عزيزتي .. عزيزي
ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008
الخميس، ٢٣ آب ٢٠١٢
الأربعاء، ٢٢ آب ٢٠١٢
الاثنين، ٢٠ آب ٢٠١٢
الأربعاء، ١٥ آب ٢٠١٢
أيها المحسنون المقتدرون: هذا يومكم فاسمعون!!
الثلاثاء، ١٤ آب ٢٠١٢
إنّا أنزلناه في ليلة القدر
رمضانيات
إنّا أنزلناه في ليلة القدر
أ/ عدنان السمان
www.samman.co.nr
يقول الحق جلّ وعلا إنه أنزل القرآن الكريم في هذه الليلة المباركة ذات القدر والقيمة التي ميزتها عن غيرها من الليالي، واختصتها بالرحمة والمغفرة والسلام.. وقد كان نزول القرآن الكريم في هذه الليلة المباركة من اللوح المحفوظ جملةً واحدةً إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ليتنزل به جبريل بعد ذلك منجَّمًا بحسب الحوادث على الرسول الكريم في ثلاثٍ وعشرين سنة.. وهذه الليلة المباركة (ليلة القدر) هي إحدى ليالي شهر رمضان يقينًا، وتحديدًا في الثلث الأخير منه، وقد ذهب كثيرٌ من العلماء إلا أنها ليلة السابع والعشرين منه، وقالوا إن "ليلة القدر" مكونة من تسعة أحرف، وأنها قد كُررتْ في السورة ثلاث مرات إشارةً إلى الليلة السابعة والعشرين من هذا الشهر الفضيل.
ومهما يكن من أمر فإن ما أريد أن أشير إليه، وأشدد عليه بهذه المناسبة، هو وجوب العناية البالغة بهذه اللغة العربية، لأنها لغة هذا القرآن، ولأنه لا سبيل لفهمه إلا بإتقان هذه اللغة، ولأنه لا سبيل لهذه الوحدة الإسلامية الشاملة سياسيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا ونفسيًّا، ولا سبيل لوحدة المشاعر، ووحدة الغايات والأهداف، ووحدة السلوك والقيم إلا بفهم هذه اللغة العربية التي أُنزل بها القرآن الكريم هدًى للناس، وبيناتٍ من الهدى والفرقان.. ليكون دستور هذه الأمة، ومصدرًا رئيسًا من مصادر تشريعها، إن لم يكن مصدر تشريعها.
وعليه، فإن ما أريد قوله هنا هو أن تعلم اللغة العربية هو واجب شرعي لفهم القرآن، وواجب شرعي لضمان وحدة هذه الأمة، وواجب شرعي لضمان التجانس والانسجام في الأفكار والمفاهيم والمشاعر والأحاسيس، ولضمان عدم نشوب كل هذه الخلافات والانقسامات والانشقاقات التي نشهدها اليوم في صفوف هذه الأمة الإسلامية الواحدة التي أصبحت بسبب عدم الفهم السليم والإدراك القويم لكتاب الله العظيم، وكأنها مجموعاتٌ متناقضةٌ متخاصمةٌ متقاتلةٌ لا تربط بينها رابطة، ولا توحد بينها عقيدة، ولا يجمع بينها مبدأ إسلامي واحد واضح المناهج محدد السمات بيّن الأهداف والغايات والتوجهات.
وإن ما أريد قوله – يا عباد الله – في نهاية هذه الكلمة الموجزة بهذه المناسبة العظية أن لي مطلبًا أتوجه به إلى كافة المسئولين في بلاد العروبة، هو ضرورة الاهتمام بهذه اللغة العربية في مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا، وضرورة الاهتمام بها في كافة الوزارات والدوائر والمؤسسات ووسائل الإعلام، ودور النشر، ودوائر المطبوعات، وضرورة أن تكثف الجهود على كافة المستويات من أجل النهوض بهذه اللغة العربية، ووضع البرامج التي من شأنها أن تحقق ذلك على مستوى الوطن العربي كله، ليُصار بعد ذلك إلى نشر هذه اللغة في العالم الإسلامي، وتعميمها بشتى الوسائل على شعوب الأمة الإسلامية، وتشجيع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها على تعلم هذه اللغة للأسباب التي ذكرت، ولأسبابٍ أخرى لا تخفى على كل أبناء العروبة والإسلام.
كما أن لي مطلبًا مشابهًا أتوجه به إلى المسئولين في الشقيقة الكبرى مصر، ولا سيما في مكتب السيد الرئيس محمد مرسي، وفي مقر السيد شيخ الأزهر الشريف، راجيًا أن يكون الاهتمام باللغة العربية في مصر على سلم الأولويات، وأن يكون العمل الجاد على نشر هذه اللغة في مختلف أقطار العالم الإسلامي كذلك على رأس اهتمامات السيد رئيس الجمهورية، والسيد شيخ الأزهر الشريف، وأن توضع البرامج والمناهج الكفيلة بتحقيق ذلك.. إنني أدرك جسامة المسئوليات الملقاة على المؤسستين اللتين أتوجه إليهما بهذا المطلب، ومع ذلك فإن أملي كبير في أن يلاقي مطلبي هذا استجابة هاتين المؤسستين اللتين نكن لهما كل التقدير والاحترام، نظرًا للأهمية البالغة التي ينطوي عليها هذا المطلب، وللحرص الشديد على الفهم السليم للإسلام، وعلى وحدة هذه الأمة العربية الإسلامية في كل بلاد العرب والمسلمين.. واللهَ أسألُ أن يتوج أعمالنا بالقَبول، إنه أكرم مسئول.
14/8/2012
الأحد، ١٢ آب ٢٠١٢
هل يستعيدُ المصريون سيطرتَهم على سيناء؟؟
متابعات
هل يستعيدُ المصريون سيطرتَهم على سيناء؟؟
أ/ عدنان السمان
www.samman.co.nr
شبه جزيرة سيناء البالغة مساحتها ستةً وخمسين ألفًا من الكيلومترات المربعة، والتي تشكل جزءًا يسيرًا من مساحة مصر البالغة مليونًا ومئة ألفٍ من هذه الكيلومترات المربعة، أصبح لها بعد معاهدة "كامب ديفيد" وضعٌ خاصٌ يعرفه جيدًا كل من يطلع على بنود تلك المعاهدة، وكل من يقف على تفصيلاتها وحيثياتها، بل يعرفه جيدًا أيضًا كل من زار تلك الجزيرة بعد توقيع تلك الاتفاقات؛ فبعد هذه المعاهدة فقد المصريون كثيرًا من مظاهر السيادة على سيناء، وكثيرًا من مظاهر السيادة على كل أرض مصر، وكثيرًا من حرية الحركة في سيناء التي أصبح الإسرائيليون شركاء فيها بموجب تلك الاتفاقات التي حددت للمصريين أعداد جنودهم في شبه الجزيرة، كما حددت لهم نوعية الأسلحة التي يحملونها، وحجم هذه الأسلحة، بحيث لا تشكل أدنى خطورةٍ على الإسرائيليين الذين أصبحوا يصولون ويجولون في شبه الجزيرة، وفي سائر الأراضي المصرية كما يحلو لهم، بموجب اتفاق السلام المبرم بين "الجارين" الإسرائيلي والمصري عام ثمانية وسبعين من القرن الماضي.
لقد أسفر هذا الفراغ العسكري الذي شهدته سيناء على امتداد العقود الماضية عن فراغٍ أمني سارعت إلى ملئه القبائل المصرية المنتشرة في سيناء، هذه القبائل التي أخذت تشكل قوة متنامية على مر السنين، وأخذت تحقق المكاسب والإنجازات الخاصة بها، كما أخذت تشكل تهديدًا مباشرًا وغير مباشرٍ لسائر القوى التي تحاول التصدي لها في شبه الجزيرة، وفي أطراف شبه الجزيرة من كافة الجهات والاتجاهات.. ولقد بقيت هذه الحالة مصدر قلقٍ للأنظمة الرسمية ذات الصلة بتلك المنطقة، ومع ذلك فقد بقيت تلك الأنظمة تغمض أعينها على القذى، وتغلق أفواهها على مضض، وتحاول أن تستفيد من حالة الفلتان تلك ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.. حتى كان ذلك العدوان الذي أودى بحياة ستة عشر من العسكريين المصريين، وهم يتناولون طعام الإفطار في ثكنتهم في ذلك اليوم الذي لا يُنسى من رمضان المحبة والمغفرة والتسامح والتعاطف والتراحم والإحسان!!.
