عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


الثلاثاء، ٣٠ آذار ٢٠١٠

متابعات:

متى كان العيد مدعاةً لمحاصرة الآخرين؟؟

     (في عيد الحرية)

                                    بقلم: أ/ عدنان السمان

www.Samman.co.nr

في الأحوال العادية، وفي حياة الأمم والشعوب التي فهمت معنى الحياة نجد مجموعة من الصفات والخصائص والمزايا بارزة بجلاء في أدبيات تلك الأمم والشعوب، بل وفي مسلكيات أبنائها على الصعيدين الرسمي والشعبي، منها أنها اتخذت من المحبة شعارًا ومنهجًا تبحث من خلاله عن ذاتها في محاولات جادة مستمرة لفهم هذه الذات، ومن التسامح والتعاطف وسيلة للتفاهم مع الآخرين، وبناء أقوى العلاقات معهم.. ومد يد العون لكل الناس، ومساعدتهم في تحمل مسئوليات الحياة وتبعاتها... وتؤكد الروايات التاريخية الموثَّقة أنه كلما كانت الأمة واثقةً من نفسها.. غنية بالمبادئ والقيم والمثل العليا.. مؤمنة بالأهداف السامية النبيلة كانت أقرب ما تكون إلى المثالية في تعاملها مع الآخرين، وأبعد ما تكون عن الغطرسة والاستعلاء، والاستكبار، والعدوان على الناس، والتقليل من شأنهم، أو الإقدام على اضطهادهم، والتنكر لوجودهم في محاولة لطمس ذلك الوجود وصولاً إلى التفرّد بالقوة، والتفرد بالسلطة، والتحكم بالدنيا كلها دون منازع.. ولعل الشواهد على هذا كثيرة في التاريخ القديم والوسيط والحديث.. ولعل في التاريخ العربي الإسلامي في فتراته المختلفة أكبر شاهد على صحة هذا الادعاء... أقول هذا القول في الوقت الذي يعيش فيه قرابة خمسة ملايين عربي فلسطيني في هذه الديار حياة عجيبة غريبة تُغلق عليهم معها أبواب البر والبحر.. وتوصد في وجوههم الآفاق.. وتُغلق الفضاءات.. وتحجب عنهم الشمس.. وُيخسف القمر، فيلزمون –كارهين– سجونهم ومعتقلاتهم ومعازلهم لا لشيء إلا لأن السادة النجب الكرام يحتفلون بالعيد.. وأي عيد هذا الذي يحتفلون به اليوم؟ إنه عيد التحرر من نير الاستعباد والاضطهاد.. عيد الحرية والتحرر والانعتاق من القيود والأغلال.. عيد الربيع، والبهجة، والجمال، والحياة الحلوة، والورود المتفتحة، والسماء الصافية،والمياه الجارية، والطيور الشادية كما يقولون!!.... ولكي يحتفل هؤلاء السادة الكرام بكل ما في الكون من بهجة وحرية.. ولكي تكتمل فرحتهم بهذه الأعياد فإنه لا بد من عزل هؤلاء (الأشرار) الذين يفسدون عليهم فرحتهم بالعيد، ولأن مجرد رؤية هؤلاء الأشرار من شأنها أن تذهب ببهجة العيد وقدسيته وبهائه، فإنه لا بد من عزلهم وحصارهم بالكامل في (جحورهم) وإغلاق كافة المنافذ والسبل والمعابر والمداخل والمخارج في وجوههم... هؤلاء (الأشرار) يجب أن يختفوا من حياتنا، وأن يبتعدوا عن أرضنا.. هذه الأرض التي منحنا إياها الرب خالصة من دون الناس يجب أن تكون خالية من الغرباء.. نظيفة من كل الشوائب التي تشوبها.. أما السبيل إلى ذلك: فالصبر، وطول النفس، وحسن التخطيط، وإتقان الكذب، والغش، والخداع، والاحتيال، والتزوير، وقلب الحقائق بشكل نتمكن معه من إقناع الناس في هذه الدنيا بوجهة نظرنا، وبحقنا المطلق في هذه الأرض التي وهبنا إياها الرب منذ آلاف السنين لتكون لنا على مر الدهور والعصور... أما هؤلاء (الأشرار) الذين يدّعون ملكيتها فلا بد من إقصائهم عنها.. لا بد أن نحاصر هؤلاء الأشرار.. ولا بد أن نجوّعهم، وأن نحتقرهم، وأن نفتح أمامهم سبل الهجرة إلى أي خارج بعد أن نجعل حياتهم على هذه الأرض ضربًا من الخيال، ولونًا من ألوان المستحيل.. لا بد من اقتلاعهم وتهجيرهم داخليًّا أولاً، ولا بد من تغيير معالم الأرض حتى يشعر هؤلاء (الأشرار) بالعزلة والغربة هنا على أرضنا المقدسة المتطورة.. ولا بد من محاصرة تجمعاتهم السكنية بشبابنا وصبايانا.. لا بد من تدمير حياتهم اليومية، وبيوتهم التي يسكنونها.. ولا بد من إغراء بعضهم ببعض حتى يسيروا جميعًا على طريق الانتحار الذاتي، حتى تعود إلينا أرضنا المقدسة في النهاية خالية من هؤلاء (الأشرار).. هذا ما يقوله كثير من هؤلاء اليوم، وهذا ما قاله كثير من أسلافهم أيضًا عندما أقاموا دولتهم على الجزء الأكبر من أرض فلسطين!!

نعم.. هذه هي النظرية، وهذا هو التطبيق.. هذا هو الفكر، وهذه هي الممارسة.. وإلاّ فما معنى أن يفعل بنا هؤلاء الذين يحتفلون اليوم بأعياد الحرية كل هذه الأفاعيل؟ ما معنى كل هذا الذي يفعلونه بهذه الديار منذ مطلع القرن الماضي ولا يزالون يفعلونه حتى هذه الأيام؟ وما معنى السياسات والمخططات التي يضعونها للسنوات الخمسين القادمة؟ ما معنى وضع اليد على الأرض بكل الطرق والوسائل والأساليب.. وبأي ثمن؟ ما معنى تجريد أهل هذه الديار في كل يوم من ممتلكاتهم، وأراضيهم، وزروعهم، وأشجارهم، وكل مصادر رزقهم.. وتحويلهم إلى جيوش من العمال العاطلين عن العمل؟ ما معنى القضاء على الزراعة بعد القضاء على قطاع الفلاحين، ونهب أرضهم ومصادرتها طورًا باسم المحميات الطبيعية، وطورًا تحت ستار المناطق العسكرية المغلقة.. تارة تحت مسمى المناطق الخضراء.. وتارة أخرى لغايات الأمن؟؟ ما معنى زرع هذه الديار بالمستوطنات التي باتت تضم أكثر من مئتين وستين ألف مستوطن (عدا مستوطني القدس) ليبلغ العدد اليوم أكثر من نصف مليون مستوطن، والعدد يزداد في كل يوم؟ كما أن المستوطنات تتوسع وتكبر وتنتشر هي الأخرى في كل يوم.. وتكبر فيها وتزدهر أيضًا المناطق الصناعية، والجامعات، وسائر أوجه الحياة العصرية، ومرافقها المختلفة التي تلامس حدود الخرافة.. بينما تتقهقر الحياة يوميًّا في سائر القرى العربية، والبلدات العربية التي لم تعد ترتبط بهذه المدن التي خرّبتها الاجتياحات، والمداهمات، وعمليات الترويع، والملاحقات، والاغتيالات، والدمار، وألوان الاعتداءات التي يمارسها هؤلاء السادة الكرام المحتفلون بالأعياد على حساب لقمة عيش أهل هذه البلاد.. وعلى حساب أمنهم، وأمانهم، وحليب أطفالهم الذين باتوا يغتذون الموت، والخوف، والرعب، والتوتر، والفزع، والأمراض التي من الصعب أن يكتب لهم الشفاء منها في ظل هذه الانهيارات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.. وفي ظل هذا التقهقر المريع في قطاع التعليم، والصحة، وسائر الخدمات التي بات معظمها مجرد أشباح بلا أرواح.. وعناوين بدون مدلولات.. وأسماء بلا مسمّيات... ما معنى كل هذه الممارسات وكل هذه المداهمات، والصدامات، والاجتياحات، والعربدات التي يفتعلونها في كل يوم، بل في كل ساعة؟ وما معنى كل هذه الاعتقالات التي لم تعد تستثني شيخًا، أو طفلاً، أو امرأة، أو بنتًا... الله أكبر.. يا هذه الدنيا أصيخي واسمعي.. يا تاريخ سجّل.. أيها الكون استمع لصراخ اليتامى، ونحيب الثكالى، وأنات المرضى والمقهورين والمقموعين من ضحايا هؤلاء السادة الكرام الذين لا تكتمل فرحتهم إلا بالرقص على جماجم الآخرين وأشلائهم.. ويا أيها الكون كن شاهدًا على كل هذه الممارسات التي يقترفها هؤلاء بحق شعبنا الذي لا يطالب إلا بشيء من حق، وبشيء من كرامة، وبشيء من صحوةٍ دولية أممية تعيد إليه حقه واعتباره، ومكانته بين الأمم، وترفع عنه كل أشكال هذا الحصار الذي يُفرض عليه منذ أمد بعيد.

31/3/2007 


الاثنين، ٢٩ آذار ٢٠١٠

متابعات

كلمات.. في يوم الأرض..

أ‌.       عدنان السمان

www.samman.co

 

    كل الشعوب في هذا العالم تعيش على أرضها بما في ذلك الشعوب النامية أو المتخلفة، وشعوب العالم الثالث في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.. قد تكون هذه الأرض أو تلك محتلةً كما في العراق وأفغانستان، وقد يكون هذا الجزء أو ذاك من مواطني هذه الأرض أو تلك مشرَّدًا مشتَّتًا بسبب الحروب أو المعارك أو سوء الأحوال السياسية والاقتصادية والمعيشية، وبسبب الرغبة في التنقّل والرحلة وطلب العلم والعمل والرزق، وبحثًا عن الحياة الفضلى، والعيش الرغيد الأمثل في غرب الدنيا وشمالها... ولكنّ هذا كله لا يعني أن هؤلاء وأولئك قد خسروا أوطانهم وبلدانهم، وأنهم قد أصبحوا لاجئين مهاجرين مهجَّرين مشتَّتين لا يملكون أرضًا يعيشون عليها، أو يعودون إليها ذات يوم عندما يغلبهم الحنين، وتبرّح بهم الأشواق، أو يحملهم الموت على اجنحته السوداء بحثًا عن حفرة توارى فيها أجسادهم، وتهيم في سمائها أرواحهم!!

