عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


الاثنين، ٢٩ تشرين الثاني ٢٠١٠

متابعات        

قرار تقسيم فلسطين .. في ذكراه الثالثة والستين !!

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

في ذكرى صدور قرار التقسيم الذي يحمل الرقم (181) منذ ثلاثة وستين عامًا، وفي هذا اليوم الذي أسماه المجتمع الدولي فيما بعد يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني لا بد من تقديم بعض الحقائق التاريخية لهذه الأجيال العربية، ولهذه الأجيال الفلسطينية التي لا تكاد تعرف شيئًا مذكورًا عن هذه المناسبة التي حدثت في مثل هذا اليوم من عام سبعة وأربعين، وقبل ستة أشهر ونيف من قيام الدولة العبرية على أرض فلسطين عام ثمانية وأربعين، لا بد لهذه الأجيال أن تعلم أنه في التاسع والعشرين من تشرين الثاني عام سبعة وأربعين وتسعمائة وألف بذلت الولايات المتحدة الأمريكية قصارى جهدها لإقرار مشروع تقسيم فلسطين إلى دولتين.. وعلى الرغم من أن هذا القرار الذي حظي بأغلبية ثلاثة وثلاثين صوتاً ضد ثلاثة عشر, وامتناع عشر دول عن التصويت, هو قرار صادر عن الهيئة العامة للأمم المتحدة لا عن مجلس الأمن الدولي, إلاّ أنّ اليهود والصهيونية العالمية والولايات المتحدة قد اعتمدته أساسًا لإقامة الدولة اليهودية في فلسطين على مساحة تبلغ (56.5%) تقريبًا من مساحة البلاد في الوقت الذي كانت فيه الجالية اليهودية آنذاك تملك نحو سبعة بالمئة من المساحة الإجمالية البالغة (27009) كيلو مترًا مربعًا.. وفي الوقت الذي كان فيه عدد السكان اليهود (560.000) خمسمائة وستين ألفًا من مجموع سكان البلاد البالغ آنذاك (1.690.000) مليونًا وستمائة وتسعين ألف ساكن, وفي هذا السياق يُشار إلى أن دافيد بن غوريون, كان يعتمد على عامل الزمن من أجل وضع اليد على ما تبقّى من فلسطين, وعلى ما يمكن الوصول إليه من أرض العرب... وهذا ما حدث قبيل إنهاء بريطانيا انتدابها على فلسطين, وبعد خروجها منها عندما احتل اليهود بقوة السلاح مناطق واسعة من فلسطين كانت مخصصة للدولة العربية بموجب قرار التقسيم.. وأصبحوا يسيطرون على قرابة ثمانين بالمئة من أراضي البلاد يوم الخامس عشر من أيار عام ثمانية وأربعين, إضافة إلى افتعال عدد من المجازر بهدف تهجير الغالبية العظمى من العرب الفلسطينيين من ديارهم, والاستيلاء على ممتلكاتهم, وهذا ما حصل فعلاً بعد تهجير قرابة ثمانمائة ألف فلسطيني بقوة السلاح من مدنهم وقراهم.. ويشكل هذا العدد أكثر من سبعين بالمئة من عرب فلسطين آنذاك.. ويبلغ تعداد اللاجئين الفلسطينيين اليوم قرابة ستة ملايين لاجىء.

وعلى الرغم من أن الصهيونية العالمية كانت المستفيد الأول من قرار التقسيم.. وعلى الرغم من مؤازرة الولايات المتحدة لهذا القرار قبل التصويت عليه وبعد التصويت, إلا أنّ الولايات المتحدة قد اقترحت في آذار من عام ثمانية وأربعين وضع فلسطين تحت وصاية دولية بدلاً من تنفيذ قرار التقسيم.. وذلك بسبب رفض المسلمين والعرب وكثير من الفلسطينيين لهذا القرار, والمقاومة الشرسة التي خاضوها منذ صدوره ضد القوات البريطانية المنتدبة على فلسطين, والقوات اليهودية التي تنسّق مع بريطانيا لتنفيذ هذا القرار.. وبسبب خوف الولايات المتحدة من تعرّض مصالحها في المنطقة للخطر.. ولكنّ الحركة الصهيونية ظلت تضغط حتى تراجعت أمريكا عن هذا الاقتراح.. وعادت لتؤيد من جديد قرار التقسيم.

إنّ هذه الدولة التي أقامها اليهود عام ثمانية وأربعين قد توسعت عام سبعة وستين لتشمل فلسطين كلها ومناطق واسعة من أرض العرب.. وهكذا وقعت فلسطين كلّها لأول مرة في تاريخها تحت احتلال يهودي استيطاني يطلق على المدن والقرى والجبال والأنهار والسهول والوديان والمواقع الأثرية والدينية والتاريخيّة أسماء قديمة يقول هو إنها عبريّة, ويقول الفلسطينيون إنها كنعانية أو يبوسيّة (عربيّة قديمة).. ويذهب معهم هذا المذهب كثير من المؤرخين وعلماء الآثار المحايدين المنصفين.. وكانت حكايتنا مع ضم القدس الشرقية, عام سبعة وستين إلى الشطر المحتل عام ثمانية وأربعين.. وحكايتنا مع: الاستيطان.. ومصادرة الأراضي.. وهدم البيوت.. واقتلاع الأشجار.. وتلويث البيئة.. ونهب المياه.. وغلاء الأسعار.. وغسل أدمغة الناس ولا سيّما الشباب.. والسّجون, والتعذيب.. والاعتقال الإداري.. واعتقال الأطفال.. والأحكام العسكرية.. وقوانين الطوارىء.. ونشر الفساد.. وقلب الحقائق.. والتلاعب بالتاريخ والجغرافيا.. لقد بات واضحًا أن الهدف هو تهويد الأرض المحتلة عام سبعة وستين, والقضاء على الإنسان العربي الفلسطيني وتصفيته نفسيًّا وجسديًّا وفكريًّا.. وشلّ طاقاته وقدراته.. وقهره.. وحصر همه في الحصول على لقمة العيش في أحسن الأحوال.

لقد رفض كثير من الفلسطينيين قرار التقسيم عام سبعة وأربعين, كما رفضوا قيام "إسرائيل" على الجزء الأكبر من فلسطين عام ثمانية وأربعين.. وعبّروا عن رفضهم هذا بالمقاومة المسلحة الشرسة التي خاضوها ضد القوات البريطانية واليهودية على أرض فلسطين.. كما رفضت ذلك شعوب العالمين العربي والإسلامي.. وكثير من الأنظمة التي كانت قائمة آنذاك.. وقد ظلت المنطقة كلّها مسرحًا للحروب والمعارك والأحداث الدامية منذ تلك الأيام وحتى أيامنا هذه..

ومع أن كل أطراف الصراع كانت ولا تزال تعلم جيدًا أن شعب فلسطين كان ضحية مؤامرة رهيبة منذ صدور وعد بلفور في الثاني من تشرين الثاني عام سبعة عشر وتسعمائة وألف.. وأنه استُهدف للاقتلاع والتهجير من أرض آبائه وأجداده.. وأُجبر على النزوح عن وطنه والعيش في المنافي وديار الغربة منذ أكثر من اثنين وستين عامًا.. أقول على الرغم من معرفة الدنيا كلها بما جرى لشعب فلسطين, إلا أن أحدًا لم يفعل شيئًا حتى الآن من أجل إعادة الأمور إلى نصابها والحق إلى أصحابه.. وعلى الرغم مما يفعله هؤلاء المحتلون بمن بقي من الفلسطينيين على أرض الوطن من تقتيل وتعذيب وتجويع وعزل وإهانة واعتقال واعتداء وإذلال وحصار.. وما ينتج عن ذلك كله وكثير غيره مما لا يُرى ولا يُقال من تدمير كامل للاقتصاد, وتشويه للأوضاع الصحية والتعليمية والاجتماعية.. وتعهير لكل المبادىء والقيم والمثل العليا.. وتحطيم للأطفال الذين كثيرًا ما رأوا آباءهم يضربون ويهانون وأصبح زادهم اليومي آباء يُضربون ويُهانون وأحيانًا يُقتلون أمامهم بدم بارد.. وكثيرًا ما رأوا أمهاتهم وهن يتعرضن لكل ألوان الإهانة والعري والجوع والموت عند الحواجز وغير الحواجز.. وكثيرًا ما رأوا زملاء وأقرانًا تتناثر أشلاؤهم لتملأ الدنيا دمًا وهلعًا وفزعًا وخوفًا ورعبًا وحقدًا أسود تكفي شحنة منه لتدمير الحياة على هذا الكوكب.. نقول: على الرغم من هذا كله إلاّ أن أحدًا لم يتقدم حتى الآن لإنقاذ هذا الشعب: شبابه, وشيبه, ونسائه, وأطفاله, ومصالحه, وحرياته, وكل أوجه حياته اليومية من الانهيار والتلاشي والزوال.. وردود الفعل اليائسة كلما كان ذلك ممكنًا !!!

وبعد,

فإلى متى سيظل هذا الشعب يرسف في أغلال العبودية والذل والهوان والجوع والفقر والمرض.. وإلى متى سيبقى هكذا بنصفيه: المقيم هنا على جمر الوطن, والمحترق هناك بنيران اللجوء والاغتراب؟؟ ألا يرى المجتمع الدولي كل هذا؟ ألا يسمع؟ أما آن لهذا الشعب أن يعيش في وطنه مثل شعوب هذا العالم؟

لقد جُنّت أمريكا وطار صوابها ولم يعد إليها العقل حتى الآن نتيجة بضع ضربات هدمت عددًا من المباني, وأودت بحياة بضعة آلاف من الناس.. فماذا يقول شعبنا الذي يتعرض للتهجير والاقتلاع والإبادة منذ عقود؟

وفي هذه الذكرى أيضًا لا بد من القول إن هذه القضية الفلسطينية التي تريد لها أطراف كثيرة أن تتلاشى وتزول دون أن يحصل الفلسطينيون على شيء من حقوقهم لن تتلاشى، ولن تزول، ولن ينسى شعب فلسطين العربي شيئًا من حقه في بلاده فلسطين، وسوف يظل كثير من العرب، وكثير من الناس في هذا العالم يعملون إلى جانب الفلسطينيين الذين يصرون كل الإصرار على عودة حقوقهم المشروعة في بلادهم فلسطين إلى أن تعود تلك الحقوق كاملة غير منقوصة.

 

29/11/2010


متابعات          

ليس بالإغراءات والمراوغات وصفقات الأسلحة والمحفِّزات تُحل المشكلات ويُصنع السلام!!

"3"

أ.عدنان السمّان

www.samman.co.nr

 

