عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


الأحد، ٢٨ شباط ٢٠١٠

سلامُ الشرقِ الأوسط.. رؤيةٌ سهلةٌ لواقعٍ بالغِ التعقيد!!

متابعات

سلامُ الشرقِ الأوسط.. رؤيةٌ سهلةٌ لواقعٍ بالغِ التعقيد!!

أ. عدنان السمان

www.samman.co.nr

 

        أن ترى خيرٌ من أن لا ترى، وخيرٌ من أن ترى بعيون الآخرين أيضًا.. وأن تسمع خيرٌ من أن لا تسمع، وخيرٌ أيضًا من أن تسمع بآذان الآخرين.. وأن تكون خيرٌ من أن لا تكون، وخيرٌ من أن تكون من خلال الآخرين صدًى باهتًا شاحبًا لأصواتهم! وتابعًا ذليلاً لاهثًا خلف سراب وعودهم، وجحيم أطماعهم.. وأن تفكر خيرٌ من أن يفكر عنك الآخرون.. ومن الخير كذلك أن تحلم، وأن تقرِّر، وأن تنظّر، وأن تكتب شعرًا أو نثرًا، وأن تنطق همسًا أو جهرًا.. ومن الخير لك، ولمن هم حولك من عِترةٍ وعِزوةٍ ورَبع وعشيرة وأحباب وأصدقاء وأعداء أن تقدم حلاًّ لمشكلة تتهددهم جميعًا بالفناء، وأن تضع حدًّا لكوارث ونوازل تفتك بهم، وتودي بحياة كثير منهم صباحَ مساء.. ينبغي أن تدرك، وأن يدرك الناس من حولك أن الفناء إذا حلّ ببلد حصد الأرواح دون تفريق بين عدو وصديق، ودون أدنى تمييز بين جنس وجنس، وبين لون ولون، وبين دين ودين.

        ربما كان السلام، وكان التفاهم والتراضي والوئام، وربما زال الخصام، وزال النفور، وامّحى شبح الظلام، وأشرق الفجر، وغرد الطير، وغنى الناس للضياء والنور، واختفت الظلمة، وزال الدَّيجور بفعل رؤية سهلة صادرة عن مواطنين عاديين لم يبلغوا في حياتهم، ولن يبلغوا بعد مماتهم شيئًا مما بلغه أصحاب الرؤى ممن تقدموا برؤاهم وحلولهم ومقترحاتهم منذ البدايات الأولى لنشأة مشكلات الشرق الأوسط ومعضلاته، ومنذ البدايات الأولى لنشأة أمّ هذه المشكلات، ومعضلة هذه المعضلات جميعًا.. هذه القضية الفلسطينية التي كانت أصل الداء، وسبب العلة والبلاء في كل ديار العروبة والإسلام، أو في كل بلدان الشرق الأوسط، أو الشرق الأوسط الكبير كما يحلو لبعضهم أن يقول، وستبقى كذلك إلى أن تُحَلَّ حلاًّ مقنعًا يعيد الحقوق إلى أصحابها.

        ربما كان السلام بفعلِ رؤيةٍ سهلةٍ لواقعٍ بالغِ الصعوبة والتعقيد، يزداد صعوبةً كلما تراءى للمشتغلين به، والقائمين على أمره أنهم قاب قوسين أو أدنى من الحل!! وربما كان هؤلاء بوعي منهم أو بدون وعي هم الذين يزيدون الطينِ بِلّةً، والأمور صعوبةً وتعقيدًا، وربما كانوا "كابرًا "عن" كابر"، وجيلاً بعد جيل سببًا من أسباب نكبة هذه الأمة، وخيبة هذا الشعب، وتشرده في الآفاق، وربما كانوا بإصرارهم هذا، وممارساتهم هذه من أكبر الأسباب التي باتت تجمّع الصفوف ضدهم، وتؤلف بين القلوب، وتوحّدها على حربهم، وتخليص البلاد والعباد من أطماعهم وعدوانهم وطغيانهم.. وكلما أمعن هؤلاء في طغيانهم ازداد الناس نفورًا من الطغيان والطغاة، وراحوا يبحثون عن أفضل وسائل التصدي، وراحوا يبحثون عن الرد على التحدي بقبول هذا التحدي، لا حبًّا في العنف والموت وسفك الدماء، وإنما رغبةً في الدفاع عن الأرض، ورغبةً في حماية الأوطان من العدوان، ورغبةً في وضع حدٍّ لهذا العدوان، وذاك الطغيان.. وكلما راحت هذه التحالفات الغربية تكثّف من هجماتها وتوغلاتها وبطشها راح المستهدَفون الرافضون من أبناء هذه الأمة في المقابل يصعّدون من ضرباتهم، ويضاعفون من هجماتهم، وراحوا يمعنون في الإصرار على المقاومة، وقبول التحدي حتى خروج آخر جندي من جنود المحتلين، وحتى سقوط آخر قلعة من قلاع المعتدين... بل إن الأمر قد تجاوز ذلك إلى قيام هذه التحالفات بين كثير من البلدان والقوى والتكتلات في هذا الشرق الأوسط –كما يسمونه- ولعل هذا التحالف السوري التركي الإيراني خير شاهد على هذه النتائج التي أدى إليها عدوان المعتدين على كثير من أقطار هذا العالم الإسلامي، وخير شاهد على الرغبة المطلقة في التصدي، وعلى الرغبة المطلقة في الدفاع عن النفس، وعلى الرغبة المطلقة في الرد على أي عدوان، وعلى الرغبة المطلقة في الرد على التهديد بالعدوان؛ فالقوة قد تردع المعتدي عن القيام بالعدوان، والقوة قد تكون سببًا كافيًا لمنع الحرب في كثير من الأحيان، والقوة بما تنطوي عليه من مزايا وخصائص وإيجابيات قد تكون سببًا مقنعًا لكثير من القوى والأقطار والتكتلات لدخول مثل هذا التحالف، وخوض مثل هذه التجربة التي أثبتت جدواها منذ أقدم العصور.. لقد بات هذا التحالف السوري التركي الإيراني وسيلةً للرد على مخططات الغربيين، كما بات وسيلة لحماية أقطار هذا الشرق من أطماع الطامعين، وعدوان المعتدين، وسيزداد هذا التحالف قوةً بدخول العراق فيه ولو بعد حين، وسيزداد هذا التحالف قوةً بدخول كثير من أقطار الجوار فيه، وبدخول كثير من أقطار العرب والمسلمين.  

        إن معادلة الصراع في هذا الشرق الإسلامي واضحة سهلة، وإن سبب التصادم أيضًا واضح، والإلمام بتفصيلاتهِ وجزئياته وحيثياته أكثر من سهل؛ وبالتالي فإن الطريق إلى السلام في هذا الشرق واضح، وتحقيق السلام في هذا الشرق أمر ممكن، بل قد يكون أمرًا سهلاً، أو أكثر من سهل إذا علمنا أن هنالك قوًى تريد السيطرة على هذا الشرق، وأن هنالك من أبناء هذا الشرق من يرفض ذلك رفضًا قاطعًا، وهذا هو سبب هذه المعارك والحروب التي تدور رحاها في كثير من أقطار هذا الشرق، وهذا أيضًا هو السبب الرئيس لمعظم مظاهر التخلف والفساد والاضطراب التي تعصف بالغالبية الساحقة من أقطار هذا الشرق؛ فالقطر التابع الخاضع الراكع يجب أن يظل متخلفًا، ويجب أن يستشري فيه الفساد كي يذبحوه من الوريد إلى الوريد دون أن يحتجّ أحد من أبنائه، ودون أن يسأل أحد عما يجري في البلد!! والقطر الذي لم يتبع، ولم يخضع، ولم يركع يجب أن يطغى فيه التخلف والفساد، وأن تعمه الفوضى والاضطراب، وأن يبقى خائفًا قلقًا متوتّرًا يتوقع أن تأتيه الضربة المزلزلة في كل لحظة!! وهذا يعني –باختصار شديد- أن دول الغرب، ولا سيّما المتنفِّذة منها، وراء كل مصائب هذا الشرق الإسلامي، وأن دول الغرب هذه لن تدعَ الشرقَ وشأنَه، وأنها ماضية في تركيع هذه الأمة، وماضية في شطب هُويتها، وشطب معالم شخصيتها، ومقومات وجودها، وماضية في السيطرة المطلقة على مقدّراتها وثرواتها.. وهذا يعني أيضًا أن الرد على ذلك هو امتلاك القوة الرادعة التي توقف هذه الدول الطامعة عند حدها.. القوة بمعناها الشامل هي وسيلة هذا الشرق الإسلامي لحماية نفسه من عدوان المعتدين، وهذه القوة قد تكون عسكرية، وقد تكون سياسية، أو اقتصادية، أو ثقافية فكرية علمية، وقد تكون كل هذا وذاك إذا نحن رأينا بأم العين ما تنطوي عليه أقطار هذا الشرق من ثروات نفطية، ومعدنية، ومائية، وبشرية، وحيوانية، ونباتية، وإذا نحن رأينا بأم العين خصائص هذا الشرق ومزاياه، ومواقعه الجغرافية، ومساحاته الشاسعة، وتاريخه، وحضاراته التي كانت وما تزال حديث الدنيا... امتلاك القوة الرادعة هو وسيلة هذا الشرق لحماية نفسه، وهي وسيلته للرد على أطماع القوى الخارجية في أوطانه، والتحكّم بأرضه وإنسانه.

