عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


الخميس، ٢٥ حزيران ٢٠٠٩

ملف الأسرى والمعتقلين.. يجب أن يُغلق!!

زاويتي

ملف الأسرى والمعتقلين.. يجب أن يُغلق!!

أ‌.   عدنان السمان

www.samman.co.nr

     الإسرائيليون  على اختلاف ألوانهم، وأفكارهم، ومشاربهم، وميولهم، واتجاهاتهم، السياسية يؤكدون في كل يوم على حبهم للسلام، وحرصهم عليه، واستعدادهم للتضحية في سبيله... وهم يعلنون رغبتهم الشديدة في السلام قبل أن يقيموا كيانهم على أشلاء شعب فلسطين، ومنذ أن أقاموه على معظم هذه الأرض في العام (48) مرورًا بحرب السويس في العام (56) وتوسعة هذا الكيان في العام (67) ومرورًا بكل الحروب التي خاضوها في الأعوام (73) و(78) و(82) و(87) من القرن الماضي، ولا أقول انتهاءً بالحربين على لبنان وغزة في العامين السادس والتاسع من هذا القرن الحادي والعشرين، لأن الحرب لم تضع أوزارها بعد، ولأن الحرب لا زالت تفعل فعلها على الأرض بأشكال مختلفة، وأساليب كثيرة، ووسائل متعددة.. منذرة بانفجار شامل هنا، وآخر هناك، وثالث هنالك.

     تسع حروب شهدتها هذه الديار، واكتوت بنارها أيضًا أراضٍ عربيةٌ مجاورة.. يُضاف إليها مئات المعارك، والعمليات العسكرية من برية، وبحرية، وجوية ألحقت كثيرًا من الدمار والخراب بكثير من المدن، والقرى، والتجمعات السكانية، والمناطق الزراعية، والصناعية، والمؤسسات الصحية، والتعليمية، والاجتماعية.. وحصدت كثيرًا من أرواح الأطفال، والنساء، والشيوخ، والمدنيين، والعسكريين.. وأشاعت الرعب، والفزع في صفوف الناس، وأصابتهم بالجزع، والهلع، وشتى الأمراض، ولم يسلم من آثارها النفسية المعنوية المادية السيئة أحد.

    مع كل حرب ضحايا.. وفي أعقاب كل حرب أسرى.. ونتاج كل حرب خسائر قد تُحصى، وقد لا تُحصى..ونتيجة كل حرب قيود جديدة، وألوان من التحكم، والتسلط، والإذلال، والقمع جديدة، وأشكال من الفقر والعوز، والحاجة، و الدمار الاجتماعي، والتفكك الأُسري، والانحلال، والتشرد جديدة… ومع كل حرب وقائع، وأحداث، وحوادث، ومضاعفات لم يشهد لها الناس مثيلاً من قبل..ومع كل حرب واقع جديد على الأرض لا يعدو في جملته وتفصيلاته أن يكون خسارةً لأرض جديدة تُضاف إلى ما سبقها، وميلادًا لمزيد من اللاجئين، والمهجرين، والمنكوبين الجدد.. ومع كل حرب معاناة جديدة، وتضييقات جديدة، ومغارم جديدة، وهوان جديد!!

    حصيلة هذا كله فلسطينيًّا، ومنذ نشأة القضية، مزيد من الخسائر على الأرض.. ومزيد من التراجع في الشأن السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي.. ومزيد من الأسرى والمعتقلين الذين يبلغ تعدادهم اليوم نحو اثني عشر ألف أسير ومعتقل… وحصيلة هذا كله عربيًّا مزيد من الضَّياع، والمذلة، والتبعية للأجنبي، ومزيد من الاستسلام لمخططاته وأهدافه…أما حصيلة هذا كله دَوليًّا؛ فمزيد من التنكر لحقوق أصحاب الحق، ومزيد من الاستخفاف بهم، ومزيد من مواقف التأييد والمؤازرة لخصومهم في كل ما يقولون، وفي كل ما يرسمون لهذه المنطقة من العالم من خطط ومخططات، وما يبيتون لها من أهداف كان لها في البدء أول، وليس لها اليوم، وفي الأيام القادمة أيضًا، من آخر!!

    لو كان الإسرائيليون جادّين في أحاديثهم عن السلام منذ أكثر من ستة عقود لما حصل كل هذا الذي حصل.. ولما كانت كل هذه الحروب.. ولما كان هنالك لاجئون.. ولما كان هنالك أسرى.. ولما كان هنالك دماء، ودموع، وآلام، ونوازل… ولكنه الطمع الذي لا يقف عند حد، والاستخفاف بالآخرين، والتنكر لأبسط حقوقهم في العيش الكريم هو الذي جر على هذه المنطقة من العالم كل هذه الكوارث، والنوازل، والنكبات.

    ولو كان الإسرائيليون جادّين في تغنّيهم بالسلام، وحرصهم عليه لأعلنوا الآن تراجعهم الفوري عن هذا الظلم التاريخي الذي أنزلوه بالفلسطينيين، ولأعلنوا الآن اعترافهم بكافة حقوق الفلسطينيين المشروعة في وطنهم فلسطين، ولأفرجوا الآن عن كافة الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، ولآثروا العيش مع العرب والمسلمين الطيبين الذين يشهد تاريخهم، وتشهد حضارتهم العظيمة الزاهرة على مدى حبهم للآخرين، وعلى مدى تسامحهم، وفتح قلوبهم لكل الألوان والأديان، بما في ذلك اليهود الذين عاشوا في ديار العروبة والإسلام، وساهموا في صنع الحضارة العربية الإسلامية في تلك العهود المشرقة المتألقة من تاريخ العرب!!

    ولو كان الإسرائيليون جادين في نشر ثقافة السلام والعدل والحرية في هذه الديار، لما بقي في سجونهم ومعتقلاتهم، ومراكز توقيفهم أسيرة واحدة، أو أسير واحد، أو طفل واحد.. ولأعلنوا قبولهم في الحال بمصالحة تاريخية تعيد هذه المنطقة إلى سابق عهدها، وتجعل من هذه الديار واحةً خضراء، وجنة من جنان الله على الأرض!!