ولقد تمكن لبنان من الوقوف في وجه كثير من الحوادث والأحداث التي استهدفته، بل إن اللبنانيين تمكنوا من الوقوف في وجه كثير من الأعاصير التي هبت عليهم لتدمير لبنان وتخريبه، والعبث بكل مواطنيه، وإحباط كافة محاولاته الرامية للخروج من مشكلاته وأزماته.. وهكذا كانت قوة لبنان في ضعفه، وكانت قوة لبنان في حرية صحافته، وكانت قوته في أحزابه، وكانت قوته في اتفاق كافة قواه السياسية والدينية والاجتماعية على هذا النظام السياسي الطائفي على الرغم من كل سيئاته وعيوبه، وكانت قوته في إصرار كثير من أبنائه على الخروج به سليمًا معافًى من كل أزماته، ومن عبث بعض العابثين به من أبنائه، ومن كل ارتباطات هؤلاء العابثين بأعداء لبنان واللبنانيين، وبكل المتربصين بلبنان واللبنانيين الدوائر.. وما من شك في أن نكبة العرب في فلسطين عام ثمانية وأربعين، وهجرة كثير من الفلسطينيين في ذلك العام إلى لبنان وغير لبنان قد ألحق كثيرًا من الأضرار بلبنان واللبنانيين، كما ألحق أبلغ الأضرار بالفلسطينيين الذين قيل يومها إنهم قد أخلوا بالتوازن الطائفي في البلد، كما قيل إنهم قد أخلوا بالأمن والأمان في ربوعه .. إن من الحقائق التي يعرفها الفلسطينيون جميعًا في لبنان أن الحكومة اللبنانية قد منحت الجنسية اللبنانية لكثير من الفلسطينيين عام النكبة، ولكنها توقفت عن فعل ذلك عندما أدركت أن عملها هذا قد أخل بالتوازن الطائفي، وهكذا أصبحت إحدى الأختين اللاجئتين لبنانيةً، بينما بقيت الثانية على فلسطينيتها في عين الحلوة، أو الرشيدية، أو برج البراجنة.. وإن من الحقائق التي يعرفها الفلسطينيون في لبنان أيضًا أن كثيرًا منهم قد أخرجوا من مخيماتهم مرارًا وتكرارًا في ليالي الشتاء الباردة للاستجواب والتحقيق، وربما استدعى الأمر أكثر من ذلك.. وإن منها ما كان ينشر في أعمدة الحوادث في كثير من الصحف اللبنانية آنذاك من أنه قد ألقي القبض على الفلسطينية فلانة بنت فلان متلبسة بكذا وكذا، وفي العمود نفسه كان القارئ يقرأ أن رجال الشرطة اللبنانية قد اشتبهوا بإحدى اللبنانيات.. وقد أعادوها إلى بيتها معززة مكرمة.. يضاف إلى هذا وكثير غيره حياة الفقر والجوع التي عاشها الفلسطينيون في مخيماتهم، وعليه فقد كان الفلسطينيون في لبنان وغير لبنان أول من تناغم مع صيحات الرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي ملك على الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج سمعها وبصرها، وكان الفلسطينيون في لبنان وغير لبنان أكثر المؤيدين لجمال عبد الناصر، وأكثر المحبين له، بل لقد كانوا سيف عبد الناصر المصلت على رقاب كثير من أعدائه في بلاد العرب، عندما كانت مصر أقوى أقطار العرب، وأكثرها نفوذًا في كل بلاد العرب، وفي كل أقطار أفريقيا، وفي كثير من أقطار آسيا، وعندما كان عبد الناصر واحدًا من أبرز الشخصيات العالمية، ومن أقرب المقربين إلى الاتحاد السوفياتي، ومن أكبر أعداء الغرب وحلفائه وعملائه في بلاد العرب، ومن أكبر أصدقاء شعب فلسطين في كل مكان.. ولا ينسى الفلسطينيون في لبنان وغير لبنان ما قدمه عبد الناصر لشعوب الأمة العربية، وللشعب اللبناني، وللفلسطينيين في لبنان من خدمات ومساعدات ورفع للروح المعنوية، وكفى تلك الفترة من حياة لبنان، وحياة الفلسطينيين في لبنان أن بنى لهم نظام عبد الناصر العربي جامعة بيروت العربية، وزودها بخيرة المحاضرين والأساتذة، وأهدى إلى اللبنانيين والفلسطينيين في لبنان بعثة الأزهر الشريف التي كان لها أبلغ الأثر في إرساء دعائم العروبة في هذا القطر العربي.. ولا ينسى الفلسطينيون في لبنان وغير لبنان التفاف الفلسطينيين حول منظمة التحرير الفلسطينية، وحول المقاومة الفلسطينية، وحول رمزها القائد الشهيد ياسر عرفات الذي اتخذ من الفاكهاني في محيط الجامعة العربية مقرًّا لقيادته.. ولا ينسى الفلسطينيون، في لبنان أنهم عاشوا أجمل أحلامهم، وأروع أيامهم خلال تلك الفترة الواقعة بين عامي تسعة وستين واثنين وثمانين، أي منذ توقيع اتفاق القاهرة الذي نظم العلاقة بين المقاومة الفلسطينية والحكومة اللبنانية، وخروج تلك المقاومة من لبنان في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي، ومجازر مخيمي صبرا وشاتيلا، وما حاق بالفلسطينيين بعد ذلك من مذلة وهوان وبؤس وشقاء لا زالوا يتجرعون كؤوسه المرة حتى يومنا هذا، ولعل من الضروري جدًّا أن يشار هنا إلى أن كثيرًا من اللاجئين الفلسطينيين قد آثروا الهجرة من لبنان إلى كثير من أقطار الغرب، وبهذا فقد انخفض عددهم هناك كما انخفض وزنهم وفعلهم وتأثيرهم في الحوادث والأحداث قبل ذلك بزمن طويل!!.

لا أقول هذا من باب الوقوف على الآثار والأطلال، ولا أقوله من قبيل بكاء ليلى، والطرب إلى هند، ولا من باب الدعوة والترويج لصهباء كالورد وغير الورد، ولا أقوله تأسِّيًا أو تشفِّيًا، وإنما أقوله لهذه الأجيال العربية التي فقدت كثيرًا من مقومات وجودها اليوم، وفقدت كثيرًا من ذاكرتها العربية، وذاكرتها الوطنية، وذاكرتها الفلسطينية، وفقدت كثيرًا من مقومات شخصيتها العربية العظيمة التي قارعت الظلم والطغيان، وانتصرت للحق وبالحق في يوم من الأيام... وأقوله أيضًا ليكون مقدمة تاريخية لما حدث بعد ذلك، وزادًا لجيل الشباب العربي في لبنان وغير لبنان، وأقوله أيضًا ليكون زادًا لكل الفلسطينيين الذين يربو تعدادهم اليوم على اثني عشر مليون فلسطيني، يعيش نصفهم هنا على أرض وطنهم فلسطين التاريخية، ويعيش نصفهم الآخر هناك في أقطار الجوار، وهنالك في أقطار التشرد واللجوء والاغتراب.

لقد أدرك اللبنانيون أن أرضهم المحتلة منذ اجتياح عام اثنين وثمانين لا يمكن أن تتحرر إلا بالمقاومة، وهكذا كان، كما أدركوا أن الوسيلة الوحيدة لحماية أرضهم من أطماع الطامعين فيها هي امتلاك القوة الرادعة، وامتلاك الإرادة والعزيمة والإصرار على ذلك، فكان لهم ما أرادوا، ولقد أدرك هؤلاء اللبنانيون أن الانتصارات العسكرية التي أحرزوها في مواجهة الإسرائيليين قد ألّبت عليهم كثيرًا من القوى والجهات والدول التي أرقها وقضّ مضاجعها هذا التحول في موازين القوى، وموازين الرعب، بعد أن عكفت سوريا على تحقيق التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل في أعقاب حرب العاشر من رمضان من عام ثلاثة وسبعين، وإعلان السادات آنذاك أن تلك الحرب ستكون آخر الحروب، ودخوله في محادثات كامب ديفيد التي أسفرت عن اعتراف السادات بإسرائيل، وإقامته علاقات طبيعية معها.. لقد اعتبرت هذه الدول والقوى والجهات أن هذه المقاومة اللبنانية التي تمكنت من تحرير الجنوب اللبناني، وتمكنت من إحراز الانتصارات في المواجهات والمناوشات التي خاضتها مع الإسرائيليين ما هي إلا شكل من أشكال الرد السوري على احتلال الأرض العربية، والرد السوري على الرفض الإسرائيلي للانسحاب من هذه الأرض العربية المحتلة، وهي شكل من أشكال التوازن الاستراتيجي الذي حرصت سوريا على تحقيقه في أعقاب حرب تشرين التحريرية، كما أدركت هذه الجهات بالطبع أن سوريا هي التي تزود المقاومة اللبنانية بالسلاح وغير السلاح، وأن سوريا هي التي تقف وراء حركات المقاومة والممانعة في فلسطين، وأنها قد لعبت دورًا بارزًا في نجاح الثورة الإسلامية في إيران، كما كانت لها اليد الطولى في هذا التحول الذي شهدته تركيا، ولا زالت تشهده.. ولقد حاولت هذه الجهات، ومنها جهات عربية، وغربية أوروبية، ومنها كذلك الولايات المتحدة وإسرائيل أن تثني سوريا عن سياستها هذه، تارة بالاستعداد لإعادة الجزء المحتل من الجولان إلى الوطن الأم سوريا، وتارة برفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا منذ أواخر القرن الماضي، وطورًا بتقديم المساعدات والتسهيلات لسوريا والسوريين، حتى أن الأمر قد بلغ بإحدى تلك الجهات أن عرضت على السوريين إطلاق أيديهم في لبنان ضمن الصفقات الكثيرة التي عرضت على السوريين، ولكن الردود الإسرائيلية كانت دائمًا هي الأكثر حسمًا، وهي الأكثر لفتًا لانتباه السوريين؛ لقد تمثلت الردود الإسرائيلية منذ تلك الأيام وحتى يومنا هذا في إعلان ضم الجولان المحتل، وفي تكثيف الاستيطان الإسرائيلي فيه، وفي الإصرار على التنكر لحقوق الفلسطينيين، والإصرار على ضم القدس وتهويدها، ومواصلة الاستيطان في الضفة الغربية، أو يهودا والسامرة كما يسمونها، والاستمرار في حصار قطاع غزة، والاستمرار في انتهاج سياسة "الترانسفير" تجاه عرب الجليل والمثلث والنقب، والاستمرار في انتهاج سياسة العداء والتربص بلبنان وسوريا وفلسطين وإيران وتركيا، والاستمرار في مناصبة كل من يبدي شيئًا من التعاطف مع الفلسطينيين أو اللبنانيين أو السوريين أشد أنواع العداء، ولا بد من الإشارة هنا إلى هذا القانون الجديد الذي تبناه "الكنيست" الإسرائيلي بأغلبية كبيرة بشأن "التنازل" عن أي شبر من أرض القدس والجولان!! والذي يعني إصرار هؤلاء على عدم التخلي عن أي شبر من هذه الأرض العربية المحتلة مهما كلف الأمر، ولا بد من الإشارة أيضًا إلى أن هنالك كثيرًا من مشاريع القوانين التي تنتظر الخروج إلى حيّز التنفيذ في الأوقات المناسبة !!

وهكذا يواصل الإسرائيليون سياستهم المعلنة ضد الحقوق الوطنية المشروعة الثابتة للفلسطينيين في وطنهم فلسطين، وهكذا يواصلون موقفهم المعادي للبنان واللبنانيين، ولسوريا والسوريين، ولكل من يتعاطف مع قضايا التحرر العربي.. ولعل المراقبين وغير المراقبين في هذه الديار، وفي غير هذه الديار يعرفون جيدًّا أن الإسرائيليين قد برعوا منذ أمد بعيد في الاستفادة من كافة التناقضات والعداوات والأحقاد بين الناس في هذه الديار، ومن كافة أوجه التخلف والجهل والأمية والفقر والمرض والتشرد والقهر والقمع والكبت في كل ديار العروبة والإسلام، كما برعوا في أساليب التودد والتقرب من كثير من الناس في بلاد العرب والعجم، وأنهم قد تمكنوا منذ عشرات السنين من تأسيس شبكة واسعة من العلاقات العامة في كثير من أقطار العروبة والإسلام، ومنها فلسطين ولبنان وغيرهما من أقطار الجوار وغير الجوار.. كما أن هؤلاء المراقبين يعرفون كيف يتمكن الإسرائيليون من الارتقاء بأصدقائهم في هذا البلد أو ذاك إلى أعلى المناصب، وكيف يتمكنون من شراء هذا النظام أو ذاك، وكيف يتمكنون أيضًا من تسليط أصدقائهم وأحبابهم على هذه الأنظمة والقوى والهيئات والأحزاب والجماعات والتجمعات الكثيرة التي لم يتمكنوا من شرائها، ولم يتمكنوا من اختراقها، ولم يتمكنوا من ليّ ذراعها أو غمز قناتها، أو النيل من عزيمتها وإرادتها وإصرارها على مواصلة الدرب نحو أهدافها.. من السهل عليهم تسليط أصدقائهم على هذا النظام الذي فشلوا في "ترويضه"، ومن السهل عليهم أن يسخّروا أقوى قوى العالم في الشرق والغرب للوقوف إلى جانبهم في مساعيهم هذه.. فأصدقاؤهم هؤلاء المرتبطون بهم من أبناء ذلك البلد هم "معارضون"، والنظام يجب أن يحترم المعارضة، ولكن هذا النظام يقمع تلك المعارضة، فلا بد من عقابه، ولا بد من حصاره، ولا بد من إسقاطه بهذه الحجة، وبهذه الذريعة !! وما يقال في النظام، يقال في الحزب والجماعة والهيئة التي يقررون حصارها وإسقاطها بالأسلوب المشار إليه !! وفي الوقت نفسه فإن أنظمة "الاعتدال" التي تقيم معهم العلاقات، ويرضى عنها حلفاؤهم وأصدقاؤهم في دول الغرب، وترضى عنها منظمات الضغط في أمريكا وأوربا وغيرهما من الأقطار والأمصار يكون من حقها أن تزوّر، وأن تعتقل، وأن تقتل، وأن تنكل بالناس، وأن تجوعهم، وتجهّلهم، وتزيد من معاناتهم وأمراضهم، وأن تنهب خيراتهم، وتدمر مكتسباتهم، وتهدم مؤسساتهم التي بَنَوها بالعرق والدم والدموع؛ فإذا ارتفع صوت من هذه المدرسة، أو تلك المؤسسة، أو تلك الجامعة، أو هذا المسجد، أو هذا البيت، أو تلك الهيئة، وإذا ارتفع صوت هذا المحاضر، أو ذاك الكاتب، أو هذا الإعلامي، أو ذاك البرلماني، مطالبًا بالعدل والعدالة، واحترام القانون، والمحافظة على المال العام، والعمل من أجل إحقاق الحق، ونشر الوعي، واحترام الحريات، والتصدي للجرائم والموبقات، فإن كل هؤلاء الذين يطالبون بحق الأمة في الحياة الكريمة الآمنة، وإن كل هؤلاء الذين يطالبون بحقهم في الرغيف وحبة الدواء وشربة الماء هم إرهابيون، وعلى المجتمع الدولي أن يقف إلى جانب ذلك النظام (المعادي للشعب وتطلعاته) في محاولاته الجادة للقضاء عليهم!!

