عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


الأربعاء، ٣١ كانون الأول ٢٠٠٨

كان فجرا اسود في تاريخنا

متابعات

كان فجرًا أسودَ في تاريخنا...

أ. عدنان السمان 

www.samman.co.nr

    قبل أن ينفّذ الحلفاء الجدد عدوانهم على العراق العربي، وقبل  أن تهاجمه قواتهم من الجو والبحر والبر، وقبل أن يصبح العراق بلدًا محتلاًّ كغيره من أراضي العرب المحتلة، وما أكثرها!! قبل هذا كله راح هؤلاء الحلفاء بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية يزعمون أن العراق قد تحول إلى ترسانة عسكرية تهدد الأمن والسلام الدوليين، وأنه يمتلك كثيرًا من أسلحة  الدمار الشامل التي باتت تهدد العالم الحر، وتشكّل خطرًا كبيرًا على دول الجوار، وأنه في طريقه لامتلاك الأسلحة الذرية إن لم يكن قد امتلكها رغم ضرب مفاعله النووي عام واحد وثمانين!!

    لقد شن كل هؤلاء بقيادة أمريكا حملات إعلامية مكثفة في حينه على العراق، كما فرضوا عليه عقوبات في غاية القسوة شلَّت كثيرًا من مرافق البلد، وأصابت كثيرًا من أوجه حياة العراقيين بأفدح الخسائر والأضرار على امتداد ثلاثة عشر عامًا قبل أن يتعرض العراق لأبشع غزو في تاريخه.. لقد كانت تلك الحملات الإعلامية مضلِّلة مفعَمة بالمبالغات والمغالطات لتسويغ العدوان الجائر على العراق العربي... وما أشبه الليلة بالبارحة! وما أشبه هذه الحملات التي تتعرض لها إيران في هذه الأيام بتلك التي تعرض لها العراق قبل فرض الحصار عليه، وقبل أن تحتله قوات الحلفاء الجدد هذه!!

     وعلى الرغم من أن الأمريكان أنفسهم يقولون اليوم صراحة إن ما روّج له إعلامهم لم يكن أكثر من مغالطات وافتراءات، بل على الرغم من اعتراف بوش وكبار أعوانه بذلك، وعلى الرغم من هذه الانهيارات الاقتصادية التي تعصف بأمريكا عصفاً منذ مدة، وستبقى كذلك مدة طويلة أيضًا، إلاّ أنهم ما زالوا هناك يقامرون بأرواح جنودهم.. لعل معجزة تنقذهم من هزيمة تحل بهم على أرض العراق.. ولعلهم يستطيعون الخروج من المستنقع الذي حشروا أنفسهم فيه بشيء من ماء الوجه.. إنهم يعيشون على الأوهام.. تمامًا كما قاموا بفعلتهم على الأوهام.. لقد زرعوا الأوهام ، ولم يحصدوا إلا الأوهام... فالعراق العربي عصيٌّ على الغزاة.. متمرس بالحروب.. بالبارود، بالنيران.. بالسيوف.. بالأهوال منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها!!

    ماذا جنى هؤلاء من عدوانهم وغزوهم لعراق العرب؟ ماذا جَنَوا وهم يقدمون على فعلتهم السوداء بحق الرئيس العراقي، وبحق المشاعر الإسلامية، والمشاعر العربية في الساعات الأولى من يوم السبت أول أيام عيد الأضحى في الثلاثين من كانون الأول من العام السادس من هذه الألفية الثالثة؟ ماذا جَنَوا غيرَ الكوارث والموت والدمار وتشريد شعب العراق؟ ماذا جنى هؤلاء غير الكراهية والعداء الذي من الصعب أن يهدأ أواره لسنوات طوال قادمة؟ هل كانوا يتوقعون أنهم بفعلتهم تلك سيُلقون الرعب في قلوب الناس .. وأنهم سيصولون، ويجولون في أرض العراق العربي كما يشتهون، وكما يحلو لهم؟ هل كانوا يتوقعون أن يستسلم لهم الناس في عراق العروبة والإسلام، وأن يتسابقوا لتقبيل أعتابهم أمام المنطقة الخضراء التي حبسوا أنفسهم فيها مع كل أعداء العرب والمسلمين؟؟

    لقد مضى عامان على فعلتكم تلك، فماذا كانت النتيجة؟ لقد كانت مزيدًا من الهزائم.. ومزيدًا من تخبط جنودكم وقادتكم في المستنقع الذي حشروا أنفسهم فيه.. لقد دمرتم حياة شعب عظيم صنع لكم الحضارة في يوم من الأيام.. لقد جوعتم شعب العراق العظيم.. وحرمتموه من الغذاء والدواء.. حرمتموه من النفظ ومشتقاته وهو صاحب أكبر احتياطيٍّ منه في هذا العالم!! لقد نهبتم ، وسلبتم، وقتلتم، ودمرتم، واغتصبتم، واعتديتم، وعربدتم، وشردتم، وفعلتم بأرض العراق الأفاعيل... ولكن ستُهزمون.. وسينتصر العراق العربي الواحد الموحد الماجد العظيم.. سينتصر العراق، وسيخرج الغزاة مهزومين غير مأسوف عليهم.. سينتصر العراق.. سينتصر العرب.. لن يكون للغزاة وجود في بلاد العرب وديار المسلمين.. أرض العرب للعرب.. والعرب يصادقون من يصادقهم.. ويعادون من يعاديهم.. وجمال الصحراء صبورة صبورة.. ولكنها إن غضبت أثارت النقع، وحجبت قرص الشمس، وأحالت نهار الصحراء المبصر ليلاً مظلمًا، ودمرت، وهاجمت، وافترست كالأسود الكاسرة، والنمور الهائجة...

    لا مُقام لكم؛ فارحلوا.. لا تراهنوا على اتفاق هزيل لا يسمن ولا يغني من جوع.. دَعُوا الناس في هذه البلاد وشأنهم.. ثوبوا إلى رشدكم.. احترموا إنسانية الإنسان، وكرامته، وحقوقه، وحرياته، ومقدساته، وتاريخه، وثقافته.. احترموا أنفسكم.. حافظوا على أمن أجيالكم، وسلامتها... واعلموا أن كل هذا ممكن إذا عرفتم حدودكم؛ فوقفتم عندها.. وإذا توقفتم عن الجور والظلم والعدوان؛ فإن أبيتم، وأصررتم على نهجكم؛ فعلى الباغي تدور الدوائر..

 

30/12/2008

الاثنين، ٢٩ كانون الأول ٢٠٠٨

 

متابعات 

غزة تستغيث.. فهل من مغيث؟؟

 

أ. عدنان السمان

www.samman.co.nr

    إلى المجتمع الدولي بأسره.. إلى الاتحاد الأوروبي شعوبًا وحكومات ومنظمات وجمعيات.. إلى كل الرافضين كافة أوجه العدوان على الشعوب من أحرار هذا العالم.. إلى السياسيين والمثقفين والمفكرين والأكاديميين والصحافيين المؤمنين بالعدل  والعدالة وحقوق الإنسان بعيدًا عن اللون والجنس والدين واللغة والمذهب السياسي في هذه الدنيا دون استثناء.. إلى هيئة الأمم المتحدة بجمعيتها العامة، ومجلس الأمن ممثلة بأمينها العام، ورؤساء الوفود، وإلى كافة الوكالات المتخصصة المتفرعة عن هذه الهيئة.. إلى الجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي.. إلى كافة القوى والمنظمات والأقطار الصديقة التي تناصر القضية الفلسطينية.. إلى كل أحرار هذا العالم وشرفائه وقواه التقدمية المؤيدة لحق الشعوب في الحياة والحرية والتحرر والاستقلال والسيادة الوطنية والعيش الكريم... غزة تغرق في بحر من دماء أبنائها.. غزة تغرق في الظلام.. بيوت غزة تحترق، ومشافي غزة تحترق، ومساجد غزة تحترق..أطفال غزة يحرقون، وشباب غزة يموتون.. نفد الدواء، والمرضى يموتون تباعًا، ونفد الغذاء وحليب الأطفال أيضًا.. شيوخ غزة يموتون.. دماؤهم تروي أرض غزة.. شيوخ غزة يموتون، وأطفالها، ونساؤها... غزة تبكي.. غزة تشيّع شهداءها.. تدفن موتاها.. الناس في غزة يموتون قصفًا وجوعًا وعطشًا ورعبًا وبردًا وحصارًا خانقًا قاتلاً رهيبًا يا كل هذه الدنيا... غزة تموت يا هذا الكون دون أن يلتفت إليها أحد.. غزة تستغيث دون أن يلبي استغاثتها مغيث... غزة تناديكم يا عرب؛ فلبّوا نداءها!! غزة تستغيث بكم، فأغيثوها!! غزة تصرخ موتًا.. تصرخ رعبًا.. تصرخ ألمًا.. تصرخ جوعًا.. تصرخ قهرًا؛ فأين أنتم؟ أين أنتم يا عرب؟!

