عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


السبت، ٣٠ تموز ٢٠١١

الرئيس عباس يحقّق نصرًا دبلوماسيًّا كبيرًا لفلسطين!!

متابعات
الرئيس عباس يحقّق نصرًا دبلوماسيًّا كبيرًا لفلسطين!!
أ.عدنان السمان
     في خطابه أمام سفراء فلسطين الذي ألقاه الرئيس محمود عباس في اسطنبول بمشاركة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أوردوغان تمكّن الرئيس الفلسطيني من إقناع سامعيه بصحة وجهة نظره، وبصدق توجهه، وعمق إيمانه بما يقول، كما تمكن الرئيس من مخاطبة الغرب بشقيه باللغة التي يفهمها هذا الغرب، ليحقق الرئيس بذلك نصرًا دبلوماسيًّا كبيرًا لفلسطين، وللقضية الفلسطينية، وليسجل كذلك كثيرًا من الأهداف في مرمى اليمين الإسرائيلي المتشدد، وكثيرًا من الأهداف في مرمى الحزب الأمريكي الحاكم، وفي مرمى الحزب الأمريكي المعارض، وفي مرمى كثير من الأحزاب الأوروبية الحاكمة وغير الحاكمة المؤيدة صراحة أو ضمنًا لإسرائيل.
    على أن هذا النصر الكبير الذي تحقق، لا بد له من تأييد كثير من الأشقاء، وكثير من الأصدقاء، وكثير من أنصار الحق والعدل والحرية في هذا العالم، لتحقيق أهداف هذا الشعب العربي الفلسطيني في الحرية والدولة والاستقلال وحياة الاستقرار.. إن العرب والمسلمين مضافًا إليهم كل أنصار الحق والعدل في هذا العالم يستطيعون _يقينًا_ استصدار قرار من هيئة الأمم بميلاد هذه الدولة الفلسطينية الحرة المستقلة على سائر الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ سبعة وستين، على أن تكون القدس العربية عاصمة هذه الدولة، وعلى أن يضاف إليها ما احتله الإسرائيليون عند إقامة "دولتهم" من مساحة الدولة الفلسطينية التي نصَّ عليها القرار (181) الصادر في 29-11- 1947 ومساحته (3510 كم2)  لتقام الدولة الفلسطينية على ما مساحته (11751كم2) من مساحة فلسطين التاريخية البالغة (27009 كم2) وعلى أن لا يكون من حق أحد أن يتعرض للعرب الفلسطينيين الذين كانوا يعيشون في بيوتهم وعلى أراضيهم عند صدور قرار التقسيم المشار إليه، بمعنى أن الدولة اليهودية المشار إليها هي لكل سكانها عند صدور ذلك القرار، وأن الدولة العربية هي دولة لمواطنيها العرب فقط، وإذا كان احتلال الإسرائيليين ما نسبته 13% من الأرض المخصصة للدولة العربية في فلسطين هو إجراء باطل، وإذا كان احتلالهم الضفة الغربية وقطاع غزة عام سبعة وستين هو إجراء باطل أيضًا، فإن كل ما بني على هذا الإجراء من استيطان، ومن تهويد للقدس، ومن تغيير لمعالم الأرض، ومن عدوان على الناس، وتهجير لهم هو باطل، ولا بد من العودة للأوضاع إلى ما كانت عليه يوم الأحد الرابع من حزيران من عام سبعة وستين، لتقام هذه الدولة الفلسطينية باختصار شديد على كامل الأرض المحتلة عام سبعة وستين، مضافًا إليها ما احتله الإسرائيليون في الخامس عشر من أيار من الأرض المخصصة للدولة العربية بموجب القرار (181).
     لقد أكد الرئيس عباس في خطابه أمام سفراء فلسطين إصرار الفلسطينيين على التوجه إلى الأمم المتحدة في أيلول للاعتراف بهذه الدولة الفلسطينية، مؤكدًا في الوقت نفسه على التمسك بالمفاوضات وسيلة لترجمة هذا الاعتراف، ووضعه على الأرض موضع التنفيذ، ومؤكدًا أيضًا على أن الفلسطينيين لا يرغبون في إلغاء شرعية قيام إسرائيل بموجب قرار التقسيم الصادر في التاسع والعشرين من تشرين الثاني من عام سبعة وأربعين وتسعمائة وألف، وعلى أنهم لا يرغبون في دخول مواجهة مع الولايات المتحدة، ولا يملكون القدرة على ذلك، ولكنهم في الوقت نفسه لن يتراجعوا عن قرارهم بالتوجه إلى المنظمة الدولية، ولن يتراجعوا عن المطالبة بإقامة دولتهم العتيدة بموجب القرار الذي سيصدر، وبموجب القرار الذي صدر منذ زهاء أربعة وستين عامًا.
   أغلب الظن أن المجتمع الدولي سيصوت إلى جانب الفلسطينيين في الجمعية العامة، وأغلب الظن أن أمريكا ستصوت ضد رغبة المجتمع الدولي، وضد رغبة شعب فلسطين، وضد رغبة الرئيس عباس إذا عُرِض الأمر على مجلس الأمن، وأغلب الظن أن قرار الجمعية العامة الذي سيصدر في أيلول الوشيك هو كالقرار الذي صدر عن هذه الجمعية ذات يوم، وقامت بموجب شق منه دولة الإسرائيليين على أرض فلسطين، ولا زال الشق الثاني في انتظار اللحظة الحاسمة لوضعه موضع التنفيذ، وأغلب الظن أن الفلسطينيين، وأن العرب والمسلمين، وكل الأصدقاء في هذا العالم قادرون على إحقاق الحقوق، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وقادرون أيضًا على صنع السلام الشامل العادل المقنع، الذي لا غالب فيه ولا مغلوب، وأغلب الظن أن التاريخ سيكتب ذات يوم أن هذا الرئيس الفلسطيني، وأن هذه القيادة الفلسطينية، وأن هذا الشعب العربي الفلسطيني، وأن هذه الأمة العربية، وأن رمز فلسطين الخالد ياسر عرفات قد تمكّنوا جميعًا من وضع حدِّ لمعاناة شعب فلسطين، ومن وضع حد لمعاناة هذه المنطقة من العالم بإنهاء حالة الحرب والاقتتال، وبنشر بذور المحبة، وأغصان الزيتون واللوز والبرتقال في ربوعها.
31\7\2011 

الخميس، ٢٨ تموز ٢٠١١

إلغاء أوسلو هو إحياء مشروع التقسيم!!

متابعات
إلغاء أوسلو هو إحياء مشروع التقسيم!!
أ.عدنان السمان
   يقولون إنهم يفكرون الآن بإلغاء اتفاقات أوسلو بعد نحو عشرين عامًا من توقيع هذه الاتفاقات، حرصوا فيها على تغيير معالم هذه الأرض المحتلة، وحرصوا فيها تهويد القدس، وزرعها بالأحياء الاستيطانية، ومحاصرة مواطنيها العرب الفلسطينيين بشتى الوسائل ومختلف السبل، وحرصوا فيها أيضًا على تكثيف الاستيطان في سائر الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة، وحرصوا فيها على حصار الفلسطينيين في مدنهم وقراهم، ومصادرة أراضيهم، كما حرصوا كل الحرص على تنفيذ بدعة جدار الفصل العنصري، وتمزيق ما تبقى من أرض فلسطين، وحرمان الفلسطينيين من حقهم الطبيعي المشروع في العمل وحرية التنقل والحركة، وتجريدهم من كل مقومات الشعب الواحد، والوطن الواحد، والمستقبل الواحد الواعد، وتحويلهم إلى مجموعات بائسة يائسة محطمة من الفقراء المعوزين واللاهثين خلف السراب...
     بعد أن أنجزوا كل هذا الذي أنجزوه على مدى عشرين عامًا من توقيع اتفاقات أوسلو، وبعد أن كانوا قد حققوا كثيرًا من الإنجازات منذ الأيام الأولى لاحتلالهم هذه الأرض في الخامس من حزيران من عام سبعة وستين، وبعد أن كانوا قد حققوا كثيرًا من الإنجازات المذهلة قبل ذلك، وبعد أن أقاموا دولتهم على أرض فلسطين في الخامس عشر من أيار من العام ثمانية وأربعين، وبعد أن كانوا قد حققوا أيضًا كثيرًا من الإنجازات على أرض فلسطين قبل أن يقيموا دولتهم عليها.. بعد كل هذه "الإنجازات" التي حققوها لأنفسهم على مدى قرن من الزمان، وبعد عشرين عامًا من توقيع اتفاقات أوسلو التي ظنها كثيرٌ من الناس نهاية المطاف، وحسبها كثير من الناس المقدمة الأولى للحل الذي قد يضع حدًّا للصراع العربي الإسرائيلي، وللصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ورأى فيها كثير من الناس أسس حلٍّ قد لا يكون عادلاً، ولكنه ممكن لقضايا هذه المنطقة المتفجرة من العالم، يأتي اليوم من يفكر من الإسرائيليين بإلغاء اتفاقات أوسلو، بحجة إصرار الفلسطينيين على اللجوء إلى الأمم المتحدة، لاستصدار قرار دولي بإقامة الدولة الفلسطينية، الأمر الذي اعتبره الإسرائيليون إجراءً أحادي الجانب، واعتبره كثير من الإسرائيليين خروجًا فلسطينيًّا على الطاعة، وعليه فإنهم يفكرون بناءً على هذا بإلغاء هذه الاتفاقات التي تنص على اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل، وعلى اعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير.
     تفكير الإسرائيليين بإلغاء تلك الاتفاقات يأتي (1) لمعاقبة الفلسطينيين الذين قرروا وضع حد لهذه المفاوضات العبثية التي أفقدتهم كثيرًا من الحقوق، وستفقدهم كل شيء بمرور الوقت إذا هي استمرت على هذه الحال (2) للاحتفاظ بكل المكاسب والإنجازات التي حققوها منذ بدء الصراع وحتى اليوم الذي يلغي فيه الإسرائيليون هذه الاتفاقات. (3) لحرمان الفلسطينيين من "ثمار" أوسلو، والاحتفاظ بهم رهائن في أيدي الإسرائيليين، والإبقاء عليهم في أسوأ أحوالهم وأوضاعهم التي أوصلتهم إليها تلك الاتفاقات، لتكون هذه الأوضاع والأحوال بداية الانهيار والاضمحلال والتلاشي والزوال، لا نهاية الليل الطويل الذي يريد له الفلسطينيون أن ينجلي، ويريد له الإسرائيليون أن يستمر، وأن يزداد ظلمة، ليكون التيه الفلسطيني الأزلي الذي لن يكون لهم خروج منه، والذي ستكون نهايتهم فيه.
     إن تفكير الإسرائيليين بإلغاء تلك الاتفاقات لمعاقبة الفلسطينيين هو تفكير ساذج، لأن إلغاءها كسب كبير للفلسطينيين، ونصر لقضيتهم، فإلغاء أوسلو يعني العودة إلى مشروع التقسيم الذي نص عليه القرار (181) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في التاسع والعشرين من تشرين الثاني من عام سبعة وأربعين، وإن الفرق كبير جدًّا بين اتفاقات أوسلو ومشروع التقسيم الذي ينص على قيام دولة عربية فلسطينية مستقلة على ما مساحته 45% من أرض فلسطين التاريخية، وقيام دولة يهودية على 55% من مساحة فلسطين، يكون للعرب الفلسطينيين فيها وجودهم وأراضيهم وبيوتهم ومدنهم وقراهم وممتلكاتهم ومتاجرهم وورشهم ومصانعهم ومزارعهم، دون أن يكون لأحد أدنى حق في المساس بهم، فالدولة اليهودية التي نص عليها مشروع قرار التقسيم لا تعني أنها لليهود دون سواهم، وإنما تعني أن من حق اليهود أن يعيشوا فيها، وأن من حقهم أن يمارسوا الحكم فيها بطريقة يحتفظ فيها غيرهم بكامل حقوقه الدينية والمدنية والسياسية.. وهذا يعني أن تقوم في فلسطين دولتان واحدة عربية نقية، والثانية مختلطة تضم كثيرًا من اليهود، وكثيرًا من العرب الفلسطينيين.
    وإن تفكير الإسرائيليين بإلغاء تلك الاتفاقات للاحتفاظ بكل المكاسب والإنجازات التي حققوها منذ بدء الصراع، وحتى تاريخ الإلغاء، هو تفكير أكثر من ساذج، لأن من يلغي تلك الاتفاقات من جانبه فإنما يلغي كافة المكاسب التي ضمنتها له تلك الاتفاقات، وهو إنما يلغي كافة المكاسب التي حققها قبل توقيع تلك الاتفاقات، لأنه بإلغائها يلغي كل شيء بني عليها، ولأنه بإلغائها يعود بالصراع إلى مربعه الأول، وإلى نقطة البداية، ولأنه بهذا إنما يعود إلى ذلك القرار الذي يحمل الرقم (181) الذي أقيمت إسرائيل بموجبه، وإنما يعود إلى الأيام التي سبقت صدور ذلك القرار أيضًا، ومن يدري ما الذي ستكون عليه الأحوال إذا عادت عجلة التاريخ إلى الوراء أربعة وستين عامًا بالكمال والتمام؟؟
    ومما لا ريب فيه أن حرمان الفلسطينيين من حقوقهم، والاحتفاظ بهم رهائن في يد هذا الفريق، أو ذاك، والإبقاء عليهم في أسوأ أوضاعهم وأحوالهم التي أوصلتهم إليها تلك الاتفاقات هو أكثر من وهم يملأ رؤوس من يفكرون فيه، وهو أكثر من خيال يداعب مخيلات أولئك الذين يخدعون أنفسهم بإمكانية تحقيقه، لأن شعب فلسطين يعرف طريقه، ولأن شعب فلسطين أقوى من الأعاصير والزلازل التي عصفت به منذ مائة عام، ولأن شعب فلسطين مؤمن كل الإيمان بإمكانية العيش الحر الطليق في وطنه الذي أحبه، وحبا على شواطئه منذ فجر التاريخ، ولأن شعب فلسطين شعب متحضر مؤمن بالسلام العادل الدائم المقنع المشرّف الذي لا غالب فيه ولا مغلوب.
28\7\2011

