عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


الأربعاء، ٣٠ أيلول ٢٠٠٩

في السّفر الذي كان.. بين نابلس وعمّان!!

متابعات

في السّفر الذي كان.. بين نابلس وعمّان!!

أ‌.       عدنان السمان

www.samman.co.nr

    لم يبق أمام نابلس بعد عام ثمانية وأربعين إلا أن تتحرك صوب جنين شمالاً، وصوب طولكرم وقلقيلية غربًا.. أما جنوبًا فقد كثّفت تحركها صوب القدس بشكل مباشَر مثلما كثّفته صوب رام الله.. أما الخليل فكانت الحركة صوبها بشكل غير مباشَر، لوعورة الطريق، وبُعد  المسافة، وللعلاقة الخاصة القائمة بينها وبين القدس منذ أقدم العصور، حيث كانت الحركة بين المدينتين قوية قبل عام ثمانية وأربعين، وقد ازدادت قوة بعد ذلك العام.. وأما غزة فقد فُصلت عن "الضفة" فصلاً كاملاً، وأصبحت منطقة مستقلة بحسب تقسيمات وكالة الغوث، وكانت الجامعة العربية قد وضعتها في أعقاب النكبة أمانة في يد مصر تشرف عليها، وترعاها، إلى أن تُحل قضية فلسطين.. في الوقت الذي وُضعت فيه "الضفة الغربية" أمانة بيد الأردن.. على أن وحدة اندماجية قد أقيمت بين ضفتي الأردن الشرقية والغربية في أعقاب النكبة، وقد استمرت حتى صباح الخامس من حزيران من عام سبعة وستين.

    لستُ هنا بصدد كتابة مقال تاريخي، أو جغرافي، أو سياسي عن تلك الفترة.. ولكنه حديث ذكريات –ليس إلا- في الاتصالات والمواصلات والتحركات التي شهدتها هذه الديار في تلك الفترة، وتحديدًا في السفر الذي كان بين نابلس وعمّان، لا لأن نابلس شيء مختلف عن القدس أو الخليل، ولكن لأنها الأكثر مثولاً في الذاكرة، ولأنها منطلَق تحركنا في كل مناطق الشمال صوب الشرق.. صوب عمّان، وصوب إربد أيضًا في طريقنا إلى دمشق التي تضاعفت المسافة بيننا وبينها بسبب ما جرى، أو في طريقنا إلى لبنان الذي كان ذات يوم على مرمى حجر من أرض الجليل، ومن مياه الساحل الفلسطيني في منطقة عكا.

    قلقيلية التي كانت أراضيها تلامس مياه البحر المتوسط قبل عام ثمانية وأربعين أصبحت البلدة المغلقة الأكثر التصاقًا بخط الهدنة بعد ذلك، وأصبحت تمثّل أقصى امتداد للواء نابلس (وبعد ذلك لمحافظة نابلس) غربًا، تليها طولكرم مع فارق بسيط، وإلى الشمال الشرقي منهما، وعلى بعد أربعين كيلو مترًا إلى الشمال من نابلس تتربع جنين على الطرف الجنوبي لمرج ابن عامر غير بعيد عن بيسان، وعين جالوت، ومياه نهر المقطَّع.

    ولئن كانت السُّبل قد تقطّت بأهل هذه الديار في أعقاب النكبة، ولئن أصبح ثلث السكان فيها من اللاجئين والمهجَّرين القادمين من الغرب، فإن المجال قد بات مفتوحًا أمامهم للتوجه شرقًا صوب الأردن، ومنه إلى كافة الاتجاهات.. أهل محافظة القدس وبيت لحم، ومحافظة الخليل يتوجهون إلى الأردن عبر جسر "اللنبي" وأهل محافظة نابلس، ولواء جنين يتوجهون عبر جسر "دامية".. بمعنى أن سكان المحافظات الثلاث، وما تشتمل عليه من ألوية وأقضية ونواحٍ بحسب التقسيمات الإدارية الأردنية آنذاك قد باتوا يتحركون في مواصلاتهم (ويرتبطون في اتصالاتهم، وعلاقاتهم، ومختلف نواحي حياتهم) صوب العاصمة عمّان، ومنها إلى كافة الأقطار.

    لم تكن نابلس آنذاك أكثر من بلدة كبيرة، أو مدينة صغيرة من شارعين يربطها أحدهما بالقدس جنوبًا، والآخر بعمّان شرقًا.. يضاف إليهما شارع ضيق كثير التعرجات يتجه شمالاً نحو جنين، وشارعان يتجهان غربًا إلى طولكرم وقلقيلية.. أما شارع طولكرم فكان في مجمله جيدًا مريحًا، وأما شارع قلقيلية فكان أسوأ من شارع جنين.. ولم تكن نابلس آنذاك سوى مدينة صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها بضعة آلاف في ذروة الانتداب البريطاني على فلسطين ليرتفع إلى خمسة وأربعين ألفًا عام ستة وستين قبل عام واحد من هزيمة حزيران.. ولكنها نابلس التي احتفلنا منذ أيام بمرور مئة وأربعين عامًا على تأسيس أول مجلس بلدي فيها خلال حكم الأتراك العثمانيين (1869م) ولا بد من الإشارة هنا إلى أن قلقيلية كانت تتمتع بمجلس بلدي نشط وفاعل في العام ثمانية وأربعين، وقد استحوذ ذلك المجلس على حب الناس، وتفاعلهم معه، حتى قال شاعرهم:

              يا بائعَ الفجلِ بالملّيمِ واحدةٌ//كم للعيالِ؟ وكم للمجلس البلدي؟!

    وهي أيضًا نابلس التي قدّمت قرضًا لمشروع روتنبرغ بقيمة خمسة وأربعين ألف جنيه فلسطيني (45000) عام خمسة وأربعين، وبحسب مصادر بلدية نابلس، فإن هذا المبلغ الكبير لم يُسترجع حتى اليوم!! ونابلس أيضًا هي التي اشتُهرت ببساتينها وينابيعها وصناعاتها المختلفة وحلوياتها وزيتها وزيتونها وحجارتها ومحاجرها منذ أقدم العصور، وهي التي شاركت بامتياز في كل مراحل النضال الوطني، والكفاح بمختلف أشكاله وصوره، وهي التي أنجبت العلماء، والأدباء، والشعراء، والفقهاء، والإعلاميين، والمؤرخين، والسياسيين، والأساتذة، والمعلمين، وصدّرت كثيرًا منهم إلى مختلف ديار العروبة.. كما صدّرت إلى كثير من الأقطار العربية أنواع الحمضيات، والخضراوات، وأنواع الفواكه من أغوارها الشرقية التي كانت حتى الأمس القريب سلة الخبز الفلسطيني.. ومن أغوارها الغربية (قلقيلية وطولكرم) وما أنتجته أرضهما الطيبة من أنواع الحبوب والخضراوات، ومن أنواع الحمضيات والجوافة التي اشتُهرت بها قلقيلية بعد ذلك.. يُضاف إلى هذا كله ما جادت به ولا تزال أراضي جنين من مختلف أنواع الفواكه والخضراوات.. ويُضاف إلى كل هذا أيضًا ما أنتجته هذه المنطقة من زيت الزيتون، وأجود أنواع الصابون... لقد حققتْ نابلس كل هذه الإنجازات، وكثيرًا غيرها على امتداد العقود الستة الماضية رغم كل الجراح، ورغم كل الآلام، ورغم كل ما تعرضتْ له، وتعرض له معها أبناء المدن والقرى والمخيمات في شمال نابلس وشرقها، وغربها، وجنوبها من ألوان الأذى، وأشكال العدوان، وصنوف التضييقات والمصادرات والمداهمات والاعتقالات، وفنون التجويع والتركيع والتيئيس والإذلال، وعوامل التهجير والتطفيش والاقتلاع والإقصاء والإحلال، ومختلف أصناف الجدران والبوابات والحواجز، وكل أشكال الاستيطان.

    أما كيف تحركت هذه المدينة الصغيرة، وكيف تعاملت مع ذلك الواقع الجديد الذي فُرض على الناس في هذه الديار، وكيف تصرفت على صعيد الحركة والتحرك والسفر منذ ستة عقود، فالأمر يدعو إلى أكثر من وقفة تأمل، وإلى أكثر من استرجاع للذاكرة، وتنشيط لها، واستنهاضٍ لمخزونها على أكثر من محور، وفي أكثر من اتجاه، وعلى أكثر من صعيد!!

    لقد عملتْ سيارات نابلس، وحافلاتها، وشاحناتها على مختلف خطوط المواصلات في "الضفة الغربية" رغم بدائية كثير من هذه الخطوط، فكانت عونًا، وكانت رديفًا، وكانت سندًا لكل وسائل المواصلات في مناطق الشمال والوسط والجنوب.. لقد كانت سببًا في تماسك هذه المناطق، وفي تواصلها، وكانت سببًا في شحذ العزائم والهمم في صراع البقاء الذي خاضه الناس ويخوضونه في هذه الديار منذ النكبة، وحتى يومنا هذا..

    ولئن كان هذا في حد ذاته كافيًا لتقديم الشكر إلى كافة أعمدة الاقتصاد الوطني في "الضفة الغربية" بعامة، وإلى أعمدة الاقتصاد الوطني في نابلس بخاصة، نظرًا لما قام به الاقتصاد المحلي، ورؤوس الأموال المحلية من جهد في سبيل ربط مدن هذا الوطن وبلداته ومخيماته بعضها ببعضها الآخر، وفي سبيل نقل البضائع من بلد لآخر، ومن منطقة إلى أخرى رغم صعوبة ذلك آنذاك؛ فإن ما قامت به أعمدة الاقتصاد المحلي، وسواعد أبناء هذه الديار من ربط هذه المناطق بالعالم العربي، وغير العالم العربي عبر الأردن، يُعتبر محطة أخرى لابد من التوقف فيها لتقديم شهادات على ذلك العصر، قد تكون ضرورية لهذه الأجيال الشابة في كل مناطق الوطن، وفي الشتات في حربها المستمرة ضد كل عوامل النسيان واليأس والقنوط والإحباط.

    في البداية لا بد من التأكيد على أن الناس في هذه الديار كانوا على جانب عظيم من الخلق، وعلى جانب عظيم من التكافل، وعلى جانب عظيم من التعاون فيما بينهم.. كانوا يحبون بعضهم بعضًا، ويعطف بعضهم على بعض، ويقدم الأخ لأخيه كل ما بوسعه أن يقدمه دون ضجر أو تأفف!! كثير من فقراء هذه البلاد ومعدميها تمكنوا من السفر للعمل في الكويت، وغير الكويت دون أن يكون معهم شيء من أجرة الطريق! لقد كان كثير منهم يصل إلى حيث يريد على مراحل.. بل إن كثيرًا من أصحاب السيارات وسائقيها كانوا بعد أن يحملوا هذا الشاب أو ذاك مجّانًا دون مقابل يقدّمون له ما يعينه على الاستمرار في الرحلة.. وفي البداية أيضًا لا بد من الإشارة إلى أن كثيرًا من الناس كانوا يتنقلون في المواصلات العامة دون أن يدفعوا شيئًا لتلك الحافلات والسيارات دون أن يسيء إليهم أحد لأنهم لا يملكون ما يدفعون لتلك السيارات.. فإذا ما فرغنا من الحديث عن هذه الإيجابيات، وعن تلك الشهامة، والأخلاقيات قلنا إن أجور التحركات والتنقلات كانت زهيدة تحرّكها القناعة، وهي كنز لا يفنى، كما كان الناس يقولون في ذلك الزمان، ولا تتحكم بها المطامع والأهواء والرغبة في الاستغلال والاستغفال.. ولكل مقام مقال!!

