عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


الأربعاء، ٣٠ أيار ٢٠١٢

وقى اللهُ مصرَ شرورَ الفتن!!

متابعات

وقى اللهُ مصرَ شرورَ الفتن!!

أ. عدنان السمان

www.samman.co.nr

   لا بأسَ يا مصر.. فأنت قادرة على احتواء هذه الفتنة الكبرى التي تُراد بكِ، وأنت قادرة على تجاوزها، وعلى وأدها في مهدها.. شعب مصر يدرك جيدًا كل أبعاد ما يراد به، ويدرك جيدًا كيف يخرج من هذه المآزق التي يرميه فيها بكل المكر والدهاء أعداء مصر الذين لا يريدون لها خيرًا، بل يضمرون لها كل العداء، وكل سوء النية والطوية، لا لشيء إلا لأن مصر هي الجناح الأيسر للنسر العربي الذي يرصد ما وراء البحر المتوسط من على ذُرى الجليل، ولا لشيءٍ أيضًا إلا لأن سوريا هي الجناح الأيمن لهذا النسر.. جناحا النسر يجب أن يظلا هدفًا لنيران الفتن، ونيران الأزمات الداخلية، والحروب الخارجية التي تُفرض على أحدهما، أو عليهما كليهما بين الحين والآخر، وبين الفينة والفينة، إضافةً إلى الحروب الداخلية الأهلية التي تطل برأسها على سوريا لتحرق وجه هذا البلد العربي الجميل، وتطل بأنيابها على مصر في محاولةٍ لتمزيق هذا البلد العربي الذي كان نصيرًا لسوريا، ونصيرًا لفلسطين، ونصيرًا لكل أمة العرب في سائر أقطارها ذات يوم!!.

   لا بأس يا مصر إن اتفق هذا الفريق وذاك على العودة بك إلى الوراء، ولا بأس يا مصر إن اتفق هؤلاء وأولئك على النيل منكِ، والعودة بك إلى عهود التخلف والطبقية والتبعية والسلب والنهب والفساد.. فحولك أبناؤك الصِّيد لهم بالمرصاد، وحولك أبناء مصر الأباة الذين افتدَوا تراب مصر على مر الدهور، وتعاقب العصور بدمائهم الزكية، وحولك هذا الشعب العربي في مصر يحميك من الأذى والعدوان، ويصون تربك الغالي بأهداب الجفون، وبحبات العيون.. فلن تهون مصر، لن تهون، لن تهون.

   إن الشعب العربي في مصر، والشعب العربي في سوريا والعراق، واليمن، وشبه جزيرة العرب، وفي كل بلاد العروبة مدعوٌّ لإسقاط المؤامرة التي تستهدف كل بلاد العروبة، وكلَّ شعوب هذه الأمة العربية دون استثناء.. الشعب العربي في مصر قادرٌ على التصدي لهذا التحالف الذي بدأ رحلة الالتفاف على ثورته، وقادرٌ على إسقاط هذه المؤامرة بمزيدٍ من التكاتف والتلاحم والتضامن والتفاهم، وبمزيدٍ من الوحدة الوطنية التي تضم في صفوفها كل أطياف الشعب العربي في مصر، ولا تنبذ من بين هذه الصفوف إلا أعداء مصر الذين باعوها للأجنبي.. وإن الشعب العربي في مصر قادرٌ على إسقاط المؤامرة، وقادرٌ على المضي قُدُمًا بثورته بمزيدٍ من الوعي، ومزيدٍ من الحرص على مصر، وعلى شعب مصر، ومقدرات هذا الشعب العربي المصري عبر العصور.. ولئن كان أكثر من نصف أصحاب حق الاقتراع في مصر لم يُدلوا بأصواتهم في انتخابات الدورة الأولى فإن بإمكان هؤلاء أن يقلبوا الطاولة، وأن يحسموا نتائج انتخابات الإعادة، وإن بإمكانهم أن يُثبتوا للدنيا كلها أن مصر إذا قالت فعلت، وأن عقارب الساعة لن تعود اليوم إلى الوراء، وأن مصر لن يحكمها بعد اليوم إلا الشرفاء من أبنائها، وأن ثورة الخامس والعشرين ستكون امتدادًا طبيعيًّا لما سبقها من ثوراتٍ مصريةٍ مجيدةٍ رفعت رؤوس المصريين، ورؤوس العرب أجمعين، وكانت بالمرصاد لكل أعداء العرب والعروبة، ولكل أعداء مصر والمصريين.. ولئن كان مفوضو المرشحين في الدورة الأولى في اليوم الأول قد استجابوا للأمر الموجه إليهم بمغادرة هذه الصناديق من التاسعة مساءً وحتى الثامنة من صباح اليوم التالي، فإن بإمكانهم أن يرفضوا ذلك، وإن بإمكانهم المبيت إلى جانب الصناديق التي فُوضوا بالمحافظة عليها، كما ينص على ذلك قانون الانتخاب.. ولئن كانت لجنة الانتخابات قد رفضت تزويد مرشحي الرئاسة بقوائم من أسماء الناخبين، ورفضت النظر في الطعون السبعة التي قدمها بعض مرشحي الرئاسة، ولئن كان المستشار الذي أعلن نتائج الانتخابات في الثامن والعشرين من مايو أيار قد رفض الإجابة عن أسئلة الصحافيين بكل صلف وفوقية واستفزاز، ولئن أعلن هذا المستشار بعد عشر دقائق فقط من إعلان تلك النتائج رفع الجلسة، والانسحاب من مواجهة الصحافيين وأسئلتهم ودهشتهم التي كانت تلاحقه أينما نظر.. لئن حصل كل هذا وكثيرٌ غيره من المخالفات الصريحة لنص القانون وروحه، فإن من حق المرشحين (ولا سيّما مرشحي الرئاسة الثلاثة المعترضين علنًا أو ضمنًا على هذه النتائج) أن يتابعوا هذه القضايا قانونيًّا، وعن طريق الاحتجاج السلمي، وعبر وسائل الإعلام، لكشف هذا الاتفاق بين الفريقين اللذين حاولا الالتفاف على ثورة مصر، ولا يزالان يحاولان ذلك حتى تتم سرقة هذه الثورة رسميًّا، وحتى تتم العودة بمصر بعد انتخابات الإعادة، إلى ذلك العهد البائد الذي دفع المصريون من دمائهم وأعصابهم ثمن سقوطه، وانهيار أركانه، وتصدع بنيانه.. وإن من واجب القضاء المصري، ورجال القانون في مصر، وكافة من يعنيهم الأمر من ذوي الاختصاص، والمكانة، والشعور بالمسئولية أن يقولوا كلمتهم، وأن يحولوا دون انعقاد دورة الإعادة، لأن ذلك معناه – على الأرجح- أن يفوز مرشح الثورة المضادة، وأن يعود العهد البائد بكل رموزه، وبكل أوخامه وأوهامه لحكم مصر والمصريين من جديد، الأمر الذي قد يؤدي إلى ردة فعلٍ شرسةٍ في الشارع المصري، قد تنقلب إلى حربٍ أهليةٍ لا نريدها، ولا يريدها أحدٌ من أحرار العرب وشرفائهم.. لذا ينبغي أن يبادر المصريون جميعًا وطنيين وقوميين وإسلاميين وعلمانيين وأقباطًا ومسلمين عاديين إلى تجنيب مصر مخاطر عودة النظام السابق، وتجنيب مصر مخاطر حربٍ أهليةٍ مدمرةٍ سوف تنعكس آثارها السلبية على مصر، وعلى العرب، وعلى المسلمين.. كما ينبغي أن يُبادر السوريون جميعًا وطنيين وقوميين وإسلاميين وعلمانيين ومسيحيين ومسلمين عاديين إلى تجنيب سوريا مخاطر حربٍ أهليةٍ مدمرة، وتجنيب سوريا مخاطر اللبننة والعرقنة والأفغنة والبلقنة، وبالتالي مخاطر هدم آخر قلاع العروبة في دمشق.. وإذا كان المصريون قادرين على إسقاط المؤامرة، وإنقاذ مصر من شرور هذه الفتنة التي يريد أعداؤها أن يغرقوها فيها، وإذا كان المصريون أيضًا قادرين على حسم مصر لصالح المعسكر العربي العروبي، ولصالح المشروع العربي الوحدوي، ولصالح قوى التحرر والتحرير والثورة الاجتماعية الاقتصادية السياسية العربية، فإن السوريين أيضًا قادرون على ذلك، وقادرون على وضع حدٍّ لهذه الفتن، ولهذه المجازر، ولكل هذا الرعب والدمار والتخريب والقتل وسفك الدماء الذي لا يعود بالنفع إلا على أعداء هذه الأمة العربية في بلاد الشام، وفي كل أوطان العروبة.. وإن العراقيين أيضًا قادرون على ذلك.. وإن العرب في كل أقطارهم وأمصارهم يستطيعون تلقين المعتدين دروسًا قاسيةً لا يمكن أن ينسَوها.. إن ما ترجوه الأمة العربية الواحدة الموحدة في كل ديار العروبة أن يتمكن الشعبان العربيان في مصر وسوريا الآن الآن وليس غدًا من إنقاذ جناحي النسر العربي المرفرفة على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، كي يظل جناحا هذا النسر في مأمن من الاحتراق بنيران هذه الفتن، وكي يظل قلب هذا النسر – كجناحيه- خافقًا خفاقًا فوق قلب العروبة، وكي تظل مخالبه الحديدية متشبثةً بذرى هذا الوطن الساحر الآسر الجميل.. وسلامٌ عليك يا أرض الرسالات والمرسلين.. سلامٌ على ذرى الجليل.. سلامٌ على ذرى عيبال.. سلام على ذرى القدس والخليل.

   وقى الله مصر شرور الفتن.. وجنب مصر الشقيقة وكافة ديار العرب والمسلمين كل سوء.. وحمى الله مصر والمصريين من كيد الكائدين، وأحقاد الحاقدين، ودسائس الدساسين المندسين المغرضين، وأطماع الطامعين، إنه سميعٌ قدير، وبالإجابة جدير.

30/5/2012

 

الأحد، ٢٧ أيار ٢٠١٢

لأننا أمةٌ عربيةٌ واحدة!!

متابعات

لأننا أمةٌ عربيةٌ واحدة!!

أ. عدنان السمان

www.samman.co.nr

    لو كنت مصريًّا لما ترددت في التوجه إلى صندوق الانتخاب في منطقتي، للمشاركة في انتخاب رئيسٍ للبلاد، ولو لم أكن مصريًّا وكان لي حق الانتخاب في مصر لمارست هذا الحق دون ترددٍ أيضًا، ولو اضطررت للسفر من فلسطين، أو العراق، أو الحجاز لممارسة هذا الحق.. فلسنا مجرد سوريين، أو عراقيين، أو مصريين، ولسنا مجرد حجازيين، أو نجديين، أو يمنيين، بل نحن عربٌ سوريون، وعربٌ عراقيون، وعربٌ مصريون، وعربٌ حجازيون، وعربٌ يمنيون.. وما دام الأمر كذلك، فنحن جميعًا عرب، ونحن جميعًا أمةٌ عربيةٌ واحدة من المحيط إلى الخليج، ونحن جميعًا مسئولون عن رفعة هذه الأمة، ومسئولون عن عزتها وتقدمها ورقيها وتطورها ونهضتها، وكرامة إنسانها، وسلامة بنيانها.. ولأننا أمةٌ عربيةٌ واحدة فإن من حقنا جميعًا أن نقف أمام صندوق الانتخاب في أي بلدٍ عربي، وإن من حقنا جميعًا أن نشارك في انتخاب الرئيس، وانتخاب "البرلمان" في أي بلدٍ عربي، وإن من حقنا جميعًا أن نبدي رأينا، ونقول كلمتنا في كافة قضايا أمتنا العربية، وإن من حقنا جميعًا أن نقول كلمتنا في المناهج المدرسية العربية، وفي مصادر الثقافة العربية، ومصادر المعلومات العربية، وفي الأوضاع الصحية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية العربية، وإن من حقنا أن نُلم إلمامًا كاملاً بالتاريخ العربي، وبالجغرافيا في كل أقطار العروبة، وأن ننظم الزيارات واللقاءات لكل العرب على كل أرض العرب، لصنع الإنسان العربي الجديد الذي يعرف وطنه، ويعرف أمته، ويعمّق انتماءه إلى هذه الأمة العربية الواحدة الموحدة في هذا الوطن العربي الكبير.

   ولأننا أمة عربية واحدة، فإن من حقنا أن نتواصل مع الأشقاء العرب في كل أقطارهم وأمصارهم، وأن نقيم مزيدًا من الاتحادات العربية على كافة المستويات، وأن نفعّل هذه الاتحادات القائمة، بحيث يشعر العربي أن الوطن العربي كله هو وطنه، وبحيث يشعر العربي أنه مواطن في كل أقطار العروبة، له ما لأهل هذه الأقطار، وعليه ما عليهم، ولا يكفي أن تنص الدساتير في الأقطار العربية على أن هذا البلد أو ذاك هو جزءٌ من العالم العربي، وأن الشعب فيه هو جزءٌ لا يتجزأ من الأمة العربية، بل يجب أن تُسن القوانين والتشريعات التي تذوب معها الحدود، وتتلاشى السدود والقيود أمام مد العروبة الهادر، وأمام زحف العروبة الثائر، وأمام إرادة العرب العروبييين الشرفاء الأحرار في تنقلاتهم وتحركاتهم بين أقطار هذا الوطن العربي الكبير، وفي محاولاتهم المستمرة من أجل إعادة بنائه على أسس العروبة، وعلى دعائم المحبة والمودة والإخاء والمساواة من جديد.

   ولأننا أمةٌ عربيةٌ واحدة، فإن من حقنا جميعًا أن نشارك في انتخاب الرئيس في مصر، وأن نشارك في انتخاب الرئيس في ليبيا، وفي تونس، وفي العراق، وفي سوريا، وفي كل بلاد العرب، وإن من حقنا أن نساهم في صنع الحياة السياسية، والنظام السياسي العربي الجديد الذي يبني ولا يهدم، ويوحد ولا يفرق، ويساوي بين المواطنين، ولا يميز بينهم.. ما أجمل هذا اليوم الذي نرى فيه مئات الملايين من المواطنين العرب وهم يتوجهون إلى هذه العاصمة العربية أو تلك لانتخاب الرئيس هناك، أو لانتخاب البرلمان.. وما أجمل هذا اليوم الذي تتوجه فيه مئات الملايين من المواطنين العرب برًّا وبحرّا وجوًّا إلى تلك العاصمة العربية لانتخاب الرئيس العربي، وكافة الهيئات والمجالس والأجسام والهياكل العربية التي تحكم هذه الأمة العربية، وتضع وحدتها موضع التنفيذ، وموضع التطبيق العملي.. وما أجمل هذا اليوم الذي نرى فيه هذه الأمة العربية وقد توحدت كلمتها، وتوحد صفها، وتوحدت مؤسساتها، وتوحدت أهدافها وغاياتها، وتوحدت أجهزتها، وتوحدت مجالس عمالها وفلاحيها وطلبتها، ومجالس نسائها، ومثقفيها، ومؤرخيها، وأدبائها، وثوارها، ومفكريها، وأحرارها من كل المستويات، للسير بهذه الأمة العربية الواحدة الموحدة من نصرٍ إلى نصر، ومن فوزٍ إلى فوز، في إطارٍ من الوحدة العربية الشاملة، وإطارٍ من الوحدة العربية الإسلامية التي لا تنفصم عُراها، وإطارٍ من الوحدة الإنسانية التي لا بدَّ منها، ولا غنًى عنها لاكتمال الصورة، واتضاح الرؤية، وتحقيق الأهداف والغايات الإنسانية الشاملة في ظل نظامٍ إنسانيٍّ عالميٍّ جديدٍ قائمٍ على الحق والعدل والعدالة والحرية والإنصاف والمساواة والأخلاق.. نظامٍ عالميٍّ إنسانيٍّ جديدٍ تعود معه الحقوق كاملةً إلى أصحابها، ولا يُظلم فيه أحد، ولا يَظلم فيه أحد، ويُصبح الناس فيه جميعًا بنعمة الله إخوانًا.

