عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


الأربعاء، ٢٧ كانون الثاني ٢٠١٠

العراق..هل يستعيدُ عافيتَه, ويسترجعُ مكانتَه؟

                                                                                                     

متابعات

العراق..هل يستعيدُ عافيتَه, ويسترجعُ مكانتَه؟

أ.عدنان السمان

www.Samman.co.nr

 

    شلالات الدماء,والتفجيرات,والموت الزؤام الذي يحصد أرواح العراقيات والعراقيين صباح مساء,والنيران التي تحرق أجسادهم,وبيوتهم,ومنشآتهم,ومزارعهم,وعيون أطفالهم ..وكل صور الشقاء والبؤس والتنكيل والتقتيل التي تعصف بالعراق العربي في بغداد والموصل والبصرة,وفي كل مدن العراق وقراه..وكل محاولات السيطرة على العراق,ونهب ثرواته وخيراته,وكل محاولات تمزيقه وتقسيمه وبناء الجدران بين مدنه,وبين الأحياء والحارات في المدينة الواحدة..وكل محاولات إقصاء أحرار العراق وحرائره عن المشاركة في تقرير مصيره,وإنقاذه مما هو فيه من فوضى وتخبط واضطراب ودمار وموت..كل شلالات الدماء,وكل صور الشقاء,وكل محاولات التمزيق والتقسيم والإقصاء يجب أن تتوقف في الحال,وكل محاولات السيطرة وتكريس الاحتلال والاستعباد والاستبداد يجب أن تتوقف هي الأخرى..يجب أن يرفع الغزاة أيديهم عن عراق العرب..يجب أن يعود الأمن والأمان والسلام والوئام والحب والبناء والإعمار والتقدم إلى أرض العراق العربي الواحد الموحد,وإلى شعب العراق العربيّ الأبيّ..أعمال السلب والنهب والعربدة وسفك الدماء يجب أن تتوقف..عمليات القتل,والترويع,والإعدام,والتخريب,والتهجير,والبلقنة, والقرصنة,والفساد يجب أن تنتهي..المعتدون يجب أن يغادروا أرض العراق العربي غير مأسوف عليهم,والمتواطئون يجب أن يكفّروا عن سيئاتهم,ويلتمسوا المغفرة  من شعب العراق الصابر,والعراقيون الذين هاجروا أو هُجّروا أو أُرغموا على الهجرة يجب أن يعودوا إلى أرض الوطن,والكفاءات والمهارات والخبرات والأدمغة يجب أن تعمل من جديد من أجل بناء عراق العرب الواحد الموحد.                                                                                  

         العراقيون الذين أحبوا العراق,وأخلصوا إليه المودة,وتعلقت به قلوبهم  وعقولهم,وعملوا من أجل عزته  ونصرته واستقلاله وخلاصه من براثن الغزاة المعتدين..هؤلاء العراقيون الذين لم يتسرب الخوف إلى قلوبهم الكبيرة يومًا,ولم يتطرق اليأس إلى نفوسهم الأبية,ولم يهنوا,ولم تلن لهم قناة..هؤلاء العراقيون الأباة الذين بادلوا أرض العراق,وتاريخه,وحضاراته,وثقافته العربية الإسلامية الخالدة حبًّا بحب,واستمدوا الثبات والعزم و القوة والإصرار على التصدي وقبول التحدي حتى تحقيق النصر ,من بغداد التاريخ والأمجاد عاصمة الرشيد,ومن دمشق عاصمة الأمويين قلب العروبة, وظئر الإسلام.. هؤلاء العراقيون الأوفياء هم المنتصرون,وهم الذين سيعودون بالعراق إلى سابق عهده,وسيعودون بالعراقيين إلى تلك الأزمنة المشرقة من تاريخهم الحافل بالأمجاد والعز والفخار ,ومعهم ,وبهم,وبإصرارهم على التحرير,وتحقيق النصر الأخير في سلسلة الانتصارات التي حققوها  على امتداد المعارك الدامية التي خاضوها..معهم,وبهم,وبتضحياتهم,وانتمائهم إلى أرض العراق ,وشعب العراق سيستعيد العراق العربي عافيته,وسيسترجع العراق العربي مكانته,وسيعود العراق العربي الماجد كما كان قلعةً من قلاع العروبة الشامخة,وحصنًا من حصونها المنيعة الممنّعة, وسيكتب التاريخ أن الغزاة الطامعين قد خرجوا من أرض العراق خائبين نادمين خاسرين يجررون ذيول الخيبة والهزيمة والمذلة..وسيكتب التاريخ أن شعب العراق العربي ,ومعه كل شرفاء العرب,وكل أحرارهم,ومجاهديهم,وكل أحرار العالم,وشرفائه قد انتصروا على ذلك العدوان,وقد لقّنوا الغزاة دروسًا من الصعب أن ينسَوها.                                     

      لقد آن للغزاة الطغاة المعتدين أن يعلموا أن النصر في النهاية للشعوب,وأن الأمم إذا هبّت حطّمت السلاسل والقيود والأغلال,وأن كل أشكال العدوان والاحتلال إلى زوال,وأن تزوير الوثائق, وقلب الحقائق , وإشعال الحرائق ليست الوسيلة للتفاهم والمحبة والوئام ونشر السلام في هذا الكون..فهل يفهم الغزاة هذا؟وهل يعتبرون ويتّعظون؟وهل يكفّون عن أطماعهم واعتداءاتهم على الناس؟نرجو ذلك.                                                         

                  

 

 

27/1/2010


الاثنين، ٢٥ كانون الثاني ٢٠١٠

رسالة استغاثة من قطاع غزة!!

                                                                                   

متابعات

رسالة استغاثة من قطاع غزة!!

 

                                                                              أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr                                                                       

 

  تفيد الأخبار والتقارير والمعلومات الواردة من القطاع المحاصر أن الناس هناك يعيشون أوضاعًا في غاية الصعوبة,فقطاع غزة المحاصر منذ أعوام,وبعد تعرضه لعدوان عسكري شرس منذ أكثر من عام لازال مئات الألوف من مواطنيه يعيشون شتاءهم الثاني على أنقاض منازلهم,وفي خيام وأكواخ لا تحقق الحد الأدنى من ضروريات العيش ومستلزماته لساكنيها..مئات الألوف من مواطني القطاع يعيشون أيام الشتاء الثاني في هذه الخيام والأكواخ بعد أن هدمت الحرب بيوتهم,وخرّبت مزارعهم,وقتلت كثيرًا من أبنائهم وأنعامهم ومواشيهم..وأهالي القطاع يعيشون نقصًا متواصلاً متفاقمًا في الدواء والغذاء ومياه الشرب وكافة أنواع المحروقات ينعكس سلبًا على شتى مناحي حياتهم,ومختلف صورها وأشكالها..أهالي القطاع يعيشون اليوم أحوالاً وأوضاعًا في غاية السوء لم يسبق لهم أن عاشوها على امتداد تاريخهم الطويل..يعيشون الرعب والخوف والجوع والمرارة والحرمان والاضطراب والقلق والحصار والموت والدمار بكل أشكاله,ومختلف صوره..المشافي في قطاع غزة مضطربة متعثرة لا تكاد توفر الحد الأدنى من الخدمات الطبية لمواطني القطاع..والمدارس مكتظة بمن فيهامن الطلبة القلقين المضطربين الخائفين المرتجفين بردًا ورعبًا وتوجّسًا وتحسّبًا كلما هبت العواصف,وكلما تناهى إلى أبصارهم وميض البرق,وإلى أسماعهم قصف الرعود..والمصانع في القطاع الصابر لم تعد قائمة بعد أن دُمّر منها ما دُمر,وحرم منها ما حرم من الوقود الثقيل بعد أن أوقف الأوروبيون إدخاله إلى القطاع منذ نحو عامين..والسيول في القطاع تجرف البشر والحجر والشجر,وتقتل المواشي والأغنام,وتدمر في طريقها كل شيء,والأوبئة تهدد سكان القطاع ومواطنيه بالفناء,والحصار الجائر برًّا وبحرًا وجوًّا يضّيق عليهم الخناق,والفولاذي وهدم الأنفاق والتفنن في بناء الجدران يزيدهم فوق خوفهم خوفًا,وفوق جوعهم جوعًا,وفوق حصارهم وضيقهم  حصارًا وضيقًا..والناس هناك يستغيثون ويصرخون ويستجيرون ويناشدون ويبكون..ولكن دون جدوى..دون جدوى!!

   لم يتقدم أحد حتى الآن لنصرتهم,ولم يبادر أحد لنجدتهم,ولم يتحرك أحد لرفع الظلم عنهم,والتخفيف من معاناتهم..وكأنهم ليسوا من هذه الأمة,وكأنهم ليسوا من هذا المجتمع الإنساني الذي يتشدق صباح مساء بالديمقراطيات والحريات,ويتبجح بالحضارة والتقدم وحقوق الإنسان في هذا الزمن الذي انتُهكت فيه كل الحقوق,وارتكبت فيه كل الكبائر والموبقات والمحرمات!!