    كنت تسافر من نابلس إلى عمان في ذلك الزمان لقاء خمسة قروش، بمعنى أنك تستطيع القيام بعشرين رحلة بين المدينتين بدينار واحد!! وأهم من ذلك أنك لم تكن تتوقف خلال الرحلة لأي سبب، اللهم إلا إذا أردت أن تشرب من جرة الماء الكبيرة هناك على الجانب الشرقي للنهر، ثم تواصل السفر حتى تبلغ مرادك!! فإذا أردت السفر إلى العراق، أو الكويت، أو الشام، أو لبنان كانت وسائل المواصلات المختلفة، وكانت الأسعار المعقولة، وكان التعاطف والتسامح مع من لا يملك الأجرة.. لقد كان الناس بخير.. وقد كانوا على جانب كبير من الخلق، والشعور مع الآخرين، والتعامل معهم بشهامة وطيبة ومسئولية ومحبة.

    لم يكن بين نابلس وعمّان، أو بين القدس وعمّان حواجز.. ولم تكن بحاجة لأكثر من ساعة كي تصل عمّان، ولم تكن بحاجة بعد ذلك لأكثر من ساعة كي تكون في ضواحي دمشق الجنوبية، ولم تكن بحاجة بعد ذلك لأكثر من ساعة كي تكون في الأراضي اللبنانية... كنتَ تسافر من نابلس إلى عمّان، أو إلى إربد، ثم إلى الشام، ثم بيروت، وكنتَ تقضي هنالك في دمشق، أو حلب، أو غيرهما من المدن السورية أيامًا وليالي، ثم تعود إلى نابلس أو القدس دون أن يكلفك هذا شيئًا مذكورًا.. إن تكلفة وصول "الاستراحة" في أريحا اليوم، والمبيت هناك ليلة واحدة، ومواصلة السفر إلى عمّان، والعودة إلى القدس أو نابلس في اليوم التالي تفوق كثيرًا تلك الرحلة إلى الشام، وإلى لبنان، والعودة إلى القدس أو نابلس، وفيها من المشقة والعنت والإرهاق والخسائر بأنواعها ما فيها!! لقد كنتَ تسافر في تلك الأيام للنزهة والمتعة، أو للعلم والمعرفة؛ فكنتَ في غاية النشاط والسعادة رغم بعض المنغِّصات.. أما اليوم فإنك إن سافرتَ لأي سبب لا تشعر إلا بالضِّيق، والرعب، والتعب، والغضب، والإرهاق، والبؤس، والاكتئاب.. تعود وأنت تترحم على ذلك الزمان، وعلى السفر الذي كان بين نابلس وعمّان، في الوقت الذي لم تكن فيه راضيًا آنذاك عن أوضاعك وأحوالك.. بل كنتَ تطالب بالتغيير، والتحرير، والتطوير، والتعمير بكل ما في الدنيا من عزم وإصرار، وبكل ما في القلب من آلام وآمال.. فسبحان مغيّر الأحوال!!

    وها أنت اليوم تراوح مكانك.. لا تستطيع التوجه غربًا.. ولا تستطيع التوجه شرقًا.. إنك محصورٌ محاصَرٌ في نابلس.. محصورٌ محاصَرٌ في الخليل.. محصورٌ محاصَرٌ في القدس يا ولدي!! قد يسمحون لك بالحركة والتنقل داخل قريتك، أو بلدتك، أو مخيمك، أو مدينتك..وقد لا يسمحون!! وقد يسمحون لك بالكلام، والتعبير عن نفسك، وآلامك، وآمالك، وأحلامك، وتطلعاتك، وآهاتك.. وقد يسمحون لك بالحصول على طعامك وشرابك.. وقد لا يسمحون!! كل ذلك رهنٌ بحسن سيرتك وسلوكك، وكل ذلك رهنٌ بموافقتك على كل ما يقوله الكبار، ويردده الصغار، ويروجون له!! ورحم الله من قال:

      وأبخل أرضٍ بالرجولةِ بقعةٌ//يُضام الفتى فيها ولا يتبرَّمُ!!

1/10/2009

   


الاثنين، ٢٨ أيلول ٢٠٠٩

الاقتصاد مقوّمات وإمكانات.. لا هِباتٌ ومساعدات!!

 

متابعات

الاقتصاد مقوّمات وإمكانات.. لا هِباتٌ ومساعدات!!

أ.عدنان السمان

www.sammman.co.nr

 

    إذا كان الحديث في السياسية أمرًا صعبًا لا تستطيع الخوضَ فيه، والتجديفَ في بحوره المتلاطمة إلا هذه النخبُ المتخصصة المتمرسة الغنية بالتجارب ومعايشة الأحداث والتقلبات، واستخلاص النتائج والدروس والعبر من كل هذا وذاك، ومن أحداث التاريخ التي لم تعشْها هذه النخب، بل درستْها حتى صارت أعلم بها ممن عاشوا وقائعها، وخاضوا غمراتها، وركبوا صهواتها في كثير من الأحيان.. إذا كان الحديث في السياسة ماضيًا وحاضرًا ومستقبلاً أمرًا صعبًا فإن الحديثَ في الاقتصاد أمرٌ أشد صعوبة..

    ولئن كانت السياسة في كثير من الأحيان خاضعة لنصر عسكري يحرزه مغامر، أو يحققه مقامر في غفلة من الزمان.. ولئن كانت السياسة أيضًا أحلافًا وتحالفاتٍ وتكتلات من أجل تحقيق الأمجاد تارةً، ومن أجل حماية الأوطان تارة أخرى.. ومن أجل التسلية وإضاعة الوقت، والعبث، والتلهي بما لا طائل تحته.. حتى قال بعضهم في السياسيين ما نأبى بأنفسنا عن تكراره.. فإن الاقتصاد شيء مختلف، وإن الخوض فيه لا يتأتى لرجال السياسة والعلاقات العامة، وللمتسكعين في شوارع الضباب، وفي الصالونات الدافئة، في ليالي الشتاء الباردة.. بل إنه لا يتأتى إلا لرجال المال والأعمال، وللمتخصصين في هذا المجال، لا بالأقوال بل بالأفعال.. وقد يتأتى لبعض السياسيين ممن جمعوا بحكم التجربة، والدراسة، والخبرة الواسعة بين الأمرين.

    الاقتصاد مقومات وإمكانات.. وهو إعداد واستعداد تدخل فيه، وتتحكم بخط سيره طبيعة الناس، وطبيعة الحياة التي يحيَوْنها، وطبيعة الأرض التي يعيشون عليها، وطبيعة النظم السياسية والاجتماعية والفكرية التي تحكم حياتهم الخاصة والعامة، وتنتظم كل أوجه حياتهم اليومية، وتطلعاتهم وطموحاتهم المستقبلية.

   وهو إما أن يكون صناعيًّا، أو زراعيًّا، أو صناعيًّا زراعيَّا، أو عسكريًّا، أو مدنيًّا، أو تقليديًّا، أو سبّاقًا إلى كل جديد مبتكر بفعل أدمغة أبنائه، وتلهفها للابتكار والتجديد والإبداع، ونفورها من الاجترار والمحاكاة والتقليد، وإضاعة الوقت في كل ما لا يُجدي، ولا يفيد.

    فإلى أي لون من هذه الاقتصادات ينتسب اقتصادنا، وإلى أيٍّ منها ينتمي؟ أين هو هذا الاقتصاد الذي نتحدث عنه؟ أين هي مقوماته في الوقت الذي لا نمتلك فيه أرضًا وماءً وهواء؟ أين هي مقوماته، ونحن لا نملك السماد والبذار والغذاء وأبسط مقومات الحياة؟ أين هي مقوماته ونحن لا نستطيع أن نمارس أبسط أشكال الحياة على أرضنا، ولا نستطيع أن نبني بيوتنا على الغالبية الساحقة من مساحات هذا الوطن إلا بإذن، وإلا بشروط أقل ما يمكن أن يقال فيها إنها تنازل عن ملكيتنا لهذه الأرض التي امتلكناها منذ فجر التاريخ؟ إن كنا نتحدث عن هِباتٍ ومساعدات تأتي من هنا، ومن هناك، فهذه ليست مقومات اقتصاد.. وهذه ليست الإمكانات التي تُبنى عليها دعائم وجود اقتصادي، ونهضة اقتصادية شاملة.. بل هي شيء مؤقَّت يزول بزوال أسبابه، وانتهاء الغاية منه!!

    إذا كان ما يقدّمه المانحون هباتٍ خالصةً لوجه الله الكريم، فلماذا لا يقدم هؤلاء المانحون شيئًا لشعوب كثيرة في هذا العالم تعاني من الجوع والموت بسبب المجاعات والأوبئة والتصحّر ونقص في الأموال والثمرات؟ لماذا لا يقدم هؤلاء المانحون شيئا لمعظم شعوب إفريقيا التي تعيش البؤس بأسوأ معانيه، وأقبح صوره؟ لماذا لا يقدّمون شيئًا لشعوب أمريكا الوسطى، ولكثير من شعوب آسيا، بل لماذا يصرون على نهب ثروات تلك الشعوب؟ ولماذا يصرون على غزو كثير منها، وتدمير ما كانت سواعد أبنائها قد بنته بالعرق والدم والدموع؟؟

    وإذا كان الهدف من هذه المساعدات والمنح بناء اقتصاد وطني، فلماذا تُنفق هذه الأموال جميعها في وجوه الاستهلاك المختلفة، ولا تُستثمر في مشاريع إنتاجية صناعية وزراعية بحيث تضمن دخلاً لفئة أو فئات من أبناء هذا الشعب؟؟ ولماذا تتحول غالبية هذا الشعب إلى فئة من الموظفين تعدد أيامًا وتقبض راتبًا؟؟ أو فئة من طالبي الإحسان من أبناء هذا الشعب الذين حوّلهم هذا الواقع المرّ إلى فئة من الفقراء المعوزين بعد أن كانوا كرامًا يأكلون خبزهم بعرق الجبين؟؟

    ها نحن نترسم خطى ألمانيا التي دمّرتها الحرب العالمية الثانية، ومزّقتْ أراضيها، واحتُلَّتْ عاصمتها عام خمسة وأربعين؟ هل نحن نفعل ما فعلته ألمانيا التي كانت من دول العالم الكبرى بعد عشرين عامًا فقط من هزيمتها في تلك الحرب؟ هل نحن نترسم خطى اليابان التي تعرضت لقنبلتين ذريتين في أواخر الحرب العالمية الثانية عام خمسة وأربعين، ثم خرجت من تلك الحرب مهزومة لتوقع على وثيقة الاستسلام؟ هل نحن نقتدي باليابان التي تمكنت رغم هذا كله من أن تصبح اليوم على رأس الدول الصناعية في هذا العالم؟هذان مثلان اثنان، ولا أريد أن أضيف هنا أمثلة أخرى: ألمانيا، واليابان أقوى قوتين اقتصاديتين في هذا العالم، لماذا حققنا كل هذا التقدم الأسطوري في العلم، والمعرفة، والعلوم، والآداب، والفنون، والزراعة، والتجارة، والاقتصاد، والصناعة المدنية، والتطور الحضاري، والثقافي، والازدهار، والرِّفاء، والمدنية، والنهضة المعرفية الشاملة؟؟ إن نحن عرفنا الإجابة عن هذه الأسئلة، فإننا بالتالي نكون قد عرفنا أنفسنا.. وقديمًا قال سقراط: "اعرف نفسك!!".