الأربعاء، ٢٧ تموز ٢٠١١

الاعتقال الإداري .. متى يُلغى؟؟


متابعات
الاعتقال الإداري .. متى يُلغى؟؟
أ.عدنان السمان
    كافة القوانين والشرائع والتشريعات ومشروعات القوانين التي عرفتها البشرية، وسنّتها الأمم والشعوب منذ أقدم العصور تتغنى بالحرية، وتمجّد الإنسان، وتحرص على أمنه وأمانه وسعادته، وتنادي بالعدل والعدالة والمساواة والإخاء بين الناس من كل لون وجنسٍ ودينٍ ولسان.
     فإذا ما فرغ الإنسان من قراءة كتب العدالة والعدل، وإذا ما فرغ من قراءة أدق تفصيلات القوانين والأعراف الدولية المتعلقة بالإنسان وحرياته الأساسية، وحقوقه السياسية، والاجتماعية، والشخصية، والثقافية، والفكرية، وحقوقه الثابتة والمتحركة في العيش والتفكير والتعبير والسفر والعمل والتنقل والتعلم والعلاج واختيار النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يريد، وإذا ما فرغ الإنسان أيضًا من قراءة كتب الفضيلة، وكتب الأخلاق، وأسفار التراحم والتكافل والتضامن والرحمة والرأفة بالإنسان والإنسانية المعذبة في هذا الكون، وإذا ما رأى مقدار ما بذلت البشرية من جهد، وما أراقت من حبر وهي تكتب هذه الثروة الإنسانية الهائلة في تمجيد الإنسان، وفي الدفاع عن حقوقه وحرياته التي نصت عليها هذه الثروة الفقهية التشريعية التراثية الهائلة التي خلّفتها البشرية عبر تاريخها الطويل، ولا تزال.. إذا ما فرغ الإنسان من كل هذا، وإذا رأى كل هذا، كانت صدمته مزلزلة، وهو يرى ما يجري على مسرح هذا الكون من عجائب وغرائب، وما يتعرض له كثير من الناس في هذا الكون من ظلم واضطهاد وموت، وما يواجههم من مصاعب ومصائب وصعوبات وعقبات تأباها كل مكارم الأخلاق، وترفضها كل قوانين المدن الفاضلة، ولا تُقرُّها كل مبادئ العدل والحق والإخاء والمساواة، وتنفر منها وتُعرِض عنها كل قيم البشرية، وكل تراثها الإنساني الخالد مذ كانت هذه البشرية، ومذ كان بحثها عن مبادئ الحق والخير والجمال.
     ولعل من هذه الأمور المرعبة التي تجري في كثير من أقطار هذا الكون ما يجري في هذه الديار من ظلم صارخ، وما يدور فيها من عدوان على الناس في أبسط حقوقهم في العيش الآمن الكريم، وفي أبسط حقوقهم في الأمن السياسي، وفي الأمن الاقتصادي، وفي الأمن الاجتماعي، وفي الأمن الصحي والثقافي.. فإذا ما ارتفع صوت الإنسان مطالبًا بالحرية، وبالخلاص من الاحتلال، ومطالبًا بحق تقرير المصير، ومطالبًا بإحقاق كافة الحقوق الثابتة، وإذا ما ارتفع صوت الإنسان في هذه الديار مطالبًا بالعدل، ومطالبًا بالحد الأدنى من الحقوق التي نصت عليها القوانين والأعراف الدولية، فإن أقل ما يمكن أن يتعرض له مثل هذا الإنسان هو أن يُعتَقل، وأن يُزجَّ بهِ في غياهب السجون دون محاكمة، ودون توجيه أدنى تهمة، لأن توجيه التهم إدانة للمتهِم لا للمتهَم!! وليبقَ هذا الإنسانُ في السجن ما شاء له السجان ذلك، فإذا سألتَ عن نوع الاعتقال وطبيعته هنا قيل لك إنه اعتقال إداري يصدره مسئول أمني، أو مسئولون أمنيون ضد من يعتقدون أنه يشكل خطرًا على أمنهم، وهم في ذلك ليسوا بحاجة لإبراز أي دليل إذ يكفي الاشتباه، ويكفي الظن وسيلة لتنفيذ هذا الاعتقال، ووسيلة لتمديده كلما انتهت مدته، ما دام المسئول أو المسئولون مقتنعين بضرورة ذلك!!
    فإذا قلت إن هذا الإجراء غير قانوني، وغير أخلاقي، وغير إنساني قالوا إنه أمنهم الذي يحرصون عليه كل الحرص، ويحافظون عليه بكل الوسائل والسبل حتى لو ألحق ذلك شيئًا من الظلم بهذا الإنسان أو ذاك.. فإن قلت إن هذا الإنسان الذي تعتقلونه بدون محكمة وبدون دليل هو إنسان بريء قالوا: قد يكون بريئًا، وقد لا يكون، ليس هذا مهمًّا، فالمهم هو أمننا، وما دام يشكل خطرًا علينا فإن من الأفضل لنا، وربما له، أن يكون في السجن، فإن قلت: إن من حقه أن يطالب بحرية شعبه وأمته قالوا: وإن من حقنا أيضًا أن نعتقله، لأنه لا يسلك الطرق القانونية للمطالبة بحقوق شعبه، فإن سألت عن هذه الطرق القانونية قالوا إنها "المفاوضات" ولا شيء غير المفاوضات.. فإن قلت إن المفاوضات على مدار عشرين عامًا لم تؤدِّ إلى نتيجة سوى مزيد من الاستيطان، ومزيد من المصادرات، ومزيد من الأسرى، ومزيد من الخسائر، وضياع الحقوق قالوا: إنها طبيعة المفاوضات المباشَرة التي لا يمكن أن نرضى عنها بديلاً.. فإن قلت إن القوي هو الذي يفرض رأيه في المفاوضات، وهو الذي يُملي، والضعيف هو الذي يكتب، وهو الذي ينفذ رغبة الطرف القوي، وهو الذي لا يملك إلا أن يذهب إلى بيته إن هو رفض التنفيذ، قالوا: كونوا أقوياء إن استطعتم، أو اذهبوا إلى بيوتكم، ولا تفاوضونا إن أردتم.. فإن قلت: إنكم سوف تلاحقوننا في هذه البيوت، وسوف تصادرونها بدعوى أنها كانت لكم ذات يوم، قالوا هي وجهة نظر، وكل شيء ممكن، والسياسة هي فن الممكن، والمفاوضات صورة من صور السياسة، فإن قلت: إنكم قد تقدمون على اعتقالنا في هذه البيوت، أو خارج هذه البيوت إن وضعتم أيديكم عليها قالوا: قد يحدث هذا، وقد لا يحدث إن فكرتم في التخلي عن مطالبكم، أو قررتم المغادرة إلى أي خارج!!
27\7\2011
 


الثلاثاء، ٢٦ تموز ٢٠١١

انفلات أخلاقي وتربوي

متابعات                                       
انفلات أخلاقي وتربوي
أ.عدنان السمان       
www.samman.co.nr
 
