عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


الخميس، ٣١ كانون الأول ٢٠٠٩

في يوم السلام العالمي

متابعات 


في يوم السلام العالمي


 أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

    

 في هذا اليوم الفاتح من كانون الثاني(يناير)رأس السنة الميلادية تحتفل الدنيا كلها بمناسبات وأعياد كثيرة مختلفة منها ما يتعلق بالسيد المسيح,وبداية عام ميلادي جديد..ومنها ما يتعلق بذكرى انطلاقة عربية فلسطينية استهدفت آنذاك تحرير فلسطين,وإعادتها قطرًا عربيًّا كما كانت..ولقد كان ذلك قبل أربعة وأربعين عامًا بالكمال والتمام من يومنا هذا..ومنها ما يتعلق بالسلام والأمن الدوليين,حيث اعُتبر هذا اليوم يومًا للسلام العالمي..يعمل فيه المجتمع الدولي بكل فئاته وأممه وشعوبه ودوله وشخصياته وأطيافه وجهاته ومكوناته من أجل نشر السلام,وثقافة السلام في ربوع هذا العالم.

    هذا اليوم الأول من كانون الثاني هو يوم السلام العالمي الذي أود أن أقول فيه بعض القول بعد أن قلت كثيرًا,وكتبتُ كثيرًا حول هذه المناسبات التي يتضمنها هذا اليوم,ويشتمل عليها فيما يشتمل من أحداث وحوادث ومناسبات وأعياد وانطلاقات.

    في يوم السلام العالمي هذا لا بد من القول إن السلام لا يمكن أن يتحقق بمجرد النوايا,وبمجرد التمنيات والأمنيات والدعوات والاحتفالات..وما دام السلام هدفًا لكل ذي ضمير حي في هذا الوجود فليتحد كل ذوي الضمائر الحية من أجل صنع هذا السلام..وليتحد كل ذوي الضمائر الحية في هذا الوجود من أجل نشر ثقافة السلام,وحب السلام,ورفع راية السلام عالية خفاقة فوق ربوع هذا الكون..وليعمل كل من يعنيهم الأمر من أجل عالمٍ خالٍ من الظلم والعداوة والاضطهاد والحروب..عالمٍ متعاون متضامن تسوده شريعة المحبة والمودة والتسامح والعدل والعدالة والحرية والاستقرار والأمان.

    وفي يوم السلام العالمي هذا نلفت أنظار كل من يعنيهم الأمر إلى هذه الفتن والمعارك والكوارث والحروب والتفجيرات والزلازل التي تهز كثيرًا من أقطار هذا الكون,ولا سيما في أقطار العالم العربي الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه..ونلفت أنظار كل من يعنيهم الأمر إلى هذه الدماء التي تُسفك,وإلى هذه الضحايا التي تسقط في كل يوم,بل في كل ساعة بالعشرات,وبالمئات..وإلى هؤلاء المشوهين والمنكوبين من ذوي العاهات المستديمة التي تُسفر عنها هذه الحروب التي تدور رحاها في كثير من ديار العروبة والإسلام..كما نلفت أنظار كل من يعنيهم الأمر إلى هذه المشكلات والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية التي تعصف بكثير من تلك الديار..هذه المشكلات والأزمات والكوارث التي ما أتت يومًا من فراغ..وإنما هي أمور قد خطط لها المخططون,ونفذها المنفذون,ودفعت ثمنها الشعوب دماءً ودموعًا وآلامًا وعذاباتٍ وفقرًا وجوعًا وتشردًا وطوافًا في الأرض على غير هدى..وإلى كل من يعنيهم الأمر في هذا الكون نقول إن هذا كله,وكثيرًا كثيرًا غيره مما قد يقال,وقد لا يقال يقع ضمن مسئولية الدول الكبرى التي تحكم هذا الكون,وتتحكم فيه,كما يقع ضمن مسئولية كبرى هذه الدول التي ما انفكت تنهب ثروات الشعوب,وتقطع أرزاق أبنائها,وتقطع أعناقهم,وتدمّر بلدانهم.