    إن إزالة حاجز هنا، وآخر هناك، واستيعاب عدد من العمال في هذا المصنع الإسرائيلي، أو ذاك هنا في المحتل من الأرض منذ سبعة وستين، أو هناك على أرض ثمانية وأربعين لا يعني ازدهارًا وانتعاشًا اقتصاديًّا، أو اجتماعيًّا، أو سياسيًّا.. لأن الاقتصاد في انهيار مستمر بسبب السيطرة اليومية المستمرة على الأرض، وبسبب تكريس الاستيطان والجدران، وبسبب تخريب كافة مقومات الحياة اليومية للفلسطينيين، أو تجييرها لصالح المستوطنين، وبسبب كل هذه المضايقات، وكل هذا التحكم، وكل هذه المحاولات التي تستهدف القضاء على كل عوامل النهوض الاقتصادي، والوجود الاقتصادي الفلسطيني.. بل الإصرار على ربط ما تبقّى من هذا الاقتصاد المدمَّر ربطًا وثيقًا مُحْكَمًا بعجلة الاقتصاد الإسرائيلي حتى لا تقوم له قائمة، وحتى لا يتكرر هنا ما حدث في ألمانيا، واليابان بعد الهزائم العسكرية!! فأي أثر أو تأثير لهذا الاقتصاد الكسيح الذي لا يكاد يبلغ اثنين بالمئة من ذاك؟ بل أيّ وجود لاقتصاد يتحول معظم الناس فيه إلى مجموعات متناقضة متباينة من الموظفين، ومجموعات بائسة يائسة من العمال العاطلين أو شبه العاطلين، ومجموعات من الفلاحين التعساء البائسين الذين يلهثون وراء الجدار وأمامه ومن خلفه بحثًا عن شبر أرض يزرعونه، فلا يكادون يظفرون به إلا بشق الأنفس، بعد أن فقدوا أرضهم وزروعهم وأشجارهم وثمارهم؟!!!

    الاقتصاد والتنمية الاقتصادية أمران شديدا الالتصاق بالتحرر السياسي، والاستقلال، واستغلال موارد البلاد، وإمكاناتها أفضل استغلال، بل وتنمية هذه الموارد والإمكانات وصولاً لبناء اقتصادي متين يساهم في تدعيم الاستقلال السياسي، ويحميه من عبث العابثين، وتلاعب المتلاعبين، وطمع الطامعين الذين يتربصون به الدوائر.

    وإن الاقتصاد، والتنمية الاقتصادية، والسير بالبلاد والعباد نحو شاطئ الأمان والنجاة والرِّفاء والأمن الغذائي، والنمو الاقتصادي ليس حبّاتٍ من بطيخ جنين تُباع هنا أو هناك، وليس حبات من عنب الخليل، ولا حبّات من الجوافة تجود بها علينا بقية أرض كانت لقلقيلية ذات يوم!!

28/9/2009


السبت، ٢٦ أيلول ٢٠٠٩

في الانهيارات والانتصارات والتحالفات... وارتفاع سقف التوقّعات

متابعات


في الانهيارات والانتصارات والتحالفات... وارتفاع سقف التوقّعات


أ.عدنان السمان


www.samman.co.nr


إذا كانت السياسة هي فن الممكن -كما يقول كثير من السياسيين- فإن عوامل كثيرة تتحكم في هذا الفن وتحكمه، وتتحكّم في سقف هذا الممكن، وفي جدرانه، وفي أرضيته أيضًا.. إذ لا يُعقَل أن تخوض أمةٌ مقطّعةُ الأوصال (ممثَّلةً في شراذم متناحرة) معارك وحروبًا مصيرية بدون إعداد أو استعداد، وبدون أن يكون لها يدٌ في التخطيط لهذه المعارك والحروب، أو تحديد زمانها، ومكانها، والأهداف المرجوّة منها؛ فتخرج منها خاسرة.. وتخرج اشدَّ خسارة من المعارك السياسية التي تعقبها بطبيعة الحال، ثم يأتي مِن رجالها مَن يقول: هذا ما استطعنا تحقيقَه! وهذا ما استطعنا إنقاذَه من منطَلَق حرصنا على إنقاذ ما يمكن إنقاذُه! وليس بالإمكان أبدعُ مما كان!! وكأن من المفروغ منه أن نخوض كل هذه المعارك المصيرية ونحن على هذه الحال! وكأن من المفروغ منه أيضًا أن نتصّدى نحن- ولا أحد سوانا- لحلحة كل قضايا هذا العصر، وكل تراكماته حتى لا تضيع هذه القضايا كما ضاع غيرها، وحتى لا يكون مصير اللاحق منها كمصير السابق عندما ضاع ذات يوم!!!


لا يمكن أن تخوض شراذمُ متناحرةٌ مأزومة، وأنظمة تدين بالولاء والتبعية لقوًى أجنبية طامعة دون أن تخسر كل شيء، ودون أن تفرِّط في كل شيء، ودون أن تهبط من هذا السقف الذي وضعتْه ابتداءً لمطالبها، ومطالباتها، وأهدافها، وغاياتها.. لا إلى هذا المدى أو ذاك من هذا الجدار، أو تلك الجدر التي يقوم عليها هذا السقف، بل إلى الأرضية حيث مواطئ أقدام السابلة، والمتسكعين، وعابري السبل، والمتفرجين.. أو إلى ما دون هذه الأرضية.. حيث يكون باطن الأرض في كثير من الأحيان خيرا من ظاهرها.. وحيث يكون الاختفاء والاختباء والانكفاء والانطواء في كثير من الأحيان خيرًا من الظهور لقوم لم يجيدوا سوى التبعية، ولم يتقنوا سوى فن التملق والتذبذب والنفاق والكذب، ولم يحرصوا إلا على هذه المكاسب الشخصية الرخيصة، فكانت لهم هذه العاقبة، وكان لهم هذا المصير، وكانت لهم هذه النهاية… ويبقى التهريج والدجل والخداع والتزوير والرقص على جماجم الأبرياء من المستضعفين والنساء والولدان والشهداء سيد الموقف!!!


فإذا قال لهم قائل إنهم مخطئون، وإنهم قد أساءوا إلى أنفسهم، وإلى مواطنيهم وأوطانهم، وإلى تاريخ أمتهم، وثقافتها، ومستقبل أجيالها، وإنهم قد باعوا كل ذلك بثمن بخس دراهم، وبامتيازات يربأ أهل الخلق والضمير بأنفسهم عنها، وبمكاسب رخيصة فانية، وإنهم قد جَنَوْا على شعوبهم، وباعوها بأرخص الأثمان ثارت ثائرتهم، وراحوا يتهددون، ويتوعدون، ويصولون، ويجولون، ويرغون، ويزبدون، ويسرفون على أنفسهم، وعلى غيرهم من عباد الله وراحوا يوغلون في التقرب من السادة الكبار، والتودد إليهم، والإغراق في تقديم كل فروض الطاعة والولاء لهم، ظنًّا منهم أن هؤلاء السادة الكبار سيستبدلونهم بغيرهم، وأنهم سيستغنون عنهم، وسيصرفونهم عن الكراسي كما أَتَوْا بهم إليها!! وإذا سألهم سائل عن سر هذه التصرفات، وعن كل هذه الحركات، والتحركات، والتوجّسات، والتخوّفات، والتجاوزات، والتعديات، والاعتداءات قالوا إنه أمن المواطن وأمانه! وعزة الأوطان! والحرص على سلامتها من العدوان! وإنها الأمانة التي عُرضت على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان!..وإنها المسئولية! وواجب الدفاع عن الحقوق والثوابت والمقدسات! وإنها المصلحة الوطنية العليا! والحرص على السلم الأهلي! والأمن الاجتماعي والقومي! والحرص على حياة الأجيال، وعيشها على أرضها بكرامة وعزة ورخاء وازدهار!!!


وإذا خرج من رحم هذه الأرض مَن يُثبت أن هذه الأمة بخير، وأن هذه الأمة قادرة على صد العدوان، وتحرير الأوطان، وتحويل الهزائم والانهيارات والمهازل والمسرحيات إلى انتصارات.. وإذا خرج من رحم هذه الأرض مَن يحررها، ويحميها، ويذود عنها، ويفديها بكل غالٍ ونفيس، ويصون مجدها، ويحفظ ودّها وعهدها، ولا يسمح لمعتد بالاقتراب منها، أو تدنيس تُربها.. وإذا خرج من رحم هذه الأرض من يحقق التوازنات بالاعتماد على الذات، وعن طريق التحالفات، باعتماد التكتيكات، وبناء الاستراتيجيات، ليرتفع بذلك سقف كافة التوقعات، ولتلوح في الأفق كل ألوان التوازن والتوازنات، وصولاً إلى توازن الرعب الذي يردع كل معتدٍ، ويصرفه عن مجرد التفكير بالعدوان لا تَعفُّفًا وكرم أخلاق، ولكنْ خوفًا من الردّ، وخوفًا من النتائج المدمرة التي سيجرّها العدوان، وخوفًا من العواقب الوخيمة التي سيُفضي إليها هنا على أرض المعارك، وهناك في كل مكان ومكان.. إذا خرج من رحم هذه الأرض من يحقق هذا كله، وكثيرًا غيره، بل إذا خرج من رحم هذه الأرض مَن يحققون هذا راح هؤلاء، ومَن هم على شاكلتهم يشكّكون في هذا، ويروّجون الإشاعات الباطلة، ويثيرون الفتن، والنعرات الطائفية، والمذهبية، ويخوّفون البسطاء، ويحذّرونهم من هذه التحالفات الإقليمية، والخلافات المذهبيّة والتاريخية!! وكأن الصراع في هذا الجزء من العالم صراع طائفيٌّ مذهبيٌّ!.. وكأن ما أصاب أهل هذه الديار ذات يوم من نكبات وتشرّد واغتراب كان بسبب أولئك الأعداء الطامعين في نشر مذهبهم، والترويج لفكرهم الديني المغاير لفكر الأغلبية الساحقة من أهل هذه الديار!!..وكأن المشكلة في هذه المنطقة من العالم سببها ولاية الفقيه، وأهل تلك العمائم السوداء!! وكأن هؤلاء المشككين المروّجين لكل هذه الوساوس، المحذّرين من كل هذه النعرات والكمائن والدسائس هم الأمناء المؤتمنون على حياض السنّة، وشرف الإسلام العظيم، وبلاغة القرآن الكريم، وإعجازه، وسِحر بيانه!!!


إن ما يجري في هذه المنطقة من العالم خطير، وإنّ ما يُراد بهذه الديار، وبغيرها من ديار العروبة والإسلام خطير، وإن كل وقائع التاريخ ومعطياته وحوادثه وأحداثه منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها لَتؤكد بما لا يدع أدنى مجال للشك على أن العالم لا يمكن أن يحترم إلا الأقوياء، ولا يمكن أن ينظر بعين النِدِّيَّة والاحترام إلا للأقوياء، ولا يمكن أن يُحقَّ حقوقًا إلا إذا كان وراءها قوة تطالب بها.. قد يُشفق المجتمع الدولي على ضعيف، وقد يُشفق هذا المجتمع على مظلوم، وقد ينتصر لمعتدًى عليه.. ولكنّ هذا المجتمع الدَّولي –يقينًا- لا يمكن أن يحارب نيابةً عن هذا المظلوم، ولا يمكن أن يتبنى المطالبة بحقوقه كاملةً غير منقوصة نيابةً عنه، ولا يمكن أن يضع هذا كله، أو شيئًا منه موضع التنفيذ إلا إذا قام أصحاب الحق بانتزاع حقهم، وقديمًا قال الحكماء:


ما حكَّ جلدّكّ مثلُ ظُفرِكْ//فَتَوَلَّ أنتَ جميعَ أمرِكْ!!