    في العراق وأفغانستان وغيرهما من البلدان المحتلة التي يخوض أهلها معارك دامية من أجل استرداد حريتهم واستقلالهم وسيادتهم على أرضهم يعيش الناس عمليًّا على أرضهم، ويموتون أيضًا على أرضهم، ويُدفنون فيها.. وفي لبنان يعيش أربعة ملايين لبناني على أرض وطنهم، بينما يعيش أربعة وعشرون مليونًا من اللبنانيين خارج لبنان بمزاجهم واختيارهم ورغبتهم في التنقل والرحلة والبحث عن المجد والشهرة والمال والنجاح… ولكنّ أحدًا لا يمنع من يريد العودة منهم إلى أرض الوطن، إنه يعود متى شاء، أو لا يعود إن لم يتمكن من العودة لهذا السبب أو ذاك.. وفي كل بلدان الدنيا التي يغادرها بعض أبنائها، أو كثير من أبنائها بمحض اختيارهم لأسباب خاصة بهم، أو خاصة ببلدانهم، وبالأوضاع العامة في تلك البلدان لا نرى مشكلة في حياة هؤلاء لأن بإمكانهم أن يعودوا إلى أوطانهم في الوقت الذي يريدون، وإن تعسَّر ذلك حاولوا ثانيةً وثالثةً حتى تتحقق لهم العودة، ويتحقق الهدف.

    إن الشعوب مفطورةٌ على حب أوطانها، وإن الأفراد كذلك، ومن كانت عنده ذرّةٌ من شك في هذا فليسأل الأنبياء والشعراء والحكماء والفنانين والأدباء والرسامين وعلماء النفس والاجتماع، وليقرأ تاريخ القادة السياسيين والعسكريين.. إن كميات هائلة من الشعر العربي قيلت في حب الوطن والحنين إليه، كما قيلت في تمجيد الأرض وزراعتها والعناية بها وحمايتها من الطامعين فيها المتربصين بها.. رسول الإسلام عليه السلام كان يحب مكة وأرض مكة وشعاب مكة حبًّا جمًّا، وكان يحب القدس وأرض القدس وفلسطين وكل أرض الشام حبًّا ليس عليه من مزيد، ومن أراد مزيدًا من هذا فليرجع إلى سيرته عليه السلام، وليرجع إلى أحاديثه؛ ففيها مزيد لمستزيد.

    حب الأرض، والتشبث بها لم يكن عبثًا، ولم يأت من فراغ.. إنه من صميم طبيعة النفس البشرية التي خلقها الله، وهو ميلٌ فطريٌّ، وهوًى عاطفيٌّ، وتركيبٌ نفسيٌّ، وموروث شعبيٌّ واجتماعي، وخَلْقٌ فطريٌّ في الإنسان مذ كان هذا الإنسان، بل إن حب الأوطان غريزةٌ ثابتة في الحيوان.. ومن أراد مزيدًا من الحكايات المذهلة على هذا فليبحث عنها في سلوك الطيور وغرائزها. وفي طبيعة القطط وسائر الحيوانات الأليفة في كل بقاع الدنيا.

    في يوم الأرض لا يسع الإنسان إلا أن يقول: مزيدًا من التشبث بها، والمحافظة عليها.. مزيدًا من العناية بها، ومن القيام بالواجب نحوها، والتمسك بها.. فالأرض تُفدى بالغالي والنفيس.. لا حياة لمن لا أرض له، ولا كرامة لمن هانت عليه أرضه؛ فهانت عليه نفسه، وهان على الناس، ولا دين لمن لا وطن له.. ورحم الله شوقي إذ يقول:

وطني لو شُغلتُ بالخلد عنه// نازعتني إليه في الخلد نفسي.

30/3/2010


متابعات

في الذكرى الخامسة لرحيله:

 أبو مروان ما زال بيننا

أ.عدنان السمـان     

www.samman.co.nr

في أعقاب النكبة، وبعد وصولهم من يافا إلى القدس، قرر أصحاب جريدة "الدفاع" استئناف إصدارها، لتستمر في أداء واجبها، وتحمّل مسئولياتها تجاه القضية الفلسطينية.. ولقد صدرت "الدفاع" بعد النكبة من جديد، ولكن في القاهرة، وكانت من هناك تُحمل بالطائرة إلى المملكة الأردنية الهاشمية التي أصبحنا في هذه الديار جزءًا منها.. وكان أبو مروان ممن انتقلوا إلى القاهرة ليرفعوا صوت "الدفاع" من هناك، ولكن جهوده لم تتوقف عند هذا الحد، بل دفعته حماسة الشباب الغيور على وطنه وأمته للعمل المضني لتعود "الدفاع" إلى أحضان الوطن، وقد عادت "الدفاع" ولكن إلى مدينة القدس، وكان أبو مروان مسئولاً عن تحرير ما هو مختص بالشؤون الخارجية فيها بحسب ما ورد في مقالة الأستاذ فؤاد شحادة "شيخ الصحافة" المنشورة في "القدس" في عدد الثلاثاء بتاريخ 29/3/2005، وبحسب ما يرويه معاصرو الحركة الصحافية ومؤرخوها في فلسطين.

في مطلع العام 1951 أصدر أبو مروان صحيفة "الجهاد" المقدسية بعد أن استدّ ساعده، وأنضجته الدراسات والتجارب والخطوب التي اكتوت بنارها فلسطين، واكتوى بنارها شعب فلسطين.. وكان إلى جانبه في "الجهاد" زميلاه محمود يعيش وسليم الشريف.. ولقد حققت "الجهاد" نجاحًا كبيرًا خلال فترة زمنية وجيزة، وأثبتت وجودها إلى جانب "الدفاع" و "فلسطين" ثم كانت "المنار" المقدسية أيضًا في وقت لاحق، ليصبح عدد الصحف العربية اليومية التي تصدر في المدينة المقدسة في تلك الفترة أربع صحف.

وفي مطلع العام 1967، وبعد تنظيم الصحف آنذاك دُمجت الجهاد والدفاع في صحيفة واحدة هي "القدس" وتصدر في مدينة القدس، ودُمجت "فلسطين" و "المنار" في صحيفة هي "الدستور" وتصدر في مدينة عمان.. وما من شك في أن "القدس" ومنذ صدور عددها الأول في يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من آذار من عام سبعة وستين وتسعمائة وألف قد أخذت تحقق النجاح تلو النجاح، وتضرب بجذورها في أعماق هذه الأرض العربية الفلسطينية، تمامًا كما كانت الدفاع منذ صدورها في يافا، وكما كانت الجهاد منذ صدورها في القدس.. كيف لا و "القدس" هي "الدفاع" و "الجهاد" لحمًا، وعظمًا، ودمًا.. وكلمة حق وصدق دون خوف أو وجل!!

وكان لا بد لهذه الصحيفة أن تُغلق، وأن يكون عددها الصادر في صبيحة يوم الاثنين الخامس من حزيران هو العدد الأخير من أعداد هذه المرحلة التي بُدئت قبل ستة وسبعين يومًا فقط .. ولم يطل احتجاب "القدس" فقد عادت للظهور في التاسع عشر من تشرين الثاني من عام ثمانية وستين.. خمسة شهور وأسبوعان عاش هذا الجزء من الوطن بدون صحافة.. ثم عادت "القدس" للصدور من جديد.. عادت لتفتح صفحاتها الأربع آنذاك أمام كتّابها، ومراسليها، ومندوبيها، ومحرريها، وكافة مفكري الأمة ومثقفيها خدمةً لقضية العرب الأولى، وخدمةً لقضايا هذا الشعب الرازح تحت هذا الاحتلال الذي انتشر ليشمل كل أرض فلسطين، وخدمةً لكل الأرض العربية، ولسائر القضايا العربية.. وخدمةً للناشئة، والأجيال الشابة، والأقلام الواعدة من أبناء هذه الديار وبناتها.. ولا زالت "القدس" تقوم بواجبها الإعلامي التثقيفي التنويري دون توقف أو انقطاع أو إبطاء منذ ذلك اليوم، وحتى يومنا هذا.. ولا زالت "القدس" منذ اثنين وأربعين عامًا تقوم بواجبها الوطني والقومي العربي.. ولا زالت تحمل لواء الدفاع عن فلسطين أرضًا وشعبًا وقضية وهوية.. ولا زالت تقف بقوة وهمة وثبات في الخندق الأول دفاعًا عن كل الأرض العربية، ودفاعًا عن كل قضايا العروبة والإسلام.

كان لا بد من الإشارة إلى كل هذه الأحداث والوقائع التي باتت معروفة لكثير من الناس في هذه الديار، وغير هذه الديار، وصولاً إلى عدد من الحقائق الساطعة التي لا يرقى إليها أدنى شك، ومنها أن هذا الرجل الذي نحيي اليوم ذكراه الخامسة قد كان مثالاً في الثبات على الحق، والإصرار على المبدأ، والقدرة على التحدي.. وأنه أمضى أكثر من ستين عامًا في مهنة المتاعب والمصاعب هذه دون أن يغمض له جفن، أو تفتر همة، أو تضعف عزيمة، أو تلين قناة.. وأنه قد أصبح بذلك عَلَمًا –وأيّ علم- من أعلام الصحافة في فلسطين، وأنه قد أصبح بذلك سببًا –وأي سبب- من أسباب نضج الصحافة ورقيها وتطورها في هذه الديار، وأنه قد أصبح بذلك واحدًا من الأسباب التي أبقت على هذه القضية الفلسطينية حيّةًَ في القلوب والنفوس، تجنّد في كل يوم مزيدًا من الأصدقاء والأنصار والمؤيدين المتعاطفين مع هذا الشعب العربي الفلسطيني، والمؤمنين بحق هذا الشعب في استعادة كافة حقوقه الوطنية الثابتة المشروعة في بلاده فلسطين.. ولئن كانت هنالك أسباب وأسباب لهذه الانتصارات التي تحققها هذه القضية اليوم، فإن صحافتنا العربية الفلسطينية (التي وقف على رأسها أبو مروان ولا زال يقف، ومعه سائر إخوانه ورفاق دربه، وتلاميذه من صحافيي هذا الوطن وإعلامييه وكتّابه ومثقفيه ومفكريه) قد كانت –ولا تزال- سببًا رئيسًا من بين تلك الأسباب التي حققت معها القضية كل هذه الانتصارات المعنوية على مستوى هذا القطر، وعلى مستوى كافة الأقطار في كل ديار العروبة، وفي كل ديار الإسلام، بل وعلى مستوى الأقطار كافة في هذا الكون الذي أضحى مؤمنًا بحق هذا الشعب في الحياة، وبحقه في العيش باحترام على أرض وطنه فلسطين.