     أهالي غزة يستغيثون,ويطالبون أمة العرب,وأمة الإسلام, والمجتمع الدولي,وأحرار العالم أن يطعموهم من جوع،وأن يبدلوا خوفهم أمنًا وسلامًا وسكينةً,وأن يبنوا لهم ما تهدم من بيوتهم,وأن يرفعوا عنهم هذا الحصار الظالم الغاشم الذي أتى على كل أوجه الحياة في القطاع الصابر!!

      أهالي غزة يناشدون أمة العرب أن تتحرك لإنقاذهم مما هم فيه,ويناشدون مصر الشقيقة أن تفتح معبر رفح دون قيد أو شرط كي يتمكنوا من استئناف الحياة مع أشقائهم,ومع الدنيا كلها من خلال هؤلاء الأشقاء,ويناشدون مصر الشقيقة أيضًا أن تعمل في الحال من أجل إدخال مواد البناء إلى هذا القطاع المنكوب كي يبني من جديد كل ما تهدم من بيوته ومؤسساته ومنشآته في تلك الحرب التي استهدفت الحياة في القطاع العربي الفلسطيني الصابر!!

      أهالي غزة يناشدون مصر العربية,وجامعة العرب,والجامعة الإسلامية,وكل أنصار العدل والحق والحرية,وكل الشرفاء الأحرار في هذا العالم أن يعملوا في الحال من أحل رفع الحصار,ومن أجل إعادة الحياة إلى هذا القطاع الحبيب,ومن أجل إعادة البسمة إلى شفاه الصغار والكبار في قطاع غزة..فهل يفعلون,وهل يستجيبون لمناشدات الغزيين واستغاثاتهم وطلباتهم؟نرجو ذلك

25/1/2010    

 


الخميس، ٢١ كانون الثاني ٢٠١٠

في شرف الكلمة وطهرها وعفتها!!

متابعات

في شرف الكلمة وطهرها وعفتها!!

 

                                                                        أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

    

إذا كان رأسمال الفتاة في كل ديار العروبة والإسلام، وفي كثيرٍ من أقطار هذا العالم أيضًا سمعتها، وإذا كان لها احترامها وحرمتها ومكانتها، فإن للكلمة ما للفتاة من سمعة، ومثل ما للفتاة من قيمة واحترام وحرمة، وإن لها طهرها وعفتها وسحرها وعبيرها الصادر عنها صدور الأريج عن الزهور، والشذى عن الورود، والموسيقى العذبة عن الطيور.. أما حين تزلّ بها القدم ، وتهوي إلى حمأة الرذيلة والفجور، فإنها تفقد كل سمات الجمال والرواء والبهاء , وتصبح عارًا على نفسها، وعبئًا على غيرها من أولي أمرها.. وهكذا الكلمة عندما تكون ترجمة أمينة للشعور بالمسئولية، وانعكاسًا عميقًا للقيام بالواجب، ووعاءً حاضنًا للأفكار والمبادئ والمعتقدات السامية، وبعد أن تفقد لهذا السبب أو ذاك عذريتها، تصبح هدفًا للذئاب والكلاب والذباب، هكذا الكلمة ,  وهذا ما يؤول إليه أمرها عندما يجرّدها هذا النفر أو ذاك من معانيها ومضامينها، ويفرغها مما وُضعت له أصلاً من نبيل الأهداف والغايات، ويبتذلها معتديًا على عذريتها، ويمتهنها متخذًا منها وسيلة لنفث سمومه، وبث أحقاده، ونشر حماقاته وهلوساته وأوهامه، في محاولات يائسة للانحراف بالأمة عن أهدافها وغاياتها ، وصرف الناشئة عن طموحاتها وأحلامها، والعبث بتاريخها وثقافتها وقيمها ومثالياتها، والتلاعب بشخصيتها سعيًا وراء تحطيم هذه الشخصية، وصولاً للعبث بالهوية، وما ينطوي عليه هذا من تزييف للتاريخ، وتزوير للجغرافيا، وتشويه للقيم،واستبدال للأفكار والمعتقدات والمبادئ والثوابت .. تحقيقًا لما يريده أولئك الأسياد الطامعون في تبعية هذه الأمة وولائها، واستكانتها لكل خططهم ومخططاتهم، واستسلامها لأهدافهم وغاياتهم بحد الحسام تارة، وبالغزو الثقافي والفكري تارات، بقصف الطائرات، وبالتفجيرات والإرهاب المنظم طورًا، وعن طريق الدعاة والسعاة المروجين لأفكارهم وثقافاتهم من أبناء الأمة طورًا آخر، لا بل أطوارًا أخرى!!

        وإذا كانت الأمم والشعوب ( في أدق معانيها,وأبهى صورها ومبانيها ) أفكارًا، ومبادئ ، ورسالاتٍ ،وثقافاتٍ، وحضاراتٍ، وممارسات، وأدبيات، وإذا كانت مواقف ، ومعارف، ومعتقدات ومعلومات،   وقيادات للبشرية , وشموس َ هدًى وهداية ٍ للناس من كل لون وجنس ٍ , فإن وسيلتها في ذلك كله لغاتها: بها تعرض أفكارها، وعن طريقها تعلن  مواقفها وأراءها، وتنشر أخبارها، وبوساطتها تستميل أصدقاءها، وتقوي بهم صِلاتها وعلاقاتها، وبها تحاور خصومها، وتجادل أعداءها وصولاً إلى كلمة سواء.. وإذا كانت للّغات كل هذه الآثار  في التقريب بين الأمم والشعوب، وإذا كان لها كل هذه الآثار في بناء الحضارات، ونشوء الثقافات، وتعدد المذاهب والقناعات والتيارات، والفصل في المنازعات والخلافات ، وحسم الخصومات في الماضي الذي كان، فإن لها أضعاف أضعاف هذا كله في عصر ثورة المعلومات  , وإن لها أضعاف أضعاف هذا وذلك في عصرنا عصر السرعة, والشبكة العنكبوتية، والصواريخ عابرة القارات والمحيطات ، وكل مظاهر  هذا  التقدم العلمي الهائل في كافة مجالات الحياة .. فمم تتكون اللغة، وكيف نستدل من لغة قوم على أخلاقياتهم، وعلى حقيقة أوضاعهم وأحوالهم ومكانتهم بين الأمم والشعوب؟؟ 

        الحروف والكلمات والمفردات والجمل وأشباه الجمل هي مكونات اللغة , وحرص أبنائها عليها، وحبهم لها، وشعورهم بالانتماء إليها من شأنه أن يعلي شأنها،ومن شأنه أن يعزز مكانتها بين اللغات، ومن شأنه أن يرتقي بها في معارج التطور والتقدم والنهوض,  كما أن إهمالها والتنكر لها وخذلانها من شأنه أن يفقرها، ويفقدها كثيرًا من خصائصها ومزاياها,  فتغدو لغة هامشية عاجزة عن مواكبة روح العصر، وتلبية متطلبات البحث العلمي,  والثورة الثقافية.. عاجزة عن الاستجابة للتحديات؛ فيصيبها الضعف والهزال، وتغزوها لغات الأرض في عقر دارها ، وينفضّ عنها أبناؤها إلى لغات أخرى يتعلمونها، وثقافات غريبة يغتذونها، وهكذا يفقدون خصائصهم، وكثيرًا من مصادر قوتهم , ومقومات شخصياتهم وهُويتهم الوطنية، وتهون عليهم نفوسهم، ومن هانت نفسه عليه فإنه لن يلقى لها أبد الدهر مكرمًا!!.

        لقد قيل قديمًا إن الشعر ديوان العرب، بمعنى أن أدق تفصيلات حياتهم قد صُوّرت في أشعارهم ، وبمعنى آن أدبيات الأمة تعكس تفصيلات حياتها في كافة المجالات، وهذا يعني أننا نستدل من لغات الشعوب على أخلاقياتها ، وعلى حقيقة أوضاعها وأحوالها،وعلى مكانتها بين الأمم  والشعوب..إن لغات الأمم هي المقياس الحقيقي لنهضتها وتقدمها، وهي الشاهد على حقيقة أوضاعها.. الأمة الناهضة المتطورة تقف لغتها أو لغاتها شاهدًا على نهضتها وتطورها، والمتخلفون المتشرذمون المقتتلون تقف لغتهم شاهدًا على ما انحدروا إليه من قبح في القول، وفحش في الكلام ، وإسفاف في المفردات والصور والأفكار التي لا تدعو حالُ أصحابها إلا إلى الرثاء، ولطم الخدود، وشق الجيوب، ورحم الله أمير القوافي إذ يقول: وإذا أصيب القوم في أخلاقهم// فأقم عليهم مأتمًا وعويلاً! .