    وللمتطرفين، وغلاة المتشددين من هؤلاء الإسرائيليين الذين يريدون الأرض، والسلام، والعلاقات الطبيعية مع كل العرب والمسلمين أقول: إنكم لن تتمكنوا من قهر الفلسطينيين، وفرض توجهاتكم على العرب والمسلمين مهما أوتيتم من علم، ومال، ودهاء… صحيحٌ أن حالة من التراجع والانقسام قد أصابت جسد هذا الشعب، وأدمت جسد هذه الأمة.. وصحيحٌ أن كثيرًا من الفلسطينيين والعرب والمسلمين أيضًا قد انقادوا طوعًا أو كرهًا لأهوائكم، وأهدافكم، ومراميكم في هذه المنطقة من العالم.. ولكنْ صحيحٌ أيضًا أن الأمور لن تبقى هكذا إلى الأبد، وأن هذا التراجع والخضوع لن يستمرا إلى ما لا نهاية.. وصحيحٌ أيضًا أن امتلاك الأسلحة غير التقليدية لم يعد حكرًا على أحد في هذا العالم، وأن حالة من التوازن الاستراتيجي، أو توازن الرعب ستنشأ حال حصول الطرف الضعيف على هذه الأسلحة غدًا، أو بعد غد… وصحيح أيضًا أن العداء يولّد العداء، ويؤسس لأيام عصيبة سوداء.. وأن الكراهية تولّد الكراهية.. وأن السلام العادل وحده هو الذي يؤسس لحياة هادئة هانئة في هذه الديار، بعيدًا عن المنازعات والمخاصمات، وبعيدًا عن كل أسباب التوتر، والعداوة، والحروب.

    وبعد،،

    فلقد آن لملفّ الأسرى والمعتقلين أن يُغلق.. ملفّ الأسرى والمعتقلين يجب أن يُغلق إذا كنّا راغبين حقًّا في فتح صفحة جديدة، وإذا كنّا راغبين صدقًا في عقد مصالحة تاريخية يزول معها الظلم التاريخي الذي وقع على شعبنا منذ أكثر من ستة عقود، ويستعيد معها هذا الشعب حقه في الحياة الحرة الكريمة الآمنة فوق ثرى وطنه فلسطين.

 25/6/2009


الخميس، ١٨ حزيران ٢٠٠٩

في يوم اللاجئ العالمي...

متابعات

في يوم اللاجئ العالمي...

أ. عدنان السمان

www.samman.co.nr

مَن لهؤلاء اللاجئين المشردين في كثير من أقطار الأرض هربًا من ظلم، أو عدوان، وقمع، واضطهاد، أو موت محقَّق لسبب أو أسباب لا يعلمها إلا محترفو كل أشكال القتل وألوانه من أعداء الإنسانية والإنسان؟ ... هؤلاء الذين لا يمكن أن يهدأ لهم بال ما دام في الكون وكناتٌ تعشّش فيها الطيور، وتغني فَرِحةً بالضياء والنَّور.. وما دام في هذا الكون حبٌّ، ومحبة، وأحباب، وأناس يحبون الحق والخير والجمال، ويغنّون للشمس والحب والحرية، ويعشقون الأرض، والقمر، والزهر، والشجر، والحجر، ويفرحون... نعم يفرحون في أيام أعيادهم، وحصادهم، ونجاح أولادهم وبناتهم، وجني محاصيلهم، وقطاف ثمارهم، وزواج شبابهم وصباياهم، وبناء أسرة سعيدة، بل أسر في كل يوم!!

 

مَن لهؤلاء اللاجئين المشردين من ضحايا الحقد، والكراهية، ونزعة الشر، والعدوان؟ من لهم من هؤلاء الذين لا يحلو لهم العيش إلا في مآتم الآخرين، وعلى أنقاض بيوتهم وقلوبهم ونفوسهم المدمَّرة، وأرواحهم الفَزعة المكروبة الهائمة المستطارة؟ من لهم من هؤلاء الذين لا يجدون أنفسهم إلا في فَناء الآخرين، ولا يستطيبون العيش إلا في عذاب الآخرين وشقائهم وجوعهم وعريهم؟ من لهم من كل أعمال النهب والسلب والترويع التي يمارسها كل أعداء البشرية من غزاة مغامرين مغرورين حاقدين، يبيحون لأنفسهم كل شيء، ويحرّمون على غيرهم حتى الرغيف، وحبة الدواء، وشربة الماء، ومِن طغاة والغين في دماء شعوبهم، يسومونها سوء العذاب، ويصادرون حقوقها في العيش بأمن وكرامة وأمان، ويبيعونها في أسواق النخاسة لقاء ثمن بخس دراهم!! ومِن جهلةٍ عابثين بمقدّرات أهلهم وذويهم وعشيرتهم، لا يقدّرون عواقب ما يفعلون؟ فإن أسفر عبثهم عن مصيبة أو مصائب ألمّت بالناس من أهل وأقارب وجيران رأيتهم يتنصّلون من المسئولية، ويحلفون أنهم إنما أرادوا الخير والإصلاح، وأن هذا هو غاية  ما قادهم إليه اجتهادهم، وحرصهم على مصالح الناس.. فأين المفرّ؟ وإلى من يلجأ اللاجئون. وبمن يستجير المستجيرون؟؟

 

في هذا الكون اليوم لاجئون منفيّون عن أوطانهم وبلدانهم وديارهم.. ولاجئون منفيّون في أوطانهم وبلدانهم وديارهم... ولاجئون غرباء في بلادهم لا يحملون أوراقاً ثبوتية.. ولاجئون يقيمون في ديارهم أو في مناطق اللجوء والشتات، وقد حرموا من أبسط حقوقهم في العمل والقول والتفكير والتعبير.. ولاجئون لا يحصلون من خير بلادهم وزرعها وشجرها وثمرها على شيء، وإن كانوا يحصلون على أسوأ أنواع الأكل داخل كهوفهم، ومعتقلاتهم، وقبور الأحياء التي أرغموا على حفرها بأيديهم، والإقامة فيها حتى الموت!!! ولاجئون محرومون من أبسط حقوقهم في العلم والثقافة والمعرفة، ومن أبسط حقوقهم في المسكن، ومن أبسط حقوقهم في العلاج، ولاجئون هائمون على وجوههم في الفيافي والقفار لا يعلمون عن هذه الدنيا من حولهم شيئًا، ولاجئون أدمنوا شتى أنواع السموم حتى فقدوا كل صلة بالناس من حولهم، ولاجئون تفتك بهم العلل والأمراض.. محسوبون على الأحياء ولكن لا يشعرون!!! ولاجئون مهاجرون إلى ربهم.. هجروا الفانية، وتوجهوا إلى الباقية.. والله عنده حُسن المآب.

