عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


الخميس، ٣١ تموز ٢٠٠٨

في الأخوّة الإسلاميّة المسيحية

 

 

في الأخوّة الإسلاميّة المسيحية

أ. عدنان السمان

 

    يُجمع الناس في بلاد العرب – مسلمين ومسيحيين – على عدد من الحقائق المتعلقة بوجودهم حاضرًا ومستقبلاً في هذه البلاد، ومن هذه الحقائق أن أرض العرب للعرب، وأن ديار المسلمين للمسلمين.. لا يجوز أن يعتدي عليهم فيها أحد، وإن حصل ذلك فإنهم جميعًا يتصدَّون للمعتدي حفاظًا على حرية أوطانهم، وسلامة أبدانهم وأديانهم.. هذا ما حصل في الماضي البعيد، وفي الماضي القريب، وهذا ما يحصل اليوم أيضًا ... ومن هذه الحقائق أنهم جميعًا أخوة متحابون يعيشون في وطن واحد، ويجمع بينهم تاريخ، ومصير، ولغة، وأهداف، وآمال، وآلام مشتركة، فهم جميعًا عرب قبل الأديان، وهم جميعًا عرب بعد الأديان التي لم تفرّق بينهم، بل وحّدت، وألَّفت ، وآخت، وجمعت إنهم جميعًا مؤمنون، وهم جميعًا مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، وهم جميعًا أهل وعشيرة وجيران يجمع بينهم خلق المودة والمحبة والتعاطف والتسامح والغفران...

    لسنا بحاجة للأدلة التي نثبت بها عمق العلاقات، وقوة الروابط والأواصر والصِّلات بين المسلمين والمسيحيين في كل ديار العروبة والإسلام ، ولسنا بحاجة للأدلة التي نثبت بها أن التناقضات والصراعات التي شهدتها هذه الديار لم تكن يومًا بسبب اختلاف الأديان، وإنما بسبب ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، وبسبب الطمع، والجشع ، وحب السيطرة، والغرور، والعدوان، ولسنا بحاجة لإقامة الدليل على صحة هذا الادعاء؛ إن ما حصل عندما تكالبت أوروبا على هذه الديار في فترة الحروب الصليبية ، وما حصل عندما تقاسمت دول الغرب في أعقاب الحرب العالمية الأولى كل بلاد العرب والمسلمين فيما بينها، وما حصل في أعقاب الحرب العالمية الثانية،وما يحصل الآن في العراق وأفغانستان والسودان وغيرها من بلاد العروبة والإسلام، وما سيحصل غدًا أو بعد غد إذا نفّذ هؤلاء وأولئك وعيدهم وتهديدهم ضد هذا البلد أو ذاك.. كل هذه الأدلة القائمة التي لا تنتظر من أحد أن يقيمها، يضاف إليها ما يصرّحون به علانيةً حول الشرق الأوسط الكبير أو الجديد لا تشكّل دليل صحة هذا الادعاء فحسب؛ وإنما تشكّل دليل إدانة أولئك الغزاة الطامعين، وإدانة أهدافهم في امتصاص دماء الشعوب ، والسيطرة على أرضها ومقدَّراتها.. أما العلاقات الإسلامية المسيحية، وأما الروابط والأواصر والصِّلات بين المسلمين والمسيحيين من عرب هذه الديار فقد كانت، ولا تزال، وستبقى فوق كل الشبهات، برغم كل الجهود التي بُذلت وتُبذَل من أجل ضرب هذه العلاقات، وافتعال الخصومات والعداوات لأسباب لا تخفى على أحد!!

    إن مواطني هذه البلاد جميعًا هم إخوة متحابون، ومواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، لا فرق بين مسيحي عربي، ومسلم عربي أو غير عربي لأنه " لا إكراه في الدين" ولأنه " لكم دينكم وليَ دين" ولأنه " ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" ولأن الرسول الكريم يقول: " من آذى ذمِّيًّا فقد آذاني " ولأن تاريخ الإسلام حافل بالمواقف والوثائق والوصايا التي تؤكد عمق العلاقات بين المسلمين والمسيحيين.

    وإن مواطني هذه البلاد جميعًا على اختلاف دياناتهم ومعتقداتهم ينبغي أن يقفوا صفًّا واحدًا موحَّدًا في وجه الطامعين المعتدين على هذه الأمة التي ما اعتدت يومًا على أحد، هذه الأمة التي حملت رسالة الحق والعدل والمحبة والمساواة إلى البشرية كافة، هذه الأمة التي بنت للبشرية حضارة عظيمة متوازنة هي حضارة الإسلام التي أسهم في بنائها أصحاب الديانات، والمبادئ السامية، والمثل العليا من أبناء البشرية.

    إن العلاقات القائمة بين المسلمين والمسحيين في هذه الديار أقوى من رهانات المراهنين، وتصيّدات المتصيّدين، وأطماع الطامعين.. وإن العلاقات القائمة بينهم وبين كثير من مسيحيي الغرب المنصفين، وغيرهم من أتباع الديانات الأخرى المسالمين، يضاف إليهم سائر القوى والحركات المؤيدة للحق والعدل وحرية الإنسان وحقوقه هي علاقات وثيقة ستؤتي أكلها ذات يوم " وأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" صدق الله العظيم.

23/2/2008



With Windows Live for mobile, your contacts travel with you. Connect on the go.

الأربعاء، ٣٠ تموز ٢٠٠٨

في ذكرى الإسراء والمعراج

أ.عدنان السمان

لقد ارتبطت القدس بالعقيدة الإسلامية ، وأصبحت جزءًا لا يتجزأ منها بعد حادثة الإسراء والمعراج ، ونزول قوله تعالى " سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير " .

وهذا يعني أن الإسراء كان من المسجد الحرام في مكة إلى المسجد الأقصى في القدس ، وأما المعراج فقد كان من المسجد الأقصى ، وفي هذا ما فيه من تكريم للقدس والمسجد الأقصى ؛ فإليه كان الإسراء ، ومنه كان المعراج ، وما صاحبه من معجزات ، وما حظي به الرسول الكريم من تعظيم وإجلال وتكريم ... وهذا يعني أيضًا أن التكريم قد اتسع إطاره ليشمل كل هذه الديار التي باركها الله .. فلسطين إذن بلاد مباركة مقدسة استمدت هذه المكانة من قدسية الأقصى المبارك ، و من قدسية هذه المدينة المقدسة التي باركها الله سبحانه وتعالى ، وخصّها بهذه المناسبة العظيمة ، وشّرفها بزيارة صاحب هذه المناسبة صلوات الله وسلامه عليه.

ولئن كان في هذا الكون أماكن ومواقع تهواها القلوب ، وتطرب لذكرها الأفئدة ، وترنو إليها الأبصار ، وتهتز لسحرها المشاعر ، وترقص الأحاسيس فرَحِةً جذلى ؛ فإن القدس – دون ريب – واحدة من هذه الأماكن والمواقع التي يهواها القلب ، ويسمو بحبها الوجدان إن لم تكن على رأسها جميعًا سحرًا وجمالاً ، وإن لم تكن أكثرها إثارةً للمشاعر والأحاسيس ، وأغناها بتعاقب الحضارات ، وتعدد الثقافات منذ عهد اليبوسيين وحتى يومنا هذا .

بناها العرب القدماء ، وتعاقبت عليها أمم شتى ، وأحبتها سائر الأمم ..دخلها العرب المسلمون عندما تسلمها الخليفة عمر من بطريركها صفرونيوس في العام السابع عشر للهجرة (638) ستمئة وثمانية وثلاثين للميلاد ، ومنذ ذلك الحين أصبحت القدس مركزًا من أعظم المراكز الحضارية والثقافية في تاريخ الإسلام .

يقول التاريخ إن الخليفة العادل عمر الفاروق كان في كنيسة القيامة بالقدس عندما حان وقت الصلاة ، فخرج من الكنيسة ، وصلى في المكان الذي أقيم عليه فيما بعد مسجد عمر .. أما لماذا فعل الفاروق ذلك على الرغم من أن الصلاة جائزة في الكنيسة ؟ فالجواب خوفه من تحويل الكنيسة إلى مسجد .. لقد خاف عمر أن يحول المسلمون هذه الكنيسة إلى مسجد ، وعليه ؛ فإنه لم يقم الصلاة فيها ، والحديث عن عمر هنا – وهو المؤسس الحقيقي لدولة الإسلام – يفضي إلى الحديث عن العهدة العمرية وعن حرص الخليفة العادل على إنصاف كل الناس في هذه المدينة المقدسة ، وعلى إنصاف كل الناس في هذه الديار ، بل وعلى إنصاف كل الناس من كل لون وجنس ودين ولسان في هذا العالم .

نعم .. لقد حرص عمر – كما حرص خلفاء الإسلام – على إشاعة العدل في هذه الديار ، وفي غير هذه الديار ، كما حرص عمر ، وسائر خلفاء المسلمين ، على بث روح التسامح بين الناس جميعًا ، وعلى تحريم العدوان على أحد في ماله أو نفسه أو ممتلكاته مهما كان دينه ، أو لونه ، أو جنسه، أو لسانه .. وحسب عمر أنه قال : " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا ؟".

ولقد حرص المسلمون جميعًا على هذا النهج ؛ فحافظوا على الأخوة الإسلامية المسيحية ، وحافظوا على صلاتٍ وثيقة بأصحاب الديانات جميعها ، حتى أن معبد المجوس كان على مسافة قريبة من قصر هارون الرشيد في بغداد دون اعتراض معترض ، ودون تدخل من أحد في هذا الأمر .

إنه لمن المؤلم حقًّا أن يقابَل كل هذا التسامح والعدل في هذه الديار على امتداد التاريخ العربي الإسلامي بما يراه الرائي في هذه الأيام من كل هذا الذي يحدث من عظائم الأمور التي لا تصدَّق .. من المؤلم أن يحدث كل هذا الذي يحدث في القدس وغير القدس من مدن هذه الديار وقراها ومخيماتها ... فصبرًا ياقدس،صبرًا ياحبيبة السماء ! صبرًا أيها القابضون على الجمر .. صبرًا يا عرب القدس والخليل وغزة ونابلس .. صبرًا يا كل َّ المضطهدين في هذا العالم ، وفي كل ديار العروبة والإسلام ؛ فالليل مهما طال لا بد له من آخر ، وإن أشد ساعات الليل ظلمةً هي الساعة التي تسبق انبلاج الفجر .