   ندعو المجتمع الدولي إلى القيام بواجبه تجاه الأهل في غزة.. ندعوه إلى التحرك العاجل لوقف القصف.. وإرسال الدواء وحليب الأطفال والغذاء والمحروقات إلى غزة.. ندعوه إلى التحرك السريع لرفع الحصار عن غزة.. لإبعاد شبح الموت الرهيب عن غزة.. ندعو الأشقاء – واأسفاه- إلى فتح حدودهم مع غزة!!! ندعوهم إلى إرسال الشاحنات المحملة بالخبز بعد أن نفد الخبز من بيوت غزة! ندعوهم إلى إرسال حليب الأطفال والأدوية لشعب يموت ظلمًا وعدوانًا وحصارًا خانقًا جائرًا.. فهل في هذه الدعوة ما يريب؟ وهل هذا كثير يا عرب؟ أرسلوا شاحناتكم يا أشقاءنا في الحال، أرسلوا شاحناتكم يا أشقاءنا ، وادخلوا غزة، وارفعوا عنها الحصار.. ادخلوا غزة يا عرب، واعقدوا فيها مؤتمراتكم، واتخذوا فيها قراراتكم.. أليست غزة أرضًا عربية؟ أليست غزة أرضًا فلسطينية؟ فلماذا لا تدفعون عنها هذا العدوان يا عرب؟؟ نعم لماذا لا تدفعون عنها هذا العدوان يا عرب؟؟.

    ندعو مجلس الأمن إلى وضع حد لكل هذا الذي يحدث في غزة.. ندعو مجلس الأمن إلى العمل.. ندعوه إلى حماية شعبنا من الموت.. ندعوه إلى التدخل الفوري لحماية غزة من الموت.. وإنقاذ شعب فلسطين كله من التشرد والتمزق والمذلة والهوان .. نطالب مجلس الأمن بإرسال القوات الكافية لحماية قطاع غزة، وإنقاذه من الموت والدمار.. أهل غزة لا يريدون أكثر من وقف هذه العمليات العسكرية، ورفع الحصار، وفتح المعابر!! أهل غزة لا يطالبون بأكثر من ذلك، فلماذا لا يلبي مجلس الأمن مطالبهم هذه؟ لماذا لا يلبي مجلس الأمن مطالب الفلسطينيين في الضفة الغربية أيضًا برفع الحصار، وإزالة الجدار، والكف عن الأذى والعدوان؟ هذه هي مطالب الفلسطينيين يا هذا العالم.. فهل هي مطالب تعجيزية؟ وهل هي مطالب صعبة لا سبيل إلى تحقيقها؟ وإذا كانت المطالبة بوقف قصف المساجد والمشافي والبيوت ومستودعات الأدوية ومقار الشرطة المدنية والجامعات في غزة مطالبة صعبة لا سبيل إلى تحقيقها، وإذا كانت المطالبة بتهدئة شاملة متكافئة بين طرفي الصراع مطالبة صعبة بعيدة المنال عصيّة على التنفيذ غير ممكنة، فما هو الممكن إذن؟ هل الممكن هو كل هذا الذي يجري في غزة يا دول مجلس الأمن؟؟ وإذا كانت مطالبتنا هذه صعبة غير ممكنة؛ فكيف سنطالب بحقوقنا في الحرية والتحرر والدولة والعودة والقدس والسيادة والاستقلال وتقرير المصير؟؟

أهل غزة، وأهل الضفة الغربية لا يريدون الآن أكثر من تهدئةٍ شاملة متكافئة ملزمة.. ورفعٍ دائمٍ للحصار، وفتحٍ دائمٍ للمعابر، وكفٍّ عن الأذى والعدوان والاعتقال.. فهل هذا كثير يا عرب؟ وهل هذا كثير أيها المسلمون؟ وهل هذا كثير يا هذه الدنيا؟؟

28/12/2008


السبت، ٢٧ كانون الأول ٢٠٠٨

متابعات

في العام الهجري الجديد!!

أ/عدنان السمان

www.samman.co.nr.

    في عيد الهجرة لا بد للناس أن يتذكّروا الدعوة، وما واجهه الرسول الكريم في سبيلها من الصعاب، وإصراره (عليه السلام) على تبليغ هذه الرسالة، وأداء هذه الأمانة حتى كان له ما أراد... وفي عيد الهجرة لا بد للناس أن يعرفوا أسبابها، وأن يقفوا على مضامينها ومعانيها، ولا بد لهم أن يربطوا بين هذه الهجرة التي يحتفل بذكراها المسلمون اليوم، وقيام دولة الإسلام في المدينة المنوّرة لأول مرة في تاريخ العرب، ولأول مرة أيضًا في تاريخ هذا الكون... وفي عيد الهجرة لا بد للناس أن يوازنوا بين تلك الدولة التي أقامت العدل، وحكمت بالعدل، وأرست دعائم العدل، والعدالة، والإخاء، والمساواة بين الناس على اختلاف ألوانهم، وأديانهم، وألسنتهم.. وهذه الدول التي تستبيح دماء الناس، وأموالهم، وأوطانهم في هذا الزمن الذي يسمونه زورًا وبهتانًا زمنَ الحرية والديمقراطية، وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة أيضًا!! لا بد للناس أن يوازنوا بين دول النظام الرأسمالي هذه التي تمتصّ – أول ما تمتص – دماء شعوبها، وتقذف بهذه الشعوب إلى جحيم أهوائها وأطماعها، وتضحّي بهم على مذابح التحالفات والاعتداءات الغاشمة على الشعوب الضعيفة المسالمة في هذا العالم!!

    لا بد لنا – ونحن نستقبل هذه الذكرى – أن نحسن الموازنة بين عدالة الإسلام، وتسامح المسلمين من جهة، وهؤلاء الذين يستبيحون اليوم كل ديار الإسلام، فينهبون، ويحرقون، ويعتدون... وأمرّ من ذلك وأدهى أنهم بعد كل ممارساتهم المدانة في ديار العروبة والإسلام يتهمون المسلمين والعرب بالتطرف والتعصب والإرهاب!!

    إن هذه الأمة الإسلامية التي تحتفل في الأول من شهر محرم من كل عام بعامٍ هجري جديد تخليدًا لهذه الذكرى العطرة، وتمجيدًا لهذه المناسبة التي يهل هلالها اليوم على أمة الإسلام إنما تفعل ذلك وهي في حال من التشرذم والتمزق والضَّياع ليس من السهل وصفها، وليس من السهل تصديقها..فهذه الأمة رغم الوفرة والكثرة، ورغم أنها لم تغادر ديارها وأوطانها، إلا أنها لا تملك هذه الأوطان والديار، بل لا تملك شيئًَا من قرارها، وأمر نفسها.. وتلك الأمة، بل ذاك النفر الذي ارتحل "سرًّا " من بلدٍ ترك فيه كل ما يملك، إلى بلد ليس له فيه إلا إخوة المعتقَد.. ذاك النفر، أو تلك الأمة كانت تملك كل شيء!! كانت تملك سلاح الحق والإيمان.. كانت تملك مكة التي غادرتْها، والمدينة التي ذهبت تستقري أهلَها، وتحلُّ بين ظهرانيهم، وكانت تملك شبه الجزيرة العربية كلها، بل كانت تملك كل بلاد العرب، وما وراء تلك البلاد منذ اللحظة التي تركتْ فيها كل شيء هنا، وهاجرتْ لتقيم دولتها هناك.. أصبحت تملك كل شيء منذ اللحظة التي اعتنقتْ فيها هذا الدين، واتبعت فيها تعليمات هذا النبي الأميّ العربيّ القائد المعلم صلوات الله وسلامه عليه.. هذا النبي الذي إنما جاء ليصنع مجد هذه الأمة، ويعلي من شأنها بين الأمم، وليضمن لها – صلاة الله وسلامه عليه- سعادة الدارين، وليخرجها من الظلمات إلى النور.