(27/5/2012)

 

الخميس، ٢٤ أيار ٢٠١٢

كلمات في الخلافات والانقسامات .. وانخفاض سقف التوقعات!!

متابعات

كلمات في الخلافات والانقسامات .. وانخفاض سقف التوقعات!!

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

    قد أكون لغتي، وقد لا أكون في هذا العنوان المصنوع الموجوع المسجوع.. وقد أكتبُ أدبًا هنا وهناك، وقد لا أكتب لهذا السبب أو ذاك، وفي هذه المناسبة أو تلك.. وقد تسمح الظروف لهذا الذي أكتبه أن يرى النور، وقد لا تسمح، آملاً أن تسمح.. وقد يُتاح لهذه الأمنيات والتمنيات والإشارات والشعارات التي تحفِلُ بها هذه الكلمات والمقالات والكتابات وأحاديث الذكريات أن تتحقق، وقد لا يُتاح، راجيًا وسائلاً المولى أن يُتاح.. ولكنني مع هذا كله أشعر "بملء الثقة" أن من حقي أن أكتب، وأن من حقي أن أخاطب العقول، كل العقول، والعواطف والمشاعر والأحاسيس، وأن من حقي أن أتوجه إلى كل أصحاب الحسِّ الوطني المرهف الشفاف، والضمائر الحية اليقظة النظيفة، والنفوس الكبيرة الملتزمة من مثقفين ومثقفات، وكتّاب وكاتبات، وصحافيّين، وإعلاميين وإعلاميات، ومحررين، وسياسيين شرفاء وشريفات، يحملن في قلوبهنَّ الكبيرةِ حبًّا كبيرًا لهذا الوطن، وإنسان هذا الوطن، وقضايا هذا الوطن، مخاطبًا كل هؤلاء بكل الصدق أن يكونوا لهذا الوطن، ولكل قضاياه، ولإنسان هذا الوطن الممزق والمضيَّع والمكبَّل، وأن يعملوا جاهدين بكل العزم والحزم والإصرار من أجل وضع حدٍّ لكل هذه الخلافات، ولكل هذه الصراعاتِ والانقسامات والانشقاقات، ولكل ما من شأنه أن يؤدي بالتالي إلى انخفاض سقف التوقعات، وإلى مزيد من التفكك والتمزق والاختلال والاعتلال والاضمحلال والانهيارات... صحيح أن الخلاف في الرأي في معظم الأحوال علامة صحة.. وصحيح أن الناسَ كل الناسِ في هذه الدنيا يختلفون ويتفقون، وقد لا يتفقون.. وصحيح أن الانقسام بشقيه هو وسيلة التكاثر في الخلية الحيَّة، ووسيلة تجدد الحياة وتدفقها.. وصحيح أن الانشقاق في كثير من الأحيان قد يعني الخروجَ على استبداد مستبد، وتحكم متحكم، وطغيان طاغية، وقد يعني وضع أرجلِ السابلة على بداية الطريق نحو الحرية والنور والعدل والعدالة وتحقيق الأهداف... ولكن صحيح أيضًا أننا عانينا من كل ألوان الخلافات والانقسامات والانشقاقات مذ كنا، بل مذ كانت هذه الأمة في تلك الحقبة المتقدمة من التاريخ، ومذ كانت هذه القضية، وتلك النكبة التي لا زال الناس في هذه الديار يتجرعون مرارتها، ولا زالت تلقي بظلالها، وتنوء بكلكلها على صدور الناس هنا على أرض الوطن، وهناك في كل منافي هذا الشعب، وديار غربته واغترابه.. وصحيح أيضًا أننا لم نعد بحاجة لمزيد من هذه الخلافات التي كرهناها، ولفظناها بالتالي لفظَ النوى، حتى لو كانت علامة صحة، لأننا بحاجة إلى وحدة الكلمة، ووحدة الصف، ووحدة الهدف، ووحدة التوجه والمشاعر والأفكار والرؤى، ولأننا _يقينًا_ بحاجة لمزيد من الإصرار على تحقيق الأهداف والطموحات التي قد لا تعني في حدها الأدنى أقل من عودة كريمة ظافرة إلى البيت والدار والجار والوطن، وحياة حرة كريمة يعيش معها كل أهل هذه الديار، وغير أهل هذه الديار بأمن وأمان ومحبة وتسامحٍ ووئامٍ وسلام.

    ولئن كان من حقي أن أكتب، ولئن كان من حق غيري أن يكتب، ولئن كان من حق ما أكتبه أن يرى النور، وأن يطلَّ على الأحقاب والعصور، وعلى الأحباب وغير الأحباب من أقصر الطرق وأوسع الأبواب، بعيدًا عن المناكفات والمنغصات والمماحكات والتقنينات والتحزبات والتشيعات، وكافة أنواع الحجج والاعتبارات التي تخفي وراءها ما تخفيه، وما أربأ بنفسي عن التصريح به، والخوض فيه.. ولئن كان الوطن قصيدة فهذه قصيدتي، ولئن كان الوطن أغنية فهذه أغنيتي، ولئن كان شهادةً فهذه شهادتي مشفوعة بالقسَم، وهذا مصدر فخري وافتخاري وتألقي وتدفقي وتأججي وتوهجي.. وإذا كان هنالك من يرى أن الوطن حقيبة فإنني – يقينًا - لا أرى ذلك، بل إنني أرفض ذلك كل الرفض، إلا أن يكون هذا الوطن الغالي المنسوج على غير مثال حقيبةً مدرسية تصنعُ الأجيال، وتربيها على حبِّه، وترسم لها طريق استعادته وإسعاده والذودِ عن حِماهُ وحياضه، وترسمُ لها أيضًا طريقة بنائه قويًّا مستقرًّا سيّدًا حرًّا عزيزًا مستقلاًّ كريم الجانب، موفور الكرامة، مخوف الجناب، حرامَ الحِمى، (حتى لو لم يمنحوا المعلم حصانة السفير، وراتب الأمير والمستشار والوزير)، أيها الغالي، فهو في كل حالاته وأحواله، ورغم كل آهاته وأعبائه وأوجاعه يعطي ولا يبخل، فالبخل ليس من شيم الكرام، وهذا المعلم مذ كان كريمٌ شهمٌ معطاءٌ ملتزم بهذا الوطن، وإنسان هذا الوطن رغم النوائب والمصائب والمصاعب والمحن!!؟.

    عجبتُ لكل هؤلاء الذين لا يروْنَ في الوطن أكثر من حقيبة مسافر مغادر، أو حقيبة امرأة! ولمن لا يرون فيه أكثر من حقيبة لغسيل الأموال، وتهريب الموبايل وغير الموبايل، ولمن لا يرون فيه أيضًا أكثر من حقيبة وزير بلا وزارة، أو بوزارة، فالأمر سيّان إذا كانت كل هذه الحقائب شكليَّة، وإذا كانت مجرد رشاوى يقدمها هؤلاء لأولئك، وحوافز ومغريات لاستمرار هذا النهج، وهذا الحِوار الذي لم يسبق لنا أن سلكناه، ولم يسبق له أن حقق لأمة شيئًا من طموح، أو صان لشعب شيئًا من كرامة، أو أعاد له شيئًا من حق، ولم يسبق له أن كان طريقًا لإحقاق حق، أو إزهاق باطل، أو تحقيق حلم في عيش هانئ هادئ أو استقلال... ولئن كانت أوروبا قد عرفت هذا النهج وسيلة للخلاص مما أوقعتها فيه الحرب العالمية الثانية، ولئن تمكّنت أوروبا بفضله من الخروج من أزماتها، وإعادة ترتيب البيت الأوروبي من الداخل بعد أن عصفت به تلك الحرب على مدى ست سنوات، فإنه _يقينًا_ ليس الطريق إلى الحل في هذه الديار، لأن المشكلات هناك ليست هي المشكلات هنا، ولأن النازية هناك قد هُزِمت في نهاية تلك الحرب، وما كان على الأوروبيين بعد ذلك إلا أن يعملوا من أجل الخلاص من كل آثارها المدمرة، ومن كل جناياتها على أوروبا والأوروبيين، وعلى كثير من الناس في هذا العالم، وإن كان الأوروبيون قد وقعوا في شر أعمالهم، وإن كان الغرب بشقيه أيضًا قد وقع في هذه الأزمات المالية التي لا أعتقد أنه سيخرج منها بهذه السهولة التي يتصورها بعض البسطاء.

    وعجبتُ لكل هؤلاء الذين لا يرون في هذه القضية أكثر من وسيلة للثراء، وتحقيق المكاسب والمكتسبات الشخصية، وأكثر من وسيلة لممارسة السطوة وإرضاء الغرور، وممارسة الحكم والتحكم بالناس في الوقت الذي لا يملكون فيه لأنفسهم من أولئك "السادة" ضرًّا ولا نفعًا، وفي الوقت الذي لا يستطيعون فيه مخالفة أولئك السادة في أقل القليل، حتى لو كان ذلك من باب ذرِّ الرماد في العيون، وحتى لو كان ذلك من خلال الهامش الذي يقول فيه قائلهم للناس: "نحن نمون"!! عجبتُ لهم كيف يسلكون مع "السيد" هذا السلوك الذي لا يملكون معه إلا الموافقة على كل ما يقول، وعلى كل ما يفعل، وعلى كل ما يصدر عنه من خطط ومخططات، وإن حصل غير ذلك فإلى حين، ثم يعودون سيرتهم الأولى، وحتى في خلال حردِهم وعتبهم وجهرهم بالشكوى من قساوة هذا "السيد" وقسوة قلبه، فإنهم لا يخرجون على شيء من أوامره ونواهيه، ولا يجترئون على ارتكاب أدنى مخالفة لتعليماته ووصاياه، وأضوائه الحمراء والصفراء والبرتقالية أيضًا.

    عجبتُ لكل هؤلاء وهم يفرّغون الناس من محتواهم، ويجردونهم من مضامينهم، ويستبدلون أفكارهم ومقومات شخصيتهم وثقافتهم بأخرى لا تمتُّ إلى هذه الأمة وتاريخها وجغرافيتها وقيمها ومعتقداتها وأعرافها وحقوقها الثابتة في العيش الآمن الكريم الحر بأدنى صلة.. عجبتُ لهم وهم يتنمّرون للناس، ويفرضون عليهم وصايتهم، ويتحالفون فيما بينهم على إخضاعهم وحصارهم وكبتهم وتجريدهم من أبسط حقوقهم في القول والتفكير والتعبير، وعلى حق كثير منهم في الحياة والحرية.. عجبت لهم وهم يستأثرون بكل شيء، ويبيحون لأنفسهم فعل كل شيء، ويحرمون على غيرهم كل شيء.. قد يتقاسمون مع أحبتهم ومن يسير في فلَكِهم وعلى نهجهم كل شيء، وقد يكونون أعدل الناس مع من يثني عليهم، ويجاملهم، ويتواصل معهم، لهذا السبب أو ذاك، ويطالبون دائمًا بمزيد من هذا التواصل حتى لو انتهت الأسباب التي أدت إليه، ويفرضون لأنفسهم حق التدخل في كل أمر من أمور الناس لوضع كل خيوط حياتهم في أيديهم، ولفرض الوصاية عليهم حتى يضمنوا لأنفسهم قاعدة شعبية موالية تمكنهم من الاستمرار، وتضمن لهم بالتالي البقاءَ في مناصبهم، وتمكنهم مع مرور الوقت من كتابة التاريخ كما يريدون، ومن تخليد أبطالهم كما يشاءون، كي يثبتوا أنهم الأمناء المؤتمنون، وأنهم الأوفياء الأكفياء القادرون المقتدرون على حمل التبعات والمسئوليات، وصون الكرامات، وأداء الأمانات، وتحقيق الأهداف والغايات، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه بطرق عصرية حضارية يفهمها العالم المتحضر، ويقرُّها ويساعد على تحقيقها ووضعها موضع التنفيذ.. على الرغم من أن هذا العالم الذي يؤمنون به، ويتحدثون عنه، ويلتجئون إليه، ويحكّمونه فيما شجَرَ بينهم لا يعنيه إلا مصالحه، ولا يصدر في أقواله وأفعالهِ وإنفاقه وكل ممارساته إلا عن هذا التنافس القائم بين الغرب بشقيه لحكم هذا البلد أو ذاك من بلدان هذا العالم.

     من الطبيعي أن يعترض الناس على كل هذا بدعوى أنه عبث لا طائل تحته، ومن الطبيعي أن ينبري المستفيدون الذين يرون فيه فرصتهم للدفاع عنه، ومن الطبيعي أن تتعدد المواقف، وتكثر التيارات والتفسيرات والاعتبارات والاجتهادات، ومن الطبيعي أيضًا أن تكثر الخلافات والصراعات، وأن تشتد وتحتد، وأن تكثر التحالفات، وبغض النظر عن كل التفصيلات والتأويلات والتوجهات، وبصرف النظر عن الأيديولوجيات والاستراتيجيات والتكتيكات والديالكتيكيات، وبصرف النظر أيضًا عن الدوافع والنوازع ومجموعة القيم والعقائد والمبادئ والأفكار التي يصدر عنها كل أولئك المختلفون المتخاصمون المتصارعون المقتتلون المحتربون المتحاربون.. بصرف النظر عن هذا كله، وبصرف النظر عن كثير غيره مما قد يقال، وقد لا يقال، فإن نتيجة هذا كله أن تضطرب الأحوال، وتعمَّ البِطالة، وينتشر الفقر، ويكثر المحتاجون، ويجف معين المدخرات، ويبحث الناس في غمرة هذا كله عن الغذاء والدواء والكِساء فلا يكادون يظفرون بشيء منه إلا بشقّ الأنفُس.. في غمرة هذا كله يتدخل المتدخلون لحسم الأوضاع، وتبذَلُ الأموال، ويعزف الرشاش، وتقصف المدافع، وتسيل الدماء، ويحترب الأهل والإخوة، ويقتل الأخُ أخاه، والجارُ جاره، والرفيق  رفيقه، ويمثِّل هذا بجثة ذاك، ويحرق أولئك قلوب هؤلاء، ويحترق الوطن والمواطن، وتحسَمُ الأمور لصالح المخططين الذين يحركون الدمى أو تكاد، ويكاد يفرح المخططون وأدواتهم وأعوانهم من الأشرار الفجّار الدعّار، ولا أقول بنصر الله، وتكاد رياح السموم تعصف بالأوطان، تدمر البنيان، تقتل الإنسان، تهلك الحرث والنسل والغزلان، وتأتي على الأخضر واليابس أو تكاد.. عند ذلك يخرج من رحم المأساة جيل أنضجته نيران الهزائم والجرائم والخطوب، فينتصر على كل أسباب الصراع والشقاق والنفاق والحروب، وينتصب شامخًا عملاقًا فوق النزف فوق الجرح فوق الملح والبارود.. يسعى إلى وطن النجوم.. يثأر للأرض وللعِرض، ويصنع من أزهار اللوز والياسمين والبرتقال وخشب الزيتون قلائد لوطن النجوم، وما أدراك ما وطن الأحلام والآلام والآمال والنجوم؟ هل عرفتم الآن ما الذي يعنيه القائلون بقولهم إن التطرف يصنع التطرف، وإن حياة الفوضى والتسيب والاضطراب والدماء من شأنها أن تأتي بغلاة المتشددين، ومن شأنها أن تكيل الصاع صاعين للمعتدين، ولو بعد حين؟!!.

