًا للتمرد، وسببًا كافيًا للتشهير بالمعتدي أو بالمعتدين الذين يمارسون مثل هذا العدوان على الناس، ومثل هذا العدوان على أهل الفكر والرأي، وأصحاب الأقلام الأحرار من المرتبطين بقضايا أمتهم المصيرية، الملتزمين بقضايا أوطانهم وشعوبهم في حدود اللياقة والأدب، ومستلزمات قوانين المطبوعات والنشر التي نصت عليها القوانين الدولية، والأعراف الاجتماعية.. وإذا كانت حرية التنقل والحركة من مكان إلى مكان من أبسط حقوق الناس في هذه الدنيا التي كانت واسعة، ثم ضاقت وضاقت، ولا تزال تضيق حتى أخذ كثير من الناس يشعرون معها بالضيق والاختناق والتوتر والغضب... إذا كان كل هذا صحيحًا، وهو صحيح، وإذا كان صحيحًا أن الإنسان قد ولد حرًّا، وإذا كان صحيحًا أنه ليس من حق أحدٍ أن يضع الأغلال والقيود والسلاسل في يديه، أو رجليه، وإذا كان صحيحًا أن من حق الإنسان، بل من واجبه أن يحب وطنه، وأن يدافع عنه، وأن يحميهُ، ويحافظ عليه حرًّا عزيزًا مستقرًّا مستقلاًّ سيدًّا.. إذا كان كل هذا صحيحًا، وهو صحيح، فإن كل العقوبات التي يتعرض لها الأحرار باطلة، وإن كل أنواع الحصار والاعتقال والمضايقات والتهديدات والتلويح باستعمال القوة المفرطة وغير المفرطة التي يمارسها كل هؤلاء وأولئك بحق كل الأحرار، وبحق كل أهل الفكر والرأي الحر المستنير الذي يجهر به القادة والساسة والمصلحون والأحرار من الناس، ولا يخشى أصحابه في الحق، وقول الحق، والثبات على هذا الحق لومة لائم، وبحق كل الغيورين على هذا الوطن، وإنسان هذا الوطن، ومصالح هذا الوطن، ومستقبل هذا الوطن، ومستقبل الأجيال على أرض هذا الوطن، وكرامة هذا الوطن، وكرامة مواطنيه أيضًا هي إجراءات باطلة ليس لها سند من خلق، أو ضمير، أو قانون عادل، أو تشريع يحترم نفسه، ويحترم الإنسان وإنسانية الإنسان.
    أشعر بمرارة وألم بالغين وأنا أتابع هذه الأحكام القاسية العالية الصادرة بحق كثير من أبناء هذا الوطن، وبناته، وأطفاله، وشيبه، وشبابه منذ عقود.. وأشعر بأسًى وحزن قاتلين وأنا أتابع منذ عقود أخبار الاعتقالات والمداهمات والمحاكمات والتوقيفات التي تعرض لها منذ عام سبعة وستين وحتى هذه الساعات في يومنا هذا في وطننا هذا في عامنا هذا نحو مليون عربي فلسطيني كل ذنبهم أنهم قد خُلقوا في هذا الزمان، وأنهم قد رفضوا الرضوخ والاستسلام والهوان، وأنهم قد رفضوا الانصياع لكل هؤلاء وأولاء وأولئك.. وأشعر بأن نيران هذه الفتنة الكبرى التي دونها فتنة عثمان تحرق قلوب الناس في هذه الديار، وتغشى البلاد والعباد في هذا الزمان الذي يتجرع فيه أهله كؤوس المنيَّة، ويجأرون بالشكوى من الظلم والجَوْر والطبقية والاستبداد والفساد والطغيان.. وأكاد أرى بأم العين كل هؤلاء الأسرى الذين تغص بهم السجون والمعتقلات ومراكز التوقيف من أسرى شعبنا العربي الفلسطيني ومعتقليه وموقوفيه ومخطوفيه على امتداد هذا الوطن.. أكاد أراهم وهم يصرخون، ويحتجون، ويتألمون، وأكاد أسمعهم وهم يغنون للشمس وللحرية والمجد والمستقبل والزيتون.. وأكاد أموت غيظًا وأنا أرى الكذب والدجل والتزوير والنفاق وقلب الحقائق والتجييش الإعلامي الذي يستهدف الحق والحقيقة والثوابت وأعمدة