    وفي يوم السلام العالمي هذا نشير إلى هذه الاحتلالات و الاختلالات والاعتلالات التي تفسد حياة كثير من الشعوب,وتنشر بينها كل أنواع الصغائر والكبائر والموبقات والمهلكات,وتجردها من قيمها وتراثها وثقافاتها وعاداتها وتقاليدها وموروثاتها ومقومات وجودها وحياتها وتواصل أجيالها,وتحولها إلى مسوخ مزرية,وعلل نفسية واجتماعية واقتصادية وثقافية لا تستطيع عودةً إلى جذورها التي انسلخت عنها,ولا تستطيع اللحاق بمن قلّدتهم وافتتنت بإنجازاتهم من أولئك الخصوم والأعداء,فمشت مشية الغراب,ولعمري فإن هذا لَمن العجب العجاب..وإنه لَلعجب,وإنه أيضًا لَلعجاب,فلتحذروا..ولتحذروا كل سموم هؤلاء وأولئك,وكل أباطيلهم وثقافاتهم الفاسدة الباطلة  أيها الشباب والشوابّ في كل هذه الديار.

     وفي يوم السلام العالمي أيضًا لا بد من الإشارة السريعة إلى شيء مما فعله أولئك الغربيون بأنفسهم من دمار وقتل وتشريد,وإلى شيء مما فعلوه  بغيرهم أيضًا خلال حربين عالميتين فصل بينهما عقدان اثنان فقط من الزمن!!لقد أذاق هؤلاء الغربيون البشرية كلها خلال الحربين المذكورتين ألوانًا لا تُنسى من الكوارث والنوازل والمصائب..ولا بد من الإشارة السريعة إلى ما فعله هؤلاء ويفعلونه أيضًا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا مما يندى له الجبين,وتقشعر لهوله الأبدان!!

     إننا في هذا اليوم ندعو دول مجلس الأمن,ومعها الدولة الألمانية,ودولة اليابان,وكافة دول المجتمع الدولي وأقطاره إلى ضرورة تبني فكر أكثر عدلاً وعدالة,وأقرب إلى تلبية طموحات الشعوب واحتياجاتها..تستطيع من خلال الضرب على أيدي الفاسدين المفسدين العابثين المستهترين في هذا الكون,وتحقيق أهداف الشعوب وآمالها في سلامٍ عادلٍ دائمٍ شاملٍ مقنعٍ مشرّفٍ لاغالب فيه ولا مغلوب!!

1/1/2010


يا أيها العام الجديد!!

متابعات

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr   

                                                يا أيها العام الجديد!!

     تحتفل فلسطين,كما تحتفل الدنيا كلها بإشراقة شمس عام ميلادي جديد.. بعد أن ودعت الدنيا عامًا مضى وانقضى من عمرها,ليضاف إلى هذه الدهور التي أعقبت ميلاد السيد المسيح,رسول المحبة والتآخي والسلام,في ضاحية من ضواحي القدس,وبقعة عزيزة غالية من أرض فلسطين هي بيت لحم الأمجاد:يا بيت لحمٍ أنت مهدُ مسيحنا نورُ الهدايةِ أنتِ للأجيالِ.

   تستقبل فلسطين اليوم,كما تستقبل الدنيا كلها عامًا جديدًا تقيم فيه الصلوات,وتدعو فيه من الأعماق أن يكون عام خير وبركة وأمان واطمئنان..ويدعو فيه الجياع والمضطهدون والمقموعون والمعذبون في الأرض أن لا يكون كغيره من أعوام البؤس والمذلة والهوان..آملين أن يشهد هذا العام الجديد نهاية معاناتهم وآلامهم,وأن يكون عام سلام على الأرض,وخير ورخاء على سائر الأمم والشعوب.

    ولئن احتفلت فلسطين,واحتفل معها سائر العرب والمسلمين منذ أيام بهجرة رسول الهدى(محمد عليه السلام)من مكة مسقط رأسه إلى المدينة التي أحبه أهلها,وأيدوه ونصروه ليقيم فيها دولته,وينشر من خلالها رسالته,ويرفع رايته,فإن فلسطين أيضًا,ومعها كل هذه الدنيا تحتفل في هذه الأيام بميلاد السيد المسيح (عليه السلام) وتنقّله بين بيت لحم والناصرة,وطوافه في كل أرض فلسطين مبشرًا بالسلام,وداعيًا إلى السلام,ومناديًا بالعدل والعدالة والمحبة والتسامح والوئام ..ولئن احتفلت فلسطين منذ أيام,واحتفل العرب والمسلمون أيضًا بعام هجري جديد,فإن فلسطين,ومعها الدنيا كلها أيضًا تحتفل اليوم بعام ميلادي جديد..آملين أن يكون فاتحة خير وأمن وأمان وسلام على فلسطين,وعلى العرب والمسلمين,وعلى البشرية جمعاء.