     إن إهانة اللغة، والتنكيل بها، والاعتداء على عفتها وطهرها وشرفها هو إهانة للإنسان ، واستخفاف بعقله وكرامته وقيمته، واستخفاف بكل قيمه ومثالياته وأخلاقياته ومبادئه وثوابته ومعتقداته، وهو اعتداء على مقدراته ومقدساته وحقوقه الثابتة والمتحركة المستجدة المتجددة في كل يوم، وفي كل ساعة، وهو عدوان وأي عدوان على ثقافته وعلى تاريخه، وعلى جغرافيته المحفورة في تلافيف دماغه، وأعماق أعماقه لا تستطيع كل قوى الطغيان في هذا الكون، ولن تستطيع بحالٍ أن تقترب منها، أو تنال من ألقها وتألقها وإشعاعاتها التي تنير الدروب والمسالك والمنعطفات لكل السائرين الباحثين عن الحقيقة من أبناء الحياة وعشاقها!!.

        إن الكلمة الأمينة الصادقة الواعية المسئولة هي وسيلتنا لبلورة خطاب عربي شامل عاقل يتجاوز الإقليمية, والعشيرية ,والقبلية , و الطائفية، والتبعية ,والامتيازات، والمكاسب ,والمكتسبات الشخصية الرخيصة، وكل الاجتهادات والحذلقات،لأنه لا اجتهاد في مورد النص.. خطاب واحد موحد يضع حدًّا للعابثين المزايدين المتلاعبين بمقدرات هذه الأمة المغامرين بشعوبها، المقامرين بقضاياها المصيرية  وبتطورها، ورِفاء شعوبها، وحقها المطلق في السيادة , والحرية والتحرر , والتحرير, وتقرير المصير , وإحقاق الحقوق , وحقها المطلق في  الوحدة، وبناء الدولة العربية الواحدة فوق كل الأرض العربية، ولو كره الكارهون .

22/1/2010


الثلاثاء، ١٩ كانون الثاني ٢٠١٠

شاعرة العراق نازك الملائكة تقضي نحبها في القاهرة ..

إعادة

 

شاعرة العراق نازك الملائكة تقضي نحبها في القاهرة ..

 

 وتدفن فيها

 

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

    

نعت أخبار القاهرة يوم أمس الأربعاء 20/06/2007 الشاعرة العراقية الكبيرة نازك الملائكة التي تقيم في القاهرة منذ سنوات... مشيرة إلى أن الراحلة الكبيرة ستدفن في هذا اليوم الخميس 21/06/2007 في مقبرة للعائلة غربي القاهرة.

      والراحلة الكبيرة هي الشاعرة العراقية الكبيرة نازك صادق الملائكة ، كان أبوها أديباً باحثاً شاعراً، وكانت أمها سلمى عبد الرزاق الملائكة أم نزار شاعرة، أما جدها الحاج جعفر الجلبي اللخمي المنذري فكان محباً للشعر، ويحفظ كثيراً منه، وأما جدتها لأمها هداية محمد حسن كبة، فكانت تنظم الشعر، كما كان الشيخ حسن كبة، (أبو جدتها) عالماً وشاعراً، أما خالها د. جميل الملائكة فمثقف ومحاضر، ويكبرها بسنة واحدة كما يقول.

ولدت " نازك الملائكة " في بغداد سنة ثلاث وعشرين وتسعمئة وألف (1923) للميلاد.. التحقت بعد حصولها على الثانوية العامة بدار المعلمين في بغداد، وتخرجت فيها سنة أربع وأربعين وتسعمئة وألف (1944) ثم سافرت إلى الولايات المتحدة سنة خمسين وتسعمئة وألف (1950) لاستكمال دراستها هناك ... عملت أستاذة مساعدة في كلية التربية في جامعة البصرة.

يقول خالها د. جميل الملائكة إنها قرأت ـ في مكتبة أبيها ـ بديعيات صفي الدين الحلّي، وعز الدين الموصلي، وابن حجة الحموي، وعائشة الباعونية، وعبد الغني النابلسي في كتابي نفحات الأزهار، وخزانة الأدب، وقرأت كشكول العاملي، ومستطرف الأبشيهي، والكامل للمبرّد، وأمالي القالي... وقرأت العروض أول ما قرأته في ميزان الذهب، وفي العقد الفريد... وكانت تعجب بالمعلقات، وشعر المتنبي، وابن الفارض، والبهاء زهير، وشوقي، ومحمود حسن اسماعيل، وعلي محمود طه، وإيليا أبي ماضي، ومن عاصرهم... وكانت تطرب لقراءة الجداول، والخمائل، ومجنون ليلى، وكليوباترا... وقرأت النظرات، والعبرات للمنفلوطي، وماجدولين، وروفائيل.. كما كانت تقرأ مسلسل قصص طرزان، وغيرها من القصص والروايات... وكانت تهتم لقراءة مجلتي الرسالة، والرواية، كما قرأت مجلات الإثنين، والصباح، واللطائف المصورة، وحتى الأدب العامي كان لها منه حظ كبير، فقرأت شعر الملاّ عبّود الكرخي، وحفظت كثيراً منه، وحفظت كثيراً من الأبيات الغنائية العامية التي تدعى "غزل البنات" .

هذه هي ثقافة نازك الملائكة عندما كانت في سني الدراسة المتوسطة، وهذه هي الكتب التي قرأتها، كما قرأت كثيراً غيرها قبل أن تنهي دراستها الثانوية، فلا عجب إن كان لهذه الفتاة الجادة بعد ذلك كل هذا الحضور الفاعل في دنيا الشعر والأدب والنقد، ولا عجب أيضاً إن أصبحت هذه الشاعرة علماً من أعلام الحداثة، ورمزاً من رموز التجديد في الشعر العربي الحديث.

أما شقيقتها الصغرى "إحسان" ( التي قدمت لديوانها "عاشقة الليل" وهي طالبة في المرحلة الثانوية ) فتقول فيها:

 لم أعرف قط من يشبهها، كانت، (وما تزال) نسيج وحدها، جمعت في شخصها بالإضافة إلى طبيعتها الجادة الرصينة، وخلقها المتماسك الرفيع، ذهناً وقاداً، وذاكرة خارقة، وخيالاً عميقاً، ولساناً فصيحاً. أما نفسها الكبيرة المترفعة عن الصغائر، فقد جلبت لها - وبخاصة في مطلع شبابها- ضروباً من الآلام عكستها بجلاء ووضوح قصائدها المبكرة في ديواني: " عاشقة الليل" و "شظايا ورماد" :

أيّ معنى لطموحي ورجائي                 شهد الموت بضعفي البشريِّ

مثلي العليا وحلمي وسمائي                 كلّها أوهام قلب شاعري

هكذا قالوا فما معنى بقائي                  رحمةَ الأقدار بالقلب الشقي

لا أريد العيش في وادي العبيدِ              بين أموات وإن لم يُدفنوا

جثث ترسِف في أسر القيودِ                 وتماثيل احتوتها الأعينُ

أبداً أُسمعهم عذب نشيدي                وهمُ نومٌ عميقٌ محزنُ

قلبيَ الحر الذي لم يفهموه                 سوف يلقى في أغانيه العزاءَ

لا يظنوا أنهم قد سحقوهُ                    فهو ما زال جمالاً ونقاءَ

سوف تمضي في التسابيح سنوهُ           وهمُ في الشر فجراً ومساءَ

ربما لا يكون الثناء على شخص ما مستحباً إذا أتى من أقرب أقربائه، ومع هذا فإن كل من يعرف "نازك" معرفة حسنة، لن يجد في تلك الأوصاف غلوّاً، ولن يعدها من شطحات القلم، لا سيما أن هذه الخلال الجميلة لم تجلب لصاحبتها الهناء المتوقع، ولا سلام النفس المرجوّ، بل الأولى أن يُقال إنها كانت منبع  معاناة دائمة لها. فمنذ ظهور الفن على وجه الأرض حمل الفنان على عاتقه وظيفة نقل مواجد النفس، وبثِّها عن وعي حيناً، وعن غير قصد أحياناً أخرى، هي الطبيعة التي صاغت الفنان هكذا، أي أن الأمر يعود إلى تركيبة دماغه ذاتها؛ فأمر نفسه في هذا الميدان ليس بيده، إنه مضطر أن يُظهر بواطن نفسه، ودواخل أحاسيسه، وبنات أفكاره إلى الخارج.