وكان لا بد من الإشارة إلى كل هذه الأحداث والوقائع لنؤكد على أن صاحب هذه الذكرى ما زال قائمًا بيننا رغم رحيله، فالكبار لا يموتون.. والرواد والمبدعون والمعلمون لا يموتون.. بل يعيشون في ذاكرة الزمن والتاريخ والأجيال المتعاقبة رموزًا وشموعًا، وألسنة  حق وصدق، وشهودًا على أزمنتهم وعصورهم، ومنائر تهتدي الأجيال بهديها ونورها ونيرانها على طول درب الحياة الطويل.

وكان لا بد من الإشارة إلى كل هذا، ونحن نحيي ذكرى رحيله، لنقول لهذه الأجيال الشابة التي تتلمس طريقها نحو المستقبل: عليكم بالعلم والعمل، وعليكم بالجد والاجتهاد والصبر وسهر الليالي، وعليكم بالاعتماد على النفس، والثقة بها، وعليكم بالتفاؤل والأمل والمثابرة وسيلةً لتحقيق الأهداف والغايات، واعلموا أنه لا حياة مع اليأس، ولا يأس مع الحياة.. وعليكم بدراسة التاريخ تأخذون منه العبرة والدروس، وعليكم بِسِيَر الناجحين وتراجمهم ليكونوا لكم القدوة والمثل الأعلى، ولا تسلكوا من الطرقِ إلا أصعبها، ولا تطلبوا من الأهداف إلا أبعدها، ومن الغايات إلا أسماها وأجلّها شأنًا ومكانة.. وإياكم والكسلَ والتواكل والتخاذل والاقتداء بالكاذبين الفاشلين خربي الذمة والضمير؛ فإنهم بئس القدوة، وبئس ما يقولون ويفعلون.

في ذكرى رحيل صاحب "القدس" تحيةً إلى روح صاحب هذه الذكرى، وتحيةً إلى هذا الصرح الإعلامي الشامخ، وتحية إلى أسرة الراحل الكبير ومحبيه، وإلى أسرة "القدس"، وكافة العاملين فيها مذ كانت، وتحية إلى الكلمة الصادقة الأمينة، والإعلام الهادف الملتزم المستنير.. تحية إلى القدس صحيفةً ومدينةً.. تحية إلى هذا الشعب العربي الفلسطيني على أرض فلسطين، وفي كل أماكن التشرد والتشتّت واللجوء.. وسلامٌ عليك يا أبا مروان في الخالدين.

29/3/2010


الخميس، ٢٥ آذار ٢٠١٠

متابعات
رسالة عاجلة إلى القمة ..
                                                                           أ. عدنان السمان
        لستم بحاجة إلى من يذكّركم بواجباتكم الوطنية والقومية.. ولستم بحاجة إلى من يذكّركم بواجباتكم تجاه قضية العرب المركزية.. ولستم بحاجة إلى من يذكّركم بكل قضايا العالم العربي والإسلامي، وقضايا العدل والحق والحرية والتحرر في هذا العالم.
        لا أريد في هذا اليوم الذي تلتئم فيه قمتكم أن أردد على مسامعكم ما يريده الناس في الشارع العربي، لأن ما يريده الناس في كل ديار العروبة كثير.. ولأن وقتكم لا يمكن أن يتسع لهذا كله.. ومع ذلك لا بد من الإشارة السريعة إلى قضية الأمن القومي العربي، وضرورة تحصين هذا الأمن وحمايته، وضرورة العمل الجادّ السريع من أجل حماية المواطن العربي، وحماية أمنه وأمانه، وحماية حقه في الحياة الحرة الكريمة، والعيش باحترام، وحقه في العلم، والرعاية الصحية والاجتماعية والاقتصادية، وحقه في العمل والمسكن، وحقه في القول والتفكير والتعبير... ولا بد من الإشارة السريعة إلى قضية التضامن العربي، والتعاضد العربي، والتعاون العربي على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية.. وإن لم يكن إلى الوحدة العربية الشاملة من سبيل الآن، فلا أقل من التنسيق بين أقطار العروبة على المستويات كافة خدمةً لهذه الأقطار، وخدمة للمواطن فيها، وخدمة لقضايا التقدم والتطور والتحرر، وخدمة للبحث العلمي والنهضة الشاملة التي تضمن لأمة العرب وجودًا فاعلاً محترمًا بين كافة الأمم في هذا العالم بعيدًا عن الاختراقات.. وبعيدًا عن كل أشكال التبعية للآخرين مهما كانت الذرائع والحجج والمسوّغات!! ولا بد من الإشارة أيضًا إلى هذه القضية الفلسطينية، وإلى قضية القدس رمز هذه القضية، وإلى المسجد الأقصى المبارك، والحرم الإبراهيمي، ومسجد بلال، وإلى كنيسة القيامة وسائر المساجد والكنائس في هذه الديار... ولا بد من الإشارة /أيها السادة/ بل لا بد من وقفة جادة عند كل هذا الذي يجري في القدس وفلسطين، وعند كل هذا الذي يتعرض له أهل القدس وفلسطين، وعند كل هذا الذي يتهدد الوجود العربي، والتراث العربي، والطابع العربي، والهوية العربية، والثقافة العربية الإسلامية في القدس وفلسطين، وعند كل هذا الذي يتعرض له الأطفال والشباب والنساء والشيوخ في فلسطين كل فلسطين.. بإمكانكم أن تشتروا القدس وفلسطين، بإمكانكم أن تشتروا فلسطين كل فلسطين.. فالمال بين أيديكم كثير، وكل شيء في هذه الديار تستطيعون أن تمتلكوه بأموالكم.. فهل تفعلون؟ وهل تسبقون الغربيين وغير الغربيين في هذا المجال الذي من شأنه أن يحافظ –ولو جزئيًّا- على حقٍّ قانوني لكم في هذه الديار؟
        اعلموا أن وقوفكم إلى جانب القدس والمسجد الأقصى هو وقوف إلى جانب مكة والمدينة، وإلى جانب الحرمين فيهما.. واعلموا أن دفاعكم عن فلسطين دفاع عن وجودكم وقصوركم وعواصمكم وبلدانكم وأقطاركم.. واعلموا أن إنقاذ القدس وفلسطين ليس بالأمر العسير إذا توافرت الإرادة والهمة والرغبة في ذلك، وأنه لا يتطلب منكم أكثر من قرار سياسي تلتزمون به، وتدافعون عنه.. واعلموا أن غاية ما يطلبه الناس منكم أن تتمسكوا بثوابت الفلسطينيين: فالقدس أرض عربية محتلة منذ عام سبعة وستين، وهذا يعني أنها جزء لا يتجزأ من الضفة الغربية مثل نابلس والخليل، وهذا يعني بالتالي أن يخرج المحتلون منها، وأن يعودوا إلى خط الرابع من حزيران، وهذا يعني أيضًا أن يخرجوا من الخليل ونابلس واللطرون، ومن سائر المدن والقرى المحتلة منذ حرب الخامس من حزيران دون أدنى نقص، ودون أي إبطاء أو تأخير.. ومن ثوابت الفلسطينيين ضرورة عودة اللاجئين والمهجَّرين الفلسطينيين إلى بيوتهم وأراضيهم التي أُخرجوا منها قبل اثنين وستين عامًا دون أدنى تلاعب أو تحريف أو تغيير في شكل القرار (194) أو في مضمونه، ذلك القرار الذي صدر في أعقاب النكبة، والذي ضمن هذه العودة لكل لاجئ ومهجَّر دون أدنى تسويف، ودون أدنى تزييف أو تلاعب أو تحريف.
        ما من حاجة/ أيها السادة/ لاستعراض القضية الفلسطينية، والخوض في قرارات المجتمع الدولي الصادرة بحق هذه القضية، فأنتم أعلم الناس بها.. وما من حاجة للتأكيد على أن الناس في هذه الديار لا يريدون منكم الآن أن تقوموا بما قام به الأيوبي صلاح الدين، ولا أن تفعلوا ما فعله العباسي المعتصم بن هارون الرشيد، بل يريدون منكم قرارًا سياسيًّا منصفًا يعيد الحقوق إلى أصحابها تلتزمون جميعًا به، وتعملون بكل قوة من أجل وضعه موضع التنفيذ.. كما يريدون منكم التقدم بجرأة لشراء ما تستطيعون شراءه بشيء مما لديكم من أموال.
إن ما يجري في القدس وفلسطين كثير.. لقد طفح الكيل /أيها السادة/ ووصل السَّيل الزُّبى.. فالأحرار يصرخون، والحرائر تصرخ، والقدس تستغيث، والأسرى يناشدون، والمحاصَرون ينادون، والجرحى والمرضى والمقهورون المأزومون يستغيثون، والمسجد الأقصى ينادي أمةً // ترَكتْه أضعفَ ما يكونُ مكانًا.. فهل يلبي قادة العرب النداء؟ وهل يستجيب قادة العرب لمطالب الفلسطينيين العادلة؟؟ نرجو ذلك.
25/3/2010

الأحد، ٢١ آذار ٢٠١٠

متابعات

في يوم النوم.. هل يصحو القوم؟؟

أ‌.      عدنان السمان

www.samman.co.nr

        يوم النوم العالمي ليس يومًا عاديًّا كغيره من الأيام؛ فالنائم في هذا اليوم يريد أن يشبع نومًا، ولهذا قال كثير من القائمين على أمر هذا اليوم، والمشرفين على راحة النِّيام وهدوئهم، وإطفاء شموعهم وأنوارهم، والحريصين على لذيذ مناماتهم وأحلامهم إنه يوم من ثلاثة أيام، كي تستقيم أمور النائمين في هذا اليوم المطوَّل الذي ضُمَّ فيه إلى هذا اليوم الحادي والعشرين من شهرنا هذا آذار أخواه الثاني والعشرين والثالث والعشرين، فيومُ نومٍ هانئٍ سعيد، ويومُ نومٍ هادئٍ مجيد يرجوه لكم منظِّموه، والمشرفون على راحة النائمين فيه.