        ما إن ظهرت نتائج الثانوية العامة بعد طول ترقب وانتظار ، حتى رأيت كل هذه الجموع في كافة مجتمعاتها وتجمعاتها ، وعلى اختلاف أحجامها ومقاساتها ومستوياتها وهي تنطلق من عقالها ، وتخرج من حالة الخوف والانكماش والاضمحلال إلى حالة أخرى مغايرة ، فيها من أوجه الانفلات والفلتان الأخلاقي ، والإفلاس التربوي ما فيها ، وفيها من ألوان الغباء والوقاحة والعدوان على الناس ما فيها ، وفيها من صور التبذير والتخلف والهيجان ما فيها ، وفيها من أشكال التسيب ما يندى له الجبين ، وتضطرب له جوانب النفس ، وتبكي له حبات الأفئدة حزنًا على ما آلت إليه أحوالنا ، وأسًى لما أضحت عليه أوضاعنا في هذا الجزء المضيع المكبَّل المستباح من أرض أولئك الآباء والأجداد الذين افتدَوه بالمهج ، وشرَوه بالأرواح .
       انطلق أولئك المنطلقون المنفلتون يصرخون ويطبلون ويزمرون وينعقون ويطلقون الألعاب النارية حتى ساعات متأخرة من الليل ، وكم كان مؤلمًا سقوط الضحايا ، وكم كان مؤلمًا أيضًا سقوط تلك الأعداد من الجرحى ، وكم كان مؤلمًا كذلك حلول كل هذه الفوضى ، وكل هذا الفلتان ، وكل هذا الإنفاق غير المشروع على تلك الألعاب النارية التي تصدّرها المستوطنات ، ويصدّرها المستوطنون لسكان هذه المعازل والتجمعات السكانية الذين فقدوا صوابهم ، وأثبتوا بالدليل والبرهان أنهم ليسوا أهلاً للمكارم، وليسوا أهلاً للنجاح ، وليسوا أهلاً لحياة الحرية ، وليسوا أهلاً لأدنى صور الاحترام .
      غريب أن يعبر هؤلاء عن فرحتهم بالإزعاج والفوضى والتسيب ، وعجيب أن يبالغوا في مشاعر التحدي والاستفزاز لمن لم ينجحوا من أقاربهم وجيرانهم وأبناء معازلهم وتجمعاتهم ، ومريب أن ينفقوا كل هذا المال في أوجه الإزعاج والفلتان والأذى في الوقت الذي يشكو فيه الناس في هذه الديار من الإفلاس ، ويشكون فيه من الفقر ، ويشكون فيه من نكد العيش ، ومرارة هذه الحياة ، وفي الوقت الذي يقبع فيه الآلاف من أبناء هذا الشعب في السجون والمعتقلات ومراكز التوقيف والتحقيق والاعتقال ، وفي الوقت الذي تصادر فيه أرضهم في كل يوم ، وتهدم فيه بيوتهم في كل يوم ، وفي الوقت الذي يُضيَّق فيه الخناق عليهم في كل يوم .
       لم يسأل أحد منا نفسه في يوم كهذا ، أو في أيام كهذه ، عن أحوال التعليم في البلد ، ولم يسأل أحدٌ أحدًا عن أوضاع الخريجين والخريجات ، وعن فلسفة التعليم العالي وغير العالي في هذه الديار ، ولم يفكر أحدٌ منا في حلولٍ لكل هذه المشكلات التي تعصف بنا في هذه الديار ، ولم يفكر أحد في الوسيلة أو الوسائل التي من الممكن أن نرفع بها من مستوى المعلم والمتعلم والعملية التعليمية التربوية في بلادنا ، ولم يسأل أحد نفسه عن المصير الذي ينتظرنا في ظل كل هذه التراكمات ، وفي ظل كل هذا الفشل ، وفي ظل كل هذا الانحلال والفلتان ، وفي ظل كل هذه الإخفاقات التي تلون أوجه حياتنا اليومية ، وتهدد مصيرنا على أرض وطننا بالويل والثبور وعظائم الأمور .
      لقد آن لأولياء الأمور ، وللمربين ، ولموجهي الرأي العام ، ولمن يعنيهم أمر البلاد والعباد أن يقولوا كلمتهم في هذا كله ، ولقد آن لهم أن يوضحوا لهؤلاء الناس كيف من الممكن أن تكون الفرحة ، وكيف يكون الغضب ، وكيف يكون العمل من أجل إنقاذ الوطن والمواطن والعملية التربوية من الضياع .
26/7/2011

الاثنين، ٢٥ تموز ٢٠١١

لن أشتري هذه السلعة تضامنًا مع الفقراء!!



متابعات
على ضوء ارتفاع الأسعار في شعبان:
لن أشتري هذه السلعة تضامنًا مع الفقراء!!
أ.عدنان السمان
      لا يُفترض في عامة الناس أن يكونوا من ذوي الاختصاص في علم السياسة، أو في الاقتصاد، أو في علم الاجتماع، ولا يُفترض فيهم أن يكونوا مختصين في هذا النوع أو ذاك من دوائر العلوم والمعارف والآداب والدراسات الفلسفية، ولكن يُفترض فيهم أن يكونوا على جانب من الوعي، وعلى جانب من اليقظة، وعلى جانب من الاطلاع على كل ما يتعلق بحياتهم، وحياة أجيالهم على أرض وطنهم الذي ورثوه عن آبائهم وأجدادهم ليورّثوه لأبنائهم وأحفادهم سليمًا معافى خاليًا من الشوائب ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
     ولئن كان الناس في هذه الديار، وفي غير هذه الديار من بلاد العروبة والإسلام مهمَّشين مغيَّبين عن القرارات التي تُتخذ بشأن قضاياهم المصيرية، وبشأن أوطانهم، وكرامة إنسانهم في هذه الأوطان، ولئن كانت سائر القرارات السياسية والاقتصادية، والاجتماعية أيضًا في كثير من ديار العروبة وبلاد الإسلام تُتخذ في دوائر الغرب في أغلب الأحيان، ولئن كانت الحياة اليومية للمواطن هنا وهناك وهنالك تخضع لحسابات مدروسة مبرمجة يحرص على ترجمتها، وعلى وضعها موضع التنفيذ شركاء هذا الغرب في حكم هذه الأمة من أبنائها المتناغمين معه المتأثرين بثقافاته وأفكاره ومبادئه ومعتقداته، ولئن كانت حسابات الحياة اليومية للمواطن هي مدخل الغرب لترسيم سياساته في حكم هذه الأمة، وهي مدخله أيضًا لتعديل هذه السياسات فإن ما يفعله المواطنون في هذا البلد أو ذاك هو الذي يحدد في أغلب الأحيان سياسات أولئك الغربيين التي ينتهجونها في حكم هؤلاء المواطنين.
       بإمكان الناس أن يقولوا كلمتهم في كل شأن من شؤون حياتهم، وبإمكانهم أن يفرضوا رأيهم في كافة قضاياهم السياسية الاقتصادية، وفي كافة أمور حياتهم، وبإمكانهم أن يصنعوا جنتهم، أو أن يصنعوا جحيمهم بأيديهم، وبإمكانهم أن يكونوا على أنفسهم، أو أن يكونوا معها.. بإمكان الناس أن يتحكموا في أسعار كثير من السلع، وأن يساهموا في تخفيض كثير من المواد الاستهلاكية، وأن يُخضعوا الأسواق لرغبتهم وذوقهم ومقدرتهم على الشراء، وأن يُخضِعوها أيضًا لمستوى معيشتهم، ومتوسط دخلهم، دون تظاهر، ودون احتجاج، ودون تدخل المتدخلين، وتطفل المتطفلين، ودون إراقة نقطة دمٍ واحدة.
    مع بدء شعبان، تأخذ أسعار كثير من السلع في الارتفاع، ومع حلول رمضان تزداد حدة الغلاء، وخلال أيام العيد تبلغ أسعار هذه السلع قمتها، وتصل ذروتها.. صحيح أن كثيرًا من الناس يستطيعون شراء هذه السلع مهما بلغت أسعارها، وصحيح أن كثيرًا من الناس لا يشعرون بارتفاع سعر هذه السلعة أو تلك، ربما لأنهم لا يدفعون ثمنها.. ولكن صحيح أيضًا أن الغالبية الساحقة من الناس لا تستطيع شراء مثل هذه السلع، فما الذي من الممكن أن يفعله الناس لمواجهة مثل هذا الغلاء الطارئ، أو ذاك الغلاء المستحكم المتمكن الزاحف الذي يبرمجه المبرمِجون، ويخطط له المخططون؟؟
    من أجل مواجهة كافة أنواع الغلاء قديمها وحديثها، تليدها وطارفها، يسأل الإنسان نفسه: إذا كنت قادرًا على شراء هذه السلعة فإن جيراني غير قادرين على ذلك، وإن كثيرًا من الناس في هذه الديار أيضًا غير قادرين على ذلك، فلأمتنع عن شرائها، فإن امتناعي يساهم في كسادها، ويساهم بالتالي في إحدى نتيجتين: فإما ا، تختفي هذه السلعة من الأسواق نتيجةَ قلة الطلب عليها، وإما أن يبادر من يعنيهم الأمر لدعمها وتخفيض أسعارها حتى لا يُتَّهموا بتجويع الناس، وحتى لا يتهموا بالتهاون والتقصير في توفير المواد الاستهلاكية للمواطن..
    إن امتناع الناس عن شراء سلعة معينة مدة أسبوع واحد كفيل بتخفيض أسعارها، وقد يؤدي هذا إلى اختفائها، ونشوء أزمة بسبب ذلك، وقد يؤدي هذا إلى دعمها، وبالتالي نزول سعرها، ليصبح بمتناول الغالبية الساحقة من الناس.
   وما يقال في أسعار كثير من السلع يُقال أيضًا في كثير من الخدمات، وفي كثير من الرسوم التي لا يقوى الناس على دفعها، إن امتناع الناس عن طلب خدمة ما أسبوعًا أو أسبوعين كفيل بإرغام من يعنيهم الأمر على إعادة النظر في قيمة هذه الخدمة أو تلك، وكفيل بالتالي أن يجعل كثيرًا من الخدمات في متناول الناس بعيدًا عن المعاناة، وبعيدًا عن الحرمان، وبعيدًا عن حياة الفقر والفاقة وذل السؤال، وبعيدًا عن التسوّل والمذلة والتسرّب والتسيّب وترك المدارس والجامعات والهوان.
    بإمكانك أيها الإنسان أن تقف إلى جانب أخيك الإنسان بامتناعك عن شراء هذه السلعة أو تلك، وبامتناعك عن طلب هذه الخدمة أو تلك، وهذا هو أضعف الإيمان، وهو أبسط ما يفرضه عليك واجب المواطَنَة وشرف الانتماء، والحرص على تصحيح المسار ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
25/7/2011
 


الأحد، ٢٤ تموز ٢٠١١

يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم!!