والشاعر حين تتوارد الألفاظ المتشابكة بانفعالاته على ذهنه، يحتاج أن يسكبها على الورق، أو يتلوها على مسامع أي إنسان قريب، والموسيقيُّ حين تمور الأنغام في أذنه الداخلية لا بد له أن يعزفها على آلته، أو يسجلها في دفتر ملاحظاته، والرسام إذ تتراقص الألوان والكتل والخطوط أمام عينيه بحاجة شديدة إلى أن يحولها إلى رسوم وصور على القماش... فما هو موقع الشاعر العربي من هذه الحال؟ هل يُسمح له بالنطق عند لزوم الصمت؟ هل يتحمل أن يصمُت عند ضرورة الكلام؟ في هذا المقام يحال من شاء سماع الإجابة عن هذه الأسئلة إلى مصنّفات أدبنا التراثي لنبيّن له علوّ مكانة الشاعر لدى السلف، وانحدارها لدى الخلف، فهل تُلام نازك حين تنوح قائلة:

قد وصفتُ الشقاء في شعريَ البا            كي وصوّرتُ أنفس الأشقياءِ

وشدوتُ الحياة لحناً كئيباً                   ليس في ليله شعاع ضياءِ

فأثارت كآبتي عجب النّا                    س وحاروا في سرها المجهول ِ

ما دَرَوا أنني أنوح على مأ                 ساتهم في ظلامها المسدولِ

أنا أبكي لكل قلب حزينٍ                    بعثرتْ أغنياتِه الأقدارُ

وأروّي بأدمعي كل غصنٍ                  ظامئ جفّ زهره المِعطارُ

ومع كل القيود والسدود المضروبة حول المرأة العربية جسداً وروحاً، ومع أنها لا تكاد تملك من حرية الحركة غير حرية تحريك اللسان، فإن "نازك" الشاعرة هي غير تلك المرأة المكبلة بالقيود، لقد أصرت على أن تدخل عالم الفن من أوسع أبوابه رافضة الدور الأبله الذي أراده لها الآخرون، كما أبت أن تكتفي بوظيفة النائحة البكّاءة التي جسّدتها أشعار الخنساء ( لو كان ما تبقّى من آثار هذه الشاعرة يمثّل حقاً كل ما قالته من شعر ) وانحازت بعواطفها نحو آثار عظماء فناني العالم وأدبائه من الشرق والغرب دون تمييز، تبهرها أشعار امرئ القيس ، والمتنبي تماماً مثلما تحرك قلبها قصائد كيتس وشيللي، وتُشغف بمؤلفات النحو العربي القديم تماماً كما تتعشّق الموسيقى الكلاسيكية الغربية. لطالما كنت أراها تمضي الساعات الطوال غارقة في مؤلفات ابن هشام، والسيوطي، وابن جني وغيرهم تقرأ، وتلخص، وتشرح، وتعلّق، وفي ساعات أخرى أجدها تصغي بخشوع شديد إلى موسيقى تشايكوفسكي، وسيبيليوس، وبيتهوفن.

    وكم كانت أحاديث الشعر والموسيقى والرسم والغناء والفكر تأخذ من أيام والديها، وأشقائها نزار وعصام وسها، وإحسان بفضل حماستها هي لكل ميادين الثقافة والمعرفة والفن .

    كان أولئك العظام من ممثلي الثقافة والأدب والفن مناراً يزيح دياجي الظلمة المحدقة بالإنسان العربي المعاصر، وبوساطته حافظت نازك على شعلة النار ملتهبة في روحها دون أن يخمدها جليد الحياة الهامدة البليدة التي تحياها الإناث بشكل خاص في عالمنا العربي:

أنا لا أحبك واعظاً                             بل شاعراً قلق النشيدْ

تشدو ولو عطشانَ دا                 مي الحلق محترقَ الوريدْ

إني أحبك صرخة الـ                إعصار في الأفق المديدْ

وفماً تصبّاه اللهيـ                              بُ فبات يحتقر الجليدْ

    أين التحرقُ والحنينْ

    أنا لا أطيق الراكدين

مما جاء في مقدمة ديوانها " شظايا ورماد " الصادر عام تسعة وأربعين وتسعمئة وألف: " والذي أعتقده أن الشعر العربي يقف اليوم على حافة تطور جارف عاصف لن يبقي من الأساليب القديمة شيئاً، وأن هذا الانقلاب الشامل سيصيب الأساليب والأوزان والقوافي والألفاظ، وسيتجه إلى داخل النفس الإنسانية بعد أن كانت التجارب الشعرية في الماضي تحوم حولها من بعيد"

    لقد دعت الشاعرة الناقدة ( التي جمعت في نقدها بين نقد النقاد، ونقد الممارسين ) إلى رفض القوالب الجامدة لأن " اللاقاعدة هي القاعدة الذهبية" كما يقول برناردشو..

    هذا التطور جاء نتيجة طبيعية لاطلاعنا على الآداب الغربية، وتأثرنا بثقافة الغرب، وفنونه، وفلسفته العامة في الحياة.. كما جاء استجابة لأحداث الحياة ، فكان لا بد من التجديد .. وكان لا بد من ميلاد الشعر الحر تحديداً.. لقد دعت الشاعرة إلى الثورة على الأوزان والقافية الموحدة، منادية بقصيدة الشعر الحر التي تعتمد على نظام التفعيلة، والبيت ذي الشطر الواحد، أو السطر الواحد – على الأصح – تقول نازك: " ما زلنا نلهث في قصائدنا، ونجرّ عواطفنا المقيّدة بسلاسل الأوزان القديمة" وتقول في أوزان الفراهيدي وبحوره: " ألم تصدأ لطول ما لامستها الأقلام والشفاه منذ سنين وسنين؟ ألم تألفها أسماعنا، وترددْها شفاهنا، وتعلُكْها أقلامنا حتى مجّتها"؟

    على أن هذا الرفض لعروض الخليل لا يعني أبداً أن الشاعرة كانت ترفض موسيقى الشعر؛ فالموسيقى عنصر هام في بناء القصيدة.. على أننا لم نجد لدى الشاعرة تصوراً وفهماً لموسيقى الشعر بوصفها كلا عضوياً متكاملاً ، وظلت مفاهيمها تنحصر في وظيفة الوزن والقافية والألفاظ، ليس إلا كما يقول فاضل ثامر الذي عاد ليقول: إن قراءة منصفة لجهود الشاعرة نازك الملائكة ستجعلنا ندرك بوضوح أن جوهر مشروعها الشعري والتنظيري كان ينصبّ على تقديم نموذج شعري عربي حداثي يتخذ من قصيدة الشعر الحر إطاراً له، ويطمح إلى تأسيس شعرية عربية حداثية بديلة بعد أن استنفدت الشعرية العربية الكلاسيكية أهدافها في عصرنا الحديث، ولا شك في أن نازك الملائكة بالذات، وبفضل قدرتها التنظيرية لعبت بين زملائها الرواد، دوراً متميزاً وبارزاً، جعلها بحق محط اهتمام جميع المبدعين والباحثين والنقاد العرب وتقديرهم... إنني لا أشك لحظة في صدق هذا القول، وفي صحته على أن لا يغيب عن بالنا لحظة ذلك التطور الهائل الذي شهده الشعر العربي على امتداد مسيرته الطويلة، وذاك التجديد المستمر المتواصل سواء كان ذلك في الشكل ، أو في المضمون ، أو فيهما كليهما، كما نرى في الموشحات وغير الموشحات في مغرب العالم العربي، وفي مشرقه أيضاً.. وعلى أن لا يغيب عن بالنا أيضاً أن ما جاءت به شاعرتنا الكبيرة وغيرها من الشعراء الرواد في العراق، وفي مصر، وفي بلاد الشام، وفي سائر أقطار العروبة، وفي المهجر كان امتداداً طبيعياً لحركة التجديد المستمرة في الشعر العربي.. كما كان تعبيراً عن التغيرات، وامتزاج الثقافات ، وصراع الحضارات، وكبار الحوادث والأحداث في الحياة العربية.

    تقول نازك الملائكة في مقدمة " شظايا ورماد" : نحن بين اثنين: إما أن نتعلم أحدث النظريات في الفلسفة والفن، وعلم النفس، ونتأثر بها ونطبقها، أو لا نتعلمها إطلاقاً".

    إن هذه الشاعرة التي أجادت الانجليزية، والفرنسية ، والألمانية، واللاتينية، وربما الفارسية بالإضافة إلى العربية كانت أكثر رواد الحداثة الشعرية من العراقيين اطلاعاً على الثقافة العربية قديمها  وحديثها، وعلى الثقافات العالمية بعامة، والغربية منها بخاصة... ولكن موقفها من تلك الثقافات كان نابعاً من " الموقف العربي من هذه الثقافة الأجنبية التي وفدت إلينا، وجرفت حياتنا كلها".

    وإذا كان الشاعر الإنجليزي الكساندر بوب (1688-1744) يحدد تاريخ قوله الشعر بقوله :

في المهد كنتُ          وقبل أن أتكلما

شعراً لثِغتُ             وكان غيري أبكما

فإن " نازك" لم تلثِغ شعراً وهي في مهدها، بل كانت تستمع إلى (هدهدات) أمها الشاعرة أم نزار، و(تنويماتها) التي كانت أكثر عدداً، وربما أحلى نغماً من أغنية نازك الوحيدة لبرّاق الحلو اللثغة: " أغنية لطفلي" التي كتبتها الشاعرة عام ثلاثة وستين، وهي إحدى قصائد ديوانها " شجرة القمر" الصادر عام ثمانية وستين وتسعمئة وألف.

    أما رسالتها إلى الشاعر العربي الناشئ، ووصاياها ونصائحها إليه كما يقول الأستاذ الدكتور سلمان الواسطي فإنها في حقيقة الأمر ما كانت الشاعرة قد ألزمت نفسها به، ومنها دراسة العروض، واللغة العربية، والشعر، والأدب....