ولقد جاء الرد المصري في هذه المرة سريعًا، كما جاء على لسان الرئيس المصري محمد مرسي، وكان التحرك العسكري المصري، وتحرك المقاتلات المصرية لأول مرة منذ حرب ثلاثة وسبعين التي قال بعض أطرافها آنذاك إنها ستكون آخر الحروب، وكان الانتقام من القتلة المعتدين، وكانت هيبة مصر التي فرضتها قواتها المسلحة، وطيرانها الحربي، وكانت السيادة المصرية على شبه الجزيرة من جديد، وكان الإصرار المصري على فرض الأمن والأمان والهدوء في تلك الأرض المصرية التي أصبحت مرتعًا لذوي المصالح والمطامع والغايات والأهداف التي قد لا تنفع صديقًا، أو تضر عدوًّا.. فهل يستعيد المصريون يقينًا سيطرتهم على سيناء؟ وهل تعود القوات المسلحة المصرية إلى قواعدها ومطاراتها وسواحلها في شبه الجزيرة هذه بعد طول غيبة وغياب؟ وهل يتحرى المصريون الدقة المتناهية في الوقوف على حقيقة ذلك العدوان الذي أودى بحياة عددٍ من الأشقاء المصريين في ثكنتهم، وهل يفكر المصريون ألف مرة قبل أن يتصرفوا بردة الفعل المتسرعة تجاه قطاع غزة؟ وهل يحددون يقينًا المستفيد من ذلك العدوان، ومن سعى بالتالي لتنفيذه؟ وهل يجزمون يقينًا أنه لا مصلحة لقطاع غزة في هذا الأمر الذي جرى؟ بل على العكس من ذلك تمامًا فإن قطاع غزة هو ضحيةٌ لهذا الأمر الجلل الذي أصاب الشقيقة مصر، والأشقاء المصريين؟ ولقد أحسن صنعًا رجل الأعمال الغزي الذي قدم عشرة آلاف دولار لعائلة كل شهيد مصري قضى في ذلك العدوان، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
لقد آن لك يا أخي العربي أن تعلم أن مساحة شبه جزيرة سيناء البالغة ستة وخمسين ألفًا من الكيلومترات المربعة هي أكبر من مثليْ مساحة فلسطين التاريخية البالغة سبعةً وعشرين ألفًا وتسعةً من الكيلومترات المربعة! وتساوي عشرة أمثال مساحة الضفة الغربية البالغة " 5879كيلو متر مربع" وهي أكبر من مساحة قطاع غزة بمئةٍ وخمسٍ وخمسين مرة، إذا علمنا أن مساحة القطاع هي "362" من الكيلو مترات المربعة، وهي مساحة لا تزيد عن مساحة منطقة طوباس في أغوار نابلس.. كما آن لك يا أخي العربي أن تعلم أن من يستهدف قواتك المسلحة بأدنى سوء يستحق العقاب الرادع، فما فعله الرئيس المصري كان عين الصواب، وهو يرد على المعتدين، ويدمر أوكارهم، وما يفعله الرئيس من فرض سيطرة مصر وسيادتها على سيناء هو من أبسط حقوق مصر في السيادة على كل أرضها بشكلٍ كاملٍ غير منقوص، وبشكلٍ دائم لا مؤقت، فمصر التي استعادت سيطرتها على أرضها من الصعب أن تعود إلى التخلي عنها من جديد.. ولقد آن لك أيها العربي أن تعلم أيضًا أن من حق مصر أن تعيد بناء قواتها المسلحة، وأن تعيد تسليح هذه القوات على أنها جيش وطنيٌّ عصريٌّ مصريٌّ، لا على أنها قوات شرطة ذات مهام وصلاحيات محدودة محددة.. ولو كان الأمر كذلك في سوريا لما استطاع جيشها العربي السوري هزيمة المعتدين، ولما استطاع حماية سوريا، والحفاظ على وحدة أرضها وشعبها، ولما استطاع حمايتها من التقسيم والتفتيت والتمزيق، ولما رد عن سوريا أطماع الطامعين في تقاسم أراضيها، والسيطرة على ثرواتها ومقدّراتها.. ولكنه الجيش العربي السوري القوي هو الذي حسم هذه الحرب الكونية بتماسكه وقدراته القتالية العالية، ثم بمساعدة الأصدقاء من الشرفاء في الاتحاد الروسي والصين ودول أمريكا اللاتينية والجزائر وإيران وحركات المقاومة والممانعة في كل ديار العروبة.. نعم.. لقد كان لكل هذه الأسباب الأثر الكبير في انتصار سوريا، وثباتها على مبادئها، وخروجها مما كانت فيه أشد قوةً، وأمرَّ عودًا، وأصلب مكسرًا، وأمضى عزيمةً، وأكثر إصرارًا على إقامة المشروع العربي الوحدوي النهضوي التقدمي على كل أرض العرب.
وإلى ذلك الصديق الذي عاتبني لأنني أعتبر لواء الإسكندرون أرضًا سوريةً، ولا أعتبر سيناء كذلك أقول: هذا اللواء كان تابعًا لحلب إبان الحكم العثماني نفسه، وهو أرضٌ سوريةٌ ضمتها فرنسا إلى تركيا عام سبعةٍ وثلاثين، ومنع مصطفى كمال سوريا من استعادتها بعد ذلك مهددًا بالحرب من أجل الاحتفاظ بذلك اللواء، وبغيره من الأراضي السورية التي بقيت تحت حكم الأتراك.. أما سيناء فالأمر فيها مختلفٌ تاريخيًّا وجغرافيًّا، وهو مختلفٌ من نواحٍ أخرى كثيرة، ثم إن من يطالب دائمًا بوحدة مصرية سورية شاملة وصولاً لوحدة عربية كاملة لا يتحدث عن جولان فلسطيني! ولا يسأل إن كانت سيناء مصرية أو فلسطينية سورية، ولا يسأل عما هو أكثر من ذلك أو أقل، لأن ذلك كله سيتلاشى تمامًا في وحدةٍ اندماجيةٍ عربيةٍ شاملة، وثقافة عربية عروبية تبني للعرب صرح دولتهم العربية العظيمة التي لا مكان فيها إلا للشرفاء العرب العروبيين الأحرار الذين أقسموا على بناء دولة العروبة الحرة، وحمايتها من عدوان المعتدين، وجهل الجاهلين، وتخلف المتخلفين، وأطماع الطامعين، وغدر الغادرين، وأحقاد الحاقدين الذين لا تحلو لهم الحياة إلا بالرقص فوق جماجم الضحايا الأبرياء من أبناء هذه الأمة، ولا يحلو لهم العيش إلا بالرقص فوق أشلاء أحرار هذه الأمة وحرائرها.. خسئوا.. فلقد خاب فألهم، وطاش سهمهم، وارتد كيدهم إلى نحرهم، فأمة العرب لن تهون، والقدس لن تهون، والأقصى يا قوم في العيون في العيون في العيون، فأمة العروبة والإسلام قد صحت من غفوتها، ونهضت من كبوتها، واستفاقت من غفلتها، ووقفت شامخة عملاقة من عثرتها، وأقسمت على بناء أوطانها وتحرير إنسانها، وإقامة دولة العدل والعدالة والحرية والإنصاف والمساواة والسلام الدائم الشريف المتكافئ الذي لا غالب فيه ولا مغلوب، كي يعيش الناس جميعًا في هذا الكون بأمنٍ وأمانٍ ومحبةٍ ووئامٍ وسلام.
12/8/2012
هذا هو القضاء في الإسلام!!
رمضانيات
هذا هو القضاء في الإسلام!!