متابعات
يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم!!
أ.عدنان السمان
     قد يظن جاهل أو حاقد أو مُغرِض أو متحامل مخدوعٌ ضالٌّ مُضلٌّ أن بإمكانه أن يُفسد في الأرض كما يريد، وأن يزوّر فيها، وأن يعبث بها كما يشاء.. وقد يظن هذا الجاهل أو ذاك أن بإمكانه أن يُغرِق الأرض في بحار من الظلام بعد أن يطفئ نور الشمس الساطعة المتوهجة، وبعد أن يحجب هذا النور عن القمر المنير، لتستبد الظلمة بالناس، فتضطرب أحوالهم وأوضاعهم.
    وما علم هذا الجاهل المخدوع أنه أصغر من أن يفسد في الأرض، وأقل من أن يعجز فيها، وأضعف من أن يهلك الحرث والنسل، لأن هذا الفساد الذي يسعى إليه، ويعوّل عليه من صنع أشرار لا تطيب لهم الحياة إلا في مستنقع، ولا يحلو لهم العيش إلا في الدهاليز المظلمة، ولا يجدون أنفسهم إلا في المياه الآسنة، ولأن إرادة الأخيار في هذا الكون أقوى من إرادة الأشرار، ولأن نور الحق واليقين بين يدي هؤلاء الأخيار من طبيعته أن يمحق الظلم والظلمة، وأن يهزم كل جحافل الظلام، ولأن الأخيار هم عباد الرحمن، ولأن الأشرار هم عبدة الطاغوت وعبيده.
    ولو عَلِم هذا العبد الجاهل المخدوع أو ذاك أن الله نور السموات والأرض، ولو علموا أن كلمة الله هي العليا، وأنه متمُّ نوره، ولو علم أولئك الفاسدون المفسدون الضالون التافهون كل هذه الحقائق، ولو علموا أنهم أعجز من أن يطفئوا نور الله بهذيانهم وهرطقاتهم، وتزويرهم وافتراءاتهم وأكاذيبهم، لو علموا ذلك لما استمروا في طغيانهم، ولما استمروا في استكبارهم، ولما استمروا في عدوانهم على الناس، ولما استمروا في حربهم المعلَنة على الأخيار من بني قومهم، ومن غير بني قومهم.. والله لا يحب الفساد.
   ولأن هؤلاء قد أوضعوا في الفتنة، ولأنهم قد اضطجعوا في مراقد الضلال، ولأنهم قد ارتضَوا لأنفسهم أن يكونوا سياطًا في أيدي الجلادين يلهبون بها ظهور عباد الله من أبناء هذه الأمة، ولأنهم كانوا من الضالين المضلين الذين ربطوا مصائرهم بأعداء هذه الأمة، فقد حق عليهم القول، وحلّت عليهم لعنة ربك، وحل عليهم سوط عذاب، إن ربك لبالمرصاد.
     ولأن هؤلاء أيضًا كالخفافيش التي لا تقوى على مواجهة النور، ولا يطيب لها العيش والتهويم إلا في الظلمة، فإنهم حريصون على مكافحة النور، وحريصون على محاربة الضياء، وحريصون على العيش في كهوف الرذيلة المظلمة، وحريصون على بثِّ سمومهم في المجتمعات بهدف إفسادها، وتلويث أجوائها، لأنه لا حياة لهم في الأجواء الصحية النظيفة، ولأنهم لا يستمرئون الحياة إلا في المستنقعات.
    ولأن الناس يشفقون عليهم، ويريدون انتشالهم من مهاوي الضلالة والضلال، ولأن الناس يريدونهم أن يكونوا مثل باقي عباد الله في هذا الكون، فإنهم يدعونهم دائمًا إلى كلمة سواء، وإنهم يدعونهم دائمًا أن يكفّوا عن الأذى والعدوان، ويدعونهم دائمًا إلى الاستقامة كما أُمِروا، ويدعونهم دائمًا أن يكونوا مواطنين صالحين، فلا تكون نتيجة ذلك من جانبهم إلا مزيدًا من الإصرار على العدوان والاستكبار، وإلا مزيدًا من الإصرار على الفساد والإفساد.. وليس أمامنا بعد ذلك إلا أن ندعو لأولئك بالهداية تمثُّلاً بقول رسولنا الأكرم: " اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون." والسلام على من اتّبع الهدى.
 
24\7\2011
 
 