بالعودة إلى النموذج اللبناني الذي اعتمده هذا البحث، يجد الباحث أن المقاومة اللبنانية قد تمكنت من التغلغل في الشارع اللبناني، وأنها قد نفت عن نفسها صفة الفئوية والطائفية والمذهبية والحزبية الضيقة بإقامتها أمتن الصلات، وأوثق العلاقات بكثير من الفئات والتيارات والمذاهب والمستويات اللبنانية المعروفة بين اللبنانيين بحسن سيرها وسلوكها، وبانتمائها العربي الذي لا تشوبه شائبة، وعليه، فقد تمكنت هذه المقاومة من انتزاع إعجاب كافة فئات الشعب اللبناني ومستوياته في كافة مناطق لبنان، كما تمكنت هذه المقاومة من إفحام خصومها السياسيين وإحراجهم، بل وتعريتهم بصدق الكلمة، وقوة الحجة، والوفاء لدماء الشهداء، والمحافظة على عزة لبنان وكرامته.. وعلى الرغم من ذلك كله، إلا أن هذه الجهات المعادية للبنان واللبنانيين لا زالت تراهن على محكمة شهود الزور الدولية، وعلى قرارها الظني الذي سيصدر قريبًا، ظنًّا منها أن ذلك سيغير من الحقيقة، وظنًّا منها أن ذلك سينال من المقاومة، وظنًّا منها أن ذلك سيضعف من عزيمة سوريا، وظنًّا منها أن ذلك سيكون المفتاح لتجريد المقاومة من سلاحها..وعلى الرغم من تبرئة هذه المحكمة لسوريا مؤخرًا، وعلى الرغم أيضًا من العلاقات الجيدة التي ربطت رئيس الوزراء اللبناني بعد ذلك بسوريا، وعلى الرغم من تبرئة رئيس الوزراء اللبناني للمقاومة اللبنانية عشية زيارته لطهران، إلا أن ذلك لم يمنع نائب وزير الدفاع الأمريكي من توجيه أسوأ تهديد بتمزيق المقاومة اللبنانية، لأنه يعتبرها العقبة الكأداء في وجه مخططاته ومخططات حلفائه لفرض سيطرتهم على لبنان وغير لبنان، وعلى فلسطين وغير فلسطين، من أقطار الجوار، وغير الجوار، والسيطرة بالتالي على كل بلاد العرب دون استثناء.

لقد تعرضت هذه الأمة في الماضي لكثير من الانتكاسات والهزائم، ولكنها كانت تخرج منها دائمًا أشد قوة، وأعظم أيدًا، وإن حال الأمة في أيامنا هذه ليست بأسوأ من حالها في فترة الحروب الصليبية التي تزامنت مع زحف المغول.. وإن حال هذه الأمة اليوم ليست بأسوأ من تلك الأيام التي أُحرقت فيها بغداد، واحتُلت سوريا، فقامت مصر بواجب التصدي، وقادت مصر جيش التحرير والنصر على الغزاة في حطين وعين جالوت.

وبعد، فإن السلام العادل الشريف المتكافئ الذي يقف فيه جميع الناس على قدم المساواة، دون أن يكون هناك غالب أو مغلوب، والذي يعيد الحقوق إلى أصحابها، وتعود معه ثروات الأرض العربية إلى هذه الأمة العربية التي آن لها أن تتوحد، وآن لها أن تتقدم وتتطور، وآن لها أن تبني وتعمر وتنهض مثل كل شعوب الأرض، وآن لها أن تأخذ مكانتها اللائقة بها تحت الشمس، وآن لها أن توفر العيش الآمن الحر الكريم لكل أبنائها وبناتها، وآن لها أن تقول "لا" لكل محاولات السيطرة والاستغلال والاستغفال والعدوان، وأن تقول "نعم" لكل دعوات التغيير والإصلاح والتعمير والتطوير.. هذا السلام هو هدف الناس في هذه الديار، أو هكذا يجب أن يكون.. فمتى يفهم هؤلاء وأولئك كل هذه الحقائق؟ متى يفهمون أنه ليس بإغراءات البيت الأبيض، ومراوغات نتانياهو وابتزازاته، وصفقات الأسلحة، وأسراب الطائرات، وليس بالمليارات التي تنفق بدون حساب، وليس بالمحفّزات والمكافآت، وبناء المستوطنات، وتهويد القدس والجليل والخليل ونابلس وكل أرض فلسطين، وليس بالاستكبار والاستعلاء والكذب والتزوير وقلب الحقائق، والتبعية للآخرين، وليس بالاستبداد والاستعباد والتنكيل والتقتيل والتجهيل واستغفال الشعوب،ونهب خيراتها، تحل المشكلات، وتزول العداوات والخصومات، ويصنع السلام العادل الدائم الشريف المتكافئ الذي يؤسس لعلاقة جديدة قائمة على المحبة والتسامح والتعاون والاحترام بين شعوب هذا العالم.

29/11/2010


الأحد، ٢٨ تشرين الثاني ٢٠١٠

متابعات          

ليس بالإغراءات والمراوغات وصفقات الأسلحة والمحفِّزات تُحل المشكلات ويُصنع السلام!!

"2"

أ.عدنان السمّان

www.samman.co.nr

وإذا كانت القاعدة الذهبية عند هؤلاء هي تفتيت وحدة هذا الشعب في هذه الديار، والإمعان في تجزئته، والتفنن في تصنيفه وتقسيمه، وشطب تاريخه وتراثه ووجوده على امتداد التاريخ القديم والوسيط والحديث، ومصادرة إرثه الثقافي والحضاري، وانتحال هذا الإرث، وتبنيه جهارًا نهارًا، وعلنًا، وعلى رؤوس الأشهاد إمعانًا في التزوير، وإمعانًا في سيلٍ من ِأشكال الاحتلال وألوانه لهذه الأرض، ولهذا الإنسان، ولهويته، وثقافته، وفكره، وتراثه، وفنونه، وآدابه، وألوان طعامه وشرابه.. وإذا كانت القاعدة الذهبية عندهم أن يحلّوا محل هذا الشعب في كل مقومات وجوده، ومورثات شخصيته، تمهيدًا لنفيه داخل وطنه، وفي أقطار الجوار القريبة من وطنه، ثمّ في الأقطار الأكثر بعدًا من وطنه، حيث العزلة، وحيث الرقابة المشددة، وحيث يسهل الانفراد هناك بهذه المجموعات المهجّرة منه، ويسهل العمل المنظم من أجل تحليلها، والعبث بها، وتحويل مسارها، حتى لا يكون للوطن وجودٌ في ذاكرتها.. ولئن كان هذا شيئًا يسيرًا من خططهم ومخططاتهم وإجراءاتهم بحق هذا الشعب، فإن لهم بالطبع خططًا ومخططات وإجراءات في كل بلاد العروبة، وفي كل ديار الإسلام، ظنًّا منهم أنهم قد نجحوا في مساعيهم، وأنهم قد حققوا أهدافهم ومراميهم في السيطرة على هذا الشعب، واعتقادًا منهم أنهم قاب قوسين أو أدنى للخلاص منه بشتى الوسائل والطرق، واعتقادًا منهم أيضًا أن الدول الكبرى في الغرب وفي الشرق قد أصبحت ملك أيديهم، ورهن إشارتهم، وأنهم قد أصبحوا السادة الجدد، لهذا العالم العربي الإسلامي المترامي الأطراف، وجريًا وراء أطماعهم التي لا تنتهي، ولا تكاد تتوقف عند حد، وإمعانًا منهم في السيطرة على كل ديار العروبة والإسلام، ولكن بطريقة تختلف عما فعلوه في هذه الديار عندما أقاموا دولتهم فيها، واتخذوا منها منطلقًا للسيطرة على هذا الشرق.

ولما كان الحديث عن خططهم ومخططاتهم وإجراءاتهم في كل بلد وبلد من بلدان هذا العالم العربي يطول ويطول، فإن من الممكن أن يتحدث المراقب المتتبع لسير الحوادث والأحداث في هذه الديار عن شيء من هذه الخطط والمخططات في بلد صغير جميل مجاور لفلسطين هو لبنان، في محاولة للوقوف على طبيعة ما يجري في هذا البلد، وفي محاولة جادة للاستفادة من التجربة اللبنانية التي أتاحت لكل الباحثين، ولكل الكتاب، ولكل المراقبين المتتبعين لسير الحوادث في هذه المنطقة من العالم أن يكتبوا، وأن يحللوا، وأن يقفوا بخشوع وإجلال أمام تجربة لبنان، وأمام وقفة المجد والفخار التي يقفها العروبيون الوحدويون من أبنائه، حفاظًا على عروبة لبنان، وحفاظًا على حرمة أرض لبنان، وحفاظًا على العلاقة العضوية التي تربط لبنان بفلسطين، وتربطهما معًا بالوطن الأم سوريا، وليكون هذا بالتالي نموذجًا قد يغني عن الحديث المطوّل في قضايا كثير من البلدان العربية.

وإذا كانت فلسطين منذ فجر التاريخ تشكل الجزء الجنوبي من سوريا، فإن لبنان الجميل هو خاصرة سوريا اليمنى، وإن الساحل اللبناني هو امتدادٌ للساحل السوري على البحر الأبيض المتوسط وصولاً للساحلين المصري والليبي عندما كان البحر الأبيض المتوسط بحيرة عربية في سالف الدهر والزمان.. وإذا كانت فلسطين هي الأرض العربية التي استهدفها وعد بلفور، واستقر عليها رأي الحركة الصهيونية، بعد موت ثيودور هرتزل لتكون دولة اليهود التي يحلمون بها، فإن لبنان هو البلد العربي الذي حاول الإسرائيليون احتلاله أكثر من مرة، بل هو البلد العربي الذي احتلوه في العام الثاني والثمانين من القرن الماضي، ولبثوا في جنوبه ثمانية عشر عامًا قبل أن تخرجهم المقاومة اللبنانية من هذا الجنوب اللبناني الذي أحرز أكثر من انتصار على هذه الدولة العبرية التي أقيمت على أرض فلسطين، والتي وضعت الخطط والمخططات للسيطرة على كل أرض العرب انطلاقًا من فلسطين، وبدءًا بلبنان، ولا أقول انتهاءً بموريتانيا غربًا، وبالعراق العربي شرقًا، ولا أقول انتهاءً بأوزبكستان في أقصى شرق العالم الإسلامي أيضًا.

لقد شهد لبنان الحديث منذ أن حصل على (استقلاله) من الغزاة الفرنسيين في الثاني والعشرين من تشرين الثاني من عام ثلاثة وأربعين من القرن الماضي حياة مختلفة عن حياة شعوب الأمة العربية في كل أقطارها؛ فلبنان بلد الطوائف والثقافات والتيارات الفكرية والسياسية والمذهبية المختلفة ألفى نفسه أمام هذا الوضع السياسي الاقتصادي الاجتماعي لأول مرة في تاريخه الحديث، وكان واحدة من هذه الثمار المرة التي تمخضت عنها هزيمة تركيا العثمانية في الحرب العالمية الأولى، ووقوع كثير من الأقطار العربية تحت ألوان من الاحتلال الغربي الذي قرر تفتيت هذا الوطن العربي وتجزئته حتى لا تقوم له قائمة في المستقبل، وحتى لا تقوم على أرضه في يوم من الأيام دولة العرب الواحدة الموحدة على عكس ما كان قد تم عليه الاتفاق مع شريف مكة الحسين بن علي بحسب ما جاء في مراسلات الحسين مكماهون، وتنفيذًا لمقررات مؤتمر سان ريمو الذي عقده مجلس الحلفاء الأعلى في الخامس من أيار من عام عشرين وتسعمائة وألف لدرس قضايا الانتداب والبترول في الشرق الأوسط، وتقرر فيه تقسيم البلاد العربية، ووضعها تحت الانتداب على أن يكون لبنان وسوريا لفرنسا، والعراق وفلسطين لبريطانيا.

لقد كان من الطبيعي في بداية هذه المرحلة الجديدة من تاريخ لبنان أن تحاول السيطرةَ عليه فئة، أو طائفة، أو تحالف ما من أبنائه، وكان من الطبيعي أيضًا أن يحتج على ذلك كثير من اللبنانيين، وهكذا وجد اللبنانيون أن خير السبل للخروج من كل مشكلات البلد، ومن كل أزماته واحتقاناته هو التوافق الطائفي بين كل فئاته وطوائفه، كما وجدوا أن الحياة الحزبية، وحرية الكلمة والتعبير، هي طريق اللبنانيين نحو التفاهم، والعيش المشترك على أرض لبنان الواحد الموحد بحرية وأمن وأمان، وهي في الوقت نفسه طريق لبنان نحو القوة والمنعة والوحدة الوطنية بين أبنائه كافة إلى أن يقول العرب كلمتهم في مستقبل أجيالهم على هذه الأرض العربية، وإلى أن يقولوا كلمتهم في نظامهم السياسي العربي الذي ينبغي أن يقف إلى جانب هذه الأنظمة السياسية المتطورة في هذا العالم، والذي ينبغي أيضًا أن يأخذ بيد هذه الأمة العربية نحو شاطئ العزة والوحدة والبناء والإعمار والكرامة.

ولما كان الهدف من هذا البحث استخلاص النتائج والعبر والدروس المستفادة من التجربة السياسية العربية، وربط هذا كله بواقع القضية الفلسطينية اليوم، وتحديدًا في هذا الذي يجري بشأن المفاوضات، وبشأن البحث عن حلول عملية عادلة لهذه القضية المزمنة التي طال عليها الأمد، ولما كان الهدف أيضًا ربط هذا كله بواقع النظام السياسي العربي، وبالدور الذي يمارسه الإسرائيليون ومنظمات الضغط اليهودية والصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية، ودول أوروبا، وغيرها من دول هذا العالم لإحكام السيطرة على هذا الوطن العربي، والإمعان في تمزيقه وتجزئته، فإن الإشارة إلى ما جرى في لبنان سابقًا، وإلى ما جرى فيه لاحقًا، وإلى ما يجري فيه اليوم أيضًا، وإلى ما سيجري على أرضه في المستقبل المنظور، تكفي لوضع كثير من النقاط على كثير من الحروف، وتكفي لمحاولة اعتبار لبنان نموذجًا يستند عليه هذا البحث في تصديه لهذا الواقع العربي، ولهذا الواقع الفلسطيني الذي نحرص جميعًا على الارتفاع بهما إلى مستوى المسئولية السياسية الأخلاقية التي تضمن لهما الخروج من كل أزماتهما وانتكاساتهما واحتقاناتهما وانقساماتهما بسلام، وهذا يعني باختصار شديد أن هذا البحث (الذي اتخذ من لبنان واللبنانيين نموذجًا عند الكلام عن العرب في كافة أقطارهم) ليس مطالبًا بالتأريخ للبنان، وليس مطالبًا بالتأريخ لسوريا، وليس مطالبًا أيضًا بالتأريخ لفلسطين، وليس مطالبًا كذلك بالتأريخ لأي من أقطار العروبة من محيطها إلى خليجها.