وكل عام وأنتم بخير .

28/7/2008




Use video conversation to talk face-to-face with Windows Live Messenger.
Get started.

الاثنين، ٢٨ تموز ٢٠٠٨

في ظلال القرآن

قبسٌ من نور الله..

أ.عدنان السمان

     القرآن الكريم كلام الله ، وهو كتابه الذي أنزله على عبده ورسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه عن طريق الروح الأمين جبريل ليكون نورًا وهدًى ورحمةً للعالمين .

     والقرآن الكريم هو المصدر الأول من  مصادر التشريع الإسلامي ، يبحث فيه المسلمون عن حلول لمشكلاتهم وقضاياهم ، ويحكّمونه فيما شجر بينهم ، ويهتدون بهديه ، ويتخلقون بأخلاقه .. أما المصدر الثاني فهو السنّة ، يليها الإجماع ، والقياس ،ثم الاجتهاد الذي هو استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها ، وبابه مفتوح لا يجوز أن يغلق إلى يوم يُبعثون.

     لقد حرص القرآن على تربية أتباعه تربية خلقية سامية ، ونمّى فيهم مبادئ الأخلاق الحميدة ، قال تعالى مخاطبًا رسوله الكريم : "وإنك لعلى خُلقٍ عظيم " وحثّهم على التحلي بالفضائل والقيم ، والمثل العليا من صبر ، وتضحية ، ووفاء ، وصدق ، ونجدة ، وإيثار ، وتكافل، وتعاون "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " وكما حرص القرآن على غرس هذه الفضائل والمزايا في نفوس المسلمين ؛ فإنه حرص في الوقت نفسه على أن يكون المسلمون أقوياء لا يخضعون إلا لله ، ولا يركعون إلا لخالقهم سبحانه وتعالى ، فالقوة مبدأ راسخ غرسه القرآن الكريم في أتباعه أفرادًا وجماعات ، يقول الرسول الكريم : (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف)  ويقول سبحانه وتعالى : "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل تُرهبون به عدوَّ الله وعدوَّكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم " فالمسلم قوي ، رباه الإسلام على الفروسية ، وركوب الخيل ، والسباحة ، والرماية، والتدرّب  على مظاهر القوة في المساجد ، يروى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – رأى جماعة من المسلمين يتبارزون بالسلاح في المسجد ، فجلس يراقبهم ، ويتابع حركاتهم ، وإلى جانبه السيدة عائشة ، وهو  يسترها بردائه ليواصلا معًا متابعة ما يجري في المسجد من مبارزة بين الفرسان، وتدّرب على وسائل القوة ، ومظاهرها في ذلك الزمان ... ولقد جاء حرص الإسلام على قوة الفرد مُنسجمًا وحرصه على قوة الأمة كي تكون مرهوبة الجانب حرة عزيزة ؛ فالمسلمون يعدّون ما يستطيعون من قوة ، وهذا واضح قي قوله تعالى " وأعدّوا" حيث استعمل فعل الأمر ، وهو أسلوب ملزم من جملة الأساليب  التي لجأ إليها القرآن الكريم في مخاطبة المسلمين طالبًا منهم القيام بعمل ما ، أو تركه :"وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" ومعنى ذلك أن المسلمين ملزمون بالإعداد والاستعداد . وقوله سبحانه بعد ذلك  "ما استطعتم من قوة " أي كل ما تستطيعون إعداده من قوة . واستعماله ما الموصولة هنا جاء مؤكدًا على إعداد كل ما باستطاعتهم . ثم انظر إلى قوله تعالى بعد ذلك " من قوة" حيث جاء بالتمييز النكرة مجرورًا بمن ، وفي هذا ما فيه من ترك الباب مفتوحًا أمام كل ما يندرج تحت تعريف القوة : فالسلاح قوة ، والتضامن قوة ، والتعبئة النفسية والمعنوية قوة ، والجود بالمال والنفس قوة ، وتعليم الأطفال ، والنهوض بالصناعة والزراعة والتجارة ، وبناء اقتصاد سليم قوة ... ويقول سبحانه وتعالى بعد ذلك كله        " ومن رباط الخيل "  ذلك السلاح الذي كان في ذلك الزمان أقوى سلاح .. وكأنك تقول في هذا الزمان : سلاح الجو ، أو الأسلحة الصاروخية .. والواو في قوله تعالى " ومن رباط الخيل " عاطفة ، وتقدير الكلام : وأعدوا لهم أيضًا ما استطعتم من رباط الخيل . أما قوله تعالى بعد ذلك " ترهبون به عدو الله وعدوكم " فقد جاء في جواب الطلب " وأعدوا " بمعنى أن الهدف من الإعداد هو تخويف أعداء الله وإرهابهم حتى لا يفكروا بالاعتداء عليكم .. وعليه يكون الهدف من كل هذا الإعداد والاستعداد منع الحروب ، وحقن الدماء ، وكف أيدي الناس عنكم ، ومنعهم من الاعتداء عليكم ، وضمان عيشكم بأمن وأمان وعزة واحترام " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين " . وفي نهاية الآية الكريمة قوله تعالى " وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم " الواو هنا عاطفة ، والمعنى : وترهبون أيضًا (آخرين)هم المنافقون الذين يعلنون خلاف ما يبطنون ، وكثيرًا ما يكون هؤلاء أشد خطرًا على الأمة من أعدائها ، وربما كانوا سبب هزائم الأمة أمام أعدائها الخارجيين ، وأنتم لا تعرفونهم لتسترهم وتكتمهم ، ولكن الله يعلمهم ، ويكون إعدادكم واستعدادكم وأخذكم بكل أسباب القوة واليقظة رادعًا لهم عن العمل إلى جانب الأعداء ضدكم ... وهكذا تضمنون انهيار هؤلاء المنافقين الذين يناصبونكم العداء سرًّا ، وتضمنون خوفهم من محاولة النيل منكم ، والتعاون مع أعداء الله ضدكم .

     يتضح مما سبق أن القوة في الإسلام ليست قوة عمياء هدفها الاعتداء على الناس ، بل إن الهدف منها نصرة  الحق ، وضمان العزة والرفعة لمبادئ العدل  ، وتطبيق شريعة الله في الأرض هذه  الشريعة التي لا تفرّق بين دين ودين ، وبين لون ولون ؛ فلا فضل لأسود على أبيض ، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى ؛ وخير الناس أنفعهم للناس ... القوة في الإسلام قوة لكل الناس ؛ لأنها قوة لمبادئ الحق والعدل والسلام ، قوة لكل مظلوم ، ونصرة لكل مضطهد ، وهي في الوقت نفسه سيف  على رقاب أعداء الشعوب وجلاديها من فاسدين ومفسدين ومنحرفين ومغرضين وطامعين  يردعهم من التفكير بالعدوان.

" إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم " صدق الله العظيم .

 

16/7/2008

 



Keep your kids safer online with Windows Live Family Safety. Help protect your kids.

رائعٌ أنت دائمًا.. يا حسام !!

متابعات

رائعٌ أنت دائمًا.. يا حسام !!

أ.عدنان السمان

     إذا كانت الرسالة في حياة الأسير تعني شيئًا كثيرًا ، وزادًا وفيرًا له في رحلته الصعبة الشاقة كما يقول الكاتب صاحب التجربة النضالية والاعتقالية الغنية حسن عبد الله ، وإذا كنتُ قد سمحتُ لنفسي أن أستعير تعبير الشاعرة الفلسطينية الملهمة فدوى طوقان حول رحلتها الإبداعية والحياتية الجبلية الصعبة وهي تستعرض سيرتها الذاتية الغنية هي الأخرى بأكثر من لون من ألوان الجمال والإبداع والـتألق وأنا أتحدث عن تجاربكم الصعبة الشاقة في الأسر ، وأنتم تصنعون مجد هذا الشعب العربي الفلسطيني في مصانع البطولة والتاريخ من خلال الثبات على المبادئ ، والإيمان بالحقوق ، وعدم التنازل عن أي منها لأحد مهما غلا الثمن،و عزّت التضحيات ... إذا كانت الرسالة التي يتلقاها الأسير من ذويه لها كل هذا السحر في نفسيته ، ولها كل هذا التأثير في معنوياته التي يعيد تشكيلها من جديد ؛ فتسمو ، وترتفع ، وتتألق ، وتحلق حتى تلامس حدود الخرافة والأسطورة من خلال  الحبر الذي كُتبت به سطورها ، وعلى عزف الكلمات التي تدق على وقعها طبولها فإن خلاف هذا هو الذي يحدث في حالتك ، رسائلك يا حسام هي  التي تفعل في نفوس قارئيها فعل السحر ، رسائلك يا حسام هي التي ترتفع بقارئيها ومتلقيها إلى المدى الذي تريدهم أن يبلغوه ، والمستوى الذي تريدهم أن يصلوه ، رسائلك يا حسام هي  الزاد في الرحلة الصعبة التي يعيشها الناس في هذه الديار التي تحالفت عليهم فيها كل قوى اليأس والإحباط ، وتكالبت عليهم فيها كل قوى الخداع والشرور والظلام والتركيع والإقصاء والإحلال ، رسائلك يا حسام لها مكانتها في أدب الأسر ، وفكر الأسر والاعتقال منذ روميات أبي فراس ، مرورًا بكل ما كتبي على جدران زنازين عكا في عهد الانتداب ، وعلى كل جدران المعتقلات في هذه الديار ، وحتى أيامنا هذه .. فبوركت الرجولة ، و بورك الإبداع ، وبورك الفكر ، وبورك الانتماء .. بوركت يا حسام.