    إننا – ونحن نستقبل هذه الذكرى – نقول : إن أحدًا في شبه الجزيرة لم يكن يتوقع أن يكون للعرب في يوم من الأيام كل هذا الشأن، وكل  هذه الأمجاد.. بل لم يكن ليخطر على بال أحد في هذا الكون أن يخرج العرب من شبه جزيرتهم بهذه القوة، وأن تنطلق أمة الصحراء بكل هذا العنفوان، وأن تتوحد تلك القبائل العربية المتخاصمة المتحاربة لتبني للناس هذه الحضارة العربية الإسلامية في شرق الدنيا وغربها، لتصبح الحواضر العربية الإسلامية، والمدن العربية الإسلامية مشاعل نور وهداية للبشرية.. ولتصبح دمشق عاصمة الدنيا كلها، وكذلك – واحرَّ قلباه – بغداد العروبة والإسلام.. ولتصبح كل المدن العربية، والمدن الإسلامية في بلاد الشام، والعراق ، ومصر، وشبه الجزيرة، والمغرب العربي، والأندلس، وفي بلاد المشرق الإسلامي التي لا تكاد تُحصى عددًا مراكز علم وحضارة يقصدها طلاب العلم والمعرفة من سائر أقطار الدنيا... إن أحدًا لم يكن يتوقع أن يحدث كل هذا لولا هذا الإسلام الذي وحّد العرب.. ولولا هذه الهجرة التي أقامت دولة الإسلام في مدينة الرسول الأعظم.. ولولا أولئك الرجال الأباة الذين ما انحنت هاماتهم إلا لله، فكانت لهم الغلبة، وكانت لهم العزة، وكانت لهم الدنيا التي عمروها ونشروا في ربوعها رسالة الحق والعدل والسلام.

    في هذا العام الهجري الجديد لا بد من وضع وحدة الهدف والموقف والمصير على رأس سلّم الأولويّات في سائر أقطار العروبة والإسلام.. ولا بد من العمل الفوريّ الجاد لتحقيق التكافل والتضامن والتعاون بين شعوب العرب والمسلمين في محاولة جَسورة لوضع شعار التضامن الإسلامي موضع التنفيذ العملي.. وضرورة التزام سائر أقطار العروبة والإسلام بالمواقف والقرارات النابعة من مصالح هذه الأقطار في الحرية، والتحرر ، والسيادة، والتقدم، والرِّفاء، والبناء، والإعمار...لابد أن يعود المسلمون كما كانوا أمة كريمة عزيزة مرهوبة الجانب حرة أبية.

    وفي هذا العام الهجري الجديد لا نريد أن تكون هذه الذكرى العطرة – كغيرها من مناسباتنا العظيمة – مجرد يوم عطلة رسمية تغلق فيه مدارسنا ودوائرنا أبوابها؛ فقد كره الناس هذه العطل التي لم تعد عليهم إلا بالضرر والخسران... في عيد الهجرة – وفي غيره من أعيادنا – نريد عملاً، وجهدًا مضاعفًا.. نريد علمًا ومعرفة..  نريد رجولة وصلابة في المواقف.. نريد تشبُّثًا بالحقوق .. نريد عزّةً وكرامة.. نريد وحدة في المواقف والمشاعر وفي الغايات والأهداف.

وفي هذا العام الهجري الجديد لا ننسى أن نشد على أيدي كافة الأُباة الأحرار الكرام في سائر ديار العروبة والإسلام، ولا ننسى أن نشيد بمواقف أنصار الحق والعدل والحرية في كافة أنحاء هذا العالم.وكل عام وانتم بخير

 

26/12/2008

   

  


الأربعاء، ٢٤ كانون الأول ٢٠٠٨

متابعات

كلمات.. في الانتخابات والتعيينات

أ. عدنان السمان   

www.samman.co.nr

في الأول من هذا الشهر، وفي هذا المكان كتبتُ مقالة تحت عنوان (كلام.. في عملية السلام) واليوم أكتب شيئًا قريبًا من ذاك في هذه الأيام التي يحمل فيها هذا العام عصاه ليرحل.. إنه كلام.. في العملية الانتخابية التي أصبحت حديث الناس، وشغلهم الشاغل في هذه الديار. صحيح أن آلامنا في هذا الجزء في العالم تفوق الخيال، وتجلّ عن الوصف، وصحيح أن كل ما في الدنيا من انتخابات لا يمكن أن تضع حدًّا لهذه الآلام، ولكنْ صحيح أيضًا أن الانتخابات حق من حقوق هذا الشعب، بل حق من أبسط حقوق هذا الشعب، وهذا يعني أن تُجرى الانتخابات بكل أشكالها، وأسمائها، ومسمياتها، ومستوياتها في مواعيدها المحددة دون إبطاء، أو تأخير، أو تأجيل.

قد يقول قائل: إن التعيين يأتي في كثير من الأحيان بأناس على جانب عظيم من الكفاءة، والمقدرة، والتحلي بروح المسئولية، والإخلاص للوطن، والوفاء للمواطن.. وقد يقول قائل: إن الانتخاب تأتي في بعض الأحيان، أو في كثير من الأحيان بأناس على نقيض ذلك تمامًا.. وفي تاريخ هذا البلد نماذج كثيرة تشهد على ذلك، ولا حاجة بنا لضرب الأمثلة، وذكر الأسماء، فهذا ليس من حقنا.

وما من شك في أن ما يقوله هذا القائل أو ذاك صحيح.. ولكن هل نستطيع أن نحتجّ بذلك؛ فنعمد إلى وقف العمل بمبدأ الانتخاب، لنعمل بمبدأ التعيين؟ وهل نستطيع أن نصرّح بهذا أمام شعوب أوروبا وحكوماتها، وأمام الأمريكيين الذين انتخبوا بالأمس القريب برّاك حسين رئيسًا لهم؟ وهل نستطيع أن نصارح بذلك شعبنا بكل فئاته، وتياراته، ومستوياته، وأحزابه، ومثقفيه؟ هل صحيح أن بإمكاننا أن نجري الانتخابات متى نشاء، وأن نجمدها، ونوقف العمل بها متى نريد، لنعيّن من نشاء، ونعزل من نشاء؟ ومن نحن حتى نفعل هذا كله؟ ومن نحن حتى نلغي حقًَّا ونهجًا بدئ العمل به منذ عهد بني عثمان في كثير من مدن هذه البلاد دون أن يفكر أحد في إلغائه؟

وإذا كان هنالك من يفكر في التعيين، ويجنح إليه بدلاً من الانتخاب لهذا السبب أو ذاك، ولهذه الغاية أو تلك، فليقل للناس كيف من الممكن أن يتم ذلك، وليدلهم (مشكورًا) على الفرد أو الأفراد، وعلى الجهة أو الجهات التي تملك هذا الحق، وتملك حق العمل به!!

أغلب الظن أن أحدًا لا يملك حقًّا كهذا وأغلب الظن أن إجراء الانتخابات هو الإجراء السليم لوضع النقاط على الحروف في كثير من قضايا هذا الوطن، ولحل كثير من مشكلاته، وكثير من أزماته، ولوضع حل لكثير من القضايا الخلافية التي فجَّرتْ كثيرًا من المشكلات والصراعات والانقسامات التي عصفت بالوطن والمواطن، وأتت على كثير من القيم، والمثل العليا، والثوابت والأخلاقيات، والجماليات التي آمن بها هذا الشعب، وتغنى بها وأحبها، وأضحت جزءًا لا يتجزأ من نسيجه الاجتماعي، وتكوينه الفكريّ، والثقافيّ، والنفسيّ، غير القابل للتغيّر والتبدّل بتغيّر الأزمنة، وبتغيّر الوجوه، وتغيّر الظروف والأحوال.

وإذا كان الأمر كذلك فلابد من البدء في الحال للتحضير بأقصى سرعة لإجراء الانتخابات البلدية في تلك المدن والقرى السبعين التي أجريت فيها الانتخابات البلدية في مثل هذا اليوم (الخامس والعشرين) من العام (2004) على أن تجرى الانتخابات لاحقًا في تلك المدن والقرى التي أجريت فيها الانتخابات في 5/5/2005، ثم في تلك التي أُجريت الانتخابات فيها بتاريخ 15/12/2005، وهكذا إلى أن تجرى هذه الانتخابات البلدية في سائر مدن الوطن وبلداته وقراه دون أدنى استثناء، وفي المواعيد والتواريخ المحددة.

ولعل من الضروري، ونحن نتكلم في موضوع الانتخابات أن نشير إلى أن انتخابات المجلس التشريعي كانت قد أجريت بتاريخ (25/1/2006) وأن الانتخابات الرئاسية قد أجريت بتاريخ (9/1/2005).