أ/ عدنان السمان
www.samman.co.nr
حرصت البشرية منذ البدايات الأولى لنشأة المجتمعات على إشاعة شيء من الأمان والطمأنينة في حياة الناس يسمح باستمرار هذه الحياة بعيدًا عن مخاطر الوحوش الكاسرة، والزواحف السامة، وكوارث الطبيعة، وتقلباتها المختلفة ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً..وبعيدًا أيضًا عن هجمات الوحوش الآدمية على الناس، واعتداءاتها عليهم في أرواحهم وأموالهم وممتلكاتهم.. هذه الهجمات والغارات والاعتداءات التي يقوم بها عدو خارجي وتسمى الحروب، أو عدو داخلي، وهو ما يسمى – في العادة – بقاطع الطريق، أو الخارج على القانون..وهكذا حرصت البشرية أيضًا على سن التشريعات والقوانين التي تحمي المجتمعات من عبث هؤلاء العابثين وعدوانهم.. وهكذا كان لا بد من مولد القضاء لحل الخلافات والمنازعات بين الناس، ولحماية الضعيف من القوي، والفقير من الغني، أو الغني من الفقير، والقوي من الضعيف في بعض الأحيان!!
لقد مرت البشرية منذ فجر التاريخ بسلسلة طويلة من التجارب سنت خلالها كثيرًا من التشريعات، وأصدرت كثيرًا من الشرائع والقوانين لمعالجة الشأن الداخلي، وحماية الإنسان، وعرفت الأمم على مر التاريخ ألوانًا متفاوتة من القضاء في شتى مجالات الحياة نجح بعضها، وأخفق بعضها الآخر، ولكنها تشابهت في أمر واحد هو أنها لم تقم عدلاًً، ولم ترفع ظلمًا، ولم تحسم أمرًا في أغلب الأحيان.. فالقاضي - مذ كان القضاء – يحكم بحسب البينات، وأقوال الشهود، وأقوال المتخاصمين وادعاءاتهم.. وفي أيامنا هذه يلعب المحامون دورًا كبيرًا في سير القضاء، وتوجيه القضاة، وإصدار الأحكام..وفي أيامنا هذه أيضًا تلعب مراكز القوى دورًا أكبر في التحكم بأحكام القضاة، وتمويت كثير من القضايا.. وهذا يعني أنه، وعلى الرغم من نزاهة كثير من القضاة في الماضي والحاضر، وفي شرق الدنيا وغربها، وعلى الرغم من حرص كثير منهم على إحقاق الحق وإزهاق الباطل، وعلى الرغم من وقوف قوًى كثيرة في المجتمعات إلى جانب القضاة الذين يحترمون رسالة القضاء، ويعملون بمهنية عالية وشفافية ونزاهة، إلا أن النتائج في كثير من الأحيان تأتي مخيبة للآمال، والرياح في كثير من الأحيان تجري بما لا تشتهي السفن... وهذا يعني - باختصار شديد - أن القضاء في هذا الزمان قلَ أن يحق حقًًّا، أو يحقق عدلاً، أو ينصف مظلومًا، أو ينشر أمنًا وأمانًا لأسباب منها ما يتعلق بالقوانين حينًا، وبشخصية القاضي، وبالممارسات والضغوط التي يتعرض لها حينًا آخر.
وهنا لابد من القول إن القضاء في الإسلام شيء مختلف.. لا أقول هذا من باب التعصب، وإنما أقوله وأنا واثق من صحة ما أقول، مدعمًا هذه الثقة بما يلزم من أدلة وإثباتات مقنعة لا لبس فيها ولا غموض.. فالقضاء في الإسلام أولاً وقبل كل شيء هو جزء لا يتجزأ من عقيدة إيمانية متكاملة حرًمت الظلم، وحرّمت الكذب، وحرمت الاعتداء على الناس في أرواحهم وأموالهم وممتلكاتهم.. والقضاء في الإسلام حرٌّ نزيه مستقل لا يجوز لرأس الدولة أن يتدخل فيه، بل إن خليفة المسلمين كثيرًا ما مثل أمام القاضي، وكثيرًا ما حكم القاضي ضده لصالح مواطن عادي اعتدى عمال الخليفة على أرضه أو على جزء منها بأن ضموها إلى أرض الخليفة المجاورة لأرضه، فأعادها القاضي إلى صاحبها !!
ولا بد من القول أيضًا إن منصب القضاء كان لا يسند إلا لمن عرف بين الناس بالورع والتقوى والذكاء والجرأة وقوة الشخصية من الفقهاء الأكفياء المشهود لهم بالزهد في الدنيا، ومقارعة السلطان الجائر.. لا حاجة بنا هنا لضرب الأمثلة حتى لا يتحول الكلام عن القضاء في الإسلام إلى كلام عن القضاة، وكلام عن أعلام الإسلام.. فالأمثلة على هذا كثيرة تضيق بها بطون الكتب.. ولكن ما ينبغي قوله هنا هو أن مفهوم القضاء في الإسلام يأتي منسجمًا والحديث النبوي الشريف:" إنما أنا بشرٌ مثلكم، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعضكم الآخر، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذ منه شيئًا، فإنما أقضي له بقطعة من النار". وهكذا يبكي الخصمان في مجلس الرسول - أول قاضٍ في الإسلام – ويقول كلٌّ منهما لصاحبه: حقي لك !!
هكذا كان القضاء في الإسلام جزءًا من كل إيماني يحرم الكذب والعدوان وأكل مال الناس.. لا جزءًا لا يتجزأ من عمليات نصب واحتيال على القانون، وتلاعب بالألفاظ وعلامات الترقيم، والتفسيرات المختلفة للقوانين، والضغوط على القضاة، أو إغرائهم، والضغوط – كذلك – على هذا الخصم أو ذاك كي يتنازل عن القضية، أو عن حقه فيها، وإلا فإنه سيخسر كل شيء، وسيندم أشد الندم... إلى ما هنالك من تهديدات لها أول، وليس لها آخر...
من مزايا القضاء في الإسلام أن مهمة القاضي تنحصر في إعادة الحق إلى صاحبه، ومعاقبة المعتدي بالاستناد إلى قوة الدولة التي تضع كافة إمكاناتها تحت تصرف القضاة التي أنيطت بهم مهمة إشاعة العدل والأمن والأمان والاستقرار بين الناس.
الخميس، ٩ آب ٢٠١٢
سيكتب التاريخ...!!
متابعات
سيكتب التاريخ...!!