      لست معك يا حسام في كثير مما قلت عن الوفاء والإخلاص والعطاء في سنوات البعاد .. فأنت لست بعيدًا ، ولن تكون كذلك .. أنت أقرب إلينا من ظلالنا، وإنك لماثل قائم في أذهاننا وخيالنا ، وعلى أسلات أقلامنا ولهواتنا ، مقيم في سويداء القلوب .. متحدث لبق مؤمن بما يقول .. كاتب مبدع صادق منسجم مع النفس .. ثابتٌ قائمُ بيننا لا يريم !! أما الوفاء والإخلاص فهو من طبائع النفوس التي فطر الله  عليها عباده ، قبل أن تعصف بها متع الحياة ، وزخرفها الخادع ، وسرابها الذي يحسبه الظمآن ماء.. لا فضل لصاحبه فيه ، وإنما الفضل لهذا الخالق الذي جبل النفوس عل الوفاء ، وطبع القلوب على المحبة والإخلاص  ، وألهمها حب الخير  ، وفعل الخير ، وألزمها كلمة التقوى ، وزينها بالصدق والعطاء يا حسام  .. لا فضل لنا بهذه المزايا إن وُجدت فينا ، لأنها من طبيعة تكويننا ، ولأنها مما جُبلت عليه نفوسنا وقلوبنا وضمائرنا .. وسبحان مقلب القلوب ، وعالم السرائر ، وموقظ الضمائر في أولئك الذين وصفتهم في رسالتك الأخيرة بالمرتدين الذين باعوا مبادئهم ، وتنكروا لها .

   لست معك يا حسام عندما تتشاءم ، ولست معك عندما تجنح للضعف ، وتجأر بالشكوى من لؤم أولئك الذين أعمتهم التناقضات ، فضلّوا السبيل ... وكأنني بك تقول : لماذا يفعل هؤلاء بأنفسهم ، وبغيرهم من عباد الله ما يفعلون ؟ غريب أمرك !! أتقول هذا ، وأنت الأكثر  إدراكًا لطبيعة النفس البشرية ؟ أتقول هذا وأنت تعلم أكثر من غيرك مقدار الضغوط ، وحجم المغريات التي لا يقوى عل الوقوف في وجهها إلا أولئك الذين استصغروها ؛ فلفظوها لفظ النواة ؟ أتقول هذا يا حسام وأنت تعلم يقينًا أن البنائين والمفكرين والرواد والقادة هم قلة  دائمًا في المجتمعات ؟ إذا كنت تعلم كل هذا وكثيرًا غيره ؛ فلا تبتئس ، ولا تحزن ، واعلم أن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الشدة ، وأن مع العسر يُسرا .. نعم ، إنني لا أظن أن هذه الحقائق يمكن أن تغيب عن بالك يا حسام .

    إنني معك يا عزيزي عندما تتفاءل .. معك عندما تبتسم ، معك وأنت تنظر إلى المستقبل، وأنت تعود إلى بيتك وأسرتك وأبنائك .. معك وأنت تعود إلى أحبابك لتبدأ  رحلة المئة ميل من جديد !! معك وأنت تخرج من أسرك شامخًا ، منتصب القامة ، موفور الكرامة ، سيّدًا ، عزيزًا لم تنل منه الصعاب ، ولا فتَّت في ساعده بنات الدهر ، ولا غمزت من قناته فلول السيوف المثلومة  ، وجحافل المهزومين الخائبين ، وكل قوى البغي والضلال .

      معك يا عزيزي ، ومع أسرى الحرية جميعًا ، وأنتم تعودون إلى ذويكم أكثر صلابةً ، وأمرّ عودًا ، وأقوى عزيمةً ، وأشد ثقة بالنفس .. معك ، ومعكم جميعًا وأنتم تتنسمون عبير الحرية في وطنٍ عزيزٍ حرٍٍّ  سيّدٍ مستقل .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

adnanalsamman.pal24.net

21/7/2008



Stay in touch when you're away with Windows Live Messenger. IM anytime you're online.

الاثنين، ٢١ تموز ٢٠٠٨

التقرير


التقرير...

أ.عدنان السمان

ليس المقصود بالتقرير هنا رائعة محمد الماغوط التي أضحكت العالم العربي وأبكته في أواخر القرن الماضي ، وإنما المقصود هنا ما كتبه الزميلان وليد أبو سرحان وعزيز العصا عن البلدة القديمة من مدينة الخليل ، وما يعانيه أهلها من شظف العيش ، واعتداءات المعتدين الذين فرضوا أنفسهم بشكل رسمي على هذه البلدة وسكانها منذ العام (1980) ثمانين وتسعمئة وألف ، حيث وضعوا أيديهم على مبنى الدبوية والمستوصف بدعوى ملكيتهم لهذه الأماكن ، وإن كانوا قبل ذلك يترددون على هذه المنطقة يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع .. ومما زاد الطين بلة صدور القرار العسكري بإغلاق البلدة القديمة في وجه أهلها ، وإغلاق محالهم التجارية ، وإزالة بسطاتهم ، ومنع سياراتهم من الحركة ، وبمعنى آخر فرض منع تجوال كامل ودائم على هذه البلدة القديمة منذ أن نفـّذ ( جولدشتاين) مجزرته فجر الخامس عشر من شباط من العام أربعة وتسعين وتسعمئة وألف .. ولا يزال هذا القرار ساريـًا حتى اليوم ... لقد وصف هذا التقرير الذي نشر في " القدس" مؤخرًا كثيرًا من آلام أهل هذه البلدة القديمة من مدينة الخليل ، وتحدث عن معاناتهم ، وفقرهم ، والمخاطر المحدقة بهم ، والاعتداءات التي يتعرضون لها ، كما تطرّق التقرير لكثير من أشكال المضايقات ، والاستفزازات والإهانات التي يتعرض لها أولئك المواطنون على أيدي نفر من المستوطنين (500 مستوطن) ومن ورائهم جيش الاحتلال الذي يساندهم ، ويؤازرهم ، ويحمي كل تحركاتهم ، ووجودهم غير الشرعي في هذه البلدة ، وفي غيرها من كل مدن هذا الوطن ومخيماته وقراه .

لستُ هنا لألخص ما جاء في هذا التقرير ، أو لأعيد شيئـًا مما جاء فيه ، ولكنني هنا - وقد صدمني الواقع المرير الذي تحدث عنه التقرير بسبب عدم زيارتي للخليل منذ مدة طويلة - أرغب في تسجيل بعض الحقائق التي تلحُّ عليّ ، وتحرّك القلم بين أصابعي ليكتب بملء الثقة والإصرار :

لقد كان كثير من الناس يتوقعون أن يفعل المحتلون أفاعيلهم بالخليل عندما كانوا في طريقهم إليها في الساعات الأولى لحرب الخامس من حزيران 67 ، ولكن شيئـًا من هذا لم يحدث بفضل الله تعالى أولاً وقبل كل شيء ، وللحكمة التي تحلى بها سماحة الشيخ محمد علي الجعبري رئيس البلدية آنذاك .. وهكذا مرت تلك الأيام العصيبة وقد تساوت فيها الخليل مع غيرها من مدن الضفة الغربية التي احتـُلَّت يومها ، بل إن الاحتلال كان أشدَّ وقعـًا على قلقيلية التي شُرَّد عنها أهلها بالكامل ، وهدمت معظم بيوتها ، ولم يعد إليها بعض أهلها إلا بعد جهود جبارة بذلها عدد من وجهاء البلاد لدى السفارة الأمريكية وغيرها أذكر منهم المرحوم الشيخ سعيد صبري قاضي القدس الشرعي ، والمرحوم حمدي كنعان رئيس بلدية نابلس ، والمرحوم الحاج حسين صبري رئيس بلدية قلقيلية آنذاك ، والمرحوم يوسف رضا مدير مكتب وكالة الغوث في نابلس ، والكاهن صدقة كاهن الطائفة السامرية في نابلس ، والمرحوم الشيخ هاشم صبري الذي اتخذ من عزون (شرقي قلقيلية) مقرًّا لإقامته التي كان يشرف فيها على توزيع المواد التموينية على الأهالي هناك ، كما كان يعلن في إصرار : (لن نرضى عن قلقيلية بديـلاً ) عندما كان المحتلون يومها يعرضون على الناس أن يوطّنوهم في تلك المنطقة القريبة من قلقيلية .. وهكذا عادت نسبة كبيرة من أهالي المدينة إليها .. كما عاد آخرون من الأردن عبر وادي الأردن تسلـّلاً .. وضمن عمليات جمع الشمل فيما بعد ... بل إن مأساة قلقيلية لم تكن شيئـًا مذكورًا بجانب مأساة عمواس وقرى اللطرون التي دمرت ، ولم يعد أهلها إليها حتى اليوم !!!

لقد استحدث المحتلون في الخليل مكتبًا للعمل ، وفتحوا المجال لاحقـًا للعمال على مصراعيه للعمل في الداخل ، وهكذا أخذت أحوال الناس المادية تتحسن ، وقد استحدث المحتلون مكاتب للعمل في سائر مدن الضفة الغربية على غرار مكتب الخليل ، وما يقال في الحركة العمالية هناك يقال أيضـًا في سائر مدن الضفة الغربية ، وقطاع غزة .