بقي أن أقول إن المنتخَبين يستمدون الشرعية من الناس الذين ينتخبونهم، أما المعينون فيستمدونها ممن عيّنهم.. والفرق بين الأمرين كبير؛ فالشعوب هي التي تمنح الشرعية، وتمنح القوة، والشعوب أيضًا هي التي تصنع التاريخ وتكتبه...

22/12/2008


متابعات

مبارك وليفني ..ولقاءات الخميس!!

أ. عدنان السمان   

www.samman.co.nr

 

تسيبي ليفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية زعيمة حزب كديما المرشح للفوز في الانتخابات الإسرائيلية القادمة تُجري في القاهرة (يوم الخميس 25/12/2008 ) لقاءات مكثفة مع الرئيس المصري حسني مبارك، ووزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط، وعدد من المسئولين المصريين... ليفني التي كانت قد طلبت لقاء الرئيس المصري تريد حلاًّ لهذا الوضع المتفجّر في قطاع غزة، والضفة الغربية بعد كل هذه التعقيدات والأزمات التي سبّبها ويسبّبها هذا الوضع المتفجر لإسرائيل، وبعد كل هذا التوتر المشوب بالقلق الشديد محليًّا وعربيًّا ودَوليًّا جرّاء احتمالات التصعيد التي تتهدد هذه المنطقة من العالم بنتائج كارثية لا تحمد عقباها على الإسرائيليين والفلسطينيين، وعلى كثير من الأنظمة العربية، وعلى العلاقات العربية العربية التي تتأثر كثيرًا أو قليلاً بما يجري على أرض فلسطين بعامة، وعلى أرض القطاع بخاصة من حوادث وأحداث.

 

ليفني تريد حلاًّ لوضع معقّد متفجر خطير كانت السياسة الإسرائيلية من أبرز أسباب نشوئه، وكانت نظريات التوسع والأمن الإسرائيلية التي أخضعت لحساباتها الصارمة، واعتباراتها ومخططاتها فلسطين كلها، ثم أقطار الجوار العربية ثم سائر أقطار العروبة والإسلام بنسب متفاوتة، وأشكال مختلفة..هذه الحسابات والمخططات التي تؤكد على حق إسرائيل المطلق في قيادة هذه المنطقة من العالم بهذا الشكل أو ذاك، وبهذه الطريقة أو تلك، وإن وجد من يعترض على ذلك فإن لها كل الحق في أن تحاربه كما تريد إلى أن يستسلم أو يبيد.

 

ولما جاءت حسابات الحقل مخالفة لحسابات البيدر، ولما أخذت الرياح تجري بما لا تشتهي سفن الإسرائيليين؛ فإنهم يحاولون اليوم –كعادتهم- أن يستعينوا (بأصدقائهم) في حل هذه المشكلات التي تواجههم هنا وهناك وهنالك على كل أرض فلسطين، وعلى كل أرض العرب، وعلى كل أرض المسلمين، وفي كل مكان من هذا العالم الذي نرى فيه اليوم من يرفع صوته مطالبًا بالحرية والخلاص والعدالة للفلسطينيين في غزة، وبالحرية والخلاص والعدالة للفلسطينيين في كل مكان من فلسطين وغير فلسطين، وفي كل مكان من ديار العروبة، وبلاد المسلمين.

 

الرئيس المصري حسني مبارك يدرك جيدًا حقيقة الأوضاع في قطاع غزة، ويدرك جيدًا مطالب أهل القطاع المتمثلة في فتح المعابر، ورفع الحصار، والالتزام بالتهدئة في قطاع غزة والضفة الغربية، والكفّ عن ملاحقة الناس والاعتداء عليهم، ويدرك جيّدًا ضرورة نجاح الحوار الفلسطيني في إنهاء حالة الانقسام، وعودة الوحدة الوطنية الفلسطينية إلى سابق عهدها.. الرئيس المصري الذي يدرك جيدًا كل هذه الحقائق، وحقائق أخرى قد لا يدركها غيره حول أوضاع الفلسطينيين في بلادهم فلسطين، وفي غير فلسطين سيبيّن لوزيرة الخارجية الإسرائيلية ما على حكومتها أن تفعله من أجل سلام حقيقي في فلسطين.. سيبيّن لها أن إحلال السلام شيء، ومجرد الحديث عنه شيء آخر، وأن السلام لا يتحقق بالكلام، ولا يتحقق بالأماني والأحلام والأوهام، ولا يتحقق بإلغاء حقوق الأطراف الأخرى، أو القفز عنها، ولا يتحقق بتجاهل الشركاء، واضطهادهم، وتجويعهم، والتنكيل بهم، وحصارهم، والاستخفاف بحرياتهم وبأرواحهم كل هذا الاستخفاف غير المسوّغ، وغير المستساغ... سيطلب الرئيس المصري حسني مبارك من وزيرة الخارجية الإسرائيلية أن يُخرج الإسرائيليون الفلسطينيين في فلسطين وخارجها من دائرة صراعاتهم السياسية، وخلافاتهم الفكرية، ودعاياتهم الانتخابية، لأن الفلسطينيين أكبر من تلك الصراعات، وأكبر من تلك الخلافات، وأكبر من كل تلك الدعايات... الفلسطينيون طلاب حق، ورقم صعب، بل الرقم الصعب الذي لا يمكن تجاهله، ولا يمكن تجاوزه، ولا يمكن القفز عنه إذا أراد المجتمع الدولي أن يتوصل إلى سلام حقيقي دائم في هذه المنطقة من العالم، وإذا أرادت إسرائيل أن تخرج من كل أزماتها، ومن كل إشكالاتها، ومن كل مظاهر الكراهية والعداء التي تحيطها بها الشعوب في بلاد العرب، وفي بلاد المسلمين، وفي كثير من بلدان هذا العالم.

 

الفلسطينيون في غزة كالفلسطينيين في الضفة الغربية، كالفلسطينيين في كل مكان من هذا العالم غالبيتهم الساحقة تؤكد على ضرورة رفع الحصار، وفتح المعابر، والكف عن كل مظاهر التسلط والعدوان، وإزالة الجدار، والانسحاب الكامل حتى حدود الرابع من حزيران وتنفيذ سائر قرارات المجتمع الدولي، والشرعية الدولية الصادرة بحق القضية الفلسطينية والفلسطينيين.

وبعد

فهل تنتصر استراتيجية السلام العادل الشامل المتكافئ الدائم الذي لا غالب فيه ولا مغلوب، والذي تعود معه الحقوق إلى أصحابها؟ وهل يتغلب الاستراتيجي على التكتيكي؟ والواقعي على الخيالي الانتخابي؟ والعملي على التوسعي ووهم الإمبراطوريات الحديثة في الشرق الأوسط الجديد؟ وهل تنجح المحاولات المصرية في رأب الصدع على الساحة الفلسطينية؟ وهل يؤتي الحوار الفلسطيني الفلسطيني ثماره في تكريس الوحدة الوطنية الفلسطينية؟ وهل تنجح هذه الوحدة معززة بالإسناد العربي، والمؤازرة الدولية في إحقاق الحقوق الوطنية المشروعة للشعب العربي الفلسطيني؟ وهل تنجح لقاءات الخميس بين الرئيس مبارك وزعيمة كديما ليفني في محاصرة الوضع المتفجر في قطاع غزة؟ وهل تتحول هذه الهدنة المؤقتة المضطربة إلى هدنة طويلة الأمد يتمكن الفلسطينيون خلالها من ترميم أوضاعهم الداخلية، والنهوض بشأنهم السياسي، وتحقيق أهدافهم في الوحدة والحرية والتحرر والاستقلال؟؟

24/12/2008


الثلاثاء، ٢٣ كانون الأول ٢٠٠٨

ناشر كتابات الأديب العربي الفلسطيني عدنان السمان يقدم :

(حكايات من زمن التيه)

هذا هو القسم الثاني من كتاب " زمن التيه" ويشتمل على أربعين عنوانًا تشكل القسم الثاني من هذا الكتاب:

4.                زواج!!     بقلم :عدنان السمان

www.samman.co.nr

 

 

    صديقُ طفولتي "جلال" يحتفظُ بكثيرٍ من الحيويةِ والنضارةِ والشبابِ رغمَ تَقدُّمِه في السنّ.. ماتتْ زَوْجُهُ منذُ مدة.. لا يرغبُ في العيشِ مَعَ أحدٍ من أبنائِه.. قادر على توفيرِ ما يلزمُ البيت.. صحتُهُ جَيّدة.. عرضَ عليهِ "أولادُ الحلالِ" أن يقترنَ بأرملةِ الحيِّ الجميلةِ التي لَزِمَتْ بيتَها، وَعَزَفَتْ عن التّفكيرِ بمتاعِ الحياةِ بعدَ وفاةِ المرحوم.