        وإن الطريق إلى السلام في هذا الشرق الإسلامي يصبح طريقًا واضح المعالم "سالكًا" بسهولة ويسر عندما يشهد هذا الشرق الإسلامي ميلاد دولة قوية تعرف كيف ترد على دول الغرب الاستعمارية، وتعرف كيف تستفيد من التوازنات الدولية، والإقليمية، وتعرف كيف تخاطب المجتمع الدولي، وكيف تستفيد من القوانين الدولية، والأعراف الدولية، والقرارات الدولية التي تحرّم العدوان، وتدين الاستعمار وتدمغه، وتمنح الشعوب حقها في الحرية والتحرر وتقرير المصير والعيش الآمن الكريم ضمن حدودها التي لا يجوز لأحد أن يمسّها، أو يعتدي على حرمتها.. وإن الطريق إلى السلام في هذا الشرق الإسلامي تشقّه رغبةٌ صادقة في العيش بأمن وسلام منبثقةٌ عن رؤية شاملة لتجفيف منابع التوتر والتأزم والحروب في هذا الشرق، ورؤية طموحةٌ تقوم على كفّ أيدي الغربيين عن الشرق والشرقيين بعد أن يَرَوا بأم العين دولة شرقية عربية إسلامية قوية تريد السلام منطَلَقًا لخير البشرية وسعادتها وخلاصها من الأزمات والمشكلات والحروب، لا مجرد شعار يُرفع، ويُراد به فرض الاستسلام على العرب، وفرض الاستسلام على المسلمين، وفرض الاستسلام على شعوب العالم الثالث في أمريكا اللاتينية، وفي آسيا وإفريقيا.. إن التباين في النظرة إلى السلام نابع من التباين في النظريات السياسية المنبثقة عن المبادئ والمعتقدات.. وهنا يكمن الفرق بين نظرتنا إلى السلام، ونظرة الغربيين وحلفائهم من قوى العدوان والاستعمار إليه.

        وإن هذا الواقع المتأزم المتفجّر الخطير الذي يُنبئ بشرٍّ مستطير قد يأتي على الأخضر واليابس في هذه الديار، وفي غير هذه الديار أيضًا، وإن هذا الواقع المفرط في السوء والصعوبة والتعقيد بفعل تراكمات السنين من الممكن أن تَحُلَّ كل إشكالاته ومعادلاته، بالقضاء على كل أسباب توتّراته وتفاعلاته رؤيةٌ في منتهى البساطة والسهولة يتقدم بها شعب مسالم (بعد امتلاك القوة الكافية لإعادة العقل إلى رؤوس الغربيين) قوامها أن العلاقات بين الأمم والشعوب يجب أن تقوم على أساس الاحترام المتبادل، وأن السلام العادل الدائم الشامل المقنع المتكافئ الذي لا غالب فيه ولا مغلوب هو هدف هذه الشعوب، وأن مثل هذا السلام العادل لا يتحقق إلا بخروج الغزاة الغربيين من كل ديار العروبة والإسلام، وهو لا يمكن أيضًا أن يتحقق إلا بعودة الحقوق إلى أصحابها في فلسطين، وعلى رأس هذه الحقوق حق الشعب العربي الفلسطيني في العودة إلى دياره وأرضه التي أُخرج منها، وحقه في العيش الكريم الآمن في بلاده فلسطين، ووضع حد للهيمنة والغطرسة والتجبر والتسلّط والتحكم برقاب الناس ومصائرهم ومصادر رزقهم في كل ديار العروبة والإسلام.. هذه هي المعادلة، وهذا هو قوام هذه الرؤية بزوال الأسباب التي أدت إلى قيام كل هذه المشكلات والتعقيدات، وهذا هو أساس هذه الرؤية القائمة على امتلاك القوة الرادعة الكفيلة باستتاب الأمن، وانتصار إرادة السلام العادل، بكفّ أيدي الغربيين الطامعين في السيطرة على كل أقطار هذا الشرق الإسلامي الواسع الكبير.

        إن الرجوع إلى الحق خيرٌ من التمادي في الباطل، وإن الظلم مرتعه وخيم، ولا بد من العدل كي يشعر الناس جميعًا بالأمن والأمان، ولا بد من العدل كي تعيش الشعوب جميعها باحترام، وعلى قدم المساواة، وكي تنصرف الشعوب جميعها للعمل والإعمار والبناء والتطوير بعيدًا عن القتل والإرهاب والتفجير والتدمير!!

1/3/2010


السبت، ٢٧ شباط ٢٠١٠

يرحمك الله يا مؤيد !!

متابعات

يرحمك الله يا مؤيد !!

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

        عربيًّا وحدويًّا يفيض حماسةً، وينبض عنفوانًا وقوة وعزة واندفاعًا عرفتك شابًّا يافعًا.. فلسطينيًّا ثائرًا شاعرًا متحفِّزًا وثّّّابًا كنتَ في مَيعة الصِّبا، وزهرة الشباب، وربيع العمر.. غنيتَ للوطن طفلاً، وكسرتَ قيد المذلة والهوان شابًّا، وآمنتَ بالشعب المضيَّع والمكبَّل رجلاً يصرخ بأعلى الصوت في هذه الجموع لتحمل المناجل والمشاعل والشموع.

        لو كنتَ توصَف بالكلمات لوصفتك، ولو كنتَ تُفدى بالمال لافتداك الصحبُ والولد والعشيرة والرجال، ولو كنتَ تعلم ما سيحلّ بالأهل والأحباب بعدك من الوجوم والحزن والأسى لرفقتَ بنفسك، ولو كان الأمر بيدك لترفقتَ بهم، وأشفقتَ عليهم، ورحمتَ ضعفهم، ولما تعجّلتَ الرحيل عنهم، ولآثرت البقاءَ بينهم، تستمع إليهم، وتروي على مسامعهم شيئًا من قصص الوفاء التي يشيب لهولها الولدان.. لو كان الأمر بيدك لاخترتَ أن تبقى بينهم شاهدًا وراصدًا ورائدًا وقائدًا، ولآثرتَ أن تبقى إلى جانب من أحبوكَ وأحببتهم، وإلى جانب بناتك الأربع اللواتي أحببتهنَّ وأحببنك إلى أن تحين ساعة اللقاء في منابت الطفولة، ومرابع الحنين، ومراتع الأشواق والذكريات.. لكنه القدر الذي يأبى الاستماع إلى كل هذا، ويرفض الانصياع لحديث العواطف والتمنيات والأمنيات، ولا يبالي بالمشاعر والدموع، وبالآهات والتوسلات.

        قضيت (أيها الغالي) هناك في منفاك غريبَ الوجه واليد واللسان، بعد أربعين عامًا من الشتات والتشرد والتيه.. لقد تحدثت الصحف عنك يوم إبعادك، كما تحدثت عنك يوم اعتقالك، وتحدثت عنك عندما تردّت أحوالك الصحية، وعندما أصيبت يدك اليسرى بالشلل، وعندما أُبعدتَ عن الوطن على كره منكَ، وعندما حُمِلْتَ إلى "لندن" للعلاج.. لقد كان بإمكانك أن تغادر (منذ البداية) بسلام وأمان مثل كثير من الفتيان والشبان الذين عادوا بعد ذلك، ولكنك لم تفعل.. لم تغادر، ولم تفكر بالهرب، وكان (أيها الغالي) ما كان.