 

أي عالَمٍ هذا الذي يغصّ بكل هذه الألوان من اللاجئين؟ وأي عالم هذا الذي يبلغ عدد لاجئيه أضعاف عدد مقيميه؟ ويبلغ عدد فقرائه وجياعه أضعاف أضعاف عدد موسريه وأغنيائه؟ وأي عالم هذا الذي تعيش فيه شعوب كثيرة بدون ماء أو كهرباء، وبدون مدارس أو مشافي أو بيوت صحية؟؟ وأي عالم هذا الذي تجد فيه شعوباً لا تزرع أرضها؟ وشعوباً لا تختار مسئوليها وحكامها؟؟ وشعوبًا لا تعرف شيئًا عن الدفتر والقلم والكتاب والجريدة والمطبوعات بعامة، وليس لديها من وسائل الإعلام ما تتحدث عنه؟؟ وشعوبًا تُجلد بالسياط لا لشيء إلا لأن الحاكم بأمره يريد ذلك، ولا لشيء إلا لأن مزاجه في ذلك اليوم، أو في تلك الساعة قد حكم على فلان أو فلانة بالجلد حتى الموت!!!

 

أي عالَمٍ هذا يا قوم؟ وأي يوم هذا الذي أسميتموه يوم اللاجئ العالمي؟ وماذا تستطيع الأمم المتحدة أن تفعل في يوم كهذا، أو في عام كهذا ما دام في الكون طغاة مستبدون؟ وما دام في الكون كاذبون منافقون مستفيدون؟ وما دام في الكون شعوب لا تعرف شيئًا عن أبسط حقوقها، ولا تعرف يقينًا كيف تعامل من سلبوها نعمة الحرية والعيش بأمن وسلام؟

 

في يوم اللاجئ العالمي لا نملك إلا أن نقول: مزيدًا من التضامن والتعاون لنصرة هؤلاء اللاجئين.. مزيدًا من العمل الجادّ لإعادة الحق إلى أصحابه، والسيف إلى قِرابه، والأسد إلى عرين غابه.

 

20/6/2009


الاثنين، ١٥ حزيران ٢٠٠٩

الدولة .. عَلَم ونشيد...!!

متابعات

الدولة .. عَلَم ونشيد...!!

أ‌.       عدنان السمان

www.samman.co.nr

 

    في خطابه الذي حاول فيه استعراض كفاءاته الكلاميّة، ومقدراته ومواهبه الخطابيّة.. والذي وجّه فيه ثلاث رسائل: واحدة لأوباما الرئيس الأمريكي، وثانية للرأي العام الإسرائيلي، ولا سيما اليمين والمستوطنين، وثالثة للأمة العربية والفلسطينيين ..في خطابه هذا موضوع الحديث لم يتمكن نتانياهو من الارتفاع بخطابه لفظًا ومبنًى إلى مستوى الأحداث التي تعصف بهذه المنطقة من العالم منذ أكثر من ستين عامًا، ولم يتمكن نتانياهو من إقناع أحد من الذين خاطبهم بصحة وجهة نظره، وبما تضمنه خطابه من توجهات وأفكار: فهو لم يُرهب الفلسطينيين، ولم يتمكن من تجنيد أحد منهم إلى جانب هذه التوجهات والأفكار، بل على العكس من ذلك تمامًا، فقد دفع نتانياهو بكثير من المعتدلين في المعسكر الفلسطيني للدخول في المعسكر المعارض لهذه المسيرة التي يسمونها مسيرة السلام في هذه المنطقة من العالم.. وهو من جهة ثانية لم يتمكن من إرضاء المستوطنين الذين وجّهوا النقد الشديد لخطابه، وإن تمكن من "انتزاع" إعجاب بيرس، وباراك، وليفني التي اعتبرت الخطاب خطوة في الاتجاه الصحيح!! وهو من جهة ثالثة لم يتمكن من النفاذ إلى ضمير أوباما وعقله رغم تظاهر الأخير بشيء من الارتياح لما جاء في هذا الخطاب!!

    لقد حاول نتانياهو في معرض تصوراته، وفي سياق استعراض قدراته ومواهبه تلك أن يأتي على كافة مقومات القضية الفلسطينية، وأن يتساءل بسذاجة تثير أكثر من الاستغراب والاستهجان عن سر استمرار النزاع الإسرائيلي الفلسطيني في الوقت الذي حقق منه الفلسطينيون كل هذه المكاسب، وفي الوقت الذي أصبح للفلسطينيين فيه علمهم ونشيدهم الوطني، وهل الدولة إلا هذا العلم، وهذا النشيد؟؟

    نتانياهو الذي اختزل القضية الفلسطينية اختزالاً لم يُبق مِنها شيئًا يريد أن يقول إن الدولة الفلسطينية قائمة بالفعل على هذا الجزء من الأرض، ولا يبقى إلا أن يصار إلى تجريدها من السلاح حتى لا تشكّل تهديدًا لأمن جارتها إسرائيل الدولة اليهودية القائمة منذ أكثر من ستين عامًا!! وهذا يعني باختصار شديد أن يعمل من يعنيهم الأمر من الفلسطينيين على نزع سلاح المقاومين الذين لا يرغبون في السلام، والذين يقفون حجر عثرة في سبيل التفاهم، والتعايش، ونسيان الماضي، وفتح صفحة جديدة قائمة على حل الدولتين اللتين أصبحتا قائمتين بالفعل في هذه الديار.. ولا ينقصهما إلا توفير الأمن، والقضاء المبرم على الإرهاب، وعلى السلاح غير الشرعي، والتصدي للخطر الإيراني وحلفائه في هذه المنطقةَ!!