        يوم النوم العالمي هذا يأتي في يوم الانقلاب الربيعي، وفي يوم عيد الأم، ومعركة الكرامة، وغيرها من المعارك الكثيرة التي خلّدها التاريخ.. ويوم النوم العالمي هذا يأتي في خضمّ هذه التحركات والمؤتمرات والاجتماعات والتجمعات والتظاهرات والزيارات المكثَّفة التي تستهدف حل هذه القضية المستعصية.. يوم النوم هذا يأتي في اليوم الذي يعود فيه المبعوث الأمريكي ميتشيل إلى هذه الديار، وفي اليوم الذي يتوجه فيه نتانياهو إلى الولايات المتحدة لحضور اجتماعات أقوى جماعات الضغط التي تتحكم بالسياسة الخارجية الأمريكية، وفي اليوم الذي يعلن الإسرائيليون للدنيا كلها وللمسلمين والعرب والفلسطينيين أيضًا أنهم لن يوقفوا الاستيطان، ولن "يتنازلوا" عن شبر من "أورشليم" عاصمتهم الأبدية، ولن يتنازلوا أيضًا عن شبر من "يهودا والسامرة"، ولن يسمحوا لأحد بإقامة دولة أو نصف دولة أو شبه دولة إلى جانب دولتهم أو قريبًا من دولتهم، ولن يسمحوا لعربي أو مسلم بامتلاك السلاح الذي يَرَون فيه تهديدًا لدولتهم.. وسيظلون يعملون جاهدين من أجل القضاء على كل من يهدد أمنهم، وعلى كل من يناصبهم العداء، أو ينتقد برامجهم في التوسع والاستيطان والسيطرة على الآخرين، ومن أجل القضاء على كل سلاح غير سلاحهم في كل بلاد العروبة والإسلام.. ليست هذه الأقوال مجرد افتراءاتٍ وتجنيات، وليست من قبيل المبالغات والتهويلات، وليست من نسج الخيال، وليست من باب التخرصات، والتكهنات والتوقعات، والمقالات الإنشائية، والخطابات النارية، والتحليلات السياسية التي تنقصها الأدلة والبراهين، وليست مجرد عناوين وردت في هذه الفضائية أو تلك، وفي هذه الصحيفة أو غيرها من الصحف.. هذه الأقوال وكثير غيرها هي من أقوالهم، أو هي مما تنطوي عليه أفكارهم وممارساتهم، ومما تشتمل عليه معتقداتهم وأدبياتهم، وتؤيده أفعالهم وأقوالهم ومواقفهم وممارساتهم، وكل تجارب الآخرين من عرب ومسلمين وفلسطينيين وشرقيين وغربيين معهم.

        على الرغم من أنني لست من محبي النوم، وعلى الرغم من تعلقي الشديد بالأدب، وولعي بالصحافة والسياسة وحب الإطلاع منذ أيام الطفولة إلا أن حكاية النوم، والكتابة في يوم النوم، وهل يصحو القوم في هذا اليوم هي ما تشدّني إليها هنا، وهي ما تفرض نفسها عليّ فرضًا الآن، ربما لطرافة هذا الموضوع، وحداثة هذه الفكرة وجِدَّتها بعد انتشار ثقافة التسكّع والتخمّع والكسل في بلاد السمن والعسل، ربما لتمكّن حب النوم بعد ذلك من كثير من الناس الذين تُجرى عليهم الأعطيات والمنح والمساعدات، فأصبح شعارهم: ناموا ولا تستيقظوا ما فازَ إلا النُّوَّمُ !!

        في يوم النوم العالمي نقول: ربما كان على حقٍّ في هذا النوم عاملٌ يصِلُ الليل بالنهار في سبيل إتقان عمله، وصولاً إلى تحقيق أمله.. وربما كان صاحبَ حقٍّ في هذا اليوم طالبٌ يهوى العلا، ويسعى إلى المعالي، فأعياه السهر وأضناه.. وربما كان ذلك من حق فلاّح أعطى أرضه من جهده وعرقه ومحبته فأعطته من خيرها وثمارها وغلالها التي نضجت قبل أوانها.. وربما كان من حق أمٍّ أنجبت وسهرت وتعبت في تربية أبنائها وتعليمهم وإعدادهم للحياة.. أما أن يزداد النائمون نومًا، والكسالى كسلاً، فهذا أمرٌ جلل، وتلك لَعمري كارثة تنذر هذه المجتمعات التي ابُتليت بها بشرٍّ مستطير، وتهددها الآن وغدًا وبعد غد بالويل والثبور وعظائم الأمور.. فلتكفَّ هذه الشعوب النائمة عن نومها، ولتنظر في صلاح أمرها، ورفعة أوطانها، وعزة إنسانها، وخير معاشها ومعادها.. ولتعلم هذه الشعوب أن الثقة بالنفس تفجّر الطاقات، وتصنع المعجزات، وتحقق الأهداف والغايات والأمنيات، وترفع من سقف التوقعات.

        في يوم النوم.. هل يصحو القوم؟ ولا أقصد بالقوم هنا الرجال دون النساء كما تعني هذه الكلمة.. وإنما أَخرج بها من معناها الجزئي النصفي إلى الكلّي الشامل المتكامل المعاصر لتشمل الأسرة كل الأسرة، والمجتمع كل المجتمع، والشعب كله، والأمة كلها رجالاً ونساءً.. شيبًا وشبانًا.. ذكورًا وإناثًا.. كبارًا وصغارًا.. نعم، هل يصحو القوم؟ وهل تصحو الأمة؟ وهل يترك هؤلاء الكبار جهل الصِّبا والباطل؟ وهل يفيقون من غفلتهم، ومن نومهم الذي طال أمده؟

        انظروا إلى الأمم والشعوب من حولكم تجدوا أن أعظمها شأنًا وأعزها مكانةً هي تلك التي اتخذت من العلم والعمل وسيلة لبلوغ القوة بمعناها الواسع الجامع لكل صورها وأشكالها ومضامينها ومعانيها، وبكل أسبابها ومسبباتها، وليس غريبًا أن تجدوا كثيرًا من التناقضات في كثير من المجتمعات، وعند كثير من الأمم والشعوب، وليس عجيبًا أن تجدوا قوة عسكرية هائلة في بلد يعاني من الفقر والفاقة: إما لانعدام الموارد أو قلّتها، وإما بسبب الضغوط والحصار الذي تفرضه القوى الكبرى لأسبابها الخاصة بها.. وليس عجيبًا أن تجدوا قوًى اقتصادية هائلة في بلدان لا تكاد تملك شيئًا من القوة العسكرية بسبب تحكم هذه القوى الكبرى أيضًا.. بمعنى أن هذه القوى الكبرى، أو الدول الكبرى، أو الدولة القوية المتنفّذة هي غالبًا ما تكون وراء هذه التناقضات، وهي التي تقف من خلف هذه الأزمات والتوتّرات والمشكلات التي تئن تحت وقعها كثير من الأمم والشعوب والمجتمعات.. الدولة القوية تحارب هنا وهناك، وتسطو على الثروات والخيرات هنا وهناك، وتضع يدها على مقدّرات الشعوب وممتلكاتها، وترغمها على السير في فلكها، والتبعيّة لها.

        ما الذي يحدث عندما تقع هذه الدولة القوية المتنفذة تحت تأثير جماعات الضغط المؤيدة لدولة أخرى؟ الذي يحدث يقينًا هو أن إمكانات تلك الدولة كافة، وإنجازاتها العلمية والعسكرية تصبح في متناول الدولة التي تؤيدها جماعات الضغط هذه!! يا لها من لعبة بارعة! ويا لها من وسيلة رائعة! ويا له من أسلوب لحكم الآخرين، والتحكم بهم (من حيث يعلمون أو لا يعلمون) من خلال هذه الدولة الكبرى القوية المتنفذة.. ومن عجب أن الغالبية الساحقة من الدول في هذا العالم تخضع بشكل أو بآخر لهذه الدولة الكبرى، وبالتالي فهي تخضع لتلك الدولة الثانية التي تحكمها من الداخل أو تكاد.. قد لا يكون الأمر على هذا النحو تمامًا، ولكنه قريب منه إلى حد بعيد، وربما كان أيضًا على هذا النحو بدليل أن رئيس تلك الدولة العظمى الكبرى المتنفذة لا يستطيع فعل شيء أمام أزمة تفجّرها في وجهه تلك الدولة التي تؤيدها جماعات الضغط هذه!! ومن عجب أيضًا أن كثيرًا من المشتغلين بالسياسة في هذا البلد أو ذاك يعتقدون أنهم كلما اقتربوا أكثر من تلك الدولة القوية المتنفذة، وكلما التصقوا بها أكثر كانوا أقرب إلى تحقيق الأهداف والطموحات!! وما من شك في أن الوضع يختلف بحسب مفهوم الهدف والغاية والطموح: فأما المستثمرون والمقاولون منهم فهم ماضون في هذا الشوط إلى غايته ومنتهاه، وأما من آثروا العامَّ على الخاص فيبحثون عن الوسائل والبدائل التي من شأنها أن تحقق لهم أهدافهم وغاياتهم وطموحاتهم.

        إن العمل مفتوحٌ بابه أمام الناس جميعًا في هذا العالم.. وإن العلم كذلك.. وإن كل مصادر القوة متاحةٌ للناس جميعًا.. وإن كل الأبواب مفتوحة أمام الناس.. فليعرف كل إنسان ما يريد.. وليعمل كل إنسان من أجل تحقيق أهدافه وأحلامه.. ولينظر كل إنسان من أي الأبواب سيدخل.. ولْيأخذ قراره بعد روية وتفكير، لأن القرار بطبيعته ملزم، ولأن الرجال الرجال لا ينامون في يوم النوم.. فهل من حقنا أن نتفاءل بعد كل هذا ونقول إنه في هذا اليوم قد يصحو القوم، فيوحدون جهودهم لما فيه خيرهم وخير البشرية جمعاء، وخير الناس في هذا العالم بدون استثناء؟؟

21/3/2010


الخميس، ١٨ آذار ٢٠١٠

متابعات

 

عشية انعقاد الرباعية في موسكو:

هذا ما يجري في القدس الشرقية!!