السبت، ٢٣ تموز ٢٠١١

في ذكرى ثورة يوليو

 متابعات
في ذكرى ثورة يوليو
مهداة إلى الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل))
عدنان السمّان 
   ليس غريبًا أن يثور الإنسان عندما تُنتهك كرامته، وعندما يُعتدى على وطنه، أو قيمه، ومثله العليا، ومعتقداته، ومقدساته، وعندما يغتصب أحدٌ أو جهة أو هيئة أو دولة حقًّا من حقوقه الشخصية ، أو حقًّا من حقوق شعبه، أو أمته، ليس غريبًا أن يثور الإنسان عندما يحدث شيء من هذا، أو شيء شبيه بهذا، وعندما يحدث هذا كله، وكثير غيره، بل الغريب أن لا يثور، وأن لا يغضب، وأن يستكين، ويرضى بالضيم والذل والهوان، وكأن الأمر لا يعنيه..وليس غريبًا أيضًا أن تجد هذه الثورة صداها في قلوب كثير من الناس، فتنطلق عند ذلك من عقالها، ومن صدور مفجريها، وحَمَلة ألويتها، لتصبح تيارًا مطلبيًّا عامًّا، وصوتًا شعبيًّا مدوِّيًا، ورأيًا عامًّا يعكس آمال الأمة وآلامها ورغباتِها الملحّةَ في التغيير والتطوير والتحرير والخلاص من الظلم والاستبداد، والانعتاق من قيود العدوان والتبعية والاستعباد، إلى آفاق العدل والعدالة والاستقلال، والانطلاق بعد ذلك في معارج التطور والتقدم والبناء، إحقاقًا للحق، وإزهاقًا للباطل.. إن الباطل كان زهوقًا .
   وليس غريبًا أن تتصدى كافة القوى والتكتلات المعادية لرغبات الأمم والشعوب، وتطلعاتها نحو الاستقلال الاقتصادي والسياسي والثقافي لمثل هذه الثورة ، وليس غريبًا أن يتعرض الأحرار والحرائر لكافة أشكال الضغط والحصار والعدوان، ولكافة أشكال التحريض والتزوير والتهديد، وقلب الحقائق، والإشاعات الخبيثة، والافتراءات التي تحمّل هؤلاء الأحرار مسئولية ما تعانيه الأمة على يد هذه القوى والتكتلات المعادية .. وليس غريبًا أن تلجأ هذه القوى والتكتلات إلى شراء الضمائر والذمم في كل مكان ، وعلى كافة المستويات، ولا سيما بين ذوي الرتب العليا في قيادة القوات المسلحة، والإنفاق بسخاء على كل من يؤيد نهجها، أو يغض النظر عن ممارساتها في أوساط المثقفين والمفكرين وموجهي الرأي العام، مستهدفةً بذلك عزل هؤلاء الأحرار عن القاعدة الشعبية التي يعتمدون عليها، ويلجأون إليها في مواجهة تلك القوى الأجنبية المعادية، ومستهدفة بذلك أيضًا خلق الفتنة، وضرب وحدة الأمة، وعزل الأحرار كلما كان ذلك ممكنًا، وكلما كان ذلك ضروريٍّا لتنفيذ الخطط والمخططات التي تستهدف الأمة في أسمى أهدافها، وفي أعز غاياتها وتطلعاتها وتوجهاتها وأمانيها.
   وإذا كانت هذه- باختصار شديد - هي صورة ما جرى ، وما يجري في هذا الكون مذ كانت المجتمعات والتجمعات ، ومذ كانت التكتلات والكيانات الاقتصادية والسياسية ، ومذ كانت الأمم والشعوب، ومذ كان اليمين واليسار، وقوى الثورة ، والثورة المضادة، ومذ كانت الانقلابات والاختراقات ، ومذ كانت الخيانة والوطنية، ومذ كان العدل والظلم، والصدق والكذب، والخير والشر، ومذ كان البناء والهدم، والقوة والضعف، والكرامة والمذلة، ومذ كانت كافة التناقضات في الأنظمة السياسية، والاجتماعية والاقتصادية في هذا الكون.. فإن ما جرى، وما يجري على الساحة العربية منذ مطلع تاريخ العرب الحديث يشير بوضوح إلى وجود كثير من هذه التناقضات، وكثير من العلل والآفات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفكرية على الأرض العربية، وحتى لا نضيع في متاهات الوطن العربي، وفي مجاهله، فإنه يجدر بنا أن نتوقف هنا عند قطرٍ عربي بعينه، ليكون مدارًا للبحث، ومحورًا للحديث، ونموذجًا من الممكن أن يشار إليه، ويعتمد عليه عند البحث والتنقيب في ماضي الأمة، وعند التخطيط لمستقبلها ومستقبل أجيالها على كل الأرض العربية ، كيف لا؟ ومصر هي مصر منذ الفتح الإسلامي، وحتى يومنا هذا، ومصر أيضًا هي مصر منذ بدء الخليقة وحتى الفتح الإسلامي.. مصر هي مصر على الرغم من تأخر دورها النسبي ، وتأثير هذا الدور في السياسة العربية الإسلامية ، وفي الحياة العربية الإسلامية، والثقافة العربية الإسلامية منذ الفتح، وحتى يومنا هذا.. فما الذي يستطيع المرء أن يقوله – بإيجاز شديد – في تاريخ مصر الحديث، وفي الحياة السياسية المصرية، ونحن نعيش اليوم الذكرى التاسعة والخمسين لثورة يوليو التي أطلق شرارتها الأولى الضابطان المصريان الثائران محمد نجيب، وجمال عبد الناصر في اليوم الثالث والعشرين من شهر يوليو تموز من العام (1952) الثاني والخمسين من القرن الماضي.. ما الذي يمكن أن يقوله الباحث والمؤرخ، وما الذي يمكن أن يستخلصه من طبيعة تلك الثورة ، والصعاب التي واجهتها، والمصير الذي آلت إليه، ولماذا؟ وكيف بُعثت وتجددت بعد ذلك في صور أخرى، وأين يقف النظام السياسي العربي اليوم، وما الذي يمكن أن يفعله العرب كي يحافظوا على وجودهم ، وكي يصبحوا قوة فاعلة في التاريخ، وهل يمكن تعميم ما جرى في مصر على سائر أقطار العروبة ، وإلى أي حد ؟.
لقد رفعت تلك الثورة في مصر شعارات التحرر والتحرير ، وشعارات بناء الدولة العربية الحديثة في مصر ، وفي سائر بلاد العرب من المحيط إلى الخليج، وكان من الطبيعي أن تصطدم تلك الثورة بكثير من رموز الإقطاع ، وسيطرة رأس المال ، وقيادات الثورة المضادة وقواها، وأن تصطدم بكثير من دول الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة ، وبريطانيا، وفرنسا، وكان من الطبيعي أيضًا أن تصطدم تلك الثورة اصطدامًا مباشَرًا بإسرائيل التي تمكنت من غزو مصر بعد أربع سنوات من قيام تلك الثورة المصرية وسنتين من صفقة الأسلحة التشيكية عندما استطاع بن غوريون إقناع حليفيه في لندن وباريس السير أنطوني إيدن، وجي موليه بضرورة إسقاط نظام حكم عبد الناصر في القاهرة، لأنه بات يشكل تهديدًا لأمن إسرائيل ووجودها!! ولأنه بات يشكل تحديًا واضحًا لنفوذ بريطانيا وفرنسا والغرب كله في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وسائر بلاد العرب وأقطار العالم الإسلامي، ودول عدم الانحياز،ولأنه بات يشكل تهديدًا واضحًا للأنظمة العربية المعتدلة، ولأنه بات يفجر الشعور القومي العربي تمهيدًا لقيام الدولة العربية الواحدة الموحدة على كل أرض العرب.                              
وكان العدوان الثلاثي على مصر في التاسع والعشرين من تشرين الأول من العام ستة وخمسين، وكان الرد المصري على ذلك العدوان الثلاثي، وكان تلاحم المقاومة الشعبية في مدن القناة مع القوات المسلحة المصرية، وكان الثبات الأسطوري لقطاع غزة، وكان موقف الاتحاد السوفياتي المؤيد لمصر، ولجيش مصر، ولشعب مصر، وكان الموقف الأمريكي المؤيد لقرار مجلس الأمن بانسحاب القوات المعتدية من أرض مصر، وكان الانسحاب، وكان خروج نظام حكم جمال عبد الناصر من تلك الحرب أشد قوة على الرغم من بعض المكاسب التي حققها ذلك العدوان، والمتمثلة في القوات الدولية التي أصبحت ترابط في مضائق تيران، وحق كافة السفن في المرور عبر قناة السويس.. أما القوات الدولية فقد أمر جمال عبد الناصر بخروجها من المضائق وشرم الشيخ في أواخر شهر أيار من العام سبعة وستين، وأما قناة السويس فقد أُغلقت في وجه كافة السفن بعد أن تعطلت فيها الملاحة بسبب حرب الخامس من حزيران التي أعاد فيها الغرب وحليفته إسرائيل غزو مصر، واحتلال سيناء، وقطاع غزة، والضفة الغربية، وأجزاء من الجولان.. وكانت الاستقالة، وكان التنحي، وكان خروج الأمة العربية في يومي التاسع والعاشر من حزيران، وكانت قمة الخرطوم، ولاءات الخرطوم، وإصرار الأمة العربية على الثبات، وإصرارها على التحرير، وكانت حرب الاستنزاف بعد إعادة تسليح الجيش المصري، وكانت الانتصارات التي حققها هذا الجيش، وكانت الخطط الرامية لاقتحام قناة السويس، وتحطيم خط بارليف الحصين، والوصول إلى سيناء لتحريرها شبرًا شبرًا كما كان عبد الناصر يؤكد في كل خطاباته التي كان يؤكد فيها أيضًا على أن ما أُخذ بالقوة لا يُسترد بغير القوة... ولكن عبد الناصر يودع هذه الدنيا، ويلفظ آخر أنفاسه (مسمومًا) في الثامن والعشرين من أيلول من العام (1970) لتدخل مصر، وتدخل معها المنطقة العربية كلها، وتدخل معها القضية الفلسطينية مرحلة جديدة هي مرحلة ما بعد عبد الناصر. لقد أحسّ العرب جميعًا في كافة أقطارهم وأمصارهم بالحزن والفجيعة والضَّياع، وانبرى الغرب وحلفاؤه في بلاد العرب لتشكيك الأمة العربية بكل ثوابتها، وبكل مبادئها، وبكل معتقداتها، وبكل مقدس وعزيز وغال لديها، وتوالت الهزات، وتتابعت الصدمات، وكثرت الانهيارات، وتنوعت المؤامرات، وتعددت أشكالها وصورها، وخسرت الأمة كثيرًا من وزنها، وكثيرًا من نضارتها وألقها وتألقها، وخسرت كثيرًا من مواقعها التي بنتها الشعوب العربية في كثير من أقطارها بالعرق والدموع والدماء.. ومع هذا كله، وعلى الرغم من كل هذه الهزات والصدمات والانهيارات إلا أن هذه الأمة لم تفقد الثقة بالمستقبل، ولم تفقد الثقة بالنفس، ولم تفقد الثقة بقدرتها على تجاوز الصعاب، والنفاذ منها إلى تحقيق الأهداف والغايات مهما اشتدت الظلمات، ومهما اشتدت الهجمات، وكثرت الخطط والمخططات والمؤامرات التي استهدفت هذه الأمة في كبريائها، وفي أبسط حقوقها في العيش باحترام في أوطانها.