    لقد كان نتانياهو واضحًا كل الوضوح وهو يتحدث عن القدس عاصمة إسرائيل الأبدية، وعن استحالة تقسيمها، أو تجزئتها، أو العودة بها إلى يوم الرابع من حزيران عام سبعة وستين.. ولقد كان نتانياهو واضحًا وهو يكرّس ضم القدس الشرقية إلى الغربية منذ أكثر من اثنين وأربعين عامًا، كما كان نتانياهو واضحًا كل الوضوح وهو يتحدث عن إلغاء القرار (194) وحرمان اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم بموجب ذلك القرار، كما كان نتانياهو واضحًا كل الوضوح وهو يتحدث عن المستوطنات والمستوطنين، وعن سيطرة إسرائيل المطلقة على (يهودا والسامرة) بما فيهما من مياه وثروات ومعابر وبوابات، وبما تشتملان عليه من فضاء، كما كان نتانياهو واضحًا وهو يتحدث عن ضرورة إبقاء الفلسطينيين تحت المراقبة الصارمة في معازلهم حتى لا تتحول هذه المعازل إلى كيان مسلح متحالف مع الإرهابيين في هذا العالم لتهديد أمن المدن الإسرائيلية، والمستوطنين الإسرائيليين على كل أرض إسرائيل!!

    وبعد

    لقد وضع نتانياهو في خطابه هذا حدًّا لكافة التوقعات والتكهنات والمراهنات التي عقدها بعض المراهنين على خطابه، كما وضع حدًّا لكافة أشكال الاستجداءات والمساومات التي مارستها هذه الجهة أو تلك قديمًا وحديثًا... لقد كان واضحًا وهو يؤكد من جديد على يهودية "إسرائيل" كما كان واضحًا وهو يؤكد من جديد على إلغاء حق العودة، وعلى ضم القدس، والإبقاء على المستوطنين والمستوطنات في يهودا والسامرة، وعلى ضرورة أن تستمر إسرائيل في السيطرة المطلقة على الضفة الغربية، أو يهودا والسامرة كما يسمونها... فأين هو باب التفاوض، والتفاهم، والنوايا الحسنة، و العيش المشترك، وحسن الجوار الذي أبقى عليه نتانياهو مفتوحًا أو نصف مفتوح؟؟ وأين هي الأرض التي أبقى عليها نتانياهو في يهودا والسامرة كي تقام عليها الدولة الفلسطينية التي يتحدث بعضهم عنها؟

    أغلب الظن أن نتانياهو قد أغلق الأبواب كلها.. وأغلب الظن أن نتانياهو قد وضع يده على الأرض كلها.. وأغلب الظن أن نتانياهو لا يريد غرباء أو أغيارًا على كل أرض إسرائيل، وأغلب الظن أن نتانياهو يراهن على الزمن والخلافات والمتغيرات في سبيل تحقيق كل هذه الأهداف المعلنة وغير المعلنة... فماذا أنتم صانعون يا عرب؟ لقد ضاعت مبادرتكم التي لم يشر إليها نتانياهو من قريب أو بعيد... وماذا أنتم صانعون أيها الفلسطينيون؟ لقد تنكر نتانياهو لكل ثوابتكم، ولأبسط حقوقكم في بلادكم فلسطين التي أسماها الدولة اليهودية... أما إذا كنتم مع نتانياهو في أن الدولة هي علم ونشيد فإن بإمكانكم أن تقيموا دولة فلسطينية في كل بيت من بيوت مدن الضفة الغربية، وفي كل بيت من بيوت قراها ومخيماتها ما دمتم تقيمون في هذه المدن والقرى والمخيمات.. وبعد ذلك فإن بإمكان أولادكم وأحفادكم أن يقيموها- إن أرادوا- كلٌّ بالطريقة التي يراها... وكفى الله المؤمنين القتال.. وكل خطاب وأنتم بخير!؟

   

15/6/2009


الخميس، ١١ حزيران ٢٠٠٩

المطلوب.. مجالس عليا على كل المستويات!!

 

 

زاويتي

المطلوب.. مجالس عليا على كل المستويات!!

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

    يطالب الصديق الدكتور حسن عبد الله (ومطالب النُّخب في هذه الديار كثيرة) بمجلس أعلى للإعلام، وله في ذلك أسبابه ودوافعه، ولعل من حقه أن يطالب، وأن يحشد الأنصار والمؤيدين لمطلبه، أو مطالبه كثرت، أو قلّت، ولعل من حق غيره أيضًا أن يفعل، أي أن يطالب، وأن يقيم الحُجّة على صحة ما يطالب به، وعلى أهميته وضرورته لهذا الوطن وإنسان هذا الوطن.

    ولعل مما يطالب به الناس في هذه الديار أيضًا أن يكون لهم مجلس أعلى للأمن القومي، ومجلس أعلى لأمن المواطن وأمانه، ومجالس عليا لأمنه الغذائي، والصحي، والعلمي، والتعليمي، والعملي، والعمالي... وأن يكون هنالك مجالس عليا للإسكان، والزراعة، والصناعة، والتجارة، والاستيراد، والتصدير... ومجالس عليا للآداب، والعلوم، والفنون، والثقافة، والبيئة، والرياضة، والشباب... ومجالس عليا للتخطيط والتطوير، والاقتصاد، والاجتماع، والإشراف، والتوجيه، والرقابة، والمساءلة، والمحاسبة...ومجالس عليا للأمومة، والطفولة، ومكافحة الفقر، والبِطالة، والطبقية، والفساد، والمحسوبية، والإثراء غير المشروع، والتزوير، والغش، والاحتيال والكذب... وأن يكون هنالك مجلس أعلى للحفاظ على سلامة المواطن، والحفاظ على كافة حقوقه المادية والمعنوية .

    قد تبدو هذه القائمة التي تضمنت سيلاً من المجالس العليا قائمة طويلة، وقد يبدو فيها شيء من التكرار، وشيء من التداخل، وشيء من التجاهل لمجالس قائمة ...وكل هذا قد يبدو صحيحًا للوهلة الأولى، وما هو كذلك أمام نظرة شاملة لما يعاني منه مجتمعنا على كل المستويات، وإذا كان الأمر كذلك، وهو قطعًا كذلك بدون الدخول في التفصيلات، فإن الضرورة تبدو أكثر من ملحّة لتشكيل كل هذه المجالس المذكورة آنفًا.. وإلاّ فكيف من الممكن أن نفسر كل هذه التجاوزات والاعتداءات والتراجعات التي تشهدها حياة الناس الخاصة، وحياتهم العامة على كل المستويات؟ وكيف من الممكن أن نفسر كل هذا الدمار الذي أصاب الوطن والمواطن، وأتى على كثير من الثوابت والمسلَّمات،وأصاب نسيج العلاقات الاجتماعية وغير الاجتماعية بكل هذه التحديات،  وبكل هذه التعديات وبكل هذه الضربات الموجعة القاتلة في كثير من الأحيان؟؟