        قضيتَ أيها الغالي هناك في منفاك، بعد أسابيع من الصراع مع مرض لا يرحم، كنتَ خلالها رابط الجأش، عالي الهمة، ثابت الجَنان، صابرًا، مؤمنًا أن الموت حق.. قضيتَ (أيها الغالي) بعد أن غنيتَ للوطن أعذب الأغنيات، وشدوتَ لفلسطين أجمل الألحان.. قضيتَ يا مؤيد، وأنتَ تتأبط ذلك الدفتر الذي لازمك منذ سن السادسة عشرة في العام الرابع والستين من القرن الماضي، وقد كتبتَ على غلافه بخط واضح كلمة "المشرَّد".. وكأنكَ كنتَ تقرأ المستقبل يومها، بل لعلك كنتَ تكتبه لنفسك يا مؤيد!!

        كان يوم رحيلك (أيها الغالي) في الثاني والعشرين من شباط، عيد الوحدة المصرية السورية، وقيام الجمهورية العربية المتحدة التي أحببتَها.. لقد كنتَ عربيًّا فلسطينيًّا وحدويًّا جميلاً في حياتك، ويوم مماتك، ويوم تُبعثُ حيًّا يا مؤيد.. ستُبعثُ عربيًّا فلسطينيًّا ينادي بوحدة هذه الأمة، وخلاص هذا الشعب، وإنصافه، وردّ الاعتبار إليه في ذلك الموقف العظيم.

        لقد احتفظتُ لك بتلك الصورة المشرقة الزاهية عندما كنتَ شابًّا صغيرًا لم يبلغ العشرين.. لا زلتَ في نظري ذلك الشاب الوسيم الممتلئ قوة ونشاطًا وحيويةً.. لا زالتَ رمزًا لذلك الزمن الجميل، وصورة ناصعة، وصوتًا يرنّ في آذاننا لعهد الشباب الذي مضى وانقضى ولن يعود.. ولا زلتُ أراك بعينِ الخيال (أيها الغالي) فأرى فيك الإباء والعطاء والوفاء.. أراكَ فتحلو لعيني الحياة.. أراك فيحلو لعيني النظر!! ولو كان يُفدى راحلٌ يا مؤيد لافتديناك.. سلامٌ عليك أيها الراحل الحبيب.. سلام عليك يوم وُلدتَ، ويوم متَّ، ويوم تُبعث حيًّا.. سلامًا ودمعًا على قوافل الشهداء. لقد كان مصابي فيك أليمًا، وكانت فجيعتي فيك كبيرة.. سلام عليك يا مؤيد في الخالدين.

22/2/2010

 

 


الخميس، ٢٥ شباط ٢٠١٠

في يوم المعلم العربي !!

متابعات

في يوم المعلم العربي !!

 

أ. عدنان السمان  

www.samman.co.nr

 

        المعلم والمنهاج والكتاب والمدرسة والتوجّه الذي يرسم السياسة العامة للتعليم، ويضع فلسفته، ويتابع تطورات الأمور على الطبيعة، مستخلصًا الدروس والعبر المستفادة من سير العملية التربوية التعليمية، وراصدًا مدى الانسجام، أو التناقض، بين النظريات التربوية، وتطبيقاتها العملية في المدرسة، ومدى تأثر البيئة الخاصة، والمجتمع المحلي بفلسفة التعليم في البلد، ومدى تأثير الأوضاع العامة، والأحوال السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والتوجّه العامّ في ذلك كله، وانعكاسات ذلك على أحوال الأمة تقهقرًا أو تقدمًا، سلبًا أو إيجابًا هو ما يعنينا هنا، وهو ما نضعه في اعتبارنا ونحن نناقش هذه القضية المصيرية، بل ونحن نناقش أمّ القضايا هذه، في زاويتنا هذه، من صحيفتنا هذه، في بلادنا هذه.

        ولأننا عرب تربطنا بأمة العرب أقوى الصلات، وأوثق العلاقات، ولأننا عربٌ فلسطينيون نرتبط بأمة العرب مرتين: مرةً لأننا عرب، ومرةً لأننا فلسطينيون نتأثر بأمتنا العربية، ونؤثر فيها، ونتفاعل معها سعيًا وراء هدف واحد، وحلم واحد، ومستقبل مزهر واعد، نحرص عليه ونتوخاه، ونسعى لتحقيقه لكل هذه الأجيال العربية في كل أوطان العروبة من محيطها إلى خليجها.. لأننا كل هذا، ولأننا ما زلنا في بلادنا هذه نقف بكل القوة والعزة والشموخ، إلى جانب أطفالنا، وأبنائنا، وأحفادنا، وذرارينا، وكل أجيالنا، نعلمهم فقه العروبة، ونغرس في قلوبهم حب فلسطين، وعشق القدس، ونروي على مسامعهم تاريخ العرب، وبطولات العرب، وثقافة العرب، وشعر العرب، ونثرهم، وخطبهم، ووصاياهم، وحِكَمَهم، وأمثالهم، وأخبار معاركهم وانتصاراتهم.. لأننا كل هذا، ولأننا ما زلنا، كما كنّا، مذ كنّا، في موقعنا هذا خلف المتراس الأول، ولأننا سنبقى، هكذا، درعَ هذه الأمة، ومجدَها، وفخارَها، وطليعة فرسانها؛ فإن من حقنا أن نتكلم، ومن حقنا أن نجهر برأينا في هذه القضية المصيرية، أمِّ القضايا، قضية المعلم، والمنهاج، والكتاب، والمدرسة، والتوجّه، والفلسفة، والسياسة منطلَقًا لبناء أمة العرب، واستعادة أمجاد العرب، في كل بلاد العرب، من المحيط إلى الخليج !!

        في يوم المعلم العربي لا بد من الوقوف عند أمرين أولهما: أن المعلمين والطلبة هم صانعو نهضات الشعوب. وثانيهما: أن ذلك قد تحقق للبلدان التي قررت قياداتها أن تنهض، وأن تتقدم؛ فتم لها ذلك بالعلم والمعلم والمتعلم والمدرسة والكتاب. وهذا يعني ما يلي:

1- أن الشعوب لا تنهض إلا بالعلم والمعرفة وسيلةً لصنع المجتمع المتطور القوي الناهض صناعيًّا، والقادر على حماية إنجازاته ومكتسباته، ومصالحه الحيوية.

2-أن المعلمين والطلبة هم أداة هذه الشعوب في تحقيق النهضة، وسيلتهم في ذلك منهاج مناسب، وفلسفة تعليمية واضحة المعالم تضع هدفًا، أو أهدافًا، وخطةً أو خططًا لتحقيق هذا الهدف، أو الأهداف في فترة زمنية محددة، تؤدي كلٌّ منها إلى الفترة التي تليها، والهدف أو الأهداف التي من المفترض أن تتحقق في هذه الفترة.

3- أن النهضة الحقيقية لشعب أو أمة لا تتحقق إلا برغبة صادقة من قيادة هذا الشعب أو هذه الأمة، وبقرار حازم من هذه القيادة لتحقيق هذا الهدف.

4- أن الرغبة الصادقة، والقرار الحازم وحدهما لا يكفيان، بل لا بد من المتابعة، ولا بد من المساءلة والمحاسبة، ولا بد من التقييم والتعديل من أجل تحقيق الهدف المحدد في الفترة الزمنية المحددة.

        إن أمة العرب أمة عظيمة ذات قدرات وطاقات وإمكانات جغرافية وبشرية ونفسية وثقافية وفكرية هائلة، وهي أمة ضاربة في أعمق أعماق التاريخ، ذات تجارب غنية ناضجة في الحكم والإدارة والسياسية والاقتصاد، وقد استطاعت في هذه الفترة الصعبة من تاريخها الحديث أن تحقق كثيرًا من الإنجازات والمكتسبات، وتمكنت من فرض وجودها داخل أوطانها وخارجها، وإقامة علاقات طيبة مع الغالبية العظمى من الأمم والشعوب في هذا العالم، وتمكنت أيضًا من إحراز قَدْر كبير من التقدم والتطور في كافة أوجه الحياة العصرية.. ومع ذلك، فإن هذه الأمة مدعوة الآن لتحقيق النهضة الشاملة على كل أرض العرب، وفي سائر أرجاء هذا الوطن العربي الكبير، وهذا يتطلب منها ما يلي:

1- تحديث النظام السياسي العربي، وتنقيته من كثير من الشوائب والعلل والنقائص التي تعتريه، والعمل الجادّ من أجل إصلاح هذا النظام السياسي إصلاحًا حقيقيًّا يضع على رأس أولوياته تحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي لأمة العرب، وتخليص هذه الأمة من التبعية للغرب، والتعامل مع سائر الدول في هذا العالم بندِّيَّةٍ كاملة، وعلى قدم المساواة.