أما أمريكا، فقد أيقنت أن النظام السياسي في مصر لا يقترب منها إلا بالقدْر الذي يحقق معه أهدافه، فراحت (بعد كثير من التردد، وضبط النفس، وإجراء الدراسات والاختبارات) تناصبه العداء.. وراحت تسلح إسرائيل، وتمدها بأحدث ما في ترسانتها من وسائل هجومية.. وراحت تغدق على إسرائيل من أموال أمريكا ومساعداتها غير المستردة.. وراحت مصر تقترب أكثر من السوفيات، وتستورد أحدث ما في ترسانته من سلاح، بل لقد استقدمت مصر الخبراء السوفيات لحماية العمق المصري من الهجمات الإسرائيلية، والغارات الإسرائيلية خلال حرب الاستنزاف التي أثبتت فيها طلائع القوات المسلحة المصرية وجودها، وكفاءتها القتالية العالية، لقد أقام المصريون حائط الصواريخ للتصدي للطائرات الإسرائيلية المغيرة، ولقد أثبتت كل هذه الإعدادات والاستعدادات جدواها، وآتت أكلها خلال تلك الفترة من حرب الاستنزاف، وخلال عملية عبور الجيش المصري قناة السويس فيما بعد، والسيطرة بالتالي على الضفة الشرقية للقناة، والانطلاق منها نحو سيناء.. وهكذا أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية تقود الحرب ضد مصر، وأصبح الفيتو الأمريكي أكبر غطاء لإسرائيل في المحافل الدولية، وفي مجلس الأمن بالذات، وأصبحت إسرائيل في حِلٍّ من الانسحاب، وأصبحت في حِلٍّ من الإدانة، وأصبحت فوق القانون، وفوق إرادة المجتمع الدولي، وفوق رغبة العرب في السلام العادل الدائم الشامل الشريف الذي يعيد إليهم أرضهم المحتلة، وفوق رغبة الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، ورغبتهم في حل قضيتهم حلاًّ عادلاً يعيد إليهم حقوقهم الوطنية الثابتة في بلادهم فلسطين... لقد انتهجت أمريكا هذه السياسة المعادية لمصر، والمعادية للعرب ولطموحاتهم بعد أن رأت في ذلك تحقيقًا لمصالحها، وخدمةً لحليفتها إسرائيل، وخدمةً للأنظمة العربية المعتدلة، وإمعانًا منها في عزل السوفيات، وإلحاق الهزائم بهم على الحلبة الدولية، ومنعهم من الوصول إلى المياه الدافئة، وإمعانًا في إحراج عبد الناصر، وقوى اليسار العربي، والعمل بكل الوسائل من أجل إضعاف هذه القوى، وضرب التيار الوحدوي العربي الناصري في كل بلاد العرب، ومقاومة المشروع العربي على كل الأرض العربية، خدمةً للمشروع الصهيوني المتحالف مع الرغبة الأمريكية الجامحة في السيطرة على هذه الأرض العربية، وإذا كان هذا كله بحاجة إلى دليل، فإن بقاء الاحتلال الإسرائيلي في القدس والضفة الغربية منذ سنة 67 هو الدليل، وإن حصار غزة هو الدليل، وإن الإمعان في تهويد الضفة الغربية والقدس العربية، والإمعان في بناء المستوطنات، ومصادرة الأرض، وتغيير معالمها هو الدليل، وإن التنكر لكافة الحقوق العربية في فلسطين، والإمعان في هدم البيوت العربية في القدس ونابلس والخليل، والمضي في تقطيع أوصال المدن العربية والقرى العربية في هذه الديار هو الدليل، والمضي في رفض قرارات المجتمع الدولي بشان القضية الفلسطينية، والإصرار على السيطرة المطلقة على فلسطين كل فلسطين هو الدليل!!
إنه، وعلى الرغم من شعور العرب في كافة أقطارهم بالمرارة نظرًا لكل هذا الذي حدث، ونظرًا لكل هذه الغطرسة، ولكل هذا الاستعلاء والاستكبار، ولكل هذا الإصرار على إذلال أمة العروبة، وأمة الإسلام، فقد بدأ هذا التحول الكبير في كثير من أقطار العروبة، ورفعَ كثير من العرب شعار "الإسلام هو الحل"، وهكذا بدأ المراقبون يشهدون صحوة إسلامية، ومدًّا إسلاميًّا يستطيع العرب من خلاله حماية وجودهم على أرضهم، والتصدي للمخططات التي تستهدف هذا الوجود... حتى أن السادات رفع شعار دولة العلم والإيمان رغبة منه في وضع نهاية حزينة لأيديولوجية مصر في عهد عبد الناصر، ورغبة منه في تعزيز علاقة مصر بالولايات المتحدة، ورغبة منه في أن تكون حرب أكتوبر آخر الحروب في المنطقة، ورغبة منه في إحلال "السلام" وحل القضية الفلسطينية بعد أن أنهى علاقة مصر بالاتحاد السوفياتي، وأخرج الخبراء السوفيات من مصر، ونفّذ جانبًا من الخطة التي رسمتها القيادة المصرية في حينه لتحرير سيناء... ولكن هذا لم يُقنع المصريين، ولم يُقنع الإسلاميين في مصر وغير مصر بصدق توجّه الرجل، وصدق نواياه، وصحة أفعاله وصدق أقواله فكان ما كان، ولا زال الإسلاميون في مصر وغير مصر من بلاد العروبة في حال من التناقض الشديد مع تلك الأنظمة التي ارتأت أن تعزز علاقتها بالغرب شأنها في ذلك شأن القوى اليسارية، وقوى التحرر العربي، والفكر القومي العربي، وسائر العروبيين، والوحدويين العرب في كل هذه الديار.. ليس غريبًا أن يحدث هذا، وليس غريبًا أن نجد هذه الوحدة الوطنية وقد فرضت نفسها على أعداء الأمس ليكونوا اليوم صفًّا واحدًا موحَّدًا، وليكونوا في خندق واحد ضد عدوٍّ واحد مشترك يهدد وجودهم، ويتوعدهم بالويل والثبور وعظائم الأمور إن لم يعطوه الولاء، وإن لم يستسلموا لرغباته، وينصاعوا لأوامره وتعليماته.
وأما الشارع العربي، وأما قوى الثورة العربية، وأما الأحرار العرب، والوحدويون العرب فقد باتوا يؤمنون أن عبد الناصر الذي حمل لواء العروبة، وقضى وهو يحمل ذلك اللواء لا بد أن يُبعث من جديد، ولا بد أن يتكرر في هذه الصورة أو تلك، إنها مشاعر دفينة في العقل الباطن لهذه الأمة تقفز من أعماق اللاشعور لتطغى على بؤرة الشعور، وتطفو عليها فارضةً نفسها على السلوك العام، وفارضةً نفسها على تطلعات الأمة، وعلى تحركاتها.. لقد أدرك الشارع العربي أنه لا بد من العودة إلى التصدي، ولا بد من العودة إلى التحدي، ولا بد من سلوك سبيل المقاومة، وسبيل الممانعة، ولا بد من قول "لا" لكل صور التسلط والتحكم والتدخل في الشأن العربي.. وكان صدام حسين في العراق، وكان حافظ الأسد في سوريا، وكان التحرك السوري الهادئ نحو إيران، ونحو تركيا، وكانت القطيعة أيضًا بين نظامي البعث العربي الاشتراكي في العراق وسوريا.. وكانت الهجمات الإسرائيلية الشرسة على لبنان، وعلى المقاومة الفلسطينية، وكانت الحرب الأهلية في لبنان عام خمسة وسبعين، وعملية الليطاني في العام ثمانية وسبعين، وكان الاجتياح الكبير في العام اثنين وثمانين، وإخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان، وإقامة الحكم العسكري الإسرائيلي في الجنوب، وتحويل لبنان إلى محمية إسرائيلية، والتفكير الجدي في إنشاء المستوطنات في الجنوب اللبناني كما في الشمال الفلسطيني، وكما في الضفة الغربية!! وكان ميلاد المقاومة اللبنانية، وميلاد حزب الله اللبناني، وبروز نجم حسن نصر الله، وكانت التحالفات السياسية الجديدة في لبنان، وكان المد القومي العربي، والمد الإسلامي أيضًا في هذا البلد الصغير، وكان التحالف بين هذين المدَّين، وكان التحالف الإسلامي المسيحي الذي أتى في طريقه على كل من يناصب لبنان العداء من كافة سكانه، ومن كافة مواطنيه، ومن كافة مسلميه، وكافة مسيحييه.. وكان انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان قبل إحدى عشرة سنة، وكان إغلاق المفوضية الإسرائيلية في بيروت قبل ذلك، وكانت المعارك الشرسة الدامية بين الإسرائيليين وهذه المقاومة اللبنانية.. وكانت الانتخابات في الضفة وغزة، وكانت نتائجها، وكان ما كان من سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على القطاع، وكانت الحرب الإسرائيلية على غزة، وكان الحصار قبل ذلك، وبعده، وبالتزامن معه، وكان عرض (ليبرمان) بتخلي إسرائيل عن القطاع، وقطع صلتها به، وعلاقاتها معه، والمطالبة بوضعه تحت الإشراف الدولي.. هذا العرض الذي كان من الممكن أن يكون مقبولاً لو أنه ضمن استقلالية الطريق، وفتحها بين غزة والضفة، ورفع أيدي الإسرائيليين عنها، ولو أنه التزم بتخلي إسرائيل عن الضفة أيضًا، لا عن القطاع وحده.
وأما سوريا التي ربطتها مع مصر منذ فجر التاريخ أوثق الصلات وأقواها، وربطتها مع مصر في عهد عبد الناصر وحدة اندماجية دامت نحو ثلاث سنوات، فهي ماضية على طريق تعزيز العلاقة بإيران، وتعزيزها بتركيا لولا ما يحدث اليوم على الحدود السورية التركية، ولولا هذه الفتنة الكبرى التي تعصف منذ أشهر بسوريا، وتعزيزها دائمًا بلبنان الذي يرفض مواطنوه أن ينفصلوا عن سوريا مهما كانت الذرائع، ومهما كانت العلل والأسباب والمسوغات، وبتعزيزها أيضًا بالأردن والأردنيين، وبفلسطين والفلسطينيين.. لقد حاول هؤلاء وأولئك في الماضي القريب أن يعزلوا سوريا، فعزلتهم سوريا، ثم عاد بعضهم اليوم يطلب من سوريا أن تعيده إلى حظيرة العروبة، وأن ترفع عنه العزلة التي فرضها على نفسه، وفرضتها عليه سوريا بناءً على مواقفه وتوجهاته.. وهي ماضية أيضًا على طريق تعزيز العلاقة بالعراق، وبالمقاومة العراقية، وبالقوى العراقية المطالبة بوحدة أرض العراق، ووحدة شعب العراق، وعودة العراق العربي قُطرًا عربيًّا سيدًا ماجدًا كما كان.. وهكذا فإن سوريا اليوم هي القُطر المحوري في هذا التحالف الجديد الذي يضم كل دول المنطقة ذات القوة والتأثير، وكل شعوبها الطامحة إلى الوحدة والحرية والتحرر والاستقلال، والطامحة أيضًا إلى حياة البناء والإعمار، على الرغم من كل هذا التجييش الإعلامي ضدها، وعلى الرغم من كل هذه الفتن التي تستهدفها لكل ما ذُكِر من أسباب.. وبعد،
فإن هذا بعض ما يمكن أن يقوله المراقب المتتبع لسير الحوادث والأحداث في هذه المنطقة من العالم في مناسبة غالية كهذه التي نحياها في هذه الأيام، بعيدًا عن التعصب، وبعيدًا عن التشنج، وبعيدًا عن كثير من الاعتبارات التي عفا عليها الزمن، ولا تصلح تحت أي اعتبار أن تكون أساسًا لعمل مشترك، أو وحدة وطنية تفعل فعلها في سير الأمور والأحداث والحوادث في هذه المنطقة من العالم.. وبغض النظر عن كل ما قيل على امتداد العقود الستة في هذه المناسبة التي نحياها اليوم، فإننا نعيش واحدة من أبرز المحطات على تاريخ هذه الأمة العربية منذ فجر التاريخ العربي، وحتى أيامنا هذه.. لقد قال بعضهم في ثورة الثالث والعشرين من يوليو تموز إنها ثورة، وقال بعضهم إنه انقلاب.. وقال قائل منهم إنها حركة مصرية لفرض الوحدة العربية على كل أرض العرب، وقال آخرون إن هذه الحركة قد جاءت قبل موعدها ففشلت، وقال غيرهم إنها قد جاءت متأخرة فقضت عليها إسرائيل.. وقال هؤلاء إن عددًا من أولئك الضباط "الأحرار" لم يكن على المستوى المطلوب، ولم يكن من المعدن المطلوب، وقال أولئك إنهم قد تغيروا لتغير الظروف والأحوال، فالعيب فيهم، وليس في منطلقات هذه المجموعة من الضباط الذين تمردوا على الفساد، وثاروا على التفريط والاستسلام.. وبغض النظر عن كل ذلك، وبصرف النظر عن كثير مما جرى على امتداد العقود الستة الماضية، وبصرف النظر أيضًا عن كل سلبيات هذه الحركة وأخطائها إلا أنها كانت التعبير عن تطلعات الأمة، وكانت التعبير عن آمالها.. ومما لا شك فيه أن هذه الحركة لم تمت، وأن قادتها الحقيقيين لم يموتوا: فاللواء محمد نجيب لا زال حيًّا يُرزق، ولا زال رمزًا لملايين المصريين، ولملايين العرب والمسلمين على كل أرض العرب، وعلى كل أرض المسلمين، والعقيد الرئيس جمال عبد الناصر لا زال حيًّا يُرزق، ولا زال يفجّر كثيرًا من الثورات، وكثيرًا من الحركات الشعبية والرسمية على كل أرض العرب من المحيط إلى الخليج، وما ثورة الخامس والعشرين من يناير إلا الدليل القاطع على صحة هذا القول، وما حرص الغرب وأعوانه على إحباط هذه الثورة، والالتفاف عليها إلا الدليل  أيضًا على إصرار هذا الغرب على عدائه لمصر الثورة، مصر عبد الناصر، مصر الثالث والعشرين من يوليو، مصر الخامس والعشرين من يناير، مصر العمال والفلاحين والطلبة والمثقفين والمبدعين من المصريين الأحرار العروبيين.. أمجاد يا عرب أمجاد.. إن شعب مصر العربي قادر دون أدنى شك على حسم الأمور لصالح مصر العربية الحرة الأبيَّة صانعة تاريخ العرب الحديث.
 