    ليس من السهل أن يصف شاعرٌ في قصيدة ضبابيَّة شيئًا من هذا الذي يحدث على كل أرض العرب، أو شيئًا من هذا الذي يحدث فوق أرض فلسطين وطنِ الأقاح والندى والصباح والجراح.. وليس من السهل على صانع الشِّعر والعِطر والسحر والظلال أن يعيش في الظل، وليس من السهل على صانع المُحال أن يختفيَ خلف الرتوش والرموش والظلال.. لقد علمْتنا يا وطن الشمسِ والحب والحرية أن نحفظك في الجفون، وخلف حبات العيون، فلن تهون يا وطن النجوم لن تهون.. لن تهون.

   لقد علمتنا أن نفتديك بالمهج والأرواح وأن نبذل في سبيلك كل غالٍ ونفيس، وأن نحب من أحبك، ونعادي من عاداك.. لقد علمتنا يا وطن الأحرار أن تجتمع القلوب والألباب والمشاعر على حبك، وأن تُجمِعَ الفئاتُ كلُّ الفئاتِ، والشرائحُ كلُّ الشرائحِ، والنخبُ كلُّ النخبِ، والمستوياتُ كلُّ المستوياتِ على صونك والذَّب عن حماك وحياضك.. لقد علمتنا يا وطن الآباء والأجداد أن من مات على ثراك فهو شهيد، وأن من أحبكَ كل الحب ثم قضى وهو يغمض اليدَ أو العينَ على حبة من ترابك فهو شهيد، وأن من رعاك وحماك وسهر على أمنك وأمانك، ومن أعلى بنيانك وصان إنسانك وكبتَ أعداءك فهو شهيد.. يا وطن النجوم والشهادة والهداية والحب.. يا وطني.. ها قد جئتُ أحمي حِماك، وأُبعِدُ المقتتلين المحتربين المتخاصمين اللاهثين خلف السراب عن ساحتك، بل عن ساحاتك، حتى لا يبقى فيها إلا من أحبكَ، وإلا من هتف من أعماق أعماق روحه للعروبة والشمسِ والحريةِ والمحبة والتسامح والسلام.

(24/5/2012)

 

الاثنين، ٢١ أيار ٢٠١٢

في حل الدولة وحل الدولتين.. ومفهوم السلام العادل أيضًا!!

         (نسخة مزيدة)

متابعات

في حل الدولة وحل الدولتين.. ومفهوم السلام العادل أيضًا!!

 

أ. عدنان السمان

www.samman.co.nr

     منذ قيامها في الخامس عشر من أيار من عام ثمانية وأربعين أصبحت "إسرائيل" دولة لمواطنيها اليهود.. أما من تبقّى فيها من مواطنيها العرب الفلسطينيين فلم يعودوا مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات مع المواطنين اليهود، ولعلهم لم يكونوا كذلك أيضًا قبل قيام هذه الدولة، وعلى امتداد فترة الانتداب البريطاني على فلسطين والبالغة إحدى وثلاثين عامًا.. أما في عهد بني عثمان، وعلى امتداد أربعة قرون بالكمال والتمام فلم يكن الأمر كذلك، بل ربما كان بخلاف ذلك.. ولقد كان الأمر كذلك أيضًا على امتداد القرون العشرة التي سبقت عهد بني عثمان منذ الفتح الإسلامي، مرورًا بعهد الأمويين والعباسيين.. أما في العهود التي سبقت الفتح الإسلامي فكانت هذه البلاد عربية في معظم الأحوال منذ عهد يبوس وكنعان وحتى أيام الفتح قبل خمسة عشر قرنًا من الزمان.

    كان لا بد من هذه المقدمة السريعة، وكان لا بد من الربط السريع بين الماضي والحاضر للوقوف على حقيقة ما جرى في فلسطين عام ثمانية وأربعين، وللوقوف على ما حلّ بعرب فلسطين في ذلك العام، حيث هُجّرت الغالبية العظمى منهم، وبقيت نسبة معيّنة منهم على أرضها يقّدر عددها اليوم بمليون ونصف المليون من العرب الفلسطينيين تشكّل عشرين بالمائة من مجموع سكان "إسرائيل" في هذه الأيام.

    وعلى الرغم من أن هؤلاء العرب الفلسطينيين هم أصحاب البلاد، وهم سكانها الأصليون منذ آلاف السنين، وعلى الرغم من أن الغالبية العظمى من اليهود قد جاءت إلى فلسطين خلال النصف الأول من القرن الماضي من مختلف الأقطار، ولا يزال باب الهجرة مفتوحًا، وعلى الرغم من صدور التشريعات الدولية التي تنص على حقوق الإنسان، وحرياته الأساسية، وحمايته في أوقات السلم والحرب على السواء... على الرغم من هذا كله، وكثير غيره إلا أن الوضع في "إسرائيل" شيء مختلف تمامًا حيث يعيش من تبقّى فيها من أهلها العرب الفلسطينيين حياة تختلف عن حياة اليهود بدعوى أن هذه " الدولة" لليهود فقط، وعليه فإن سكانها من غير اليهود لا يُعتبرون من مواطنيها، بل يعيشون في " تجمعاتهم" حياة من الدرجة الثانية، أو الثالثة بعيدًا عن المساواة في كل شأن من شؤون الحياة، حتى أن المدارس العربية هناك ليست مشمولة بنظام الحراسة، وحتى أن المجالس المحلية تواجه أعباءها ومسئولياتها دون موازنات، بل حتى أن المواطنين العرب لا يدخلون في كثير مما تقوم به مراكز البحوث والدراسات من أعمال مسحية وإحصائية حول أوضاع المواطنين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والصحية.. وإن حصل ذلك أحيانًا فمن أجل بيان الفوارق الرهيبة بين هؤلاء العرب، وأولئك اليهود من سكان " الدولة" الواحدة.

    ولقد ظلت هذه الحال على ما هي عليه منذ قيام" إسرائيل" حيث الاهتمام الشديد باليهود، وحيث التركيز على يهودية الدولة لغةً وثقافةً.. على الرغم من كل هذه الفوارق السياسية والاجتماعية والثقافية القائمة بين اليهود الذين جاءوا إلى هذه الديار من بلاد العرب المختلفة، وأولئك الذين جاءوا من شرق أوروبا، ومن غربها، وأولئك الذين جاءوا من إفريقيا، ومن كثير من أقطار آسيا، ومن الولايات المتحدة الأمريكية.... ولأن "إسرائيل" دولة يهودية، فقد راحت هذه الدولة توحد بين هؤلاء القادمين إليها من مختلف الأقطار والبيئات، والثقافات، والمستويات الفكرية، والعلمية، والمسلكية، والأخلاقية، والاقتصادية.. وراحت تجمعهم على ثقافة جديدة، وفكر جديد.. وراحت تضع يدها على كل شيء في هذه البلاد، وراحت تغير أسماء المدن والقرى والجبال والأنهار والسهول والمواقع الأثرية والتاريخية.. كما راحت تغير جغرافية البلاد وملامحها وطابعها العام بحيث يبدو غربيًّا لا علاقة له بهذه المنطقة من العالم ..في الوقت الذي تبنّت فيه لنفسها كل شيء في هذه الديار بدءًا بالأزياء الشعبية، وأكلة الفلافل.. ولا أقول انتهاءً بذلك الحجر الأموي العربي الذي انتُزع من مكانه في محيط المسجد الأقصى من الجهة الجنوبية الغربية لتضعه المروحية التي حملته في ساحة " الكنيست" الإسرائيلي، وقد كتبوا عليه أنه من عهد الهيكل الثاني!!!

     إنه، وبعد إصرار القيادات المتعاقبة في "إسرائيل" على التمسك الشديد بيهودية هذه الدولة، وبعد إصرار هذه القيادات المتعاقبة على وضع يدها على الغالبية الساحقة من ملايين الدونمات من الأراضي الزراعية وغير الزراعية التي يمتلكها المواطنون العرب، وبعد إصرار هذه القيادات على إهمال الشأن الخاص والعام للمواطنين العرب في " إسرائيل"، وبعد إصرار هذه القيادات (منذ قيام هذه "الدولة") على تصوير الأقلية العربية في " إسرائيل" على أنها أقلية غريبة غير مرغوب فيها في هذه الدولة اليهودية، فإن هذه القيادات المتعاقبة تريد أن تقرر حقيقةً واضحة هي أن "إسرائيل" لا يمكن أن تكون دولة لشعبين، بل إنها دولة للشعب اليهودي وحده.. وهكذا حرصت هذه القيادات المتعاقبة في "إسرائيل" على رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين، وعلى رفض اقتراح الدولة العلمانية الديمقراطية، وعلى رفض كافة المقترحات التي تطالب أن تكون هذه الدولة ثنائية القومية، وهكذا أسقطت هذه القيادات حل الدولة، وعاشت في عزلةٍ من الفراغ السياسي، والاضطراب، والعزلة الدَّولية سنواتٍ طوالاً،إلى جانب الحصار الذي كانت تفرضه عليها أقطار الجوار، أو دول الطوق كما كان يحلو لبعضهم أن يسميها.. هذا الحصار الذي فرضته عليها الجامعة العربية بما انطوى عليه من إجراءات المقاطعة الصارمة التي فرضها مكتب المقاطعة، إلى أن لاح في الأفق ما أسموه حل الدولتين الذي وجدت فيه أطرافٌ كثيرة من أطراف الصراع فرصةً ذهبية للخروج من المآزق السياسية التي عصفت بهذه المنطقة من العالم منذ قيام"إسرائيل"، كما وجدت فيه هذه الأطراف فرصة من الصعب أن تتكرر لحل هذه القضية الفلسطينية حلاًّ "عمليًّا" يبدو مقنعًا، ويبدو معقولاً على الرغم من المشكلات والعقبات التي ينطوي عليها، والتي من الممكن أن تتم تسويتها بالنوايا الحسنة، والرغبة الصادقة في التوصل إلى حل لهذه القضية المزمنة... أما الطرف الإسرائيلي فقد وجد فيه فرصته لاعتراف سائر أطراف الصراع بكيانه الذي أقيم عام ثمانية وأربعين على نحو ثمانين بالمائة من مساحة فلسطين التاريخية، ووجد فيه فرصته للخلاص من الأقلية العربية الفلسطينية في هذا الكيان، ووجد فيه فرصته لاعتراف دولي أممي بهذا الكيان دولةً يهودية خالصة، والدخول من أوسع الأبواب في مفاوضات حول " الضفة الغربية" لا يمكن أن تسفر في نهاية المطاف إلا عن إلحاقها بهذا الكيان أرضًا بدون سكان.

    ولا بد قبل الخوض في هذا الحل، وملابسات نشوئه من الإشارة "فلسطينيًّا" إلى حل الدولة التي يصر اليهود في "إسرائيل" على فشله.. فالعرب الفلسطينيون في "إسرائيل" يصرون على تحقيق المساواة بغيرهم من سكان هذه الدولة، ويطالبون بالحصول على المواطنة الكاملة، ويؤكدون على أن هذه المواطنة الكاملة ليست مِنّةً أو معروفًا، وإنما هي حق ثابت لا يرقى إليه شك.. إنهم مواطنون قبل قيام هذه الدولة على أرضهم، وهم مواطنون قبل أن تأتي الغالبية العظمى من اليهود إلى هذه الديار، ولقد كانوا الأكثرية قبل قيام "إسرائيل" في حين كان اليهود الفلسطينيون أقلية تحظى بالمواطنة الكاملة في فلسطين.. كما يؤكد العرب الفلسطينيون في "إسرائيل" على حقهم في اللجوء إلى المحاكم لحماية حقوقهم الثابتة في بلادهم، وفي ديارهم، وعلى تراب وطنهم.. كما يؤكدون إصرارهم على التصدي لكل محاولات الانتقاص من هذه الحقوق، أو الاعتداء عليها، أو تجريدهم منها، وإصرارهم على البقاء في ديارهم دون أدنى التفات لما يقال بين الحين والآخر من محاولة نقلهم إلى دولة الفلسطينيين التي يقولون إنها سوف تقام إلى جانب"إسرائيل" دولة الشعب اليهودي تحقيقًا لرؤية (ذلك الذي ألحق الكوارث والنكبات بكثير من أقطار العروبة والإسلام، وبكثير من أقطار هذا الكون، إن لم يكن بالكون كله) حل الدولتين للشعبين!! إن أولئك العرب الفلسطينيين الذين يصرون كل الإصرار على البقاء في ديارهم ومدنهم وقراهم، وعلى أرضهم أرض الآباء والأجداد يرون ضرورة أن تُجرى انتخابات لجنة المتابعة العربية بطريقة مباشرة بصفتها "برلمانًا" للأقلية العربية، وإن كان كثير منهم يتخوفون من عواقب عمل كهذا، ويشككون في جدوى انتخاباتٍ كهذه تفرز جسمًا هزيلاً بدون صلاحيات.

   وكذلك، فان اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين الذين أُخرجوا من ديارهم عام ثمانية وأربعين يصرون على العودة إلى تلك الديار بموجب القرار 194.. كما يطالب هؤلاء الفلسطينيون بضرورة تطبيق سائر قرارات المجتمع الدولي بشأن القضية الفلسطينية.

    أما عرب القدس، فإنهم يصرون من جانبهم على ضرورة خروج الاحتلال من هذه المدينة حتى حدود الرابع من حزيران شأنهم في ذلك شأن أهالي الضفة الغربية المحتلة منذ عام سبعة وستين.. وهذا يعني أن الفلسطينيين يصرون على ضرورة الانسحاب الإسرائيلي الكامل من هذه الضفة، وضرورة وقف أعمال الاستيطان، وإجلاء المستوطنين عن هذه الديار.