عدنان السمان

www.samman.co.nr

        لا نريد أن نقرأ على مسامعكم في هذا اليوم الذي تعقدون فيه اجتماعكم مقتطفاتٍ وحقائقَ وأرقامًا من سِفر النكبات الفلسطينية المتتالية منذ مئة عام، ولا نريد أن نزعجكم بالحديث عن شيء من المآسي التي عصفت بعرب فلسطين، والكوارث التي فتكت بأجيالهم المتعاقبة منذ البدايات الأولى للقرن الماضي وحتى أيامنا هذه، لعلمنا أن وقتكم قد لا يتسع لشيء من هذا كله، ولعلمنا أنكم إنما تجتمعون لمناقشة قضايا محددة، ومشكلات معينة، تتطلب منكم التدخل من أجل حلّها، إسهامًا منكم في التخفيف من معاناة الشعوب، وإسهامًا منكم في تحقيق الأمن والأمان والعدالة والعدل والاطمئنان لكافة الشعوب في هذا العالم.

وإذا كان الأمر كذلك فإنني لا أرى غضاضةً في أن أضع بين أيديكم شيئًا مما يجري في القدس الشرقية الآن إسهامًا في توضيح معالم الصورة الحزينة لهذه المدينة العربية التاريخية المقدسة، في انتظار جهودكم من أجل إعادة البسمة إلى وجه هذه المدينة التي كانت في يوم ما زهرة المدائن، ومدينة المحبة والسلام، وريحانة الشرق، وقلب فلسطين. القدس الشرقية التي احتُلت في العالم سبعة وستين (1967) ضُمَّت إلى الجزء الغربي المحتل منذ ثمانية وأربعين (1948) خلافًا لكافة القوانين والأنظمة والقرارات الدولية، وقد أُجريت فيها تغييرات كثيرة داخل أسوارها وخارج هذه الأسوار أيضًا بشكل مخالف لسائر التشريعات: فأُزيلت أحياء أثرية، وغير أثرية، وأُغلقت بوابات وطرق تؤدي إلى البلدة القديمة، وإلى المسجد الأقصى أول مسجد توجه إليه المسلمون في صلاتهم منذ فجر الإسلام، وهُدمت بيوت كثيرة داخل هذه البلدة وخارجها، وهُجِّر أهلها منها، وأُقيمت بيوت ومستوطنات، وبُنيت جدران، وأقيمت بواباتٌ، وبنيت كنسٌ، وأقيمت معابدُ ومؤسساتٌ ومدارسُ ومجمَّعات خاصة بهم، واختفى وجه المدينة العربي أو كاد، وشُطبت معالم الثقافة العربية والحضارة العربية وكل معالم التراث والهوية أو كادت، والقوم جادّون في إجراءاتهم لتهويدها، وزرعها بالمستوطنات والمستوطنين، وتحويل من تبقّى من أهلها إلى أقلية بائسة، وتحويل أحيائها إلى بؤر محاصَرة معزولة في بحر المستوطنات وتياراته الجارفة.. المدينة المحاصرة الممزقة معزولة عن محيطها العربي.. معزولة عن قراها وبلداتها التي كانت أجزاء لا تتجزأ منها منذ فجر التاريخ.. معزولة عن سائر المدن والقرى المحتلة منذ العام سبعة وستين.. يخضعونها لإجراءاتهم، وقوانينهم، وتشريعاتهم، وأنظمتهم، ويفرضون عليها حكمهم وأحكامهم في كل يوم!!.

واليوم يعتزمون الشروع ببناء خمسين ألف وحدة سكنية جديدة بل إنهم يباشرون الآن ببناء كثير منها، بالإضافة إلى كل ما بَنَوه فيها، ويفتتحون أعلى كنيس في البلدة القديمة على بُعد أمتار من المسجد الأقصى، ويعلنون يوم الثلاثاء السادس عشر من هذا الشهر (آذار) يومًا عالميًّا من أجل بناء هيكلهم الثالث، وتعتزم فئات منهم تنظيم مراسم تقديم قرابين "الفصح العبري" في المسجد الأقصى في التاسع والعشرين من هذا الشهر أيضًا، ويعتزمون تغيير معالم (269) مائتين وتسعة وستين معلمًا تاريخيًّا تشمل شوارع البلدة القديمة وطرقها وأزقتها، إن المقدسات الإسلامية والمسيحية مهددة بالخطر الشديد إذا أُغلقت أعداد من الشوارع والطرق في البلدة القديمة لفترات طويلة، دون أن يعلم أحد حقيقة الأوضاع التي سيؤدي إليها هذا المشروع التهويدي، ودون أن يعلم كثير من الناس مدى المخاطر التي ينطوي عليها، ومدى الأضرار التي قد يلحقها بالأمن والأمان والسلام ومستقبل الأجيال في هذه المنطقة من العالم. واليوم أيضًا يواصلون استخفافهم بالولايات المتحدة الأمريكية وبالقارة الأوروبية، والرباعية الدولية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وجامعة الدول العربية، كما يواصلون تحديهم لسائر القرارات الدولية التي نصّت صراحة أو ضمنًا على حقوق عرب فلسطين في بلادهم.. إنهم يريدون كل شيء، ولا يعترفون لغيرهم بشيء من  حق في هذه الديار.. وإنهم يتظاهرون بالرغبة في السلام، ولكنهم يفهمونه كما يحلو لهم، ويفسرونه وفق هواهم، ويصرّون على أن يستسلم لهم الطرف الآخر، بل الأطراف الأخرى، استسلامًا كاملاً يتنازلون لهم بموجبه عن كل شيء، وإن ظهر هنا وهناك من يرفض ذلك ويأباه، ويرفع صوته مطالبًا بحق، أو بشيء من حق حورب وعوقب واتُّهم باللاساميّة تارةً، وبالإرهاب تارةً أُخرى، وبالتحريض تارات!!

إن الرباعية الدولية التي تقف ضد الاستيطان في القدس وسائر الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام سبعة وستين، والتي تقف إلى جانب الحق والعدل في هذا الصراع المزمن على هذه الأرض منذ عقود.. هذه الرباعية مطالَبةٌ ببذل مزيد من الجهد في سبيل كفّ الأذى عن القدس، ورفع الظلم عن المقدسيين.. ومطالبةٌ بالعمل الجادّ من أجل وقف الاستيطان، وانسحاب المستوطنين إلى حدود الرابع من حزيران من عام سبعة وستين.. ومطالبةٌ أيضًا بالضغط من أجل رفع الحصار عن القدس، وفتحها من جديد أمام كل أبنائها ومحبيها الراغبين في زيارتها من أبناء هذه البلاد، ومن كافة ديار العروبة والإسلام.. كما أن الرباعية الدولية مدعوة للعمل من أجل حل القضية الفلسطينية حلاًّ عادلاً يستعيد معه الفلسطينيون حقوقهم، ويعودون معه إلى بيوتهم وممتلكاتهم، وبهذا يحل السلام الحقيقي، ويسود الأمن والأمان، ويعم الازدهار والرِّفاء والنَّماء هذه الربوع.. وبهذا تسهم الرباعية الدولية في حل معضلة حقوقية إنسانية أخلاقية مستعصية تؤرق الضمير العالمي منذ عقود..وبهذا تحول الرباعية دون تفجّر الموقف في هذه المنطقة من العالم بشكلٍ قد يذهب معه كل شيء في هذه الديار، وغير هذه الديار، أدراج الرياح.

 

18/3/2010


الاثنين، ١٥ آذار ٢٠١٠

متابعات                                                            

القدس تنادي.. فمن يلبي النداء ؟؟

                                                                              أ. عدنان السمان

www.samman.co.nr

        العرب والمسلمون والفلسطينيون جميعًا مدعوون لتلبية النداء.. الدنيا كلها مدعوة للتلبية.. ليس من القدس ولن يكون.. وليس من أحبابها ولن يكون.. وليس محبًّا للحق والعدل والخير والجمال والحرية ولن يكون من لا يلبي نداءها.. القدس تنادي أبناءها ومحبيها.. تنادي الطلبة العرب، والمثقفين العرب، والعمال العرب، والفلاحين العرب، والأحرار العرب، كي يفعلوا شيئًا من أجلها، وكي يفعلوا شيئًا من أجل أهل القدس، ومؤسسات القدس، ومنكوبي القدس، ومهجَّريها، وفقرائها، ومشرديها القدس تنادي أمة العرب كي تفعل شيئًا من أجل الأقصى والقيامة ومسجد عمر وكافة الكنائس والمساجد والمقدسات المسيحية والإسلامية في مدينة الصلاة "قلب فلسطين" عاصمة المحبة والتسامح والصفاء والضياء والسناء والوئام والسلام.. المسجد الأقصى ينادي أُمةً تَرَكَتْه أضعفَ ما يكونُ مكانًا.. القدس تنادي أمة العروبة والإسلام كي تفعل شيئًا من أجل أطفال القدس، وصبايا القدس، وشبابها، ونسائها ورجالها، وسائر مواطنيها.. وكي تفعل شيئًا من أجل هُوية القدس العربية، ومن أجل تاريخ القدس العربي، وجغرافية القدس العربية، وثقافة القدس العربية، ومعالم القدس العربية، وتراث القدس العربي، وأمجاد القدس عبر التاريخ منذ فجر التاريخ عندما أقام "يَبوسُ" أولَ بيت من مخطط البناء العربي في هذه المدينة العربية الفلسطينية الخالدة.. وعندما أطل عمر مكبّرًا في جيشٍ مكبّرٍ من الصحابة الأبرار، في جبل مكبِّرٍ يبلّغ السماءَ نداءَ الأرض واحتفالَها بهذا اليوم الأَغَر.. وعندما أصدر الخليفة الأموي المرواني عبد الملك تعليماتِه ببناء المصلى المرواني ومسجد الصخرة، وعندما أصدر تعليماتِه بأن تُطلى قبةُ الصخرة المشرّفة بالذهب الخالص بعد أن انطلق رسلُهُ في بلاد العرب والمسلمين بحثًا عن فقراءَ ومحتاجينَ فلم يجدوا!!.. وعندما دخلها القائد الأسطوري التكريتي الخالد صلاح الدين محرِّرًا حاملاً المنبرَ من دمشق إلى القدس في مسيرة ظافرة من البطولات والانتصارات على أرض فلسطين من الشمال إلى الوسط إلى الجنوب، ليضع هذا المنبر في مكانه من المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين.