    لقد تميزت هذه الشاعرة الرومانسية الكبيرة باطلاعها الواسع على الآداب العالمية بعامة، وعلى أدب طاغور ، وعمر الخيام، وإيليا أبي ماضي، وميخائيل نعيمة، وجبران خليل جبران، ومحمود حسن اسماعيل، وعلي محمود طه، وأحمد فتحي، وتوماس غراي، وبايرون، وكيتس، وإدجار ألن بو بخاصة.. وإذا أردنا تحديداً أدق – كما يقول الدكتور الواسطي – فإن أصداء صوتي المهجري إيليا أبي ماضي، والإنجليزي توماس غراي هي أبرز الأصداء التي تتردد في " مأساة الحياة" وديوان "عاشقة الليل". ومن المعروف أن في طلاسم أبي ماضي أصداء كثيرة من شعر عمر الخيّام، ومن فلسفة : " اقبض على اليوم" أو " اغتنم فرصة اليوم" التي أشاعها الشاعر اللاتيني "هوراس" خلال القرن الأول قبل الميلاد... وعليه فالخيام ، وإيليا أبو ماضي، وتوماس غراي كانوا وراء " مأساة الحياة"، ووراء كثير من قصائد " عاشقة الليل".

    قصيدة " الغروب" من ديوان " عاشقة الليل" مثلاً تتردد فيها أصوات: "غراي" في مرثيته، وعلي محمود طه في " سارية الفجر" ، وأحمد فتحي في "الكرنك":

هبط الليل وما زال مكاني                       عند شط النهر في الصمت العميقِ

شردت روحي وغابت عن عياني                صور الحاضر والماضي السحيقِ

وامّحى في خاطري ذكر الزمانِ         وأنا في ظلمة الليل الصديقِ

مطلع " سارية الفجر" لعلي محمود طه، والحديث عن امرأة:

        عبرت بي في صباحٍ باكرِ              فتنةُ العين وشغل الخاطرِ

    وهذا مطلع " الكرنك" لأحمد فتحي ، والحديث فيه عن حلم:

        حُلُمٌ لاح لعين الساهرِ           وتهادى في خيالٍ عابرِ

        وهفا بين سكون الخاطرِ         يصل الماضي بيمن الحاضرِ

    وهذا مطلع " الغروب " لنازك، والحديث فيه عن طير:

        وبعيداً في الفضاءِ المدلهمِّ                        خفقة من جنح طيرٍ عابرِ

        فاجأته ظلمة الليل المـلـمِّ              وجبال من سحاب ماطـرِ

        فسرى بين دياجير وغيـمِ              كخيالٍ في فؤاد الشاعـرِ

لحظةٌ ثم توارى في الخضمِّ             بين أمواج الظلام الغامرِ

    ومن اللافت للنظر أن القصائد الثلاث من بحر واحد هو الرمل.. ورويٍّ واحد هو حرف الراء... ويضيف الواسطي أن " نازك الملائكة" ظلت متمسكة بالوزن الشعري، وقوانين العروض في كل قصائدها سواء كانت من قصائد الشطرين التقليدية، أو قصائد التفعيلة التي كانت هي أول من أحسن إعطاءها الحياة.

    لقد كانت قصيدة " الكوليرا" أولى قصائد الشعر العربي الجديد الذي اصطلح على تسميته بشعر التفعيلة... ولقد كتبت" نازك" هذه القصيدة ضحى يوم الثلاثاء 27/10/1947، ونشرت في مجلة العروبة البيروتية في 1/12/1947، وعلقت عليها المجلة في العدد نفسه، متعاطفة مع الشعب المصري الذي  فتكت به الكوليرا آنذاك:

سكن الليل

أصغ إلى وقع صدى الأناتْ

في عنق الظلمة، تحت الصمت، على الأمواتْ

صرخاتٌ تعلو ، تضطربُ

حزنٌ يتدفقُ، يلتهبُ

يتعثر فيه صدى الآهاتْ

في كل فؤادٍ غليانُ

في الكوخ الساكنِ أحزانُ

في كل مكانٍ روحٌ تصرخُ في الظلماتْ

في كل مكانٍ ييكي صوتْ

هذا ما قد مزّقه الموتْ

يا حزنَ النيل الصارخ مما فعل الموتْ

طلع الفجرْ

أصغ إلى وقع خطى الماشين

في صمتِ الفجرْ، أَصِخْ، انظرْ ركبَ الباكينْ

عشرةُ أمواتٍ، عشرونا

لا تُحصِ أصخْ للباكينا

اسمعْ صوت الطفل المسكينْ

موتى، موتى، ضاع العددُ

موتى، موتى، لم يبقَ غدُ

في كل مكان جسدٌ يندبه محزون

لا لحظة إخلادٍ لا صمتْ

هذا ما فعلتْ كف الموتْ

الموتُ الموتُ الموتْ

تشكو البشرية مما يرتكب الموتْ.

    هذه القصيدة إذن لنازك هي أولى قصائد الشعر الحر، أو شعر التفعيلة كما تقول الشاعرة، وكما تقرر في كتابها النقدي "قضايا الشعر المعاصر" على أن الشاعرة قد تراجعت لاحقاً عن هذا السبق عندما قالت إنها فوجئت بعدد من القصائد الحرة منشورة في بعض المجلات والكتب العربية منذ عام اثنين وثلاثين وتسعمئة وألف.

    وإذا كانت " نازك" قد كتبت قصيدتها " الكوليرا" في 27/10/1947 ونشرتها في 1/12/47 فإن الشاعر العراقي بدر شاكر السياب قد أصدر ديوانه " أزهار ذابلة" في بغداد في النصف الثاني من شهر كانون الأول، وفي هذا الديوان قصيدة " هل كان حبَّا" ومنها:

هل يكون الحبُّ أنّي

بتُّ عبداً للتمني

أم هو الحبُّ اطّراحُ الأمنياتْ

والتقاءُ الثغر بالثغر ونسيان الحياةْ

واختفاءُ العين في العين انتشاءْ

كانثيال عاد يَفنى في هديرْ

أو كظلٍّ في غديرْ

    ومن هنا نتبين أن " نازك" والسيّاب كليهما يُعتبران من رواد التجديد في الشعر العربي الحديث، وأنهما من فرسان شعر التفعيلة ، وإن كانت المرحومة  "نازك" أسبق ولو بفترة زمنية لا تكاد تذكر من المرحوم بدر شاكر السياب في هذا المضمار.

   وإذا كان ديوان " عاشقة الليل" لنازك قد صدر عام 1947 فإن ديوانها الثاني " شظايا ورماد" قد صدر في صيف عام 1949، وفي آذار عام 1650 صدر في بيروت ديوان " ملائكة وشياطين " لشاعر عراقي جديد هو عبد الوهاب البياتي وفيه قصائد حرة الوزن، وفي صيف 1950 صدر لشاذل طاقة " المساء الأخير"، وفي أيلول 1950 صدر ديوان " أساطير" للسياب.. وتتالت بعد ذلك الدواوين ، وراحت دعوة الشعر الحر تتخذ مظهراً أقوى حتى راح بعض الشعراء يهجرون أسلوب الشطرين ليستعملوا الأسلوب الجديد. ولعل من الضروري هنا أن نشير إلى أن "نازك" قد تراجعت عن أفكارها التجديدية في الشكل، ودعت إلى العودة إلى أوزان الخليل الفراهيدي.

    لقد كثر الشعراء " المجددون " وظهر منهم في مصر صلاح عبد الصبور ، وأحمد عبد المعطي حجازي، وفي سوريا ولبنان نزار قباني وأدونيس وخليل حاوي، وفي السودان محي الدين فارس ومحمد الفيتوري.. وفدوى طوقان في فلسطين بالإضافة إلى محمود درويش وسميح القاسم وكثير غيرهما.

    هذه هي الشاعرة العراقية الكبيرة الراحلة  نازك الملائكة، هذه هي الشاعرة التي تعددت فيها الأقوال والآراء، وثارت حولها ضجة أدبية استمرت عشرات السنين ، ولا تزال هذه الضجة مستمرة.. هذه هي الشاعرة الناقدة المجددة صاحبة ديوان "عاشقة الليل" الذي طبع في العام سبعة وأربعين وتسعمئة وألف، وقدمت له شقيقتها الصغرى إحسان، وكانت آنذاك طالبة في المرحلة الثانوية.. وديوان " شظايا ورماد" الذي صدر عام تسعة وأربعين من القرن الماضي، وقدمت له الشاعرة نفسها .. " وقرارة الموجة " الذي صدر عام سبعة وخمسين .. و " شجرة القمر " الصادر عام ثمانية وستين.. ومأساة الحياة وأغنية للإنسان عام سبعين .. و" يغيّر ألوانه البحر" عام سبعة وسبعين.. و" للصلاة والثورة" عام ثمانية وسبعين ، و"الأعمال الكاملة" مجلدان / طبع عدة طبعات.