    أقنَعها أولادُ الحلالِ بأنَّ صديقي "جلال" هو الزوجُ المناسبُ الذي قد يُؤنسُ وحْدَتَها، ويبدّدُ وحشَتَها، ويخرجُها من عُزلتِها بما يتمتعُ بهِ من الحكمةِ والتجربةِ، وطيبةِ القلبِ، والمكانةِ الاجتماعيةِ، والقدرةِ على الإنفاق.

    كما قامَ هؤلاءِ أيضًا بالدَّورِ نفسِهِ في إقناعِ "جلال" بأنَّ أرملةَ الحيَّ الجميلةَ بحاجةٍ إلى رجلٍ يعيلُها، وزوجٍ يحميها، ويُعيدُ إليها الثقةَ بالنفسِ، ويبعثُ فيها حبَّ الحياةِ من جَديد.. وهذه هي طبيعةُ الحياةِ، وسُنَّةُ اللهِ في خَلْقِه.. ولنْ تجدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْديلا.

    قال جلال: ماذا يريدُ هؤلاءِ الرفاقُ مني بعد أن بلغَ الكبرُ مني مبلَغَهُ؟

    قلتُ: يريدونَ أن تعيشَ حياتَك أيُّها الصديق.

    قال: إنني أعيشُها كما أريد.. لا كما يريدون..

    قلت: الحياةُ بدون امرأةٍ ليستْ حياة.

    قال: عجيب أمرُك.. إن لَكَ في كل يومٍ رأيًا فيهِنّ!!

    قلت: أبدًا والله، إن رأيي فيهنَّ لم يتغيّرْ منذُ عرفتُهنّ.. وإنني أتّفق في ذلكَ معَ صديقنا الشاعرِ إذ يقولُ:

بِسوى المرأة عَيْشٌ لا يَسُوغْ                فَهْيَ أَصْل في ذَكاءٍ وَنُبوغْ

وأرى أَسْعَدَ شَيْءٍ في الدُّنا                  رَجُلاً واصَلَها مُنذُ الْبُلوغْ

    قال: لِلهِ دَرُّك! ولا فُضَّ فمُ شاعرنا عليّ·.. قل لي: وماذا بشأنِ أرملةِ الحيِّ الجميلةِ التي تتحدثونَ

عنها؟

    قلت: هي سيّدة جميلة حقًّا.. هاجرَ أهلُها إلى أقصى شمالِ القارةِ الأوروبيةِ منذ زمن.. وبقيتْ هنا معَ زوجها الذي رحل عنها، فأصبحت وحيدة ليس لها من معيل.. والآنَ يريدُ رفاقُكَ أن يَزُفّوها إليكَ أيها الرفيقُ المحترم.. ونصيحَتي إليكَ أن لا ترفضَ هذا العَرْضَ.. فأنتَ بحاجةٍ لزوجةٍ كهذه!

    قال: سأرى..

    وبقيتْ هذه النّخبةُ الطيبةُ من أهلِ الحيِّ تبذلُ مساعيها حتى تكَلّلتْ هذه المساعي بالنجاح.. واقترنَ العروسان..ولكن شهدَ الحيُّ في تلك الليلةِ اجتياحًا مُرعبًا.. وكانت المداهماتُ، والمصادماتُ، والاعتقالاتُ، والاغتيالاتُ، وإخلاءُ البيوتِ من سكانِها.. والقذفُ بهم في العَراءِ.. كانتْ ليلةً حالكةَ السّوادِ.. مخيفةً مرعبةً رهيبة... لم يمتْ "جلال" في تلك الليلةِ.. ولكنّه اعتزلَ الحياةَ والناسَ.. وانطوى على نفسه.. وساءتْ حالُهُ أكثر بعد أن عَرفتْ نوْبات من البكاءِ المرِّ طريقَها إليه.. لقد زرتُه كثيرًا.. وتحدثتُ إليه مُستفسِرًا عمّا جرى.. ولماذا يحدثُ كلُّ ما يحدث، وأين هي عروسُه التي زُفَّتْ إليه في ليلةِ الاجتياح تلك.. ولكنّه لم يكنْ لينطقَ بكلمةٍ واحدةٍ.. بل يبكي كالأطفالِ بكاءً يمزِّقُ القلوب..

    وفي ليلة من الليالي.. وأمام إلحاحي عليهِ، وتوسّلاتي إليه بأنْ يُجيبني عن أسئلتي واستفساراتي.. نظر إليَّ وعيناهُ مغرورقتانِ بالدمعِ وَقال:

    "أما أنا فقد انتهى أمري.. أتعرفُ ما الذي تَعنيه هذه الكلمات؟ لقد كانت الصدمةُ أقوى من مَقْدرتي على الاحتمال.. أرأيتَ كيفَ دخلوا بيتي؟ لا أحدَ يعرفُ كيفَ اختفتْ حقيبتي الصغيرةُ التي أحتفظُ بها منذ أيامِ الشباب والتي أُودِعُها فلوسي، وأَوراقي الثبوتيةَ، وكثيرًا من المستنداتِ والوثائقِ الرسميّةِ.. صحّتي الجسديّةُ في أسوأ أحوالِها.. ولم يعدْ لديَّ الحدُّ الأدنى من الرغبةِ في هذه الحياة.. والصحةُ النفسيةُ في الحضيض.. لقد خرج الأمرُ من يدي.. وفقدتُ السيطرةَ على "جلال" المهزومِ المحطّمِ الذي ينتظرُ نهايتَهُ في كل لحظة".

    قلت: هذا مرعب.. و"فلانة"؟

    قال: في اليومِ التالي لذلك الاجتياح المرعبِ، وبعد أن أصبحتِ الحركةُ ممكنةً نسبيًّا سلكتْ "فلانة" ذلك الطريقَ الجبليَّ وحيدةً (بعد أن فقدتُ القدرةَ على المشي كما ترى) متوجهةً إلى بيتِ قريبٍ لي هناك في قريةٍ خلفَ الجبلِ يعملُ مُسْعِفًا، وصيدلانيًّا، وطبيبًا، وممرضًا مَعَ عَدَدٍ من أصدقائِهِ العاملينَ في مجالِ المهنِ الطبيّةِ يُقدّمونَ العونَ للناس.. وقد حمَّلتُها رسالةً إليه.. وقد وصلتْ "فلانة"، كما وصلتِ الرسالةُ.. هل فهمتَ؟

    ثم اعتــدل "جلال" في جلستِهِ قليلاً.. وقالَ (كَالمخاطبِ نَفسَهُ) بصوتٍ خافتٍ: "مكانَكُمْ أيها المعتَدونَ الباغونَ الطامعون.. مَكانَكُمْ أيها العتاةُ السفّاحونَ.. يا مَن أرعبتُمْ الأطفالَ، وَرَوَّعْتُمْ رَبّاتِ الحِجال، ونَسَفْتُمْ كل جُسورِ الثقة، وقَتَلتُمْ كلَّ كلمةٍ طيبةٍ كان من الممكنِ أن تُقالَ لتحلَّ محلَّ كلِّ هذا الخرابِ والدَّمارِ الذي يَغشى البِلادَ والعباد... مَكانَكُمْ أيُّها المخدوعونَ اللاهثون خلفَ السَّراب.. رُوَيْدَكُمْ رويدكم.. فقد أتى يومُ الحساب.. لقد روى لنا الأجدادُ قصّةً مثيرة كانوا يسمعونها من آبائهم عن أناس كانوا يعيشون هناك خلف مغرِبِ الشمسِ بقليل، وكانوا دائمًا يرددون في ختام هذه العبارات الساخنة قولَهم:

    "لن تُفلتوا.. لن تُفلتوا من العقاب". أفهمتَ الآن؟ هل فهمت؟

    قلت: نعم.. يا جلال.. بقي أن تفهمَ أنتَ أن علاجَك ممكن.. وأنّك ستُغادرُ غدًا إلى المشفى الذي سَيتولّى أمْرَك.. وَثِقْ يا "جلالُ" أنَّنا في الحيِّ سَنَظَلُّ ننتظرُ عودتَكَ إلينا سالمًا.. على أحرّ من الجمر.