    ليت من الممكن أن نفسر ما تتعرض له القدس، وشعبنا العربي في القدس من عنت لم تشهد له هذه الديار مثيلاً من قبل، ولم تشهد له المدينة المقدسة مثيلاً إلا في عهود الظلم والظلمات التي شهدتها في تلك العصور الغابرة؟؟ كيف من الممكن أن نفسر كل أعمال الاقتلاع والتهجير التي يتعرض لها المقدسيون؟ وكل أعمال النهب، والسلب، والمصادرة، والتضييق، وقطع الأرزاق، والأعناق، وهدم البيوت، وعزل المدينة المقدسة عن محيطها العربي، وعن قراها، وبلداتها، وتشقيقاتها، وأشقائها، من قرًى، ومدن، ومخيمات؟ وكيف من الممكن أن نفسر بروز كل هذه الطبقية البغيضة، والانهيارات الاجتماعية، والأوضاع المأساوية لكثير من المؤسسات والعناوين والرموز الصحية والعلمية والصناعية والاجتماعية والاقتصادية والإعلامية؟ أكان من الممكن أن يحدث كل هذا، أو شيء منه لو كان لدينا شيء من تلك المجالس موضوع الحديث؟ ولو كان لدينا الإصرار على التشبث بوجودنا، وعلى نشر العدل والعدالة والأمان والاطمئنان في صفوف المقدسيين، ونشر ابتسامة الأمل والثقة والتفاؤل على شفاه أطفالهم ونسائهم وشيوخهم وشبابهم، وصباياهم، ومؤسساتهم العاملة بكل قوة وإخلاص من أجل القدس وأهل القدس؟ أكان من الممكن أن يحدث كل هذا لو كان لدينا مجالس عليا على مستوى العمل والمسئولية؟ أكان من الممكن أن يحضر إلى هذه الديار أي مسئول أجنبي أو عربي دون أن يلتقي أهل القدس، ودون أن يستمع إلى مطالبهم، ودون أن يضع في اعتباره هذه المطالب؟ أغلب الظن أن قضية القدس لم تكن لتتراجع كل هذا التراجع، وأنها كان من الممكن أن تحتفظ بكل زخمها السياسي، وحضورها الثقافي والاجتماعي والوطني، ودورها القيادي، لو لم نشارك في إسقاط الراية من يدها، ولو لم نسحب البساط من تحت قدميها.. فلما فعلنا ذلك سقطت الراية من أيدينا أيضًا، وسُحب البساط كله من تحت أقدامنا!!

    ما أشد حاجتنا لكل تلك المجالس، حتى لا نرى في كل هذه الديار مواطنًا جائعًا، أو طفلاً باكيًا، أو شيخًا شاكيًا.. وحتى  لا نرى أحدًا من أؤلئك الذين يتكاثرون على أرضنا دون وجه حق، ليحوّلونا إلى أقليّة هنا على هذا الجزء من أرضنا أيضًا.. وحتى لا نرى لاجئًا يعيش في مخيم، أو غير مخيم هنا على هذا الجزء من الوطن، أو هناك في ديار الغربة.. وحتى لا نرى أطفالنا على امتداد عطلة صيفية طويلة يلاحقون القطط والكلاب الضالة صبحًا ومساءً، دون أن يعرفوا ماذا يصنعون، وإلى من يتوجهون لقضاء أوقات فراغهم الطويلة!!

    ما أشد حاجتنا لكل تلك المجالس حتى لا يقول قائلنا: أُكلتُ يوم أكل الثور الأبيض!! وحتى لا تقول قائلتنا مخاطبةً ابنًا، أو زوجًا، أو أخًا: ابكِ مثل النساء ملكًا مضاعًا....!! وحتى نقول جميعًا بلسان عربي مبين: لا عاش بيننا فاسد، ولا عاش بيننا متخاذلٌ، أو انتهازيٌّ، أو جبان...                                                                                                                                                                                                                ما أشد حاجتنا لكل تلك المجالس كي نبني وطنًا، ونصنع دولة، ونحرر أمة، ونسير بخطًى جريئة ثابتة، ورؤوس مرفوعة على كل أرض العرب من المحيط إلى الخليج!!

    ما أشد حاجتنا لكل تلك المجالس! كي نحرر صفوفنا من الجهل والفقر والمرض والتبعية، وكي نطهرها من الفساد والوساطة والكسل والمحسوبية... نريدها مجالس للعمل والإعمار والبناء، لا للوجاهة، والتسلية، وإضاعة الوقت، والحصول على المال، وغير المال...

    وأخيرًا فإن هذه الأفكار لا تتعارض مع وجود الهياكل السياسية والعسكرية القائمة، أو التي ستقام.. لا تتعارض، ولا تتوازى مع كل التنظيمات، والقوى، والأحزاب، والمؤسسات، ولكنها طرح قديم جديد متجدد لتصورات قد تساعد على حماية الوطن من الضَّياع، وحماية المواطن من الانهيار أو التلاشي والاندثار في خضمّ الصراعات السياسية والعسكرية التي تشهدها هذه الديار.

11/6/2009


الأحد، ٧ حزيران ٢٠٠٩

يحاسبون أوباما.. وينسَوْن أنفسهم!!!

متابعات

يحاسبون أوباما.. وينسَوْن أنفسهم!!!

أ‌.       عدنان السمان

www.samman.co.nr

    لستُ إفريقيًّا، ولستُ من أصول إفريقيّة أيضًا، وإن كنتُ أحبّ إفريقيا والإفريقيين، وأتعاطف معهم، وأرثي لحال كثير منهم، منذ تلك الأزمنة التي كانوا يُختطفون فيها من بلادهم، ويُساقون قسرًا عبر البحار والمحيطات إلى العالم الجديد شيبًا، وشبّانًا، ورجالاً، ونساءً، وأطفالاً... فيما كان الموت غرقًا عقوبة من يحاول الهرب، والجلد بالسياط، وغير السياط من نصيب من يمانع، أو يتمرد، أو يرفض الصعود إلى الباخرة التي جاءت لتقتلعه من وطنه بالعنف والإكراه، لتبيعه رقيقًا غير ذي شأن في عالم لا يعرف عنه شيئًا.