وبعد


فإن للانهياراتِ أسبابَها ومسبباتِها.. وإن للانتصاراتِ أسبابَها ومسبباتِها.. وإنّ الإصرار والإرادة والعزيمة الصادقة والإعداد والاستعداد هو الوسيلة لتحقيق هذه الانتصارات، على أنه في كثير من الأحيان لا بد من التجمعات والتكتلات والتحالفات لتحقيق هذه الإنجازات، ورفع سقف التوقعات من هذه التكتلات والتحالفات، بحيث يرتفع منسوب فن الممكن من الأرضية السياسية ومواطئ الأقدام، إلى الجدران، ومواصلة الزحف وصولاً إلى السقف، وإلى ما وراء السقف الذي يرتفع بارتفاع طموحاتنا، ويهبط بهبوطها، وينعدم بانعدامها… على أنه من الضروري أن لا يغيب لحظةً عن البال أن على رأس هذه الانتصارات، وتلك الإنجازات موضوع الحديث هنا يقف الانتصار على النفس بتطهيرها ومغالبتها وكفّها عن شرورها وأهوائها.. وكذلك تحرير الذات من أحلامها وأوهامها، والارتفاع بها عن السفاسف والصغائر.. ففي الارتفاع بها ارتفاعٌ لأقدارنا، وفي السموّ بها سموٌّ لغاياتنا وأهدافنا في حياة كريمة فاضلة ترفض الظلم، وتحرّمه على نفسها، وعلى غيرها من الناس.


26/9/2009


الخميس، ٢٤ أيلول ٢٠٠٩

متابعات

سلوان.. أغنيةُ مجدٍ على فم الزمان!!

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

أينما ذهبتَ، وأنّى توجهتَ في بيت المقدس، وأكناف بيت المقدس.. وأينما سرتَ في تلك الأحياء التاريخية العتيقة التي سار فيها الأنبياء والأولياء والخلفاء والفاتحون، وجدتَ لسلوان فيها ذِكرًا وأيّ ذكر، وشاهدتَ من سلوانَ أثرًا وأيّ أثر، وقرأتَ عن سلوانَ فيها خبرًا بل أخبارًا، وشنّفتْ أذنيكَ أغنيةُ مجدٍ وفخار وعزٍّ غنّاها الزمان: هذي سلوان ما أحلاها!! بلد الأمجاد.. أرض الرّواد.. درع الأقصى ما أغلاها.. ما أغلاها.

    إلى الجهة الجنوبية الشرقية من القدس القديمة بناها أهلها العرب القدماء يوم بنَوا القدس الخالدة، وغير بعيد عن أسوار القدس، وحائط المسجد الأقصى المبارك، ونوافذه من الجهة الجنوبية والشرقية، وغير بعيد أيضًا عن عين سلوان التي شبهها الأقدمون بعين زمزم أقام الأجداد هذه البلدة الغنية بمياهها، وينابيعها، وبساتينها، وكرومها وأرضها الخصبة الممتدة شرقًا حتى البحر الميت.. عبر الخان الأحمر.. والممتدة أيضًا جنوبًا وشمالاً.. لتُسقى القدس من مياه سلوان، وليأكل أهل القدس من ثمار أرض سلوان، ولتعيش القدس بأمن وأمان على مرِّ الزمان في أحضان سلوان، وأهل سلوان، وعيونهم الساهرة التي لا تبرح أسوار القدس، وحائط الأقصى المبارك من باب الغوانمة حتى باب الزاهرة.

    أقامها أهلها العرب القدماء على مساحة من الأرض واسعة ممتدة تبلغ آلاف الدونمات (5421) دونمًا، ولأهل سلوان عشرات آلاف الدونمات المنتشرة شرقًا على امتداد ما عُرف عبر التاريخ بأراضي السلاونة (65000) دونم صودرت في أعقاب حرب سبعة وستين لتقام عليها مستوطنة "معالي أدوميم".. كما صودرت مساحات أخرى من ارض سلوان خلال الهجمات الاستيطانية الشرسة التي شهدتها منطقة القدس، وسائر مناطق الضفة الغربية، ولا تزال.

    ولئن أقدم هؤلاء على إزالة أحياء بكاملها داخل أسوار القدس القديمة منذ عام سبعة وستين، ولئن قاموا بأعمال هدم وتجريف ومصادرة واستيطان في مناطق شتى من القدس القديمة والجديدة، ولئن وضعوا الخطط والمخططات التي تستهدف "تهويد" القدس، وترحيل أهلها العرب عنها كلما كان ذلك ممكنًا؛ فكان الجدار الذي عزل مئة ألف من أهلها، وكانت الضرائب، وكانت أعمال المصادرات، وأعمال "التطفيش" وسحب الهويات بهدف التخلص من عرب القدس بمرور الزمن، وحصر من تبقّى منهم في معازل، وأحياء منفصلة لا تواصلَ بينها وسط استيطان يهودي منظَّم تبدو المدينة معه وكأنها مدينة "إسرائيلية" لا غبار عليها.. قد ورثها الخلف عن السلف منذ أقدم العصور!! وليس أدل على ذلك من هذه الحفريات التي يجرونها منذ الأيام الأولى لاحتلال سبعة وستين بهدف العثور على ما يثبت صلتهم بهذه الأرض.. دون جدوى.. ولعل حكاية الحجر الأموي شاهد على صحة هذا القول.. ولعل كل حوادث هذه المدينة المقدسة، وكل أحداثها منذ فجر التاريخ وحتى هذه اللحظة تقف شواهد على عروبة هذه المدينة.. كما تقف شاهدًا على أنها وقف إسلاميّ منذ الفتح العمري لهذه المدينة العربية الإسلامية التاريخية الخالدة.

    ومما لا شك فيه أنهم قد شرعوا بتنفيذ مشروع تهويد حي سلوان بتحويل هذه البلدة التاريخية المحاذية للجهة الجنوبية للمسجد الأقصى إلى مركز سياحي يهوديّ، ورغم المخالفات والمغالطات والتجاوزات والاعتداءات على حقوق الآخرين، بل على وجودهم إلا أنهم ماضون في خططهم، ورغم العظام والجماجم المتطايرة من المقابر الإسلامية التاريخية، ورغم صياح الموتى والأحياء استنكارًا لهذه الأعمال إلا أن الحفريات مستمرة، وأعمال نقل ملكية العقارات في البلدة القديمة إلى غير أصحابها العرب دون وجه حق تتم على قدم وساق من أقصى شمال القدس في الشيخ جراح وشعفاط وغيرهما من الأحياء المجاورة وحتى سلوان في الجنوب... وفي الوقت نفسه فإنهم ماضون في تنفيذ هذه المخططات في كثير من مناطق الضفة الغربية الأخرى في جنوب نابلس، وفي الأغوار.. ولعل ما صدر عن المحكمة العليا قبل أيام بشأن هدم خمسين بناية في يتما والسّاوية.. وما قيل عن هدم عشرات آلاف البيوت في الضفة الغربية بدعوى البناء غير المرخّص هو دليل قاطع على النوايا المبيّتة ضد عرب هذه الديار، بالتزامن مع  ما يجري في الجليل والنقب من أعمال مشابهة تحت مسمًّى مختلف هو تطوير الجليل والنقب!!

    إن كل هذا الذي يجري في المحتل من عام ثمانية وأربعين، وفي المحتل من عام سبعة وستين يدل دلالة قاطعة على مخططات هؤلاء، وعلى نيتهم في السيطرة على فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر، لتكون منطلقًا لسيطرتهم على كل هذه المنطقة من العالم كما يتصورون!!

    إن ما يجري في سلوان اليوم، وفي حي البستان، وفي سائر أنحاء بيت المقدس لا يختلف في مغزاه ومبناه عما يحدث في كافة أرجاء الضفة الغربية، وعما يحدث في الجليل والنقب وكافة أرض فلسطين التاريخية.. ولكن الفرق هو أن ما يجري في سلوان له علاقة وثيقة بما يخطط له هؤلاء للحرم القدسي الشريف.. وهو فارق جدير بأن يؤخذ بعين الاعتبار، وجدير أن يُنظر إليه بالخطورة التي ينطوي عليها.. مع الأخذ بعين الاعتبار أيضًا أن ذلك لا يعني التقليل من الأخطار التي تنطوي عليها عملية "التهويد" في أي مكان من هذه الديار، ومع الأخذ بعين الاعتبار أيضًا عدم التقليل من كل محاولة يريد بها هؤلاء تثبيت وجودهم على أي شبر من الأرض العربية المحتلة.. أو غير المحتلة!!

    ولعل ما يصرح به رئيس وزرائهم (نتانياهو) من أنّ أعمال البناء في القدس لا تعني استيطانًا، وأن على الفلسطينيين أن يوافقوا على أن "إسرائيل" هي دولة لليهود كشرطين مسبقين من جانبه لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين.. أقول إن هذين الشرطين اللذين يتقدم بهما (نتانياهو) لأكبر دليل على أنه لا يريد السلام مع الفلسطينيين، ولا يريد السلام مع العرب، ولا يريد السلام مع المسلمين.. وإنما يريد تنفيذ خططه ومخططاته في بلادهم دون قيد أو شرط، ودون أدنى نقاش أو جدل!!

    إن ما يحدث في سلوان.. وإن ما يحدث في القدس، وإن ما يحدث في فلسطين كل فلسطين، وإن ما يحدث في الأراضي العربية المحتلة، وغير المحتلة لَيؤكد بما لا يدع أدنى مجال لأدنى شك أن على العرب أن يفهموها.. وأنه قد آن الأوان ليفهموها.. وقد آن الأوان كي يستفيق النيام من نومهم..والحالمون من أحلامهم.. والواهمون من أوهامهم.. وأن يقوم هؤلاء أيضًا بما يفرضه عليهم واجب الدفاع عن الأوطان، وكرامة المواطنين، والمقدسات.

    وإن ما يجري في سلوان، وفي القدس، وفلسطين لدليلٌ قاطع على أن السلام لا يمكن أن يتحقق بمجرد الكلام، وبمجرد إبداء الرغبة فيه، وإنما بإعادة الحقوق إلى أصحابها.. فالسلام عدل وعدالة.. والسلام أمن وأمان.. والسلام حياة وبناء وإعمار.. والسلام تقدم وتطور وازدهار.. والسلام خلاص من التحكم والتبعية والاحتلال.

24/9/2009

  


السبت، ١٩ أيلول ٢٠٠٩

ومَن لي "بِعيدٍ" لا يُشابهُ غَيرَهُ؟!!

نسخة معدَّلة

متابعات

ومَن لي "بِعيدٍ" لا يُشابهُ غَيرَهُ؟!!