    فلسطين في هذا كله هي المحور..هي الحقيقة والجوهر..هي الديار المقدسة..هي القيامة,والأقصى,والحرم الإبراهيمي,والمهد والبشارة..هي التاريخ والثقافة والحضارة..هي جوهر الأديان,وكرامة الإنسان..فلسطين في هذا كله هي خليل الرحمن,هي الناصرة,هي حيفا, هي غزة..هي ديار الإسلام:ديارَ السلامِِ وأرضَ الهنا يشقُّ على المرء أن تحزنا.

     في هذا اليوم نذكر كل هؤلاء الأسرى,ونذكر كل عذاباتهم وآلامهم ومعاناتهم..ونطالب بضرورة الإفراج الفوري عنهم,ليعودوا إلى أُسرهم وعائلاتهم وأحبابهم..وفي هذا اليوم نذكر كل هؤلاء الجياع والمقموعين والمشردين..ونطالب بتوفير العيش الكريم لهم..وفي هذا اليوم نذكر كل هؤلاء المهاجرين والمهجرين ..ونطالب باحترام حقهم المقدس في العودة إلى أوطانهم وديارهم التي تحبهم ويحبونها..وفي هذا اليوم نذكر كل هؤلاء الأطفال الذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم..ونطالب بضرورة أن يجدوا الرعاية والعناية والاهتمام الكافي,وبضرورة أن يجدوا الأيدي التي تمسح دموعهم,والابتسامة التي تحيي في نفوسهم الأمل,وتغرس في قلوبهم الصغيرة التفاؤل والجذَل,وحب الحياة والعمل.

    وفي هذا اليوم لا يسعنا إلا أن نطالب أصحاب الضمائر الحية في هذا العالم بمزيد من التعاطف مع المظلومين المضطهدين من الناس الذين يتعرضون منذ أمد بعيد لألوان شتى من العسف والإذلال والجور والتنكيل..ولا يسعنا إلا أن نطالب هذا المجتمع الدولي بمزيد من العمل الجاد من أجل إنصاف هذا الشعب الأعزل الطيب المسالم مما يحيق به من خسف وتسلط وعدوان.

    وفي هذا العام الجديد نتوجه إلى كل المؤمنين برسالات الحق والهدى,وإلى كل محبي السيد المسيح ووالدته القدّيسة العذراء مريم,وإلى كل من تهفو نفوسهم,وتذوب قلوبهم شوقًا للقدس,وهيامًا بها, وبكل أرض فلسطين أن يعملوا بتعاليم السيد المسيح..تعاليم المحبة والتسامح والرحمة والعدل والإنصاف..وأن يلبوا نداء السيد المسيح بضرورة رفع الظلم عن المظلومين,وبضرورة وقف نزيف الدم في هذا الكون..وأن يعملوا جميعًا من أجل خير البشرية دون تمييز,ودون تعصّب أو تعنصر أو محاباة.

     إننا في هذا اليوم,ونحن نقف على عتبة عام جديد,لَندعو بالرحمة لكل شهداء هذا الوطن,وغير هذا الوطن,مطالبين الدنيا كلها أن تعمل في الحال من أجل وقفِ نزيف الدم في هذه الديار,وفي كل ديار العروبة والإسلام,وأن تعمل في الحال من أجل رفع الحصار عن غزة,وعن القدس,وعن نابلس,وعن كل المحاصرين الصابرين في الخليل,وفي كل فلسطين..وإننا في هذا اليوم لَندعو المجتمع الدولي من أجل وقفة صادقة مع كل هؤلاء المضطهدين في هذه الديار,وفي كل ديار العروبة والإسلام,وفي كل هذا الكون دون تمييز أو استثناء..

    على عتبة عام جديد نقف لنقول في ضراعة وفي عزم وإصرار:يا أيها العام الجديد..كن عام خير وبركة..كن عام أمن وأمان وسلام على فلسطين,وشعب فلسطين..كن عام سلام على الأرض,ومسرة في الناس.