(2007)


 


الأحد، ٢١ كانون الأول ٢٠٠٨

اذهب


اذهبْ

                                                       شعر:عدنان السمان  

www.samman.co.nr               

 

اذهب فقد نطق التخلفُ والغباءُ بناظريكْ

والجهل يا مغرورُ شدَّ رحاله وهفا إليكْ

العنفُ والإرهابُ والعدوان طبعُك والغباءْ

اذهب فقد هُزمت رؤى التحشيش ، وانتصر الحذاءْ

والعارُ لفَّك أيها المعتوه، والحربُ سجالْ

قد قالها الكرْخيُّ : "والمحتل يُضرب بالنعالْ"

أنهى بها الزيديُّ يا بغدادُ عهدَ الغطرسهْ

واختطًّ للأحرار تاريخًا وأسَّسَ مدرسهْ

اذهب فقد كرهتْ شعوبُ الأرض فعلَك والخصامْ

يا لعنةَ التاريخِ .. والأوغادُ عيشُهمُ حرامْ

هذا هو الزيديُّ يا دنيا، وهذا المنتظَرْ

بالحرف جاء مقاتلاً بالنَّعل من بعد الحجرْ

لم يكترثْ هذا الأبيُّ بخصمنا يوم النزالْ

فرماه بالسبّاط زمجرَ وهو يخترق المجالْ

والعلجُ يَحني رأسه في ذلةٍ كي لا يُصابْ

والفارس الغضبان يرسلها بعزمٍ كالشهابْ

يا أمتي يا أمةَ الأحرارِ والنَّصر المبينْ

ثوري على الطغيان بئسَ العيشُ عيشُ الراكعينْ

وتمردي في عزة، ولتعزفي لحن الحياهْ

وتشبثي بالحق لا تستسلمي..إنا أُباهْ

ثوري على العدوان وامتشقي السلاح ورددي

" الله أكبر يا بلادي فوق كيد المعتدي"

ثوري على الجلاد، هذا العيشُ لا عيشُ العبيدْ

قد هلَّ عامُ النصر يا وطني..فهذا اليومُ عيدْ

بسواعد الأحرارِ والثوارِ نبني الموطنا

فالليلُ مهما طال مهما اسودَّ إنا ههنا

والكوكب السيار- يا أحرارُ- زيديُّ العراقْ

تاجٌ على هام الصحافةِ والرجولةِ يا رفاقْ

صوتٌ يجلجل في ضمائر أمتي وعقولِها

خيرٌ عميم حلَّ في عرض البلاد وطولِها

قد وحَّد العُرْبَ الأُباةَ حذاءُ هذا المنتظَرْ

ياليت شِعري أيُّ سرٍّ فيكَ؟ يا أحلى خبرْ!!

 

الأحد 14/12/2008

 



الأربعاء، ١٧ كانون الأول ٢٠٠٨

"اذهبْ"
                                                 شعر:عدنان السمان  
www.samman.co.nr  
اذهب فقد نطق التخلفُ والغباءُ بناظريكْ
والجهل يا مغرورُ شدَّ رحاله وهفا إليك
العنفُ والإرهابُ والعدوان طبعُك والغباءْ
اذهب فقد هُزمت رؤى التحشيش ، وانتصر الحذاء
والعارُ لفَّك أيها المعتوه، والحربُ سجالْ
قد قالها الكرْخيُّ : "والمحتل يُضرب بالنعال"
أنهى بها الزيديُّ يا بغدادُ عهدَ الغطرسهْ
واختطًّ للأحرار تاريخًا وأسَّسَ مدرسه
اذهب فقد كرهتْ شعوبُ الأرض فعلَك والخصامْ
يا لعنةَ التاريخِ .. والأوغادُ عيشُهمُ حرام
هذا هو الزيديُّ يا دنيا، وهذا المنتظَرْ
بالحرف جاء مقاتلاً بالنَّعل من بعد الحجر
لم يكترثْ هذا الأبيُّ بخصمنا يوم النزالْ
فرماه بالسبّاط زمجرَ وهو يخترق المجال
والعلجُ يَحني رأسه في ذلةٍ كي لا يُصابْ
والفارس الغضبان يرسلها بعزمٍ كالشهاب
يا أمتي يا أمةَ الأحرارِ والنَّصر المبينْ
ثوري على الطغيان بئسَ العيشُ عيشُ الراكعين
وتمردي في عزة، ولتعزفي لحن الحياهْ
وتشبثي بالحق لا تستسلمي..إنا أُباه
ثوري على العدوان وامتشقي السلاح ورددي
" الله أكبر يا بلادي فوق كيد المعتدي"
ثوري على الجلاد، هذا العيشُ لا عيشُ العبيدْ
قد هلَّ عامُ النصر يا وطني..فهذا اليومُ عيد
بسواعد الأحرارِ والثوارِ نبني الموطنا
فالليلُ مهما طال مهما اسودَّ إنا ههنا
والكوكب السيار- يا أحرارُ- زيديُّ العراقْ
تاجٌ على هام الصحافةِ والرجولةِ يا رفاق
صوتٌ يجلجل في ضمائر أمتي وعقولها
خيرٌ عميم حلَّ في عرض البلاد وطولها
قد وحَّد العُرْبَ الأُباةَ حذاءُ هذا المنتظَرْ
ياليت شِعري أيُّ سرٍّ فيكَ؟ يا أحلى خبر!!
الأحد 14/12/2008

الثلاثاء، ١٦ كانون الأول ٢٠٠٨

 ناشر كتابات الأديب العربي الفلسطيني عدنان السمان يقدم :

(حكايات من زمن التيه)

هذا هو القسم الثاني من كتاب " زمن التيه" ويشتمل على أربعين عنوانًا تشكل القسم الثاني من هذا الكتاب:

3.           حُلُم      بقلم :عدنان السمان

www.samman.co.nr

    غلبه النعاس، فنام ساعة بعد أن انتصف الليل.. شعر بعدها أنه على عتبات الفجر، أو ربما بعد طلوع الشمس بقليل أو كثير.. استيقظ في أعماقه ذلك الولد ابن الثالثة عشرة عندما كان يرى فتاته ابنة الحادية عشرة، فتغلي في عروقه الدماء تلفح وجهه، حتى تضيع من قدمه الطريق أو تكاد، فيعود أدراجه إلى البيت الذي غادره لتوه تاركًا خلفه أصوات النسوة يغنين أغنيات الفرح والسرور والحبور، ورنات الزغاريد التي تملأ المكان، والزمان، والسمع، والبصر، والفؤاد، والوجدان في ذلك المساء العذب الراقص النشوان... يعود إلى البيت ليكتب كلمات لم يكتب مثلها من قبل .. عن حياة لم يسبق له أن عاشها.. ومشاعر وأحاسيس تتفجر في عروقه الغضة.. ويضيق بوقعها قلبه الصغير... ثم يخرج ليعود، ويعود ليخرج مسجِّلاً مشاعره، وخلجات قلبه في ذلك المساء الساحر الفتان.

    دار الزمان دورته، ودار، ثم دار.. كل شيء قد تغير.. يا للَهول يا لسخرية الأقدار!! .. لقد ذهبوا.. نعم ذهبوا.. ذهب الكبار.. كبر الصغار، عركتهم الحياة.. أنشبت فيهم مخالبها.. عضتهم بأنيابها.. لوحت وجوههم الشموس، وحفر الزمن فيها أخاديده، وترك عليها بصماته التي لا تمحى.. وبقي هكذا محلِّقًا في سماء الذكريات، وفضاءاتها الرحبة البعيدة حتى توقفت السيارة..

    توقفت في المكان الذي تتوقف فيه كل يوم.. أحس أنها هناك تملأ المكان رصاصًا ودخانًا وقذائف.. وصراخًا.. لم يرغب في المواجهة.. بل فضل أن تأخذ فرصتها الكاملة في شرح موقفها والدفاع عنه... تابع السير في ذلك الجو العاصف حتى نهاية الشارع الذي كان يؤدي فيما مضى من أيام إلى اسمين كبيرين لحاضرتين عرفهما أهل هذه الديار منذ الصغر ثم تغيرت الحال، وتبدلت الأحوال .. وأصبح الأمر كله – مثل كثير غيره – من الماضي الذي كان .. وأصبح الناس هنا جزءًا من المشكلة.. رافضين أن يكونوا جزءًا من حل تُنسج خيوطه هناك بعيدًا في دوائر الخصوم.. وقد يكونون في يوم ما جزءًا من حل، وربما كانوا الحل في الآتي من الأيام.. من يدري؟.. فكل شيء ممكن في هذا الكون الأحدب حسب أقوال التاريخ، وإفادات الجغرافية... وهناك - في نهاية الشارع حيث يُطل الناس على مَعلَم بارز من معالم النكبة، وأثر من آثارها الكثيرة المنتشرة هنا وهناك وهنالك- توقف قليلاً لبعض شأنه.. ثم عاد أدراجه ليواجه العاصفة الماطرة القادمة من الغرب حتى فقد إحساسه بوجوده، وفقد الصلة بالمكان حتى خيل إليه أنه يرى كل شيء للمرة الأولى.. وبعد مدة لم يستطع تحديدها قادته قدماه بوعي أو بدون وعي إلى المكان الذي اعتاد التوجه إليه منذ مدّة ليسمع ما يسمع هناك من الكلمات الأمينة الصادقة.. وليشعر بغير قليل من الدفء والارتياح والسعادة.. وليغمض عينيه المسهدتين حتى يصبح عاجزًا عن التمييز بين الحقيقة والخيال.. وحتى يفقد الإدراك أفي يقظة هو أم في منام.. مستسلمًا لسلطان الخيال الآسر بعض الوقت..