    إن رفض اليهود لحل الدولة الواحدة هو الذي يقف حجر عثرة في سبيل تحقيق هذه الفكرة، وحل القضية الفلسطينية حلاًّ سلميًّا على هذا الأساس على الرغم مما قد ينطوي عليه هذا الحل من إجحاف بكثير من الحقوق الفردية والجماعية للفلسطينيين العرب من مواطني هذه الدولة.

    ونظرًا لأن هذه القضية الفلسطينية قد ظلت تلقي بظلالها على الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية في هذا العالم، ونظرًا لأنها ظلت تفرض نفسها، وتلقي بثقلها على كافة الأنظمة العربية في سائر أقطار العروبة، ونظرًا لإصرار الفلسطينيين جميعًا على ضرورة حل قضيتهم حلاًّ عادلاً يعيد الحقوق إلى أصحابها، ونظرًا لأن "إسرائيل" قد تمكنت في حرب الخامس من حزيران من إلحاق هزيمة قاسية بالأنظمة العربية التي تؤازر الفلسطينيين، وتقف إلى جانبهم لاستعادة حقوقهم في وطنهم السليب بشتى الوسائل والسبل، ونظرًا لحالة اليأس والإحباط التي تسربت إلى نفوس كثير من القادة  الفلسطينيين الذين آمنوا بالكفاح المسلح وسيلةً لتحرير فلسطين... نظرًا لهذا كله،  وكثير غيره فقد بدأ حديث كثير من القادة الفلسطينيين، وكثير من القادة العرب في أعقاب هذه الهزيمة يتمحور حول إزالة آثار العدوان، وضرورة الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة... صحيحٌ أن لاءات الخرطوم قد نصّت صراحةً على أنه لا صلح مع إسرائيل، ولا اعتراف بها، ولا مفاوضات معها، وصحيح أن كثيرًا من الفلسطينيين والعرب قد ظلوا على سابق مواقفهم المعلنة من إسرائيل ... ولكنْ صحيحٌ أيضًا أن كثيرًا من القادة الفلسطينيين، وكثيرًا من القادة العرب، وكثيرًا من قادة الدول المتنفّذة في هذا العالم قد أخذوا يتحدثون صراحةً عن انسحاب إسرائيلي من أراض عربية محتلة.. وصحيح أيضًا أن شعار تحرير فلسطين لم يعد يُسمع، ولم يعد يتردد في وسائل الإعلام العربية، وعلى ألسنة كثير من القادة العرب والفلسطينيين.. وصحيح أيضًا ان اللقاءات والمفاوضات السرية بين كثير من القادة الإسرائيليين والفلسطينيين قد أخذت تُدار عن طريق الوسطاء تارةً، وبدون وسطاء تاراتٍ أخرى قبل زيارة السادات للقدس، وقبل توقيع اتفاقات كامب ديفيد بزمن طويل!!!

    معنى هذا كله أن التفكير بإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة( بعد انسحاب الإسرائيليين) بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية قد أخذ بالتبلور في أعقاب هزيمة حزيران من عام سبعة وستين مرورًا بأعمال المقاومة الفلسطينية المسلحة التي أعقبت تلك الهزيمة، ومرورًا بالموقف العربي المؤيد للمنظمة ممثلاً شرعيًّا وحيدًا لشعب فلسطين في قمة الرباط في العام الرابع والسبعين من القرن الماضي، ولكن ما حصل بعد ذلك، وما تمخضت عنه اتفاقات اوسلو هو نشوء سلطة فلسطينية لم تتجاوز حدود الحكم الذاتي المحدود بعد قرابة عشرين عامًا من نشوئها دون انسحاب إسرائيلي من شبر واحد من الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام سبعة وستين، ودون أن يلوح في الأفق أي دليل على نية أي من الإسرائيليين يسارهم ويمينهم ووسطهم للانسحاب من قرية واحدة أو شبر واحد من أرض الضفة الغربية، أو من يهودا والسامرة كما يسميها الإسرائيليون الذين يحتفظون فيها بقيادة عامة، وقواعد عسكرية( تشرف إشرافًا كاملاً على كل صغيرة وكبيرة مما يجري فيها من كافة أوجه الحياة اليومية، وتنفّذ كافة المخططات والأوامر والتعليمات والقرارات الصادرة عن القيادة العسكرية في "إسرائيل" بشأن قضم الأرض، ومصادرتها، وتغيير معالمها، والسيطرة عليها بشتى الوسائل والأساليب، والتضييق على العرب الفلسطينيين، والإمعان في عزلهم وحصارهم وهدم بيوتهم وإحباطهم ليسهل اجتثاثهم من هذه الأرض في الوقت المناسب)كما يحتفظون فيها بإدارة مدنية، وبمئات المستوطنات التي تضم أكثر من نصف مليون مستوطن حتى الآن.. لقد حصل كل هذا،  وتمت السيطرة على أرض الضفة الغربية بفئاتها الثلاث ("أ" و"ب" و"ج") قبل أن يطل علينا شبح نتانياهو وليبرمان وغلاة اليمين المتشدد، وقبل أن يصعدوا إلى سدة الحكم في "إسرائيل"، وقبل أن يدخلوا مع الفلسطينيين في هذه المفاوضات القائمة على المناورات والمراوغات، والتي تضاعفت فيها أعمال المداهمات والمصادرات والاستيطان أضعافًا مضاعفةً، وتضاعفت فيها أيضًا أعداد المستوطنين، وقبل أن يتبادل الجانبان الإسرائيلي والفلسطيني منذ أيام هذه الرسائل التي لن تُغير من واقع الأمر شيئًا.

    إن الإدارة الأمريكية السابقة بما اشتملت عليه"رؤى" رئيسها الذي حاول جاهدًا تحقيق شيء من النجاح على صعيد فلسطين، والقضية الفلسطينية يغطي به على الفشل الذريع الذي لحق بسياسته في العراق وأفغانستان، ويصرف به الأنظار عما يوجهه لإيران وسورية وكثير من اللبنانيين والفلسطينيين من تهديدات وإنذارات واتهامات .. تلك الإدارة، ورئيسها ذاك تحديدًا هو الذي كان وراء ما سُمّي بحل الدولتين لهذه الأسباب التي مر ذكرها، ولأسباب أخرى تتلخص في تقديم "خدمة" لأصدقائه اليهود الذين لا يسعدهم وجود هذه الأقلية العربية الفلسطينية في "إسرائيل" ولا ينظرون بارتياح إلى وجود مليون ونصف المليون من الفلسطينيين العرب(ممن يسميهم كثير من اليهود بالقنابل الموقوتة) بينهم... وعليه، فقد وجد أولئك الحلفاء في حل الدولتين فرصة ذهبية للخلاص منهم إضافة إلى الخلاص من هذه القضية المزمنة التي أزعجت الدنيا بأسرها، وحلها حلاًّ في ظاهره الرحمة بإقامة دولة للفلسطينيين إلى جانب دولة اليهود "إسرائيل".. ولكن أحدًا لم يسأل تلك الإدارة، ورئيس تلك الإدارة أين ستقام تلك الدولة، والمستوطنون اليهود يسيطرون على مساحات واسعة من أراضي الضفة الغربية يقيمون عليها مستوطناتهم، ويسيطرون على مساحات أخرى يقيمون عليها مزارعهم ومصانعهم ومحمياتهم الطبيعية، ويسيطرون على مساحات إضافية لشق شوارعهم الالتفافية التي يحاصرون بها مدنًا وقرًى وتجمعات للفلسطينيين من جهة، ويصنعون التواصل الجغرافي بين مستوطناتهم بحيث تظهر تلك المستوطنات وكأنها هي الأصل، وتبدو القرى والمدن العربية الفلسطينية وكأنها الاستثناء، ويسيطرون على مساحات إضافية ثانية لأعمال الجدار والأسوار والبوابات والمعابر التي يحاصرون بها مدن الفلسطينيين وقراهم، كما يسيطرون على مساحات إضافية ثالثة ورابعة وخامسة لتوسيع مستوطناتهم، وإقامة مستوطنات جديدة كي يصبحوا قادرين على استقبال مستوطنين جدد، وقادرين على مواجهة الزيادة الطبيعية  في أعداد هؤلاء المستوطنين، ولتوسيع حدود القدس الكبرى ومستوطنات جبل أبو غنيم، وأدوميم التي تزيد مساحتها كثيرًا عن مساحة تل أبيب، في الوقت الذي تُهدم فيه بيوت كثير من العرب الفلسطينيين في القدس والخليل وسائر مدن الضفة الغربية وقراها، بل وفي كثير من المدن والقرى العربية الفلسطينية في "إسرائيل" ولا سيما في منطقة النقب البالغة مساحتها أحد عشر ألفًا من الكيلومترات المربعة، أي أربعين بالمئة من مساحة فلسطين التاريخية، بدعوى أن هذه الأبنية غير مرخصة، فإذا قال قائل إن الناس في هذه المدن والقرى قد تقدموا بطلبات للحصول على تراخيص البناء دون أن يستجاب لطلباتهم لأسباب معروفة قالوا: هذه بلادنا نفعل فيها ما نشاء!!!

    نعم.. لم يسأل أحدٌ تلك الإدارة ورئيسها الذي كان: أين ستقام تلك الدولة في الوقت الذي يضع فيه المستوطنون اليهود أيديهم على كل شيء، ويبيحون لأنفسهم فعل كل شيء، وفي الوقت الذي يحاصرون فيه الفلسطينيين، ويضيّقون عليهم، ويضعون أيديهم على مصادر رزقهم وعملهم.

    وكذلك فإن أحدًا لم يسأل: كيف ستقام تلك الدولة في الوقت الذي يعلن فيه المستوطنون جهارًا نهارًا أنهم لا يمكن أن يغادروا "يهودا والسامرة" فهي جزءٌ لا يتجزأ من أرض إسرائيل، وفي الوقت الذي يؤكد فيه هؤلاء المستوطنون أنهم يملكون القوة الكافية لمواجهة القوة التي قد تحاول إخراجهم من "الضفة الغربية" مهما كانت تلك القوة، ومهما كانت طبيعتها.

    ولم يسأل أحدٌ: متى ستقام تلك الدولة في الوقت الذي أعلن فيه قادة إسرائيل دون استثناء أنهم يرفضون فكرة الجداول الزمنية، وأنهم لا يستطيعون العمل تحت ضغط جداول كهذه.. وإذا كان هذا هو الذي حصل في الفترات التي سيطر فيها أنصار اتفاقات أوسلو على الحكم في"إسرائيل" فما الذي من الممكن أن يحدث اليوم بعد أن سيطر اليمين المتشدد على مقاليد الأمور فيها؟؟

    أغلب الظن أن دولة كهذه لن تقوم في هذه الديار للأسباب التي مر ذكرها، وأغلب الظن أن حل الدولتين كان منذ تبلوره في عهد الإدارة الأمريكية السابقة ورئيسها بالتحديد مجرد كلام نظري غير قابل للتنفيذ؛ فلا العرب الفلسطينيون بخارجين من الجليل والمثلث والنقب تحت أي ظرف، ومهما كانت النتائج، ولا المستوطنون اليهود في الضفة الغربية بخارجين من مستوطناتهم في قلب القدس والخليل، ومن مستوطناتهم في أدوميم وأرئيل وكريات أربع وغيرها من المستوطنات في الضفة الغربية.

    إن فلسطين التاريخية هي وطن الفلسطينيين جميعًا يشهد بذلك تاريخ هذه البلاد، وتشهد بذلك جغرافيتها، وجبالها، وسهولها، وتشهد بذلك آثارها في الوقت الذي يبحث فيه غيرهم عن حجر تحت الأقصى أو حوله من كافة الجهات يثبتون به صلتهم بهذا المكان فلا يجدونه، وفي الوقت الذي يبحث فيه غيرهم عن زيٍّ أو أكلةٍ أو رقصةٍ أو أغنيةٍ أو قصةٍ أو حلمٍ أو نجمةٍ أو غيمةٍ تعرفهم فلا يجدون إلى ذلك سبيلاً.

    إن على كل من يعنيهم أمر هذه المنطقة من العالم، وعلى كل من يعنيهم أمر السلام العادل الدائم الشريف المتكافئ في هذه الديار أن يعملوا من أجل تقديم الضمانات العملية المقنعة بعدم تكرار ما حل بالفلسطينيين على امتداد أكثر من ستين عامًا.. ضمانات بعدم تكرار التجربة الأليمة في جنوب إفريقيا أواسط القرن الماضي، وضمانات بعدم تكرار التجربة الأليمة في قطاع غزة، ولا سيّما ما يحصل هناك منذ مطلع العام التاسع من هذه الألفية الثالثة.

    الفلسطينيون يريدون ضمانات دولية تمكّنهم من العيش في بلادهم بأمان واحترام .. يريدون ضمانات بعدم التفكير بتهجير عرب"إسرائيل" من ديارهم إلى أي مكان آخر، وتحت أي سبب من الأسباب.. يريدون ضمانات بعدم الالتفاف على حق العودة، وتغيير مساره واتجاهه تارة باقتراح عودة بعض اللاجئين إلى الضفة، وطورًا باقتراح عودةٍ تكتيكيةٍ لبضعة آلاف منهم إلى "إسرائيل" في إطار جمع شمل العائلات.. الفلسطينيون يريدون العيش في بلادهم فلسطين بسلام واحترام بعيدًا عن النموذجيين الرهيبين في جنوب إفريقيا، وفي قطاع غزة..وبعيدًا عن هذا الواقع المر في الضفة الغربية، وبعيدًا عن سياسة الغطرسة، والإملاءات، والاستخفاف بحقوق الآخرين وعقولهم.. وبعيدًا عن سياسة الاستغفال والتزوير والكمائن التي أثبتت تجارب الشعوب عقمها وفشلها.

    إن السلام العادل الشامل الدائم الشريف المتكافئ الذي يعيد الحقوق إلى أصحابها هو هدف شعوب هذه المنطقة التي تطمح إلى حياةٍ آمنة كريمة مستقرة يسودها الأمن والأمان، وترفرف عليها رايات المحبة والتسامح والعدالة والعيش الكريم.. وإن هذا السلام لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كان مقنعًا يعيد الحقوق إلى أصحابها.. وبغير ذلك لن يكون سلام، بل مضيعةٌ للوقت دون طائل، وتأجيجٌ لعوامل الصراع التي من شأنها أن تؤسس لمزيد من الحروب وأعمال العنف المدمرة التي لا يعلم مدى أخطارها، وأضرارها، وكوارثها البشعة الرهيبة إلا الله.

   وبعد، فإنه، وعلى الرغم من أن ذاك الذي أسمَوه حل الدولتين لم يضمن – ولو نظريًّا -  الحد الأدنى من حقوق الفلسطينيين الثابتة في بلادهم فلسطين، ومع ذلك فقد رضي كثيرٌ من الفلسطينيين به، واعتبروه إنجازًا، بعد أن كانوا قد رفضوا على امتداد العقود السبعة الماضية حلولاً أقل سوءًا منه بكثير، وبعد أن كانوا قد رفضوا منذ بدء الصراع أن يكون للآخرين أدنى وجودٍ في بلادهم، أو أدنى تأثيرٍ على سيادتهم الكاملة على أرض فلسطين.