الإيمان، وأعمدة الأخلاق والشرف والعزة والانتماء التي توارثها الناس جيلاً بعد جيل، وأكاد أختنق يأسًا وأسًى وحسرة وأنا أرى الكيل بعشرين مكيالاً في هذا العالم الذي لا تحكمه إلا المصالح، ولا يخضع إلا للأقوياء، ولا يكاد يسمع أنين المرضى والأسرى والثكالى والمقموعين والمحزونين في هذا العالم إلا إذا كانت تربطهم صلة قوية بالقوة أو القِوى التي تحكمه وتتحكم به، وتسيّر خطاه، وإلا إذا كان هؤلاء المضروبون المهزومون المأزومون من المتعاطفين مع تلك القوى المتناغمين معها، المحسوبين عليها، فحقَّ عليها عقاب فئة أخرى، أو فئات أخرى من مواطنيها الذين يخالفونها الرأي والتوجه والهدف والاتجاه في ظروف بالغة الصعوبة، بالغة التعقيد، بالغة الحساسية، وفي ظروف يكثر فيها خلط الأوراق، وتتعدد فيها التوجهات، وتكثر الاعتبارات والاجتهادات والتفسيرات والتأويلات، وتكثر حولها الأقاويل، وتكثر الاتهامات والممارسات.
    قد يكون بإمكانك أن تقول ما تريد، وقد لا يكون.. وقد يكون من حقك أن تجاهر بأفكارك وآرائك ومعتقداتك السياسية والاجتماعية والثقافية، وقد لا يكون، وقد يكون من حقك أن تلجأ للقضاء بهدف استرداد حق، أو النيل من خصم، أو رد اعتبار، فالجأ إليه أو لا تلجأ إن لم تقتنع بنزاهته، فالأمر متروك لك، وعائد إليك.. ولكنك "يقينًا" لا تملك أن تُخرج اللص من بيتك بالقوة!! هذا اللص يصبح صاحب البيت، وأنت المعتدي، وما عليك إلا أن تقنع الدنيا بعدالة قضيتك، وما عليك أيضًا إلا أن تحضر مزيدًا من الوثائق والإثباتات التي تعزز بها ادعاءاتك ومزاعمك بأن هذا البيت لك، وافرض أنه لك، أو كان لك، فماذا يحدث لو تنازلت عنه لهذه العائلة المشردة التي تسكنهُ الآن؟ ماذا تخسر لو تنازلت لها عنه ما دام بإمكانك أن تعيش في بيت بديل توفره لك هذه الدنيا التي تقرع رأسها كل يوم مطالبًا بهذا البيت الذي أضحى من الصعب أن تعود إليه، وأضحى واضحًا أنك لا تطالب به إلا من باب إثارة الفوضى في هذه المنطقة المتوترة من العالم!!
    بإمكانك أن ترفض البديل كما تريد، وبإمكانك أن تطالب بهذا البيت الذي تدعي ملكيته بدون دليل، ولكن لا تنسَ أنك مدان إذا أنت استعملت العنف اللساني أو الجسدي ضد صاحب هذا البيت الذي يملك ألف دليل ودليل على ملكيته، ولا تنسَ أنك متهم بالعنف والإرهاب إن أنت لم تمتثل لرغبة الناس في هذه الدنيا للكف عن العنف والإرهاب، واعلم أن الدنيا كلها ستفرض عليك ألوانًا من العقاب أسهلها وأخفها التصفية الجسدية إن أنت لم تسمع الكلام، وإن أنت ركبتَ رأسك، وبقيت على نغمتك التي تقرع بها رؤوس الناس منذ نشوء مشكلة هذا البيت الذي ترفض أنت أن تضع حدًّا لها بشكل يحفظ أمن هذا المالك الجديد القديم الذي استرد بيته منك، ومن آبائك وأجدادك الذين اغتصبوه في يوم من الأيام، وأخرجوه منه بالقوة بعد أن كان له، وبعد أن عاش فيه بأمن وأمان مدة طويلة من الزمن، إنه يسترده اليوم، وإنه يعود إليه اليوم، وهذا من حقه، أما أنت فابحث عن حل عملي واقعي، ولا تسمح للأوهام أن تفسد على الناس حياتهم في هذا العالم الذي بات يعرفك حق المعرفة، ويعرف أبعاد ما تريد، ويعرف نواياك، ويحفظها عن ظهر قلب!!.