2- الضغط المتواصل من أجل تحقيق الوحدة العربية بكل الوسائل والطرق، بحيث تخطو هذه الأمة في كل يوم خطوةً أو خطوات في سبيل تحقيق هذا الهدف.

3- إصلاح النظام التعليمي بحيث يضع في اعتباره قضية الوحدة العربية، وبناء الإنسان العربي الحر المؤمن بقضايا أمته العربية الواحدة الموحدة على كل أرض العرب.

4- الاهتمام الشديد بالأمن القومي العربي، والعمل الجادّ من أجل الحفاظ على المصالح الحيوية للأمة العربية، وأمنها وأمانها، وسلامة إنسانها، وصيانة بنيانها.

5- تشجيع حركة التأليف والترجمة، ورصد الميزانيات من أجل ذلك.

6- تشجيع البحث العلمي بكل الوسائل، ورصد الحوافز والجوائز والميزانيات التي من شانها أن ترتقي به إلى المستوى المطلوب.

7- العمل بقوة وإصرار من أجل الاستفادة من تجارب الألمان واليابانيين في بناء الدولة الحديثة، والاستفادة من تجربة الصين في هذا المجال.

8- تشكيل لجان عربية مشتركة من الأكاديميين وكبار المثقفين والإعلاميين والاقتصاديين والسياسيين العروبيين الوحدويين والمفكرين العرب الملتزمين، لمتابعة قضايا العرب السياسية والاقتصادية والثقافية، ورفع التقارير والدراسات كلما كان ذلك ضروريًّا، وكلما اقتضى الأمر ذلك، على أن تعمم هذه التقارير والدراسات والتوصيات على الفضائيات والصحف والمطبوعات الملتزمة بقضايا العروبة والوحدة والتقدم في كل بلاد العرب.

        وبعد ،

        ففي يوم المعلم لا نريد أن نكيل المديح لهذا المعلم، ولكننا نريد أن نبرز دوره في صنع الأجيال العربية، وبناء هذه الأجيال بناءً نفسيًّا وعلميًّا وفكريًّا سليمًا، بحيث تتمكن هذه الأجيال من الارتقاء بأمة العرب، وبواقع العرب إلى المستوى اللائق، وبحيث تتمكن هذه الأجيال من بناء دولة الوحدة العربية الواحدة الموحدة القوية القادرة على كل أرض العرب.

        وفي هذا اليوم الخامس والعشرين من شهرنا هذا في بلدنا هذا، نرفع صوتنا من القدس قلب فلسطين مطالبين بإنصاف هذا المعلم العربي، كي يتمكن من بناء هذه الأجيال العربية القادرة على تحقيق أهداف هذه الأمة في الوحدة والحرية والتحرر والتحرير والازدهار.

25/2/2010


الاثنين، ٢٢ شباط ٢٠١٠

من وحي الذكرى ...

متابعات

من وحي الذكرى ...

أ‌.       عدنان السمان




    في يوم السبت الثاني والعشرين من شباط من عام ثمانية وخمسين وتسعمائة وألف للميلاد  المصادف الثالث من شعبان من عام سبعةٍ وسبعين وثلاثمائة وألف للهجرة، أعلن الزعيمان السوري شكري القُوَّتلي، والمصري جمال عبد الناصر من قصر المهاجرين بدمشق قيام الجمهورية العربية المتحدة التي تضم كلاًّ من سوريا (الإقليم الشمالي) ومصر (الإقليم الجنوبي) على أن يكون الباب مفتوحًا أمام سائر الأقطار العربية لدخول دولة الوحدة، وفي العام نفسه، وبعد قيام الجمهورية في العراق في الرابع عشر من تموز كانت المحادثات التي أجراها عبد السلام محمد عارف (نيابة عن الزعيم العراقي عبد الكريم قاسم) مع جمال عبد الناصر بهدف دخول العراق في هذه الوحدة، ولكن تلك المحادثات توقفت، دون أن تسفر عن شيء، ولم يدخل العراق آنذاك، كما لم يدخل لبنان في هذه الوحدة التي لم تعمَّر طويلاً حيث انفصمت عُراها في الثامن والعشرين من أيلول من عام واحد وستين وتسعمائة وألف.

    لقد قامت تلك الوحدة بمبادرة من القيادة السورية آنذاك، وبعد أن قام القوتلي بعدة زيارات للقاهرة تمكن خلالها من إقناع عبد الناصر بضرورة قيامها لأسباب منها ما يتعلق بسوريا، ومنها ما يتعلق بمصر، ومنها ما يتعلق بفلسطين، ومنها ما يتعلق بأمة العرب في سائر أقطارها... تلك الوحدة إذن كانت مصلحة سوريَّة مصرية فلسطينية عربية اقترحها القوتلي، وقبلها عبد الناصر، وابتهج بها العرب جميعًا من المحيط إلى الخليج.

    السوريون رأَوا في تلك الوحدة قوة لهم، وحماية من أي عدوان محتمل.. فلقد كانت نكبة العرب في فلسطين نكبةً مزلزلة خسر فيها العرب قُطرًا من أقطارهم – وأيّ قطر – وأصبحت سوريا مهددة من البر والبحر والجوّ يحيط بها الأعداء من كل جانب، وعليه لا بد من الوحدة العربية سبيلاً لحماية الأقطار العربية نفسها من أطماع الطامعين، ووسيلة لاسترجاع فلسطين، والعودة بها قطرًا عربيًّا كما كانت.. وما دامت الوحدة قوة، فهي إذن وسيلة سوريا لحماية نفسها من أي عدوان خارجي، وهي وسيلة لاستقرار جبهتها الداخلية التي أنهكتها الانقلابات العسكرية، وهي وسيلة العرب لنهضة شاملة، وقوة عملاقة تحمي أوطانهم من كل عدوان، وتمكنّهم من تحرير الوطن السليب فلسطين، وبدون الوحدة لن تتحرر أرض العرب، وبدون الوحدة لن يتمكن العرب من حماية بلادهم ، ولن يستطيعوا الوقوف في وجه أي عدوان خارجي.

         والوحدة أيضًا هي وسيلة مصر لبناء القوة العربية القادرة على الوقوف في وجه التحديات الغربية، وهي وسيلة مصر لمواصلة القيام بدورها التاريخي في قيادة الأمة العربية، وبناء أمجاد العرب، بل إنها وسيلة مصر لإقامة المشروع العربي على كل أرض العرب، ووسيلتها للرد على اتفاق سايكس – بيكو، ووسيلتها للرد على نظرية آيزنهاور في ملء الفراغ، فالطبيعة تكره الفراغ.. وعليه أصبح من الضروري قيام الدولة العربية الواحدة على كل أرض العرب حمايةً للأمة العربية، وصيانةً لحريتها وسيادتها وثرواتها واستقلالها.

        هذه هي منطلقات القيادة السورية التي كان على رأسها آنذاك رجل مجرب بلغ السابعة والستين من العمر، رأى آماله وأحلامه وقد تحققت في همة عبد الناصر، وحماسة عبد الناصر الذي بلغ في عام الوحدة عامه الأربعين، وخاض حرب السويس والعدوان الثلاثي وهو في الثامنة والثلاثين، وقاد حركة الضباط الأحرار عام اثنين وخمسين وهو في الرابعة والثلاثين، وحارب في الفالوجة بفلسطين وهو ابن ثلاثين عامًا، وكان على امتداد حياته قبل ذلك الطالب والموظف والضابط الشريف.. ثم الرئيس الخالد الذي هزَّ بعناده وإصراره وإيمانه العالم كله سنوات طوالاً دون أن تلين له قناة.. الرئيس الذي قضى وهو يوحّد العرب.. الرئيس الذي وُلد فقيرًا في 15/1/1918، ومات فقيرًا في 28/9/1970 دون أن تنال منه الخطوب، ودون أن تلين له عزيمة، ودون أن يحني هامته إلا لله.

    والقيادة المصرية هي الأخرى رأت ما رآه السوريون، بل لعلها رأت في هذه الخطوة نواةً لوحدة عربية فاعله في العالم الإسلامي كله، وفي إفريقيا وأمريكا اللاتينية، وفي دول عدم الانحياز.. وحدة عربية شعارها: نصادق من يصادقنا ، ونعادي من يعادينا.. وأرض العرب للعرب من المحيط إلى الخليج.. بل لعل السياسيين المصريين بعامة، وجمال عبد الناصر بخاصة قد رأوا فيها نصرًا كبيرًا لكافة حركات التحرر، ولكافة القوى المحبة للعدل والحق والحرية والسلام في العالم أجمع.