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

    لئن كان العيد يومًا من أيام العام.. ولئن كان الشاعر مغرقًا في التفاؤل عندما كان في حالة نفسيّة دفعته إلى رفع سقف طلباته وأمنياته آملاً في أن يحظى مع بني وطنه بعامٍ يختلف عما سبقه من أعوام.. فقال:" ومن لي بعامٍ لا يشابه غيره؟" فإننا وبعد نحو ثمانية عقود نستعير صدر هذا البيت لِنطلبَ يومًا مختلفًا عما سبقه من أيام، لا عامًا يختلف عما سبقه من أعوام... ولئن كان الشاعر مسرفًا في "الثوريّة" في عَجُزِ هذا البيت عندما قال:" أرى فيه أظفارَ البُغاةِ تُقلَّمُ" فإننا في هذا اليوم الذي نريده، ونتمنى حلوله فينا لا نطالب بتقليم أظافر أحد، بل نريده يومًا مختلفًا عن كل أيام البؤس والشقاء التي سبقته.. يومًا يفرح فيه الصغار، وتصفو فيه نفوس الكبار، ويصافح فيه الجار جاره، ويهنّئ الأخ أخاه، ويقابل فيه الناسُ بعضُهم بعضًا بابتسامة صادقةٍ صافيةٍ نابعةٍ من القلب بعيدةٍ عن المداهنة والنفاق الاجتماعيّ، والتقلب السياسيّ، وهل هنالك ما هو أجمل من الابتسامة الصادقة، والكلمة الحلوة في يوم العيد؟؟

    ولئن كان العيد يومًا من أيام العام، وساعةً من آلاف الساعات التي ينطوي عليها، فإن فيه دروسًا ومعاني كبيرة لا نجد مثيلاً لها في سالف الأيام.. دروسًا ومعاني لا نجدها إلا في هذا اليوم، وفي هذه الساعة من هذا اليوم؛ فالعيد ساعة، والصبر ساعة، والشجاعة صبر ساعة، ومراجعة النفس، ومصارحتها، ومكاشفتها، ومحاسبتها، وكفّها عن هواها وضلالها ليس بحاجة إلا لجزءٍ يسيرٍ من هذه الساعة.. فمتى تحين هذه الساعة؟ متى يعود كل المحتفلين بهذا العيد إلى هذه الساعة التي من شأنها أن تطهّر نفوسهم، وتسمو بمشاعرهم، وتؤلف بين قلوبهم، وتجمع شتاتهم، وتقضي على ما بينهم من غِلٍّ وحقد وكراهية.. فإذا بهم أمة واحدة.. هدف واحد.. نبض واحد.. نَفَس واحد.. نَفْسٌ واحدة.. فِعلٌ واحد.. قوةٌ واحدة تعجز كل قوى الشر والإثم والعدوان عن مواجهتها.. عندئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.. وعندئذ تكون الفرحة.. ويكون العيد الذي لا يشبه كثيرًا من الأعياد التي سبقته.. وتكون الساعة التي لا تشبهها ساعة.. وتكون الساعة التي قُبِلتْ فيها الطاعة.. فكان بعد ذلك ما كان من فرحة، وعزّة، وعنفوان.. وسلامةٍ للأبدان، والأديان، والأوطان.

     نعم يا قوم: ومن لي "بيومٍ" لا يشابه غيره؟ بل، ومن لنا بيوم كهذا؟ من لهذه الأمة بيوم كهذا اليوم، وساعة كهذه الساعة يعطف فيها الكبير على الصغير، ويحترم فيها كل مواطن نفسه، ويبتعد فيها الناس جميعًا عن الأذى والكيد والعدوان، ويترفع فيها الناس عن الخلافات والأهواء.. ويعودون فيها –كما كانوا- سادةً كرامًا في أوطانهم، يصادقون مَن يصادقهم، ويعادون مَن يعاديهم، دون أن تأخذهم في الحق لومة لائم، ودون أدنى خضوع لمعتد أثيم متغطرس، ودون أدنى اعتبار لموت، أو حياة، أو مكاسب، أو مناصب، وألقاب لا تسمن ولا تغني من جوع، وأوهام، وسراب خادع يحسبه الظمآن ماءً وما هو بماء.

    لقد آن لنا يا قوم أن نصحو من غفلتنا.. لقد آن لضمائرنا أن تستفيق من سباتها، لقد آن لعقولنا أن تتحرر من أوهامها وتخيلاتها، وأحلام اليقظة التي باتت تحكمها، وتتحكم في كل ما يصدر عنها من أفكار وتصوّرات!! لقد آن لهذا المجتمع أن يتوحد، ولهذه الأمة أن تتوحد، ولهذه الشعوب أن تستفيق، ولهذه الأرض أن تُزرع.. لقد آن لهذه الأمة أن تتمرد على أمراضها، وعللها، وأصنامها التي أضلتها، وزّينت لها سوء أعمالها.. لقد آن لهذه القوى أن تتوحد في قوة واحدةٍ عاملةٍ ضاغطةٍ من أجل تحقيق أهداف هذه الأمة وطموحاتها في عيش شريف كريم، وفي لقمة نظيفة، غير مغموسة بدموع الفقراء، وأنين المرضى، ودماء الجرحى والشهداء.. لقد آن لهذه الأمة أن تتوحد، وأن تعيش حياتها بعيدًا عن المذلة والتبعية، والخضوع.. لقد كنا في هذه الديار، وفي كل ديار العروبة والإسلام، وما زِلنا، وسنبقى عربًا مسلمين أباةً متحابّين متعاونين على البر والتقوى.. كنّا وسنبقى أمةً واحدة تزرع أرضها، وتبني مؤسساتها، وتحرص على سلامة مواطنيها وأمنهم وأمانهم.. أمة يشهد تاريخها على عظمتها ومنعتها وعزّتها عندما أخرجت البشرية من الظلمات إلى النور، وصنعت أعظم حضارة عرفها تاريخ الإنسان.. وكل عيد وأنتم جميعًا بخير.

14/9/2009



__________ Information from ESET Smart Security, version of virus signature database 4441 (20090919) __________

The message was checked by ESET Smart Security.

http://www.eset.com

من أعلام الإسلام.....(29)

من الأرشيف لضيق الوقت... فمعذرة

 

 

 

 

رمضــــانيات        يكتبها عدنان السمان

 
 

 


من أعلام الإسلام.....(29)

أ. عدنان السمان

www.samman.co.nr

هو محمد عبده خير الله، من مواليد قرية "محلة نصر" بمركز شبراخيت من مديرية البحيرة، وأمه "جنينة" من أسرة معروفة هي أسرة "عثمان" في مديرية الغربية، وقد ولد في أواخر سنة (1849) تسع وأربعين وثمانمئة وألف.

لم يدرس شيخنا في الكتاتيب، بل إنه قد حفظ القرآن الكريم في منزل والديه على حافظ خاص، وفي سنة (1862) اثنتين وستين وثمانمئة وألف أرسله والده إلى المسجد الأحمدي بطنطا، وبعد أن قضى الفتى في تجويد القرآن نحو سنتين جلس في دروس العلم بالمسجد الأحمدي؛ فبدأ بتلقي قواعد اللغة العربية، وبعد عام ونصف من محاولات فهم النحو العربي لم يفهم الفتى منه قليلاً ولا كثيرًا لعقم أساليب التدريس، وجفاف المادة وجمودها، وخشونة الشيخ الذي يتولى عملية التدريس، وفظاظته.

يغادر محمد طنطا، وقد قرر أن لا يعود إلى طلب العلم مهما كلف الأمر، وعليه فقد تزوج سنة (1865) خمسة وستين وثمانمئة وألف، ولكن والده أجبره على العودة إلى المسجد الأحمدي ليواصل دراسته، فتظاهر بالإذعان، وقد قرر الهرب، وهكذا كان.

ولقد كان من حسن حظه أن تولى أمره في القرية التي لجأ إليها أحد أخوال أبيه "الشيخ درويش" الذي استطاع أن يهدّئ من روعه، وأن يُحدث تحولاً في حياته بالعودة إلى طلب العلم بعزيمة وهمة ونشاط رغم كل المعوقات، وهكذا عاد محمد إلى المسجد الأحمدي بنفس راضية في أواخر العام (1865) خمسة وستين وثمانمئة وألف، ليشد الرحال في مطلع العام التالي إلى الأزهر الشريف في القاهرة كي يواصل دراسته هناك.

لم يكن التدريس في الأزهر بأحسن حالاً منه في المسجد الأحمدي، بل ربما كان الوضع أسوأ في ذلك العهد القاتم الذي ينطق كل ما فيه بالتخلف والتسلط والفظاظة والجمود، ولقد قضي محمد عبده من شبابه سنوات طوالاً من نكد العيش ومرارته (قبل أن يحصل على شهادة "العالمية" سنة 1877) في هذه البيئة العلمية التي وصفها الدكتور طه حسين في "الأيام" فأجاد الوصف، إلى أن حل في مصر رائد النهضة الفكرية في القرن التاسع عشر السيد جمال الدين الأفغاني سنة (1869) تسع وستين وثمانمئة وألف؛ فكان ذلك بداية عهد جديد في تاريخ مصر، وفي تاريخ الأزهر، وفي حياة الشاب الثائر على جمود التعليم، وجفاف أساليبه، وعقم مشايخه ومعلميه في الأزهر، وفي كافة المساجد والكتاتيب في مصر وفي كل ديار العروبة والإسلام.

ويصبح الشيخ الشاب أستاذًا في الأزهر الشريف يلقي فيه دروسًا في التوحيد والمنطق والأخلاق.. وفي أواخر سنة (1878) ثمان وسبعين وثمانمئة وألف عين الشيخ الأستاذ مدرّسًا للتاريخ بمدرسة "دار العلوم"، ومدرّسًا للغة العربية في "مدرسة الألسن".. وفي الخامس والعشرين من حزيران سنة (1879) تسع وسبعين وثمانمئة وألف أُجبر الخديوي "إسماعيل" على التنازل عن العرش إلى ولده "توفيق" الذي يعتبر السيد الأفغاني، والشيخ محمد عبده من أقوى أنصاره، ولكنه، وبدلاً من تنفيذ وعده لهما بالإصلاح، وتحت تأثير خصومهما السياسيين أمر بإبعاد الأفغاني إلى الهند، وبفرض الإقامة الجبرية على الشيخ في قريته "محلة نصر".

بعد عودة رئيس الوزراء "رياض باشا" من السفر عرف ما حلّ بصديقيه، فاستشار صديقيه: الشيخ حسين المرصفي، ومحمود سامي البارودي بشأن الشيخ محمد عبده، فأشارا بتعيينه محررًا في "الوقائع المصرية" وكانت الجريدة الرسمية في مصر، وهكذا كان.. وبعد أن أصبح الشيخ الإمام رئيسًا لتحرير "الوقائع المصرية" عمل على إصلاح الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية في البلاد، ونشر المقالات النقدية عن سياسة التعليم؛ فكان من نتيجة هذا كله أن أنشئ المجلس الأعلى للمعارف في الحادي والثلاثين من آذار من العام (1881) وانتُخب الشيخ الإمام  عضوًا فيه، فاستأنف جهوده من خلال هذا المجلس للنهوض بالتعليم.. كما أن جهود الشيخ محمد عبده ومعاونيه في تحرير "الوقائع" كانت باعثًا لنهضة أدبية شاملة، وتجديد في أساليب الكتابة.