     وقد لا ترضيك كل هذه التفسيرات والتأويلات والادعاءات، وتظل مصرًّا على موقفك، وتظل تطالب بهذا البيت الذي ولدت فيه، وولد فيه كثير من آبائك وأجدادك، وقد تظل ترفض أي بيت بديل، وأي وطن بديل، وأي عيش بديل، ومع ذلك فإنك قد تصبح أكثر استجابة لرغبة الناس في هذه الدنيا بضرورة حل المشكلات والمنازعات حلاًّ سلميًّا، وبضرورة المحافظة على الأمن والسلم الدوليين، فتوافق على حل وسط، وتوافق على تقاسم البيت مع هذا الغريب الذي احتله عنوةً، وقد تقبل تحت كل ضغوط الدنيا عليك،وتوجهها إليك بأن تبقى فيه، وأن لا تطالب بإخراج هذا الغريب منه، ولكنه مع ذلك يصر على إخراجك، ويصر على احتجازك في إحدى غرفه لإكراهك على مغادرته طائعًا مختارًا دون أي إكراه!! هذا ما يوحي به للناس، وهذا ما يجهر به ويجاهر، وهذا ما يذيعه وينشره على الملأ، ويعممه على كل وسائل الإعلام.. فهو إنسان رائع حضاري مثقف وأنت متخلف متطرف جاهل، والجاهل عدو نفسه، وقد يكون عدو الحضارة، وقد يكون أيضًا عدوًّا للحياة على هذه الأرض إن لم يتعاون الناس جميعًا على ردعه وقمعه والتخلص من إرهابه وطغيانه وتطرفه وتخلفه وعدوانه وخطره الذي قد يتجاوز حدود هذا البيت، وأصحاب هذا البيت جددًا وقدامى ليصيب البشرية جمعاء!!
     لا عقوبة إلا بحكم محكمة، ولا حكم محكمة بدون محاكمة، ولا محاكمة بدون لائحة اتهام، ولا قيمة لهذه اللائحة بدون اعتراف، فالاعتراف سيد الأدلة، والحكم الصادر ينبغي دائمًا أن يراعي مصلحة المتهم، وأن يراعي ظروفه وأحواله النفسية والاجتماعية والاقتصادية، وأن يراعي ظروف أسرته وأحوالها.. أما أن يكون القانون في يد جلاد يسخّره لأغراضه وأهدافه وغاياته،  وينطلق من خلاله لإنزال أشد العقوبات بمن يخالفه الرأي، وبمن يطالب بحقه، وبمن لا يريد التنازل عن بيته، أو ممتلكاته، أو حريته، أو استقلال شخصيته، أو طموحاته وأحلامه وآماله، وطيب لياليهِ وأيامه فهذا ليس قانونًا، وهذا ليس عدلاً، وهذا ليس تشريعًا تقره شرعة السماء، أو قوانين الأرض التي آمنت بها البشرية وطورتها جيلاً بعد جيل إنه تشريع جائر أعمى دونه في الظلم والجور والطغيان شريعة الغاب.
    وأدهى من ذلك وأنكى أن يتفتق ذهن أولئك وأولاء وهؤلاء عما يسمونه الاعتقال الإداري الذي لا يستند إلا لمجرد الشكوك والأوهام والأعمال الكيدية والإجراءات التعسفية التي يأباها العدل، وترفضها العدالة، ولا يقرها عُرفٌ أو شرعٌ أوخلُق، ولا يطمئن إليها ضمير يقظ حي.