    أما الفلسطينيون فقد رأَوا فيها أحلامهم وطموحاتهم في العودة والتحرير وهي تتحقق.. لقد عاش الشعب العربي الفلسطيني في غزة أجمل أيام العمر في تلك الفترة.. كما كان عدد كبير من أعلام نابلس والقدس والخليل من أقرب المقربين للقيادة في الجمهورية العربية المتحدة، ولرئيسها جمال عبد الناصر الذي كانت تربطه علاقات وثيقة بكثير من عرب فلسطين ومناضليها داخل فلسطين، وداخل مصر وسوريا وخارجها.

    أمة العرب في سائر أقطارها هللت وكبرت واحتفلت بهذا الحدث التاريخي، متوقعةً أن يكتمل الحلم، ويتمكن عبد الناصر من إقامة المشروع العربي على كل أرض العرب.. في تلك الفترة كان العرب في كل أقطار العالم يعيشون باحترام .. كانوا أعزة مرهوبي الجانب، موفوري الكرامة.. العالم لا يحترم إلا القوة والأقوياء في غير استعلاء وغرور، وفي غير اعتداء على أحد.. ومتى كان العرب عدوانيين؟ ومتى كان عبد الناصر  عدوانيًّا أو شوفينيًّا؟ ومتى كانت الوحدة العربية، والقوة العربية موجَّهةً ضد أحد؟

    لقد عُرف العرب في كافة عصورهم، وفي سائر أقطارهم بالتسامح والكرم وحب الآخرين ، وها هو تاريخهم يروي بأفصح لسان، وأنصع عبارة صدقهم، وأمانتهم، وعفتهم، وحبهم للناس، وكرمهم، وحبهم للعدل والحرية والحق والخير والمساواة... هؤلاء هم العرب قديمًا وحديثًا.. فما الذي حصل عندما توحد القطران العربيان مصر وسوريا في ذلك العام قبل اثنين وخمسين عامًا مضتْ؟

    دول الشرق رحَّبت، ودول الغرب زمجرتْ، وأرعدت، ثم أرغتْ وأزبدت، وهددت وتوعدت، متهمةً العرب ولا سيما أحرارهم ، وقياداتهم الشابة باللعب بالنار!! لقد حاربت تلك الدول مصر عبد الناصر، كما حاربت سوريا، وحاربت فكرة العروبة متهمةً إياها بالكفر والزندقة والإباحيّة أيضًا!! واستعدَت عليها كثيرًا من أبنائها، وخاضت ضدها حروبًا مختلفةً أشكالُها وألوانُها، وأحدثت شروخًا وانقساماتٍ رهيبةً في البنيان العربي الواحد، والصف العربي الواحد... لقد عملت تلك الدول بكل ما أوتيت من قوة على إسقاط ذلك المشروع الوحدوي، وعلى هزيمة قادته، والتصدي لهم بكل الوسائل.. كما عملت تلك الدول على تشجيع نوع من الفكر الديني المناهض بدون هوادة لكل فكر تقدمي، أو تفكير علمي تحرري استقلالي حتى إذا ما تم لها ذلك في كثير من بلاد العرب والمسلمين، راحت تتحكم في تلك البلدان بطريقة لا تُصدَّق، وراحت تعبث بمعتقداتها الدينية، وراحت تقتحم مساجدها ، وتنتهك أعراضها، وتقتّل شبابها، ونساءها، ورجالها، وأطفالها.. ها هي في العراق تفعل ما لم يفعله أحد.. وها هي في أفغانستان ، والسودان، وباكستان، ولبنان، وفلسطين، وفي شبه الجزيرة العربية، والخليج العربي تفعل أضعاف ما كانت تنتقده، وتنهى عنه، وتؤلّب عليه، وتعتبره وسيلة لتدخلها من أجل المحافظة على الحريات، وكرامة الناس!!!

    دول الغرب لا تريد في هذه الديار من نواكشوط حتى ما وراء أندونيسيا عروبةً أو إسلامًا .. دول الغرب لا تريد في هذه الديار حرائر وأحرارًا، بل عبيدًا وإماءً ليس لهم شيء من حقوق مدنية، أو سياسية، أو حتى إنسانية إلا بمقدار ما يقدمون من خدمة لتلك الدول التي تريد صراحةً نشر ثقافتها، ولغاتها، ومفاهيمها، وأخلاقها، ومعتقداتها  في هذه الديار...

    هذه هي الأسباب التي عصفت بدولة الوحدة المصرية السورية ، وهذه هي الأسباب التي دفعت دول الغرب لتجنيد المقاتلين ضد الشيوعية في أفغانستان، حتى إذا ما تم للغربيين ذلك، راحوا يتخلصون من أولئك المجاهدين، وراحوا يحتلون أفغانستان للتخلص من الإسلام والمسلمين الذين يريدون أن يعيشوا باحترام على أرض وطنهم بعيدًا عن الغزو الخارجي، والتدخل الأجنبي...

    هذه هي الأسباب، وهذه هي الدوافع التي تحرك دول الغرب التي تبيِّت لإيران، ولسوريا، ولبنان، وفلسطين، ولكل بلدٍ فيه " إرهابيون" إسلاميون ما بيتته من قبل لكل هذه الأقطار التي تستبيحها ، وتنكل بشعوبها تنكيلاً فاق في همجيته وبشاعته همجية القرون الوسطى وبشاعتها.. هذه هي الحقيقة بدون مواربة، وبدون لف أو دوران.

    بقي أن نقول إن الشعوب الحرة هي التي تنتصر في النهاية، وإن الطواغيت أعداء الشعوب إلى زوال، وإن البشرية ستنعم بالسلام والأمن والأمان عندما تسود شريعة العدل والمحبة والتسامح والإخاء هذا العالم.. هذه هي المعادلة، وهذا هو حكم التاريخ، وما أمرت به شريعة السماء.

        وبقي أن نقول أيضاً في هذه الذكرى الثانية والخمسين لوحدة مصر وسوريا إن الذين يناصبون العرب والمسلمين العِداء مخطئون، وإن الذين يصرّون على إخضاع العرب والمسلمين، وتمزيق أوطانهم واحتلالها أكثر مخطئين، وإن من يعتقدون أنهم قادرون على فرض املاءاتهم وتصوراتهم على هذه الأمة واهمون؛ فالعنف يولّد العنف، والإرهاب يصنع الإرهاب، والظلم مرتعه وخيم، والعدل مفتاح السلام والأمن، وأساس الاستقرار في هذا العالم.    

                                                         22/2/2010


السبت، ٢٠ شباط ٢٠١٠

هؤلاء المسيئون .. متى يكفّون عن إساءاتهم ؟؟

هؤلاء المسيئون .. متى يكفّون عن إساءاتهم ؟؟

        أ . عدنان السمان

www.samman.co.nr

  الإساءات في هذا الكون ليست وقفًا على أمةٍ دون أمة، ولا على عصرٍ دون عصر، ولا على دين ومذهب وعرق وثقافة وجنس دون سائر الأديان والمذاهب والأعراق والثقافات والأجناس.. الإساءات قديمةٌ متجددة، وهي عامة شاملة من الصعب أن يسلم من أذاها أحد، لأنها تكاد تكون الشغل الشاغل لكثير من الناس، ولأنها الداء الذي ابتلي به كثير منهم، ولأنها الوسيلة التي يعبّر بها كثير من الفاشلين الحاقدين عن مكنونات أنفسهم وضعفها وهزالها، ولأنها الأسلوب الذي ينتهجه كثير من المغرورين المتطاولين في محاولاتهم اليائسة للظهور؛ فلا يجدون أسهل من التصدي للكبار يوجهون إليهم النقد الجارح تارةً، والسباب المقذع تاراتٍ، ظنًّا منهم أنهم بذلك يحققون أهدافًا فشلوا في تحقيق شيء منها، واعتقادًا منهم أن التطاول على الكبار سيجلب لهم الشهرة التي يحلمون بها، والمجد الزائف المزعوم الذي يلهثون خلفه، وأن هذا التطاول قد يضعهم يومًا في مصاف أولئك الذين لم يخطر لهم يومًا على بال أن في هذه الدنيا نقائصَ كهذه، وأن من الناس مَن هو على هذا القدْر من الخِسّة والحقارة وسوء الخلُق!!