أ. عدنان السمان
www.samman.co.nr
لست أدري لماذا يحضرني في هذه اللحظات قول شاعرنا العربي: من يهن يسهل الهوان عليه// ما لجرح بميت إيلامُ !! ولست أدري لماذا تتراءى لي شعوب هذه الأمة العربية في هذه الظهيرة الملتهبة من رمضان في هذا اليوم الثامن من شهر آب، وهي تحمل السلاح، وتجتاز الحدود، وتطلق النار، وتحرق الزروع والأشجار والأطيار، وتقتل النساء والأطفال والرجال والكبار والصغار.. لست أدري لماذا يصر العربي على قتل العربي، ولماذا يصر على نسف مكتسباته، وتدمير إنجازاته، وإحراق بيته ومزروعاته، ومدارس أطفاله، وجامعات أبنائه ومعاهدهم ومشافيهم ومصانعهم ومكتباتهم ومراكز دراساتهم وبحوثهم وأبحاثهم، ووسائل إعلامهم ودور نشرهم وطباعة كتب أبنائهم المدرسية والثقافية والعلمية والفكرية والجامعية .. لست أدري لماذا يهاجم العربي العربي ، ويقتل العربي العربي، ويمزق العربي جسد العربي ، ويغتصب العربي بنات العربي وأخواته، ولا يتورع بعد ذلك عن قتلهن وإحراق أجسادهن!!! هل حصل مثل ذلك في تاريخ الشعوب والأقوام يا قوم؟ هل فعل شيئًا من هذا الغزاةُ الذين تقاطروا على هذه الديار من شرق الدنيا وغربها؟ أم أن ما يفعله بعضنا ببعضنا الآخر في هذه الأيام هو أشد وأنكى مما فعله الغزاة بأهل هذه الديار في فترات سابقة من التاريخ، بل منذ فجر التاريخ؟ وأشد وأنكى أيضًا من كل ما فعلته الوحوش في الإنسان في تلك المرحلة المتقدمة من تاريخ البشرية التي سكنت معها الكهوف والمغاور، وعاشت في الغابات مثل كثير من حيواناتها ووحوشها!! هل صحيح أن الوحوش في تلك المراحل من تاريخ البشرية قد فعلت بالإنسان ما يفعله الإنسان بالإنسان في هذه المرحلة من الزمان الذي تطورت فيها البشرية، وادعت فيها الحضارة والتقدم، في الوقت الذي مارست فيه ما لم تمارسه وحوش الغاب، واقترفت فيه من الجرائم والموبقات ما لم يقترفه الغزاة الذين أطبقوا على هذه الديار من شرق الدنيا وغربها؟ فلماذا يحدث كل هذا ؟ ولمصلحة من يحدث كل هذا؟ وأي عار وشنار يلحقه كل هذا بهذه الأمة التي كانت في يوم من الأيام خير أمة أخرجت للناس؟
أيهما يؤلم النفس أكثر منظر ذئب أو كلب ينهش جسد طفل أو امرأة، أم منظر إنسان يذبح طفلاً أو امرأةً، ثم يحرق هذا الطفل، ويقطّع جسد هذه المرأة بعد أن يغتصبها؟ وأيهما يؤلم النفس ويعذبها أكثر منظر عدو يجتاح بلدًا فيقتل من أهله من يقتل ، ويأسر من يأسر، ليسيطر على هذا البلد طمعًا في موارده، أو حبًّا في السيطرة عليه وضمه إلى ممتلكاته، أو رغبة في اتخاذه طريقًا لمواصلاته وطرق تجارته البرية أو غير البرية، أم منظر إخوان يتكلمون لغتكم، ويؤدون شعائركم، ويندسون بينكم: يروعونكم، ويذبحونكم ويقتلونكم ويستبيحون أعراضكم وينهبون بيوتكم قبل أن يفجّروها فوق رؤسكم، أو بعد ان يجلوكم عنها في أحسن الأحوال إلى العراء؟؟.
لقد كتب التاريخ أن هذه الأمة كانت قوية متماسكة ذات يوم، وأنها كانت منتصرة غازية قادرة مقتدرة مرهوبة الجانب ذات يوم، وأنها كانت عزيزة متحضرة متطورة ذات يوم، وكانت غير ذلك في فترات مختلفة من التاريخ.. ولقد كتب التاريخ أيضًا أن هذه الأمة كانت موحدة حينًا ممزقة حينًا آخر تخضع أجزاء من أوطانها لغزاة طامعين، ثم لا تلبث ان تتحرر، ولا تلبث أن تتوحد من جديد.. ولقد كتب التاريخ ان بعض ملوك هذه الأمة قد تحالفوا مع أعدائها، وقد حاربوا في صفوف أولئك الأعداء، ولكنهم سرعان ما بادوا ، وسرعان ما حلت عليهم لعنة ربك، ولعنة ملائكته، ولعنة الناس أجمعين.. لقد كتب التاريخ كثيرًا من هذا، وكثيرًا من غيره أيضًا، ولكنه لم يكتب أن العربي قد هان ، وأن العربي قد طأطأ رأسه للعدوان ، وأن العربي قد باع أرضه وعرضه وشرفه لغاز طامع في أرضه.. صحيح أن تاريخ العرب قد أشار إلى فئة أو فئات خانت الأوطان، وتحالفت مع أعدائها.. وصحيح أن تاريخ العرب يروي أن كثيرًا من ملوكهم البائدين قد كان على هذه الشاكلة أيضًا، ولكن التاريخ لم يكتب يومًا أن الشعوب قد سارت على نهج أولئك الملوك المتحالفين مع أعداء هذه الأمة، ولم يكتب أن الشعوب قد اختارت التبعية للعدو، وأنها قد فضلت ذلك على التصدي له والخروج لمقارعته، حتى وإن كان الملك خائنًا متواطئًا مع هذا العدو أو ذاك.. إن من يقرأ تاريخ هذه الديار تذهله هذه التناقضات التي عاشها الناس في هذه الديار، ولكنه يخرج بحقيقة تقول إن الناس في أغلب الأحوال كانوا بخير، وإن الشعوب في أغلب الأحوال قد تصدت للعدوان والمعتدين، وإن روح المقاومة والمقارعة والتصدي قد بقيت قائمة في الأمة، وإن العلماء والفقهاء كانوا هم القادة الذين يوجهون الأمة، ويحرضونها على القتال، وهم القادة الذين كانوا يحاكمون القادة المتخاذلين والملوك المتواطئين مع أعدائهم على أوطانهم وشعوبهم.
لم يكتب التاريخ يومًا أن العرب كانوا شعوبًا وقبائل ومجموعات وتجمعات وأفرادًا وحكامًا يخضعون للأجنبي، ويتحالفون معه، ويساعدونه على من لم يدخل في حلف العدو من إخوانهم وبني جلدتهم .. ولم يكتب التاريخ يومًا ما يكتبه في هذه الأيام من إصرار بعض العرب على القيام بهذه الحرب الشاملة المدمرة على بلد عربي نيابة عن الأجنبي، لا لشيء إلا لأنه يزرع أرضه، ولا لشيء إلا لأنه يبني هذا البلد كما ينبغي أن يكون البناء الاقتصادي العسكري الثقافي العلمي، وكما ينبغي أن تبنى المؤسسات والجامعات والمدارس والمعاهد والمشافي، وكما ينبغي أن تقام المصانع والقناطر والجسور والشوارع، وكما ينبغي أن تكون الصناعات العسكرية والمدنية التي تخطو بالبلد خطوات وخطوات إلى الأمام، بحيث تضعه في مصاف الأقطار المتقدمة التي تحسب لها القوى الدولية ألف حساب وحساب.
إن الذي سيكتبه التاريخ- يقينًا- أن كل هؤلاء المسلحين الذين تزج بهم أقطار الجوار، وغير أقطار الجوار إلى هذا البلد بهدف تدميره وإحراقه وتخريبه وإضعافه ونشر الخوف والرعب فيه وترويع أهله وتهجيرهم وتقتيلهم وإحراق مزارعهم ومصانعهم ومساكنهم ومدارس أطفالهم وتقسيم وطنهم وتمزيقه وتفتيته .. إن الذي سيكتبه التاريخ أن كل هؤلاء قد فشلوا في تحقيق أهدافهم على الرغم من الأموال التي تتدفق عليهم بدون حساب، وعلى الرغم من الأسلحة التي تتدفق عليهم بدون حساب، وعلى الرغم من كل أجهزة الاتصالات ، وكل وسائل الدعم والإسناد والتوجيه والإمداد التي تزودهم بها دول الغرب بشقيه وأتباعها وتوابعها وأدواتها في هذه المنطقة من العالم، وفي كثير من أقطار العروبة والإسلام ممن تنكروا لعروبتهم، وتنكروا لإسلامهم.. نعم سيكتب التاريخ أن كل هؤلاء الأعداء الذين تكالبوا على هذا البلد العربي، وعلى جيش هذا البلد العربي الأبي، وعلى حلفاء هذا البلد العربي في هذه المنطقة من العالم، وفي غير هذه المنطقة من العالم قد فشلوا في تحقيق شيء من أهدافهم وغاياتهم.. صحيح أنهم قد قتلوا وأحرقوا وخربوا ونهبوا وسلبوا وخطفوا واغتصبوا ، وصحيح أنهم قد روعوا وأرهبوا وأرعبوا وعذبوا، ولكن صحيح أيضًا أنهم قد انتحروا على أبواب دمشق، وأسوار دمشق، وأنهم قد انتحروا على أبواب حلب، وأسوار حلب، وبوابات حلب، وأحياء حلب، وصحيح أيضًا أن سيوف بني حمدان، وفارس بني حمدان، وسيوف أبي الطيب شاعر العرب والعروبة قد مزقتهم شر ممزق، وقد ردت كيدهم إلى نحرهم، فمنهم من قتل، ومنه من أسر، ومنهم من تمكن من الهرب، وهو يجرر ذيول الخيبة، ويتجرع كؤوس المذلة والمرارة والهوان .. فهذه هي الشام.. هذه هي الشام.. هذه هي أحب بقاع الأرض إلى الله، وأحب بقاع الأرض إلى رسوله حبيب الله: اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا: اللهم بارك لنا في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس.. أفبعد هذا الحديث يريدون حديثًا؟ وما هو هذا الحديث الذي يريده هؤلاء بعد هذا الحديث يا كل عباد الله؟؟.