1/1/2010                  

 


عيسى سبيلك رحمةٌ ومحبّةٌ!!

متابعات

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

عيسى سبيلك رحمةٌ ومحبّةٌ!!

       عيسى بن مريم رسول الله ونبيه وكلمته..أرسله ليكون بردًا وسلامًا على البشرية..مبشرًا بالمحبة والتسامح والمودة والوئام..وداعية إلى خير الشعوب والأمم ووئامها وصفائها وسلامها..عيسى بن مريم تلحميٌّ مقدسيٌّ مجدليٌّ ناصرٌّي.. عيسى بن مريم عربي فسلطيني أممي أرسل إلى الناس كافة ليأخذ بأيديهم نحو شاطئ النجاة والسلامة والأمان والسلام,وليجنبهم كل ألوان الخصومة والتنابذ والقطيعة والخصام,ويدعوهم إلى سبل الهداية والرشاد.

      عيسى سبيلك رحمةٌ ومحبةٌ في العالمين وعصمةٌ وسلامُ

      ما كنت سفاك الدماء ولا امرءًا هان الضعاف عليه والأيتامُ

      يا حامل الآلام عن هذا الورى كثرتْ عليه باسمك الآلام!!

       نعم..إن عيسى لم يسفك دم أحد.. ولم يهمل ضعيفًا,ولم يتنكر ليتيم..بل لقد حمل الآلام والعذاب عن الناس,وتحمل الأذى عنهم,وقضى حياته متنقلاً بين الناصرة وبيت لحم مرورًا بكل مدن فلسطين وقراها وتجمعاتها

السكانية مبشرًا بالتسامح والمحبة ومكارم الأخلاق..مرددًا بكل ثقة وإيمان:من ضربك على خدك ألأيسر,فأدر له خدك الأيمن!!

     لم يستوعب كثيرٌ من أتباع هذا السريّ النبي الرسول ابن هذه الصدّيقة الطاهرة البتول خير نساء العالمين..لم يستوعب كثير منهم أسرار دعوته,ولم يفهم كثير منهم حقيقة ما بشّر به, ودعا إليه,ولم يلتزم كثير منهم بنهجه..بل لقد خالف كثير منهم هذا النهج,وتنكر كثير منهم لتلك المبادئ التي بشر بها؛ فخرجوا عليها, وراحوا يسيئون إليها..وكأن سيرة صاحب هذه الذكرى لا تعنيهم من قريب أو بعيد..وكأن أخلاقيات صاحب هذه الذكرى غير ملزمة لهم بحال من الأحوال!!

     أنت الذي جعل العباد جميعهم رحمًا,وباسمك تُقطَعُ الأرحامُ

خلطوا صليبك والخناجر َوالمُدى كلٌّ أداة للأذى وحِمام!!

نعم .. لقد راح كثير من هؤلاء يقطعون الأرحام التي شاء لها رسول المحبة والسلام أن توصل ، راحوا يقتلون ويذبحون ويستبيحون .. وراحوا ينهبون ويسلبون ويعتدون.. وراحوا يستعبدون ويستعمرون ويضطهدون وينكّلون..

وراحوا يمتصّون دماء الأفراد والجماعات والشعوب .. وكأنهم لم يسمعوا بالسيد المسيح،ولم يسمعوا بتعاليمه،ولم يقفوا على أسرار دعوته،وحقيقة رسالته،وقدسية ما بشّر به !! لقد أساءوا إلى العلاقات بين الأمم والشعوب..وكان بإمكانهم أن يقيموا أفضل العلاقات بينها ، كان بإمكانهم ، ولايزال،أن يقيموا تلك العلاقات على  المودة،وأن يبنوها على المحبة والإخاء والمساواة:

ما ضرّ لو جعلوا العلاقة في غدٍ بين الشعوب مودةً وإخاءَ !!

   لقد خلط أولئك المسيئون بين هذا الصليب وتلك الخناجر والسكاكين التي ذبحوا بها كثيرَا من الناس!!لقد خلطوا بين الصليب والبارود الذي أبادوا به كثيرًا من البشر!! لقد خلطوا بين هذا الصليب والقنابل النووية التي أبادوا باثنتين منها كثيرًا من اليابانيين ذات يوم !! لقد خلطوا بين هذا الصليب وكل وسائل القتل والموت والدمار في العراق وأفغانستان وباكستان والسودان وفلسطين ولبنان،وفي كل ديار العروبة والإسلام!!