        بالأمس.. حاول بعض الغربيين أن يسيئوا إلى نبي الإسلام عليه السلام عن طريق رسوم وشعارات أوردوها في مطبوعاتهم، وقبل ذلك وبعده عن طريق مؤلفات أصدروها في ديارهم، وتُرجمت لتُنشر في ديار العروبة والإسلام، وقبل ذلك وبعده أيضًا عن طريق حروب دامية استهدفت السيطرة على هذه الديار، للقضاء على هذه الرسالة في مهدها، وغزو أنصارها وأتباعها في عقر دارهم، وبالأمس أيضًا.. خاض الغربيون سبع موجات متتالية من حروبهم على هذه الديار، كما يخوضون اليوم حروبًا شتّى عسكرية وثقافية في كل هذا الشرق العربي الإسلامي.. وإذا سأل سائل عن سر ذلك كله، قالوا إنه حرصهم على مكافحة الهمجية، والقضاء على عنصرية العرب والمسلمين، وفتح هذه الديار أمام الغرب كي يصل بحريّة وسلام إلى الأماكن المقدسة فيها.. وإذا قال قائل: إن هذا كله كان متاحًا للغربيين، ولا يزال كذلك، ومع ذلك فقد كانت الحروب، ولا تزال قائمة، وما زال العدوان مستمرًّا !! قال قائل منهم: إن هذا ليس صحيحًا، وقال آخرون: ما من وسيلة للخلاص من عدوان العرب والمسلمين سوى إخضاعهم، والتحكم ببلدانهم، وتجريدهم من مصادر قوتهم!!

        وبالأمس أيضًا راحوا يبثون الفتن، وينشرون الخلافات بين الناس في كل هذه الديار، وراحوا يمزقونها شر ممزَّق، ويقسّمونها إلى دويلات وممالك، حتى أصبح في ديار العرب والمسلمين اليوم نحو ستين دولة، يخضع معظمها لنفوذهم، ويرتبط بهم سياسيًّا وثقافيًّا.. في الوقت الذي ما زالوا يحاولون فيه إخضاع ما تبقى من هذه الدول بالنار والحديد والعقوبات والحصار والتهديد !!

        واليوم.. لم تعد هذه الإساءات بكل أشكالها وصورها وقفًا على الغرب والغربيين، بل لقد أصبحت تمارس جهارًا نهارًا في كثير من ديار العروبة والإسلام على ألسنة كثير من أبناء هذه الأمة التي اكتوت وتكتوي بنار الغرب وعدوانيته واحتلاله.. برلماني عراقي لم يجد منذ أيام ما يقوله سوى التهجم على أبي بكر الصدّيق.. كل مشكلات العراق، وكل مشكلات الأمة العربية الإسلامية على امتداد العالم الإسلامي قد حُلَّتْ، ولم يبقَ سوى مشكلة أبي بكر!! وقد راح هذا النائب المحترم يُشبع هذا الصدّيق نقدًا وتهجّمًا.. لقد تطاول هذا الرجل على واحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى خليفته من بعده، وعلى رجل أصر على حرب المرتدين حتى يعودوا صاغرين إلى حظيرة الإسلام، وعلى رجل أعاد نشر الإسلام في الجزيرة بعد أن ارتد معظم العرب عن هذا الدين، وعلى رجل شهد له معاصروه، وغير معاصريه بالعفة والكرم والاستقامة والشجاعة والنزاهة والخلق، وعلى رجل قصد السوق بعد أن أصبح خليفةً للمسلمين، وعلى يده ثياب يريد أن يبيعها جريًا على مألوف عادته قبل تولي الخلافة !! حتى أعاده عمر طالبًا منه أن يتفرغ لأعباء الحكم مقابل ما يكفيه من بيت مال المسلمين !!

        فمتى يكفّ هؤلاء المسيئون عن إساءاتهم؟ متى يكفّون عن التطاول على الناس؟ متى يلتزم هؤلاء بالحد الأدنى من الخلق، وبالحد الأدنى من المعرفة، وبالحد الأدنى من الاعتراف لأهل الفضل بفضلهم، ولأهل العلم بعلمهم، ولأهل الاستقامة والنزاهة والأخلاق باستقامتهم ونزاهتهم وأخلاقهم؟ متى يكفّ هؤلاء المسيئون عن إساءاتهم، ومتى يعودون إلى رشدهم وصوابهم، ومتى يحترمون أنفسهم؟؟ ومتى يعلمون أن التطاول على الكبار عيب، وأن الكذب عيب، وأن الافتراء على العظماء من الناس نقيصةٌ، وأن الإساءة إلى رموز هذه الأمة وقادتها عارٌ وأيّ عار؟؟                  

          20/2/2010

 

الأربعاء، ١٧ شباط ٢٠١٠

متابعات

الوطن العربي بين وحدة الحلم وحلم الوحدة..

أ‌.       عدنان السمان

www.samman.co.nr

        إذا كان صحيحًا أن العرب أمة واحده من محيطهم إلى خليجهم، وإذا كان صحيحًا أنهم أصحاب تاريخ واحد، وثقافة واحدة، ولغة واحدة، وأهداف وآمال وتطلعات واحدة موحدة، وإذا كان صحيحًا أنهم يمتلكون من الثروات والطاقات والإمكانات ما لا تمتلكه أمم كثيرة في هذا العالم، وإذا كان صحيحًا أنهم أهل رسالة، وصنّاع مجد، وأنهم مشاعل نور وهداية في هذا الوجود.. إذا كان كل هذا صحيحًا، وإذا كان صحيحًا أن هذه الأمة في كل أقطارها وأمصارها من أقصى أوطانها إلى أقصاها هي أمة واحدة موحدة في رؤاها وهواها وآمالها وآلامها وأحلامها وتصوراتها وتطلعاتها وغاياتها وأهدافها وأفراحها وأتراحها وقيمها ومثلها العليا وإبداعاتها وجمالياتها وأخلاقياتها وأدبياتها، وفي مشاعرها وأحاسيسها وانفعالاتها وعاداتها وتقاليدها وطريقة تفكيرها ونظرتها إلى الإنسان والكون والحياة، وإذا كان صحيحًا أن هذه الأمة في كل ديار العروبة أمة واحدة معروفة بصدقها وعدلها وإحسانها ووفائها واستقامتها ونزاهتها وحرصها على الحق والخير والجمال في أقوالها وأفعالها وقضائها وحكمها بين الناس.. إذا كان كل هذا، وكثيرٌ غيره من حميد الصفات وكريم المزايا والخلال والسجايا  صحيحًا، وهو صحيح؛ فلماذا يحدث اليوم كل هذا الذي يحدث لهذه الأمة، لماذا حالت حالها، وتغيرت أحوالها، وتقطعت أوصالها، وحاق بها كل هذا التراجع، وتكالبت عليها كل هذه الفواجع والمواجع، وحلت بساحاتها كل هذه الكوارث والخطوب والنكبات، وعصفت بها رياح الخصومات والعداوات، وأدمت ظهور أبنائها سياط الفتن والاحتراب والاقتتال والانقسامات والخلافات والتشنجات، والضلوع في الدسائس والمؤامرات، والترويج للوساوس والهلوسات والفساد والتنازلات والكبائر والموبقات، وكل ما هو آتٍ آت؟؟.

        العرب على امتداد هذا الوطن العربي الكبير يجمع بينهم أنهم يحلمون.. مئات الملايين من المواطنين العرب يحلمون بالماء والدواء والغذاء والكساء والكهرباء والحرية، ويحلمون أيضًا بالمسكن والكتاب والمدرسة.. يحاولون أن يشعروا في قرارة أنفسهم أنهم يملكون الأوطان التي يعيشون فيها أو عليها!! هذا الشعور يوحدهم، ويجمع بينهم، ويؤلف بين قلوبهم، ولا سيّما فئة الشباب منهم.. هؤلاء الذين يفتقدون مثل هذا الشعور كلما رأوا رجل أمن من أبناء جلدتهم يلاطف أجنبيًّا أو أجنبية بشكل يشد إليه الانتباه، في الوقت الذي لا يتورع فيه عن اعتقالهم والتنكيل بهم لهذا السبب البسيط أو ذاك، وأحيانًا بدون سبب يستوجب شيئًا من عقاب!! نعم إن العرب في أوطانهم يحلمون أن يصبحوا يومًا سادة في أوطانهم: يزرعونها ويعمرونها ويطورونها ويحبونها ويدافعون عنها مثل سائر الأحرار في هذا العالم.