يتبع...

 (28/11/2010)


السبت، ٢٧ تشرين الثاني ٢٠١٠

متابعات          

ليس بالإغراءات والمراوغات وصفقات الأسلحة والمحفِّزات تُحل المشكلات ويُصنع السلام!!

أ.عدنان السمّان

www.samman.co.nr

في الوطن العربي الكبير من محيطه إلى خليجه مشكلات، وقضايا سياسية واقتصادية واجتماعية وإنسانية وتربوية وصحية وغذائية وزراعية وصناعية ومعرفية وأخلاقية، لا تكاد تقف عند حد.. في أقطار هذا الوطن الكبير –كما في سائر أقطار الدنيا- أنظمة سياسية، وفيها أيضًا أحزاب، وقوى، وتنظيمات، ومنظمات، وجماعات، وتجمعات، وفصائل، وقبائل، وحمائل.. كما أن فيها إلى جانب هذا كله مدارسَ وجامعاتٍ ومؤسساتٍ مدنيةً، وغيرَ مدنيةٍ، وعياداتٍ طبيةً ومشافٍ ونوادٍ ومساجدَ وكنائسَ.. وفيها أيضًا –كغيرها من الأقطار- الأطباء والصيادلة والمهندسون، والمحامون والمعلمون والعمال والفلاحون والمثقفون والكتّاب والصحافيون والإعلاميون العاملون في كل وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة.. كما أن أقطار هذا الوطن العربي الكبير في آسيا وإفريقية (الذي تضاهي مساحته مساحة الاتحاد السوفياتي الذي كان، أو مساحة الولايات المتحدة الأمريكية والصين الشعبية مجتمعتين) تعج بمئات الملايين من المواطنين العرب النجباء الفصحاء الصرحاء، حيث تشير الدراسات والإحصاءات إلى أن عددهم يربو على ثلاثمائة مليون عربي.. ومع ذلك، وعلى الرغم من كل ذلك، وبالرغم من كل هذه القوى البشرية، والأراضي الزراعية وغير الزراعية، وعلى الرغم من كل هذه الأنهار والبحار والشواطئ والسواحل العربية، والثروات المائية، والمياه الإقليمية التي يمتلكها الوطن العربي، وعلى الرغم من هذه الثروات الحيوانية، والطاقة الشمسية الهائلة، وعلى الرغم من هذه البيئات، واختلاف المناخات، واتساع المساحات، ووفرة الحاصلات، وتنوع الثقافات والحضارات، وكثرة الإمكانات ووفرتها، إلا أن المراقب المتتبع لسير الأحداث في هذا العالم العربي يذهله هذا الواقع المرير الذي تحياه شعوب هذه الأمة العربية الواحدة من محيطها إلى خليجها؛ فلماذا يتقدم الناس من حولنا، ونتأخر؟ ولماذا لا يحقق العرب مجتمعين ناتجًا قوميًّا كذاك الذي يحققه بلد أوروبي محدود المساحة والموارد؟ ولماذا لا يعمل العرب من أجل بناء الدولة العربية الحديثة فوق كل أرض العرب؟ وما علاقة الإسرائيليين ومنظمات الضغط اليهودية في أمريكا وأوربا بهذا الذي يجري في الوطن العربي الكبير من محيطه إلى خليجه، بل في هذا العالم الإسلامي الواسع المترامي الأطراف؟؟.

وفي هذا العالم العربي اليوم أكثر من عشرين دولة، ولا زالت المحاولات مستمرة لرفع هذا العدد الذي لا ندري يقينًا كم سيبلغ بعد عام أو عامين أو عشرة أعوام، وكل ما ندريه أن بلدًا كلبنان لا تزيد مساحته عن عشرة آلاف وأربعمائة من الكيلومترات المربعة كان من الممكن أن يكون في هذه الأيام خمس دول على الأقل لولا حرص الحريصين على وحدته من العروبيين الوحدويين داخل لبنان وخارج لبنان أيضًا، وكل ما ندريه أيضًا أن بلدًا كفلسطين لا تكاد مساحته تزيد عن سبعة وعشرين ألفًا من الكيلومترات المربعة نرى فيه عددًا من الدول والدويلات وأشباه الدول، ولولا سوء التفاهم الذي يشوب علاقات غزة مع جيرانها وجاراتها لكانت دولة، ومن يدري، فربما أصبحت دولة عضوًا في الأمم المتحدة مستقبلاً، ومن يدري أيضًا، فربما أصبح في الضفة الغربية أكثر من دويلة إلى جانب دويلات المستوطنين في الشمال والجنوب!! وكل ما ندريه كذلك أن العراق العربي الذي قامت في شماله دويلة للأكراد مرشح هو الآخر لقيام دول شتى على أرضه لولا موقف الغيورين على وحدته من العراقيين العروبيين الوحدويين في داخل العراق، ومن الوحدويين العرب خارجه.. واليمن، وما أدراك ما اليمن؟ والسودان، وما أدراك ما السودان؟ ومصر.. لك الله يا مصر، يا أرض الكنانة!! أكثر من عشرين دولة قائمة في هذا الوطن العربي ومثلها في طريقها إلى القيام في هذه الأقطار التي ذكرتها، والتي لا تكتمل فرحة البحث والتحليل والتعليق إلا بها، فإذا أضفنا هذا العدد إلى ما هو قائم فعلاً تجاوز الناتج أربعين دولة، أو دويلة، أو شبه دولة!! وإذا رزقنا الله –من حيث لا نحتسب- عددًا آخر من الدول في ديار العروبة فأصبح العدد خمسين دولة مثلاً، أصبح من حقنا أن نعلن ميلاد الولايات المتحدة العربية تيمنًا بالولايات المتحدة الأمريكية!!

ولكن ما علاقة هذا بالإسرائيليين، وبمنظمات الضغط اليهودية في أمريكا تحديدًا، وفي غيرها من دول أوربا وغير أوروبا؟ ما علاقة الدولة العبرية المقامة على أرض فلسطين، وما علاقة الغرب بعامة بكل مشكلات الوطن العربي وقضاياه التي لا تكاد تحصى عددًا؟ وبكل قضايا الوحدة والفرقة، والتقدم والتخلف في كل ديار العروبة، وفي كل ديار الإسلام أيضًا؟؟

الإسرائيليون مغرمون بالتدخل في شؤون الآخرين، ومغرمون بدراستهم وبفهمهم، ومعرفة خفاياهم وخباياهم، وهم مغرمون جدًّا بالتودد إليهم، ومحاولة التقرب منهم، ومبادلتهم الأحاديث في الأمور الشخصية، وظروف العمل، والطموحات.. وكذلك مبادلتهم الأحاديث في الأمور العامة، وفي السياسة، والاقتصاد، و السلام الاقتصادي،ومستقبل العلاقات، والسلام في هذه الديار، وصولاً إلى السلام العالمي، وهم خلال ذلك كله يبذلون كل جهدهم للتعرف على هؤلاء الآخرين، والاستفادة من خبراتهم وأفكارهم، والتنسيق معهم، حتى إذا ما اطمأنوا إليهم –وليس الاطمئنان من صفاتهم ومواصفاتهم وطباعهم- راحوا يفرزونهم ويصنفونهم وفق حساباتهم واعتباراتهم ومقاساتهم، وراحوا يبحثون لكل فئة منهم عن عمل تمارسه إلى جانب عملها، وربما فرّغوا أعدادًا من هؤلاء للتخصص في هذا العمل الجديد، وفي التفرغ له محّليًّا، وإقليميًّا، ودوْليًّا .. بحسب استعدادات هؤلاء، وكفاءاتهم، واستجابتهم بعد سلسلة طويلة من الإعداد والتهيئة والتحضير والتدريب والاختبار.. ولعل تصنيف الناس بحسب ألسنتهم وأديانهم وألوانهم وبيئاتهم الجغرافية ومستوياتهم العلمية والفكرية، واستعداداتهم النفسية، وتجاربهم، وثقافاتهم وطموحاتهم يأتي في المقام الأول لتحديد المهمة أو المهام التي من الممكن أن تناط بهذه الفئة أو تلك،وراحوا بعد ذلك أو قبله يراقبونهم،ويكلفون بعضهم بمراقبة بعضهم الآخر،وراحوا يعدّون الملفات لأُناس لم يولدوا بعد،ويضعون الخطط والمخططات لتطوير منتجاتهم الزراعية والصناعية ومضاعفتها لغزو هذه الأسواق التي يدخلونها،وإشباع هذه الأفواه التي أُنيطَ بهم أمر إشباعها في كثير من الأقطار التي أضحى مواطنوها مجرد أفواه تستهلك ما ينتجه هؤلاء.

في فلسطين راح الإسرائيليون اليهود يصنفون الإسرائيليين العرب بحسب الدين؛ فهؤلاء مسلمون، وهؤلاء مسيحيون.. وراحوا يصنفون المسيحيين بحسب طوائفهم، فهذا ماروني، وذاك كاثوليكي، أو بروتستانتي.. وأما المسلمون فهذا سنّي، وهذا شيعي (إن وُجد) وهذا درزي، وهذا شركسي، أو شيشاني، أو أحمدي، أو بدوي شمالي، أو بدوي جنوبي.. ولأن المسلمين يشكلون غالبية العرب في الدولة العبرية، فقد صنفهم الإسرائيليون اليهود بحسب المذهب، وبحسب الانتماء العرقي،والموقع الجغرافي، وكذلك صنفوا كثيرًا منهم بحسب الوضع الاجتماعي، والمستوى العلمي.. وهكذا أصبح الإسرائيليون العرب فرقًا ومجموعات وشرائح وأقليات ومستويات كثيرة داخل إطارهم العام المعلن الذي ينتظمهم جميعًا أعني إطار "الأقلية العربية" الذي ينسحب على نحو عشرين بالمئة من سكان الدولة العبرية المقامة فوق أرض فلسطين.. لقد صنفهم الإسرائيليون اليهود كذلك، ليسهل حكمهم، وليتمكن الحاكم اليهودي من معرفة نوايا المواطن العربي، ولكي يعرف هذا الحاكم كيف يتعامل مع كل فرد من أفراد هذه الأقلية العربية، وليعرف أيضًا كيف يضمن السيطرة عليها عن طريق الإحاطة بكل أسرارها، وبكل خباياها، وخفاياها.. إن القاعدة الذهبية عند هؤلاء الإسرائيليين اليهود هي أننا إذا صنفنا الناس إلى مجموعات وشرائح دينية ومذهبية وطائفية وعرقية وصلنا إلى نتيجة هي أننا (أي اليهود) نشكّل الأغلبية المطلقة في هذه الديار، قياسًا إلى ما نراه في هذه الأقلية العربية الحافلة بالتناقضات !! فإذا قال قائل إنكم مستويات ومجموعات وتجمعات وأقليات عرقية ومذهبية مجلوبة من معظم أقطار الدنيا لا تربط بينها رابطة قالوا: يجمع بين هؤلاء المجلوبين جميعًا أنهم يهود يعودون إلى أرض إسرائيل بموجب قانون العودة، وتقوم الدولة هنا باستقبالهم واستيعابهم وتعليمهم اللغة، وتهيئتهم ليكونوا مواطنين في هذه الدولة، ويجمع بينهم أيضًا أنهم مواطنون مخلصون لدولة إسرائيل.. دولة كل اليهود في هذا العالم!! ومخلصون أيضًا لعاصمة دولة إسرائيل (أورشليم) عاصمة يهود العالم دون استثناء!!

يتبع..

27/11/2010


الخميس، ٢٥ تشرين الثاني ٢٠١٠

متابعات

 

في اليوم العالمي لمنع العنف ضد المرأة!!