    يضاف إلى هذه الدواوين كتاب " قضايا الشعر المعاصر" الذي صدر عام اثنين وستين، وقدم له زوجها الدكتور عبد الهادي محبوبة .. وهو تنظير نقدي لحركة الشعر الحر. وكتاب التجزيئية في المجتمع العربي الصادر عام أربعة وسبعين.. وكتاب "الصومعة والشرفة الحمراء" الذي صدر عام خمسة وستين ، وهو دراسة نقدية في شعر علي محمود طه.. وكتاب " سايكولوجية الشعر" الذي صدر عام ثلاثة وتسعين ( أي بعد أن أمضت الشاعرة الناقدة نازك الملائكة من عمرها سبعين عاماً) وهو مجموعة مقالات. رحم الله شاعرتنا الكبيرة..وعوض أدبنا العربي بفقدها اليوم خير العوض.

 

(الخميس 21/06/2007)


الخميس، ١٤ كانون الثاني ٢٠١٠

في يوم الطفل العربي

متابعات

في يوم الطفل العربي

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

    

 

      لسنا بحاجة إلى من يذكّرنا بأن الأطفال دون سن الثامنة عشرة في الوطن العربي يشكّلون أكثر من نصف سكان هذا الوطن, وأنهم -مع أمهاتهم- يشكّلون أغلبية مريحة من حقها أن تستأثر بنصيب الأسد من ثروات هذا الوطن،ومن اهتمام كباره,ومثقفيه,ومفكريه,وأولي الأمر فيه..ولسنا بحاجة إلى من يذكّرنا بأهمية الأطفال في قانون تعاقب الأجيال،وتغيّر الأوضاع والأحوال..وإلى من يذكّرنا بأهمية الأطفال في الثورة على ثقافة النوم،والخمول،والكسل،في بلاد السمن والعسل,وإحياء ثقافة اليقظة والنشاط والتفاؤل والأمل وحب العمل في كل ديار العروبة  من محيطها إلى خليجها..وبأهمية الأطفال في التقريب ما بين المسافات,واختصار الزمن بين الثقافات والحضارات..وبدورهم في بيان فضائل التحدي,ومنازل الإصرار والتصدي .

        لسنا بحاجة إلى من يذكرنا بهذا,لأننا نعرفه حق المعرفة,ولأننا نعرف يقينًا أن هؤلاء الأطفال هم الأمة كلها اليوم وغدًا وبعد غد,وأنهم روحها,وجسدها ومعناها,ومبناها,وحقيقة وجودها وقيمتها الفعلية هنا على أرض وطنها,وهنالك بين الأمم والشعوب في هذا العالم..فأي معنًى للأمة بدون أطفالها؟وأي معنًى لها إذا كان أطفالها مقموعين مضطهدين خائفين أميين مجردين من كافة حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية؟وأي معنًى لها ولهم إذا كانوا مسلوبي الإرادة,مهزوزي الشخصية,فاقدي الثقة بالنفس,يشبّون على المهانة والكذب والنفاق والخداع,ويشيبون على التبعية والمذلة والفساد والتزوير والتفريط بالأوطان والأديان والإنسان؟وأي معنًى لأمة يربي كبارُها صغارَها على التنكَّر للفضائل,والقيم,والمبادىء السامية,والأخلاق الحميدة,وعلى عبادة الذات,والكفر بكل ما فيه خير البلاد والعباد,وبكل ما فيه مصلحةهذه الأجيال في حياة حرة عزيزة كريمة في وطن حر عزيز سيد مستقل لا يهادن فسادًا وانحرافًا واستغلالاًواستغفالاً,ولايسالم طاغية معتديًا مستهترًا مستخفًا بالناس مستعليًا عليهم مستكبرًا في الأرض,مغتصبًا لحق الناس في الحياة الحرة,ولحقهم في البناء والإعمار والسيادة على أرضهم,ولحقهم في العيش الآمن الكريم في أوطانهم؟

      إن خير ما يمكن أن تفعله الأمة هو أن تحسن تربية أطفالها,وأن تحسن تعليمهم,وأن تحيي في نفوسهم ثقافة العمل والأمل والعزة والكرامة والتضحية والمثابرة والإخلاص..وإن خير ما يمكن أن يقدمه الكبار للصغار مدارس يعيشون فيها أجمل أيام حياتهم,ويحبونها الحب كله..مدارس تلبي احتياجاتهم,وتنمّي شخصياتهم,وتغرس فيهم الولاء والوفاء لثقافتهم,ولغتهم,وأمتهم,وتاريخهم,ومبادئهم,ومعتقداتهم..مدارس تعلمهم الصدق,والأمانة,والإخلاص,والاستقامة,وحب الوطن,والتضحية من أجله,والإخلاص للأمة,والعمل من أجل وحدتها,ونصرتها,وعزتها,والوفاء لقيمها,وتقاليدها,وأعرافها,ومقدساتها..وإن خير ما يمكن أن يقدمه الكبار للصغار مناهج تلبي احتياجات هؤلاء الصغار,وتكفل حقهم في بناء أجسادهم وأرواحهم, وصنع المستقبل اللائق بهم وبالأمة التي ينتمون إليها..مناهج يستوعبها الطلبة,ويفهمونها,وتشهد على ذلك نتائجهم,وشهادات لجان المتابعة المكلفة بالإشراف على المدارس والمناهج من غير العاملين فيها,ومن غير المستفيدين منها..لجان متابعة من المختصين المستقلين المحايدين أصحاب التجربة والخبرة والمهارة..وإن خير ما يمكن أن يقدمه الكبار للصغار رعاية صحية تجنّبهم العلل والأمراض,وتكفل لهم نموًّا جسديًّا ونفسيًّا سليمًا,ورعاية اجتماعية,وتوجيهًا للأمهات,وعناية بهنّ,وبأطفالهنّ,ورعاية اقتصادية,وثقافية,وفكرية,ولُغوية تبني ولا تهدم,تجمع ولا تفرّق,تكتشف المواهب,وتصقلها,وتهذبها,وتكتشف المبدعين والموهوبين وترعاهم!!

       ما أحوجنا إلى كل هذا,وإلى كثير غيره!ما أحوجنا إلى جيل يحترم نفسه,وينشأ على الكرامة والخلق والعزة,ويغتذي لبان العروبة,ويؤمن بوحدة الأرض العربية,وبالدولة العربية,فوق كل أرض العرب,ويؤمن بالعلم والعمل وسيلة لبناء أمة عربية واحدة موحدة متكاملة في سائر أقطارها وأمصارها..ما أحوجنا لجيوش من الأطباء,وجيوش من المهندسين,وجيوش من الصيادلة,والتقنيين,والمثقفين,والمفكرين,والكتّاب,والمؤلفين,والأكاديميين,والمخترعين..وما أحوجنا قبل هذا كله,أو بعد هذا كله,للسياسيين المؤمنين بحق أمتهم في الحياة الحرة الكريمة,وبحقها في السيادة والعزة والاستقلال,وبحقها في العيش الآمن الكريم.

      وإذا كنا نحتفل في هذا اليوم الخامس عشر من كانون الثاني بيوم الطفل العربي,فإنه يحسن بنا أن نشير إلى أن الأمم المتحدة قد ضمنت في إعلانها العالمي لحقوق الإنسان كثيرًا من حقوق الطفولة في المساعدة والمساندة والرعاية,بل إن المبادىء المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة قد ضمنت الاعتراف بكرامة أعضاء الأسرة,وبحقوقهم المتساوية,وغير القابلة للتصرف,واعتبرت ذلك أساسًا للحرية والعدالة والسلم في العالم كله.كما يحسن بنا أن نشير إلى أن الحاجة إلى لتوفير الرعاية الصحية الخاصة للطفل قد ذكرت في إعلان جنيف لحقوق الطفل عام 1934,وفي إعلان حقوق الطفل الذي اعتمدته الجمعية العامة في الثلاثين من تشرين الثاني من العام 1959والمعترف به في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

       في يوم الطفل العربي لابد من القول إن الاهتمام بالأطفال هو اهتمام بالوطن والمواطن ومستقبل الأجيال على أرض  هذا الوطن..وإن إهمال الأطفال, هو إهمال للوطن والمواطن؛فمن أراد خيرًا بهذا الوطن,فليبدأ بأطفاله,فهم عدته,وعتاده,وهم بُناته وحُماته.

       وفي يوم الطفل العربي نطالب بحياة كريمة للطفل العربي,وبحياة كريمة للأسرة العربية,وبالكف عن كل مظاهر الاستهتار والاستخفاف بالمواطن..كما نطالب بسيادة القانون,وبقضاء حر نزيه مستقل. 