        كثيرة هي الأحلام التي توحد بين أبناء هذه الأمة في هذا الوطن العربي، وكثيرة هي الأهداف التي تجمع بينهم، وتوحد بين قلوبهم، وهذا أكبر دليل على أن هذه الأمة ما زالت موجودة عملاً بالقاعدة الذهبية التي تقول: "أنا أحلم إذن أنا موجود" قياسًا على قاعدة الشك الديكارتي: "أنا أشك إذًا أنا موجود" ولما كانت هذه الأمة موجودة لأنها ما زالت قادرة على ممارسة الحلم، ولأن الحلم ما زال يوحِّد بين أبنائها، ويجمع بين قلوبهم وأفئدتهم، فإن معنى ذلك أن تحلم هذه الأمة بالوحدة؛ فهل الأمر كذلك؟ هل يحلم العرب في كل الوطن العربي بالوحدة العربية التي تجعل من الوطن العربي الكبير وطنًا حرًّا عزيزًا سيدًا مستقلاًّ لكل مواطنيه العرب؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب فلماذا لا يتحقق هذا الحلم؟ وإذا كان بالنفي فلماذا لا يحلم العرب بميلاد الدولة العربية الكبرى على كل أرض العرب؟

        أغلب الظن أن العرب في كل أوطانهم يحلمون بالوحدة والقوة والتقدم والرِّفاء والازدهار مثل كل الشعوب، بل لعل العرب في هذا المجال متفوقون متميزون؛ فهم بطبيعتهم محبون للوحدة.. توّاقون إليها.. مؤمنون بها، لأنها قائمة في صميم عقيدتهم.. ماثلة في صلب ثقافتهم.. تنطق بها حضارتهم، لأنها أساس تجربتهم السياسية والاقتصادية، ومكنون نسيجهم الاجتماعي والروحي والثقافي منذ فجر تاريخهم العربي الإسلامي الذي جعل منهم أمة واحدةً موحدةً متماسكةً متضامنةً متسامحةً قويةً مرهوبةَ الجانب على امتداد تاريخهم الطويل.

        وأغلب الظن أن هذه الأمة تستطيع أن تكون أمةً قويةً مؤثرةً فاعلةً في التاريخ إذا هي تمكنت من إقامة الدولة العربية على كل أرض العرب، وإذا هي أصبحت سيدة الموقف، وصانعة القرار على أرضها، وإذا هي أحسنت استغلال ثرواتها، وبناء إنسانها وأوطانها، وإذا هي تخلصت من التبعية للأجنبي، ومن الولاءات المهينة للعواصم الغربية، التي لا تسعى إلاّ لمزيد من التحكم بالعرب، ومزيد من السيطرة على مقدّراتهم، ومزيد من التحكّم بقرارهم السياسي، ومستقبل أجيالهم على كل أرض العرب، وربطهم بكل الوسائل، ومختلف الطرق والأساليب بالغرب، وثقافة الغرب وفكره، حتى تصبح كل هذه الديار ملكًا للغرب والغربيين، ومناطق نفوذ خالصةً لهم يتصرفون بها كما يريدون، دون أن يعترض على ذلك معترضٌ من أهلها الذين فقدوا هُويتهم، وتجردوا من ثقافتهم ,ومقومات شخصيتهم، وعناصر عقيدتهم، ومكونات تاريخهم، ومكانتهم بين الناس في هذا العالم.

        إن الأنظمة العربية المتحالفة مع الغرب معنيَّةُ بالمحافظة على مصالحها ومكتسباتها، وإن الفئات المتحالفة مع هذه الأنظمة من أبناء هذه الأمة معنيَّةٌ هي الأخرى بدوام هذه الأوضاع التي تضمن لها مكاسبها وامتيازاتها، بل إن جشع الغربيين وأطماعهم التي لا تقف عند حد في السيطرة على كل ديار العروبة والإسلام يدفعهم دفعًا لخلق مزيد من التنافس والتنابذ والتسابق لخدمة الغربيين، بين هذه الفئات الموالية لهم في كل هذه الديار، ويدفعهم دفعًا لخلق مزيدٍ من الفئات الموالية لهم في كل هذه الديار، وهذا يستدعي أحيانًا خلق مزيد من الكيانات الهزيلة في بلاد العرب، كي يحكمها هؤلاء الأتباع الجدد، ولو كان ذلك على حساب الأتباع القدامى الذين أثبتوا الولاء والإخلاص للسادة في العواصم الغربية ,وحلفائهم على الساحة الدولية؛ فالأتباع الجدد أيضًا يجب أن يكون لهم نصيب من الحمص وأي نصيب! ولا يغيب عن البال أيضًا أن هؤلاء الأتباع إن كانوا موجودين في بلد غير خاضع لأولئك الغربيين، فإن عليهم أن يتحركوا (ديموقراطيًّا) لتقويض أمن ذلك البلد وإرباكه، للسيطرة على الوضع فيه عن طريق صندوق (الانتخابات) فليس هناك أفضل من هذا (الصندوق)، وليس هناك ما هو أفضل من شراء الذمم، والإغراء بالمناصب والمكاسب وسيلةً للوصول إلى الحكم!! فإن لم يستطع هؤلاء، فلا أقل من تقسيم المقسَّم، وتفتيت المفتَّت، ولا أقل من تمزيق بلد كالعراق ليصبح دولاً كثيرةً متصارعةً على أرضه، حتى لا يفكر العراقيون يومًا بغير الاقتتال فيما بينهم!! وعليه، فلماذا لا يصبح الوطن العربي ثلاثين دولة أو أربعين؟ أليس هذا في مصلحة الغرب، وفي مصلحة حلفائه وشراذمه وأتباعه الذين يحشدهم حشدًا ويحركهم كالدمى في كل ديار العروبة والإسلام؟؟.

        وإذا كان الأمر كذلك، فإن الأحلام وحدها لا تكفي لصنع الوحدة، إن الوحدة لا يمكن أن تقوم بمجرد الأمنيات والتمنيات، بل لا بد من العمل الجاد، ولا بد من وضعها على رأس سُلّم أولويات شرفاء هذه الأمة.. لابد أن يراها العربي في المناهج المدرسية، والمقررات الجامعية.. لا بد أن تكون حديث الشارع العربي، ونبض الشارع العربي، ودليل الإعلام العربي، وشغل المثقف العربي، والمفكر العربي، والسياسي العربي.. لا بد أن تكون حديث النخب العربية، والأحزاب العربية، والبرلمانات العربية التي ترتقي بها إلى دائرة القرار العربي القادر على فتح معركتها الحاسمة، ووضعها بالتالي موضع التنفيذ على أرض الواقع .

 

17/2/2010

 


الاثنين، ١٥ شباط ٢٠١٠

متابعات

"كبسولات الفهم"

                                    أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

منذ بدء الخليقة عرف الإنسان الداء،وحاول جاهدًا أن يجد له الدواء, فكان التداوي بالأعشاب والحمية،وكان التداوي بالحركة،وممارسة أصناف القوى المختلفة سبيلاً لبناء الأجسام القوية القادرة على مقاومة الأمراض،والثبات في وجه عوادي الزمن ومتغيراته وتقلباته الكثيرة المختلفة...وكان أيضًا التداوي بالعقاقير والأدوية،والجراحة،وكان البتر أيضاً...وقديمًا قال العقلاء: "درهم وقاية خير من قنطار علاج" ..صراع أزلي أبدي بين الإنسان والمرض يطور فيه كل جانب أسلحته ووسائله،وأساليبه،وتجهيزاته , ويحاول فيه كل طرف أن يحرز نصرًا ساحقًا أو محدودًا على الطرف الآخر..كثير من الأمراض والأوبئة اختفت بمرور الزمن ,وأصبحت شيئًا من الماضي..وأمراض كثيرة استجدت،والعلم لها بالمرصاد, وهكذا يستمر هذا الصراع..إنها سنة الله في هذا الوجود منذ بدء التكوين،وإلى لحظة الزوال،ولن تجد لسنة الله تبديلاً.