    قلّبتْ طرْفها في الصور.. حدّقتْ فيها مليًّا.. الصور السوداء أرهقت اللوز الأخضر قبل تفتّح أزهاره.. ففتر، ولم تسترخ الأهداب المتمردة.. ورفرف الطائر الحزين، فتوهجت في الهزيع الأخير من الليل الشمس، وفي ذروة العاصفة الهوجاء... لست من خريجي مدرسة فرويد، ولا من تلاميذ ماركس النجباء.. أحسست بوهج الصيف يشتد ويشتد.. ورفرف الخافق المعذب بشدة لم أعهدها من قبل..فشعرت بالخوف.. وتراقصت أمام ناظريّ السيوف المشرفية .. ورأيت العواطف مشدودة من شعرها مصلوبة على جدار مبنى وزارة التموين.. وكررت في ذهول: هذه مصيبة.. وأدركت أن الموت حق، وإن اختلفت الأسباب وتعددت: من قذيفة مباشرة، أو مروحية هجومية، أو سيارة مفخخة، أو رصاصة متفجرة، أو خنجر مسموم من خناجر أبي لؤلؤة المجوسي!!

    سر قصيدتي المطوَّلة ما زال محفوظًا.. ما زالت القصيدة تعيش في ضوء القمر تسبح هناك مع الأسماك الجميلة الملونة الناعمة.. أحسست أن الأرض البكر تبقى مجدبة حتى تُستثمر.. ورأيت في الوجه الملتهب حمرة الورد.. حدائق الورد.. غابات الورد الأحمر، وأشجار الصنوبر.. هل حقًّا ما أرى؟

    رأيت كثيرًا من الممثلات البارعات .. والطيور اللاهيات اللاهيات.. ورأيت في ذلك الحلم جموع الصيادين يبحثون عن العصافير الجميلة، يتعقبونها بإصرار.. صيادو اليوم يرمون الحَبَّ للعصافير، فهل رمى ذلك الغبيّ حبّه؟ لا أظن ذلك فالعبد لا يحسن إلا الحلب والصرّ.. (وأبو الدلايل).. ذلك الغبي لا يتقن – إن أتقن شيئًا- إلا الوقوف في بيوت الأجر يتقبل العزاء - ممن  هم على شاكلته من الأغبياء - في بيت يحاول فيه بث سموم الكراهية، ونشر ثقافة التخلف والغباء.. وتمثلتُ قول الشاعر:

فلأغادر هذا "المكان" وأمضي          بسلام إني كرهت البقاءَ!

 وهوى حجر إيليا أبي ماضي الصغير من السد الذي انهار في الحال.. حزنتُ كثيرًا لما أصاب ذلك السد بعد مغادرة الحجر مكانه.. إنني معروف بمحبتي الشديدة للسدود، وبحرصي الشديد عليها من الانهيار.. ومعروف كذلك باحتقاري للأغبياء التافهين المغرورين الكاذبين.. رأيت (محمد الحاج) وهو يعدو في الطريق، ويلوح بيديه، وكان يصيح محذِّرًا منبِّهًا: حية التبن.. إنها خطرة.. احذرها يا صديقي.. أشعر بقرف غير مسبوق ليس عليه من مزيد.. لقد ضاع الحلم.. وانتهى كل شيء كما بدأ..

 

 (5/2/2007م)

 


متابعات

تحية إلى المعلم الفلسطيني في عيده ..

أ‌.       عدنان السمان

www.samman.co.nr

 

    في الرابع عشر من شهر كانون الأول من كل عام، يحتفل المعلمون في هذه الديار بواحدة من أبرز المحطات في تاريخهم النضالي الطويل الذي يخوضونه منذ عشرات السنين ضد الجهل والجوع والتحكم، وكل محاولات التدخل في العملية التربوية ، لحمايتها من عبث العابثين ، وعدوان المعتدين.. هذا اليوم الذي أسماه بعضهم "يوم المعلم" وأطلق عليه بعضهم الآخر "عيد المعلم"، هو اليوم الذي اقتيد في ليله الماطر البارد العاصف عشرات المعلمين من مختلف مناطق البلاد للاستجواب والتحقيق... مورست بحقهم مختلف أنواع الإهانات، والاستخفاف بمطالبهم العادلة.. كما وجهت إلى كثير منهم صنوف التهديدات إن هم عادوا للمطالبة بشيء مما يُسمى "حقوق المعلم" !! وعلى الرغم من صنوف الأذى والعدوان التي تعرّض لها كثير من المعلمين بعد ذلك.. وعلى الرغم من ألوان التدخل المضاعف الذي تعرضت له العملية التربوية ، واستهدف مدارسنا، وطلبتنا، وكثيرًا من معلماتنا ومعلمينا، إلا أن أحدًا لم يقف إلى جانب المعلمين كما ينبغي .. ولم يسمع المعلمون أكثر من بعض عبارات التأييد، أو التضامن، أو التعاطف الخجول الذي ما تجاوز الشفاه.. وإن تجاوزها أحيانًا مات في المسامع الصماء، أو قبل أن يصل تلك المسامع.. وليت الأمر قد توقف عند هذا .. فلقد راح بعضهم يوجّه للمعلمين ، وحركتهم، ومطالبهم أسوأ عبارات النقد، والتشهير، والتجريح، وعلى الرغم من الإنجازات التي تمكن المعلمون من تحقيقها في ذلك العام التاسع والسبعين من القرن الماضي إلا أن ما حققه بعضهم لنفسه من مكاسب شخصية كان كبيرًا أيضًا، بل لعله كان أكثر من مستهجن، وأكثر من محبِط في بعض الأحيان.. ومع ذلك فقد حاصر المعلمون آنذاك كثيرًا من التوجهات الضارة ، وتجاوزوا كثيرًا من السلبيات التي كانت تستهدف العملية التربوية.

    وباختصار، فقد تمكن المعلمون في أواخر ذلك العام، وفي الأسابيع القليلة الأولى من العام ثمانين وتسعمئة وألف من تحقيق بعض المكاسب المادية، وإدخال بعض التحسينات على رواتبهم الهزيلة.. أما المكسب الكبير الذي حققته تلك الحركة التي نحتفل اليوم بذكراها التاسعة والعشرين فقد كان التأكيد مجددًا على حماية العملية التربوية، والمناهج المدرسية، والمؤسسات التعليمية من عبث العابثين ، وتدخل المتدخلين، وتطفلهم، وفرض الوصايات على المعلم، والمتعلم، والعامل في حقل التعليم .

    وباختصارٍ أيضًا، فقد أثبت المعلمون وجودهم، واستعرضوا جانبًا من قوّتهم، فازدادوا قوة أدركت سرها سائر الأطراف التي كانت تراقب الموقف عن كثب، لفعل ما تراه مناسبًا بحق هذه الشريحة التي تحركت، فأثّرت ، وأحرجت أكثر من طرف ، وحققت أكثر من إنجاز على الصعيدين الخاص والعام، وعلى المستويين التعليمي والسياسي .