لا أحد من أهل هذه البلاد ينسى أن المحتلين ومنذ الأيام الأولى لعدوان حزيران قد ضموا القدس الشرقية إلى الغربية التي احتلوها عام 48 ، وأعلنوا القدس الموحدة عاصمة لهم ، ولا يزالون متمسكين بهذا حتى اليوم .. ولا أحد من أهل هذه البلاد ينسى أن شهية المحتلين للاستيطان ، وبناء المستوطنات قد تفتّحت منذ سنيّ الاحتلال الأولى .. فأخذوا يصادرون الأراضي ، ويقيمون المستوطنات على رؤوس الجبال أولاً ، ثم على سفوحها ، ثم على جوانب الشوارع ، ثم قاموا باستحداث شوارع جديدة واسعة وعصرية تربط مستوطناتهم بعضها ببعضها الآخر ، وتحاول عزل القرى العربية بعضها عن بعضها الآخر ، وتعزلها عن مدنها كلما وجدت إلى ذلك سبيلاً .. وفي الوقت نفسه أخذت ببناء الأحياء الاستيطانية في القدس الشرقية ، فأقامتها في الشمال ، وفي الشرق ، ثم في الجنوب ، ثم في شرق الشرق حتى أصبحت القدس الكبرى تمتدّ من موديعين غربًا لتلامس مياه نهر الأردن شرقًا، ومن غوش عتصيون جنوبًا إلى شيلو(قرب اللبّن الشرقية) شمالاً!! إضافة إلى ما يراه الرائي يوميّـًا من هذا التوسع الرهيب في مستوطنة جبل أبو غنيم ، ومستوطنات بيت لحم ، والخليل، ونابلس ، وقلقيلية ، والأغوار ... ولقد تنبّه المحتلون إلى ضرورة الاستيطان داخل الخليل كي يصنعوا منها – مع الأيام – مدينة مختلطة ، مثل القدس ، وكان لهم ذلك قبل نحو ثلاثين عامًا ... وهكذا وضعوا إسفينهم في الخليل ، كما وضعوا أسافينهم من قبل في القدس ، وكما وضعوا أسافينهم وبواباتهم ومعابرهم بين المدن المختلفة ، ففصلوا القدس عن محيطها العربي ، وعن قراها التي كانت حتى عهد قريب ضواحي لا تنفصل عنها ، وفصلوا القدس عن الرام ، وعن رام الله ، كما فصلوا القدس عن بيت لحم ، وعن الخليل ، وكما فصلوا نابلس عن كل ما ذُكر !! وفصلوا قلقيلية وطولكرم عن نابلس ، وفصلوا كل ما ذُكر عن جنين !!! لقد أصبحت المستوطنات هي الأصل ، وأصبحت المدن العربية ، والقرى العربية هي الاستثناء !!!

ومع كل هذا ، فقد كان المحتلون يخوضون صراعًا داميًا عنيفـًا مع الأهالي في الضفة الغربية وقطاع غزة .. لا يصادرون قطعة أرض إلا وتقوم قيامة الناس هنا وهناك .. ولا يشرعون في بناء مستوطنة إلاّ وتضطرب البلاد من أقصاها إلى أقصاها .. ولا يعتدون على مواطن في رفح أو خانيونس أو غزة إلا وتهيج لذلك كل مدن الضفة وقراها ومخيماتها .. ولا يعتقلون مواطنـًا في جنين أو قباطية أو طوباس إلا وسارت مظاهرات الغضب والاحتجاج في كل مدن البلاد .. ولا يفرضون ضريبة إلا كانت الإضرابات، والإغلاقات ، وأعمال الاحتجاج من أقصى الوطن إلى أقصاه ... ومَن من الناس ينسى ما قامت به بلدية نابلس وعلى رأسها بسام الشكعة التي انتخبها الناس في 12/نيسان/1976 من مقاومة عنيفة للاحتلال والاستيطان ؟ ومن من الناس ينسى مواقف أمين النصر في قلقيلية ، وكريم خلف في رام الله ، والطويل في البيرة وغيرهم في كل مدن الوطن ؟ لقد كانت المقاومة الشعبية هي الرد على مطامع المحتلين والمستوطنين .. ولعل الانتفاضة الأولى كانت أبلغ رد على مطامع المحتلين .. لقد تمرد هذا الشعب الأعزل على الاحتلال حتى كاد أن يحقق الانتصار !!

لابد من القول إن أمر حماية المواطنين ، وحماية ممتلكاتهم ومحالّهم التجارية في البلدة القديمة من الخليل، وفي غيرها من بلدات الوطن ومدنه وقراه تقع على عاتق السلطة الفلسطينية ، ولا بد من القول إن هذه السلطة هي المسئولة عن أمن المواطن وأمانه ، و إن المفاوض الفلسطيني هو المسئول عن كل ما يجري في هذه البلدة القديمة من الخليل وفي غيرها من مدن القدس ونابلس وبيت لحم ، وكل مدن هذا الوطن ومخيماته وقراه .. السلطة الفلسطينية والحكومة الفلسطينية ، والمفاوض الفلسطيني ، ومنظمة التحرير الفلسطينية كل هؤلاء مسئولون رسميًّا عن كل ما جرى منذ العام أربعة وتسعين وتسعمئة وألف ، وحتى يومنا هذا .. وكل هؤلاء مسئولون أيضـًا عن كل ما يجري ، وعن كل ما سيجري في الخليل وفي القدس ونابلس ، وفي كل مدن الوطن وقراه ومخيماته ، وهم جميعًا مسئولون عن ملف الأسرى ، وملف اللاجئين ، وكافة الملفات الساخنة على أرض هذا الوطن .. إنهم المسئولون عن أمن الوطن وسلامته ، وعن أمن المواطن وأمانه ، وسائر حقوقه في العيش بحرية وكرامة فوق تراب وطنه فلسطين .

13/6/2008

السبت، ١٩ تموز ٢٠٠٨

متابعات

ما الذي يجري في نابلس ؟؟

أ.عدنان السمان

لا أريد أن أستعرض هنا ما جرى لهذه المدينة منذ وقوعها في قبضة الاحتلال الإسرائيلي ظهيرة يوم الأربعاء في اليوم السابع من حزيران من العام سبعة وستين وتسعمئة وألف ، ولا أريد أن أشير إلى ما تعرضت له هذه المدينة على امتداد سني الاحتلال منذ ذلك اليوم وحتى أيامنا هذه ، ولا أريد أن أكتب شيئًا عن هذه المستوطنات التي تملأ السهل والجبل من حولها ، ولا عن هذه الحواجز التي تفصلها فصلاً عن سائر مدن الشمال والوسط والجنوب ، بل لا أريد أن أكتب شيئًا عن هذا الجدار الذي نكبها ، وأتى على الأرض الزراعية وغير الزراعية من حولها ، ولا عن هذه الأغوار المغلقة التي كانت في يوم من الأيام سلة الخبز الفلسطيني ، ولا أريد أن أشير بكلمة واحدة إلى أكثر من مئة ألف عامل من عمالها الذين باتوا عاطلين عن العمل عاجزين عن توفير الخبز لأطفالهم ، ومن الطبيعي أن لا أذكر اسم سلعة واحدة من هذه السلع الثمانين التي تزيد أسعارها هنا عن أسعارها في تل أبيب على الرغم من أن متوسط الدخل هناك يربو على خمسة وعشرين ألف دولار للفرد سنويًّا ، في الوقت الذي لا نستطيع فيه الادعاء بأن في هذه المدينة – وفي سائر مدن هذه البلاد – ما يمكن أن يسمى دخلاً أو متوسط دخل : اللهم إلا ما يجود به المانحون على أهل هذه الديار ، والذي سيتوقف تمامًا بعد أن يستكمل هؤلاء وأولئك مخططاتهم بشأن هذا الوطن ومواطنيه.

نعم .. لا أريد أن أشير إلى شيء مما سلف ، فهذا أمر لا يمكن أن تنهض به مقالة أو سلسلة من المقالات ، وإنما هو من شأن الكتب ، ومراكز البحوث والدراسات ... كل ما أريد أن أشير إليه هنا هو شيء مما شهدته هذه المدينة خلال بضع ساعات كانت بدايتها في الحادية عشرة من مساء الإثنين ، وكانت نهايتها في السادسة والربع من صبيحة اليوم التالي الثلاثاء الثامن من تموز الجاري ، حيث بدأت جحافلهم وآلياتهم بمهاجمة عدة أهداف في المدينة من أقصى شرقها حتى أقصى غربها محطّمةً كثيرًا من الأبواب الحديدية المغلقة، وكثيرًا من الأثاث والمعدات في البنايات والأماكن التي اقتحمتها ، واضعةً يدها على كثير من أجهزة الكومبيوتر ، ناشرةً الرعب والفزع في كل أنحاء المدينة والقرى المجاورة من الجهات الأربع ، مروعةً الأطفال والمرضى والشيوخ في ليلة من أسوأ ما شهدته المدينة منذ بداية الاحتلال وحتى يومنا هذا ... ومن الأهداف التي شملتها هذه العمليات في تلك الليلة : النقابة الإسلامية ، وجمعية التضامن ، والجمعية العلمية الطبية ، وجمعية نفحة للعناية بالأسرى في عمارة الإسراء ، والطوابق الأربعة الأولى من عمارة عنتر ، وبناية "المول"

في نابلس ، ومنتدى الخريجين الثقافي ، والمدرسة الإسلامية للبنات في رفيديا غربي المدينة ، وجمعية يازور في مخيم بلاطة .

لقد كان التخريب رهيبًا ، وكان الإزعاج فظيعًا ، وكانت الخسائر باهظة ، وكان الاستخفاف بالإنسان ، وممتلكاته ، ومشاعره ، وأمنه ، وأمانه أمرًا يَدِقُّ عن الوصف ... على أن الأمر الجديد هنا هو وضع قوات الاحتلال يدَها على أكبر بنايات المدينة الحافلة بالأسواق ، والمحالّ التجارية الكثيرة (مول نابلس ) هذه البناية التي تعتبر أيضًا متنفَّسًا للأطفال وللفتيان والأمهات اللواتي يبحثن عن شيء من الراحة بصحبة أطفالهن بعد يوم من العمل المنزلي الشاق ... نعم .. لقد وضعت قوات الاحتلال يدها على هذه البناية بموجب كتاب صادر عن "جيش الدفاع الإسرائيلي " وجّهه "القائد العسكري" في "منطقة يهودا والسامرة " إلى أصحاب المحال التجارية ، والمكاتب ، والأماكن في المجمع التجاري (نابلس مول ) أما الموضوع فهو : مصادرة الأملاك في المجمع التجاري ، وإغلاقه . وقد حدد هذا الكتاب يوم الخامس عشر من آب القادم موعدًا نهائيًّا لوضع اليد على هذا المجمع التجاري وامتلاكه ، مشيرًا إلى أن " في نية قائد قوات جيش الدفاع الإسرائيلي في منطقة يهودا والسامرة تنفيذ ملكيته بالمبنى ، بما في ذلك ، أن يعمل على قطعه من البنيات التحتية وتنفيذ أعمال أخرى في المبنى ، إذا ما تطلب الأمر " !! هذه فقرة مما جاء في البند الثالث من هذا الكتاب : أما البند الرابع فقد جاء فيه بالحرف الواحد " من تاريخ 15/8/2008 ، الدخول للمبنى و/أو المكوث فيه و/أو استخدامه لأي غرض كان ، بدون مصادقة من القائد العسكري يشكل مخالفة لتشريع الأمن ، التي عقابها خمس سنوات سجن فعلي . القائد العسكري ينوي محاكمة المخلين بتعليمات هذا الأمر " !!! يشار إلى أن هذا الكتاب الذي يحمل عنوان " جيش الدفاع الإسرائيلي " وتوقيع " القائد العسكري " لا يحمل أي تاريخ!!!