23\7\2011

الأربعاء، ٢٠ تموز ٢٠١١

في يهودية الدولة وعروبة القدس وحق العودة!!

متابعات
في يهودية الدولة وعروبة القدس وحق العودة!!
أ.عدنان السمان
 
    بعيدًا عن المقدمات، وبعيدًا عن التكرار والاجترار، وبعيدًا عن المناكفات والمخاصمات والمشاحنات، وبعيدًا عن التعصب والتعنصر والتوتر، وبعيدًا عن كل أشكال النفاق والمراوغة والكذب والكيل بعشرين مكيالاً، وبكلمة موجزة مختصرة مباشَرة لا لبس فيها ولا غموض يدخل الكاتب والقارئ والمراقب، والمحلل السياسي والمتتبع لأحوال الناس وأخبارهم وتطورات حياتهم وقضاياهم في هذه الديار وفي غير هذه الديار من أقطار هذا الكون الواسع في هذه الثلاثية التي يناقض شقها الأول شقيها الثاني والثالث، مما اشتمل عليه هذا العنوان: يهودية دولتهم، وعروبة القدس، وحق عودة اللاجئين والمهجّرين الفلسطينيين إلى ديارهم بموجب القرار الذي يحمل الرقم (194) الصادر في الحادي عشر من ديسمبر 1948.
    الإسرائيليون يصرّون على ضرورة أن تكون "دولتهم" يهودية، بمعنى أن تكون دولة لليهود دون سواهم، وبمعنى أن يكون بإمكانهم أن يعيدوا توزيع السكان داخل "دولتهم" كما يريدون، وبمعنى أن يكون بإمكانهم إلغاء حق عودة الفلسطيني إلى بلده وأرضه التي أُخرِجَ منها، وأُجليَ عنها ذات يوم، وبمعنى أن يكون بإمكانهم أيضًا نقل هذا الصراع العربي الإسرائيلي، أو الفلسطيني الإسرائيلي إلى الضفة الغربية بشكل نهائي، ليفعلوا هنا مستقبلاً ما فعلوه أو ما سيفعلونه هناك في الجليل والمثلث والنقب بعد أكثر من ستين عامًا أو سبعين لا ندري يقينًا متى سيتم هذا، ولا نعلم يقينًا هل سيتم أم لا، وإن كنا نعلم علم اليقين أنهم يحاولون أن يتوصلوا إلى هذا الحل "يهودية دولتهم" عن طريق تجنيد كثير من الموالين، وكثير من المؤيدين، وكثير ممن يرون أنهم إنما وُجِدوا لخدمة الأهداف الإسرائيلية في فلسطين وغير فلسطين من بلاد العروبة والإسلام، ومن غير بلاد العروبة والإسلام.
     والإسرائيليون يصرّون على أن تكون القدس بشقيها عاصمة لدولتهم اليهودية، بمعنى أن تكون القدس بشقيها، وبكامل أحيائها وبمستوطناتها ومستوطنيها، وبمساحاتها الشاسعة التي أضافوها إلى هذه المدينة يهوديةً، كيف لا وهي عاصمة دولتهم اليهودية؟ وإذا كانت الدولة يهودية فكيف من الممكن أن لا تكون العاصمة كذلك؟ وكيف من الممكن أن لا تكون بعض أحياء هذه العاصمة كذلك؟ وكيف من الممكن أن يوافق هؤلاء على حل يستثني هذا الجزء من "عاصمتهم" أو ذاك؟؟
   والإسرائيليون كذلك يصرّون على إلغاء حق عودة الفلسطيني إلى بيته وأرضه ووطنه، وإن كانوا يتظاهرون_ ربما_ بالموافقة على عودته إلى الأرض المحتلة منذ سبعة وستين، هذه الموافقة التي لا تعدو كونها _في رأيي_ مناورة لتحقيق حلمهم في يهوديّة الدولة، وموافقة الطرف الآخر عليها، وللتفرغ بعد ذلك لخوض الصراع النهائي الذي يمكّنهم من التخلص من كافة الفلسطينيين في كل فلسطين التاريخية.
    وإذا كان الإسرائيليون قد وافقوا على إقامة دولتهم بموجب القرار (181) القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين واحدة لليهود، والثانية للعرب الفلسطينيين، وإذا كان الإسرائيليون قد تمكّنوا بعد أقل من ستة أشهر من صدور قرار التقسيم (181) من إقامة دولتهم على 78% من أرض فلسطين التاريخية، أي بزيادة مقدارها 13% عما أعطاهم قرار التقسيم ذاك، فإن هذا يعني ببساطة أنهم قد ألغوا من جانبهم حل الدولتين لشعبين الذي تضمنه القرار (181) والذي قامت دولتهم على أساسه، وأن هذا الذي يقال اليوم عن حل الدولتين إن هو إلا خطوة للالتفاف على ذلك القرار الدولي، وإن هو إلا خطوة لإضفاء "يهودية" الدولة التي تضمنها ذلك القرار على هذا الحل (حل الدولتين) الذي قدمته الولايات المتحدة لاحقًا، ووافقت عليه دول كثيرة بعد ذلك، وإن هو إلا خطوة لإضفاء الشرعية على احتلال ثلاثة عشر بالمائة من أرض فلسطين زيادة عما تضمّنه قرار التقسيم، وإن هو إلا خطوة على طريق تهويد فلسطين كل فلسطين.. وما كل هذا الاستيطان، وما كل هذه المصادرات، ووضع اليد في كل يوم على مزيد من أرض الضفة الغربية التي لم يبقَ منها ما يتفاوض عليها المتفاوضون، وما كل هذا الذي يجري في القدس بشقّيها إلا الدليل القاطع والبرهان الساطع على أنهم يريدونها دولة يهودية على كل أرض فلسطين، وعلى كثير من أرض العرب، وعلى كثير من أراضي المسلمين إن لم يكن ذلك بالغزو العسكري المسلح فبالغزو الثقافي، وبالعلاقات الوُدية، وشراء الأتباع والأعوان والمحاسيب، وبإقامة العلاقات الدبلوماسية وصولاً إلى نشر ثقافتهم في كل تلك الديار التي ينجحون في إقامة العلاقات الطبيعية معها.
     وإذا كان الأمر كذلك، وإذا كانت "يهودية" الدولة التي يتحدثون عنها، ويطلبون من العرب والمسلمين الاعتراف بها، تعني يقينًا وصراحةً لا شكًّا وضمنًا أن القدس بشقيها هي أيضًا كذلك، وأن حق عودة اللاجئين والمُهجّرين الفلسطينيين قد أُلغيَ تمامًا، فإن التظاهر فيما يسمّونه بدولة الفلسطينيين إن هو إلا وسيلة لتنفيذ مخططاتهم في تهويد فلسطين كل فلسطين، وإن هو إلا وسيلتهم للتخلص من كل عرب فلسطين في نهاية المطاف.
     وإذا كانت الأرض الفلسطينية المحتلة منذ سبعة وستين مُضافًا إليها ما احتله الإسرائيليون قبل ذلك عندما أقاموا دولتهم عام ثمانية وأربعين، هي الأرض التي ينبغي أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية، وإذا كانت القدس الشرقية المحتلة منذ سبعة وستين هي عاصمة هذه الدولة الفلسطينية، وإذا كان من حق اللاجئين والمهجّرين الفلسطينيين أن يعودوا إلى بلادهم وبيوتهم التي أُخرِجوا منها ، أو اُبعِدوا عنها، فإن هذا يعني باختصار قيام دولتين في فلسطين واحدة مشتركة يتساوى فيها السكان العرب واليهود، وواحدة للفلسطينيين العرب خالية من اليهود، وخالية من الاستيطان والمستوطنات والمستوطنين، وإن هذا يعني باختصار أن كل حديث عن يهودية الدولة إن هو إلا كلامٌ بعيد عن القوانين والأعراف الدولية، وبعيد عن الحق والعدل، ويلحق الظلم الصارخ بحقوق عرب فلسطين في بلادهم فلسطين.
   وأخيرًا، فإن الحل العملي الواقعي لكل قضايا هذه الديار أمرٌ ممكن، إذا تخلى أهل هذه الديار جميعًا عن كل أشكال التعصب والتعنصر والتطرف والتوتر والاستعلاء والاستكبار، وإذا هم وافقوا جميعًا على أن يعيشوا في هذه الديار في محبة وأمن وأمان وهدوء وتسامح واستقرار ووئام وسلام، وإذا هم قرروا أن يعيشوا مثل كل شعوب هذا العالم في إطار الإنسانية الواسع الذي يستوعب كافة التناقضات، ويستوعب كافة الثقافات والتوجهات والمعتقدات، ويستوعب كافة الخلافات والاختلافات ووجهات النظر، ويكون فيه الناس جميعًا أخوة متحابين متساوين في الحقوق والواجبات، متساوين أمام قانون واحد مطبق على الناس جميعًا دون استثناء.
20\7\2011

الثلاثاء، ١٩ تموز ٢٠١١

أيها الشيخ الطيب شكرًا لك..

متابعات
أيها الشيخ الطيب شكرًا لك..
وجزاك الله عنا خير الجزاء!!
أ.عدنان السمان
     ما صرح به شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب من أنه مستعد للذهاب إلى طهران كي يزيل الخلاف بين السنّة والشيعة، وكي يعيد اللُّحمة إلى صفوف المسلمين كل المسلمين في كل ديار الإسلام هو خطوة في الاتجاه الصحيح، وخطوة مشكورة من شأنها أن تدخل الطمأنينة إلى قلوب الناس في كل بلاد العروبة والإسلام.. وما من شك في أن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تضع كثيرًا من النقاط على كثير من الحروف، ومن شأنها أن تسهم بقسط وافر في سبيل تخليص العالم الإسلامي من مشكلة أرَّقتْهُ في الماضي، ولا زالت سببًا من أسباب فرقته في الحاضر، وربما كانت سببًا من أسباب اقتتاله واحترابه في المستقبل، ولاسيَّما إذا كان هنالك من يصب الزيت على النار، وإذا كان هنالك من يسعى بكل جهده لإيقاظ الفتنة، وإذا كان هنالك من يحرص على إذكاء نار العداوة والخصام بين صفوف المسلمين، تنفيذًا لأهدافه في إضعافهم كي تسهُلَ سيطرته عليهم، وكي يسهل عليه أن يقودهم، وأن يستولي على بلادهم ومقدّراتهم ومكتسباتهم، لا فرق في ذلك أيضًا بين سنيٍّ وشيعيٍّ، ولا فرق بين أبيض وأحمر، ولا فرق في ذلك أيضًا بين عريي وأعجمي.
     ومما لا شك فيه أن حرص شيخ الأزهر مضافًا إليه حرص الغالبية الساحقة من أهل السنّة على وضع حد لكل أسباب التوتر في هذا العالم الإسلامي الكبير سوف يؤتي أُكُلَه، وسوف يكون الخطوة الأولى على طريق وحدة إسلامية تضع حدًّا لكل أطماع الطامعين في هذا العالم الإسلامي، وتضع حدًّا لغطرسة المتغطرسين الذين لا يرون في المسلمين أكثر من أمة جاهلة متخلفة مقتتلة تبحث عمن يحكمها، وتبحث عمن يدير شؤونها، ويطور أنظمتها السياسية والإدارية والاقتصادية والثقافية، لأنها لا تقوى على ذلك بنفسها لجهلها واقتتالها، ولانعدام ثقتها بالنفس، وللفراغ الفكري الذي تتخبط فيه شعوبها من أقصى العالم الإسلامي إلى أقصاه.
     ومما لا شك فيه أيضًا أن المسلمين الشيعة في كل ديار العروبة والإسلام سوف يرحبون بخطوة شيخ الأزهر، وسوف يردون على هذه الخطوة بخطوات، وسوف يبذلون الجهد كل الجهد من أجل القضاء على سائر الخلافات التي باتت تعصف بكثير من ديار العروبة، وبكثير من ديار الإسلام والمسلمين، وباتت تنعكس سلبًا على كثير من قضايا العرب، وكثير من قضايا المسلمين أيضًا.
     إن الجهود المخلصة التي يبذلها اليوم قادة الفكر والرأي من قياديّي السنّة والشيعة سوف تتمخّض عن لقاء سنيٍّ شيعيٍّ من شأنه أن يرسي دعائم وحدة إسلامية شاملة في كل ديار العروبة والإسلام، ومن شأنه أن يعيد إلى هذه الديار دورها الذي أُبعِدَت عنه يوم ابتعدت عن مقومات قوّتها، ومقوّمات وحدتها، ومقوّمات عزتها، وانصرفت عن ذلك كله إلى سُبل التنافر والتنابذ والتباغض والتخاصم والاقتتال التي ما كانت يومًا سُبل الرفعة والعزة والوحدة والمَنَعة، وما كانت يومًا منطلَقَ الرسول الأعظم لبناء أمة الإسلام، ودولة الإسلام، وحضارة الإسلام الخالدة.
     وإذا كان الخلاف بين السنّة والشيعة خلافًا فكريًّا اجتماعيًّا دينيًّا في بعض أشكاله وصوره، سياسيًّا في بعضها الآخر، وإذا كان الفقهاء والمفكرون والمجتهدون من الطرفين كليهما يُغِذّون الخطى في هذه الأيام لتضييق شقة الخلاف بين الفئتين، فإن على هؤلاء القادة الروحيين الحريصين على وحدة هذه الأمة، وعلى صون كرامتها، وحرية إنسانها في كل ديار العروبة والإسلام أن يبذلوا جهودًا مكثّفة لدى القادة السياسيين لضمان مشاركتهم في كل هذه الجهود التي تُبذَل من أجل وضع حد للخلافات، ومن أجل التوصل إلى وحدة إسلامية شاملة في كل مناحي الحياة، لأن الخلاف بين السنّة والشيعة ليس خلافًا عقيديًّا فقهيًّا دينيًّا بقدْرِ ما هو سياسيّ، ومن هنا وجب على كافة المعنيين بإصلاح ذات البين من الطرفين أن يبذلوا جهودهم لدى المستوى السياسيّ، وأن يمارسوا الضغوط على أولئك الذين لا يرغبون في العمل الإسلامي المشترك، وفي الوحدة الإسلامية الشاملة منهم، وأن يمارسوا الضغوط على من يضعون العصيّ في دواليب هذه الحركة الوحدويّة المحمديّة التي تطمح إلى إزالة الخلافات، وبناء جسور الثقة، وصولاً إلى وحدة إسلامية كبرى، ودولة إسلامية عظمى فوق كل أرض المسلمين.
     بقي أن أقول لهذا الشيخ الطيب شكرًا لك، وجزاك الله عنا خير الجزاء، وسدّدَ الله على دروب الحق والعدل والخير والنور خطاك، وألهم السياسيين ورجال الدولة، وأنظمة الحكم في كل ديار العروبة والإسلام سواء السبيل، وهداهم للخلاص من التبعيّة للغزاة والطغاة الطامعين المستكبرين، إنه سميع قدير، وبالإجابة جدير.
    وبقي أن أَقول إنني ما كنت لأخوض في موضوع شائك كهذا لولا مبادرة فضيلة شيخ الأزهر، ولولا مساس هذا الموضوع بالعلاقات العربية الإسلامية، والعربية العربية، ولولا مساسه المباشَر بكل القضايا المصيريّة الحساسة الساخنة في كل ديار العروبة والإسلام وعلى رأسها قضيتنا قضية فلسطين.
119\7\2011