سيكتب التاريخ-يا قوم- أن كل هذه الأخلاط المتناقضة من المأجورين الخونة الضالين المضلين والمتخلفين والطامعين والمرتبطين بالأجندات الأجنبية قد هُزمت شر هزيمة، وأن هذا البلد العربي الحر الأمين الذي دأب على صنع التوازن الاستراتيجي لأسباب نعرفها جيدًا قبل أربعين عامًا قد تمكن من تحقيق أهدافه، وقد أصبح قويًّا بالشعوب التي تلتف من حوله، وبالقوى الشعبية التي تؤيده وتناصره، وبالدول الصديقة القوية الفاعلة التي تقف إلى جانبه جهارًا نهارًا، وبسواعد أبنائه، وبسواعد قواته المسلحة التي أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أنها على مستوى الحدث، وأنها على مستوى المسئوليات المناطة بها، والمسندة إليها، وأنها فعلاً سياج الوطن ودرعه، وأنها القوة التي بات يحسب لها ولحلفائها وأصدقائها ألف حساب وحساب في هذه المنطقة من العالم، وفي هذا العالم بأسره.
وسيكتب التاريخ أن هذا البلد العربي الأبي العصي على الكسر قد انتصر على كل أعدائه في هذه الحرب الكونية التي فرضت عليه، وأنه قد خرج منها أشد قوة، وأمضى عزيمة، وأنه سيسهم –يقينًا- في صنع النظام العربي الجديد، وأنه سيستعيد كافة أراضيه التي سلخت عنه، وفصلها عنه الغزاة المحتلون ذات يوم.. نعم سيستعيد كل هذه الأراضي التي أقيمت عليها كل هذه الكيانات في غفلة من الزمن ذات يوم، ولن يكون في هذه الديار إلا أهلها الشرفاء المخلصون المقاومون الذين يسيرون على هدًى من ربهم ويفعلون ما يؤمرون. ولسوف تكون هذه الديار المباركة المقدسة منطلقا للمشروع العربي الواحد الموحد على أرض العرب من المحيط إلى الخليج ولو كره الكارهون، والله أكبر والنصر للعروبة والعرب الشرفاء الأحرار. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.صدق الله العظيم.
9/8/2012
في ذكرى فتــح مكـــة
رمضانيات
في ذكرى فتــح مكـــة
أ/ عدنان السمان
كان طبيعيًّا بعد أن نقضت قريش صلح الحديبية أن يقرر الرسول الكريم دخول مكة فاتحًا ، وكان طبيعيًّا أن يستعد لهذا الحدث الكبير في سرِّيَّة وتكتّم شديدين ، وكان طبيعيًّا أيضًا أن يكون عليه السلام حريصًا كل الحرص على عدم إراقة الدماء ، وأن يتم الفتح سلمًا لا حربًا حفاظًا على حرمة مكة وقدسيتها .
في اليوم العاشر من رمضان من السنة الثامنة للهجرة خرج الرسول الكريم من المدينة قاصدًا مكة في جيش من عشرة آلاف مقاتل ، وفي الطريق انضم إليهم العبّاس عم الرسول ، وعلى مسافة ثمانية أميال من شمال غربي مكة ، توقف جيش الفتح في مر الظهران ، وقد انضم إليه هناك كثير من رجال القبائل ممن دخلوا في الإسلام.
كانت قريش تشعر بالخطر المحدق بها نتيجة نقضها العهد ، ولكنها لم تكن تدري بأمر هذا الجيش .. لقد كانت تستبعد أن يحدث هذا في شهر الصيام !! شيء ما دفع أبا سفيان للخروج مع اثنين من زعماء قريش لاستطلاع الأخبار ، وكان أن التقى العباس أبا سفيان في منطقة الأراك ، فصرف صاحبيه ، وتوجه مع العباس صوب الرسول الكريم ، وكان الاتفاق على دخول مكة سلمًا لا حربًا .. لقد ذهل أبو سفيان وهو يرى كتائب النصر تمر من أمامه في استعراض مهيب ، وعاد مسرعًا إلى مكة ليخبر أهلها بما رأى، وليخبرهم بأن من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن !!
وفي يوم الجمعة المصادف لليوم العشرين من رمضان من السنة الثامنة للهجرة تقدمت الأرتال الأربعة التي شكلها الرسول الكريم نحو أهدافها في قلب مكة (وكانت: رتل أبي عبيدة عامر بن الجرّاح ويتألف من المهاجرين -وقد رافقه الرسول الكريم بكتيبة الخضراء- ورتل سعد بن عبادة ، وهو رتل الأنصار ، أما الرتل الثالث فهو رتل الميمنة بقيادة خالد بن الوليد ، وأما الرابع فكان رتل الميسرة بقيادة الزبير بن العوام) دون أن تواجه أدنى مقاومة ، حتى إذا وصل رتل خالد بن الوليد الى أسفل مكة اعترضه بعض مقاتلي قريش، وفيهم بعض بني بكر، وبعض الأحابيش ، وعلى رأسهم عكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أميه ، وسهيل بن عمرو، وكان اشتباك قتل فيه كثير من المشركين، واثنان من رتل خالد كانا قد ضلاّ طريقهما، وابتعدا عن الرتل ... ولقد كانت هذه الحادثة من الأمور التي أسف لوقوعها الرسول الكريم الذي كان حريصًا على دخول مكة سلمًا لا حربًا رغم كل الاستعدادات العسكرية، وكل مظاهر القوة، ورغم الأرتال العسكرية التي دخلت مكة من كل جهاتها .. نعم .. كان الرسول القائد حريصًا على أن لا يُسفك دمٌ في مكة .. ولكنّ هذا ما حدث .
شيء آخر أزعج الرسول القائد وأغضبه ، وهو أنه في اليوم الثاني للفتح قتلت بنو خزاعة عدوًّا لهم مشركًا رأوه في مكة ، فخطب الرسول في رجاله وكان مما قاله : يا أيها الناس إن الله حرّم مكة يوم خلق السموات والأرض ، فهي حرامٌ من حرامٍ إلى يوم القيامة ، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دمًا ، ولا يعضد فيها شجرًا ، لم تحلل لأحد كان قبلي ، ولا تحل لأحد يكون بعدي ...
ولقد غضب الرسول الكريم أيضًا مما فعله خالد بن الوليد في بني جُذيمة .. ذلك أن الرسول الكريم بعثه في سرية إلى بني جذيمة ، وهم من كنانة ، ومنازلهم في جنوب مكة داعيًا إلى الإسلام ، ولم يبعثه مقاتلاً .. لما رأى بنو جذيمة خالدًا أخذوا سلاحهم ، واستعدوا للقتال ، فطلب منهم خالد أن يلقوا سلاحهم لأن الناس أسلموا ، فقالوا: نحن مسلمون، فلما سألهم عن السلاح قالوا إن بينهم وبين بعض العرب عداوة ، فخافوا أن يكون خالد وجنده بعض هؤلاء .. ولم يزل خالدٌ بهم حتى ألقوا سلاحهم ، وعندئذ أمر فكتفوا ، وقتل منهم من قتل ، فلما انتهى الخبر إلى الرسول الكريم رفع يديه وقال : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ، ثم دعا عليًّا بن أبي طالب وقال له : اخرج إلى هؤلاء ، فانظر في أمرهم ، واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك ، فخرج علي إليهم ، ومعه مال أعطاه إياه الرسول الكريم ، ففدى لهم الدماء، وما أصيب لهم من الأموال ، ووزع عليهم ما بقي من المال.