    أحب الأفارقة لأنني أرى فيهم جزءًا من شعبنا العربي الفلسطيني في القدس العربية، وفي غيرها من مدن فلسطين، ولا سيما الساحلية منها حيث الانفتاح على الدنيا في تلك الأزمنة التي مضت وانقضت، وأصبحت من الماضي الذي كان!! وشريحة محترمة تدين بالولاء للأقصى وللقدس وفلسطين.. في زمن كثر فيه المرتدون، وكثر فيه الزنادقة والمنافقون والكاذبون.

    أحبهم، لأنهم أُرغموا على مغادرة بلادهم في تلك الأزمنة الموغلة في القمع والعدوان والعنصرية، وإن أصبحوا يهاجرون اليوم طائعين مختارين، بل متسللين يحاولون الدخول إلى بلاد الغرب وغير الغرب بأي ثمن هربًا من الخوف والجوع والظلم في بلادهم، شأنهم في ذلك شأن كثير من الآسيويين أيضًا.. وأحبهم لأنهم فقراء مستضعفون مقموعون رغم كل هذه السيول الهادرة من الديموقراطية التي يقرع بها كل هؤلاء الأدعياء من المتشدقين بها آذاننا صبحًا ومساءً في أجهزة إعلامهم القائمة على الخداع والتزوير وقلب الحقائق، وفي أبواق دعايتهم الضالّة المضلّة المضلِّلة التي ما انفكت تهلل لهذه الديموقراطية، وتسبّح بحمدها، في الوقت الذي ترتكب فيه أسوأ أنواع الجرائم، وأبشعها بحق كل أنصار الحق والحقيقة، بل بحق الحقائق الكلّية المجردة، وبحق كثير من الشعوب، وحقها في العيش بأمن وأمان وكرامة واطمئنان على أرضها، وفوق ثرى أوطانها.

    أحبهم، ولا أحب من ينهب ثرواتهم، أو يتسلل إلى بلادهم بدعوى مد يد العون إليهم مستغلاًّ حاجتهم، ليُحكم الحصار عليهم، وليسومهم سوء العذاب من جديد، بأسلوب ناعم خبيث ظاهره فيه الرحمة، وباطنه من قِبَله العذاب!! ولا أحب أيضًا أولئك الذين يبيعونهم للأجنبي لقاء ثمن بخس دراهم يستأثرون بها لأنفسهم الوضيعة التي ما فتئت تقبّل أيدي المنِعمين من الأعداء!!

    أحبهم لأنهم ظُلموا، وأحبهم لأنهم يرفضون الظلم، وأحبهم لأنهم كانوا مبدعين في رفض الظلم.. ومبدعين في التعبير عن آلامهم.. مبدعين في الانتصار على هذه الآلام المتراكمة التي تجرّعوا مرارتها في القارة السوداء، وتجرّعوا مرارتها في العالم الجديد الذي سيقوا إليه مقرّنين بالأصفاد، ومبدعين عندما تمكنوا من قلب السحر على الساحر، وعندما تمكنوا بعد أجيال من الهوان والمذلة والعذاب من الإمساك بعجلة القيادة في القطار الذي تُقرَّر فيه مصائر البشر، هنالك في الولايات المتحدة الأمريكية، عندما تضافرت كل الجهود ليصبح الإفريقي برّاك حسين أوباما الرئيس الرابع والأربعين لتلك البلاد.

    صحيح أن صلاحيات الرئيس هناك محدودة، وصحيح أن المؤسسات بعامة هي التي تحكم، ولا سيما مجلس الشيوخ، ومجلس النواب، وصحيح أن هناك مراكز قوى، ومراكز ضغط وتأثير على الشارع الأمريكي، وعلى مجلس الشيوخ والنواب، وصحيح أن العنصرية ستبقى قائمة في كثير من الولايات، وفي كثير من المؤسسات، وفي كثير من مراكز صنع القرار…. ولكن صحيح أيضًا أن للرئيس هناك صلاحياته، وأن للرئيس هناك تأثيره على كل المؤسسات، وعلى كل مراكز صنع القرار، كما أن له تأثيره على الشارع الأمريكي… ولسنا بحاجة للتدليل على صحة هذه الأقوال بعقد موازنة بين هذا الرئيس، وذاك الذي كان السبب الأكبر في نكبة أمريكا، ونكبة الغرب، ونكبة الدنيا كلها لأنه كان السبب الأكبر في تفجّر هذه الأزمة الاقتصادية العالمية.. ولأنه كان السبب الأكبر في سلسلة الاحتلالات والاختلالات التي عصفت بكثير من الأقطار في بلاد العروبة والإسلام.. فأي شبه بين هذا الرئيس وذاك، بل بين هذا الرجل وذاك، بل بين هذا الإنسان وذاك الذي نكب الإنسانية، ودمّر الإنسان في هذا الكون؟؟؟ بل أي شبه بين هذا الرجل المثقف الواعي المبصر المتنوّر الذي أعلنها حربًا شعواء على العنصرية والتعصب والعدوان، وذاك الذي كان حصنًا للعنصرية والغطرسة والاستكبار، ورمزًا للغباء، وعمى الألوان؟؟