 

                                                            أ.عدنان السمان   

www.samman.co.nr

   إذا كانت النساء شقائق الرجال , وإذا كان وراء كل عظيم امرأة , وإذا كانت المرأة نصف المجتمع, وهي التي تربي نصفه  الثاني, وإذا كانت المرأة التي تهز السرير بيمينها, تهز العالم بيسارها ,وإذا كانت الجنة تحت أقدام الأمهات , وإذا كانت المرأة في كل مراحل حياتها هي:الابنة ,والشقيقة ,والخالة ,والعمة ,والخطيبة , والزوجة , والأم , والمربية ,والطبيبة ,والمحامية ,والمعلمة ,والمهندسة , والجدة ,وسيدة الأعمال ,والمحاربة المقاتلة على كل الجبهات, وعلى كل المستويات ,وبكل الأسلحة من أجل أبنائها ,وأسرتها ,ومجتمعها ,وشعبها,وأمتها.. إذا كانت المرأة كل هذا, وإذا كانت كثيرًا غيره أيضًا, فكيف بالله عليكم  يقدم بعضهم على إهانتها؟ وكيف بالله عليكم يسمح بعضهم لنفسه باضطهادها وإذلالها والتنكيل بها؟ وكيف بالله عليكم يمارس بعضهم ضدها هذا اللون أو ذاك من ألوان العدوان والاعتداء والتحكم والتعسف والقهر ؟لا لشيء إلا لأنها امرأة !! ولا لشيء إلا لأنها الطرف الضعيف !! ولا لشيء إلا لأنها بنصف عقل, وبنصف دين , وعليه, فإنها قد خُلقت لتبقى تحت وصاية الرجل مدى الحياة!! حتى لو كان هذا الرجل متخلفًا , أو سفيهًا , أو منحرفًا, أوعدوانيًّا نرجسيًّا مسرفًا في عدوانيته ونرجسيته التي تبيح له اضطهاد الآخرين, والاستعلاء عليهم , وتعذيب الأخريات , والتنكيل بهنّ .. حتى لو كنّ الزوجات , والأمهات ,والمربيات, وربات البيوت , والمسئولات عن إعداد الأسرة الصالحة القوية.. نواة المجتمع القوي المتماسك الذي لايُقهر, ولا يُغلب , ولا تنال منه الصعوبات والعقبات مها اشتدت , ومهما تكالبت عليه, وتكالب عليه معها كل الخصوم والأعداء.

    في اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة الموافق هذا اليوم الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني من كل عام, والذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في التاسع عشر من تشرين الأول من عام تسعة وتسعين وتسعمائة وألف , ودعت فيه الحكومات والمنظمات الدولية ,والمنظمات غير الحكومية إلى تنظيم أنشطة وفعاليات في هذا اليوم تهدف إلى زيادة الوعي العام بهذه المشكلة..وفي هذا اليوم العالمي الذي اعتُمد يومًا من أيام المجتمع الدولي يُصار فيه إلى إنصاف المرأة, وتبذل فيه الجهود للقضاء على العنف ضدها  نقول: نحن مع هذا المجتمع الدولي في توجهاته هذه , نحن معه في مساعيه الحميدة للقضاء على العنف ضد المرأة , نحن معه في إنصاف المرأة, وتخليصها مما هي فيه من ظلم واضطهاد وعذاب .

   و في اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة نقول :إن شريعتنا قد أنصفت المرأة, وأعادت إليها حقوقها, وردت إليها اعتبارها قبل خمسة عشر قرنًا من الزمان.. شريعتنا الغراء هذه رسمت معالم الأسرة السعيدة , والمجتمع الآمن المطمئن, وكرست هذه المفاهيم والأفكار , وترجمتْها واقعًا عمليًّا ملموسًا مُعاشًا على أرض الواقع مذ  كانت هذه الشريعة,ومذ كان هذا المجتمع المتماسك المتضامن المتكافل العصيّ على الكسر والاختراق من سائر الخصوم والأعداء المتربصين به من بعض أبنائه الذين يعيشون في رحابه , ومن أعدائه الذين حاولوا في الماضي , ولا يزالون يكررون محاولاتهم بشتى الوسائل والأساليب من أجل النفاذ إلى جوهر قوته و تماسكه, ومن أجل ضرب هذه القوة , وتشويه خصائص هذا التماسك بإدخال مفاهيم غير مفاهيمه , وثقافة غير ثقافته, وفكر اجتماعي واقتصادي وسياسي غير فكره الذي نشأ عليه منذ أن كان , ومنذ أن كانت ثورته التي أخرجته من الظلمات إلى النور قبل خمسة عشر قرنًا من الزمان خَلَتْْ..هؤلاء الخصوم والأعداء سيفشلون اليوم كما فشلوا في الماضي , ولن يحصدوا إلا الخيبة والحسرة وسوء المصير.

   وفي اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة نرحب في هذه الديار بكل جهد من شأنه أن يعيد للمرأة مكانتها المرموقة السامية اللائقة بها , ونرحب بكل المحاولات والقرارات والأفكار والأنشطة التي من شأنها أن تحميها من عدوان المعتدين , واستبداد المستبدين, واغتصاب المغتصبين وهمجيتهم .                                                  ( 25/11/2010)

                                          


السبت، ٢٠ تشرين الثاني ٢٠١٠

متابعات

 

في الذكرى الخامسة والسبعين لاستشهاد الشيخ عز الدين القسام

 

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

 

هو عز الدين بن عبد القادر بن مصطفى القسّام، وأمه حليمة قصّاب، وكان أبوه قد تزوج من امرأتين: حليمة (وأنجب منها فخر الدين، وعز الدين، ونبيهة) والثانية آمنة جلّول (وأنجب منها أحمد، ومصطفى,وكامل,وشريف) وهو من مواليد بلدة جبلة في محافظة اللاذقية على الساحل الشمالي لسورية في اليوم العشرين من تشرين الثاني من العام اثنين وثمانين وثمانمائة وألف. أتم دراسته الابتدائية في كتاتيب بلدته جبلة، وفي زاوية الإمام الغزالي.. ومن ثم ارتحل إلى مصر عام 1896 مع عدد من فتيان منطقته، حيث درس في الأزهر الشريف عشر سنوات نال بعدها شهادة الأهلية الأزهرية... لقد نشأ عز الدين نشأة إسلامية، وكان أستاذه في الكتّاب شديد الإعجاب بذكائه وأخلاقه واستقامته.. كما كان قوي الشخصية عصاميًّا شديد الثقة بنفسه.. ففي الأزهر الشريف، وبعد تأخر المصاريف من الأهل مدة طويلة، ونفاد ما في الجيب واليد صنع القسام الهريسة، وباعها للطلاب أمام الأزهر الشريف، وهو ينادي بأعلى صوته على بضاعته، بينما زميله عز الدين التنوخي يقف إلى جانبه في حال من الخجل الشديد.. وهكذا خرج الصديقان من أزمتهما.. ومما يُذكر في هذا السياق أن التنوخي والد عز الدين قد توجه في تلك الأثناء لزيارة ابنه فوجده مع القسام على هذه الحال أمام باب الأزهر، ولما حاول التنوخي أن يوضح لأبيه –وهو يشعر بالحرج- أن الأمر من تدبير صديقه القسام لمواجهة الوضع الصعب، قال له أبوه: لقد علَّمك القسام معنى الحياة يا ولدي... وزوجته بنت عمته أمينة نعنوع التي أنجب منها ثلاث بنات: خديجة، وعائشة، وميمنة، ثم ابنه الوحيد محمد عام 1929خاضت إلى جانبه ثورته ضد الفرنسيين... آما أبوه فكان يدرّس أبناء القرية أصول القراءة، وحفظ القرآن في الكتّاب، ثم اشتغل لفترة مستنطقًا في المحكمة الشرعية.

وفي الأزهر الشريف تتلمذ القسام على الشيخ محمد عبده، وأحب دروسه، كما تتلمذ على الشيخ محمد أحمد الطوخي.. وفي الأزهر الشريف تأثر القسام أيما تأثر بروح العداء للاحتلال البريطاني الذي جثم على صدر مصر منذ العام 1882، كما تأثر بموقف الأزهر من الحملة الفرنسية على مصر قبل الغزو البريطاني بزمن طويل (1798) كما تأثر تأثّرًا كبيرًا بفكر الشيخ جمال الدين الأفغاني، ودعوته المستمرة للثورة على الغزاة الذين يستهدفون ديار العروبة والإسلام.. ولعل القسام قد تأثر أيضًا برشيد رضا وبمقالاته التي كان ينشرها منذ مطلع القرن الماضي في مجلته الأسبوعية "المنار" حول الدولة اليهودية التي تعتزم الصهيونية إقامتها في فلسطين.. وفي الأزهر الشريف جمع القسام بين علوم العربية، وعلوم الشريعة، وتفاعل أيما تفاعل مع كل ما يجري على الساحة العربية الإسلامية من كبار الحوادث والأحداث على امتداد سنوات دراسته التي بلغت عشر سنوات تمكن القسام خلالها من بناء شخصيته الإسلامية الثائرة الملتزمة المتسلحة بالعلم والوعي والعزيمة والإيمان.

ويعود عز الدين إلى جبلة بعد التخرج، ويعرض عليه أبوه أن يذهبا معًا إلى قصر الآغا ليسلّما عليه، ولكن عز الدين يرفض ذلك مبتسمًا، وهو يقول: المقيم – يا أبي- هو الذي يسلّم على العائد من السفر.. وعليه فإنه يجدر بالآغا أن يأتي لزيارتنا. وما إن عاد حتى راح يمارس التدريس في زاوية والده، وفي جامع السلطان إبراهيم بن أدهم، كما تولى خطابة الجمعة في مسجد المنصوري وسط البلدة.. وارتفع بهذا شأن عز الدين، ولم يتمكن حاسدوه من النيل منه شعبيًّا أو رسميًّا، بل إنه وبعد عمله موظفًا في مسجد المنصوري رفع من شأن أسرته، ومنع أمه وأخواته من العمل في بيت الآغا.

وتدخل جيوش الحلفاء دمشق في مطلع تشرين الأول 1918، ويكون القسام أول ثائر في وجه هذه الجيوش، ومعه تلاميذه ومريدوه ومحبوه من شبان المنطقة، وقد استشهدت غالبيتهم في تلك المواجهات التي استمرت دون توقف مدة عام كامل (1919 – 1920)  ويخوض تلك الثورة المبكرة ضد الاحتلال الفرنسي أيضًا كل من إبراهيم هنانو، والشيخ الثائر صالح العلي، وعمر البيطار.. وتستمر هذه الثورة حتى آذار 1921... ويحاول الفرنسيون استمالة القسام بتوليته القضاء، ولكنه يرفض ذلك محرّمًا كل أشكال التعامل مع الاحتلال، ويحكم عليه الديوان العرفي الفرنسي في اللاذقية بالإعدام غيابيًّا.

وفي النصف الثاني من العام 1920 (وتحديدًا ما بين شهر آب حتى نهاية ذلك العام) يدخل القسام فلسطين (التي كانت تسمى آنذاك جنوب سوريا) ومعه أتباعه الستة: أحمد إدريس، الحاج علي عبيد، الشيخ محمد الحنفي، الحاج خالد، ظافر القسام، عبد المالك القسام.. وفي عكا قرر الشيخ أحمد إدريس العودة، وانتقلت المجموعة من عكا إلى حيفا المدينة الجميلة ذات الخليج البحري الهام، المتصلة بحرًا بالمدن اللبنانية والسورية الساحلية، وذات العلاقة التاريخية الوثيقة بهذه الموانئ، وبدمشق عاصمة بلاد الشام، وفوق ذلك فإن حيفا بعيدة عن نفوذ العائلات الفلسطينية المتصارعة آنذاك، ثم إن في حيفا القديمة – حيث استقر الشيخ القسام ورفاقه- أحد عشر ألف فقير فلسطيني (نزحوا إلى حيفا القديمة من القرى المجاورة بعد أن فقدوا بيوتهم) يعيشون في بيوت من الصفيح، ثم إن الانتداب البريطاني – وهذا هو الأهم- قد اتخذ من حيفا قاعدة لأسطوله.. لهذه الأسباب، وربما لأسباب أخرى، أتخذ القسام مدينة حيفا مقرًّا لإقامته، ومنطلقًا لثورته في فلسطين.

جاء في كتاب "الوعي والثورة" لسميح حمودة عن الصحافي العربي الفلسطيني عبد الغني الكرمي أن القسام رآه بعد أسبوع من إعدام الثوار الثلاثة على المشانق في 17/6/1930 يلعب النرد في جمعية الشبان المسلمين، وسمعه وهو يسخر من قروي جاء للعلاج في عيادة الجمعية الإسلامية إذ أشكل عليه التفريق بين الاسمين: "الجمعية الإسلامية" وجمعية الشبان المسلمين" لتقاربهما في التسمية، فانتهره القسّام، وأخذ بيد القروي إلى العيادة، ولم يتركه حتى اشترى له الدواء. وهذه واحدة من القصص الكثيرة التي تناقلها الناس عن حب القسام للفلاحين والعمال، ويكفي أن نذكر أن غالبية مؤيدي القسام كانوا من عمال سلطة القطارات في حيفا ومن موظفي هذه السلطة، ويكفي أن نذكر أيضًا أن عمال الحجارة في الكبابير وعددهم سبعمائة حجّار كانوا من القساميين..

ولا بد هنا من الإشارة السريعة إلى عدد من رجال القسام وعلى رأسهم الشيخ فرحان السعدي، وهو من قرية المزار قضاء جنين، وكان على علاقة وثيقة بالقسام. ومنهم حسن الباير من قرية برقين قضاء جنين، ومحمود سالم من الرملة وكان يعمل حارسًا في محطة القطار بحيفا، والشيخ نمر السعدي من غابة شفا عمرو، وهو ابن عم فرحان السعدي، والشيخ عبد الله يوسف زيباوي من قرية الزيب قضاء عكا، وعبد قاسم وهو فلاح كان يبيع الكاز في شوارع حيفا، ومحمد زعرورة وكان يبيع الكاز أيضًا، ومحمد الصالح حمد "أبو خالد" من سيلة الظهر، وكان عاملاً في حيفا، وخليل محمد عيسى "أبو إبراهيم الكبير" من قرية المزرعة الشرقية قضاء رام الله، وأحمد الغلاييني وكان يعمل سمكريًّا في حيفا، وعطيفة أحمد المصري، وهو عامل سفن من مصر، وأحمد الطيب أبو منصور، وكان من أوائل من عملوا في تهريب الأسلحة وتخزينها بعد أن تبناه القسام وقوّم اعوجاجه، وألحقه بالحركة الجهادية، ومحمد أبو قاسم خلف من حلحول قضاء الخليل.

