متابعات
كان فجرًا أسودَ في تاريخنا...
أ. عدنان السمان
www.samman.co.nr
قبل أن ينفّذ الحلفاء الجدد عدوانهم على العراق العربي، وقبل أن تهاجمه قواتهم من الجو والبحر والبر، وقبل أن يصبح العراق بلدًا محتلاًّ كغيره من أراضي العرب المحتلة، وما أكثرها!! قبل هذا كله راح هؤلاء الحلفاء بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية يزعمون أن العراق قد تحول إلى ترسانة عسكرية تهدد الأمن والسلام الدوليين، وأنه يمتلك كثيرًا من أسلحة الدمار الشامل التي باتت تهدد العالم الحر، وتشكّل خطرًا كبيرًا على دول الجوار، وأنه في طريقه لامتلاك الأسلحة الذرية إن لم يكن قد امتلكها رغم ضرب مفاعله النووي عام واحد وثمانين!!
لقد شن كل هؤلاء بقيادة أمريكا حملات إعلامية مكثفة في حينه على العراق، كما فرضوا عليه عقوبات في غاية القسوة شلَّت كثيرًا من مرافق البلد، وأصابت كثيرًا من أوجه حياة العراقيين بأفدح الخسائر والأضرار على امتداد ثلاثة عشر عامًا قبل أن يتعرض العراق لأبشع غزو في تاريخه.. لقد كانت تلك الحملات الإعلامية مضلِّلة مفعَمة بالمبالغات والمغالطات لتسويغ العدوان الجائر على العراق العربي... وما أشبه الليلة بالبارحة! وما أشبه هذه الحملات التي تتعرض لها إيران في هذه الأيام بتلك التي تعرض لها العراق قبل فرض الحصار عليه، وقبل أن تحتله قوات الحلفاء الجدد هذه!!
وعلى الرغم من أن الأمريكان أنفسهم يقولون اليوم صراحة إن ما روّج له إعلامهم لم يكن أكثر من مغالطات وافتراءات، بل على الرغم من اعتراف بوش وكبار أعوانه بذلك، وعلى الرغم من هذه الانهيارات الاقتصادية التي تعصف بأمريكا عصفاً منذ مدة، وستبقى كذلك مدة طويلة أيضًا، إلاّ أنهم ما زالوا هناك يقامرون بأرواح جنودهم.. لعل معجزة تنقذهم من هزيمة تحل بهم على أرض العراق.. ولعلهم يستطيعون الخروج من المستنقع الذي حشروا أنفسهم فيه بشيء من ماء الوجه.. إنهم يعيشون على الأوهام.. تمامًا كما قاموا بفعلتهم على الأوهام.. لقد زرعوا الأوهام ، ولم يحصدوا إلا الأوهام... فالعراق العربي عصيٌّ على الغزاة.. متمرس بالحروب.. بالبارود، بالنيران.. بالسيوف.. بالأهوال منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها!!
ماذا جنى هؤلاء من عدوانهم وغزوهم لعراق العرب؟ ماذا جَنَوا وهم يقدمون على فعلتهم السوداء بحق الرئيس العراقي، وبحق المشاعر الإسلامية، والمشاعر العربية في الساعات الأولى من يوم السبت أول أيام عيد الأضحى في الثلاثين من كانون الأول من العام السادس من هذه الألفية الثالثة؟ ماذا جَنَوا غيرَ الكوارث والموت والدمار وتشريد شعب العراق؟ ماذا جنى هؤلاء غير الكراهية والعداء الذي من الصعب أن يهدأ أواره لسنوات طوال قادمة؟ هل كانوا يتوقعون أنهم بفعلتهم تلك سيُلقون الرعب في قلوب الناس .. وأنهم سيصولون، ويجولون في أرض العراق العربي كما يشتهون، وكما يحلو لهم؟ هل كانوا يتوقعون أن يستسلم لهم الناس في عراق العروبة والإسلام، وأن يتسابقوا لتقبيل أعتابهم أمام المنطقة الخضراء التي حبسوا أنفسهم فيها مع كل أعداء العرب والمسلمين؟؟
لقد مضى عامان على فعلتكم تلك، فماذا كانت النتيجة؟ لقد كانت مزيدًا من الهزائم.. ومزيدًا من تخبط جنودكم وقادتكم في المستنقع الذي حشروا أنفسهم فيه.. لقد دمرتم حياة شعب عظيم صنع لكم الحضارة في يوم من الأيام.. لقد جوعتم شعب العراق العظيم.. وحرمتموه من الغذاء والدواء.. حرمتموه من النفظ ومشتقاته وهو صاحب أكبر احتياطيٍّ منه في هذا العالم!! لقد نهبتم ، وسلبتم، وقتلتم، ودمرتم، واغتصبتم، واعتديتم، وعربدتم، وشردتم، وفعلتم بأرض العراق الأفاعيل... ولكن ستُهزمون.. وسينتصر العراق العربي الواحد الموحد الماجد العظيم.. سينتصر العراق، وسيخرج الغزاة مهزومين غير مأسوف عليهم.. سينتصر العراق.. سينتصر العرب.. لن يكون للغزاة وجود في بلاد العرب وديار المسلمين.. أرض العرب للعرب.. والعرب يصادقون من يصادقهم.. ويعادون من يعاديهم.. وجمال الصحراء صبورة صبورة.. ولكنها إن غضبت أثارت النقع، وحجبت قرص الشمس، وأحالت نهار الصحراء المبصر ليلاً مظلمًا، ودمرت، وهاجمت، وافترست كالأسود الكاسرة، والنمور الهائجة...
لا مُقام لكم؛ فارحلوا.. لا تراهنوا على اتفاق هزيل لا يسمن ولا يغني من جوع.. دَعُوا الناس في هذه البلاد وشأنهم.. ثوبوا إلى رشدكم.. احترموا إنسانية الإنسان، وكرامته، وحقوقه، وحرياته، ومقدساته، وتاريخه، وثقافته.. احترموا أنفسكم.. حافظوا على أمن أجيالكم، وسلامتها... واعلموا أن كل هذا ممكن إذا عرفتم حدودكم؛ فوقفتم عندها.. وإذا توقفتم عن الجور والظلم والعدوان؛ فإن أبيتم، وأصررتم على نهجكم؛ فعلى الباغي تدور الدوائر..
30/12/2008