    إن الأنظمة في هذه الدنيا ليست سواء، فمِن عدلٍ وعدالةٍ واحترام للإنسان وإنسانية الإنسان، ومن رعايةٍ وخدمات وضمانات تُقدم للإنسان في هذا البلد أو ذاك، إلى سلاسلَ وقيودٍ وأغلال توضع في الأيدي والأرجل، إلى تصفيات نفسية وجسدية، إلى حصار وقمع وكبت وعقوبات وتضييق ومصادرات ومداهمات وإشاعة للفوضى والفتن والاضطراب، وأعمال العنف والقتل والحرق والتدمير، إلى هجرات وعدوان على الناس في ممتلكاتهم وأرزاقهم ومستقبل أجيالهم، إلى آخر ما هنالك من صور الفساد والإفساد والتحكم بالعباد.
     لا ينبغي أن أنهي هذه الزفرات قبل أن أشير إلى ما لم أسمع به من قبل، هذا الإجراء الذي لا أفهم له معنًى، إلا أنني أريد أن أحتجزك، وأصادر حريتك، وأبقي عليك أسيرًا لا تملك من أمر نفسك شيئًا ما دمت حيًّا.. إنني لا أفهم من هذا الذي يسمونه الاعتقال الإداري المفتوح أكثر مما يُفهَم منه، وأكثر مما ينطوي عليه.. أنت أسير ما دمت حيًّا، فعِش في الأسر، ومت في الأسر.. وإن سأل سائل عن السبب قالوا إن هذا الأمر احترازيٌّ وقد اتخذناه لدواعي الأمن.
    حسام خضر الذي عرف طريقه إلى مراكز التحقيق والتوقيف والاعتقال وهو في سن الثالثة عشرة يحولونه اليوم إلى الاعتقال الإداري المفتوح وقد دخل الخمسين من عمره.. حسام خضر لم يرتكب كبيرة، ولم يرتكب صغيرة، ولم يرتكب فاحشة مبينة أو غير مبينة.. ولم يرتكب جناية أو جنحة أو مخالفة.. كل ما فعله حسام أنه سعى مثل كثير غيره في الإصلاح بين أخوين، وهذا تكليف إلهي، والتزام إسلامي أخلاقي عندما تختلف فئتان، أو جماعتان، أو مجموعتان، أو طائفتان، لقوله تعالى " وإن طائفتان  من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما" ولكن الذين يعيشون على الخلافات والاختلافات، ويعيشون على التناقضات والمشاحنات لا يمكن أن يسرّهم إجماع الأمة على شيء، ولا يمكن ان يهدأ لهم بال إلا في ظل الخلافات والانقسامات والصراعات والاحتراب الذي يدمر الإنسان ويهدم البنيان، والفساد الذي يهلك الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد.. ولكن لا عجب فشعبنا الذي يطالب بالحرية وبالعيش الكريم وبالأمن والأمان في بلاده هو أيضًا موقوف مثلك يا حسام، وهو أيضًا أسير مثلكم يا كل أسرى الحرية في هذا الوطن المضيع والمكبل والمستباح.
    إن السلام العادل الدائم الشريف المتكافئ الذي لا غالب فيه ولا مغلوب هو هدف هذا الشعب، وهو هدف كل أسرى هذا الشعب، وهو هدف قيادات هذا الشعب، وهو هدف كل الأحرار الثوار من أبناء هذا الشعب، وهو "يقينًا" هدف كل الناس في هذا المجتمع الدولي الذي أضحى مضطربًا خائفًا متوجِّسًا مشفقًا على العدل والحق والعدالة وهو يسمع بأخبار الاعتقال الإداري المفتوح.. فإلى متى تستمر كل هذه الإجراءات؟ ومتى يسود السلام أرض السلام؟ ومتى يخرج كل أسرى الحرية إلى عالم الحرية والنور؟  لستُ أدري.