كان الأستاذ الإمام من مؤيدي وزارة رياض باشا الإصلاحية، وكان يرى في هذا الرجل صورة حسنة للمستبد العادل الذي يستطيع "أن يصنع في خمس عشرة سنة مالا يصنع العقل وحده في خمسة عشر قرنًا" هكذا تكلم الأستاذ الشيخ في مقال له مشهور عنوانه "إنما ينهض بالشرق مستبد عادل" قال فيه إن هذا المستبد يُكره المتناكرين على التعارف، ويُلجئ الأهل إلى التراحم، ويقهر الجيران على التناصف، ويحمل الناس على رأيه في منافعهم بالرهبة، إن لم يحملوا أنفسهم على ما فيه سعادتهم بالرغبة!!

عندما ضُربت الإسكندرية بقنابل الأسطول البريطاني في الحادي عشر من حزيران سنة (1882) هبّ الشيخ محمد عبده يدعو إلى التطوع في صفوف الجيش للدفاع عن مصر، وإمداد هذا الجيش بالمقاتلين والإعانات والتبرعات.. ولكن الإنجليز يحتلون الإسكندرية، ويدخلون مصر، وفي الخامس والعشرين من أيلول سنة (1882) عاد الخديوي من الإسكندرية إلى القاهرة تسانده قوة الجيش الإنجليزي.. وقُبض على زعماء العرابيين، وغيرهم من الضباط والعلماء والأعيان والوطنيين، ويُحكم على الشيخ بالنفي إلى سوريا مدة ثلاث سنوات، ويلجأ شيخنا إلى بيروت، ومعه طائفة من المصريين منهم الشيخ أمين أبو يوسف، وإبراهيم اللقاني، وأحمد عبد الغفار، ومحمد الزمر.. فأكرم السوريون مثواهم.. وبعد عام واحد تلقى محمد عبده كتابًا من السيد جمال الدين الأفغاني يدعوه فيه إلى لقائه في فرنسا التي كان قد استقر فيها بعد مغادرة منفاه في الهند، وهكذا كان.. وهكذا خرج شيخنا من بيروت في أوائل عام (1884) متوجهًا إلى باريس.

في مدينة الأنوار شكّل محمد عبده مع أستاذه الأفغاني "جمعية العروة الوثقى" وأصدرا بعد ذلك جريدتهما "العروة الوثقى" التي صدر عددها الأول في الثالث عشر من آذار سنة (1884) وعددها الأخير في الثامن عشر من تشرين الأول من العام نفسه، وبهذا أغلقت "العروة الوثقى" بعد ثمانية أشهر من صدورها بسبب الحرب التي شنتها عليها الحكومة البريطانية في الغرب والشرق على السواء.

ويغادر شيخنا باريس إلى لندن ويحل ضيفًا على صديقه الإنجليزي مستر "بلنْت"، ويزور مجلس النواب الإنجليزي، ويخوض المعارك السياسية من أجل مصر، مطالبًا بانسحاب القوات البريطانية منها.. وتنشر جريدة "بول مول غازيت" لقاء مع الشيخ في السابع عشر من آب سنة (1884) أجراه أحد مندوبيها جاء فيه قول المحرر: "نعتقد أن الشيخ محمد عبده هو أول مصري أصيل يزور هذه البلاد.. لم نعرف مصريًّا عريقًا في مصريته كالشيخ محمد عبده الذي قدم لزيارة لندن اليوم: فهو يقينًا فلاح، يلبس جبة زرقاء، وعمامة بيضاء، ولا يتكلم الفرنسية، ولا الإنجليزية، بل ولا التركية، إنما يتكلم العربية لغة قومه، وليس عليه أدنى مسحة من التقاليد الأوروبية، وهو متوسط الطول، أسمر اللون، ذو لحية سوداء، حاد البصر، ذو وقار ومظهر مهيب، له ابتسامه جذابة، وإذا استثاره محدثه تكلم كلام الفصيح المتواضع، قوي الحجة، وثّاب الذكاء، مشرق الطلعة، وضّاح الجبين". وكذلك فقد نشرت بعض الجرائد الأخرى الإنجليزية كجريدة "تروث" التي يحررها النائب "لابوشير" وجريدة "التيمس" المشهورة شيئًا عما جرى بين محمد عبده ورجال السياسة الإنجليزية من محادثات في الأحوال المصرية. ونشرت "العروة الوثقى" مقتطفات مما جرى بين الشيخ المصري و "لورد هرتنجتون" وزير الحرب الإنجليزي آنذاك.

ويعود شيخنا من لندن إلى باريس، ثم يسافر إلى تونس، وإلى بلاد أخرى، ويذهب إلى مصر متنكرًا (كما جاء في كتاب سرّي إلى بعض أعضاء جمعية "العروة الوثقى" كتبه في أوائل سنة 1885) ويعود شيخنا إلى بيروت بعد أيام، ثم يُستدعى في أواخر سنة (1885) للتدريس في المدرسة السلطانية التي أسسها أنصار "مدحت باشا" فقام بتدريس العربية وعلوم التوحيد والمنطق والمعاني والإنشاء والتاريخ الإسلامي والمعاملات من الفقه الحنفي على خير وجه، وفي نهاية ذلك العام الدراسي أقيم احتفال كبير طلب فيه أحد الأدباء من شيخنا أن يخطبهم في موضوع يختاره، فوقف الأستاذ، وارتجل خطبة مفصلة استغرقت أكثر من ساعة  عن "علة تأخر الشرق" وقد أدهش أستاذنا الحاضرين ببلاغته، وتدفق أفكاره، وسلامة لغته، وقوة حجته.. ونزولاً عند رغبة السوريين أخذ أستاذنا يلقي دروسًا في تفسير القرآن في مسجدين من مساجد بيروت هما: المسجد الكبير، ومسجد الباشورة، فأقبل البيروتيون إقبالاً منقطع النظير على دروس ذلك العالم المتسامح الواسع الأفق الذي قال عنه أحمد عرابي: "إن رأسه أصلح للبس القبعة من لبس العمامة!!) ومن الجدير بالذكر أن كثيرًا من الإخوة المسيحيين كانوا يتجمعون عند باب المسجد ليسمعوا دروسه، ثم استأذنوه في دخول المسجد ليستمعوا إليه فأذن لهم.

وعلى الرغم من اشتغال شيخنا الأستاذ بالتدريس إلا أنه وجد وقتًا للتأليف، وكتابة المقالات في الصحف والمجلات: فترجم من الفارسية إلى العربية رسالة "الرد على الدهريين" للسيد جمال الدين الأفغاني، وصدّرها بمجمل من سيرة أستاذه، وأعدّ للنشر الدروس التي ألقاها على تلاميذه  السوريين في شرح "نهج البلاغة" لعلي بن أبي طالب، و"مقامات" بديع الزمان الهمذاني"؛ وفي بيروت اهتدى إلى نسخة من كتاب "البصائر النصيرية" للساوي في المنطق: فدرس الكتاب، وشرحه، ونشره بعد ذلك في مصر سنة (1898) وفي بيروت أيضًا أملى على تلاميذه دروسًا في علم التوحيد ظهرت خلاصتها بعد ذلك في مصر في "رسالة التوحيد" التي تعد بحق من أطرف ما كُتب في الفلسفة وعلم الكلام، وأخيرًا كتب أستاذنا رسالتين مسهبتين إصلاحيتين إحداهما إلى شيخ الإسلام بالآستانة عن إصلاح التعليم الديني، والثانية إلى والي بيروت عن "إصلاح القطر السوري" من طريق التربية والتعليم.

ويعود شيخنا الأستاذ محمد عبده من بيروت إلى مصر في ظروف غاية في الغرابة (بحسب رواية للشيخ عبد الوهاب النجار) تدخلت فيها "الملكة فيكتوريا" والسلطان "عبد الحميد" ليعود إلى مصر أحد قادة الثورة العرابية!! وفي مصر يعيَّن شيخنا سنة (1888) قاضيًا في المحاكم الأهلية الابتدائية، ويعيَّن قاضيًا في محكمة بنها، ثم في محكمة الزقازيق، ثم في محكمة عابدين، وبعد عامين يعيَّن مستشارًا في محكمة الاستئناف.. ويطلب شيخنا أن يعود إلى التدريس في "دار العلوم" ولكن الخديوي يرفض طلبه خوفًا من تأثير آرائه السياسية في الطلاب!! وفي أثناء عمله في القضاء أتقن شيخنا اللغة الفرنسية، وقد أملى الأستاذ الإمام في مرض موته فصلاً بالفرنسية نشره المسيو "دي جرفيل" في كتاب له عن "مصر الحديثة" بعنوان: "وصية سياسية للمرحوم المفتي الشيخ محمد عبده" وقد ترجم شيخنا عن الفرنسية كتاب "التربية" للفيلسوف الإنجليزي "هربرت سبنسر" ترجمة تدل على تمكنه من تلك اللغة. من كل هذا ومن كثير غيره يتبين لنا أن شيخنا كان على صلة قوية بكثير من مثقفي الغرب وسياسييه.

وفي مصر أيضًا يضع أستاذنا الإمام محمد عبده مشروعًا كاملاً لإصلاح الأزهر إصلاحًا معنويًّا مادّيًّا شاملاً، ولكنه –للأسف- لم يستطع أن ينفذه لقيام العراقيل في وجهه من كل صوب... وفي الثالث من حزيران سنة (1899) صدر الأمر العالي بتعيين الشيخ محمد عبده مفتيًا للديار المصرية، وفي الخامس والعشرين من الشهر نفسه يعيَّن الشيخ الإمام في مجلس الشورى، وفي سنة (1900) يُنتخب شيخنا رئيسًا للجمعية الخيرية الإسلامية التي كان من مؤسسيها سنة (1892) ومن أبرز الشخصيات العاملة فيها... وفي مصر كذلك يفكر شيخنا في إنشاء الجامعة المصرية إلى جانب الأزهر الشريف وقد أقنع غنيًّا من أغنياء مصر هو "أحمد المنشاوي" بأن يوقف لبناء الجامعة قطعة أرض في ضواحي القاهرة، وشرع المنشاوي في إعداد العدة لذلك، ولكنه قضى نحبه، فتوقف المشروع. ويقضي شيخنا رجل الإصلاح نحبه في الحادي عشر من تموز سنة (1905) ولم يمضِ إلا قليلٌ من الزمن حتى أنشئت جامعة الشعب ثم "الجامعة المصرية" صدًى لأمنية الأستاذ الإمام، وتحقيقًا لرغبته.

رحم الله شيخنا الأستاذ الإمام رجل الإصلاح والمواقف المرحوم محمد عبده، ورحم الله من وافانا بأدق التفصيلات عن أستاذنا الشيخ في كتابه "أعلام الإسلام" الصادر في تموز (1944) عن لجنة ترجمة دائرة المعارف الإسلامية في مصر المرحوم" عثمان أمين"، ورحم الله العلامّة المرحوم "عادل زعيتر" الذي قامت أسرته الكريمة بإهداء مكتبته القيمة إلى مكتبة بلدية نابلس، ومنها هذا الكتاب.. جزاهم الله جميعًا عنا خير الجزاء.

(28/1/2009)

من أعلام الإسلام.......(28)


من الأرشيف لضيق الوقت ...فمعذرة

 

 

 

 

رمضــــانيات        يكتبها عدنان السمان

 
 

 


من أعلام الإسلام.......(28)

أ. عدنان السمان

www.samman.co.nr

ولد الشيخ جمال الدين الأفغاني في قرية "أسعد آباد" من أعمال "كابل" في بلاد الأفغان، سنة 1839م (1254هـ)، وكانت وفاته بالآستانة في التاسع من آذار 1897م .