   ولم يكن كثيرٌ من الفلسطينيين داخل فلسطين وخارجها مقتنعين بأن هذا الحل (حل الدولتين) سيحظى بأدنى نجاح، لا لأن كثيرًا من الفلسطينيين يرفضونه، ولا يرون فيه إحقاقًا لشيءٍ من حقوقهم وثوابتهم، ولكن لأن الآخرين هم الذين يرفضونه، لأنه يتعارض مع أفكارهم ومبادئهم، ويتناقض مع طبيعة الدولة التي يريدونها في قلب ديار العروبة، ويتناقض مع سياسة المراحل والمناورات والمراوغات التي انتهجوها منذ بدء الصراع، وحتى يومنا هذا.

   واليوم، وبعد أن سد الآخرون جميع الأبواب والمنافذ في وجوه الموافقين على حل الدولتين، وبعد أن أيقن هؤلاء الموافقون على هذا الحل، وعلى أي حلٍّ قد يتقدم به الآخرون، وبعد أن أيقنوا أن هؤلاء الآخرين لا يريدون حلاًّ قائمًا على أدنى شراكةٍ، أو وجودٍ فاعلٍ لأحدٍ على أي جزءٍ مهما كان ضئيلاً من هذه الديار، وبعد أن ثبت لهؤلاء أن الغرب بشقيه عاجزٌ تمامًا عن فعل شيءٍ للفلسطينيين باستثناء فتات الموائد، والمجاملات التي لا تقدم ولا تؤخر، ولا تسمن ولا تغني من جوع، وبعد أن أدركوا هذه الحقائق التي كان يدركها جيدًا كثيرٌ من الفلسطينيين منذ البداية، وبدلاً من الاعتراف بأخطاء الماضي، والعودة إلى وحدة الصف والموقف والهدف والإجماع الشعبي، وبدلاً من العودة إلى ثوابت هذا الشعب وقناعاته، وبدلاً من العودة بالقضية إلى بعديها العربي والإسلامي، وبدلاً من العمل الجاد على إنهاء هذا الانقسام القاتل في الصف الفلسطيني، وبدلاً من فعل أي شيءٍ يؤثر إيجابًا على سير الأمور والأحداث في هذه الديار، ويعيد هذا الشعب إلى وحدته وتلاحمه وثوابته، وإصراره على إحقاق حقوقه، فقد راح بعضهم يخوّف هؤلاء الآخرين (الذين لا يريدون حل الدولتين) من سوء العاقبة، وراح هذا البعض يتحدث عن البدائل، ويتحدث عن عودة ملايين الفلسطينيين إلى الدولة الواحدة التي ستكون البديل لحل الدولتين!! ولقد نسي هذا البعض أن الآخرين الذين يرفضون "التنازل" الفعلي عن أي شبرٍ من هذه الديار لأحدٍ قادرون على رفض هذه البدائل، وقادرون على فرض تصوراتهم وحلولهم، وقادرون على التحكم بسير كافة الأمور، وكافة القضايا المتفرعة عن هذه القضية التي كانت قضية العرب الأولى ذات يوم، إذا استمرت الحال على هذا المنوال.

   إن كافة أشكال التحذيرات والتهديدات المبطنة وغير المبطنة لن تردع هؤلاء، ولن تحدّ من أطمـاعهم في كل هذه الديار، وفي غير هذه الديار ما دام الواقع هو الواقع، وما دامت الحال هي الحال، والخلاف هو الخلاف، وما دام التمزق والتشرذم والتناحر والتباغض والتخاصم والخلاف والاقتتال والاحتراب بين الأهل والإخوة في الوطن الواحد سيدَ الموقف، وما دام الفلسطينيون والعرب مجموعاتٍ وجماعاتٍ وأحزابًا وشيعًا وقبائل يحارب بعضها بعضًا، وما دام الفلسطينيون والعرب أتباعًا وتوابع للأجنبي، وأدواتٍ طيعةً في يده لشن الحرب التي يحدد مكانها وزمانها وأهدافها على أي جزءٍ من أرض العرب بهدف إخضاعه وتركيعه وإعادته إلى عهود الإقطاع والاستعمار والاستبداد والاستعباد والتبعية لكل أعداء العروبة والإسلام!!

   وإن كافة أشكال النصائح المجانية التي قد يسديها بعضنا لهؤلاء لن تجدي أدنى نفعٍ مهما كانت دوافعها وأهدافها.. فهؤلاء قد أعلنوا منذ أمدٍ بعيدٍ ما يريدون، وهؤلاء قالوها بصريح العبارة إنهم أهل هذه الديار، وإنهم قادة هذه المنطقة في حروبها القادمة، وهم من يحددون لهذه الأمة أعداءها وأصدقاءها وقياداتها أيضًا.. وهم من يصنعون شكل مستقبل هذه الأمة العربية على كل أرض العرب، وهم من يتحكم بزراعة العرب وصناعتهم ومناهج مدارسهم وجامعاتهم وإنتاجهم واستهلاكهم، وكل مظاهر حياتهم وخباياها وخفاياها.. وما دام الأمر كذلك، فلن يجدي نفعًا كل هذا الكلام، ولن يجدي نفعًا كل هذا التنظير، ولن يجدي نفعًا إلا ما كان قائمًا على الفعل، وعلى مبدأ التعامل بالمثل، وعلى مبدأ العين بالعين والسن بالسن، ولن يجدي نفعًا أيضًا إلا الإصرار على تحقيق الأهداف بعد تحديد هذه الأهداف، وتحديد الجهات والهيئات والأطراف، فلكل أمةٍ أهدافها، ولكل معادلة طرفاها أو أطرافها، ولكل نصرٍ أسبابه، ولكل عودةٍ مقوماتها، ولكل شعبٍ غاياته وقناعاته، وأسرار بقائه وفنائه، وأسباب انهياره واندثاره وذوبانه في الآخرين.

   وإذا كان من حق الإنسان أن يقول ما يريد، وأن يجتهد دون أن يكون عليه أدنى حرج، وإذا كان للمجتهد حسنتان، وإذا كان الاجتهاد ركنًا من أركان التشريع لا يمكن أن يُغلَق، ولا يجوز أن يُغلَق، وإذا كان إغلاق هذا الباب يؤدي إلى الجمود والتخلف والانقراض، إذا كان كل ذلك صحيحًا – وهو صحيح – فإن سياسة كمّ الأفواه، وأسلوب التعتيم الإعلامي، ومحاولات منع الناس من إبداء الرأي، ومن حرية الكلام والقول والتفكير والتعبير هي من قبيل إغلاق باب الاجتهاد في التشريع تؤدي إلى ما يؤدي إليها من نتائج.. وعليه، ولما كان للإنسان كل الحق في أن يقول ما يعتقد أنه الصواب، فإن من حقنا أن نقول للمصيب أصبت، وإن من حقنا أن نقول للمحسن أحسنت، وأن نقول للمسيء أسأت، دون تصلبٍ ودون تعصبٍ، ودون أدنى إساءةٍ لكبيرٍ أو صغير، وبخاصةٍ إذا كان الأمر مما يتعلق بوجود أمةٍ، ومصير شعبٍ، وقضية وجودٍ أو عدم.. وإذا كان من حقي بناءً على كل ما تقدم أن أقول شيئًا فإن مما أريد أن أقوله إن هؤلاء ليسوا الخاسرين إذا فشل حل الدولتين، بل نحن الخاسرون إذا استمرت هذه الحال، وإذا لم يكن هنالك ما نفعله سوى ما أدمناه منذ عقود، وإن مما أريد قوله: قبل الرِّماء تُملأ الكنائن، وإن مما أريد أن أقوله: الرأي قبل شجاعة الشجعانِ// هو أولٌ وهي المحل الثاني. وإن مما أريد قوله: وما نيل المطالب بالتمني... وإن ما أريد أن أقوله أولاً وآخرًا وقبل كل شيء "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة..." صدق الله العظيم.. أفبعد هذا كله، أو قبل هذا كله، وبعد كل ما جرى ويجري منذ مئة عام، وبعد كل ما سيجري في هذه الديار، وفي كثيرٍ غيرها من ديار العروبة نجد من يستمرئون العيش في خنادق الآخرين، وفي فنادقهم، ونجد من يهدرون الأوقات والطاقات والإمكانات، ويبددون الجهود، ويشتتون الوالد والمولود، ويعبثون بالوعود والعهود والعقود، ويتاجرون بالموءودة والموءود.. والنار ذات الوقود، إذ هم عليها قعود!! فإلى متى سيُصر هؤلاء وأولئك على الاستمرار في هذه اللعبة؟ وإلى متى سيواصلون القيام بهذه الأدوار التي هزُلت حتى عافها كل مفلِس؟ أم أنهم سيتراجعون؟ ومتى سيكون ذلك، وكيف سيكون؟ وهل سيخرجون من أزماتهم، وكيف؟ لا أدري اليوم يقينًا ما الذي سيحدث غدًا أو بعد غد.. وإن كنت على يقين أنه على الباغي تدور الدوائر، وأنه لا أحد يستطيع خداع كل الناس كل الوقت، وأنه لا يصح في نهاية المطاف إلا الصحيح.. وللحديث صلة.

21/5/2012

 

الخميس، ١٧ أيار ٢٠١٢

أيُّ عربيٍّ أنت؟؟

متابعات

أيُّ عربيٍّ أنت؟؟

أ. عدنان السمان

www.samman.co.nr

   من أيِّ طينٍ خُلقت، ومن أيِّ عجينٍ صُنعت، ومن أيِّ ماءٍ مهينٍ جُبلت، ومن أيِّ السلالات انحدرتَ وتحدرتَ وتجذرت، وأيّ عربيٍّ أنت يا من هانت عليك نفسك، فبعتها جذلاً لألد أعداء أمتك، وتخليت عنها فرحًا لأعدى أعداء الإنسانية، وسفحتها رخيصةً ذليلةً على مذابح الفجور والغرور والتبعية، وقدمتها صاغرًا مهانًا تدوسها الأقدام، وسُقتها ذليلةً حقيرةً تلهو بها الأقوام، ويسخر من جهلها وجهالتها وتخلفها وهوانها وذلها الأنام؟؟ أيُّ عربيٍّ أنت؟ وأيُّ مسلمٍ أنت؟ وأيُّ إنسانٍ أنت؟ وأيّ مخلوقٍ أنت يا من امتهنت القتل، والتدمير، والتفجير، وسفك الدماء، وترويع الآمنين والآمنات، والبريئين والبريئات من عباد الله الغافلين، وإمائه المحصنات الغافلات العابدات العاكفات في بيوتهن على خدمة أسرهن، وتربية أطفالهن؟؟ أعربيٌّ أنت؟ ومتى كان العربي عدوًّا لأمه وأبيه؟ ومتى كان العربي عدوًّا لصاحبته وبنيه، وعشيرته التي تؤويه، وبلدته التي تُطعمه وتُسقيه، وتعلمه وتحكّمه وتربيه وتحميه، لا، لست عربيًّا، وإن العروبة بريئةٌ منك، وإن كنت تحمل اسمًا عربيًّا، وإن كنت أيضًا ممن يتكلمون العربية، إن العروبة ثقافةٌ وسلوكٌ وتربيةٌ وانتماء، وإن العروبة نهجٌ وإخلاصٌ وشرفٌ ووفاء، وأنت غادرٌ فاجرٌ حاقدٌ خائنٌ لهذه التربة التي نمتك، والأرض التي أنبتتك، والأمة التي أنجبتك وتعهدتك بالرعاية والحماية والسقاية والرفادة والأمان والحنان.. لست عربيًّا!! فليس عربيًّا من يحارب أمته، وليس عربيًّا من يخون عشيرته، وليس عربيًّا من يتنكر لأمته، وإن تزيّا بزيّها، ونطق بلسانها، وتظاهر كذبًا ورياءً بالانتساب إليها، لأن ولاءه لأعدائها، ولأن مكانه في صفوف أعدائها، وفي خنادقهم وفنادقهم، ولأن حقده على هذه الأمة ربما كان أشد من حقدهم عليها، فعقولهم قد تشفع لهم، وثقافتهم قد تردعهم عن ارتكاب كثيرٍ من الحماقات التي قد يرتكبها بعض من يدّعون الانتساب إلى هذه الأمة، والأمة منهم بريئة، والعروبة منهم بريئة، والعشيرة والعائلة منهم بريئة، وأقرب أقربائهم براءٌ منهم إلى يوم يُبعثون!!.

   أيُّ عربيٍّ أنت يا من بتَّ عارًا على العروبة، وعارًا على تاريخها وثقافتها وآدابها وعلومها، وعارًا على رجولتها وانتصاراتها وفتوحاتها وحضارتها، وعارًا على عدلها وعدالتها وعزتها وكرامتها واستقامتها وإبائها وسموها ورفعة مكانتها بين الشعوب؟؟ وإن لم تكن عربيًّا أتكون مسلمًا؟؟ ومتى كان الإسلام الذي أخرج البشرية من الظلمات إلى النور آلة قتل، ووسيلة إبادةٍ وفناء، ودعوة تدميرٍ وتفجير، ورسالة عدوانٍ واعتداءٍ على الناس في أرواحهم وأموالهم وأعراضهم وأمنهم وأمانهم؟؟ متى كان الإسلام عدوانًا على الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى والشباب والفتيان؟ ومتى كان عدوانًا على الشجر والحجر والبشر؟ ومتى كان عدوانًا على عباد الله الآمنين يا عباد الله؟؟ أهذا ما دعانا إليه رسولنا الكريم؟ أهذا ما يُفهم من قوله عليه السلام: "المسلم للمسلم كالبنيان"؟، وقوله: "المسلم من سلم الناس من لسانه ويده"؟، أهذا ما يُفهم من قول سيد المرسلين: "المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يدٌ على من سواهم؟"، أهذا ما يُفهم من وصايا أبي بكرٍ لجيوش الفتح المنطلقة لتحرير أقطار العروبة من المحتلين الغاصبين؟ أهذا ما يُفهم من سيرة عمر وعثمان وعلي؟ هل دعا هؤلاء إلى قتل الناس، والعدوان عليهم، والتنكيل بهم، واغتصاب نسائهم، وتخريب ممتلكاتهم، ووضع  اليد على أموالهم؟ أهذا ما يُفهم من قول رب العزة: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما بالعدل وأنصفوا؟"، أهذا هو الصلح والإصلاح؟ أهذا هو العدل والإنصاف؟ أهذا هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ أهذا هو التخلق بأخلاق الإسلام، والتأدب بآدابه؟ أهذه هي الفتنة التي وأدناها، وقضينا على أسباب هبوبها وشبوبها ونشوبها وهياجها واضطرابها والقضاء على مسبباتها وأسبابها؟ أم هي الفتنة التي كانت نائمةً فأيقظناها لتحرق الأخضر واليابس، ولتهلك الحرث والنسل؟ ألا لعن الله موقظها! وما الذي جنته هذه الأمة من هذه الفتنة العمياء، والجهالة الجهلاء؟ أهذا ما يوجهنا إليه رب العزة إذ يقول: "إنما المؤمنون إخوة؟"، وإذ يقول جل من قائل: "والفتنة أشد من القتل؟"، أين أنتم يا كل دعاة التكفير والتهجير والتدمير؟ ماذا تقولون في هذه الآيات المحكمات، وماذا تقولون في هذه التعليمات والتوجيهات، وفي هذه الآيات البينات؟ ماذا تقولون في كتاب الله، وفي سنة رسول الله، وفي سيرة خلفائه الراشدين، وفي صفحات المجد والخلود التي سطرها أولئك القادة العظام من الأُباة الحُماة الفاتحين؟؟ إن كنتم مسلمين فعودوا إلى كتابكم، وعودوا إلى سنة نبيكم، واعملوا على إصلاح هذه الأمة، واعملوا على نهضتها بالوعي والفكر والحكمة والموعظة الحسنة.. إن كنتم مسلمين فاعملوا في الحال على حقن هذه الدماء التي تريقونها في كثيرٍ من ديار العروبة والإسلام، ولتتقوا الله فيما تقولون، وفي ما تفعلون!! ولتسألوا أنفسكم أين هي فلسطين، وأين هو لبنان، وأين هي وحدة بلاد الشام، وأين هي وحدة بلاد الشام مع العراق، وأين هي وحدة بلاد العرب، وبلاد المسلمين من كل هذا الذي تفعلون؟؟ ومن كل هذه الأخطاء والخطايا، ومما يجري ويدور على كل أرض العرب، وفي كل ديار المسلمين من فظائع وكبائر وموبقات؟؟.