وبعد

فإذا كان هؤلاء يضعون أيديهم اليوم على واحد من أكبر المجمعات التجارية في مدينة نابلس لأسباب أمنية ، فما الذي يمنعهم من تكرار هذه العملية ؟ وما الذي يمنعهم من وضع اليد على مجمعات أخرى ، وبنايات أخرى ؟ عمليًّا لاشيء يمنعهم من ذلك ، فهم يرغبون في السيطرة المطلقة على كل هذا الوطن ، ولديهم الذريعة التي يسوقونها أمام المجتمع الدولي، وأمام الأنظمة العربية ... إنهم يكافحون الإرهاب ، وعليه فإن من واجب الدنيا كلها أن تقف إلى جانبهم ، وأن تساعدهم في هذه المهمة التي يخدمون بها هذه الدنيا !! هل نتشاءم فنكرر ما قلناه منذ زمن بعيد من أن نابلس على طريق القدس والخليل ! هل هذه هي البداية؟ أيكتب التاريخ أن وضع اليد على "المول" كان بداية وضع اليد على نابلس ؟ أم عساه يكتب أن البداية كانت السيطرة على مقام النبي يوسف في الجزء الشرقي من المدينة، ثم السيطرة على هذا " المول " في غربها ! ثم ، هل نتشاءم فنقول إن هذين الموقعين

( بما بينهما من مواقع صُنَّفت "جـ" منذ صُنَّفت هذه الديار في أوسلو ) سيكبران ويكبران حتى يبلعا نابلس، ويقذفا بها في بطن الحوت ؟ أم أن معجزة ستحدث لتحول دون ذلك ، فتحمي نابلس من هذا المصير ، وتنقذ القدس والخليل وغزة وسائر مدن هذه الديار وقراها ومخيماتها من هذا الواقع المرير الذي يعصف بالوطن والمواطن منذ عقود ؟

بقي أن أقول إن الليل مهما طال لابد له من آخر ، وبقي أن أقول إن من يطلب الحسناء لم يغله المهر ، وبقي أن أقول إن أشد ساعات الليل ظُلمةً هي الساعات التي تسبق انبلاج الفجر ، وبقي أن أقول إن مع العسر يُسرًا إن مع العسر يُسرا. "صدق الله العظيم"

8/7/2008

الأحد، ١٣ تموز ٢٠٠٨

في العلاقات العربية التركية

متابعات..

في العلاقات العربية التركية...

أ: عدنان السمان

منذ هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، وتجريدها من كافة الأقطار التي بسطت عليها سلطانها منذ البدايات الأولى من القرن السادس عشر، وعودتها إلى حدودها الإقليمية نتيجة لهزيمتها في تلك الحرب... دأبت تركيا أتاتورك العلمانية الحديثة منذ تأسيسها( قبل أربعة وثمانين عامًا )على مناصبة العرب العداء... كما دأبت على التنكر للإسلام والمسلمين منذ ذلك الحين ، وحتى عهد قريب.

وللحقيقة، فإن تركيا الحديثة، ومنذ قيامها في العام ثلاثة وعشرين من القرن الماضي قد استغلت أبشع استغلال كل فرصة ممكنة للنيل من العرب والإسلام والمسلمين منطلقة في ذلك من:

أحقادها الدفينة على العرب والمسلمين الذين تعتبرهم سبب هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، أو على الأقل من أبرز أسباب تلك الهزيمة.

اعتبارات تاريخية قديمة مستمدة من حالة العداء والحروب التي شهدتها المنطقة قبل الإسلام، وبعد ظهوره وقيام دولته... وحتى دخوله تركيا نفسها.

مطامعها الإقليمية في مناطق واسعة من الأرض العربية وسيطرتها بالفعل على أجزاء من شمال سوريا (الاسكندرون)، ومحاولاتها فرض السيطرة على أجزاء من شمال العراق منذ حرب الخليج الثانية.

تبعيتها المطلقة للغرب... وحكمها المطلق من قبل المؤسسة العسكرية العلمانية الموالية للغرب... وبالتالي بحثها المستمر في دوائره عن أي دور تلعبه ضد العرب رغبة في تحقيق مآربها وأطماعها، بالتنسيق مع كل الجهات المعادية للأمة العربية، ووحدة شعوبها منذ قيام تركيا الحديثة مرورًا بولاية عدنان مندريس في تركيا، ونظرائه على أرض العرب: نوري السعيد في العراق، وكميل شمعون في لبنان... وحتى هذه الأيام.

وعليه فإن المتتبع لتاريخ العلمانية تذهله مواقفها العداونية من القضايا العربية والإسلامية، وتعاملها المبكر مع الدولة العبرية منذ قيامها على أرض فلسطين.

ولعل الأمانة والموضوعية يقتضيان الإشارة هنا إلى حقيقتين في منتهى الأهمية، وهما:

أن هنالك نوعًا من العلاقة الحميمة والقربى بين الشعب في تركيا وشعوب الأمة العربية تعود في مجملها إلى تجربة الخلافة العثمانية التي صهرت شعوب هذه المنطقة في بوتقتها مدة طويلة من الزمن شهدت خلالها هذه الشعوب فترات من القوة والعظمة الحقيقية... وعاشت تجربة مشتركة بحلوها ومرّها.

أن العلاقات العربية العربية، والإسلامية الإسلامية، ومواقف كثير من دول العرب والمسلمين من القضية الفلسطينية ليست أفضل من مواقف تركيا العلمانية التي سبقت غيرها في اتخاذ موقفها من جهة، وكانت صريحة صادقة مع نفسها، وهي تتخذ هذا الموقف دون مواربة أو لف ودوران، ودون انتظار "الفرصة المناسبة" لإعلانه... ثم إن الموقف التركي نابع أصلاً من اعترافٍ بأمرٍ واقعٍ قائمٍ على أرض فلسطين.

صحيح أن الإنسان العربي قبل خمسين عامًا، أو أكثر قليًلا من ذلك أو أقل، كان يشعر بأكثر من الضيق وربما بالكراهية وهو يرصد المواقف التركية الرسمية، حتى أن مجرد ذكر تركيا كان يثير السخط والغضب في نفوس كل العرب آنذاك... ولكن صحيح أيضًا أن مشاعر الإنسان العربي بعد ذلك قد أخذت تتغير إلى أن تخلص من مشاعر السخط الذي كان يكنه للنظام التركي.. أو على الأصح فقد تساوى ذلك النظام مع غيره (من الأنظمة القائمة على الأرض العربية) في نفس الإنسان العربي ووجدانه المكلوم، ومشاعره المثخنة بالجراح.

ولكن تركيا عادت بعد ذلك لإثارة اهتمام الإنسان العربي، وشد مشاعره وانتباهه من جديد من خلال مسالتين متناقضتين شغلتا الترك والعرب والعجم على السواء وهما:

->صعود التيار الإسلامي إلى سدة الحكم لأول مرة في تاريخ تركيا العلمانية منذ بضع سنوات.

>إقدام المؤسسة العسكرية التركية (حامية حمى العلمانية، ومبادئ مصطفى كمال أتاتورك – أي أبو الأتراك) على تمتين علاقاتها، وتوثيقها مع إسرائيل بشكل استفزازي، وإقامة ما يمكن أن يسمى بالحلف التركي الإسرائيلي الأمريكي.

أما بروز التيار الإسلامي ممثَّلاً في حزب "الرفاه" آنئذٍ، وتفوقه على كافة الأحزاب التركية في انتخابات عامة... ثم تحالفه مع حزب " "تانسو تشيللر"، ووصوله إلى سدة الحكم.. ثم نزوله... وفرض العقوبات الرهيبة على رئيس ذلك الحزب "نجم الدين أربكان"، وتجريده بعد ذلك من كافة حقوقه المدنية!! ثم تسلم "يلماظ" في انقلاب أبيض نفذه "سليمان ديميريل" بضغط من المؤسسة العسكرية... فإن هذه – على أهميتها – قد بقيت مسألة تركية داخلية من شأن الأتراك فقط أن يقولوا فيها كلمتهم... وقد قالوها فعلاً في الانتخابات التي أجريت في مطلع تشرين الثاني من العام الثاني بعد الألفين.

على أن الأمر الذي استحوذ على اهتمام كثير من المراقبين والمواطنين العاديين في هذه المنطقة من العالم هو تلك التحركات العسكرية التركية ممثلة في هذا الحلف العسكري التركي الإسرائيلي الأمريكي.. وممثلة أيضًا في تلك الهجمات العدوانية التي شنّها الجيش التركي في عمق الأراضي العراقية.. وما قيل في حينه عن نيّة تركيا إقامة "حزام أمني" في الشمال العراقي على غرار "الحزام" الذي أقامته إسرائيل" في الجنوب اللبناني على الرغم من فشل هذا الحزام في توفير الأمن لإسرائيل... ثم إنهاء هذا الوضع، وخروج الإسرائيليين من الجنوب اللبناني في العام ألفين، تحت ضربات المقاومة اللبنانية المؤلمة، الأمر الذي أرغم المؤسسة العسكرية التركية على إعادة النظر في نواياها تلك.