ويعود نسب الأفغاني الى أصول عربية حيث سكن أجداده بلاد الحجاز، ويرتفع نسبه إلى الترمذي أحد أشهر رواة الحديث، ثم يرتقي هذا النسب الى الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب. وعندما كان جمال الدين في الثامنة من عمره انتقلت أسرته للعيش في "كابل" العاصمة، ومنذ تلك الأيام أخذ أبوه في تربيته وتعليمة حيث درس مبادئ العربية، وعلوم الشريعة من تفسير، وحديث، وفقه، وأصول، وكلام، وتصوف.. كما درس العلوم العقلية، والعلوم الرياضية، والفلك، كما درس نظريات الطب والتشريح، فأتم ذلك كله وهو في الثامنة عشرة من عمره كما يقول تلميذه الإمام الشيخ محمد عبده في مقدمة رده على الدهريين.

     تنقل الأفغاني في كثير من الأقطار إضافة الى أفغانستان منها : الهند، ومصر، وإيران، وتركيا، وروسيا القيصرية، وفرنسا، ولندن التي دعاه الإنجليز لزيارتها. ولقد كان له في كل بلد زارها حكاية، بل حكايات تؤكد في مجملها وتفصيلاتها على ثورية هذا الرجل، وتمرده على الاستعمار والاستبداد والاستكبار، وتؤكد بما لا يقبل أدنى شك على تمسك هذا الثائر، وتشبثه بوحدة بلاد العرب والمسلمين في إطار الجامعة الإسلامية التي دعا إليها طيلة أيام حياته، وتجرع في سبيلها آلام السجن والنفي والتشريد... لقد كان الأفغاني مثقفًا أجاد العربية، والتركية، والأفغانية، والفارسية، والفرنسية، وألمّ بالإنجليزية والروسية.. وكان الأفغاني كاتبًا يتذوق الشعر ويقرضه، وكان صحافيًّا أصدر (العروة الوثقى) في باريس، ولم يصدر منها إلا ثمانية عشر عددًا نظرًا للحرب الشعواء التي شنها عليها المستعمرون أعداء الشعوب، وعلى الرغم من ذلك فقد كانت تلك المجلة الأسبوعية مدرسة فكرية، ونهجًا نضاليًّا، وملهمًا للأحرار والمنفيين من أجيال العرب والمسلمين التي تربّت على يدي هذا المفكر الإسلامي، ونهجت نهجه وهي تقارع الاستعمار والمستعمرين.

        مما قاله عنه تلميذه وصديقه الشيخ الإمام محمد عبده: "لقد توافرت فيه قوى الفلاسفة، ومواهب رجال الأعمال، وقد نشأ قطبًا من أقطاب الفلسفة، وعاش ركنًا من أركان السياسة، فكأنه حقيقة كليّة تجلّت في كل ذهن بما يلائمه، أو قوة روحيّة قامت لكل نظر بشكل يشاكله". ومما قاله عنه المستشرق الفرنسي آرنست رينان: "وقد خيل إلي من حرية فكره، ونبالة شيمه وصراحته وأنا أتحدث إليه، أنني أرى وجهًا لوجهِ أحدِ مَن عرفتُهم من القدماء، وأنني أشهد ابن سينا، أو ابن رشد، أو أحد أولئك العظام الذين ظلوا خمسة قرون يعملون على تحرير الإنسانية من الإسار". وعندما قال بعض خطباء ثورة سنة 1919 لسعد زغلول: إنك خالق هذه النهضة، رد عليهم قائلاً: "لست خالق هذه النهضة، كما قال بعض خطبائكم، لا أقول ذلك ولا أدّعيه، بل لا أتصوره، وإنما نهضتكم قديمة، من عهد محمد علي وعرابي، وللسيد جمال الدين الأفغاني وأتباعه وتلاميذه أثر كبير فيها"، ومن أقوال الأفغاني: "إن هذا الشرق، وهذا الشرقي لا يلبث طويلاً حتى يهبّ يومًا من رقاده، ويمزق ما تقنّع وتسربل به هو وأبناؤه من لباس الخوف والذل، فيأخذ في إعداد عدة الأمم الطالبة لاستقلالها المستنكرة لاستعبادها". ومن أقوال الأفغاني أيضًا: " لا سبيل إلى تمييز أمة عن أخرى إلا بلغتها، فالأمة العربية هي عرب قبل كل دين ومذهب، وهذا الأمر من الوضوح والظهور للعيان ما لا يحتاج معه إلى دليل أو برهان". ومن أقواله : "إن الإنسان من أكبر أسرار هذا الكون ولسوف يستجلي بعقله ما غمض وخفي من أسرار الطبيعة، وسوف يصل بالعلم وبإطلاق سراح العقل إلى تصديق تصوراته، فيرى ما كان من التصورات مستحيلاً قد صار ممكنًا" . ومن كتابه "خاطرات" هذه الترجمة الذاتية: "وأي نفع لمن يذكر أنني ولدت سنة 1254هـ، وعُمّرتُ أكثر من نصف عصر، واضطررت لترك بلادي "الأفغان" مضطربة تتلاعب بها الأهواء والأغراض، وأُكرهتُ على مبارحة الهند، وأُجبرتُ على الابتعاد عن مصر، أو إن شئتَ قل نفيتُ منها، ومن الآستانة، ومن أكثر عواصم الأرض، كل هذه الأحوال "خاطرات" لا تسرني، وليس فيها أدنى فائدة للقوم.

        أما القول بأنها لا تسرني، لا بمعنى أني نفيتُ من البلاد، أو سجنتُ، كلا.. لأني أعتقد أن السجن بطلب الحق من الظالمين العتاة "رياضة"، والنفي في ذلك السبيل "سياحة"، والقتل "شهادة"، وهي أسمى المراتب.

        فأنا عن نفسي غير راضٍ، ذلك لأن الخمول قد قعد بي، فلم يوصلني إلى أسمى مرتبة، وهي "مرتبة الشهادة"، وحطني في مصاف المنفيين من أرض إلى أرض، والمسجونين فيها، فما أبعدني في كل هذا عن أولي الهمم، ومن قام بالأعمال الخطيرة، أو المطلب الجلل!".

        رحمك الله يا شيخنا، وأمطرك وابلاً من شآبيب رحمته، وجزاكَ عن أمة العروبة والإسلام خير الجزاء؛ فقد كنت لهذه الأمة معلّمًا وأي معلم.. وكنت قائدًا أخذ بيدها نحو شاطئ العزة والمجد، وكنت ثائرًا وخطيبًا دعاها إلى الحرية والوحدة والتضامن والإخاء.

(25/12/2008)


من الأرشيف لضيق الوقت... فمعذرة

 

 

 

 

رمضــــانيات        يكتبها عدنان السمان

 
 

 


من أعلام الإسلام.....(29)

أ. عدنان السمان

www.samman.co.nr

هو محمد عبده خير الله، من مواليد قرية "محلة نصر" بمركز شبراخيت من مديرية البحيرة، وأمه "جنينة" من أسرة معروفة هي أسرة "عثمان" في مديرية الغربية، وقد ولد في أواخر سنة (1849) تسع وأربعين وثمانمئة وألف.

لم يدرس شيخنا في الكتاتيب، بل إنه قد حفظ القرآن الكريم في منزل والديه على حافظ خاص، وفي سنة (1862) اثنتين وستين وثمانمئة وألف أرسله والده إلى المسجد الأحمدي بطنطا، وبعد أن قضى الفتى في تجويد القرآن نحو سنتين جلس في دروس العلم بالمسجد الأحمدي؛ فبدأ بتلقي قواعد اللغة العربية، وبعد عام ونصف من محاولات فهم النحو العربي لم يفهم الفتى منه قليلاً ولا كثيرًا لعقم أساليب التدريس، وجفاف المادة وجمودها، وخشونة الشيخ الذي يتولى عملية التدريس، وفظاظته.

يغادر محمد طنطا، وقد قرر أن لا يعود إلى طلب العلم مهما كلف الأمر، وعليه فقد تزوج سنة (1865) خمسة وستين وثمانمئة وألف، ولكن والده أجبره على العودة إلى المسجد الأحمدي ليواصل دراسته، فتظاهر بالإذعان، وقد قرر الهرب، وهكذا كان.

ولقد كان من حسن حظه أن تولى أمره في القرية التي لجأ إليها أحد أخوال أبيه "الشيخ درويش" الذي استطاع أن يهدّئ من روعه، وأن يُحدث تحولاً في حياته بالعودة إلى طلب العلم بعزيمة وهمة ونشاط رغم كل المعوقات، وهكذا عاد محمد إلى المسجد الأحمدي بنفس راضية في أواخر العام (1865) خمسة وستين وثمانمئة وألف، ليشد الرحال في مطلع العام التالي إلى الأزهر الشريف في القاهرة كي يواصل دراسته هناك.

لم يكن التدريس في الأزهر بأحسن حالاً منه في المسجد الأحمدي، بل ربما كان الوضع أسوأ في ذلك العهد القاتم الذي ينطق كل ما فيه بالتخلف والتسلط والفظاظة والجمود، ولقد قضي محمد عبده من شبابه سنوات طوالاً من نكد العيش ومرارته (قبل أن يحصل على شهادة "العالمية" سنة 1877) في هذه البيئة العلمية التي وصفها الدكتور طه حسين في "الأيام" فأجاد الوصف، إلى أن حل في مصر رائد النهضة الفكرية في القرن التاسع عشر السيد جمال الدين الأفغاني سنة (1869) تسع وستين وثمانمئة وألف؛ فكان ذلك بداية عهد جديد في تاريخ مصر، وفي تاريخ الأزهر، وفي حياة الشاب الثائر على جمود التعليم، وجفاف أساليبه، وعقم مشايخه ومعلميه في الأزهر، وفي كافة المساجد والكتاتيب في مصر وفي كل ديار العروبة والإسلام.

ويصبح الشيخ الشاب أستاذًا في الأزهر الشريف يلقي فيه دروسًا في التوحيد والمنطق والأخلاق.. وفي أواخر سنة (1878) ثمان وسبعين وثمانمئة وألف عين الشيخ الأستاذ مدرّسًا للتاريخ بمدرسة "دار العلوم"، ومدرّسًا للغة العربية في "مدرسة الألسن".. وفي الخامس والعشرين من حزيران سنة (1879) تسع وسبعين وثمانمئة وألف أُجبر الخديوي "إسماعيل" على التنازل عن العرش إلى ولده "توفيق" الذي يعتبر السيد الأفغاني، والشيخ محمد عبده من أقوى أنصاره، ولكنه، وبدلاً من تنفيذ وعده لهما بالإصلاح، وتحت تأثير خصومهما السياسيين أمر بإبعاد الأفغاني إلى الهند، وبفرض الإقامة الجبرية على الشيخ في قريته "محلة نصر".

بعد عودة رئيس الوزراء "رياض باشا" من السفر عرف ما حلّ بصديقيه، فاستشار صديقيه: الشيخ حسين المرصفي، ومحمود سامي البارودي بشأن الشيخ محمد عبده، فأشارا بتعيينه محررًا في "الوقائع المصرية" وكانت الجريدة الرسمية في مصر، وهكذا كان.. وبعد أن أصبح الشيخ الإمام رئيسًا لتحرير "الوقائع المصرية" عمل على إصلاح الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية في البلاد، ونشر المقالات النقدية عن سياسة التعليم؛ فكان من نتيجة هذا كله أن أنشئ المجلس الأعلى للمعارف في الحادي والثلاثين من آذار من العام (1881) وانتُخب الشيخ الإمام  عضوًا فيه، فاستأنف جهوده من خلال هذا المجلس للنهوض بالتعليم.. كما أن جهود الشيخ محمد عبده ومعاونيه في تحرير "الوقائع" كانت باعثًا لنهضة أدبية شاملة، وتجديد في أساليب الكتابة.