الأحد، ١٧ تموز ٢٠١١

وهكذا احتل الرأي الآخر صفحة الرأي!!

متابعات
وهكذا احتل الرأي الآخر صفحة الرأي!!
أ.عدنان السمان
      لا أحد ينسى كيف كان مدخلهم للالتفاف على الفكر السياسي العربي العروبي الذي يؤمن بثوابت هذه الأمة، ويؤمن بحقها المشروع في إقامة دولة العرب الواحدة الموحدة فوق كل أرض العرب، ولا أحد ينسى كيف كانت حجتهم في المرحلة التي سبقت انقضاضهم على ثقافة هذه الأمة، وعلى كل موروثاتها وموّرثاتها، وصولاً إلى تغيير ملامح شخصيتها، والعبث بمعالم هذه الشخصية، وبمكونات هذه الهوية خطوة خطوة، ومرحلة في أعقاب مرحلة، ولا أحد ينسى أيضًا كيف كان تسللهم للنَّيل من أخلاقيات هذه الأمة، ومن أدبياتها، وللعبث بتراثها ومقدساتها وتقاليدها وعاداتها وأعرافها وقيَمِها.. لقد قالوا إن المجال يجب أن يكون مفتوحًا أمام الفكر والفكر الآخر، وأمام الرأي والرأي الآخر، وقالوا أيضًا إن الحوار بدون شروط مسبقة يجب أن يكون سيد الموقف كي تتوصل الأطراف إلى حلول عملية مقنعة لكل مشكلات هذا العالم، وصولاً إلى عالمٍ جديد خالٍ من المشكلات والخلافات، بعيدٍ عن كل أسباب التوتر والتشنّج والخصام والاقتتال والحروب.. لقد كانوا يدركون تمامًا أن ما يقومون به إن هو إلا المقدمة الطبيعية لحصار هذه الأمة فكريًّا وثقافيًّا، والمقدمة الطبيعية للسيطرة على هذه الأمة برضى أبنائها سِلمًا وحبًّا وصداقةً وتفاهمًا، لا حربًا وكراهيةً وغزوًا وعداوةً وتناحرًا كما كان عليه الأمر في الماضي البعيد، وفي الماضي الوسيط، وفي الماضي القريب أيضًا.. لقد أعدّوا لكل شيء عدته، وراحوا يتقربون من كثير من قادة الفكر والرأي من أبناء هذه الأمة، وراحوا يغدقون عليهم من المِنَح والأُعطيات ما يُغدِقون، وراحوا يقيمون معهم وبهم أحلافًا وتحالفاتٍ ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قِبَله العذاب.. وراحوا يفلسفون الأمور، ويغلفونها بغلاف المصلحة، والمنفعة المشتركة للأطراف جميعها، وللشعوب دون استثناء، وللعيش المشترك الآمن الخالي من الشوائب والمنغصات، وكل صور العدوان والاعتداء والظلم.. وراحوا يروّجون لهذه الأفكار، ويجندون كثيرًا من أبناء هذه الأمة وبناتها من كافة الفئات والمستويات، ويتابعونهم بالعناية والرعاية، ويلاحقونهم بالتوصيات والترقيات، ويوصلونهم إلى أعلى المراتب والمناصب لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، وهو لا يعدو في مجملهِ الانتقال بهذه الأمة انتقالاً ديمقراطيًّا سلِسًا لا يثير شبهة إلى مرحلة السلام والوئام مع أولئك المخططين لوضع اليد على هذه الأمة سلمًا لا حربًا عن طريق صندوق الانتخاب الذي يجب أن يأتي بأتباعهم وأعوانهم، فإن أتى بغير ذلك رفضوا النتائج، وتفننوا في إلغائها، ومحاصرة من أتى بهم صندوق الانتخاب ذاك.. فإن قال قائل إن هذا هو أسوأ أنواع العدوان على الناس في معتقداتهم وقيمهم وثوابتهم وأوطانهم ومكونات شخصيتهم ومقوّماتها، وإنه أسوأ أنواع العدوان على هذه الديمقراطية المزعومة التي يوظفونها للعدوان على الشعوب راحوا يشككون في صحة هذه الأقوال، وراحوا يتحدثون عن نظرية المؤامرة، وراحوا يتحدثون أيضًا عن خلل في تفكير أصحاب هذه النظرية، وعن سوء ظنهم بغيرهم من القياديين الحقيقيين الحريصين على مصلحة هذه الأمة، وراحوا يتحدثون عن الفكر الظلامي، وعن المعتقدات البالية، وعن التخلف والتطرف، وعن الفكر الناصري والأحلام الناصرية العربية التي كانت، إلى آخر ما هنالك من عنعنات.
     هذه الفضائية التي حرِصتْ منذ تأسيسها، وتلك المطبوعة التي حرصت أيضًا منذ أمدٍ بعيد، وهذا المفكر الذي كثيرًا ما كان يتظاهر بالإمساك بالعصا من وسطها كما يقولون... كل هؤلاء وكثير غيرهم من جهابذة الإعلام، وعباقرة الفكر، وجلاوزة السياسة والثقافة، ورجال المال والأعمال، والمثقفين والرياديين والناشطين والحقوقيين.. كل هؤلاء وأولئك كانوا حريصين على إبراز الرأي الآخر منذ بداية الدعوة لأفكارهم، ومنذ بداية حملتهم لترويج هذه الأفكار، حتى إذا ما دقت ساعة العمل، وحتى إذا ما اعتقد هؤلاء وأولئك أن الرأي الآخر قد أصبح من القوة  والنضج والتبلور بحيث انتصر على الرأي أو غلبه، أو أخذ يغالبه ويصارعه في هذا البلد أو ذاك، وحتى إذا ما كان القرار بإثارة المتاعب للرأي انتصارًا للرأي الآخر هنا أو هناك أو هنالك، وحتى إذا ما أعلن أهل الرأي الآخر وأنصاره ومجندوه ومجنداته النفير العام، والحرب الطاحنة الضروس مع أهل الفكر والرأي من أبناء هذه الأمة راح كل هذا الجيش من الحضاريين المروّجين للرأي الآخر يعمل بأقصى طاقته من أجل فرض الرأي الآخر، ومن أجل وأد الرأي الذي يجب أن يُهزَم، وأن يزول، وأن يوارى التراب ليحلّ محله الرأي الآخر، أو الرأي الذي كان الرأيَ الآخر، وأما الآن فقد أصبح هو الرأي الذي يجب أن يسود، وأن ينتشر في كل أرض العرب شاء من شاء وأبى من أبى!!.
    يروى أن معاوية بن أبي سفيان لما شعر بدنوّ أجله أوصى بالخلافة لابنه يزيد، فجاءت الوفود من كل ديار العرب مؤيدة مبايعة، وانبرى خطباؤها يتسابقون في تأييد يزيد، ومعاوية يستمع، إلى أن تكلم أحد الخطباء فقال: الخليفة هذا، وأشار إلى معاوية. فإن مات فهذا، وأشار إلى يزيد. فمن رضي فله هذا، وأشار إلى صرّة معلّقة على الحائط فيها ذهب. ومن رفض فله هذا، وأشار إلى سيف معلق على الحائط الآخر. فسُرَّ معاوية، وقال: هذا هو أخطب خطباء هذا اليوم.
     إن هذا ما يحدث اليوم، ولكنه على عكس ما حدث في ذلك الزمن الأموي، وفي عاصمة الأمويين  تلك، وفي تلك الحقبة الزاهية من تاريخ العرب.. إن هذا ما يحدث اليوم في كثير من الفضائيات، وفي كثير من المطبوعات، وعلى ألسنة كثير من جهابذة الإعلام، وأساطين البلاغة والفصاحة والبيان: من رضي بما يجري فله هذا، ومن قاوم ومانع فلهُ ذاك!!.
    وهكذا احتل الرأي الآخر صفحة الرأي في تلك الأبواق، ولكن هذا لن يستمر يقينًا، لأنه تجديف ضد التيار، ولأنه يمثل تحدِّيًا سافرًا لإرادة أمة عظيمة صنعت أعظم حضارة للبشرية ذات يوم.
14\7\2011