   أيُّ عربيٍّ أنت؟ وأيُّ مسلمٍ أنت؟ وقد بتَّ عارًا ودمارًا وشنارًا على أمة العروبة والإسلام؟؟ وإن لم تكن عربيًّا، ولا مسلمًا فماذا تكون؟ أتكون إنسانًا؟ لا والله، فالإنسانيةُ بريئةٌ من كل هذه الأفعال، والإنسانية بريئةٌ من كل هذه المجازر التي تُرتكب في كثيرٍ من ديار العروبة، وفي كثيرٍ من بلاد المسلمين، فليس من الإنسانية في شيء كل هذا العدوان، وكل هذه الكبائر والموبقات التي ترتكبونها يا دعاة الفتنة بحق الأبرياء.. وليس من الإنسانية في شيء غزو الشعوب واستعبادها، وليس من الإنسانية في شيء كل طبائع الاستبداد والاستعباد، وكل وسائل القتل والدمار والتخريب والتدمير والتفجير التي شهدتها الشعوب عبر تاريخها الطويل، ولا تزال.. لا ينتمي إلى الإنسانية من يُنكل بالناس، ومن يقتل الناس، ومن يُفسد على الناس حياتهم، ومن يعبث بأمن الناس وأمانهم، ومن يُهجر الناس من بيوتهم وأوطانهم، ومن يتاجر بدماء الناس وحاجاتهم واحتياجاتهم.. تقضي الإنسانية باحترام إنسانية الإنسان، وتقضي بتقديم كافة وسائل العيش الكريم للإنسان، وتقضي بتعليمه وتقويمه وتربيته وعلاجه، وتوفير كل احتياجاته وحاجاته، وتقضي باحترام حقه في القول والتفكير والتعبير، وحقه في العمل، والعيش بأمنٍ وأمانٍ وكرامةٍ وعزةٍ واطمئنان.. فما الذي يمكن أن نقوله في هذا الذي يجري في كثيرٍ من ديار العروبة والإسلام؟ وهل هذا الذي يجري يوفر للشعوب حريتها وعزتها وكرامتها، أم أنه يزيد من معاناتها، ويزيد الطين بِلةً، هل هذا الذي يجري، ويقف من خلفه كل أعداء هذه الأمة من شأنه أن يخلص هذه الشعوب من معاناتها؟ وهل ما يجري من شأنه أن يعيد لهذه الشعوب كرامتها وحريتها، أم أن أعداء هذه الشعوب الذين يقفون خلف كل هذا الذي يجري إنما يريدون مزيدًا من إذلال هذه الأمة، ومزيدًا من تمزيقها وتفتيتها، ومزيدًا من السيطرة على الأرض العربية، ومزيدًا من السيطرة على ديار المسلمين في شرق الدنيا وغربها؟؟ إن المراقب المتتبع لسير الحوادث والأحداث قد بات مقتنعًا بأن ما يجري ليس في مصلحة هذه الشعوب، وأنه على العكس من ذلك إنما كان من ابتكار أعداء هذه الأمة لإذلالها وتجويعها وتركيعها وتمزيقها والقضاء على فرصها في التقدم والتطور والوحدة والحرية والتحرر والتحرير، وإن المراقب المتتبع لسير الحوادث والأحداث في كثيرٍ من ديار العروبة قد بات أكثر من مقتنع بأن المستفيد الوحيد من هذا كله هو العدو المتربص بنا الطامع فينا، وأن الخاسرين هم أهل هذه الديار، ومن عجبٍ أن نجد كثيرًا من أبنائها يخوضون في هذه الفتنة العمياء التي يقودها أعداؤها، ويخطط لها المخططون من ألد أعداء هذه الأمة في كل ديار العروبة والإسلام!! ومن عجبٍ أيضًا أننا لم نقرأ جيدًا قول رب العزة: "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا، ويُشهد الله على ما في قلبه، وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليُفسد فيها، ويُهلك الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد"!! فهل يقرأ هؤلاء الأعراب جيدًا قول رب العزة هذا؟ وهل يفهم هؤلاء الأعراب ما يقرأون؟ وهل يملكون الجرأة على مواجهة الرأي بالرأي، والفكر بالفكر، والحجة بالحجة، والبرهان بالبرهان، أم أن تبعيتهم لأسيادهم قد أعمت أبصارهم وبصائرهم، وزينت لهم نفوسهم التي باعوها منذ أمدٍ بعيد لألد أعداء هذه الأمة سوء ما يقولون، وسوء ما يفعلون؟! ألا ساء ما يحكمون.

   إن العربي المسلم الشريف لا يمكن أن يكون حربًا على قومه، وإن العربي المسلم الشريف لا يمكن أن يؤذي أحدًا بقولٍ أو فعل، وإن العربي المسلم الشريف هو دائمًا داعية صلحٍ وإصلاحٍ بين الناس، وإنه دائمًا وأبدًا إنسانٌ طيبٌ فاضلٌ إيجابيٌّ يبني ولا يهدم، يحب الخير للناس جميعًا، ويسعى في إعمار الأرض وإصلاحها، وهو صادقٌ مخلصٌ في القول والعمل.. فهل من حقنا بعد هذا كله، أو قبل هذا كله أن نتوجه إلى كل هؤلاء الذين يخوضون في هذه الفتنة العمياء، وإلى كل هؤلاء الذين يهرفون بما لا يعرفون بقولنا: أيُّ عربٍ أنتم؟ ومن أيِّ طينةٍ خُلقتم؟ من أنتم؟ من أنتم؟ وأيُّ عربٍ أنتم؟

(17/5/2012)

 

 

الاثنين، ١٤ أيار ٢٠١٢

وما زال الجرح نازفًا يا أيار!!

متابعات

وما زال الجرح نازفًا يا أيار!!

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

 

لم يكن ما حدث في الخامس عشر من أيار من ذلك العام الثامن والأربعين أمرًا عاديًّا في تاريخ الشعوب، ولم يكن شيئًا مألوفًا في حياة المجتمعات والأمم.. لقد قالوا يومها إن ما حدث نكبة، ولا زال كثير منهم يطلق هذه التسمية على ما حدث حتى يومنا هذا، رغم محاولات الآخرين المحتفلين بهذه المناسبة إلغاء هذه التسمية التي تناقض ما حدث من منظورهم، وقال كثير من الناس يومها إن ما حدث كارثة، ولا زال كثير من اللاجئين والمهجرين يطلق هذه التسمية على ما حدث حتى اليوم، وإن كان عدد أصحاب هذه التسمية في تناقص مستمر لغلبة التسمية الأولى، وانتشارها بين الأجيال المتعاقبة، واعتمادها في التاريخ المكتوب، والتاريخ الشفهي المتداول بين الناس في مجالسهم ومدارسهم ومنتدياتهم ومهرجاناتهم ومناسباتهم التي يحيونها في مثل هذا اليوم من كل عام، محذرين ومنبهين وواعظين ومنذرين ومبشرين ومطالبين بشيء من حق لشعب أصبح كله لاجئًا مهجرًا غريبًا بشقيه المقيم هنا على أرض الوطن، والمشرد هناك في ديار الغربة والتشرد واللجوء والشتات.. ولئن كان ذاك الذي حدث في مثل هذا اليوم من ذلك العام نكبة، أو كارثة، أو هجرة، أو تهجيرًا فقد كان في حقيقة الأمر أبشع من نكبة، وأمر من كارثة، وأدهى من مصيبة وأسوأ من أمر يسبب الهم، وينطوي على الغم.. لقد كان عدوانًا على شعب آمن في وطنه، وكان اقتلاعًا وتهجيرًا لهذا الشعب من التربة التي أنبتته، والأرض التي نمته وأنجبته، وكان تقتيلاً وتنكيلاً وتهجيرًا وتشتيتًا لهذا الشعب، وتدميرًا لمئات المدن والقرى والبلدات، وتسوية لها بالأرض، وكان مصادرة لأرض هذا الشعب المقيد والمكبل والمشرد، وكان اقامة لدولة غريبة على أرض هذا الوطن تنفيذًا لوعد بلفور، ثم زادت على ذلك محليًّا وعربيًّا ودوليًّأ.. لقد أصبحت تلك"الدولة" التي وعدهم بها بلفور لأسباب معينة، في ظروف معينة، لأهداف معينة، تسيطر على فلسطين التاريخية سيطرة كاملة، وتسيطر على مساحات واسعة من أرض العرب، وتعد العدة للسيطرة على مزيد من هذه الأرض العربية، وتعد العدة لقيادة هذه الأمة العربية في حروبها المقبلة مع أعدائها في شرق الدنيا وغربها.

   لم يكن ما حدث في مثل هذا اليوم من العام الثامن والأربعين مجرد نكبة، أو كارثة، أو مصيبة، أو هزة أرضية، أو زلزلة، أو بركان، او طوفان، أو مجرد همٍّ وغمٍّ، أو ثورة من ثورات الطبيعة المدمرة، فمات من مات من الناس، وعاش منهم من عاش، ليصبح ما حدث مجرد ذكرى أليمة، ومجرد خبر أو أخبار تقرأها الأجيال في كتب التاريخ، أو تشاهد آثار هذه الذكرى الدارسة على الطبيعة بين الحين والآخر.. لم يكن ما حدث آنذاك من هذا القبيل أو ذاك.. بل إن ما حدث كان شيئًا مختلفًا ، فلقد كان نكبات لا نكبة واحدة، وكان كوارث، ومصائب، وهزات، وانهيارات، وزلازل، وبراكين، وتفجيرات، وبواعث متواصلة موصولة للهم والغم والحزن والتشرد، وكان عدوانًا، واقتلاعًا، وتهجيرًا، وإقصاءً، وإحلالاً، وأطماعًا، وسيطرة، وحكمًا، وتحكمًا، واستبدادًا، واستعبادًا، واستعلاءً، واستكبارًا، وحشرًا لكثير من الأعراب في الخندق المعادي للعروبة، وحشدًا لكثير منهم في الصفوف الأمامية، وفي الصفوف الخلفية الموالية لهذا الكيان الذي أقيم ذات يوم على أرض هذا الوطن، وأنشئ ذات يوم على أشلاء شعب شردوه في الآفاق، وحاصروا من بقي منه على أرض وطنه أبشع أنواع الحصار، وأمر أنواع الحصار، وفرضوا عليه من الأحكام والقوانين والأنظمة التي يضعونها كل يوم، ويخترعونها كل يوم، ويبدعونها كل يوم، ويتفننون في صياغتها كل يومٍ ما جرده تجريدًا كاملاً من كافة حقوقه الوطنية والقومية والتاريخية والدينية والثقافية والتراثية والمعرفية والجغرافية، وحولوه إلى مجموعات وتجمعات وجماعات محاصرة محصورة مأسورة مقهورة مأزومة يائسة بائسة تعسة محبطة لاهثة خلف الرغيف، وخلف حبة الدواء، وخلف شربة الماء، وخلف ساعة هدوء يخشع فيها القلب، وتغمض فيها العين ، ويرتاح فيها الجسد المعذب من وعثاء الطريق، ومشاق السفر، وظلمة الليل الطويل، فلا تكاد تجد إلى ذلك سبيلاً، إلا أن يكون ذلك بشق الأنفس، أو بالتنازل عن كثير من القيم والمثل والمبادىء، فكل شيء عندهم له ثمنه، وكلما كان التنازل أكبر كانت المكاسب أكثر، وكلما كان التفريط كانت الامتيازات، وكانت الإكراميات، والأعطيات، والمكافآت، وكانت المرتبات والمراتب والرواتب والرتب على سائر المستويات الشخصية، وكانت المكاسب المادية، والرحلات السياحية، ولا شيء غير ذلك على الإطلاق.

    ولم يكن ما حدث في مثل هذا اليوم من العام الثامن والأربعين ليصرف كثيرًا من الفلسطينيين، وكثيرًا من العرب والمسلمين، وكثيرًا من أحرار العالم وشرفائه، وكثيرًا من ذوي الضمائر الحية في هذا العالم عن قناعاتهم، ومعتقداتهم، ومواقفهم السياسية، ومؤازرتهم لحق هذا الشعب العربي الفلسطيني في بلاده فلسطين، وحق هذا الشعب العربي الفلسطيني في حياة حرة آمنة كريمة فوق ثرى وطنه فلسطين، وحق هذا الشعب العربي الفلسطيني في العودة الكريمة الظافرة إلى دياره وممتلكاته وأرضه التي أخرج منها، وأجلي عنها.. ولئن كان كثير من الفلسطينيين، وكثير من العرب والمسلمين، وكثير من الضالين المضللين في هذا العالم قد تنكروا لحقوق الفلسطينيين الثابتة في بلادهم، واستعاضوا عنها بوعود وتفاهمات وتسويات وأعطيات ومنح مؤقتة لا تقدم بل تؤخر، ولا تسمن ولا تغني من جوع، فإن كثيرًا من الفلسطينيين والعرب والمسلمين والأحرار الشرفاء في هذا العالم ما زالوا على إيمانهم، وما زالوا عند كلمتهم، وما زالوا عند مواقفهم وقناعاتهم ومطالبهم بإحقاق الحق، وإزهاق الباطل، وعدم الإصغاء إلى الوعود الكاذبة، وبناء القصور في الهواء، وإن كثيرًا من الفلسطينيين والعرب ومن أحرار هذا العالم وشرفائه أيضًا لا يمكن أن يطيب لهم عيش، ولا يمكن أن يهدأ لهم بال إلا بعودة الحق إلى نصابه عاجلاً أو آجلاً، طال الزمن أو قصر، فلا بد من روما وإن طال السفر!!