استشهد الشيخ عز الدين القسام في أحراش يعبد في اليوم العشرين من تشرين الثاني من العام خمسة وثلاثين وتسعمئة وألف بعد أن حوصر هناك مع عدد من أصحابه المجاهدين.. ولقد أورد الدكتور عبد الستار قاسم في كتابه " الشهيد الشيخ عز الدين القسام" وصفًا مثيرًا لوقائع تلك المعركة، ولمقدماتها ونتائجها، كما أورد في هذا الكتاب تعليقًا وتحليلاً سياسيًّا يجدر بكل متابع للحركة الوطنية في فلسطين أن يقرأه.. كما وردت في كتاب "الوعي والثورة" لمؤلفه سميح حمودة تفصيلات وتحليلات ومعلومات جمعها المؤلف مما كُتب عن القسام وعن هذه المعركة تحديدًا، ومما تناقله رفاق القسام، وبعض المجاهدين الذين شاركوا في معركة الأحراش... ويجدر بكل دارس، وبكل مهتم بحركة التاريخ في هذه الديار أن يقرأه ليطّلع على سيرة مجاهد كبير، وعلم من أعلام الإسلام جاهد بعلمه ولسانه وماله، وضحى بدمه ملبّيًا داعي الجهاد في سبيل الله على أرض البطولات ومهد الرسالات أرض فلسطين.

وقبل أن أنهي هذا المقال ينبغي أن أشير إلى عدد ممن كتبوا في استشهاد هذا الشيخ المجاهد شعرًا ونثرًا.. أما المراثي الشعرية فمنها: 1- قصيدة قتلوك لليعقوبي. 2- قصيدة شهيد فلسطين للصارخ. 3- قصيدة إلى روح شهيد الوطن الخالد لواصف عبد الرحمن. 4- قصيدة سموك زورًا  بالشقي للشيخ نديم الملاح. 5- قصيدة يا رحمتنا للشاعر ابن خلدون. 6- مرثيّة الشاعر فؤاد الخطيب. 7- قصيدة الشهيد عز الدين القسام للشاعر صادق عرنوس. 8- قصيدة يا خسارة يا عز الدين للشاعر الشعبي نوح إبراهيم. 9- قصيدة الشهيد للشاعر إبراهيم طوقان ومنها هذه الأبيات:

عبس الخطبُ فابتَسَمْ               وطغى الهولُ فاقتَحَمْ

رابط الجأش والنهى               ثابت القلب والقَدَم

لم يبـالِ الأذى ولمْ                  يثنه طارئُ الألـمْ

نفسُـه طَوعُ همـةٍ                   وجمتْ دونها الهممْ

تلتقي في مزاجهـا                  بالأعاصير والحممْ

تجمع الهائج الخضمَّ               إلى الراسخ الأشمّ

وهي من عنصر الفدا              ء ومن جوهر الكرمْ

سار في منهج العلا                 يطرق الخلدَ منزلا

لا يبـالي مكبّـَلا           نالـه أم مجنـدَلا

فهو رَهْنٌ بما عزمْ    (جريدة فلسطين – يافا 24/11/1935 ص7.)

وأما المراثي النثرية فمنها: ليس من صانوا الحمى بالأشقياء. بقلم الأستاذ أكرم زعيتر.(الجامعة الإسلامية 22/11/1935) . ومنها بررة أتقياء ، لا فجرة أشقياء.. لا تظلموا الموتى بعد أن ظلمتم الأحياء للفاروقي (سليمان التاجي الفاروقي/ رئيس تحرير الجامعة الإسلامية- يافا 22/11/1935) هذه عصابة الحق فمجّدوها. بقلم الشيخ حسين حسونة – اللد. الشيخ عز الدين القسام وصحبه ماتوا شهداء في سبيل الله والوطن. بقلم الشيخ أسعد الشقيري- عكا (جريدة فلسطين- يافا 24/11/1935، ص3) الشهيد الجليل والعالم الكبير فضيلة الشيخ عز الدين القسام. بقلم بدر الدين الخطيب- دمشق (الجامعة العربية. 26/11/1935) أيها الشاهد الخالد.. حياك الله. لطفي ريال (جريدة الدفاع 28/11/1935) خذوا العبرة من استشهاد القسام. حلمي الإدريسي (الجامعة الإسلامية 28/11/1935) الشيخ عز الدين القسام المجاهد والشهيد الفلسطيني الخالد. محمد مجذوب – طرطوس (جريدة الجامعة العربية/ القدس 20/12/1935).

كلمة جميل مردم بك في حفل تأبين الشيخ القسام (الجمعة 3/1/1936) كلمة نائب حماة الدكتور توفيق الشيشكلي (نشرت في جريدة الجامعة العربية 7/1/1936). خطاب جمال الحسيني رئيس الحزب العربي الفلسطيني في حفل تأبين القسام (نشر في جريدة الجامعة العربية 7/1/1936). أحب من الناس المجانين بقلم عيسى السفري (كتاب رسالتي لعيسى السفري – يافا 1936).

كلمة الأستاذ إبراهيم الشنطي رئيس تحرير جريدة الدفاع – يافا، والتي نشرت في جريدة الدفاع بتاريخ 7/1/1936، ومنها هذه السطور:

في يعبد لنا ثأر .. لنا حسين .. لنا كربلاء
في يعبد لنا جامعة .. لنا أساتذة .. لنا شهداء
أيها الناقدون .. كفى انتقادا
أيها القاعدون .. حسبكم اقتعادا
أشرف الممات.. ما اقتحم المذلَّ الظالم
وأرذل الحياة. أن تكون المذعن المسالم


 

لو لم يُستشهد القسام على ذلك الوجه، لما زحفت البلاد إلى سكنه.. رحم الله شهيد يعبد.. أيّنا يتحدث عن الشجاعة بعد الشيخ الشجاع؟ أيّنا يقول بالتضحية بعد الذي شرى وباع؟! سخفت الحياة ، وذلّت الرجولة، وتلك يعبد لمن قال: أنا فتى في الرجال.

طال حسابنا مع الإنجليز. منذ أول الاحتلال، ونحن ندفع الثمن، عدًّا ونقدًا، كوارث ومحنًا. آلام تسعة عشر عامًا ضاقت بها جسومنا، فمتى التصفية؟

رحمك الله يا شيخنا رحمة واسعة، وجزاك عن فلسطين، وعن كل ديار العروبة والإسلام خير الجزاء.

 

مصادر البحث:

 

1_ الوعي والثورة، لسميح حمودة.

2_ الشيخ المجاهد للدكتور عبد الستار قاسم.

3_ أرشيف الصحافة الفلسطينية في مكتبة بلدية نابلس العامة.

 

 (20/11/2010)


كلمات في اليوم العالمي للطفل

متابعات
أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr
لسنا بحاجة في يوم الطفل العالمي الذي يصادف العشرين من تشرين الثاني من كل عام لمن يذكّرنا بأن الأطفال دون سن الثامنة عشرة في كثير من أقطار هذا العالم يشكّلون أكثر من نصف السكان, وأنهم -مع أمهاتهم- يشكّلون أغلبية مريحة من حقها أن تستأثر بنصيب الأسد من ثروات تلك الأقطار،ومن اهتمام الكبار,والمثقفين,والمفكرين,وأولياء الأمور فيها..ولسنا بحاجة لمن يذكّرنا بأهمية الأطفال في قانون تعاقب الأجيال،وتغيّر الأوضاع والأحوال..ولمن يذكّرنا بأهمية الأطفال في الثورة على ثقافة النوم،والخمول،والكسل،في بلاد السمن والعسل,وإحياء ثقافة اليقظة والنشاط والتفاؤل والأمل وحب العمل في كل ديار العروبة من محيطها إلى خليجها..وبأهمية الأطفال في التقريب ما بين المسافات,واختصار الزمن بين الثقافات والحضارات..وبدورهم في بيان فضائل التحدي,ومنازل الإصرار والتصدي،ولسنا بحاجة لمن يذكرنا أيضًا بأن من حق الأطفال أن يعيشوا بحرية وكرامة ورعاية في كل أقطار هذا العالم.

لسنا بحاجة لمن يذكرنا بهذا,لأننا نعرفه حق المعرفة,ولأننا نعرف يقينًا أن هؤلاء الأطفال هم الأمة كلها اليوم وغدًا وبعد غد,وأنهم روحها,وجسدها ومعناها,ومبناها,وحقيقة وجودها وقيمتها الفعلية هنا على أرض وطنها,وهنالك بين الأمم والشعوب في هذا العالم..فأي معنًى للأمة بدون أطفالها؟وأي معنًى لها إذا كان أطفالها مقموعين مضطهدين خائفين أميين مجردين من كافة حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية؟وأي معنًى لها ولهم إذا كانوا مسلوبي الإرادة,مهزوزي الشخصية,فاقدي الثقة بالنفس,يشبّون على المهانة والكذب والنفاق والخداع,ويشيبون على التبعية والمذلة والفساد والتزوير والتفريط بالأوطان والأديان والإنسان؟وأي معنًى لأمة يربي كبارُها صغارَها على التنكَّر للفضائل,والقيم,والمبادئ السامية,والأخلاق الحميدة,وعلى عبادة الذات,والكفر بكل ما فيه خير البلاد والعباد,وبكل ما فيه مصلحة هذه الأجيال في حياة حرة عزيزة كريمة في وطن حر عزيز سيد مستقل لا يهادن فسادًا وانحرافًا واستغلالا ًواستغفالاً,ولا يسالم طاغية معتديًا مستهترًا مستخفًًّا بالناس مستعليًا عليهم مستكبرًا في الأرض,مغتصبًا لحق الناس في الحياة الحرة,ولحقهم في البناء والإعمار والسيادة على أرضهم,ولحقهم في العيش الآمن الكريم في أوطانهم؟

إن خير ما يمكن أن تفعله الأمة هو أن تحسن تربية أطفالها,وأن تحسن تعليمهم,وأن تحيي في نفوسهم ثقافة العمل والأمل والعزة والكرامة والتضحية والمثابرة والإخلاص..وإن خير ما يمكن أن يقدمه الكبار للصغار مدارس يعيشون فيها أجمل أيام حياتهم,ويحبونها الحب كله..مدارس تلبي احتياجاتهم,وتنمّي شخصياتهم,وتغرس فيهم الولاء والوفاء لثقافتهم,ولغتهم,وأمتهم,وتاريخهم,ومبادئهم,ومعتقداتهم..مدارس تعلمهم الصدق,والأمانة,والإخلاص,والاستقامة,وحب الوطن,والتضحية من أجله,والإخلاص للأمة,والعمل من أجل وحدتها,ونصرتها,وعزتها,والوفاء لقيمها,وتقاليدها,وأعرافها,ومقدساتها..وإن خير ما يمكن أن يقدمه الكبار للصغار مناهج تلبي احتياجات هؤلاء الصغار,وتكفل حقهم في بناء أجسادهم وأرواحهم, وصنع المستقبل اللائق بهم وبالأمة التي ينتمون إليها..مناهج يستوعبها الطلبة,ويفهمونها,وتشهد على ذلك نتائجهم,وشهادات لجان المتابعة المكلفة بالإشراف على المدارس والمناهج من غير العاملين فيها,ومن غير المستفيدين منها..لجان متابعة من المختصين المستقلين المحايدين أصحاب التجربة والخبرة والمهارة..وإن خير ما يمكن أن يقدمه الكبار للصغار رعاية صحية تجنّبهم العلل والأمراض,وتكفل لهم نموًّا جسديًّا ونفسيًّا سليمًا,ورعاية اجتماعية,وتوجيهًا للأمهات,وعناية بهنّ,وبأطفالهنّ,ورعاية اقتصادية,وثقافية,وفكرية,ولُغوية تبني ولا تهدم,تجمع ولا تفرّق,تكتشف المواهب,وتصقلها,وتهذبها,وتكتشف المبدعين والموهوبين وترعاهم!!

ما أحوجنا إلى كل هذا,وإلى كثير غيره! ما أحوجنا إلى جيل يحترم نفسه,وينشأ على الكرامة والخلق والعزة,ويغتذي لبان العروبة,ويؤمن بوحدة الأرض العربية,وبالدولة العربية,فوق كل أرض العرب,ويؤمن بالعلم والعمل وسيلة لبناء أمة عربية واحدة موحدة متكاملة في سائر أقطارها وأمصارها..ما أحوجنا لجيوش من الأطباء,وجيوش من المهند

ين،وجيوش من الصيادلة،والتقنيين،والمثقفين ،والمفكرين،والكتّاب،والمؤلفين،والأكاديميين،والمخترعين..وما أحوجنا قبل هذا كله،أو بعد كل هذا كله للسياسيين المؤمنين بحق أمتهم في الحياة الحرة الكريمة،وبحقها في السيادة والعزة والاستقلال،وبحقها في العيش الآمن الكريم.