كان الأستاذ الإمام من مؤيدي وزارة رياض باشا الإصلاحية، وكان يرى في هذا الرجل صورة حسنة للمستبد العادل الذي يستطيع "أن يصنع في خمس عشرة سنة مالا يصنع العقل وحده في خمسة عشر قرنًا" هكذا تكلم الأستاذ الشيخ في مقال له مشهور عنوانه "إنما ينهض بالشرق مستبد عادل" قال فيه إن هذا المستبد يُكره المتناكرين على التعارف، ويُلجئ الأهل إلى التراحم، ويقهر الجيران على التناصف، ويحمل الناس على رأيه في منافعهم بالرهبة، إن لم يحملوا أنفسهم على ما فيه سعادتهم بالرغبة!!

عندما ضُربت الإسكندرية بقنابل الأسطول البريطاني في الحادي عشر من حزيران سنة (1882) هبّ الشيخ محمد عبده يدعو إلى التطوع في صفوف الجيش للدفاع عن مصر، وإمداد هذا الجيش بالمقاتلين والإعانات والتبرعات.. ولكن الإنجليز يحتلون الإسكندرية، ويدخلون مصر، وفي الخامس والعشرين من أيلول سنة (1882) عاد الخديوي من الإسكندرية إلى القاهرة تسانده قوة الجيش الإنجليزي.. وقُبض على زعماء العرابيين، وغيرهم من الضباط والعلماء والأعيان والوطنيين، ويُحكم على الشيخ بالنفي إلى سوريا مدة ثلاث سنوات، ويلجأ شيخنا إلى بيروت، ومعه طائفة من المصريين منهم الشيخ أمين أبو يوسف، وإبراهيم اللقاني، وأحمد عبد الغفار، ومحمد الزمر.. فأكرم السوريون مثواهم.. وبعد عام واحد تلقى محمد عبده كتابًا من السيد جمال الدين الأفغاني يدعوه فيه إلى لقائه في فرنسا التي كان قد استقر فيها بعد مغادرة منفاه في الهند، وهكذا كان.. وهكذا خرج شيخنا من بيروت في أوائل عام (1884) متوجهًا إلى باريس.

في مدينة الأنوار شكّل محمد عبده مع أستاذه الأفغاني "جمعية العروة الوثقى" وأصدرا بعد ذلك جريدتهما "العروة الوثقى" التي صدر عددها الأول في الثالث عشر من آذار سنة (1884) وعددها الأخير في الثامن عشر من تشرين الأول من العام نفسه، وبهذا أغلقت "العروة الوثقى" بعد ثمانية أشهر من صدورها بسبب الحرب التي شنتها عليها الحكومة البريطانية في الغرب والشرق على السواء.

ويغادر شيخنا باريس إلى لندن ويحل ضيفًا على صديقه الإنجليزي مستر "بلنْت"، ويزور مجلس النواب الإنجليزي، ويخوض المعارك السياسية من أجل مصر، مطالبًا بانسحاب القوات البريطانية منها.. وتنشر جريدة "بول مول غازيت" لقاء مع الشيخ في السابع عشر من آب سنة (1884) أجراه أحد مندوبيها جاء فيه قول المحرر: "نعتقد أن الشيخ محمد عبده هو أول مصري أصيل يزور هذه البلاد.. لم نعرف مصريًّا عريقًا في مصريته كالشيخ محمد عبده الذي قدم لزيارة لندن اليوم: فهو يقينًا فلاح، يلبس جبة زرقاء، وعمامة بيضاء، ولا يتكلم الفرنسية، ولا الإنجليزية، بل ولا التركية، إنما يتكلم العربية لغة قومه، وليس عليه أدنى مسحة من التقاليد الأوروبية، وهو متوسط الطول، أسمر اللون، ذو لحية سوداء، حاد البصر، ذو وقار ومظهر مهيب، له ابتسامه جذابة، وإذا استثاره محدثه تكلم كلام الفصيح المتواضع، قوي الحجة، وثّاب الذكاء، مشرق الطلعة، وضّاح الجبين". وكذلك فقد نشرت بعض الجرائد الأخرى الإنجليزية كجريدة "تروث" التي يحررها النائب "لابوشير" وجريدة "التيمس" المشهورة شيئًا عما جرى بين محمد عبده ورجال السياسة الإنجليزية من محادثات في الأحوال المصرية. ونشرت "العروة الوثقى" مقتطفات مما جرى بين الشيخ المصري و "لورد هرتنجتون" وزير الحرب الإنجليزي آنذاك.

ويعود شيخنا من لندن إلى باريس، ثم يسافر إلى تونس، وإلى بلاد أخرى، ويذهب إلى مصر متنكرًا (كما جاء في كتاب سرّي إلى بعض أعضاء جمعية "العروة الوثقى" كتبه في أوائل سنة 1885) ويعود شيخنا إلى بيروت بعد أيام، ثم يُستدعى في أواخر سنة (1885) للتدريس في المدرسة السلطانية التي أسسها أنصار "مدحت باشا" فقام بتدريس العربية وعلوم التوحيد والمنطق والمعاني والإنشاء والتاريخ الإسلامي والمعاملات من الفقه الحنفي على خير وجه، وفي نهاية ذلك العام الدراسي أقيم احتفال كبير طلب فيه أحد الأدباء من شيخنا أن يخطبهم في موضوع يختاره، فوقف الأستاذ، وارتجل خطبة مفصلة استغرقت أكثر من ساعة  عن "علة تأخر الشرق" وقد أدهش أستاذنا الحاضرين ببلاغته، وتدفق أفكاره، وسلامة لغته، وقوة حجته.. ونزولاً عند رغبة السوريين أخذ أستاذنا يلقي دروسًا في تفسير القرآن في مسجدين من مساجد بيروت هما: المسجد الكبير، ومسجد الباشورة، فأقبل البيروتيون إقبالاً منقطع النظير على دروس ذلك العالم المتسامح الواسع الأفق الذي قال عنه أحمد عرابي: "إن رأسه أصلح للبس القبعة من لبس العمامة!!) ومن الجدير بالذكر أن كثيرًا من الإخوة المسيحيين كانوا يتجمعون عند باب المسجد ليسمعوا دروسه، ثم استأذنوه في دخول المسجد ليستمعوا إليه فأذن لهم.

وعلى الرغم من اشتغال شيخنا الأستاذ بالتدريس إلا أنه وجد وقتًا للتأليف، وكتابة المقالات في الصحف والمجلات: فترجم من الفارسية إلى العربية رسالة "الرد على الدهريين" للسيد جمال الدين الأفغاني، وصدّرها بمجمل من سيرة أستاذه، وأعدّ للنشر الدروس التي ألقاها على تلاميذه  السوريين في شرح "نهج البلاغة" لعلي بن أبي طالب، و"مقامات" بديع الزمان الهمذاني"؛ وفي بيروت اهتدى إلى نسخة من كتاب "البصائر النصيرية" للساوي في المنطق: فدرس الكتاب، وشرحه، ونشره بعد ذلك في مصر سنة (1898) وفي بيروت أيضًا أملى على تلاميذه دروسًا في علم التوحيد ظهرت خلاصتها بعد ذلك في مصر في "رسالة التوحيد" التي تعد بحق من أطرف ما كُتب في الفلسفة وعلم الكلام، وأخيرًا كتب أستاذنا رسالتين مسهبتين إصلاحيتين إحداهما إلى شيخ الإسلام بالآستانة عن إصلاح التعليم الديني، والثانية إلى والي بيروت عن "إصلاح القطر السوري" من طريق التربية والتعليم.

ويعود شيخنا الأستاذ محمد عبده من بيروت إلى مصر في ظروف غاية في الغرابة (بحسب رواية للشيخ عبد الوهاب النجار) تدخلت فيها "الملكة فيكتوريا" والسلطان "عبد الحميد" ليعود إلى مصر أحد قادة الثورة العرابية!! وفي مصر يعيَّن شيخنا سنة (1888) قاضيًا في المحاكم الأهلية الابتدائية، ويعيَّن قاضيًا في محكمة بنها، ثم في محكمة الزقازيق، ثم في محكمة عابدين، وبعد عامين يعيَّن مستشارًا في محكمة الاستئناف.. ويطلب شيخنا أن يعود إلى التدريس في "دار العلوم" ولكن الخديوي يرفض طلبه خوفًا من تأثير آرائه السياسية في الطلاب!! وفي أثناء عمله في القضاء أتقن شيخنا اللغة الفرنسية، وقد أملى الأستاذ الإمام في مرض موته فصلاً بالفرنسية نشره المسيو "دي جرفيل" في كتاب له عن "مصر الحديثة" بعنوان: "وصية سياسية للمرحوم المفتي الشيخ محمد عبده" وقد ترجم شيخنا عن الفرنسية كتاب "التربية" للفيلسوف الإنجليزي "هربرت سبنسر" ترجمة تدل على تمكنه من تلك اللغة. من كل هذا ومن كثير غيره يتبين لنا أن شيخنا كان على صلة قوية بكثير من مثقفي الغرب وسياسييه.

وفي مصر أيضًا يضع أستاذنا الإمام محمد عبده مشروعًا كاملاً لإصلاح الأزهر إصلاحًا معنويًّا مادّيًّا شاملاً، ولكنه –للأسف- لم يستطع أن ينفذه لقيام العراقيل في وجهه من كل صوب... وفي الثالث من حزيران سنة (1899) صدر الأمر العالي بتعيين الشيخ محمد عبده مفتيًا للديار المصرية، وفي الخامس والعشرين من الشهر نفسه يعيَّن الشيخ الإمام في مجلس الشورى، وفي سنة (1900) يُنتخب شيخنا رئيسًا للجمعية الخيرية الإسلامية التي كان من مؤسسيها سنة (1892) ومن أبرز الشخصيات العاملة فيها... وفي مصر كذلك يفكر شيخنا في إنشاء الجامعة المصرية إلى جانب الأزهر الشريف وقد أقنع غنيًّا من أغنياء مصر هو "أحمد المنشاوي" بأن يوقف لبناء الجامعة قطعة أرض في ضواحي القاهرة، وشرع المنشاوي في إعداد العدة لذلك، ولكنه قضى نحبه، فتوقف المشروع. ويقضي شيخنا رجل الإصلاح نحبه في الحادي عشر من تموز سنة (1905) ولم يمضِ إلا قليلٌ من الزمن حتى أنشئت جامعة الشعب ثم "الجامعة المصرية" صدًى لأمنية الأستاذ الإمام، وتحقيقًا لرغبته.

رحم الله شيخنا الأستاذ الإمام رجل الإصلاح والمواقف المرحوم محمد عبده، ورحم الله من وافانا بأدق التفصيلات عن أستاذنا الشيخ في كتابه "أعلام الإسلام" الصادر في تموز (1944) عن لجنة ترجمة دائرة المعارف الإسلامية في مصر المرحوم" عثمان أمين"، ورحم الله العلامّة المرحوم "عادل زعيتر" الذي قامت أسرته الكريمة بإهداء مكتبته القيمة إلى مكتبة بلدية نابلس، ومنها هذا الكتاب.. جزاهم الله جميعًا عنا خير الجزاء.

(28/1/2009)