16\6\2011

    
    

الأحد، ١٩ حزيران ٢٠١١

إذا كان هذا الصراعُ غيرَ قابلٍ للحل فما الحل؟؟



إذا كان هذا الصراعُ غيرَ قابلٍ للحل فما الحل؟؟

أ.عدنان السمان
ليس هنالك صراعٌ غيرُ قابل للحل إلا إذا كان أحدُ طرفي الصراع أو أحد أطرافه غيرَ راغب في الحل، لأسباب يعرفها، ونعرفها، وتعرفها الدنيا بأسرها.. نحن لسنا الطرف الذي يرفض الحل من أقصى يمين اليمين، إلى أقصى يسار اليسار، مرورًا بالوسط، ويمين الوسط، ويساره.. ونحن لسنا الطرف الذي يملك الطائرات والغواصات والدبابات ومئات الألوف من الجنود والمجندات.. ولسنا الطرف الذي تنكّر لكل الاتفاقات والتفاهمات، وأفشل كل ألوان المفاوضات، واتخذها وسيلة لممارسة الضغوط، وابتزاز مزيد من التنازلات، وفرض مزيد من الشروط، وتحقيق مزيد من المكاسب والإنجازات على الأرض، وتغيير معالمها بفرض سياسة الأمر الواقع الجديد في كل يوم، وبناء المستوطنات وتطويرها في كل يوم، والتفنن في حصارنا، وتجويعنا، ومصادرة أراضينا، والتضييق علينا، والتحكم بأرزاقنا، وأعناقنا، ومستقبل أجيالنا على هذه الأرض التي أحبتنا وأحببناها منذُ طفولةِ التاريخِ، وقبلَ تفتُّحِ الزيتونِ والليمونِ والرمانِ والعنبِ، وقبل تفتُّحِ الحِقَب.
وليس هنالك صراع غيرُ قابل للحل إلا إذا رأى هذا الطرف أن يستمر هذا الصراع غير المتكافئ، ويستمر، ليحصد هو مزيدًا من الانتصارات، وليُلحق هو بالطرف الآخر أو الأطراف الأخرى مزيدًا من الهزائم، ثم يستمر هذا الصراع غيرُ المتكافئ، ويستمر، حتى يصبح هو الحل، وكي تفتح أجيال كثيرة أعينها في هذا الكون على هذا الواقع الذي لم تعرف سواه، وبهذا يصبح الحقيقة الوحيدة القائمة، والحقيقة الوحيدة الماثلة في أذهان بني البشر، وقبل حدوث هذا، وفي أثناء حدوثه، وبعد حدوثه يعمد هذا الطرف لإقامة الصلات والروابط والتحالفات مع كثير من الناس، وكثير من الأعلام والشخصيات التي يصنعها هو، ويصطنعها لنفسه، ويضفي عليها صفة الشرعية بطريقته، وحسب اعتباراته، ومن منطلق خططه ومخططاته، بهدف خلق الانطباع بأن هذا الصراع قد انتهى، وبأن الإنسان الجديد المتنوّر المتحرر في المعسكر الآخر مقتنع بذلك، ويعمد هذا الطرف أيضًا إلى فتح جبهات أخرى، وافتعال معارك من نسج الخيال مع طرف آخر أو أطراف أخرى إمعانًا منه في صرف الأنظار عن هذا الصراع، وإمعانًا منه في تهيئة الأجواء لحشد الطاقات والقدرات والإمكانات لخوض هذا الصراع الجديد ضد هذا العدو الجديد المشترك بقيادته، وتحت رايته، وهو بهذا لا يحسم الصراع القديم لصالحه فحسب، بل ينهيه مستبدلاً إياه بصراع جديد طائفيٍّ مذهبيٍّ عرقيٍّ طبقيٍّ مفتوح يقوده هو بعد أن أعد له العدة، وبذل كل جهوده وإمكاناته لدخول مرحلة جديدة من مراحل خططه ومخططاته التي يتوهم أنه قادر على وضعها موضع التنفيذ بمزيد من الدهاء، وبمزيد من العناد، وبمزيد من تغيير ظروف اللعبة وشروطها وأهدافها وغاياتها، وبمزيد من الإصرار على المراوغة، والتزوير، وقلب الحقائق، وبمزيد من فرض الأمر الواقع الجديد، وبمزيد من الإصرار على كسب الأعوان والأتباع والأنصار من أبناء منطقته التي يسعى لإخضاعها واحتوائها وتغييرها وتسييرها وفق هواه، ومن أبناء غيرها وغيرها من المناطق في هذا الكون الواسع الذي يسعى للتحكم به، وفرض سيطرته عليه، فإذا أحسَّ أنه مخطئ، وإذا أدرك أنه على الرغم من كل دهائه وعناده وإصراره على وضع تصوراته وأحلامه موضع التنفيذ قد فشل في تقديراته، وكان مسرفًا في التفاؤل، ومفرطًا في الاستهانة بالطرف الآخر، أو الأطراف الأخرى، موغلاً في أوهامه التي نسجها خياله، وأوصله إليها مستشاروه وأحباؤه وأعوانه وأتباعه راح يصرخ، وراح يزعم بأن هذا الصراع غير قابل للحل.. وكأن هذا الصراع الذي يتحدث عنه لا يمكن أن يجد طريقه إلى الحل إلا إذا كان الحل عن طريقه هو، وإلا إذا كان الحل على يديه، وبمقتضى الأوهام والأحلام التي تملأ رأسه، ويقرع بها رؤوس كثير من الناس في هذا العالم.