على الرغم من أن يوم فتح مكة كان عيدًا حقيقيًّا للرسول الكريم ، وللمسلمين جميعًا ، وبخاصة المهاجرين الذين عادوا في هذا اليوم إلى أرض الوطن ، وعلى الرغم من أن ذلك اليوم كان يومًا من أيام الإسلام الخالدة التي أعز بها الله دينه ، ونصر نبيه بهذا الفتح المبين ، وعلى الرغم من أن الرسول الكريم كان في الأحوال العادية واسع الصدر بعيدًا عن الغضب إلا أنه غضب غضبًا شديدًا رغم الفتح المبين ، ورغم الفرحة التي عمت كل صفوف المسلمين: غضب الرسول الكريم لأن دمًا قد سفك في مكة، وكان من الممكن أن لا يسفك، وغضب الرسول لأن ظلمًا قد وقع ، وكان من الممكن أن لا يقع، وغضب الرسول الكريم ، وخرج عن طبعه في يوم الفرحة الكبرى لأنه كان يخشى على هذه الأمة من سفك الدماء !! ولأنه كان يرسي دعائم دين ودنيا لهذه الأمة بعيدًا عن الظلم والقتل وسفك الدماء ... فماذا عسى أن يقول نبي هذه الأمة في كل هذا الذي يحدث اليوم في كل ديار العروبة والإسلام ؟؟
الثلاثاء، ٧ آب ٢٠١٢
المتناقضون...!!
مواجهات
المتناقضون...!!
أ/ عدنان السمان
www.samman.co.nr
قال محدثي: من أراد أن يعيش هانئًا، هادئ البال، قرير العين، منسجمًا مع نفسه، بعيدًا عن التناقض في القول والعمل، فليكن صادقًا مع نفسه، ومع غيره من الناس، وليكن بعيدًا كل البعد عن التبعية لأحد، وليكن ممن يجيدون التمسك بأفكارهم ومبادئهم، وممن يحسنون الدفاع عن قضايا أممهم وشعوبهم، وممن يحسنون الدفاع أيضًا عن أفكارهم ومبادئهم ومواقفهم التي تقتضيها هذه الأفكار، وتستوجبها هذه المبادئ.. ومن أراد أن يكون ذا شخصيةٍ مؤثرةٍ في توجهات الناس من حوله، فاعلةٍ في سير الحوادث والأحداث، متفاعلةٍ معها، متأثرةٍ بها، مؤثرةٍ فيها، فليكن مؤمنًا بما يقول، مؤمنًا بالمبادئ والأفكار التي يتبناها، ويدعو إليها، ويعمل من أجل تسويقها؛ فالإيمان يمنحه التوازن، ويكسبه الاتزان، ويعطيه القدرة على محاورة الآخرين وإقناعهم، الأمر الذي يؤدي إلى انتصار الفكرة التي يتبناها، ويدعو إليها.. وقد لا يؤدي كل ذلك إلى انتصارها أيضًا ولكنه –يقينًا- يؤدي إلى شعورٍ عميق في نفس صاحبها بالارتياح لأنه حاول، ولأنه بذل جهده، وقام بواجبه، ثم إنه سيظل يعمل من أجل كسب مزيدٍ من الأنصار والمؤيدين لفكرته، وسيظل يعمل من أجل تمحيص هذه الفكرة وتطويرها، وتخليصها من الشوائب، وإخضاعها للمنهج العلمي في البحث، وتقريبها من أفهام الناس، ومن مدارك النخب الثقافية والسياسية والاجتماعية والإعلامية، وحشد المؤيدين والأنصار وصولاً إلى القوة والانتشار والرواج والانتصار.. إن الإيمان والمثابرة والصدق مع النفس أمورٌ لا بد منها، ولا غنًى عنها لكل مشتغلٍ بالفكر، ولكل مشتغلٍ في القضايا العامة التي غالبًا ما تتوقف عليها مصائر البلاد، ومصائر العباد، وغالبًا ما تؤدي إلى الهدف المنشود إن كان المشتغلون فيها من المخلصين العاملين الأوفياء الأكفياء المثابرين المؤمنين بما يقولون ويفعلون، وقد تؤدي إلى عكس ذلك إن كانوا غير ذلك، وقد يطول أمد هذه النتيجة العكسية على أرض الواقع، وقد يقصر، بحسب الاستمرار بالنهج المؤدي إليها، أو العدول عنه إلى سواه، وهكذا تكون النتائج –على الأغلب- وليدة المقدمات، لا عشوائيةً تصنعها المصادفات كما يقول أصحاب هذه النظريات والتوجهات.
قلت لمحدثي: لم أفهم شيئًا مما قرعت به رأسي في هذا الصباح الرمضاني الملتهب من شهر آب.
قال: اسمعني جيدًا: لقد كنت، ولا أزال، وسأبقى ضد القمع والظلم والاستبداد الذي قد تمارسه الدول، ويمارسه كثير من الأفراد أيضًا خارج إطار هذه الدول، أو داخل هذا الإطار.. كما كنت، ولا أزال، وسأبقى إلى جانب حقوق الإنسان التي نصت عليها الشرائع السماوية والأعراف والقوانين الدولية، وأنت تعلم أنني قد تعرضت بسبب هذه الأفكار والمواقف لألوانٍ شتى من العقوبات منذ عقود.. وأنت تعلم أنني لم أتغير على الرغم من كل وسائل الإغراء والوعيد... فما الذي يحدث اليوم يا عزيزي؟ ما كان حتى الأمس القريب فضائل يثاب عليها الإنسان أصبح اليوم في عرفهم رذائل يُعاقَب عليها!! وأما الحريات التي يرفعون لواءها، ويتشدقون بها، ويحاربون من يتهمونهم بقمعها، فهي سلاحهم ضدي!! يحاربون هذه الجهة أو تلك، وهذه الدولة أو تلك بدعوى أنها تقيد الحريات العامة، وتكمم أفواه الناس، وفي الوقت نفسه يحاربونني بهذا السلاح، ويصادرون حقي في القول والتفكير والتعبير، وهذا أمرٌ في غاية الغرابة والتناقض بعد خمسين عامًا أو يزيد قلت خلالها كثيرًا مما أريد، ولكي تتضح معالم الصورة أكثر فإن هذه الإجراءات التعسفية الظالمة إما أن تكون موجهةً ضدي لأسبابٍ شخصية فهي باطلة، وإما أن تكون صادرةً لأسبابٍ إدارية مهنيةٍ وهي أيضًا باطلة، وإما أن تكون الأسباب سياسيةً وهي هنا أكثر من باطلة، مهما كان المستوى الذي صدرت عنه، لأنه ليس من حق أحد غريبًا كان أو قريبًا، كبيرًا أو صغيرًا، أن يمنعني من قول ما أريد، ولا سيّما إذا كان هذا الذي أقوله مستوفيًا كل شروط الخُلُق والأدب، ومستوفيًا كل شروط النشر، ومراعيًا كل أخلاقيات المهنة، ومتمتعًا بالحد الأقصى من سمو الفكر واللغة والأسلوب!!! لا أعتقد أن من حق أحد أن يقيد حريتي بعد كل هذه التجارب، وبعد كل هذا العمر، وبعد كل هذا الإنتاج الغزير الوفير في ميادين الأدب والثقافة والسياسة والفكر، ولا أعتقد أن أحدًا من الممكن أن يربح قضيةً وقف فيها ضد أبسط حقوق المواطن، وضد أبسط حقوق الكاتب والمؤلف، وضد أبسط الحقوق السياسية التي كفلها قانون البلد، وسائر القوانين المرعية في هذا المجتمع الدولي، ووقف فيها أيضًا ضد نفسه، فكان متناقضًا، وكان معتديًا متجاوزًا كل الحدود!!.