    أربعة وستون عامًا يا أيار، مات فيها من مات، وعاش فيها من عاش، شرد فيها من شرد، وقتل من قتل، وولد من ولد، ودفن من دفن، وأكلت سباع الأرض من أكلت من أموات هذا الشعب ومن أحيائه.. أربعة وستون عامًا ومقابر هذا الشعب تملأ الرحب، وأحياؤه يهيمون تحت كل كوكب، وأسراه يصرخون ويندبون ويموتون أيضًا مطالبين بالحرية.. أربعة وستون عامًا يا أيار أصبح خلالها تعدادنا اثني عشر مليونًا من البشر يعيش نصفهم في ديار الغربة، ونصفهم غرباء على أرض وطن يعرفهم ويعرفونه، ولكنهم مجردون محرومون من أبسط حقوق المواطنة.. لله أنت يا شعب الأضاحي والتضحية والفداء والإباء.. لله أنت يا شعبنا الصابر المرابط المؤمن إيمانًا راسخًا لا يأتيه الشك من بين يديه ولا من خلفه.. لله أنت يا شعب المبادىء والثوابت والقيم، ولله أنتم يا أسرى الحرية، ولله أنتن يا أسيراتها، ولله أنتم أيها القابضون على الجمر في ليل الأسر والحصار، ولله أنتم يا أحرار فلسطين، ويا أحرار العرب في أقطارهم وأمصارهم.. لله أنتم حين تثورون على الطغيان، وحين تتمردون على السجون والسجان، وحين تطالبون بوحدة هذه الأوطان، وحين تبنون للعروبة صرحًا شامخ البنيان، وحين تقيمون للعروبة دولة العدل والقانون والنظام والعدالة والمساواة والحرية والعزة والكرامة والإباء.. لله دركم وأنتم تنتصرون على أنفسكم لتحرزوا النصر على عدوكم، ولله أنتم حين تصبحون من جديد خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر، وتؤمنون بالله.. وما زال الجرح نازفًا يا أيار!!.

10/5/2012        

 

الخميس، ١٠ أيار ٢٠١٢

ومن حق هؤلاء الطلبة أن يتعلموا أيضًا!!

متابعات

ومن حق هؤلاء الطلبة أن يتعلموا أيضًا!!

أ. عدنان السمان

www.samman.co.nr

 

   العطل المدرسية الدينية والوطنية والقومية والسياسية والاجتماعية كثيرةٌ، وهي جميعها عطل رسمية تغلق فيها الدوائر الرسمية والمدارس والجامعات ورياض الأطفال أبوابها، وتعطل أعمالها، وحتى المشافي والمستشفيات لا تقوم بواجباتها تجاه المرضى لأن هذا اليوم عيد، ولأن من حق الموظف أن يحتفل بالعيد، ومن حقه أن يفرح، وأن يدخل البهجة والسرور إلى قلوب أبنائه ونفوسهم!! وكأن إدخال هذه البهجة والفرحة إلى هذه النفوس لا يكون إلا إذا عطلنا أعمالنا، وأغلقنا أبواب مدارسنا وجامعاتنا ومؤسساتنا، وكأن زيتون بلادنا لا تقطف ثماره إلا إذا أغلقنا أبواب هذه المدارس، وكأن أسرانا لا يتحررون إلا بإغلاق هذه الأبواب، وتشرد الطلبة، وتغيبهم المستمر عن هذه المدارس التي أصبحت على مدار العام أشكالاً بلا مضامين، وأشباحًا بلا أرواح، ومنازل هجرها سكانها، أو أُرغموا على هجرانها، تحت قوائم من الأسماء والمسميات التي ما أنزل الله بها من سلطان!!.

   فإذا قال قائل إن بإمكاننا أن نتعلم، وإن بإمكاننا أن نأخذ حقنا من آخر دقيقة من ساعات اليوم الدراسي ودقائقه، ثم يكون هنالك متسع من الوقت للقيام بكافة الواجبات نحو المرأة، والزيتون، والعمال، والأسرى، والاستقلال، وميلاد السيد الرسول، وميلاد السيد المسيح، واليوم المفتوح، وكافة أنواع الاجتماعات واللقاءات على اختلاف أسمائها والأهداف والغايات المرجوة منها.. إذا قال قائلٌ هذا، وإذا قال هذا القائل إنه ليس هنالك ما يستحق أن نعطل له مدارسنا، ونشرد أطفالنا، وطلبتنا، وطلائع شعبنا، وإذا قال قائل إن إغلاق المدارس والدوائر في يوم العمال لا يعود عليهم بأدنى فائدة، فهم في حاجة للعمل، وبحاجة لدخل ينفقون منه على أسرهم باحترام وكرامة، وليسوا بحاجةٍ ليومٍ تغلق فيه مدارس أبنائهم وبناتهم ليزداد بإغلاقها هذا الطين بِلةًّ!! وإذا قال قائل إن المنهاج المدرسي الذي وضع ليستوعبه الطلبة في سبعة أشهر دراسية فعلية (مئتين وعشرة أيام دراسية) لا يمكن أن يتم استيعابه في مئة يومٍ دراسي، لأننا إذا حذفنا العطل الرسمية، والعطل الطارئة، والعطل المفتعلة التي يبحث عنها كثيرٌ من ذوي الاختصاص المغرمين بالتغيب والتسيب والتهرب من القيام بالواجب، وإذا وضعنا في الاعتبار أن كافة الحصص المتأخرة في اليوم الدراسي كالثامنة والسابعة والسادسة أيضًا لا يمكن أن يستفيد منها الطلبة كما يجب، ولا يمكن أن تؤتي أُكلها كما ينبغي، وإذا قال قائل إن الغالبية الساحقة من الطلبة يتم ترفيعهم بالتالي من صفٍ إلى صف، ومن مرحلة دراسية إلى مرحلة دون أن يكونوا أهلاً لذلك، ودون أن يكونوا قد فهموا مواد الصف السابق، ودون أن يكونوا مؤهلين لفهم مواد الصف اللاحق، وإذا قال قائل إن "جيران" هذا الشعب يداومون الشهر السادس من السنة في مدارسهم، وإن عطلتهم الصيفية لا تكاد تبلغ الشهرين.. إذا قال قائلٌ هذا، وإذا قال كثيرًا غيره أيضًا عن سوء الأبنية المدرسية في ديارنا عضّ عليه كثيرٌ منهم الأنامل من الغيظ، وراح كثيرٌ منهم يتمتمون ويتهمون ويتهامسون ويلمزون ويغمزون ويتكلمون في هذه القضايا كمن يفهمونها، وكمن يحرصون على مصلحة الطلبة والعاملين، وراحوا يهرفون بما لا يعرفون.. فلله أنت يا شعبنا!! ولله أنتِ يا أمتنا!! ولله أنتم يا أبناءنا الطلبة!! وكان الله في عونكم، وكان في عون هذا الشعب الذي أصبحت أيامه كلها أعيادًا وأفراحًا ومناسباتٍ سعيدةً وغير سعيدة دون أن يكون فيها عيدٌ واحد، ودون أن يكون فيها فرحةٌ واحدة، ودون أن يكون فيها مناسبةٌ سعيدةٌ يمكن لأحدٍ أن يذكرها، أو يتذكرها، أو يدخلها في تاريخ هذا الشعب المكتوب، أو في تاريخه الشفهي بهذه الطريقة أو تلك، وبهذا الأسلوب أو ذاك.

   إن الشعوب الحية تحتفل في العام بعشراتٍ من الأيام الدولية والمناسبات العالمية ذات القيمة والمعنى، وإن الشعوب الحية تضيف إلى تلك الأيام والمناسبات أيامًا ومناسباتٍ من صنعها، ومن ابتكارها لتكتمل الصورة، ويتحقق الهدف، ولترتقي هذه الشعوب إلى مصاف الشعوب المتقدمة، والأمم العظيمة الفاعلة في التاريخ.. ولكن ليكن معلومًا أن تلك الأمم والشعوب لا تحتفل بمثل هذه الأيام والمناسبات كما نحتفل بها نحن! ولا تعطل مدارسها ومؤسساتها ودوائرها وأعمالها وأشغالها كما نعطل نحن! بل إن ذلك يكون في خطابٍ قصير، أو بيانٍ مقتضب، أو وِقفةٍ لا تزيد عن دقيقةٍ إحياءً لمناسبةٍ سعيدةٍ أو غير سعيدة.. ومن هنا كانت الفروق والفوارق التي لا تحصى بيننا وبينهم، وكانت الفروق والفوارق التي لا تحصى بين مستوياتنا في كافة مناحي الحياة ونواحيها وبين مستوياتهم.

   فيا أيها العشوائيون المحتفلون في كل يومٍ على طريقتكم احتفلوا مرةً واحدةً كما يجب، وعالجوا أموركم مرةً واحدةً كما يجب، وتدبروا أموركم مرةً واحدةً كما يجب، واحسبوها مرة واحدةً كما يجب، وإنني على يقين أنكم لن تعودوا بعد ذلك لتكرار عشوائيتكم وارتجالكم وتسربكم وضياعكم وتخريب مؤسساتكم ودوائركم ومدارسكم وجامعاتكم وتبعيتكم لأهوائكم ومخططات أعدائكم، ولو كان ذلك على حساب هذه المأكولات والمشروبات وسائر أوجه البذخ والترف التي يغرقونكم بها، فخيرٌ منها رغيفٌ من قمحٍ تزرعونه، وخيرٌ منها شربة ماءٍ من نبعٍ صافٍ من ينابيع بلادكم، وخيرٌ من هذه الأبراج والبهارج وحياة الترف والمغريات وحياة الكذب والغش والخداع والتزوير أكواخٌ متواضعةٌ تنعمون فيها بالأمن والأمان والحرية والصدق مع النفس، ومع الآخرين، ومقاعد فيها طلبةٌ ومعلمون يريدون أن يتعلموا ويعلموا، ويريدون أن يعيشوا بكرامةٍ وعزةٍ واحترامٍ أيضًا.

10/5/2012

 

 

الثلاثاء، ٨ أيار ٢٠١٢

ساركوزي.. لماذا خذله الفرنسيون؟؟

متابعات

ساركوزي.. لماذا خذله الفرنسيون؟؟

أ. عدنان السمان

www.samman.co.nr

 

   بغض النظر عن طبيعة الأحزاب الحاكمة في الغرب، وأحزاب المعارضة التي تبذل كافة جهودها كي تصل إلى سدة الحكم، وبغض النظر عن طبيعة المجتمعات الغربية وثقافاتها وتوجهاتها وتطلعاتها وعلاقاتها بالآخرين والأخريات في هذا العالم، وبغض النظر أيضًا عن طبيعة العلاقات بين هذه المجتمعات الغربية في الماضي والحاضر، وطبيعة العلاقات بين هذه المجتمعات والمجتمعات العربية الإسلامية في شرق الدنيا وغربها، وبغض النظر عما يكتنف تلك المجتمعات من إيجابيات، وما يعتريها من سلبيات، إلا أن المراقب المتتبع لسير الحوادث والأحداث يستطيع أن يقول إن الغربيين بعامةٍ يستطيعون محاسبة حكامهم، ويستطيعون إعادة انتخابهم، أو خذلانهم، وانتخاب غيرهم لحكم البلاد بدلاً منهم، ويستطيعون محاسبتهم أيضًا وهم في قمة مجدهم وعظمتهم وتربعهم على كرسي الرئاسة، وإخضاعهم للتحقيقات، ولكافة ألوان المساءلة والمحاسبة، وقد يؤدي الأمر بهم إلى العزل والتنحية، وقد يؤدي الأمر إلى إجراء الانتخابات المبكرة التي قد يعودون معها إلى الحكم، وقد لا يعودون، وسيد الموقف في الأمرين كليهما هو صندوق الانتخاب، وصوت المواطن ورغبته، ولا شيء غير ذلك فيما أعرف ونعرف ويعرف الناس في شرق الدنيا وغربها.

   في فرنسا ذهب ساركوزي بهدوء، وبدون صخب أو ضجيج، وجاء خصمه فرانسوا هولاند بدون صخبٍ أو ضجيجٍ أيضًا، فلماذا خذل الفرنسيون ساركوزي؟ وللإجابة عن هذا السؤال بدقةٍ يمكن القول إنهم خذلوه لأنه لم يفِ بالتزاماته تجاههم، ولم ينفذ شيئًا ذا بال من برنامجه الانتخابي الذي أتى به إلى حكم فرنسا قبل خمسة أعوام، ليس هذا فحسب، بل إن الفرنسيين الذين يحكمهم اليمين منذ سبعة عشر عامًا وجدوها فرصةً للتغيير إن هم أعادوا الاشتراكيين إلى الحكم في فرنسا، وهذا هو شأنهم الذي لا ينازعهم فيه منازع.

   ذهب ساركوزي بهدوء، معترفًا بالهزيمة، ومباركًا للرئيس الفائز بهدوءٍ أيضًا، دون أدنى كلمةٍ جارحةٍ، ودون أدنى سبابٍ، أو شتيمةٍ، أو اتهامٍ، أو تهديدٍ، أو وعيد، ودون نقطة دمٍ واحدة، ودون اصطفاف، أو تظاهرٍ، أو اعتصامٍ، أو خيمة احتجاجٍ، ودون أن تصيب البلد أدنى هزةٍ على مقياس ريختر.. ذهب ساركوزي ليصبح مواطنًا فرنسيًّا عاديًّا كما كان.. ذهب لأنه لم يحقق للفرنسيين شيئًا ذا قيمةٍ على الصعيد الداخلي الفرنسي، ولم يحقق للفرنسيين شيئًا ذا قيمةٍ على الصعيد الاقتصادي، ولم يحقق للفرنسيين شيئًا ذا قيمةٍ على الصعيد الخارجي.. بل إن عكس ذلك هو الصحيح، فساركوزي سعى خلال سنوات حكمه الخمس لإشاعة الفوضى والاضطراب، بل والاقتتال والاحتراب في هذا البلد العربي أو ذاك، وفي هذه المنطقة من ديار المسلمين أو تلك، وساركوزي لم يفعل شيئًا ذا قيمةٍ إنصافًا للمستضعفين، وانتصارًا للمقهورين المضطهدين في هذا العالم، ولم يفعل شيئًا للملايين من اللاجئين والمهَجرين في فلسطين وغير فلسطين، بل حاول جاهدًا استحداث لاجئين جدد، وبناء مخيمات جديدة للاجئين جدد على الحدود السورية التركية، وحاول جاهدًا أن يعود لاحتلال سوريا من جديد مع أحلافه وأتباعه وأشياعه، ولكنه فشل في ذلك فشلاً ذريعًا أيضًا.. لم يتمكن ساركوزي أن يكون "غورو"، ولم يتمكن ساركوزي أن يعيد إلى الأذهان حكاية الجنرال ديغول وهو يصر على تحرير فرنسا من النازيين، ولم يتمكن ساركوزي أن يعيد إلى الأذهان تخلي فرنسا عن ضم الجزائر إليها بتوقيعها معاهدة "إميان" عام اثنين وستين من القرن الماضي، ولم يتمكن ساركوزي أيضًا أن يعيد إلى الأذهان شيئًا من سيرة نابليون بونابرت، ولم يتمكن أن يكون فيلسوفًا فرنسيًّا، أو أديبًا فرنسيًّا، أو شاعرًا فرنسيًّا، أو رجل حربٍ فرنسيًّا، أو رجل سلامٍ أيضًا، فلماذا يعيد الفرنسيون انتخابه من جديد؟.