وإذا كنا نحتفل في هذا اليوم العشرين من تشرين الثاني بيوم الطفل العالمي,فإنه يحسن بنا أن نشير إلى أن الأمم المتحدة قد ضمنت في إعلانها العالمي لحقوق الإنسان كثيرًا من حقوق الطفولة في المساعدة والمساندة والرعاية,بل إن المبادئ المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة قد ضمنت الاعتراف بكرامة أعضاء الأسرة,وبحقوقهم المتساوية,وغير القابلة للتصرف,واعتبرت ذلك أساسًا للحرية والعدالة والسلم في العالم كله.كما يحسن بنا أن نشير إلى أن الحاجة لتوفير الرعاية الصحية الخاصة للطفل قد ذكرت في إعلان جنيف لحقوق الطفل عام 1934,وفي إعلان حقوق الطفل الذي اعتمدته الجمعية العامة في الثلاثين من تشرين الثاني من العام 1959 والمعترف به في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

في اليوم العالمي للطفل لابد من القول إن الاهتمام بالأطفال هو اهتمام بالوطن والمواطن ومستقبل الأجيال على أرض أوطانهم..وإن إهمال الأطفال, هو إهمال للوطن والمواطن؛فمن أراد خيرًا بهذا الوطن,فليبدأ بأطفاله,فهم عدته,وعتاده,وهم بُناته وحُماته،ونطالب بحياة كريمة للطفل العربي,وبحياة كريمة للأسرة العربية,وبالكف عن كل مظاهر الاستهتار والاستخفاف بالمواطن..كما نطالب بسيادة القانون,وبقضاء حر نزيه مستقل.

وفي اليوم العالمي للطفل والطفولة لا بد من القول إن من حق الطفل العربي الفلسطيني أن يحيا حياة حرة سليمة على أرض وطنه فلسطين،ولا بد أن يعيش حياةً آمنة مطمئنة بعيدًا عن كل أسباب الرعب والخوف والجوع والأميّة والتوتر والتشرد،وبعيدًا عن كل أشكال التبعية والضَّياع والفساد والانحراف؛لأن هذا من أبسط حقوقه،ولأن هذا هو ما يجب أن يقف على رأس اهتمام أبيه وأمه وأولياء الأمور كل في موقعه،وعلى رأس اهتمام كافة شرائح المجتمع ومؤسساته دون أدنى استثناء.





20/11/2010



من دراسة نقدية .. في سيرة رابعة العدوية

متابعات

أ. عدنان السمان

www.samman.co.nr

سأستعمل في خطابي اليوم ضمير المتكلم لأقول بكل الثقة والقوة: لستُ من الذين يصدقون كل ما يقال، وينساقون وراء الأحاديث مهما أوتي أصحابها من سحر البيان، وحرارة العاطفة والانفعال، وشدة التمسك بالرأي والتشبث به، وإقامة الدليل عليه.. ولست من المكذّبين الذين لا يعجبهم شيء، ولا يقتنعون بشيء، ويشككون بكل شيء لا لشيء إلا لغاية في النفس، أو محبة في الخلاف، وخروج على المألوف الشائع الذي توارثه المتوارثون جيلاً بعد جيل.

لست من هؤلاء ولا أولئك.. ولكنني من الذين يسمعون ويستمعون ويصغون... ثم يقلّبون الأمر على وجوهه، ويُعملون فيه فكرهم كي يصلوا إلى رأي يقتنعون به، ويطمئنون إليه، ويدافعون عنه، ويعلنونه على رؤوس الأشهاد دونما تعصب أو استخفاف بآراء الآخرين؛ فحريّة المعتقد والتعبير والقول حق مشروع للناس جميعًا... ويبقى كل شئ خاضعًا للنقاش والحوار، ومقارعة الرأي بالرأي، والحجة بالحجة، والبرهان بالبرهان، بعيدًا عن الإرهاب الفكري، وأساليب الغمز واللمز والتشهير والتجريح والقمع والإساءة، ومحاولات فرض الآراء والأفكار "الجاهزة" على الناس بالقوة والإكراه، وبكل وسائل التحذير والإغراء والتضليل والتزوير والخداع ومداعبة المشاعر والعواطف، كي تظل الأمة بكل مقوماتها ومكوناتها في جانب والحقيقة الساطعة في الجانب الآخر من الطريق التي يشكّل جانباها خطين متوازيين لا يلتقيان مهما امتدا.

لست وصيًّا على أحد، وأرفض كذلك أن يفرض علي أحد وصايته مهما كان شكل هذه الوصاية، ومهما كانت الذرائع والدوافع والأسباب، لأنني أومن إيمانًا عميقًا أن حريتي مرادفة لوجودي، ومن حقي أن أدافع عنهما بكل ما أوتيت من قوة غير عابئ بعد ذلك بنخيب (جبان ذاهب العقل) إن انسل يهذي مشهّرًا أو محرضًا أو واشيًا.

دفعني إلى هذا وربما إلى كثير غيره دعاة التخلف والجمود الذين يتخذون من تخلفهم سيوفًا يشهرونها في وجوه الناس مهددين متوعدين محذرين من استعمال العقل إلا بترخيص يُخضع العقل مسبقًا لطرائقهم في البحث والنقاش والاستنتاج، ومذاهبهم في التفكير والتحليل والتأويل؛ فإن قلتَ: إن الله الذي خلق الإنسان من طين ميزه بالعقل، وفضّله به على سائر مخلوقاته قالوا: لقد حسم الأقدمون هذا الأمر، وأتَوا بما لو أَفنينا أعمارنا كلها في محاولة فهمه لما استطعنا إلى ذلك سبيلا، وما علينا إذن إلا أن نحاول فهم شيء مما جاءوا به.. ويزعم هؤلاء أيضًا أن كل خروج على هذا هو خروج على الثوابت والمسلَّمات، ومن شأنه أن يلحق الضرر بالمجتمع، والحل هو العقاب الرادع بالجاني حتى يكون عبرة لغيره من المارقين الخارجين على ثوابت الأمة!!.

أقول قولي هذا مقدمًا لحديثي عن هذه الزاهدة العابدة التقية، وممهدًا لهذه المقالة التي تناولتُ فيها سيرة رابعة العدوية ربما بشكل لا يرضي بعض من تستهويهم المبالغات، ولا يعيشون إلا في عالم الأوهام والخرافات، مشيرًا إلى أنني لن ألجأ إلى أسلوب السرد، ونقل المعلومات من هذا الكتاب أو ذاك عن "أم الخير رابعة بنت إسماعيل العدوية البصرية القيسية" كما جاء في "وفيات الأعيان "لابن خلّكان"، فهذا شأن السابقين، ولن أورد شيئًا من هذا إلا بالقدْر الذي يقتضيه الموقف، ويتطلبه أسلوب البحث القائم على التحليل والتعليق، وإثارة الأسئلة والتساؤلات، ومحاولة الخروج على المألوف المتوارث من المسلَّمات كلما كان ذلك ممكنًا وضروريًّا وصولاً إلى المعرفة اليقينيّة بعيدًا عن خيال الخرافة، والمراهقة الفكرية، والبناء على غير أساس.

هذه العابدة الزاهدة التي ولدت في أواخر القرن الأول للهجرة (95هـ وقيل 99 هـ) وعاشت في القرن الثاني حتى تجاوزت الثمانين من عمرها.. هذه العابدة الزاهدة التي عاشت في عصر أبناء الصحابة والتابعين في ذروة أمجاد بني أمية وفتوحاتهم في شرق الدنيا وغربها.. هذه العابدة الزاهدة التي ولدت في كوخ من أكواخ الفقر في مدينة البصرة.. ومن أكواخ الفقر تشرق العبقرية.. رابعة العدوية هذه تُخطف عندما كانت صبية صغيرة، وتباع في سوق العبيد في البصرة –هكذا- ليشتريها رجل فظ قاسي القلب يتاجر بها، ويرغمها على مجالسة الغرباء، والغناء لهم.. وعلى كل ما يرافق ذلك من.. ومن ومن.. على مسمع ومرأى من أهل البصرة.. !! أين كان الخليفة الأموي من ذلك كله؟ وأين كان والي البصرة؟ وأين كان دعاة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ وأين كان أهل التقوى والصلاح والأخلاق؟ وكيف كانوا يسمحون لهذا الفلتان الأخلاقي والاجتماعي والمسلكي والاقتصادي والسياسي أن يعصف بهذا الشكل المهين بواحد من أعظم مراكز اللغة العربية والحضارة العربية الإسلامية (البصرة)؟ وهل اقتصر ذلك الفلتان على البصرة وحدها، أم كان شاملاً ليضرب كل مدن الدولة وقراها ومضارب خيامها؟ أم أن هذا لم يحدث بل كان من قبيل الدس الرخيص الذي روجه أعداء الإسلام من المستشرقين، وأبناء الإسلام من الضالين المضلَّلين؟ وإن كان لا هذا ولا ذاك فما الذي كان يحدث إذن؟ أسئلة كثيرة كثيرة نطالب المؤرخين وعلماء الاجتماع بالإجابة عنها، وكتابة التاريخ العربي الإسلامي الذي لم يُكتب بعد، وما كُتب منه لم يَعْدُ كونه تاريخ ملوك وقادة وأفراد معدودين في كل بلد وفي كل عصر.. أما الشعوب فلم يؤرخ لها أحد.. وإن كان هذا القول مغلوطًا فما الصواب؟؟

هذه الصبيّة الصغيرة اليتيمة اللطيمة الفقيرة التي ألْفتْ نفسها أمةً مملوكة لرجل فظ سيء أرغمها على ما لا تُريد، وعلى ما تحرمه شريعة الإسلام تحت سمع أهل المدينة وبصرهم! لماذا لم تهرب؟ لماذا لم تلجأ إلى بيت الوالي، أو إلى أي بيت طالبة الحماية؟؟ وهي عندما كانت تسير يومًا في أزقة البصرة تشكو إلى الله همها سمعت هاتفًا يقول: "لا تحزني ففي يوم الحساب يتطلع المقربون في السماء إليك يحسدونك على ما تكونين فيه" أمام هذه البشرى وأمام هذه "الطمأنة" رجعت إلى بيت سيدها مؤمنة بأن الله معها.. وأنه سوف ينقذها مما هي فيه… هي إذن كانت هاربة من جحيم ذلك البيت، ولكن عندما سمعت ذلك الهاتف يطمئنها رجعت إليه! وما هو ذلك الهاتف؟ إنه تربيتها التي شبت عليها، وضميرها الاجتماعي الذي نشأت عليه.

وعندما رآها سيدها ذات ليلة ساجدة تناجي ربها: "إلهي.. أنت تعلم أن قلبي يتمنى طاعتك.. لكنك تركتني تحت رحمة هذا المخلوق القاسي من عبادك".. قولها "إن قلبي يتمنى طاعتك" فيه اعتراف ضمنيّ بأنها لا تطيعه، وبأنها تخالفه.. والأمر ليس بيدها.. إنها مسئولية هذا المخلوق السيء الذي يتحكم بها.. هي ترفض هذا اللون من الحياة، ولم تألفه ولم تستمرئه.. وعلى الرغم من أن ذلك الإنسان قد رق قلبه وصحا ضميره، وعرض عليها أن يكون عبدًا لها إذا وافقت على البقاء في بيته.. ولكنها لم توافق على ذلك، بل آثرت أن تخرج من ذلك البيت لتنعم بالحرية، والتجأت إلى مكان في أطراف البصرة، فمكثت فيه تنعم بلذة العبادة والتبتل، إلى الله.

أإلى هذا الحد كانت العربية المسلمة (أو العربي المسلم) يرضى بالعبودية، ويعترف ببساطة هكذا أنه عبد مملوك لفلان، لأنه اشتراه من سوق العبيد بعد أن اختطفه، وعبث به عابث خرب الذمة والضمير؟ أهكذا كان سادة الدنيا يعامل بعضهم بعضًا؟ ويسترقّ بعضهم بعضًا؟ ويهتك بعضهم أعراض بعض؟ أعلى هذه الطبقية البغيضة والاستعباد والامتهان كانت المجتمعات العربية الإسلامية تُبنى في تلك العصور؟ مرة أخرى نطالب علماء التاريخ والاجتماع وخبراء السياسة بقول كلمتهم في هذا.. مرة أخرى نقول لهم: أرشدونا أنقذونا فقد كدنا أن نضل ونضيع.. وإلى فقهاء الأمة ومرشديها وعلمائها الأفاضل نقول: وضّحوا لنا بشكل لا يقبل التأويل موقف الشريعة من الرقيق الأسود والأبيض، ومن الجواري والقيان، وسائر أنواع الزواج والعلاقات الجنسية التي باتت الشغل الشاغل لكثير من الناس في هذه الأيام.

خرجت رابعة إذن من ذلك البيت لتستقر في كوخ في أطراف البصرة تنعم فيه بلذة العبادة والتبتل إلى الله، حيث كان لمعرفتها بالزاهد رباح بن عمر القيسي أثر كبير في حياتها، فقد جعلها تتردد على أماكن الذكر، ومجالس الصوفيّة والزهاد والعلماء، واستمعت إلى مواعظ شيخ البصرة وعالمها الجليل عبد الواحد بن زيد، وتأثرت به كثيرًا.