        القدس تنادي.. فمن يلبي النداء؟ القدس تنادي أبناءها في العالم الإسلامي كي يفعلوا شيئًا من أجل سلامها، وسلامتها، وسلامة مقدساتها، وسلامة أجيالها على هذه الأرض المقدسة.. وكي يفعلوا شيئًا من أجل إعادة البسمة إلى عيون أطفالها، وكل أطفال فلسطين الذين أنستهم الهموم والأحزان والآلام طعم المحبة والحنان، ومعنى الفرح والابتسام، والعيش بأمن وأمان وثقة واحترام.. وكي يفعلوا شيئًا من أجل سلام هذه المنطقة الذي بات مهدَّدًا تتقاذفه الرياح ذات اليمين وذات الشمال، دون أن يتقدم أحد لإنقاذه، ووضع حد للمخاطر والانهيارات التي تتهدده منذرةً بشرٍّ مستطير يغشى البلاد والعباد، ويأتي على الأخضر واليابس أو يكاد.

        شعوب العالم كله مدعوة لتلبية نداء القدس.. الولايات المتحدة الأمريكية، والقارة الأوربية، ودول العالم الثالث، ودول أمريكا اللاتينية، والصين، وروسيا، وكافة الشيوعيين والرأسماليين مدعوون جميعًا لتلبية النداء.. العالم كله مدعوٌّ لوضع حد لكل ما يجري في القدس، ولكل ما يستهدف المقدسيين العرب ومقدساتهم وممتلكاتهم وحرياتهم وحقوقهم ومعتقداتهم.. العالم كله مدعوٌّ لحماية القدس والمقدسيين، ووضع حد لكل مظاهر التهويد والهيمنة والتضييق والاستعلاء والاستكبار والمداهمات والملاحقات والمصادرات والاعتقالات، ووضع حد لكل أساليب القمع والتهديد والتخويف والعقوبات الجماعية التي يتعرض لها شعب مسالم أعزل يئن تحت احتلال استيطاني إحلالي إقصائي منذ عقود وعقود.. العالم كله مدعوٌّ اليوم لحماية المسجد الأقصى من المخاطر التي تتهدد وجوده، وحماية سائر المقدسات الإسلامية والمسيحية في هذه المدينة العربية المسالمة العصيّة على الغزاة والمحتلين.  

        مجلس الأمن مدعوٌّ لعقد اجتماع طارئ يتدارس فيه الأوضاع في القدس، ويتخذ القرار المناسب الذي يضع حدًّا لكل معاناة المقدسيين وآلامهم ومخاوفهم، والاعتداء على مقدساتهم، وحقوقهم المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية التي لا يجوز لأحد أن ينتقص منها، مهما كانت الذرائع والحجج والمسوّغات، لأن أحدًا لا يملك حق العدوان على الشعوب، ولأن أحدًا لا يحق له استعباد الآخرين مهما كانت أسبابه، ومهما كانت أساليبه، ومهما كانت ذرائعه!! الشعوب جميعًا يجب أن تمتلك حريتها، وتستعيد كرامتها وحقوقها السليبة.. إن مجلس الأمن قادر على إنقاذ القدس، وإنقاذ المقدسيين.. وقادر على إنقاذ الفلسطينيين جميعًا داخل بلادهم فلسطين وخارجها بقرار واحد يأخذه بالإجماع بعيدًا عن "الفيتو" الأمريكي.. يُلزم فيه المعتدي بالكف عن عدوانه، ويُلزم فيه المحتلين بالخروج من الأراضي التي يحتلونها خدمة للعدل والامن والسلم الدَّولي.. فهل تفعل أمريكا ذلك ؟ وهل تلبي أمريكا نداء القدس ؟ وهل تلبي أمريكا نداء الفلسطينيين والعرب والمسلمين في إنقاذ القدس من المخاطر التي تتهددها؟ وهل تنتصر أمريكا الآن، وقبل فوات الأوان لنداء الحق والعدل والسلام؟ نرجو ذلك.

15/3/2010


الأربعاء، ١٠ آذار ٢٠١٠

متابعات

وماذا بعد كل موجات الغضب والاستنكار ؟؟

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

        الفلسطينيون والعرب والمسلمون والمجتمع الدولي بأسره وكل أنصار الحق والعدل والخير والسلام في هذا العالم، ومعهم اليسار الإسرائيلي والأمميون جميعًا في هذا الكون، وإلى جانبهم الرسميون الأمريكان وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي أوباما ونائبه بايدن ومبعوثه إلى الشرق الأوسط وفلسطين ميتشيل، ومن ورائهم الرباعية الدولية، والمتابعة العربية، والمبادرون العرب، وجامعة العرب، ومنظمة المؤتمر الإسلامي.. كل هؤلاء وأولئك غاضبون عاتبون مستهجنون مستنكرون هذه التصرفات الإسرائيلية، وهذه الإجراءات الإسرائيلية، والقرارات الإسرائيلية بالمضي قُدُمًا في نهج الاستيطان، وتوسيع دائرته ليأتي على كل الأرض العربية الفلسطينية، وليبتلع فلسطين كل فلسطين، ويشرد الفلسطينيين كل الفلسطينيين.. ولئن شهد الناس في هذه الديار كثيرًا من موجات الغضب والاستنكار على امتداد السنوات الستين الماضية إلا أن ما يرفع وتيرة هذه الموجة التي تعصف الآن بهذه الديار وبكل أنحاء العالم دون استثناء هو أنها تأتي تعبيرًا عن مشهدين اثنين: أما الأول فمشهد الفلسطينيين الذين وافقوا على استئناف هذه المفاوضات على الرغم مما ألحقته بهم المفاوضات على امتداد ثمانية عشر عامًا من خسارة وإجحاف... وأما الثاني فمشهد الرسميين الأمريكيين وقد تفجرت في وجوههم هذه العاصفة الهوجاء من عواصف الاستيطان التي ابتليت بها هذه الديار منذ عقود.. أوباما الرئيس الأمريكي أكثر من غاضب لما جرى.. وميتشيل غادر بصمت في أعقاب قرارهم ببناء (112) وحدة سكنية على أراضي حوسان.. أما بايدن الذي قطع الوعود، وجدّد العهود فهو ذاهلً لما يرى، غاضب مما يسمع مستهجنٌ مستنكرٌ لما يجري.. ولكن!!

        ماذا بعد؟ وماذا بعد كل موجات الغضب والاستنكار؟ وماذا بعد هذه القرارات المتعاقبة بالاستمرار قُدمًا في طريق الاستيطان؟ وماذا بعد موجة الغضب العارمة التي يشهدها الكون اليوم؟ وماذا بعد غضب بايدن واستنكار أمريكا؟ بل ماذا بعد فشل هذه المفاوضات، أو "مباحثات التقارب" قبل بدئها؟؟ ماذا سيقول أوباما اليوم؟ وماذا سيفعل بايدن الآن؟ وماذا سيقول ميتشل عند عودته إلى هذه الديار في السادس عشر من هذا الشهر إن هو عاد؟؟ وماذا سيفعل الفلسطينيون بعد كل هذه الإخفاقات والإحباطات والتراجعات؟ وما الذي سيحدث الآن ؟؟

        أغلب الظن أن شيئًَا لن يحدث، وأغلب الظن أنهم سيظّلون سادرين في استيطانهم وتنكرهم لكل حقوق الفلسطينيين الثابتة والمتحركة أيضًا، وسيظلون سادرين في تهويد القدس وما تبقى من فلسطين لأن فقه الخنوع يقول: من يهن يسهل الهوان عليه// ما لجرح بميت ايلام!! ولأن ما نفعله نحن هو ما يشجعهم على فعل ما يفعلون.          

10/3/2010

 


السبت، ٦ آذار ٢٠١٠

متابعات

حول قرار لجنة المتابعة باستئناف المفاوضات

أين هي الضمانات؟ وأين الكفلاء والمرجعيات؟؟

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

        لم يذكر التاريخ في سجلّه الحافل بالحوادث والأحداث والمعارك والحروب التي شهدتها الأمم والشعوب على مَرِّ العصور، وتعاقب الدهور أن أمةً ضعيفة قد وقفت في وجه غازٍ، أو طامعٍ، أو عابث، أو معتدٍ.. وأنها تمكنت من صدّه وردّه بضعفها.. ولم يذكر التاريخ أن شعبًا عاجزًا قد أخذ مكانه إلى جانب الشعوب القوية مهما أوتي من سحر البيان، وذلاقة اللسان، ومهما كان صاحب حق، ومحبًّا للحق.. ولم يذكر التاريخ أن قومًا قد فرضوا احترامهم على غيرهم من الأقوام بدون القوة الكافية التي تضمن لهم ذلك. ليس هذا فحسب؛ بل إن التاريخ حافل بقصص الدول والممالك التي انهارت، وبحكايات الأمم والشعوب التي بادت بعد أن أصابها الوهن، وتسربت إليها عوامل الضعف، ووجد أعداؤها الفرصة سانحة للانقضاض عليها، وإخضاعها، والسيطرة على خيراتها وممتلكاتها، واستعبادها في كثير من الأحيان، دون أن تشفع لها أخلاقها، ودون أن تنقذها من مصيرها المحتوم أحسابها وأنسابها، ودون أن ينفعها في كثير أو قليل حبها للحق والعدل والخير والجمال، ودون أن يردع أعداءَها ميلُها للسّلم، ورغبتها الشديدة في العيش بسلام.