    لم يطالب المعلمون في ذلك الحين بعطلة أسبوعية من يومين، بل طالبوا بتدريس ساعتين إضافيتين دون أي مقابل في صباح يوم الجمعة من كل أسبوع، وقد نفّذ كثيرٌ منهم هذا الإجراء!! كما قام بعضهم بإعطاء الطلبة ساعةً قبل بدء اليوم الدراسي ، وساعة بعد انتهاء الدوام المدرسي.. ولسنا بحاجة لذكر ما قام به كثير من المعلمين في العام ثمانية وثمانين  عندما كانت الانتفاضة في أوجها.. لقد فتح كثير من الناس بيوتهم لممارسة التعليم الشعبي.. وخاض المعلمون غمار تلك الحرب بقوة، وتمكنوا من تحويل كثير من البيوت والمساجد والمنتديات والجمعيات إلى مدارس خلال ساعات معينة، وفي أوقات محددة من النهار تمامًا كالمدارس.. وكانت الأمور تسير سيرًا طبيعيًّا أو شبه طبيعي لأن أولئك الذين أزعجتهم هذه الخطوة كانوا يلاحقونها، ويتعقبون نشطاءها ،  وكانوا لها بالمرصاد... إنني مع المعلم في كل ما يطالب به  .. ولكنني لست معه في هذا المشهد المحزن.. مشهد طلبتنا وهم يعطلّون يومين، وقد يعطلون يومين آخرين احتجاجًا وإضرابًا لهذا السبب أو ذاك، وهم يعطلون أيامًا وليالي  في عيد الفطر بعد شهر كامل من التعليم الجزئي، وأيامًا وليالي في عيد الأضحى، وعيد المرأة، وعيد العمال، وعيد الاستقلال، وأعياد أخرى كثيرة نعدّ منها ولا نعدّدها!! يضاف إلى هذا كله عطلةٌ صيفية من ثلاثة أشهر بالكمال والتمام .

     وإذا سألت عن عدد الأيام الدراسية التي نفّذها المعلمون في العام الدراسي، أو الفصل الدراسي وجدت أنها لا تشكّل إلا نسبة ضئيلة من عدد أيام السنة... إنها لا تكفي لإنهاء منهاج، وفهم مقرر، والارتقاء بجدارة إلى صف جديد أو مرحلة جديدة ، وكيف يمكن أن يكون عامًا دراسيًّا هذا الذي لا يكاد عدد أيامه يبلغ مئة وخمسين يومًا في أحسن الأحوال؟؟

   الناس مع المعلم  شريطة أن يتعلم الطلبة.. وأن يسلك الطلبة سلوكًا حسنًا في المدرسة والبيت والشارع.. وشريطة أن تزور مدارسنا لجان متخصصة فتنشر تقارير مُطَمْئِنَةً عن سير العملية التربوية التعليمية في هذه المدارس، وشريطة أن نكون جميعًا : مربين ، ومسئولين ، وأولياء أمور القدوة الحسنة لطلبتنا الذين نريدهم أن يكونوا – حقًّا وصدقًا – درع هذه الأمة ، وحماة هذه الديار ، وتحية إلى المعلم الفلسطيني في عيده .

10/12/2008م


الأحد، ١٤ كانون الأول ٢٠٠٨

ناشر كتابات الأديب العربي الفلسطيني عدنان السمان يقدم :

(حكايات من زمن التيه)

هذا هو القسم الثاني من كتاب " زمن التيه" ويشتمل على أربعين عنوانًا تشكل القسم الثاني من هذا الكتاب:

2.               غرور      بقلم :عدنان السمان

www.samman.co.nr

 

    قالت: ألا ترى ما أرى؟

    قلت: وماذا ترين؟

    قالت: أن هذا الوطن قد ضاع، وأن هذا الشعب قد شبع موتًا..

    قلت: ما كل هذا التشاؤم؟

    قالت: إنها الحقيقة.. انظر.. إنه يكذب ويكذب، ولا يمارس إلا الكذب في كل ما يقول ويفعل.. وهو يزوّر ويجهد نفسه في التزوير مستخفًّا بعقول الناس حتى تصبح حياته كلها تزويرًا في تزوير.. لقد تعددت شخصياته، واضطربت مسلكياته، وأصبح أمره عجبًا.. لا يرى في هذه الدنيا إلا نفسه.. ولا يكف لحظة عن التغني بأمجاده، والحديث الذي لا ينتهي عن صولاته وجولاته... أي مهووس كاذب مخادع هذا المسخ يا رجل؟

    قلت: وما علاقة هذا بالوطن الذي ضاع، وبالشعب الذي شبع موتًا كما تقولين؟

    قالت: إن مثل هذا المغرور مستعد لفعل كل شيء من أجل إرضاء غروره، وإشباع نزواته التي من الصعب إشباعها، وإنه ومن هم على شاكلته من الحمقى والمخدوعين وعبيد الذات الجبناء من كافة الفئات والمستويات مستعدون لخدمة من يعزف لهم على أوتار ضعفهم ونقصهم وأطماعهم التي تفوق حدود الخرافة والوقاحة لتلامس جدران الخطورة التي تتهدد الوطن والمواطن.. إنهم مطايا لكل من ركب، ولكل من سيركب أيضًا! يسخرهم الأسياد لتدمير المجتمع بمهاجمته كالفيروسات على هذا الموقع، أو تلك الجبهة.. والتنقل به من كارثة إلى كارثة، ومن نكبة إلى نكبة، حتى يتم تدميره في النهاية سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا وفكريًّا.. وحتى يتم تخريبه من الداخل على أيدي هذا النفر من أبنائه.. والآن أفهمت؟ وهل توافقني على ما أقول؟

    قلت: إنك تسيئين الظن بالناس، وتبالغين في تقدير الأمور، وتحليل الأحداث والشخصيات وإصدار الأحكام عليها.. وتسرفين بذلك على نفسك، وعلى غيرك أيّما إسراف.

    قالت: ألا ترى معي أن التافهين المغرورين من سقط المتاع هم أكثر استعدادًا من غيرهم لمناصبة مجتمعهم العداء، ولضربه بالطريقة التي يحددها الخصوم والأعداء؟

    قلت: ليسوا سواء.. وليسوا وحدهم.. ويتوجب على المجتمع إصلاحهم وعلاجهم وانتشالهم من الضياع والسقوط قبل محاسبتهم ومعاقبتهم.. إنهم ضحايا أولاً وقبل كل شيء.. أتفهمين؟

    قالت: ماذا تتوقع أن يحدث عندما يصبح هؤلاء في موقع المسئولية والتأثير على صنع القرار وصانعيه؟ وعندما يصبحون القدوة للأطفال وللبسطاء من الناس...؟ أين هو المجتمع الذي تتحدث عنه، وكيف سيصلح مجتمع مقموع بائس هؤلاء الجامحين الذين أصبحوا نجومًا في ليالي الهزائم المظلمة؟

    قلت: لا تستخفي بهذا المجتمع.. ولا تستصغري شأنه.

    قالت: ولماذا إذن كل هذا التراجع الذي يصل حافة الانهيار في كافة أموره وأحواله؟

    قلت: إنها الضغوط التي تمارسها قوى الضلال والعدوان في هذا العالم عليه كي يستسلم ويرضخ.

    قالت: وهذا الذي يملأ الدنيا جعجعةً وهذيانًا، ولا يكفّ عن التغني بعظمته وأمجاده بسبب وبدون سبب؟

    قلت: إن كان كذلك فهو صادق.

    قالت: وإن لم يكن كذلك؟

    قلت: وما شأنك أنت؟ دعيه وشأنه، ولا تسّبحي أنت بحمده.. أو فسبّحي إن شئت.. هذه ليست قضية.

    قالت: والأكاذيب التي يقرع بها رؤوسنا، والأفلام المحروقة التي يزكم بها أنوفنا؟

    قلت: أوهن البيوت!

    قالت: أما من مرجعية؟

    قلت: بلى يا صبية.

    قالت: وأين هي؟

    قلت: الحقيقة دائمًا تفرض نفسها في  النهاية، وتسطع كالشمس لا تحجب بالغِربال.

    قالت: وأين الحقيقة؟

    قلت: وعين الرضى...

    قالت: أهكذا هم الناس في هذا الكون من حولنا؟

    قلت: كثير من الزعماء والمشاهير في هذا العالم الذي تتحدثين عنه هم من صنع الإعلاميين، وأجهزة الإعلام التي ألّهتهم، وسبّحت بحمدهم، حتى أوصلتهم حدود الأساطير بعد أن وقعت في أحابيلهم.. وربما عن قصد وسبق إصرار.. لست أدري.

    قالت: والكذابون التافهون المهزوزون..ماذا يريدون من الناس؟

    قلت: يبنون أمجادًا وقصورًا في الهواء بحجم الخوف الذي يسكنهم، وبحجم شعورهم الدفين بالمهانة والخواء.

    قالت: أما لهذا التيه من نهاية؟

    قلت: في انتظار المعجزة.

    قالت: وهل ستأتي؟

    قلت: ربما.

    قالت: وأمانينا وتمنياتنا؟

    قلت: وما نيل المطالب...

(2007)