    ويأتي بعد ذلك من يهاجم الرجل بشكل غير مسبوق! ويأتي بعد ذلك من يحاسب أوباما، وينسى نفسه!! لقد حاسبوا أوباما بعيدًا عن كل الظروف الموضوعية، وبعيدًا عن كل الاعتبارات الإدارية والاستراتيجية والأيديولوجية، وبعيدًا عن وضع الرجل هناك في البيت الأبيض، وبعيدًا عن ثوابت أمريكا منذ أن خرجت منتصرة من الحرب العالمية الثانية منذ أربعة وستين عامًا!! وبعيدًا عن أدنى قدْر من الإنصاف، وتحمّل المسئولية، والعمل من أجل الاستفادة من هذا التحوّل الهائل في الشارع الأمريكي…. وقد نسي هؤلاء أن يحاسبوا أنفسهم قبل أن يحاسبوا رجلاً أجنبيًّا كان من الممكن أن يكون أسوأ من سلفه، وكان من الممكن أن يعاديهم بشكل غير مسبوق أيضًا لولا عقله الراجح، ولولا تجاربه في طفولته، وفي شبابه، ولولا عصاميته، وشخصيته الفذة، ولولا ثقافته وجذوره التي يدين لها بكثير من الوفاء، وبكثير من الاعتزاز، وبكثير من الثقة والاحترام… كان الرجل كبيرًا وهو يتوجه إلى العرب وإلى المسلمين وإلى الدنيا كلها بقوله: السلام عليكم!! فهل يتساوى هذا الرجل الذي قالها بلسان عربي مبين مع غيره ممن قالوها ولكن بغير هذا اللسان، وبغير هذا التوجّه، وبغير هذه الثقة، وهذا الشموخ والعنفوان؟؟؟ لقد كان الرجل عربيًّا أكثر من ملايين العرب، ومسلمًا أكثر من ملايين المسلمين، وإنسانًا أكثر من تلك الملايين التي لم تقف في يوم من الأيام إلى جانب الحق، ولو بشكل نسبي فيه شيء من التوازن… صحيح أن الرجل لم يقل ما يريد كثير من الناس سماعه، ولم يجاهر بالحقيقة كاملة، ولم يكن كأولئك الرجال الذين نجلّهم على امتداد تاريخنا المجيد، وحاضرنا الذي يشهد رجالاً كبارًا يُشار إليهم بالبنان… ولكن صحيح أن الرجل هو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.. فهل نسينا ذلك؟ وهل نسينا أنها البداية؟ وهل نسينا أن هذا التحوّل يحدث لأول مرة في التاريخ الحديث، وأن الأمر يتطلب كثيرًا من المتابعة، وكثيرًا من العمل، وكثيرًا من الحوار والمحاولات وسياسة الباب المفتوح وصولاً إلى مزيد من العدل والعدالة والمواقف الصائبة بدلاً من هذه الهجمات واللعنات والمواقف التي تؤخر ولا تقدم، وتهدم ولا تبني، ولا تجر على قضايانا وعلى شعوبنا سوى مزيد من الخيبة والفشل والخسران!!!

    وحتى لا يسيء أحد فهمي، أو يفسر كلامي وموقفي تفسيرًا تعسّفيًّا، فإنني لم أقصد بكلامي أحدًا من السياسيين أو غير السياسيين في بلاد العرب والمسلمين، وإنما أردّ ردًّا جميلاً على ما قالته زوجتي وغيرها من الأمهات عندما كُنّ في زيارة لمريضة منهنّ كتب الله لها الشفاء.. لقد ذكّرتُهنَّ بقوله تعالى:" ولو كنتَ فظًّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك"، كما ذكّرتُهنَّ بقوله تعالى:" أتأمرون الناس بالبرِّ وتنسَوْن أنفسَكم؟؟" صدق الله العظيم.

 7/6/2009

 

   


الأربعاء، ٣ حزيران ٢٠٠٩

التلميع.. مقابل التطبيع!!

متابعات

         بعــــ 42 ـــد عامًا من هزيمة حزيران:

التلميع.. مقابل التطبيع!!

أ‌.       عدنان السمان

www.samman.co.nr

    اثنان وأربعون عامًا من عمرها المديد تُمضي اليوم هزيمتنا التي شهدنا وقع بداياتها الأولى في صبيحة ذلك الاثنين الخامس من حزيران من عام سبعة وستين، ثم شهدنا تطوراتها وتفاعلاتها، ورصدنا خباياها وخفاياها، وتجرّعنا مرارة أيامها، وتقَلّبات أسابيعها وشهورها.. ولا نزال نشهد، ونرصد، ونتجرع مزيدًا من النتائج والتطورات والتفاعلات، ومزيدًا من المرارة والمهانة والخسارة والمذلة، ومزيدًا من الضَّياع والاندثار والانحسار والتلاشي، ومزيدًا من التوقعات والمفاجآت والمخاصمات والمنازعات والمشاحنات والمناكفات والمماحكات والتنازلات والتخبطات التي ما أنزل الله بها من سلطان!!

    اثنان وأربعون عامًا شهدنا في بداياتها الأولى ألوانًا من الهزائم العسكرية الجوية والبحرية والبرية، ثم توالت بعد ذلك ألوان الهزائم النفسية والاجتماعية والثقافية والفكرية والاقتصادية والسياسية…في كل يوم كنا نكتشف فراغًا نفذت منه سهام الهزيمة إلى صدورنا العارية فأصابت منا مقتلاً، وفي كل يوم كنا نقف على شكل من أشكال الضعف والخور، ولون من ألوان الخواء والفقر المادي والروحي يكفي كلُّ واحد منها لإصابة أمتنا بأكثر من هزيمة، وإصابة شعبنا بأكثر من نكبة، وأكثر من تشرد، وأكثر من مأساة.. فكان طبيعيًّا إذن أن نُهزَم، وكان طبيعيًّا أن يحدث ما حدث في صبيحة الخامس من حزيران.

    وكان طبيعيًّا أيضًا أن نكتشف أسباب هزيمتنا، وأن نقف على أشكال ضعفنا واضطرابنا واهتزازنا مثل قشّة في مهبّ ريح عاتية، أو سفينة شراعية تواجه إعصارًا مدمرًا في ليل شديد السواد.. وكان طبيعيًّا أيضًا أن نتعلم، وأن نستخلص الدروس والعبر من تجاربنا الأليمة الدامية، وأن ننتصر على كل أسباب ضعفنا، لننتصر على كل أسباب الهزائم ومسبباتها، وعلى كل أشكالها وصورها وتفاعلاتها، ولننتصر أيضًا على كل نتائجها وآثارها وتداعياتها، وعلى كل ما كان قد استقر منها في النفس، لأن النفس المهزومة لا تحرز نصرًا، ولا تقوى على استرجاع حق سليب، أو إنقاذ كرامة مهدورة، ولقد كان لنا ذلك، وسرنا في الطريق بثقة واقتدار نحو الهدف… ولكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن… ووجد الناس أنفسهم من جديد في حالة من الترقب والتوجّس، وفي حالة من الشقاق، والاضطراب الشديد.. والمخاض الصعب العسير…