        ومنذ بدء الخليقة وجد الإنسان نفسه في صراع مع الطبيعة: وحوشها،وطيورها الجارحة،وزواحفها،وهوامها, فعمل على اتقاء شرها،كما عمل على مقاومتها ومكافحتها،والتخلص منها وعمل أيضًا على إخضاعها،وترويضها،وتذليلها،وتسخيرها لخدمته حتى ملك ناصيتها, فدانت له،وانقادت لمشيئته ذليلة صاغرة..أما الجبال والسهول،والوديان،والقفار والبحار،والأنهار فكان له مع كل منها حكاية بل حكايات..حتى تم له ما أراد،وفرض سلطانه على البر والبحر والجو، وتحدث إلى النجوم،والأقمار،والمجرات كاشفًا أسرارها،وخباياها،وخفاياها, وغزا الفضاء،والكواكب،وما زال يوالي انتصاراته على الطبيعة،والفضاء الخارجي،وما زال يحقق إنجازاته وابتكاراته العلمية على مختلف الصعد والميادين..في كل يوم جديد ,وفي كل  ساعة تجديد.. إنها حضارة الإنسان التي ما انفك يبنيها منذ أقدم العصور،وسيظل يفعل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

        وعلى امتداد مسيرة الإنسان عبر تاريخه الطويل ,كان العدل ,وكان الظلم،وكان العلم, وكان الجهل..عرف الإنسان الصحة والمرض،وشهد قيام الدول وسقوطها،وعرف الجوع والشبع،والموت والحياة،والعبودية والحرية، ونعم بالعزة والقوة والسلطان،وشقي بالمذلة والضعف والهوان..وعلى امتداد تاريخ الإنسان, كانت العظمة دائمًا تسير إلى جانب الحقارة، والرفعة إلى جانب الخسة،والشجاعة إلى جانب الجبن، والعزة إلى جانب المذلة،والفضيلة إلى جانب الرذيلة..ولم يكن الناس جميعًا في يوم من الأيام،ولن يكونوا أيضًاعلى حد سواء،وعلى درجة واحدة من العلم والفهم والإدراك..بل كانوا وما زالوا وسيظلون مختلفين متباينين في طباعهم، وميولهم،وأهوائهم، وأذواقهم،ومشاربهم،وأفكارهم،ومعتقداتهم.

   ولعل أبرز ما يتميز به هذا الإنسان أو ذاك،وبالتالي هذه الأمة أو تلك هو الفهم , فالفهم يؤدي إلى الاستيعاب،وحسن التصرف،وسعة الإدراك،والقدرة على معالجة الأمور..وبالفهم يستطيع الإنسان أن يستخلص العبر،ويعي الدروس المستفادة من التجارب،والفهم في أبسط صوره:هو الإدراك العقلي لما يجري من أحداث، وعليه فالفهم انعكاس الحدث على العقل، وتفسير العقل لهذا الحدث، والتزام الإنسان الواعي بهذا التفسير الدقيق في أقواله وأفعاله،بمعنى أن العقلاء هم الذين يحكّمون عقولهم فيما يجدّ من أحداث ومواقف..ومن هنا كان تميز بعض الأفراد والشعوب والأمم في الماضي والحاضر..ومن هنا أيضًا كان التباين واضحًا بين الأفراد والشعوب والأمم،خلال حركة التاريخ التي وضعت كلاًّ في المكانة التي وضعه فيها وعيه وإدراكه وفهمه.

        وإذا كان دواء المريض حبة يشربها ,أو ملعقة يتجرعها..ودواء الجائع لقيمات يأكلها, فما هو دواء الفهم السقيم؟ أو "قلة الفهم" كما يقولون؟ مما لا شك فيه أن الفهم السليم قدرات فطرية على الاستيعاب والاستنتاج،ثم إنه صقل وتهذيب وإشباع لهذه القدرات عن طريق الثقافة الجادة ,والمطالعة المستمرة،واحترام الذات،والتسلح بالخلق القويم،والمبادئ السامية الأصيلة،ومعاشرة أهل العلم والفضل والاستقامة،والابتعاد عن بؤر الفساد والشر والرذيلة والفوضى،وتجنب الثرثرة التي لا طائل تحتها،وتجنب الضحك الذي يميت القلب،ويفسد اللب ,واحترام العلماء والفقهاء والحكماء، والإكثار من سماع أحاديثهم ومواعظهم ونصائحهم ووصاياهم , والاقتداء بهم فيما يقولون , فيما يفعلون.

        ومن طريف ما يُروى أن أحد "الخبثاء" لاحظ قومًا يتحدثون عن سوء الفهم, ويبحثون عن دواء له فحضرته الفكرة,وصمم على تنفيذها،فجمع بعض الأوساخ،وصنع منها ما أطلق عليه اسم "كبسولات الفهم",وبعد إعلان الاكتشاف على الناس أخذ يبيعها على أن تؤخذ كبسولة واحدة قبل الأكل صباحًا مدة ثلاثين يوماً على التوالي بالكمال والتمام.

        وفي اليوم التاسع والعشرين جاء أحدهم،وقال له إنه استفاد في الحقيقة من هذه "الكبسولات" التي يتناولها بانتظام،ولا عيب فيها سوى أن طعمها غير مستساغ،وكأنها مصنوعة من الأوساخ! ورد عليه الرجل بسرعة:هو ذاك...لقد بدأت الآن تفهم!!.

        وإذا كان هذا الرجل المخدوع قد أدرك طعم "المقلب" الذي شربه بعد تسعة وعشرين يومًا فمتى يدرك المخدوعون في هذه الدنيا حقيقة ما شربوا من مقالب،ومتى يفهمون؟؟.

(15/2/2010)


الأحد، ١٤ شباط ٢٠١٠

إعادة

في عيد الحب!!

شعر : عدنان السمان

www.samman.co.nr

   

في عيد الحب تحياتي

في عيد الحبّْ

أشواقي ترسلُ آهاتي

من هذا القلبْ

في الليل الساجي أُرسلُها

وأحمّلها

عبَقًًا ألَقًا حبًّا ورْدًا

وأردّدها

في هذا اليومِ أذوبُ هوًى

في هذا اليومْ

والقلبُ يغنّي في وجَلٍ

مني يا قَومْ

ويقول مقالةَ من بَرَعوا

في علمِ الغيبْ:

إني وَجِلٌ.. إني خَجِلٌ

من هذا الشيبْ.

القلبُ يغنّي نشوانًا

في عيد الحبّْ

والروح تراقصُ أطيافًا

يهواها القلبْ

إني أحببتكِ ملهمتي

ومعذّبتي

إني أحببتُ مسهِّدتي

إني أحببتْ

إني أحببتُكِ يا قدسُ

أحببتُ الطّورْ

من حولِ القدسِ وفي القدسِ

شعبٌ منصورْ

من خلفِ السورْ

من تحت السورْ

من فوق السورْ

أُسدٌ ونمورْ

في الفُلْكِ تدورْ

من هذا النورْ

هرب الدَّيجورْ

وتوارى الزُّورْ

وتعالى اللهْ

في الأفْقِ بهاهْ

في الكوْنِ ضِياهْ

في القلب سناهْ

في عيد الحبِّ أحبُّ اللهْْ

في عيدِ الحبّْ

هذي سلوانْ

ما أحلاها

والصوّانهْ

ما أغلاها

في باب الوادْ

ذكرى القسطلْ

والمصرارهْ

جبلَ الزيتونْ

إنّا آتونْ

كبّرْ كبّرْ

إنَّا آتونْ

أشجارُ اللوزْ

في وادي الجوزْ

والشيخْ جرّاحْ

هذي شعفاطْ

هذي لفتا

هذي التّلهْ

هذي القبّهْ

هذا الأقصى

وقيامتُنا

هذي مريمْ

هذا عيسى

ومساجدُنا

وكنائسُنا

تَحكي حبًّا

تَروي مجدًا

تُعطي درسًا

لمدارسنا

في عيد الحبّْ

إني أحببتُكَ يا وطني

هل هذا عيبْ؟

إني أحببتكَ إيمانًا

إني أحببتكَ تسليمًا

إني أحببتكَ تعظيمًا

بل تكريمًا

قلْ ترنيمًا

ومُعاهدةً

ومُبايعةً

ومُجاهدةً

ومُجالدةً

ومُنازَلةً

ومُغالبةً

ومُشاهدةً

إني أحببتُكَ تاريخًا

ومُعايشةً

ومُعانَقةً

ومُشافهةً

ومُراسَلةً

ومُخاطبةً

ومُجادلةً

إني أحببتُك فلسفةً

إني أحببتُك مدرسةً

ومُمارسةً

ومُجالسةً

إني أحببتْ

إني أحببتُكَ يا وطني

أحببتُ الطّّيرْ

قسمًا لن تبقى يا وطني

في أيدي الغَيرْ

إني أقسمتُ بإنجيلي

وبقرآني

لن يهنأَ مغتصبٌ أبدًا

في أوطاني

في عيد الحبّْ

أُهدي وردًا

للخِلاّنِ

أُهدي حبًّا

أُهدي نصرًا

أَروي شعرًا

للأوطانِ

هذا قسَمٌ للأجيالِ:

بمحبتِنا وتآلفِنا

ومودتِنا وتعاطفِنا

نبني بيتًا.. نبني مشفًى

أو مدرسةً أو مكتبةً

للأطفالِ

هذا عهدي.. هذا ديني

هذا حُبي.. لِفِلَسطينِ

في عيدِ الحبّْ.

(نابلس 8/2/2008)