لقد أدت تلك التحركات العسكرية التركية – وغير التركية – إلى قيام تحركات مضادّة في المنطقة تمثّلت في تحركات الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد التي استهدفت تمتين العلاقات السورية الإيرانية... وإعادة العلاقات الطبيعية بين سوريا والعراق... والحرص المستمر على توثيق العلاقات الأخوية بين سوريا ومصر انطلاقًا من العلاقات الحميمة التي ربطت الرئيسين مبارك والأسد... وإحياء العلاقات التاريخية الاستراتيجية بين سوريا وروسيا، ومحاولات الرئيس السوري الراحل المستمرة للضغط على بعض أقطار الخليج العربي من أجل قطع علاقاتها مع "إسرائيل"، والالتزام بمبدأ المقاطعة العربية الإسلامية الكاملة لإسرائيل... وإحياء" وتفعيل" مكتب المقاطعة المنبثق من الجامعة العربية، ووضعه أمام مسئولياته الوطنية والتاريخية.. كما أن نشاط سوريا المكثف عبر دول إعلان دمشق، وعبر مجموعة الدول الأوروبية كان دليلاً قاطعًا على الرغبة في تشكيل حلف مضاد للحلف التركي الإسرائيلي الأمريكي... أو على الأقل التوازن الاستراتيجي مع ذلك الحلف... والتلويح بالعصا في وجهه بهدف ردعه عن الاستمرار في عدوانه على الأقل... وقد نجحت الديبلوماسية السورية الهادئة، والعربية الحليفة في بلورة معالم حلف يرتكز على محور طهران بغداد دمشق... تؤازره دول وقوى عربية وإسلامية ودولية كثيرة على رأسها القاهرة وموسكو وعدد من دول أوروبا... وهو الحلف الذي أطلق عليه الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش" لاحقًا لقب "محور الشر" رغم بعض الخلافات الهامشية في التفصيلات.

ولعل من الضروري – ونحن نستعرض أحداث هذه المنطقة وحوادثها في محاولة جادة لفهم هذا الذي يحدث على الأرض – أن نشير بإيجاز إلى البيان المشترك الذي صدر في العام سبعة وتسعين وتسعمئة وألف في كل من دمشق وطهران في أعقاب الزيارة التي قام بها الرئيس الراحل حافظ الأسد إلى طهران آنذاك... ومما جاء فيه:

أن الجانبين يعملان من أجل إزالة الاحتلال الإسرائيلي من جميع الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان، "وجنوبي لبنان"، والأراضي الفلسطينية، ولا سيما القدس.. وأن الجانبين يعربان عن قلقهما البالغ إزاء التعاون العسكري والأمني بين تركيا وإسرائيل، والذي يشكل تهديدًا لأمن الدول المجاورة، وللاستقرار في "الشرق الأوسط"، ويدعو الطرفان تركيا إلى أعادة النظر في تعاونها مع "إسرائيل"، والعودة إلى علاقات التعاون وحسن الجوار مع الأقطار العربية. كما أكد الجانبان على ضرورة التنسيق الشامل بين بلدان المنطقة في مواجهة التحركات والسياسات الإسرائيلية بما في ذلك محاولات إسرائيل الدخول إلى بلدان المنطقة العربية والإسلامية عبر التعاون الاقتصادي، ويطالبان الدول العربية والإسلامية بمقاطعة إسرائيل في كافة المجالات السياسية والاقتصادية وغيرها. كما أيد البيان المقاومة الوطنية والإسلامية في فلسطين، وأدان الممارسات الإسرائيلية في القدس العربية. كما أدان ذلك البيان المواقف الأمريكية المعادية للقضايا العربية والإسلامية... وأعرب عن تمسك البلدين بوحدة الأراضي العراقية... وتأييدهما للنضال المشروع الذي يخوضه الشعب الفلسطيني لاسترداد حقوقه الوطنية وتقرير مصيره. كما شدّدا على ضرورة انسحاب القوات الأجنبية من الخليج.

لقد أكد المراقبون يومها على أن هذا البيان قد شكل القاعدة التي يقوم عليها تحالف طهران بغداد دمشق... وأن دول هذا المحور ستعمل جاهدة من أجل تنفيذ ما جاء في هذا البيان... وتعميمه بالتالي على كل الأقطار العربية والإسلامية والصديقة... الأمر الذي شكّل في حينه مؤشرًا على أن هذه المنطقة ستشهد مزيدًا من التوتر... وكان الغزو الأمريكي للعراق.. وكان بعد ذلك هذا الإجماع على أشرس مقاومة عربية إسلامية عرفها التاريخ في العراق العربي... وبقيت بغداد على رأس هذا التحالف الذي نجحت الدبلوماسية السورية الهادئة في إقامته رغم أنف الغزاة المعتدين.

كما أكد المراقبون آنذاك على أن كافة الدلائل تشير إلى أن سوريا وحليفاتها تعد العدة، وتغذّ الخطى نحو التسلح الذي يضمن لها التفوق في المواجهة... وأن إسرائيل تهدد باللجوء إلى ترسانتها النووية في حال تعرضها لخطر حقيقي يهدد وجودها... وأن تركيا تختبئ خلف تلك الترسانة، إضافة إلى وقوفها تحت المظلة الأمريكية... وهذا معناه أن الحرب بهذا المفهوم ليست في مصلحة الطرف العربي الذي لا يملك الأسلحة التي تمتلكها الأطراف الأخرى... ولا بد أن تأخذ المواجهة (ولو مرحليًّا) شكلاً آخر يختلف إلى حين الحصول على مثل تلك الأسلحة.. وكان ما شهدناه في الجنوب اللبناني.. وما شهدناه بعد ذلك على أرض فلسطين ترجمة لهذه المواجهة التي اختارها الجانب العربي وصولاً إلى تحقيق أهدافه.

لم تغب تركيا لحظة عن اهتمام السياسة السورية بها، ولم يشغل السياسيين السوريين عنها أي شاغل.. بل إن السوريين راحوا يوطدون علاقاتهم، ويوطدون صلاتهم بالأشقاء الأتراك.. في الوقت الذي أدرك فيه السياسيون الأتراك أهداف جيرانهم وأشقائهم السوريين... ولكنهم – كالسوريين تمامًا- يدركون أنهم يتحركون وسط حقول من الألغام.. وأن عليهم بالتالي أن يكونوا شديدي الحذر في كل تحركاتهم، بل وفي سائر حركاتهم وسكناتهم... وعليه، فقد راح حزب الفضيلة والتنمية يبذل جهودًا مضنية من أجل دخول السوق الأوروبية المشتركة على الرغم من أن الجزء الأوروبي من تركيا لا يتجاوز خمسة بالمئة من مساحتها، وعلى الرغم من الشروط الأوروبية الكثيرة التي أبدى الأتراك استعدادهم لتنفيذها في سبيل دخول هذه السوق... كما راحت تركيا أردوغان والغول تعلن رغبتها الشديدة في تقوية علاقتها بالولايات المتحدة وإسرائيل.. وإجراء المناورات العسكرية المشتركة في مياه البحر المتوسط... إذن فالعلاقات التركية الغربية هي في عهدها الذهبي... وعليه، فإن كثيرًا من زعماء العالم راحوا يهنئون وزير الخارجية التركي عبد الله غول لفوزه بالرئاسة التركية مؤخرًا، وبأغلبية كبيرة.. وكان شمعون بيرس من أوائل من هنأوا الغول بهذا الفوز رغم أنه إسلامي، ورغم أن قرينته أول امرأة مسلمة محجبة تصبح سيدة القصر الرئاسي التركي منذ العام ثلاثة وعشرين من القرن الماضي.

إن فوز عبد الله الغول برئاسه الجمهورية رغم معارضة المؤسسة العسكرية حامية حمى العلمانية في تركيا هو – دون أدنى شك- نصرٌ للديمقراطية في تركيا، ونصر للحجاب التركي، ونصرٌ للاعتدال والوسطيّة، ونصرٌ للعلاقات التركية العربية القائمة على حسن الجوار، واحترام المصالح المشتركة، والتفاهم، وحل المشكلات والخلافات بالطرق السلمية التي تعيد الحقوق إلى أصحابها، وتحقق العدل والإنصاف بين الناس أفرادًا وشعوبًا وقبائل... وهو – دون أدنى شك – هزيمة للمؤسسة العسكرية التي تحكم البلد حكمًا استبداديًّا منذ العام ثلاثة وعشرين وتسعمئة وألف.. وهزيمة للتلاعب والمتلاعبين بالمال العام في تركيا.. وهزيمة لهذه العلمانية التي فرضها أتاتورك على البلد، وأسند إلى الجيش أمر فرضها على الناس بالحديد والنار..

فهل يكون فوز الغول بمنصب الرئاسة بدايةً لعهد جديد يعود فيه التوازن والاتزان إلى تركيا؟ وهل يكون هذا الفوز بداية النهاية لحكم الجنرالات الذين حكموا البلاد والعباد حكم الهوى والجور والفساد.. حكم الإقصاء والإحلال، والتصرف بالبلاد والعباد دون أدنى اعتبار لإرادة هذه الأمة، ورغبتها في العيش بكرامة واحترام؟ وهل يكون هذا الفوز بداية لعلاقات تركية عربية تضع في اعتبارها المصلحة الحقيقية للعرب والأتراك أولاً وقبل كل شيء؟ وهل يكون هذا الفوز عودة بتركيا إلى الحظيرة الإسلامية التي تلعب فيها تركيا دورًا بارزًا في الحفاظ على كرامة المسلمين وحقوقهم، وكرامة العرب وحرية أراضيهم، وكرامة الإنسان والإنسانية في إطار سلام عام عالمي يعيد كل الحقوق إلى أصحابها؟ نرجو ذلك.

30/8/2007




The i'm Talkaton. Can 30-days of conversation change the world? Find out now.