لو قرأ هذا المدعي شيئًا من تاريخ هذه المنطقة من العالم، ولو كان على دراية بطبائع الأشياء، وبطبائع الناس، ولو كان على علم بطبيعة هذه الأمة التي ألفى نفسه بين ظهرانيها، ولو كان على جانب من حسن التبصر والتفكر في العواقب، ولو كان من الذين يأخذون بالأسباب والمسببات وهم يستخلصون النتائج من المقدمات لما قال ما قاله، ولما أصر كل هذا الإصرار على أن هذا الصراع غير قابل للحل!! " لأن هذا الصراع قابل للحل، ولأن الحل ليس في استمرار هذا الصراع، ولأنه ليس بإنزال الهزائم بالطرف الآخر، أو بالأطراف الأخرى، ولأنه ليس بالسيطرة على الناس، وليس بالتحكم في أرزاقهم وأعناقهم وحرياتهم، وقيمهم ومعتقداتهم وثوابتهم ومقومات شخصيتهم ومكوناتها، وليس بالتضييق عليهم، وليس بازدرائهم، والتنكر لأبسط حقوقهم في العيش والحياة والحرية، وليس بفرض الوصاية عليهم، والتفنن في إيذائهم، والتنكر لكل ثوابتهم ومعتقداتهم وأبسط حقوقهم في العيش في أوطانهم بكرامة وأمن وأمان واحترام.
وإذا كان الأمر كذلك، وإذا كان لا بد من حل، وإذا كان الناس كل الناس في هذه الديار، وفي غيرها من ديار العروبة والإسلام، ومن كل الديار في هذا العالم بحاجة إلى حلٍّ لهذا الصراع فإن الحل يكمن في الكف عن الغطرسة والاستعلاء والاستكبار ومحاولات الهيمنة والسيطرة على الآخرين، وإن الحل يكمن في الكف عن التنكر لأبسط حقوق الآخرين في العيش في أوطانهم بحرية وأمن وأمان، وإن الحل يكمن في احترام قرارات المجتمع الدَّوْلي الصادرة بشأن هذا الصراع، ووضعها موضع التنفيذ، وإن الحل يكمن في أن يرفع كل أولئك وهؤلاء أيديهم عن شعبنا، وأن يعود كل لاجئ ومهاجر ومهجَّر إلى بيته وأرضه وملاعب طفولته، وأن ينعم الناس جميعًا في هذه المنطقة من العالم، وفي غير هذه المنطقة من العالم، بالأمن والأمان والحرية والعيش الكريم والسلام.
وإذا كان هذا الصراع غير قابل للحل كما يدعي.. فما الحل؟ أيكون الحل بترك هؤلاء المتسلطين يمارسون تسلطهم وعدوانهم على الفقراء الضعفاء العُزْل المسالمين من أبناء هذا الشعب؟ أيكون الحل بترك هؤلاء وأولئك سادرين في خلق واقع جديد على الأرض في هذه الديار في كل يوم؟ أيكون بوضع اليد على مزيد من بيوت الناس في هذه الديار، وعلى مزيد من أرضهم الزراعية وغير الزراعية في كل يوم؟ أيكون بهدم بيوت الناس وإجلائهم عنها، وإخراجهم منها؟ أم يكون بإحقاق الحق، وإزهاق الباطل، وإنصاف المظلوم من الظالم؟ أسئلة كثيرة نتوجه بها إلى هذا الذي تفتق ذهنه عن هذا الكشف العلمي الهائل الذي يقول إن الصراع العربي الإسرائيلي غير قابل للحل!! ونتوجه بها إلى كل الذين يشاركونه الرأي، وإلى كل الذين يؤيدون سياسته وتطرفه واستبداده واستفزازه لكثير من الناس في هذه الديار، ولكثير من الناس والدول والحكومات في هذا العالم.