    بعد اثنين وأربعين عامًا من هزيمة حزيران أشعر برغبة جامحة في الكتابة.. أما السبب في ذلك أولاً، فهو لأن من شب على شيء شاب عليه، وقد شِبتُ- والحمد لله- منذ زمن بعيد.. وأما ثانيا، فهو لأن هذا الهامش الضيّق يزداد ضيقًا إلى أن يتلاشى تمامًا بقرار "ديموقراطي" صادر عن الكنيست الإسرائيلي، كذاك القرار الذي يمنع الحديث في نكبة العام ثمانية وأربعين!! وماذا عليهم بعد ذلك إن منعوا الحديث في نكسة العام سبعة وستين؟ ثم ماذا عليهم إن هم طالبونا بضرورة أن نبتهج وأن نفرح فرحًا شديدًا في يومين من كل عام هما: الخامس عشر من أيار، والخامس من حزيران؟ ففي اليوم الأول أقيمت "الدولة" وفي الثاني حَررت ما كان مغتصَبًا من أرضها، واسترجعته من أيدي العرب المعتدين!! وأي فرق بين النكبة والنكسة سوى هذا التلاعب باللفظ الذي يسميه علماء البيان والبديع الجناس؟؟ ولئن كان الجناس هنا جناسًا ناقصًا بسبب الخلاف بين حرفي الباء والسين، فإن بالإمكان تحويله إلى جناس تام باستبدال السين باءً لتصبح النكسة هي الأخرى نكبة.. ولما كانت النكبة في حقيقتها فرحة وجب أن نحتفل بهاتين الفرحتين، بل أن نطير بهما فرحًا؛ فهذا شعور طيب منا، ودليل على رغبتنا في السلام، وجنوحنا إليه!! وقد يكون سببًا كافيًا للسماح لنا بالعيش على أرضهم، وبالإقامة في ديارهم… وقد لا يكون!!

    وبعد اثنين وأربعين عامًا من هزيمة حزيران يحضر الرئيس الأمريكي بّراك حسين أوباما إلى بلاد العرب ليوجه خطابًا إلى العرب والمسلمين من جامعة القاهرة.. جامعة فؤاد الأول يدعوهم فيه إلى الاعتراف بدولة قائمة بينهم منذ واحد وستين عامًا هي دولة إسرائيل، وإقامة علاقات طبيعية معها، بعد أن تم الاتفاق على حل للقضية الفلسطينية، بموجب خارطة الطريق، وحلّ الدولتين ... وبعد أن وافق الإسرائيليون على إخلاء المستوطنات العشوائية، والبؤر الاستيطانية غير القانونية في الضفة الغربية، وبعد أن وافقوا أيضًا على تخفيف القيود المفروضة على قطاع غزة!!

    الرئيس الأمريكي في القاهرة يدعو إلى السلام، فهل ينجح في مسعاه؟ وهل يتحقق السلام على يديه؟ نحن نرجو ذلك، ونحن نثمّن للرئيس أوباما حرصه على السلام وحرصه على حل قضية الفلسطينيين حلاًّ عادلاًّ، واهتمامه بالبلاد العربية والإسلامية، ووفاءه لجذوره العربية الإسلامية، وجهوده الحثيثة من اجل إحداث تغيير حقيقي شامل في الولايات المتحدة يُخرجها من دائرة أعداء الشعوب إلى دائرة أصدقائها، بل أكبر أصدقائها.. وهنا لا بد من الإشارة إلى عدد من الحقائق التي نرجو أن يضعها الرئيس أوباما في اعتباره وهو يتصدى لهذه المهمة التاريخية الكبرى:

1-   المستوطنات جميعها في الضفة الغربية ( وبضمنها القدس) غير شرعية.. فهل يوافق الإسرائيليون على ذلك؟

2- حق العودة بموجب القرار 194 لا يزال ساري المفعول، وسيبقى كذلك إلى أن يتحقق نصًّا وروحًا.. فهل يوافق الإسرائيليون على ذلك؟

3- الدولة الفلسطينية المستقلة التي ستُقام على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام سبعة وستين، ومساحتها (6257) من الكيلومترات المربعة، وعاصمتها القدس ينبغي أن تكون حرة لا يحق لأحد أن يتدخل بأرضها، وسمائها، ومياهها، ومعابرها، وثرواتها، وحرية مواطنيها، وهي عضو كامل العضوية في الأمم المتحدة... فهل يوافق الإسرائيليون على ذلك؟

    ينبغي أولاً وقبل كل شيء أن يتم الاتفاق على هذه الحقائق، وأن توضع موضع التنفيذ على الأرض، كما ينبغي أن يصغي الرئيس أوباما إلى مطالب الأقطار العربية والإسلامية التي يطالبها بالتطبيع مع إسرائيل قبل الانتقال إلى الشق الثاني من المعادلة ... أما أن يكون " التليمع" ثمنًا للتطبيع، بمعنى أن يقدم الإسرائيليون بعض التسهيلات للفلسطينيين في معازلهم وكانتوناتهم، وأن يزيلوا بيتًا هنا، وآخر هناك في الصباح، ليعود إليه مستوطنوه في المساء؛ فإن هذا لا يقدم ولا يؤخر، ولا يمكن أن يكون أساسًا لأي حل يرضى به الناس في هذه الديار، ولا يسفر ( إن هو فُرض على الناس فرضًا) إلا عن مزيد من الانقسامات، والصراعات، والخصومات، والخلافات، وإراقة الدماء، والفوضى العارمة في عالم بات في أمسّ الحاجة للوفاق، والاتفاق، والأمن، وحشد الطاقات والإمكانات من أجل خير البشرية، وخلاصها من عللها وأمراضها.. وفي عالم عربي إسلامي تعصف به الكوارث والفوضى والفتن والاضطرابات من كل شكل ولون منذ أمد بعيد، وهو بحاجة إلى من يخرجه من مآسيه وأرزائه وكوارثه، وليس إلى من يضاعف هذه المآسي والأرزاء والكوارث.

    هذه نصيحة مواطن عربي فلسطيني عادي، محب للسلام والعدل والحرية، يقدمها لكل دعاة السلام وأنصاره، ولكل الحريصين على خير الشعوب ومصالحها في الشرق والغرب، وفي إفريقيا، وآسيا، وأوروبا، والقارة الأمريكية، وأوقيانوسيا، وفي كل بلاد العرب والمسلمين، وفي فلسطين، وفي إسرائيل أيضًا، وعلى رأس هؤلاء جميعًا الرئيس الأمريكي أوباما.. نصيحة مواطن عادي يرى أن السلام لا يتحقق إلا إذا كان عادلاً مقنعًا شريفًا متكافئًا لا غالب فيه ولا مغلوب يعيد الحقوق إلى أصحابها، ويعطي كل ذي حق حقه... وكل حزيران وأنتم بخير!!

3/6/2009