قلت: هوّن عليك يا رجل، من يسمعك يظن أن الأرض قد زلزلت زلزالها، وأن الأرض قد أخرجت أثقالها!! إن كثيرًا من الأمور التي ذهبت في تفسيرها كل مذهب هي أبسط كثيرًا مما تتصور.. وإن هنالك تفسيراتٍ كثيرةً لم تتطرق إليها مما تقتضيه ظروف العاملين، وضغط العمل، ولا سيّما ونحن في صيف حار، ونتائج امتحان عام، وموسم زيارات صيفية، وقُرب افتتاح المدارس والمعاهد والجامعات، هذه القضية التي تثيرها هنا يمكن أن تُسوى في أقل من دقيقةٍ تتحدث فيها إلى رأس العمل، وأنا واثقٌ؛ أن الأمور ستسوى إن كانت هنالك أمور كهذه التي تتحدث عنها، وثق أيها الإنسان أن التناقضات في هذا الوجود كثيرة، وأن المتناقضين كُثرٌ، وأن أسباب ذلك كثيرة، وثق أنني سأثير هذه القضية على أعلى المستويات، لا لأنها قضيتك، ولكن لأنها مما يتعلق بشكلٍ من ديمقراطية هذا الشعب وحريته التي يفخر بها ويفاخر، وهي عندنا "سكر زيادة" كما كان يقول الراحل ياسر عرفات.
7/8/2012
الأحد، ٥ آب ٢٠١٢
في ذكرى قصف هيروشيما...
متابعات
في ذكرى قصف هيروشيما...
أ.عدنان السمان
الجو صاف، والمدينة تعجّ بالحياة والحركة، والناس في أعمالهم، أو هم في طريقهم إليها في صبيحة ذلك اليوم السادس من آب من العام الخامس والأربعين من القرن الماضي، وقبل سبعةٍ وستين عامًا بالكمال والتمام من يومنا هذا في بلدنا هذا الذي كان يومها يكافح للحصول على حريته واستقلاله من الانتداب البريطاني على فلسطين.. عندما تسللت إلى سماء هذه المدينة اليابانية ( الواقعة على جزيرة (هونشو) وتشرف على خليج (هيروشيما) عاصمة محافظة هيروشيما، وأكبر مدنها) إحدى الطائرات الأمريكية (إينولا جيي) بقيادة الطيار الكولونيل (بول تيبتس) لتسقط قنبلة يورانيوم زنتها أكثر من أربعة أطنان ونصف، واسمها (ليتيل بوي) من ارتفاع مقداره ألف وتسعمائة وثمانون قدمًا على جسر (إيووي) وهو واحد من إحدى وثمانين جسرًا تربط ما بين الفروع السبعة في دلتا نهر (أوتا) وذلك في تمام الساعة الثامنة وخمس عشرة دقيقة من صبيحة ذلك اليوم من أواخر ولاية الرئيس الثاني والثلاثين للولايات المتحدة (فرانكلين روزفلت).
صاعقة مذهلة من البرق الخاطف تقدَّر بعشرات الآلاف من الصواعق أومضت في لحظة واحدة، ثم دوّى انفجار هائل، وفجأة ساد المكان ظلام تام.. كل هذا حدث خلال دقيقة واحدة بعد إلقاء تلك القنبلة في الساعة الثامنة وخمس عشرة دقيقة، وخلال هذه الدقيقة أيضًا ( أي في الساعة الثامنة وست عشرة دقيقة) كان ستة وستون ألفًا من سكان مدينة هيروشيما قد قتلوا، وكان تسعة وستون ألفًا قد أصيبوا بجراح وحروق شديدة، وكان سكان هذه المدينة البالغ عددهم آنذاك ثلاثمئة وخمسين ألف إنسان يبكون ويصرخون ويهيمون على وجوههم كالأشباح وسط ظلام دامس يلف مدينتهم بعد أن كانت منذ دقائق قليلة تعج بالحياة والحركة..وقد ارتفع عدد قتلى تلك القنبلة إلى مئة وأربعين ألفًا...وبعد ثلاثة أيام فقط، وفي التاسع من شهر آب من ذلك العام ألقى الأمريكيون قنبلة ثانية على (ناغازاكي) بلغ عدد قتلاها خمسة وسبعين ألف ياباني، بدعوى أن اليابانيين لم يستسلموا بعد تلك القنبلة التي ألقيت على هيروشيما.. وبذلك ارتفع عدد القتلى إلى أكثر من مئتين وخمسة عشر ألف قتيل.
أنصار ذلك العدوان النووي قالوا إنه كان ضروريًّا لإنهاء الحرب العالمية الثانية، وتوفير ملايين القتلى على البشرية باستسلام اليابان.. أما معارضوه فقالوا إنه استعراض أمريكي كان الهدف منه إلقاء الرعب في قلوب الناس بهدف السيطرة على هذا العالم، وقالوا إن اليابان كانت في طريقها إلى الهزيمة، ولم يكن الأمر يستدعي قنبلتين نوويتين لإرغام اليابانيين على الاستسلام.
وفي ذكرى قصف هيروشيما وناغازاكي بالسلاح النووي نقول إنه يجب أن تضع البشرية حدًّا لصنع هذا السلاح وتخزينه؛ يجب أن تتخلص البشرية من هذا المخزون الهائل من القنابل النووية التي يكفي بعضها لتدمير هذا العالم.. على الولايات المتحدة وروسيا وكافة دول النادي النووي أن تعمل في الحال من أجل إتلاف مخزونها من كل هذه الأسلحة المدمرة التي تأتي على موارد هذه الدول، وتحرم كثيرًا من الشعوب من حقوقها في المأكل والمشرب والدواء والتعليم والعيش الكريم..
إن القوة الحقيقية هي في أن تكون هذه الدول دول عدل وعدالة وقوانين تضمن التقدم لشعوبها، وتضمن التقدم والازدهار أيضًا لكل شعوب الأرض.. فلقد شبعت هذه الشعوب ظلمًا واضطهادًا وجوعًا وموتًا وشقاءً.. ولقد آن لهذه الشعوب، ولكل شعوب الأرض أن تحيا بسلام، وأمن، وأمان، وتقدم، ورِفاء.. إن القوة الحقيقية هي أن تعمل كل دولة لخير مواطنيها، ولخير البشرية وسلامها أيضًا، وأن تعمل الدول الكبرى من أجل وضع حد لمعاناة الشعوب، بالكفّ عن نهب ثرواتها، واستعبادها، ووضع اليد على مقدّراتها، والتحكم بها، وتركها فريسة للخوف والجوع والمرض والشقاء.
وإذا كانت تلك القنبلة التي ألقيت في مثل هذا اليوم على هيروشيما، وتلك التي ألقيت على ناغازاكي بعد ثلاثة أيام من سابقتها من القنابل البدائية، فكيف ستكون الحال اليوم إذا شهد الكون مواجهة نووية؟ وكم دقيقة ستستمر الحياة على هذا الكوكب بعد مواجهة كهذه؟ أسئلة لا بد من توجهيها إلى كل الشعوب في هذا العالم، وإلى شعوب الدول الصناعية وقادتها، وإلى كل قادة تلك الدول التي تمتلك السلاح النووي، وإلى كل من يعنيه أمر السلام والأمن الدوليين في هذا العالم.
وإذا كانت السيدة اليابانية التي نجت من قصف هيروشيما، وكانت في الثانية عشرة من عمرها آنذاك قد أجريت لها خمس عشرة عملية جراحية لإنقاذها من الحروق، وتحسين صورة وجهها من التشوهات، وإذا كانت الحياة قد كُتبت لتلك المرأة كي تكون شاهدة على تلك اللحظات، وما أعقبها من دقائق وساعات وسنوات ثقال، وحروب طوال.. فكم امرأة من الممكن أن تنجو اليوم.. وكم رجلاً، وكم طفلاً، وكم إنسانًا من الممكن أن ينجو ليكون شاهدًا على عصر زال ليزول بزواله كل شيء، ولتختفي باختفائه الحياة ذاتها في مواجهة مفترضة بين الغرب والشرق؟ وكم شاهدًا على العصر سيبقى في هذه المنطقة المتفجرة من العالم إذا زلزلت الأرض زلزالها، وأخرجت الأرض أثقالها ذات يوم؟؟
في ذكرى قصف هيروشيما في السادس من آب قبل سبعةٍ وستين عامًا، وقصف ناغازاكي في التاسع منه، وفي خضمّ هذه الأزمات المتفجرة التي تفتعلها كل قوى الشر والاستكبار لقهر الشعوب ونهب خبراتها، والسيطرة على بلدانها لا نملك إلا أن نقول إنه قد آن لهذه البشرية المعذبة أن تعمل بقوة للخروج من ظلمة الظلم وظلماته إلى نور الحق والعدل واليقين، ومن بحار الدم إلى واحات السلام العادل الدائم الشريف المتكافئ الذي يعيد الحقوق إلى أصحابها، وينشر المحبة والوئام والعدالة والإخاء في ربوع هذا العالم.