 

15/1/2010


الثلاثاء، ١٢ كانون الثاني ٢٠١٠

أوباما..بين ثورية الخطاب ,وجمود القرار والسلوك

متابعات

 

أوباما..بين ثورية الخطاب ,وجمود القرار والسلوك

 

                                                                      أ.عدنان السمان  

www.samman.co.nr

 

                                               

      لا يحتاج المراقب المتتبع لسير الحوادث والأحداث في نصف الكرة الغربي (وانعكاساتها بالتالي على نصفها الآخر)لكبير جهد كي يرى هذا الفرق الهائل بين الثورية والجمود في خطاب برّاك أوباما وسلوكه..فالرئيس الأمريكي ,وحتى قبل مرور عام أونصف عام على توليه الرئاسة,أصبح شيئًا مختلفًا عما كان عليه قبل ذلك..وأصبح الفرق شاسعًا بين خطابه السياسي,وسلوكه وممارساته وقراراته التي لم تختلف في كثير أو قليل عن سلوك سلفه وممارساته وقراراته..وأصبح الفرق شاسعًا أيضًا بين ما قاله الرئيس أوباما خلال حملته الانتخابية,وما قاله في جامعة القاهرة بعد الفوز في كلمته التي وجهها إلى العرب والمسلمين في عالمهم الواسع,وبين ما يمارسه اليوم في كثير من بلاد العروبة والإسلام.

    ولئن كانت الثورية والجمود أمرين معروفين في الأدب,فإنهما معروفان أيضًا في السياسة ,والاقتصاد,والاجتماع ..ومعروفان في العادات والتقاليد والطباع..ومعروفان في طرائق التفكير,والتخطيط والتعبير,وفي كل مظاهر العيش,وأساليب الحياة اليومية المختلفة..الثورية هي التجديد,والجمود هو المحافظة والتخلف والتقليد..الثورية من الثورة على جمود الماضي,وتخلفه,وعدم مواكبته لاحتياجات العصر ومتطلباته..وهي الإتيان بنماذج جديدة,وأفكار جديدة,ورؤًى جديدة,ودماء جديدة,وحياة جديدة تُذكي جذوة الأمل,وتدفع إلى الحركة والعمل,في خضمّ هذا الكون الواسع,والآفاق الرحبة التي تفتّحها الآمال العريضة الواسعة,هذه الآفاق التي تبدو قبرًا ضيقًا مرعبًا في غياب هذه الآمال..والجمود هو اجترار الماضي بكل آلامه وعذاباته وجراحه,والعيش على النماذج القديمة,والقوالب القديمة,والأفكار القديمة,والرؤى القديمة,والدماء القديمة,والحياة القديمة التي تطفئ نور الأمل,وتدفع إلى الكآبة والخمول والكسل,فيبدو الكون ضيقًا على سعته,وتبدو الحياة مستحيلة منفّرة في غياب التجديد,وصليل السيوف التي تُشهر على كل جديد!!

      والثورية في السياسة أن تكف عن استعباد الناس,واستعباد الشعوب وإذلالها,وأن ترفع يدك عن ثرواتها,وأن تقف إلى جانبها في تحركاتها ومطالباتها بحريتها واستقلالها,وسيادتها على أوطانها..والثورية في السياسة أن تعمل مع كل العاملين من أجل رفعة الشعوب وتقدمها,ومن أجل نشر العدالة والإخاء والمساواة في ربوع هذا الكون,ومن أجل نصرة المظلوم,وإغاثة المستغيث,وإنصاف المضطهد,وإطعام الجائع,وتوفير كافة مقومات العيش الكريم للناس في هذا العالم.

      الثورية في السياسة تعني إنهاء كافة أشكال الاستعمار القديم,وإلغاء كافة مظاهر الاستعمار الحديث,وكافة وسائله وأساليبه..لا استعمارَ,ولا استعباد,ولا استغلال,ولا استغفال,ولا قهرَ,ولا تسلط,ولا حصار,ولا تضييق,ولا كذب,ولا نفاق,ولا خداع في السياسة الحكيمة الشجاعة التي انتهجها وينتهجها القادة الحقيقيون الثوريون الصادقون قديمًا وحديثًا في أقطار كثيرة من هذا الكون..والثورية في السياسة تعني تحرير الرقيق الأسود,والرقيق الأبيض,كما تعني فك قيود الأسرى,وإخلاء سبيلهم..وهي أيضًا تعني إغلاق السجون والمعتقلات,وإلغاء الاعتقال السياسي والإداري,وكل محاولات الإساءة للإنسان والإنسانية,ورفع أيدي كل أصحاب النوايا الشريرة عن الناس أفرادًا وجماعاتٍ وتجمعاتٍ وشعوبًا وقبائلَ وأممًا,وكفّ هذه الأيدي عن التدخل بمقدّرات الناس وأحلامهم وآمالهم وتطلعاتهم في هذا الكون.

       جميلٌ أن يتحدث الإنسان في المثاليات,وجميلٌ أن يتحدث عن العدل والعدالة والمساواة وحقوق المواطن,وجميلٌ أن يتحدث عن حقوق الشعوب والأمم والأفراد في الحرية والسيادة والاستقلال والعيش الآمن الكريم,وجميلٌ أيضًا أن يتحدث عن التوازن والتعاون والتكامل والتكافل بين الأفراد والشعوب والأمم في هذا العالم..ولكن جميلٌ أكثر أن ُيتبع قولََه العمل,وأن يبدأ أولاً بنفسه:

 

 

 

      يا أيها الرجلُ المعلمُ غيرَه//هلاّ لنفسك كان ذا التعليمُ.

      ابدأ بنفسك فانهها عن غيِّها//فإذا انتهتْ عنهُ فأنتَ حكيمُ!!

 

وإذا كان الأمر كذلك,وهو يقينًا كذلك, فإن الناس جميعًا مطالَبون بالعمل الإيجابي الخيّر من أجل تحقيق السعادة للآخرين,ورفع الظلم عنهم..وما من شك في أن مسئوليات الإنسان تزداد في هذا السياق كلما كان أقدر على ذلك..وما من شك أيضًا في أن رؤساء الدول,وقادة الأمم هم أقدر على ذلك من غيرهم..وعليه فإن رئيسًا مثل أوباما هو أقدر الرؤساء على هذا الفعل,وهو أقدر الرؤساء على هذا العمل الإيجابي البناء..ومن هنا كانت فرحة كثيرٍ من الناس في هذا العالم عندما كانوا يشاهدونه,ويستمعون إلى أحاديثه في أثناء حملته الانتخابية,وعندما فاز بمنصب الرئاسة,وعندما توجه بخطابه إلى العرب والمسلمين,وإلى الدنيا كلها..لقد كان خطابًا ثوريًّا حقًّا عبّر فيه أوباما عن روح وقّادة,وعزيمة وثّابة,وعنفوانٍ ليس عليه من مزيد.

      ولكن هذا كله لم يدم طويلا..لقد كان الرجل-والحق يقال-ثوريًا في خطابه,ثوريًّا في مشاعره وأحاسيسه,ثوريًّا في ثقافته  وأفكاره المجردةِ, ثوريًّا في انتمائه الداخلي لهذه الأمة التي واصل إشهار السيف عليها في العراق,وفي غير العراق من ديار العروبة,وشدد من القبضة عليها في بلاد الأفغان,وغير بلاد الأفغان من ديار الإسلام..نعم,لقد واصل أوباما سياسة سلفه,بل لقد كان سلفيًّا أكثر من ذلك السلف,وهو يمارس اليوم ما يمارسه في كثير من أقطار الإسلام والعروبة..ولَعمري,فإن هذا هو الجمود في السياسة,وهو الرجعية فيها,بل لعله أسوأ ما فيهما لأنه لم يقف عند حدود ذلك الماضي فقط,بل إنه تجاوز تلك الحدود في كثير من الأحيان..فلماذا حدث كل هذا,وما السبب؟؟

          لقد كان بإمكان أوباما ولا يزال بإمكانه بعد عام واحد من توليه الحكم أن يكون ثوريًّا في سلوكه وممارساته وأفعاله وقراراته وتصرفاته ومواقفه من أحداث هذا الكون بعامة,وأحداث العالم

        العربي الإسلامي بخاصة تمامًا كما كان ثوريًّا في خطابه..وإنه لَقادرٌ على ذلك إذا أراد.

 

12/1/2010


السبت، ٩ كانون الثاني ٢٠١٠

في اليوم العالمي لمحرري الصحف والمطبوعات

 

متابعات

   أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

 

في اليوم العالمي لمحرري الصحف والمطبوعات

 

       لا أظن أن في العالم اليوم شعبًا واحدًا يعيش بدون صحافة  مقروءة,أو مسموعة,أو مرئية..ولا أظن أن هنالك شعبًا واحدًا في هذا الكون يعيش بدون مطبوعات,أو نشرات,أو منشورات,أو إعلانات..ولا يكاد يخطر لأحد على بال أن هنالك في هذه الدنيا من لم يقرأ كتابًا,أو يكتب رسالة,أو يُلقي كلمة في مناسبة,أو يدخل غمار تجربة شعرية,أو نثرية مهما كانت بدائية,ومهما كانت متواضعة.

       ومما لا شك فيه أن المعلمين يقومون بالعبء الأكبر من أعباء تعليم الناس,وإعدادهم, وتهيئتهم للحياة العلمية,وأنهم هم الذين يصقلون مواهب المتعلم,ويزودونه بكل ما هو ضروري لمواجهة كل أعباء الحياة من علوم ومعارف وآداب وثقافات,وأنهم الذين يشكّلون لغته,ويهذبونها,ويطورونها,ويرتفعون بها إلى أعلى درجات الإبداع,والخَلْق الفني..وأنهم الذين يتعهدون المواهب,والملَكات,والإمكانات,والاستعدادات الفطرية والنفسية,ليصنعوا من كل هذا وذاك شيئًا مذكورًا يُشار إليه بالبنان في عالم الفنون والآداب والإبداع,وفي دنيا الخيال ,والبلاغة,والفصاحة,والبيان,والخلْق الفنيّ المكتمل,أو شبه المكتمل؛فالكمال لله وحده.