   صحيحٌ أن الذين يشبهون ساركوزي في الغرب كثرٌ، وصحيحٌ أن الشعوب في الغرب معنيةٌ أولاً بأزماتها الاقتصادية وأوضاعها الداخلية، وصحيحٌ أن كثيرًا من الأنظمة العربية بقضِّها وقضيضهاوأزلامها تقف إلى جانب تلك الأنظمة الغربية مهما فعلت، لارتباطها بها، وتبعيتها المطلقة لها، وصحيحٌ أن كثيرًا من هؤلاء العرب لا يكتفون بالتبعية للغرب، بل أصبحوا يفتخرون ويفاخرون بعلاقتهم الطبيعية الودية مع ربيبته وصنيعته على أرض العرب، ولئن كان هذا كله صحيحًا، وهو صحيح، فإنه قد يكون أكثر من محبط، وأكثر من مخيبٍ للآمال.. ولكن صحيحٌ أيضًا أن كثيرًا من شعوب الغرب باتت أكثر حرصًا على إشاعة العدل والعدالة في هذا العالم، وأن كثيرًا من الغربيين في تلك المجتمعات الغربية قد أصبحوا أكثر توازنًا واتزانًا، وأن ما حل بساركوزي سيحل بغيره، وأن الشعوب في الغرب قد باتت أكثر اهتمامًا بالقضايا الخارجية إلى جانب اهتمامها الشديد بقضاياها الداخلية، وصحيحٌ أيضًا أن كثيرًا من العرب يرفضون التبعية للغرب، وعدوانيته، وأنظمته المستبدة المتسلطة، وأنهم يرفضون أي شكلٍ من العلاقة أو التعاون مع ربيبته وصنيعته وحليفته، ومع من يقيمون مثل هذه العلاقة معها من الأعراب والأغراب، وإذا كان كل هذا صحيحًا أيضًا، وهو صحيح، فإن ما يحدث اليوم، وما سيحدث غدًا وبعد غدٍ سيكون في صالح الشعوب، وسيكون في صالح الأمم بغض النظر عن الجنس واللون والعرق والدين، وسيكون في صالح البشرية جمعاء بعيدًا عن التعنصر والعنصرية والاستعباد والاستبداد والاستغلال والاستغفال.. وإن ما سيحدث أيضًا بالتعاون والتنسيق بين عقلاء العالم وأخياره سيكون توجهًا نحو عالمٍ حرٍّ متحررٍ من القيود والعنصرية والفساد.. عالمٍ تعيش فيه الشعوب كلها بأمنٍ وأمانٍ وطمأنينة ووئامٍ واحترامٍ وسلام.

(8/5/2012)

 

الأحد، ٦ أيار ٢٠١٢

تلك هي أمانيُّهم..!!

متابعات

تلك هي أمانيُّهم..!!

أ. عدنان السمان

www.samman.co.nr

   هذه الفضائية أو تلك، وهذا الإعلامي أو ذاك، وهؤلاء الكتاب المستكتَبون أو أولئك، وتلك المطبوعة أو هذه، وعشرات من ذوي النفوذ والمرتبات والرواتب والرتب، ومئات الضالعين في هذه المخططات والخطط التي تستهدف كل ديار العروبة، وآلاف المستفيدين من الراقصين على كل الحبال، وآلاف اللاهثين خلفهم ممن يحاولون اللحاق بهم، وآلاف من السابقين، وآلاف من اللاحقين، وآلاف من الزاحفين الذين وضعوا تحت الاختبار.. كل هؤلاء وأولئك، ومن هم على شاكلتهم من المرتزقة الذين تغص بهم هذه الديار، وتضيق بهم كل الشوارع والأزقة والطرقات في كل مدن هذا العالم العربي، وفي كل بلداته وقراه ومضارب خيامه، كل هؤلاء وأولئك، وكل هذه الأدوات وتلك لا تريد إجراء هذه الانتخابات، ولا تريد الإصلاحات، ولا تريد أن يستتب الأمن، ولا تريد للحياة الطبيعية العادية أن تأخذ مجراها بأي حالٍ من الأحوال، وكل هؤلاء وأولئك من الضالين المضلين المضلَّلين المضلِّلين يجزمون ويقطعون ويتوقعون ويتنبأون ويستنتجون ويفكرون ويقدّرون ويستنبطون ويؤكدون ويبشرون بقرب انهيار هذا النظام الذي طغى وبغى واستبد بالأبرياء والضعفاء في طول البلاد وعرضها!! كثيرٌ منهم توقعوا انهيار هذا النظام قبل مدة طويلة، وكثيرٌ منهم أقام المخيمات على الحدود لاستقبال اللاجئين المفترضين قبل مدة من إشعال نيران هذه الفتنة العمياء التي أرادوا منها وبها ولها إحراق وجه البلد، وإحراق زراعته وصناعته ومؤسساته وإنسانه، وإغراق كل ربوع هذا البلد بالدماء.. وكثيرٌ منهم قبض مقدمًا ثمن مجهوداته والتزاماته وتعهداته بإسقاط النظام في مدةٍ أقصاها عشرة أشهر، لتصل قيمة ما قبضه عشرة ملياراتٍ من الدولارات.. وكثيرٌ منهم راح يقتل النساء والأطفال والضعفاء والأبرياء والبريئات، وراح ينكل بالناس بشتى الوسائل والطرق والأساليب، ويلصق كل هذه الكبائر والموبقات بالنظام، وكل شيءٍ بحسابه، وكل عمليةٍ بثمنها، وكل جريمةٍ ولها سعرها، وكل تفجيرٍ وله سقفه الذي يرفعه الممولون في كل يوم، وعند كل عمليةٍ جديدةٍ، وصفقةٍ جديدةٍ، وتفجيرٍ جديد.. والهدف هو إشاعة الرعب والفوضى والخوف في البلاد، والهدف أيضًا إهلاك الحرث والنسل، والهدف كذلك ترويع الأهالي وتخويفهم وإجبارهم على محاربة هذا النظام الذي يستبيح دماءهم وأعراضهم وكرامتهم.. ولما أيقن كل هؤلاء أن كل أساليبهم مكشوفة، وأن كل وسائلهم ودسائسهم مفضوحة، وأن كافة الفضائيات الكاذبة المأجورة قد افتُضح أمرها، واكتشف الناس مدى كذبها وتزويرها وافتراءاتها، ولما أيقن كل هؤلاء أن الغالبية العظمى من الناس ضدهم، وأنها مع هذا النظام الذي ما تخلى يومًا عنهم، وأن كافة أحرار البلاد، وكافة شرفائها وقواها وشرائحها الوطنية والقومية والاجتماعية والسياسية والفكرية قد اختارت منذ اللحظة الأولى الوقوف إلى جانب هذا النظام الذي يحاربه هؤلاء وأولئك خدمةً لتلك الأطراف المعادية، لأسبابٍ نعرفها ويعرفونها وتعرفها الدنيا كلها، ولما أيقنت كل هذه الأدوات أنه ليس في مقدورها مواجهة هذا النظام بجيشه وشعبه وقواه ومؤسساته ووحدته الوطنية، وإعلامه الناضج الواعي بدقته وأمانته وقدرته على التصدي للأكاذيب، وبلاغته في الرد على كل الفبركات والألاعيب، وقدرته الفائقة على إطلاع المشاهدين بالصوت والصورة على كافة الأماكن التي تزعم فضائيات الفتنة والكذب والدسيسة أنها مسرحٌ للتظاهرات ضد النظام، ووضع المشاهدين في سائر بقاع المعمورة أيضًا في صورة الأحداث الحقيقية، وتسليط الأضواء أيضًا على ملايين المواطنين المؤيدين للنظام في كافة الميادين والساحات العامة المنتشرة على طول البلاد وعرضها، وعندما أدركت كل هذه الأدوات أيضًا أنه ليس في مقدورها مواجهة مؤيدي هذا النظام في الداخل، والمتعاطفين معه في كل أقطار الجوار، لأسبابٍ يعرفونها ونعرفها وتعرفها تلك الأنظمة وتلك الأدوات، ولما أيقنوا أن البلد عصيٌّ على الكسر راحوا يصرخون ويستنجدون ويستغيثون مطالبين بالأسلحة والتسليح، وراحوا يصرخون مطالبين بالتدخل العسكري الدولي لإنقاذ الشعب من هذا النظام الدموي الذي يستبيح دماء الناس! بل لقد بلغ الأمر بأحدهم أن يستعين بحلف الناتو الذي هو أحد أعضائه لحمايته من ذلك النظام الذي بات يشكل أشد الأخطار عليه!! لقد بلغ اليأس بهم مبلغه، صحيحٌ أنهم سفكوا الدماء، وخربوا كثيرًا من مؤسسات البلد ومنشآته واقتصاده، وصحيح أنهم أربكوا البلد، ونشروا الفوضى وسلبوا ونهبوا وقتلوا واغتصبوا وأشاعوا الرعب والفوضى والفزع والهلع والاضطراب.. ولكن صحيح أيضًا أن الوحدة الوطنية، والشعب الملتف حول قيادته، والجيش المتماسك الذي أصر على حماية الوطن، ووِقفة سائر أحرار أقطار الجوار إلى جانب ذلك النظام المساند لتطلعات الشعوب، المؤيد لحقها المشروع في المقاومة والممانعة والوقوف في وجه كافة المشاريع المشبوهة في كل ديار العروبة، مضافًا إليها مواقف الأصدقاء في مجلس الأمن، ومواقف الأحرار الشرفاء في كل أقطار هذا العالم، ومضافًا إليها مواقف الشرفاء الأحرار في تركيا نفسها، ومضافًا إليها كل خطوات الإصلاح التي بدأ هذا النظام بتنفيذها قبل سنوات.. كل هذه الأسباب، وأسبابٌ أخرى غيرها لا يعلمها إلا العارفون بطبيعة هذا الشعب العربي السوري، وكافة شعوب بلاد الشام في الأردن وفلسطين ولبنان من أقاصي لواء الإسكندرون العربي شمالاً إلى أقصى جنوب قطاع غزة في رفح كانت السبب في فشل هذه الفتنة العمياء الهوجاء التي أثارها كل أولئك وهؤلاء، وكانت السبب في فشل هذه الخطط والمخططات التي استهدفت هذا القطر العربي السوري، واستهدفت أيضًا عروبة لبنان وفلسطين، وخططت منذ زمن لإقامة المشاريع المعادية على كل أرض العرب.

   منذ أكثر من عام قال بعضهم إن هذا النظام سيسقط، ومنذ أكثر من عام قال كثيرٌ من المراقبين السياسيين والعسكريين، وكثيرٌ من الخبراء المطلعين على بواطن الأمور إن تلك هي أمانيُّهم، وإن تلك هي رغبة أسيادهم ومموليهم، وإن هذا النظام لن يسقط، وإن هذا النظام سيخرج من هذه الفتنة الهوجاء العمياء أكثر صلابةً، وأشد عودًا، وأمضى عزيمة.. وهذا ما حصل.. واليوم يقف الشعب التركي إلى جانب الأشقاء العرب السوريين، ويُنحي الشعب التركي بكافة أطيافه ومكوناته باللائمة على حكومة أردوغان لاعتدائها الآثم على سوريا والسوريين، ولوقوفها إلى جانب العدوان على كل بلاد الشام التي كان أردوغان حتى عهدٍ قريب يدّعي مناصرتها ومؤازرتها والوقوف إلى جانبها!! واليوم أيضًا يقف شعب فلسطين في الجليل والمثلث وفي سائر الأرض الفلسطينية وفي الشتات كما يقف مليون فلسطيني ممن يقيمون في سوريا إلى جانب الأشقاء السوريين، كما تقف الغالبية الساحقة من اللبنانيين والأردنيين، والغالبية الساحقة من العرب أيضًا إلى جانب هذا النظام الذي لم يهِن، ولم يهُن، ولم يخُن، ولم يفرط بالثوابت، ولم يستسلم للإملاءات، ولم يبع استقلال سوريا، ولم يتآمر على حقوق اللبنانيين والفلسطينيين والأردنيين والعراقيين والعرب جميعًا في العيش بأمنٍ وأمانٍ وحريةٍ واحترام واطمئنان.

   وفي هذا اليوم أيضًا يتوجه نحو خمسة عشر مليونًا من العرب السوريين إلى صناديق الانتخاب لاختيار أعضاء مجلس الشعب السوري الذي سيضم ممثلين لعشرات الأحزاب والقوى والهيئات والتكتلات في سوريا إضافةً للمستقلين الذين ينتشرون على خريطة الوطن كله.. يتوجه اليوم أبناء فارس خوري، وإبراهيم هنانو، وسلطان باشا الأطرش، وصالح العلي، ويوسف العظمة، وعبد الرحمن الشهبندر، ومصطفى السمان، وشكري القوتلي، وكافة مناضلي سوريا وثوارها وأحرارها على اختلاف أسمائهم ومسمياتهم وأطيافهم كلٌّ باسمه لانتخاب مجلس الشعب الذي قد يكون فاتحةً لانتخاب مجلس بلاد الشام أسوةً بمجلس علماء الشام الذي تم تشكيله في دمشق قبل بضعة أسابيع، والذي قد يكون فاتحةً لعهدٍ جديد ترى فيه النور وحدة بلاد الشام من أقصى شمال الاسكندرون حتى ذلك الدكان ذي البابين الذي كان يتوسط المسافة بين رفح الفلسطينية والمصرية، فبابه الشمالي يدخله المسافرون إلى مصر، وبابه الجنوبي يعبره المسافرون إلى فلسطين.

   أما هذه الفضائيات، ووسائل الإعلام، وأما أولئك الإعلاميون والمستكتَبون الذين باعوا أنفسهم وأقلامهم، والذين لا يروجون إلا للفتنة والوقيعة والفرقة والفساد والشقاق والانشقاق والتزوير والتدمير والتعهير وخدمة الأسياد والترويج لأفكارهم وأجنداتهم وخططهم ومخططاتهم وثقافتهم، فيكفي أن نقول لهم: خسئتم، فسوريا بخير، والعرب بدونكم بخير، ولن يكون ما تريدون، ولن يكون إلا ما يريده الأحرار الشرفاء العرب العروبيون في بلاد الشام، والشرفاء الأحرار العرب العروبيون في العراق، والعرب العروبيون الأحرار الشرفاء الذين يطالبون بوحدة عراقية شامية تمهيدًا لوحدةٍ عربيةٍ شاملةٍ كبرى فوق كل أرض العرب ولو كره الكارهون.

7/5/2012