        كان لابد من هذه المقدمة، ونحن نعيش اليوم أوضاعًا، ونحيا أحوالاً يضيق لهولها صدر الحليم.. ونقف على مفترق طرق يتطلب السيرُ في أحدها حكمةً بالغةً، ورؤية واضحة، وبصيرة نافذة، وتجربة كافية، وحرصًا شديدًا، ورأيًا سديدًا، وفكرًا رشيدًا.. بل إننا نسير في حقل من الألغام، ومصائد المغفلين التي لا ترحم جاهلاً، أو متسرعًا، ولا تُبقي على مقامر أو مغامر، أو مغرور.. وكان لابد من هذه المقدمة، وقضيتنا تمر اليوم في أدق مراحلها: إنهم يستنفرون، وهاهم يتوافدون ويتواردون ويتشاورون ويتهامسون، ثم يهددون ويتوعدون ويرغون ويزبدون؛ فإما أن نكون، أو لا نكون.

        قبل ستين عامًا، وبعد كل ما جرى في فلسطين، ولفلسطين والفلسطينيين، كان التصريح الثلاثي الذي التزم الغرب بموجبه التزامًا صريحًا بأمن إسرائيل والإسرائيليين.. وتعاقبت بعد ذلك التصريحات، وتوالت التلميحات والتوضيحات، وتعددت الضمانات، وصدرت البيانات، وتنوعت الالتزامات لهذه الدولة الوليدة في فلسطين بالحماية والرعاية والإمداد بالمال والسلاح والرجال وسائر التسهيلات التي تجعل منها الدولَة القوية، والقلعةَ العصية، ورأسَ جسر للغرب والغربيين، وحربةً في خاصرة العرب والمسلمين، ومنطلقًا لتمزيقهم وتشتيتهم، وتفريق كلمتهم، وتبديد قواهم، ونشر الفساد بينهم، وشراء ذممهم، واختراقهم، وبعثرة صفوفهم وجهودهم، وبثّ الرعب في قلوبهم حتى يستكينوا ويستسلموا، ويَقبلوا –شاكرين- باللقمة التي يقدمها الغربيون لهم، ويكتفوا بهذا الخير الذي يجريه عليهم الغربيون، ومن والاهم، ومالأهم، وسار في رِكابهم من شرقيين، ومن عرب ومسلمين.

        وقبل ستين عامًا قرروا أن من يرفض هذه الوصاية الغربية من أبناء هذه الديار عاقبوه بالحبس والتجويع، وحاربوه بالإشاعة والعزل والإقصاء وتسليط الأتباع عليه، حتى يستقيم لهم الأمر، وحتى لا يبقى في هذا الشرق من يرفع صوته محتجًّا على تدخل الغربيين، ومعترضًا على صلفهم واستبدادهم في كل ديار العروبة والإسلام. ولما لم تجرِ الرياح بما تشتهي سفنهم صعّدوا من أساليب العقاب، وصور الحرب التي باتوا يشنّونها على المحتجين المعارضين لهيمنتهم من أبناء هذه الديار، حتى باتوا ينتهجون سياسة الأرض المحروقة في كثير من الأقطار على امتداد العالم العربي الإسلامي، إلى الحد الذي أصبح معه كثير من أبناء الغرب، وكثير من الإسرائيليين أنفسهم يقفون إلى جانب العرب، وإلى جانب الفلسطينيين، وإلى جانب المسلمين في حروبهم ضد العدوان والاستبداد والاستعباد، وفي حروبهم من أجل تحرير أوطانهم من الغزاة الغربيين، ومن تحكم الطغاة الفاسدين المفسدين الذين دأبوا على استباحة حرمات الشعوب، والعبث بأمنها وأمانها، والسيطرة على مقدَّراتها ومقدساتها، ووضع اليد على ممتلكاتها ومصائر أبنائها وبناتها، ومصادرة حرياتها، ومستقبل أجيالها.

        واليوم، وبعد كل هذا التاريخ الحافل بالحوادث والأحداث منذ النكبة الأولى، وبعد كل جراح النكبة الثانية وآلامها وتداعياتها، وبعد أكثر من اثنين وعشرين عامًا من الانتفاضة الأولى، وأكثر من واحد وعشرين عامًا من إعلان الاستقلال، وبعد ثمانية عشر عامًا من المفاوضات وقيام سلطة للفلسطينيين على جزء من أرض فلسطين، وبعد نحو عشر سنوات من الانتفاضة الثانية، وبعد كل هذه الخسائر المادية والمعنوية، وكل هذا النقص في الأرواح والأنفس والثمرات، وكل هؤلاء الأسرى الذي تعج بهم السجون والمعتقلات، وكل هذه الجدران والبوابات والمستوطنات، وكل هذه المداهمات والمصادرات، وكل هذه البِطالة التي تفتك بمئات الآلاف من العاملين والعاملات، ومن الخريجين والخريجات، وبعد كل هذا الحصار الجائر، والعدوان الصارخ على القطاع الشامخ، وبعد كل هذه الممارسات بحق الأرض والإنسان والمقدسات، وكل هذه التجاوزات، وارتكاب الموبقات والكبائر والمحرمات جهارًا نهارًا وعلى المكشوف، وبعد كل هذا الاستخفاف بالفلسطينيين والتنكر لحقوقهم الثابتة في بلادهم فلسطين. اليوم تقرر لجنة المتابعة العربية أن تمنح المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية غير المباشرة مدة أربعة أشهر تكون فرصة أخيرة لإحلال السلام بين الجانبين!! فأين هي الضمانات؟ وأين هم الكفلاء؟ وأين هي المرجعيات؟؟

        الرسميون الأمريكيون يذرعون هذه الديار ذهابًا وإيابًا للتقريب بين وجهات النظر، بهدف التوصل إلى اتفاق ينهي الخلافات، ويفتح الطريق أمام سلام دائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أساس حل الدولتين الذي ارتآه الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش. رئيس الدولة العبرية شيمعون بيرس يجري اتصالات حثيثة لضم "كاديما" إلى حكومة نتانياهو العاجز عن دفع المسيرة السلمية إلى الأمام بسبب ضغوط اليمين المتعنت، في محاولة منه لتشكيل حكومة "وحدة وطنية" تكون قادرة على دفع التسوية السلمية إلى الأمام. نتانياهو يعلن صراحة أنه لن يغير الوضع الراهن في المواقع المقدسة بالضفة الغربية، ويرحب في الوقت نفسه بقرار لجنة المتابعة العربية، الذي رحبت به واشنطن أيضًا، ويتوقع أن يشغل منصب وزير الخارجية إذا اضطر "ليبرمان" للاستقالة بسبب قضايا الفساد.

        جهود عربية وفلسطينية تُبذل لتوقيع المصالحة الفلسطينية الفلسطينية قبل موعد القمة المقررة في السابع والعشرين والثامن والعشرين من هذا الشهر. الرئيس الفلسطيني محمود عباس يقول إنه سيواصل السير في طريق السلام لاستعادة الحقوق، أما إذا فشلت هذه المفاوضات، فسوف يرفع الأمر إلى مجلس الأمن. أما سوريا فقد أبدت تحفظاتها على قرار لجنة المتابعة العربية، وقال وزير خارجيتها إن لجنة المتابعة قد تجاوزت صلاحياتها، وليس من شأنها أن تأخذ قرارًا باستئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، حتى لو كانت هذه المفاوضات غير مباشرة، وقد قال مخاطبًا الأمين العام للجامعة إن هذا القرار لم يؤخذ بالإجماع، بمعنى أنه قرار غير شرعي بموجب أنظمة الجامعة العربية. وأما حماس فقد اعترضت على استئناف هذه المفاوضات. والرئيس التركي يحذّر من المساس بالأقصى، ومن تردي الأوضاع في القدس وغزة..

        بعد كل هذه التحركات، وبعد كل هذه الخلافات في الأهداف والمواقف والغايات، لا بد من الإشارة إلى ما يقوله الإعلام الإسرائيلي، وإلى ما يعلنه الإحصاء الإسرائيلي من أن الإسرائيليين ماضون في بناء الجدار، وماضون في هدم البيوت، واقتلاع الأشجار، وماضون في مصادرة الأرض، والتضييق على الناس، وماضون في تهويد مدينة القدس، وماضون في حفرياتهم حول الأقصى، ومن بين يديه، ومن خلفه، وماضون في ضم الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال وغيرهما من الأماكن المقدسة إلى تراثهم، وماضون في التنكر لأبسط حقوق عرب فلسطين في بلادهم فلسطين.. ولا بد من الإشارة إلى ما يؤكده المراقبون، ويقوله المحللون السياسيون من أن هذه المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية التي أُعلن عنها بين الطرفين بشكل غير مباشر لن تحرز أي تقدم على مستوى الثوابت الفلسطينية، ولن تضع حدًّا للاستيطان، ولن ترفع أيدي المستوطنين عن القدس.. بمعنى أن جديدًا على هذه المستويات لن يحدث.. إن نجاح هذه المفاوضات أمر مشكوك فيه كما تؤكد المصادر العربية، والمواقف والممارسات الإسرائيلية، ويكاد يكون في حكم المؤكد أن يعاد طرح هذه القضية برمتها على مجلس الأمن من جديد.. وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا!!

        بقي أن نقول إن الإسرائيليين هم المستفيدون من هذه الفرصة التاريخية التي أُضيفت إلى فرص كثيرة سبقتها، وسوف يَصِلون الليل بالنهار في سبيل استكمال سيطرتهم وفرضها على ما تبقّى من هذه الديار، حتى لا يكون هنالك مجال لدولة أو شبه دولة، أو دويلة مهما كانت هزيلة في الجزء المخصص لما يطلقون عليه اسم دولة الفلسطينيين.  

        صحيحٌ أن الفلسطينيين أصحاب حق في بلادهم فلسطين، وصحيح أنهم أصحاب حقوق تاريخية ودينية وثقافية وتراثية ومادية ومعنوية وأدبية في هذه الديار، ولكن صحيحٌ أيضًا أن الحقوق لا تُستردّ بالضعف والتمنيات والانقسامات وتعدد الولاءات.. وصحيح أيضًا أن المفاوضات وسيلة من وسائل الأقوياء لفرض شروطهم، وتتويج انتصاراتهم بفرض املاءاتهم.. فالقوي هو الذي يملي، والضعيف هو الذي يكتب، والتاريخ هو الشاهد، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وحسبي الله ونعم الوكيل.