ربيع فلسطين ... وخريف بوش

على هامش زيارة رايس للمنطقة

ربيع فلسطين ... وخريف بوش

بقلم: عدنان السمان

تُحسن وزيرة الخارجية الأمريكية صنعًا إذا هي وضعت في اعتبارها أمرين اثنين،وهي تزور هذه المنطقة ربما للمرة السادسة خلال هذا العام، أما الأمر الأول فهو أن هذه القضية الفلسطينية (التي شغلت السياسة الأمريكية منذ أكثر من ستين عامًا، والتي كانت سببًا في كثير من الحروب والمعارك التي شهدتها المنطقة) ما زالت – كما كانت – تشغل السياسة الأمريكية، والسياسيين الأمريكان، وما زالت تشكّل تحدَّيًا للمجتمع الدولي بأسره، وما زالت مرشَّحة لإشعال مزيد من نيران المعارك والحروب في هذه المنطقة لسبب بسيط هو أن هذه القضية منذ نشـوئها – وحتى الآن – لم تجد من ينفّذ أيـًّا من قرارات المجتمع الدولي بشأنها..

وهكذا بقيت بدون أي حل حاسم يضع نهاية للظلم والتشرد، والموت، والمعارك، والحروب... وأما الأمر الثاني الذي يحسن بها وضعه في اعتبارها، وهي تزور هذه المنطقة، فهو أن هذه البلاد ليست إلا جزءًا من بلاد العروبة والإسلام رغم تفرّقها.. شأنها في ذلك شأن أيّ من هذه الولايات الخمسـين التي تشكل الولايات المتحدة الأمريكية، أو الوطن الأمريكي ، بمعنى أن أحداً لا يمكنه سلخ هذه الولاية عن أخواتها، وبمعنى أن أحدًا لا يمكنه نزع الصبغة الأمريكية، والعلم الأمريكي عن هذه الولاية أو تلك ليفرض عليها وضعًا جديدًا مغايرًا دون أن يُحدث ذلك – إن حصل – ردود أفعال من الصعب أن تهدأ قبل أن تعود تلك الولاية موضوع الحديث إلى وضعها بين أخواتها ولايةً أمريكيةً من الولايات الخمسين التي تشكل الولايات المتحدة الأمريكية بوحدتها العضوية، ونظامها السياسي، وثقافتها، وعَلَمها، ولغتها، وتطلعاتها، وأهدافها المشتركة ... صحيحٌ أن هنالك عددًا من الفوارق بين الحالتين العربية والأمريكية .. ولكن صحيح أيضًا أن العرب أمةٌ لها تاريخها، ومشاعرها، ولغتها، ومعتقداتها، وثقافتها، وتطلعاتها، وآمالها، وآلامها .. رغم كل هذه التناقضات والتباينات في النظام السياسي.. ورغم التفاوتات في النضج والرؤية السياسية، والأوضاع الاقتصادية والفكرية.. إلا أن ما يوحّد هذه الأمة هو هذه العقيدة التي صهرت العرب والمسلمين في بوتقتها والتي تشكل فلسطين بعامة، والقدس بخاصة جزءًا لا يمكن أن يتجزأ منها.. هذه العقيدة التي وضعت القدس في مستوى مكة والمدينة.. بل إنها قد جعلت للقدس فضل السبق في القدسية حيث كانت القِبلة الأولى التي استقبلها المسلمون في صلاتهم قبل أن يتوجهوا إلى الكعبة المشرفة في مكة المكرّمة، وهذا معناه باختصار أن القدس أول قِبلة في الإسلام،وأن الأقصى هو مكان معراج الرسول الكريم محمد... ولئن كان الإسراء من المسجد الحرام في مكة، فقد كان المعراج من المسجد الأقصى في القدس:" سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ... " وفي هذه الآية الكريمة إشارة واضحة إلى قدسية فلسطين كلها.. ومن هنا كان لكل العرب، ولكل المسلمين كل الحق في أن يقولوا كلمتهم في كل ما يتعلق بالقدس، وفي كل ما يتعلق بفلسطين ، وفي كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية... وهذا يعني أن فلسطين ليست ملكًا خالصًا لأهلها يتصرفون فيه كما يريدون... بل هي مِلكٌ لكل العرب والمسلمين، وهي وقفٌ إسلاميٌّ منذ الفتح، ومنذ العهدة العمرية التي وضع بنودها الخليفة العادل عمر بن الخطاب.

هذا ما يجدر برئيسة الدييلوماسية الأمريكية أن تضعه في اعتبارها وهي تذرع هذه المنطقة من العالم بحثًا عن حل لقضيّة استعصت حتى اليوم على كل الحلول... إن الشعب العربي الفلسطيني شعب مسالم، وهو شعب محبٌّ للسلام توّاق إليه.. فإذا أضيف إلى هذه الحقيقة حقيقةُ أن السيدة وزيرة الخارجية الأمريكية هي أيضًا مُحّبةٌ للسلام.. راغبةٌ فيه.. متعاطفةٌُ مع عرب هذه الديار.. متفهمةٌ لمطالبهم العادلة، ومواقفهم الثابتة من حقوقهم الوطنية المشروعة فإن أملاً في الحل يبدو ممكنًا إذا "تنازل" الطرف الآخر عن خططه ومخططاته بشأن هذه الديار.. وإذا اعترف هذا الطرف الآخر بحقوق هذا الشعب العربي الفلسطيني الثابتة في بلاده فلسطين .. وعلى رأس هذه الحقوق حقه في العودة، وتقرير المصير، والدولة ، والقدس عاصمة هذه الدولة.

إن عرب هذه الديار لا يطلبون من السيدة رايس أكثر من حقوقهم هذه التي يعتبرونها مِفتاحًا للسلام العادل الذي ينشدونه... وإن عرب هذه الديار ليأمُلون في أن تساهم وزيرة الخارجية في نقل هذه الصورة إلى صُنّاع القرار في البيت الأبيض، وعلى رأسهم الرئيس جورج دبليو بوش بهدف وضع الأمور في نصابها الصحيح، وبهدف وضع النقاط حيث يجب أن توضع.. وصياغة القرارات كما ينبغي أن تصاغ.. وحلّ هذه القضية في نهاية المطاف حلاًّ يعيد الحقوق إلى أصحابها كاملة غير منقوصة... لينعم الناس في هذه الديار بالأمن، والأمان، والاستقرار، في ظل سلام حقيقي عادل لا غالب فيه ولا مغلوب.

إن هذه القضية الفلسطينية ( التي حظيت بتعاطف الشعوب وتأييدها) هي قضية عادلة لشعب مظلوم مضطهد خسر كل شيء إلا إيمانه بحقه ، وعدالة قضيته.. وهو في كل يوم يضم إلى صفوفه مزيدًا من الأصدقاء والمؤيدين... إن معظم حكومات العالم ودوله تؤيد المطالب العادلة لشعب فلسطين العربي حتى بات المراقبون والمحللون السياسيون يوازنون اليوم بين ربيع القضية الفلسطينية ممثَّلاً في هذا الحشد الهائل من المؤيدين ،والأنصار، والمؤمنين بالحقوق الوطنية الثابتة لهذا الشعب العربي الفلسطيني في بلاده فلسطين.. وبين خريف الرئيس الأمريكي بوش حيث حَدّد منتصف شهر تشرين الثاني القادم موعدًا لعقد "مؤتمر السلام" لحلّ هذه القضية الفلسطينية بموجب ما سيتمخّض عنه ذلك المؤتمر من قرارات...   كثير من المراقبين والمحللين يتندّرون في هذه الأيام بهذه المفارقة.. فشتّان ما بين الربيع والخريف! شتّان ما بين قضية مزدهرة تجمع حولها مزيدًا من الأنصار والمؤيدين في كل يوم، ومؤتمر الخريف القادم الذي سيعقده بوش لحل هذه القضية حلاًّ لا يختلف في مجمله وتفصيلاته عمّا يريده الطرف الآخر... وليس أدلّ على ذلك من موقف الطرف الآخر المعلن من كافة القضايا التي باتت تشكّل اليوم ما يمكن تسميته بالقضية الفلسطينية .. فمواقف هذا الطرف من مسألة القدس، وحق العودة، والمياه، والمستوطنات، والمعابر، والسيادة، وغيرها هي مواقف معروفة... فلماذا لا يبادر الرئيس بوش الى طمأنة الفلسطينيين والعرب على حقوقهم في بيان أو تصريح مقتضب يتضمن اعتراف أمريكا بمسألتين اثنتين على الأقل هما : حق العودة للفلسطينيين إلى ديارهم.. وسيادتهم الكاملة على سائر أراضيهم المحتلة منذ عام سبعة وستين وتسعمئة وألف بما في ذلك القدس العربية بصفتها أرضًا محتلة مثل نابلس والخليل وغزة... لماذا لا يقوم الرئيس بوش بخطوة كهذه فيريح، ويستريح؟ وما رأي السيدة رايس في أن تضغط في هذا الاتجاه كي يكتب التاريخ أنها كانت منصفةً جادّةً في مساعيها من أجل حل هذه القضية حلاًّ عادلاً .. وكي تعود إلى طلبتها ( بعد انتهاء مهمتها) وعندها ما تقوله لهم؟ عندها سيذكر التاريخ أن وزيرة الخارجية هذه قد حاولت.. ولكنّ الرياح في هذه المرة أيضًا قد جرت بخلاف ما تشتهي السفن... ولم يكن حظ رايس بأفضل من حظ كل من سبقوها على امتداد العقود الستة الماضية!!

15/9/2007

 



Making the world a better place one message at a time. Check out the i'm Talkathon.