وعلى الرغم من أن كثيرًا ممن تناولوا سيرتها قالوا إنها لم تتزوج، إلا أن كثيرًا منهم أيضًا قالوا إنها تزوجت من رباح القيسي الزاهد.. ومن هؤلاء الدكتورة سعاد عبد الرزاق، ومن القدامي -ممن قالوا بهذا- ابن الجوزي، واليافعي وغيرهما. أما الإمام (المناوي) في طبقاته فهو القائل عنها: "وكانت كل ليلة تتطيب وتأتي زوجها، وتقول له: ألك حاجة؟ فإن كان له قضي وطره، فتطهرت ونصبت قدميها إلى الصباح!!". وتقول سعاد عبد الرزاق إنها بعد وفاة القيسي لم تتزوج ثانية، وتروي أنها قالت لعبد الواحد بن زيد شيخ البصرة وعالمها الجليل عندما جاءها خاطبًا: إنها قد تقدمت بها السن، ولم تعد تملك من آلة الشهوة شيئًا.

هذا الرأي هو الأقرب إلى الصحة والصواب.. فرابعة التي نفرت من حياة المجون، واستقرت لاحقًا في كوخ في أطراف البصرة تتزوج من القيسي الزاهد دون أن يمنعها ذلك من العبادة.. وهذا يعني أنها بعد أن سكنت ثورة غضبها، وهدأت أعصابها -كما يقولون- في ذلك الكوخ لم تجد غضاضة في أن تتزوج كما يتزوج الناس، ففعلت. وكان لذلك الزواج دافعان: أما الأول فهو الجنس، وأما الثاني فهو الحاجة المادية، وهنا لا بد من الاستعانة بخبراء علم النفس من تلامذة فرويد الذي يردّ تصرفات الإنسان إلى الحافز الجنسي، وكذلك إلى تلامذة كارل ماركس الذي يعزو تصرفات الإنسان إلى الحافز الاقتصادي.. علماء النفس هؤلاء، وعلماء الاقتصاد معهم مطالبون بتوضيح هذه المسألة حتى لا يطغى الوهم على الحقيقة، وحتى لا يغلب الخيال المحض على الواقع.. ولو قام هؤلاء وأولئك بواجبهم لما أمعن من أمعن في تأليه رابعة، أو إلحاقها بالأنبياء المرسلين، وقد نسي هؤلاء أن الله الذي أرسل الرسل والأنبياء أرسلهم جميعًا وبدون استثناء من الرجال.. أما سُجاح شريكة مسيلمة فلم يرسلها الله بل غضب عليها ولعنها، وأعد لها جهنم وساءت مصيرًا.

رابعة إذن إنسان كغيرها من الناس عاشت حياة صعبة مثل كثير من الناس.. وكانت مرهفة الإحساس تقية ورعة جميلة حسنة الصوت مثل كثير من الناس.. فلماذا جنح كثير من المؤرخين والكتّاب قديمًا وحديثًا للمبالغة والتهويل وهم يكتبون عنها؟

أغلب الظن أنهم كانوا متعاطفين معها، مشفقين عليها، فنسجوا حولها الأساطير.. وأغلب الظن أنهم أحبوها، فأسبغوا عليها من خيالهم وإلهامهم وصادق مشاعرهم ومبالغاتهم ما جعل منها إنسانًا غير عادي خارق للعادة.. ومن ذلك:

أن سيدها الذي منحها الحرية بعد أن سمع دعاءها في سُجودها شاهد خلال ذلك السجود قنديلاً معلقًا في وسط الحجرة يضيء لها ظلام الليل.. ومن تلك المبالغات ما رواه الدكتور التفتنازي في كتابه "مدخل إلى التصوف الإسلامي" أنها كانت تصلي الليل كله، فإذا طلع الفجر نامت في مصلاها نومة خفيفة حتى يسفر الفجر.. ويروي أنها إذا هبّت من مرقدها قالت: يا نفس! كم تنامين، وإلى كم تنامين؟؟ يوشك أن تنامي نومة لا تقومين منها إلا لصرخة يوم النشور.. وظلت هكذا حتى ماتت.. ويبدو أن التفتنازي يتحدث عن رابعة في أواخر أيامها، وهذا أمر تمارسه كثير من النساء بعد أن تتقدم بهن السن.. ولا يعقل أنها كانت هكذا طوال عمرها، لأنها لم تكن كذلك على الإطلاق طيلة فترة زواجها من القيسي على الأقل.

ومن ذلك أيضًا قولهم إنها كانت حزينة كثيرة البكاء، وإذا سمعتْ ذكر النار غشي عليها زمانًا.. وكان موضع سجودها مبتلاًّ لكثرة دموعها (وهذا ما رواه الشعراني في طبقاته) وأغلب الظن أن الشعراني يتحدث عن رابعة في أيامها الأخيرة أيضًا.. وهذه نماذج موجودة في حياتنا.. ومن أسباب ذلك الكبر والضعف والعجز والاكتئاب.. والتجارب المؤلمة في أيام الشباب الخالية.

ومن ذلك أيضًا ما رواه القشيري في رسالته أنها كانت تقول: "إلهي أتحرق بالنار قلبًا أحبك" ؟ فهتف بها مرة هاتف: "ما كنا نفعل هذا.. فلا تظني بنا ظن السَّوء"! وكأنّ القشيري هنا يتحدث عن وحي أو ما يشبه الوحي.. وأغلب الظن

أيضًا أن شيئًا من هذا لم يحدث.

ومن ذلك أن رابعة كانت تحب الله حًّبا عجيبًا، ولا تريد أن يشاركها فيه أحد!! وكانت تنوح باستمرار، لأنها كانت مصرة على أن ترى وجهه الكريم!! هذا ما رواه العطار.. وهذا معناه -باختصار- إن هو حدث- أنها كانت في حال من فقدان السيطرة على الذات.. ومنه قولهم إنها كانت تصلي ألف ركعة في اليوم!!! ومنه تلك الحكايات التي أوردها بعضهم عن "كراماتها" التي شبهوها بالمعجزات.

إنني أعتقد أن كثيرًا مما جاء على لسان الزهاد والصوفيين والمتبتلين مخالف لتعاليم الشريعة، ومن ذلك -على سبيل المثال- ما نسب إلى مالك بن دينار أنه قال: "لا يبلغ الرجل منزلة الصديقين حتى يترك زوجته كأنها أرملة، ويأوي إلى مزابل الكلاب"!! وقول الحسن البصري: "إذا أراد الله بعبد خيرًا في الدنيا، لم يشغله بأهل ولا ولد"!!

مرة أخرى أدعو كل من يعنيهم الأمر من ذوي الاختصاص إلى دراسة مثل هذه الظواهر دراسة معمقة، وردّها إلى أسبابها، وتفسيرها بشكل عقلاني مقنع بعيدًا عن المبالغة والخيال والإسراف في الوهم.... كما أدعو إلى توضيح موقف الإسلام من هذه الظاهرة وغيرها من الظواهر والممارسات والأفكار التي تجتاح العالم الإسلامي في أيامنا هذه كي يتحقق التوازن والاتزان للإنسان العربي المسلم... وكي يلتحق الناس في هذه الديار وسائر ديار العروبة والإسلام بركب العلم والحضارة والقوة التي تحقق لهذه الأمة كل متطلبات العيش الكريم في ظل نظام يوفر للمواطنين كل أسباب العزة والمنعة والأمن والأمان والاستقرار والعدل والعدالة والتقدم والمساواة والحرية... عندها يتجه الناس في هذه المجتمعات نحو الإبداع في سائر مناحي الحياة .

(18/11/2010)

في عيد الأضحى ..لبيك أيها الأقصى المبارك

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

يستقبل شعبنا العربي الفلسطيني، ومعه سائر شعوب الأمة الإسلامية في هذا اليوم عيد الأضحى المبارك .. عيد الطاعة والانضباط والصبر.. عيد العطاء والفداء والتضحية... ولئن كان لكل شعب من شعوب هذا العالم مشكلاته،وتطلعاته،وأهدافه، وخصوصياته، ولئن كان للعرب في كافة أقطارهم وأمصارهم، وللمسلمين في مختلف بلدانهم وديارهم مثل هذه المشكلات والتطلعات، فإن لشعبنا العربي الفلسطيني أيضًا أهدافه وتطلعاته التي يسعى جاهدًا من أجل تحقيقها، وله مشكلاته التي يبحث لها عن حلول، وخصوصياته التي اكتسبها على مر السنين والعصور والدهور.

إن أمتنا العربية الإسلامية ، وهي تحتفل اليوم بعيد الأضحى المبارك، لتطمح إلى تحقيق أهدافها وأمانيها في وحدة الصف والهدف والكلمة..وصولاً إلى الخلاص من السيطرة والتسلط وحكم الأجنبي، وتحقيقًا للانعتاق والتحرر، وبناء دولة العروبة والإسلام على كل أرض العروبة والإسلام، وإقامة مجتمع الكفاية والعدل، وتوفير الأمن، والأمان، والمساواة، والعيش الكريم لكل الناس... وإن شعبنا وهو يحتفل اليوم بالعيد ليرنو إلى اليوم الذي يحقق فيه أهدافه في التحرر والاستقلال والحرية، والبناء، والتعمير،والتطوير، وممارسة سيادته الكاملة على وطنه، وبناء المؤسسات الحديثة لشعب حيّ متحرر غالبية أبنائه من المتعلمين ، والمثقّفين، ورجال المال والأعمال، والعمال المهرة ممن أسهموا في صنع الإنسان، وبناء الحضارة في أماكن شتى من هذا العالم.

إن شعبنا العربي الفلسطيني قد اكتسب على مر التاريخ مزايا قلّ أن نجدها في كثير من الشعوب، لعل من أبرزها الصبر، وصلابة العود، وقوة الاحتمال ، وبعد النظر، والمقدرة على التكيف وقراءة التاريخ،وتوقع ما ستأتي به الأيام، وبعد ذلك أو قبله، فقد تميز شعبنا بعشق الحق والعدل والحرية... إن شعبًا هذه صفاته ومواصفاته ومزاياه لن تنال منه الأيام، ولن يصرفه عن حقوقه العادلة المشروعة تعاقب السنين، وهو لا شك سيحقق أهدافه في العيش بكرامة طال الزمن أم قصر.. هذا الشعب سيتوحد .. هذا الشعب سيحرر أرضه..هذا الشعب سيعيد للقدس بهجتها وعزتها، وللأقصى بهاءه وضياءه ورواءه..لبيك أيها الأقصى..لبيك يا سلوان..لبيك يا قدس العرب..لبيك يا خليل الرحمن.. لبيك يا غزة .. لبيك يا فلسطين.. لبيك يا كل أرض العروبة والإسلام.. هذا الشعب سيستعيد حقوقه، وسيبقى تاجًا على جبين أمة العرب الواحدة الموحدة في كل أقطارها وأمصارها، هذا الشعب سيظل إلى جانب شرفاء العراق العربي الواحد حتى يتحرر عراق العرب، ويقذف بالغزاة المحتلين إلى أعماق الجحيم.. سيظل مع الشرفاء في سائر أقطار العروبة، وديار الإسلام حتى تتحرر من قيود العبودية والتبعية والطغيان .. وحتى يعود إليها مجدها الذي كان في سالف الدهور والأزمان..شعبنا العربي الفلسطيني سيخرج من كل أزماته ومشكلاته منتصرًا ، مرفوع الرأس ، موفور الكرامة، لأنه لا يصح في نهاية المطاف إلا الصحيح، ولأن هذا الشعب يعرف ما يريد ؛ فلن يكون إلا ما يريد.

في هذا اليوم الأغر من أيام الإسلام المباركة، يتطلع شعبنا في أرض الرباط إلى أشقائه في سائر أقطارهم مهنئًا بالعيد ، ومؤكّدًا على الأواصر الوثيقة التي تربطه بهم، تربطهم به.. ومذكّرًا بالوحدة العضوية التي عاشتها شعوب الأمة العربية على امتداد تاريخها.. هذه الوحدة التي باركها الله، وآمنت بها الشعوب ، وناضل كثير من القادة والمفكرين والمعلمين الرواد من أجل تعميقها وترسيخها في عقول الناشئة جيلاً بعد جيل ... وفي هذا اليوم يتطلع شعبنا إلى أشقائه من أبناء الأقطار الإسلامية مهنئًا ومؤكّدًا على عمق الروابط والصلات التي تربطه بهم،وتربطهم به.. ومحذّرًا أولئك الطامعين بأن هذه الأمة العربية الإسلامية العظيمة لن تركع أمام أطماعهم وطغيانهم.. وأنها لهم بالمرصاد .. وأن يوم الحساب قد بات قريبًا .. وأن من الخير لهم أن يثوبوا إلى رشدهم، ويكفّوا عن طغيانهم وعدوانهم .. وأن يَدَعوا الناس في هذا الكون وشأنهم ... حتى لا يندموا، ولات حين مندم.

إننا – في هذا اليوم الأغر، نتوجه إلى الله العلي القدير بالدعاء والرجاء أن يعم السلام والوئام والأمن والأمان والاستقرار ربوع هذه الديار المقدسة، وكل ربوع هذا العالم .. آملين أن يعود الحق إلى نصابه ، والليث إلى عرين غابه .. كي يعود السيف إلى قرابه..وإننا في عيد التضحية والفداء، عيد المحبة والرجاء والوفاء ، لنتوجه إلى كافة الأشقاء والأصدقاء في هذا العالم مهنئين بالعيد، سائلين المولى الكريم أن يتوج أعمالنا ومساعينا وتوجهاتنا بالقبول ،إنه أكرم مسئول. وتحية إلى شعبنا وأمتنا في العيد" وكل عام وأنتم بخير.

16/11/2010