       ومما لا شك فيه أيضًا أن محرري الصحف والمطبوعات يقومون بدور لا يقل أهميةً عن دور البيت والمدرسة في صنع النُّخب بعد ذلك..وإذا كان البيت والمدرسة أحدهما أو كلاهما قد نجحا في الكشف عن الموهبة ,وفي تعهدها, وإذا كانا التربة الصالحة التي تحتضن المواهب وترعاها حتى تبلغ أشدها أو تكاد,فإن الصحف بعامة, ومحرري الصحف والمطبوعات بخاصة هم الذين يتعهدون تلك المواهب بعد ذلك بالتوجيه والإرشاد والتشجيع,كي تثبت نفسها على صفحات تلك الصحف,وكي تنمو وتتطور مع الأيام متأثرة بما حولها,مؤثرة فيه,متفاعلة معه حتى تسير على طريق بلوغ الغاية والهدف,وأداء الرسالة,وحمل الأمانة,وحتى تواصل سيرها بثقة,متحدية الصعاب والعقبات,متسلحة بالصبر واليقين,مستسهلةً الصعب في سبيل تحقيق الأهداف والغايات.

        صحيحٌ أن الموهبة في هذا كله هي الجوهر,وصحيح أنها الأساس,وأنها المحور..وصحيح أيضًا أن في الكون كثيرًا من الموهوبين الذين لم يدخلوا مدرسة,وكثيرًا من الأعلام الذين صنعتهم الكتب والمطالعة الذاتية,وأنضجتهم السياسة,وحصدتهم الصحافة والمطبوعات والمؤلفات,فأثَروها,وأثّروا فيها,وصالوا في ميادينها المختلفة وجالوا,وكانوا خير زاد للناس من حولهم,وللأجيال من بعدهم..صحيحّ كل هذا,ولكن صحيحٌ أيضًا أن الكثرة الكاثرة من الأعلام في هذه الأوطان, وفي كل أوطان الدنيا قد تتلمذت على المعلمين والمحررين والمفكرين والمبدعين من الإعلاميين والصحافيين المشهورين الذين يُشار إليهم بالبنان أو لا يشار.. وصحيح أيضًا أن الكثرة الكاثرة من هؤلاء الأعلام قد وجدت تشجيعًا من تلك الصحف التي رحّبت بكتاباتها,فرأت فيها ذاتها,ووجدت فيها زادها,وحظيت فيها بالرعاية والعناية والتوجيه والإرشاد والنقد الخفيف أو العنيف حتى استقام لها الميزان,ودخلت مرحلة التأنق والتألق والإبداع والعنفوان..ومَن مِن كتّاب هذا الزمان وأعلامه مَن لا يذكر المحررالذي تبناه,والإعلامي الذي نماه,والصحيفة التي وجد نفسه فيها؟إن الصحف والمطبوعات ومحرريها جميعًا قد ساهموا,ولا زالوا يساهمون في تطوير اللغة وتهذيبها, وتطويعها لتلبية حاجات العصر واحتياجاته,ومواكبة أحداثه وحوادثه وتطوراته,كما ساهموا ولا زالوا يساهمون في صنع المفكرين والكتّاب والأدباء والشعراء والفنانين والإعلاميين والمبدعين في كل مكان ومكان من هذا العالم .

      يكفي هؤلاء المحررين في هذه الأوطان,وعلى امتداد قرن كامل من الزمان أنهم واجهوا زمانهم في البدايات الأولى من القرن الماضي,وفي نهايات القرن الذي سبقه بشجاعة وثبات..وحسبهم شرفًا ونبلاً وقوفهم في وجه كل هذه الضغوط التي تعرضوا لها على امتداد تاريخ هذه المهنة التي قيل فيها قديمًا إنها مهنة المتاعب..ويكفي هذه الأجيال المتعاقبة من المحررين كل هذه التقلبات والانقلابات والتحركات والحركات التي دارت وتدور وستدور أيضًا من حولهم,ولا سيما في بلدان العالم الثالث والرابع,وما تجرّه عليهم من عنت ومشقة,وما تسببه لهم من إحراج وتوتر وضيق,وتجره من مخاطر وإشكالات من حيث يدرون ولا يدرون..ولله في خلقه شؤون!!

      قديمًا أثيرت جدلية الأسماء الكبيرة,والمقالات واكتمالها وتميزها..أيهما أولاً,وأيهما الأهم,وأيهما الذي يضعه المحرر في اعتباره عند النشر..وقديمًا أيضًا أثيرت قضايا الحيادية والموضوعية,والتوجه السياسي,والأبعاد الاقتصادية,والانتماءات الاجتماعية والثقافية والفكرية للموضوعات التي تُنشر,وللأسماء التي تَنشر..كما أثيرت قديمًا قضايا الاعتدال والوسطية,والنقد الصريح والمبطن,ومهاجمة ذوي الشأن,أو مهادنتهم,أو ممالأتهم.. والموقف من الغزاة الذين احتلوا كثيرًا من الأوطان في هذا العالم..والموقف من الإقطاع والإقطاعيين,وسيطرة رأس المال والرأسماليين,أو الاشتراكية والاشتراكيين على كل شأن من شؤون الحياة في كثير من البقاع والأصقاع..ومثل هذا يقال في المعارك الأدبية واللُّغوية والنقدية,وفي اللغة الثالثة,ولغة الصحافة,وما يجوز فيها وما لا يجوز..وشبيه بهذا وذاك تلك المعارك السياسية والثقافية والفكرية التي دارت رحاها في الماضي,ولا زالت تدور في عصرنا هذا,وفي زماننا هذا,وفي أيامنا هذه أيضًا بشكل مختلف وأسلوب مختلف,ولهجة تختلف ابتعد فيها المحررون عن أسلوب النقد الجارح,وأسلوب التشهير والقذف والتعرض للأسماء كبيرة كانت أو صغيرة...لقد لعب المحرر السياسي والاقتصادي والاجتماعي والديني والأدبي منذ الأيام الأولى لنشأة الصحافة,وحتى يومنا هذا دورًا بارزًا في نهضة الأمم والشعوب,وفي بعث الثقافات والفنون والآداب والحضارات وإحيائها..كما لعب هذا المحرر أو ذاك دورًا بارزًا لا يمكن تجاهله في صنع الكتّاب والمفكرين والمبدعين,وأساطين الفصاحة والنباهة والبلاغة والبيان.

       إن الناس هم الناس في غرب الدنيا وشرقها,وفي شمالها وجنوبها أيضًا..وتبقى التربية,وتبقى الحرية سيدة الموقف,فهؤلاء في الغرب والشمال كانوا في يوم الأيام دون المستوى العام بكثير في الشرق والجنوب قبل أن تكتوي تلك الشعوب هناك بنيران الحروب,وقبل ميلاد الدولة بسلطاتها الثلاث,وسلطتها الرابعة التي استقطبت كافة المفكرين والموجهين الذين أخذوا على عاتقهم السير بالبلاد والعباد نحو شاطئ  السلامة والنجاة والأمان..ولما كان الأمر كذلك فإن خروج كثير من بلدان العالم الثالث والرابع من هذا الواقع الأليم هو أمر ممكن,بل هو أمر هين إذا قررت شعوب تلك البلدان أن تتحول,وأن تتطور,وأن تتقدم نحو النور بخطًى ثابتة واثقة,وإذا واكبت تلك الحركات والتحركات الشعبية حركات وتحركات إعلامية صحافية يقودها المحررون المخلصون لقضايا أممهم وشعوبهم,والكّتاب والمفكرون الملتزمون بقضايا تلك الأمم والشعوب.

        وإذا كان كثير من الناس في الماضي قد قالوا إنه لا خير في الناس,ولا بد منهم,فلنصحبهم على قدْر,ذلك, فإننا في هذا الحاضر الذي تطالب فيه شعوب كثيرة بحقوقها نقول:

الناس للناس من بدوٍ وحاضرةٍ//بعضٌ لبعضٍ وإن لم يشعروا خدمُ

  على الرغم مما ينطوي عليه القول الأول من حكمة بالغة,وفهم عميق للنفس البشرية لا ينبغي لأحد أن يتجاهله,أو يقلل من شأنه.

        لا بد,ونحن نحتفل باليوم العالمي لمحرري الصحف,أن نتوجه بالثناء إلى أولئك الجنود المجهولين من الإعلاميين العاملين,والقادة الميدانيين المخلصين الذين يخوضون باسم الأمم والشعوب أقسى المعارك وأعتاها في كل يوم,وفي كل ساعة,دون أن يشعر بهم كثيرٌ من الناس!!

9/1/2010