حوار... فيه بعض الأفكار

حوار... فيه بعض الأفكار

أ/ عدنان السمان

    قلت لمحدثي : لم أعهدك بكّاءً شكّاءً فما الذي دهاك؟ ولم كل هذا التشاوم؟ صحيحٌ أنّ أحوال كثير من الناس ليست على ما يُرام.. وصحيحٌ أن الأسعار جميعها في ارتفاع، وأن الضائقة الاقتصادية قد أصابت سائر الفئات والشرائح الاجتماعية.. ولكن صحيحٌ أن الدنيا ما زالت بخير، وأن الشدائد محكّ الرجال أيضًا ... فاصبر، وتجلّد، وكفَّ عن الأنين والنواح... قال (مقاطعًا): ألم تلاحظ أنك تستفزني بكلماتك... وأنك تستفزني أيضًا بأحكامك التي رحت تطلقها هكذا دون تمحيص ، ودون اعتبار لحقيقة ما تمر به البلاد والعباد من فتن وكوارث ونوازل؟ ألم تلاحظ – أيها الصديق – أنك قد أسرفت في التفاؤل عندما قلت إن الدنيا ما زالت بخير؟ فأين هو هذا الخير الذي تتحدث عنه يا هذا؟ هل هو في هذه المواجهات الدامية المدمرة، والحملات الإعلامية المحمومة،والأعمال الكيدية المخجلة التي ألحقت العار والشَّنار والدمار بشعبنا وكل قضاياه العادلة؟ أم هو في هذا المد الاستيطاني التوسعي الذي لن يترك شيئًا ذا بال لكل هؤلاء المفاوضين الذين يقرعون رؤوسنا منذ أمد بعيد بالحديث عن الحلول التي ستأتي بالسلام والأمن والأمان والحرية والاستقلال والعدل والحياة الكريمة لعرب هذه الديار؟ أم أنه في هذا القضاء المنهجي المبرمج على سائر فئات هذا الشعب واحدة بعد أخرى؟؟؟ ألا ترى أن فئة الفلاحين قد شُطبت،وانتهى أمرها منذ زمن بعيد بتجريدها من أرضها، واقتلاع أشجارها، وتدمير مزروعاتها، وإغلاق الطرق والأسواق في وجه ما تبقى منها كي تلفظ آخر أنفاسها بعد وضع كل هذه العقبات والعراقيل في وجهها،وبعد كل هذه المصادرات والجدران والحواجز والبوابات والمناطق المغلقة،والمحميات والمستوطنات؟؟ ثم أين هي فئة العمال البالغ تعدادها مليونًا ومئة ألف عامل وعاملة؟ إن عدد من يعمل من هؤلاء لا يتجاوز بضع عشرات الآلاف، وهو في أحسن الأحوال والتقديرات لا يتجاوز ما نسبته عشرة بالمئة منهم! أما الباقون فهم من المتسكعين العاطلين عن العمل... وما أكثر هؤلاء العاطلين في بلاد العروبة والإسلام! لا أريد يا صديقي أن أشير إلى فئة التجار والصناع والموظفين العاملين والمتقاعدين لأن الحديث في قضاياهم يطول ويطول،ويقدم الدليل تلو الدليل على أن الدنيا ليست بخير كما تدعي.. فلماذا المراوغة؟ ولماذا هذا اللف والدوران وخداع الذات،والضحك على الذقون؟ ولماذا كل هذا التفاؤل الذي لا يقوم على أساس، ولا يقوى على الوقوف أمام الحقيقة المرة..حقيقة أن الناس في هذه الديار يعيشون حياة مخيفة، وهم مقبلون على كارثة أسوأ من الكارثة التي حلت بهم في العام ثمانية وأربعين؟

قلت: أهذا كل شيء؟

قال: لا.. لا يمكن أن يكون هذا هو كل شيء .. إنني لم أقل شيئًا في الفقر الحقيقي،والجوع الحقيقي،والذل الحقيقي الذي تعيشه الغالبية العظمى من الناس في هذه الديار.. سأقول شيئًا في هذا إن كان ذلك ممكنًا...

قلت: بإمكانك أن تقول ما تريد.. إنني أسمعك، وأصغي إليك باهتمام شديد.

قال: أريد أن تدلني على طريقة أستطيع معها أن أوفق بين دخلي المحدود ومتطلبات الحياة التي نعيشها في هذه الديار.. أريد ان تبين لي كيف أستطيع تأمين أبسط أشكال التدفئة لبيتي كي نحمي أنفسنا من مخاطر هذا البرد القارس وأضراره في ظل هذا الارتفاع الفاحش في أسعار المحروقات.. وأن تبين لي كيف أدفع أجرة البيت، وثمن ما نستهلكه من ماء وكهرباء، وما نحتاج إليه من أدوية وتحاليل وفحوصات وتكاليف علاج لا يوفرها التأمين الصحي، وقيمة فاتورة" الأرضي" ولا أقول المحمول أو الجوال، أريد أن تبين لي كيف أستطيع دفع الأقساط الجامعية لثلاثة من أبنائي علمًا بأن ما يدفعه أحدهم يفوق ما يدفعه مثيله في الجامعة العبرية.. هل فهمت ما أقول؟ أقساط بعض الكليات في جامعاتنا أعلى منها في مثيلاتها" الإسرائيلية" علمًا بأن متوسط دخل الفرد هناك يبلغ اليوم أكثر من أربعة وعشرين ألف دولار في العام، ولا أدري إن كان في هذه الديار دخل ومتوسط دخل يمكن لأحد أن يتحدث عنه باستثناء هذه المنح والمساعدات التي "يجود" بها المانحون!! ثم أريد أن تبين لي كم تحتاج أسرتي المكونة من ستة أفراد للتنقل بوساطة سيارات الأجرة، وكم تحتاج للمأكل والمشرب والملبس... هل تعلم – أيها الصديق- أن أسرة مثل أسرتي ولها ولد واحد في الأسر لا يمكن أن تعيش عيش الكفاف بأقل من ألف دينار في الشهر؟؟ وهل تعلم – يا عزيزي – أن" التلفون" الذي كان يربطنا بالدنيا من حولنا مفصول منذ أكثر من عام؟ وأن البلدية تطالبنا – وهذامن حقها – بعشرة آلاف من " الشواقل" بالكمال والتمام هي مجموع ما تراكم علينا من أثمان الماء والكهرباء على امتداد السنوات القليلة الماضية؟ وأن أحد أبنائي قد اضطر لترك دراسته في الجامعة؟ وأنني لم أدفع شيئًا من أجرة البيت منذ ثلاث سنوات!! وهل تعلم أن دخل جيراني المتواضع يرصدونه لولدهم الأسير الذي يبيعونه ما يحتاج إليه هناك في الأسر بأسعار أكثر من خيالية، وأكثر من أسعار فندق سياحي!! وهل تعلم – يا عزيزي – أن وكالة غوث اللاجئيين الفلسطينيين وتشغيلهم (الأونروا ) قد قلّصت من خدماتها التي تقدمها لبعض اللاجئين الفلسطينيين .. وأن هذا التقليص لم يأت من فراغ.. بل إنه حلقة من مسلسل تصفية القضية الفلسطينية المستمر منذ أمد بعيد؟ هل سمعت – ياعزيزي- ما أقول.؟ وهل سمعت ما يُقال عن سوء العاقبة التي تنتظرنا في هذه الديار؟

قلت: وما الذي يُقال في هذا الشأن؟

قال: يقول كثير من المراقبين والمحللين السياسيين إن هذه المساعدات التي يقدمها المانحون سوف تتوقف إذا رفض الناس تقديم كل هذه التنازلات المؤلمة التي يتحدثون عنها من أجل حل هذه القضية، وسوف تتوقف بذلك الرواتب التي ما زلنا في هذه الديار نحصل على شيء منها رغم كل ما يقال فيها، ورغم كل المآخذ التي نسجلها عليها، ورغم سوء التوزيع،والظلم الكبير الذي ينطوي عليه حصول هذه الفئة أو تلك الجماعة منها !! ما الذي يمكن أن يحدث إذا توقفت هذه المساعدات بالفعل، وما الذي من الممكن أن يفعله الناس في مواجهة هذا الأمر إن هو حصل؟؟ أرأيت كيف أن هذه "المساعدات والمنح والمعونات" التي يتكرم بها المانحون إن هي إلا ثمن حريتنا، وثمن سكوتنا عما يُراد بنا.. وعما يخطط له المخططون، وينوي تنفيذه المنفذون لتصفية هذه القضية، وشطب هذا الملف الذي أرقهم وأزعجهم وقضّ مضاجعهم منذ ستين عاماً؟؟؟ أرأيت – إن صحَّ ما يقوله المراقبون- أن لقمة الخبز التي يقدمها لنا " المحسنون " هي في النهاية ثمن أرضنا وحريتنا وكرامتنا التي يريد هؤلاء وأولئك تجريدنا منها، وإضافتنا إلى قائمة الشعوب البائدة التي لا وجود لها إلا في بطون كتب التاريخ، وفي متاحف الأثريين،ودوائر علماء الآثار، وفي بعض البقع المغلقة من الأراضي التي يفرضون عليها كل أشكال التعتيم والحصار، وكل ستائر النسيان أيضًا ؟؟ أسمعت ما يقوله هؤلاء المراقبون والمحللون أم أنك بحاجة لسماع مزيد منه علّك تقف عند حدك، وعلّك تكفّ عن تفاؤلك، واستفزازاتك التي تثيرني بها كلما وجدت إلى ذلك سبيلاً ؟ قلت... لقد سمعتك جيدًا.. وأصغيت إليك... فاسمع ما أقول بإيجاز شديد: إنني متفائل، ولو كره الكارهون، وإنني مؤمن بأن كل ما يخطط له المخططون، وكل ما يحاول هؤلاء وأولئك تنفيذه بحقنا من اقتلاع وتهجيز وقفز – بالتالي – عن ثوابتنا وقضايانا العادلة التي آمنا بها إيماننا بوجودنا هو وهمٌ لا يمكن أن يوضع موضع التنفيذ، وإن كل ما يمكن أن يحصدوه هو الخيبة والفشل... ولن تكون العاقبة إلا للمتقين .. فالحق أبلج.. والباطل لجلج... ولا بد للباطل أن يزول.. ومهما طال ليل العذاب، فالصبح لا بد آت ... وإن غدًا لناظره قريب.. وإلى الملتقى أيها الحبيب.

1/12/2007



The i'm Talkaton. Can 30-days of conversation change the world? Find out now.