6/8/2012
أولى معارك الإسلام .. معركة بدر الكبرى
رمضانيات
أولى معارك الإسلام .. معركة بدر الكبرى
أ.عدنان السمان
كان لابد من الحرب بين أولئك المعتدين المستكبرين من سادة قريش وزعمائها ، وأولئك المستضعفين الذين أُخرجوا من ديارهم ظلمًا وعدوانًا لا لشيء إلا أن يقولوا ربنا الله .. كان لابد من سلسلة طويلة من المواجهات ( التي فرضت نفسها ) بين تلك الكثرة من الضالين المعتدين الطغاة ، وتلك القلة من المؤمنين الذين أُخرجوا من ديارهم ، وأوذوا في سبيل معتقدهم .. وكان لابد من موقعة بدر الكبرى بين قوى الطغيان في مكة ، ودولة الإسلام الوليدة في المدينة .. وكان لابد لهذه الفئة أن تنتصر في موقعة بدر التي دارت رحاها في السابع عشر من رمضان من السنة الثانية للهجرة ، الخامس عشر من كانون الثاني من العام ستمائة وأربعة وعشرين للميلاد ، وأن تخوض سلسلة من المعارك بعد بدر ، وأن تُهزم في بعضها أيضًا لتأخذ الدروس والعبر من الهزيمة ، وأن تستمر على هذا النهج حتى تفرض سلطانها على شبه الجزيرة العربية ، وتوطّد أركانها هناك في بضع سنين ، وحتى يتم لها تحرير سائر الأقطار العربية من سيطرة الروم والفرس ، وحتى تتمكن من نشر رسالة الإسلام في معظم أقطار العالم المعروفة آنذاك في آسيا وإفريقية وأوروبة ، وحتى تقيم للدنيا كلها دولة عربية إسلامية ، وحضارة عربية إسلامية زاهرة ، وثقافة نيّرة رشيدة أخرجت البشرية كلها من ظلمات التخلف والطغيان والعبودية إلى نور العلم والعدل والمحبة والهدى ... فالناس كلهم سواء .. والبشرية كلها سواسية .. وكافة المواطنين على اختلاف ألوانهم ، وأديانهم ، وألسنتهم ، وأقطارهم متساوون في الحقوق والواجبات ، ليس لعربي فضل على أعجمي ، ولا لأعجمي على عربي ، ولا لأبيض على أسود ، أو أسود على أبيض إلا بمقدار ما يقدم لهذا المجتمع ، ولهذه الدولة ، ولهذه الأمة التي ينتمي إليها من خدمات !!
كانت قافلة قريش بقيادة أبي سفيان ، والتي تضم أموال مكة وخيرة رجالها سببًا كافيًا للصِّدام ، وكانت السبب المباشر لنشوب معركة بدر ، حيث رأى المسلمون فيها فرصة لتوجيه ضربة قاسية لنفوذ قريش وهيبتها واقتصادها ، كما رأوا فيها فرصة لاستعادة شيء مما فقدوه لدى هجرتهم من مكة إلى المدينة .. فكان من الطبيعي أن يخرج المسلمون في محاولة لوضع اليد على هذه القافلة ، ولم يكن غريبًا أن يشعر أبو سفيان بذلك ، وأن يعلم بأمر الكمين الذي يستهدف القافلة ، وكان من الطبيعي أن يغير أبو سفيان الطريق بعد أن أعلم قريشًا بما جرى ، وكان من الطبيعي أن تخرج قريش بكل قوتها لحماية القافلة ، والتصدي للمسلمين ... وكان من الممكن أن تقف الأمور عند هذا الحد لولا إصرار قريش على القتال .. وكان لها ما أرادت ، وكان الإعداد والاستعداد ، وكان تثبّت الرسول الكريم من موقف المهاجرين والأنصار ، ومبايعتهم إياه على الموت في سبيل الله ، وكان العريش الذي بني للرسول الكريم ، وكانت الحراسة المشددة على هذا العريش .. وكانت المبارزة التي تفوق فيها فرسان المسلمين ، ومن ثم كان الاشتباك والالتحام بين الفئتين ، وكانت هزيمة قريش، وكان النصر حليف القلة المؤمنة الصابرة الصادقة.
كان من الطبيعي أن يُقتل من قريش كثير من خيرة أبنائها ، وكان طبيعيًّا أن يُستشهد بعض مقاتلي المسلمين وفرسانهم ، وكان من الطبيعي أن تكون هنالك غنائم ، وأن يوزعها الرسول على كافة مقاتلي بدر ، وكان من الطبيعي أن يكون هنالك أسرى وقعوا في يد المسلمين من قريش ، وأن يكون هنالك أكثر من رأي فيهم ... لقد أخذ الرسول الكريم بالرأي الذي قال بالعفو والفدية .. وهكذا كان ، فقد عفا المسلمون عن بعض الأسرى ، وأخذوا الفدية من بعضهم ، وطلبوا ممن يحسنون القراءة والكتابة أن يعلّم كلٌّ منهم عشرة من أطفال المدينة القراءة والكتابة ... ولأن هذه التجربة كانت الأولى في تاريخ الإسلام ، فقد كان من الطبيعي أن تنزل الآيات الكريمة موضحة الحكم الشرعي فيها ، لقد نزل في أسرى بدر قوله تعالى : " ما كان لرسول أن يكون له أسرى حتى يُثخنَ في الأرض تُريدون عَرَضَ الدنيا واللهُ يريدُ الآخرةَ واللهُ عزيزٌ حكيم " الأنفال 67. ولقد قيل عندما نزلت هذه الآية الكريمة إن القرآن قد نزل هنا برأي عمر الذي طالب بإنزال العقاب الرادع بحقهم .
لقد كانت معركة بدر أولى معارك الإسلام وكانت بداية انتشار الإسلام في شبه الجزيرة العربية ، وكانت المقدمة الأولى ، والبداية الطبيعية بعد ذلك لانتشار هذا الدين في سائر أقطار العرب ، وكافة بلدان المسلمين ، لقد كانت أم اليرموك ، وأم القادسية ... كانت فجر هذه الأمة العربية الإسلامية التي صنعت للدنيا كلها أعظم حضارة في التاريخ ، وصنعت للبشرية كلها مجتمعات إنسانية متحابة متسامحة متعاونة على البر والتقوى ، وأعمال الخير والإحسان .. لقد كانت كافة الأديان والألوان والألسنة تعيش في ديار العروبة والإسلام حياة كلها تعاون وحب واحترام .. لقد كانت دمشق ، وبغداد ، والقاهرة ، وقرطبة ، وإشبيلية ، والقيروان منائر يستضيء بها الناس في هذا الكون ، لقد كانت بغداد – واحّر قلباه - في يوم من الأيام عاصمة الدنيا بأسرها ، كانت بغداد مدينة العلم والعلماء ، والحكمة والحكماء ، مدينة المحبة والتسامح والتعايش بين كل الشعوب ، وكافة الأديان ، وسائر الألوان ... لقد كرّس الإسلام حياة المحبة والتعاون بين الناس جميعًا لأنه لا إكراه في الدين ، ولأنه لا فضل لأحد على أحد إلا بما يقدم من خدمة وخير وإحسان للآخرين .
5/8/2012