بقي أن نقول إن الحل قادم، وإن الحل في طريقه إلى هذه المنطقة التي دفع أهلها ثمن أخطاء غيرهم، وثمن خطاياهم، وإن الحل سيفرض نفسه في النهاية شاء من شاء، وأبى من أبى، وإن الحل لن يكون بالقفز عن حقوق هذا الشعب، وثوابت هذا الشعب، وعن القرارات الدولية الصادرة بحق هذا الشعب، وبحق كافة قضاياه العادلة، وعلى رأسها حقه المقدس في العودة، وحقه الثابت في إقامة دولته المستقلة ذات السيادة على أرض وطنه، وإن الحل لن يكون بازدراء هذا الشعب، والتنكر لحقوقه، والقذف به في غياهب السجون والمعتقلات، وفرض حقائق جديدة على أرضه في كل يوم، وإن الحل لن يكون باستحواذ طرف من طرفي الصراع، أو من أطرافه، على كل شيء، وترك الطرف الآخر أو الأطراف الأخرى مقموعة محرومة مغلوبة على أمرها لا تلوي على شيء!!
وبقي أن نقول إن أمة بهذا الحجم، وبهذه الكثافة وبهذا والتنوع، وبهذا الانتشار الهائل على خارطة الدنيا، وبهذا التنوع الثقافي والحضاري، وبهذا الغنى الروحي، والعلمي، والمعرفي، والتراثي، وبكل مئات الملايين من طلبته وعماله وفلاحيه وأطبائه ومعلميه ومحاميه ومهندسيه وعلمائه وأدبائه وشعرائه وإعلامييه وصِحافييه ومثقفيه هي أمة حية واعدة برغم كل جراحات الماضي، وبرغم كل سكاكين الحاضر وخناجره، وبرغم كل عوامل اليأس والقنوط والإحباط التي تحيط به من كل جانب.. إن أمة العروبة والإسلام أمة عظيمة تضرب جذورها في أعمق أعماق التاريخ، وإنها "يقينًا" ستستبدل ضعفها قوة، وفرقتها وحدة، ومذلتها عزة، وهوانها على الناس كرامة.. وإنها "يقينًا" ستنتصر على كل عوامل ضعفها وتخلفها لتأخذ مكانتها اللائقة بها تحت الشمس، وعندئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، وعندئذ تتحقق الأهداف والتمنيات، وعندئذ تبتسم الأمنيات.. وعند ذاك يعود الحق إلى نصابه، والسيف إلى قِرابه، والأسد إلى عرين غابه.. تلكم هي عبرة التاريخ، وتلكم هي سنة الكون في نشوء الدول وقوتها وضعفها واضمحلالها، ثم قيامها ونهوضها من جديد، وتلك هي سنة الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلا.
هذا كلام موجز نتوجه به إلى كل الذين يعتقدون أنهم قادرون على خداع الناس، وعلى التحكم بهم، وسوقهم كالمواشي، وإلى كل الذين يعتقدون أنهم من طبقة مختلفة عن طبقة الناس، وإلى كل الذين يعتقدون أنهم فوق البشرية، وفوق كل الشعوب، وفوق كل القوانين والأعراف.. وهذا كلام موجز نتوجه به إلى كل أنصار السلام العادل، وإلى كل أعداء هذا السلام أيضًا، ليزداد المؤمنون به، العاملون من أجل نشره ونصره ونصرته إيمانًا مع إيمانهم، وليزداد هؤلاء المؤمنون الواثقون بعدالة قضاياهم إصرارًا على السير في الشوط إلى منتهاه وصولاً إلى هذا السلام العادل الدائم الشريف المتكافئ الذي لا غالب فيه ولا مغلوب.
20\6\2011