6/3/2010


الخميس، ٤ آذار ٢٠١٠

إعادة

  العراق..هل يستعيد عافيته,ويسترجع مكانته؟

 

أ.عدنان السمان

www.Samman.co.nr

 

 

 

شلالات الدماء,والتفجيرات,والموت الزؤام الذي يحصد أرواح العراقيات والعراقيين صباح مساء,والنيران التي تحقد أجسادهم,وبيوتهم,ومنشآتهم,ومزارعهم,وعيون أطفالهم وكل صور الشقاء والبؤس والتنكيل والتقتيل التي يعصف بالعراق العربي في بغداد والموصل والبصرة,وفي كل مدن العراق وقراه..وكل محاولات السيطرة على العراق,ونهب ثرواته وخيراته,وكل محاولات تمزيقة وتقسيمه وبناء الجدران بين مدنه,وبين الأحياء والحارات في المدينة الواحدة,وكل محاولات إقصاء أحرار العراق وحرائره عن المشاركة في تقرير مصيره,وإنقاذه مما هو فيه من فوضى وتخبط واضطراب ودمار وموت..كل شلالات الدماء,وكل صور الشقاء,وكل محاولات التمزيق والتقسيم والإقصاء يجب أن تتوقف في الحال,وكل محاولات السيطرة وتكريس الاحتلال والاستعباد والاستبداد يجب أن تتوقف هي الأخرى..يجب أن يرفع الغزاة أيديهم عن عراق العرب..يجب أن يعود الأمن والأمان والسلام والوئام والحب والبناء والإعمار والتقدم إلى أرض العراق العربي الواحد الموحد,ولإلى شعب العراق العربيّ الأبيّ..أعمال السلب والنهب والعربدة وسفك الدماء يجب أن تتوقف..عمليات القتل,والترويع,والإعدام,والتخريب,والتهجير,والبلقنة, والقرصنة,والفساد يجب أن ينتهي..المعتدون يجب أن يغادروا أرض العراق العربي غير مأسوف عليهم,والمتواطئون يجب أن يكفّروا عن سيئاتهم,ويلتمسوا المغفرة  من شعب العراق الصابر,والعراقيين الذين هاجروا أو هُجّروا أو أُرغموا على الهجرة يجب أن يعودوا إلى أرض الوطن,والكفاءات والمهارات والخبرات والأدمغة يجب أن تعمل من جديد من أجل بناء عراق العرب الواحد الموحد.                                                                                                                                

       العراقيين الذين أحبوا العراق,وأخلصوا إليه المودة,وتعلقت به قلوبهم  وعقولهم,وعملوا من أجل عزته واستقلاله وخلاصه من براثن الغزاة المعتدين..هؤلاء العراقيون الذين لم يتسرب الخوف إلى قلوبهم الكبيرة يومًا,ولم يتطرق اليأس إلى نفوسهم الأبية,ولم يهنوا,ولم تلن لهم قناة..هؤلاء العراقيون الأباة الذين بادلوا أرض العراق,وتاريخه,وحضاراته,وثقافته العربية الإسلامية الخالدة حبًّا بحب,واستمدوا الثبات والعزم والقوة والإصرار على التصدي وقبول التحدي حتى تحقيق النصر من بغداد التاريخ والأمجاد عاصمة الرشيد,ومن دمشق عاصمة الأمويين /قلب العروبة وظهر الإسلام هؤلاء العراقيين الأوفياء المنتصرون,وهم الذين سيعودون بالعراق إلى سابق عهده,وسيعودون بالعراقيين إلى تلك الأزمنة المشرقة من تاريخهم الحافل بالأمجاد والعز والفخار,دمهم ,وبهم,وبإصرارهم على التحرير,وتحقيق النصر الأخير في سلسة الانتصارات التي حققوها على امتداد المعارك الدامية التي خاضوها..معهم,وبهم,وبتضحياتهم,وانتمائهم إلى أرض العراق ,وشعب العراق سيستعيد العراق العربي عافيته,وسيسترجع العراق العربي مكانته,وسيعود العراق العربي الماجد كما كان قلعةً من قلاع العروبة الشامخة,وحصنًا من حصونها المنيعة الممنّعة,وسيكتب التاريخ أن الغزاة الطامعين قد خرجوا من أرض العراق خائبين نادمين خاسرين يجرون ذيول الخيبة والهزيمة والمذلة..وسيكتب التاريخ أن شعب العراق العربي ,ومعه كل شرفاء العرب,وكل أحرارهم,ومجاهديهم,وكل أحرار العالم,وشرفائه قد انتصروا على ذك العدوان,وقد لقّنوا الغزاة دروسًا من الصعب أن ينسوها.                                            

لقد أن للغزاة الطغاة المعتدين أن يعموا أن النصر في النهاية للشعوب,وأن الأمم إذا هبّت حطّمت السلاسل والقيود والأغلال,وأن كل أشكال العدوان والاحتلال إلى زوال,وأن تزوير الوثائق,وإشعال الحرائق ليست الوسيلة للتفاهم والمحبة والوئام ونشر السلام في هذا الكون..فهل يفهم الغزاة هذا؟وهل يعتبرون ويتّعظون؟وهل يكفّون عن أطماعهم واعتداءاتهم على الناس؟نرجو ذلك.                                                                                   

أن تكون دائمًا على حق,وأن يكون غيرك دائمًا على باطل,وأن تكون مصيبًا في كل أقوالك وأفعالك وقراراتك أمر مبالغ فيه لايرتضيه لك المنصفون من الناس،ومسالة فيها أكثر من رأي ،وأكثر من وجهة نظر ،وقضية ليس لك فيها من مساند ومؤيد، أو مؤازر إلا أخو زاد ،وصاحب نؤي ، وجارُ رماد، وهؤلاء على الأرجح، وفي الغالب،ومن المرجَّح فئة من المستفيدين الذين لا يُعتمد عليهم في الملمات ،بل هم أول من ينقلب عليك ، إذا مالت الريح مالوا حيث تميل،إلا قليل منهم ممن ربطوا مصيرهم بمصيرك ، وكانوا شركاء لك منذ البداية في المهمات التي أخذتَ بها نفسك ، وهؤلاء لا يجلبون لك عند ذاك نفعًا،ولا يدفعون عنك ضَرًّا، لأن الحابل في الساحة قد أختلط بالنابل ،ولأن الحدود بينك وبينهم قد امَّحت منذ زمن ، ولأنهم معك في مواجهة الأمواج والأعاصير        والتيارات العاتية.                                                                                                                      

     لقد قالوا قديمًا إن من أكل من زاد السلطان ضرب بسيفه،أو هكذا يفترض هؤلاء القائلون وهكذا يتصورون,أو يتخيلون ؛فزاد السلطان الذين يتحدثون عنه لم يأت به هذا السلطان من عرق الجبين,ولأن مثل هذا الزاد في الأصل حقٌّ لكل الآكلين,ولأن مصدره ومنشأه بلاد العرب والمسلمين,ثم تضاعف هذا الزاد وزاد,,وُوضع بين يديه,وصار وقفًا عليه,ليصبح منّةً ومنحةً ورشوةً تُقدم منه إلى أصحاب الحق الطبيعي فيه لقاء الموافقة على كل ما يقول,وعلى كل ما يفعل,ولقاء الإقرار ببصمة الإبهام وغير الإبهام,بأن أفكاره دائمًا نيرة,وبأن قراراته دائمًا حكيمةٌ صائبة,وبأن آراءه صحيحة,وكلماته صريحة,ومفرداته فصيحة فصيحة,فما المطلوب بعد هذا كله؟أليست موافقة من ألف إلى الياء خيرًا عميمًا يصيب البلاد,ويغشى العباد؟فلا بأس أن يكون دائمًا على حق,ولا بأس أن يكون الفارس المغوار الذي لا يُشق له الغبار,ولا بأس أن يكون أكثر من ذلك ما دام هناك أكَلة,وما دام هناك ما يأكلونه,وما دام هنالك من يرسلون القمح والشعير..وعندما تنقلب الحال,وتتغير الأحوال,وينضب معين الأموال يصبح هذا الحق باطلاً وأي باطل,وينبري هؤلاء,وأولئك مهاجمته,وإلصاق أبشع الصفات به,واتهامه بارتكاب الكبائر,واقتراف الموبقات,واجتراح السيئات ما ظهر منها وما بطن,ولكن بعد فوات الأوان,وبعد أن شبع الناس موتًا,وتجرّيح الأحرار كل كؤوس المهانة والمذلة والهوان,واستبيحت الحرمات,وارتُكبت المحرمات,ونُكل بالأحرار والحرائر والثوار,وكل عشاق الأرض والشمس والحرية,وعُلّقوا وصُلبوا في الساحات,وعلى أفواه الدروب والطرقات.

المسافة ليست واحدة بينك وبين أهدافك وغاياتك..قد تطول المسافات,وتبتعد الأهداف والغايات,وقد تنتفي الصلة بين الأسباب والمسبًّبات في غياب المسبَّبات,وقد لا تنتفي بانتفائها الوسائل للوصول إليها,والالتفاف عليها,وقد تكثر البدائل لمحاصرتها ومباشرتها والنيل منها,وتحقيقها جهارًا ونهارًا,طوعًا أو كرمًا,وعلى رؤوس الأشهاد..وقد تكثر المسافات,وتكثر المكاسب في غياب ما يسمونه بالانجازات..وهذا أمر مألوف ,وواقعٌ,مجرَّبٌ مُعاش معروف,ولكن المسافة قد تبدو واحدة في أعين محدودي التجارب والخبرات من اليافعين الأغرار,ومن ذوات الخدور, وربات الحجال والستور..هم يرونها واحدة في كل الاتجاهات,والهدف معلق  متأرجح من هذه الأرض وتلك السماوات..قد يبلغ فاك,ثم يمضي ليستقر عند قبة الفلك,ويمضي بعد ذك مسرعًا متعامدًا مع اغيمة التي تظلك من وهج الشمس,ثم يهوي مثل نيزك..قد لا يجدي البحث الآن,أو فابحث إن شئت في كل آن,وفي شتى المسارات والاتجاهات,فقد تجمدت عند حدود الأفق كافة الأمنيات والتمنيات,وضجّ الكون,وغضب,وأرغى,ثم أزبد؛فكان المطر الأسود,وكان بعد ذلك الطوفان.

(4/3/2010)