    إن الصليب بريء مما يفعل هؤلاء..وإن الصليب بريء من كل أولئك المعتدين المستعمرين..وإن كل أتباع الصليب من عرب هذه الديار هم اشدُّ صلابةً من كل مسلميها في وقوفهم سدًّا منيعًا أمام هجمات أولئك الحاقدين على عرب هذه الديار!!المسيحيون والمسلمون في فلسطين،وفي كل ديار العروبة يقفون صفًّا واحدًا,وجسدًا واحدًا في وجه كل الطامعين, وفي وجه كل من تحدثه نفسه بالنَّيل من أهل هذه الديار العرب!!

     في ذكرى عيد الميلاد المجيد..وفي ذكرى ميلاد رسول المحبة والسلام..وفي عيد ميلاد صاحب هذه الذكرى نجدد العهد لصاحب هذه الذكرى,كما نجدد العهد لأحمد العُرب شقيق السيد المسيح أن نبقى في هذه الديار,وفي كل ديار العروبة أمة واحدة متماسكة,وشعبًا عربيًّا واحدًا موحَّدًا في وجه كل الأطماع,وفي وجه كافة التحديات,وفي وجه كافة المخاطر التي تهدد هذه الديار وعرب هذه الديار,وقدس العروبة والإسلام قلب هذه الديار:

هذي القيامةُ قامت فوق رأسهمُ كنيسةَ المهد شعّت منكِ أنوارُ

عيسى بن مريم في عليائه فَرِحٌ وأحمدُ العُرب تسبيحٌ وأذكارُ

اليعربيّانٍ قد فاضتْ دموعُهما بفرحة القدسِ ريحانٌ وأزهارُ

إنّا على العهد يا أختاه فابتسمي حيّاكِ عند بزوغ الفجر آذارُ!!

     وفي ذكرى هذا العيد المجيد نقول:لقد آن لهذه الأوطان أن تتحرر,وآن لهذه الشعوب أن تستقل,وأن تحيا بمحبة ومودة وأمن وأمان واستقرار وسلام.. وكل عام وأنتم بخير.

 

    (  25/12/2009)

    


الثلاثاء، ٢٩ كانون الأول ٢٠٠٩

في العلاقات السورية اللبنانية

متابعات

في العلاقات السورية اللبنانية

 

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

   دخلت العلاقات السورية اللبنانية مرحلة جديدة بعد الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء اللبناني لدمشق، والتقى الرئيس السوري بشار الأسد على مدى يومين متتاليين .. هذه الزيارة التي تناولت كافة القضايا المعلقة بين البلدين ، وكافة القضايا التي تهم البلدين،وكافة القضايا التي تهم الأمن القومي العربي ،والعلاقات العربية العربية.

    ولما كانت العلاقات السورية اللبنانية علاقات مختلفة ذات خصوصية معينة ،ولما كانت هذه العلاقات مختلفة عن غيرها من العلاقات بحكم التاريخ، والجغرافيا،والتداخلات ،والتشابكات ،والتجارب،وطبيعة العلاقات التي تربط البلدين،وتربط الشعب الواحد في هذين البلدين اللذين كانا حتى الأمس القريب بلدًا واحدًا له حضوره،وله وجوده على الخارطة العربية،فإن هذه الزيارة التي قام بها الحريري لدمشق تختلف بدورها عن كثير من الزيارات،وهي يقينًا ليست كغيرها من الزيارات ..ليست زيارة قام بها الحريري للأسد ،وإنما هي زيارة قام بها اللبنانيون للسوريين،وزيارة لبنان كل لبنان لسوريا،فالحريري ليس رئيسًا لفرقة،أو طائفة،أو حزب سياسي في لبنان ،وإنما هو رئيس لكل اللبنانيين على اختلاف أهوائهم ومشاربهم وأطيافهم وولاءاتهم..ومن هنا أيضًا تأتي أهمية هذه الزيارة.

   كان اللبنانيون قبل هذه الزيارة منقسمين على أنفسهم بين مؤيد كل التأييد لسوريا ،ومعارض لها،ومتحفظ عليها، وراغب في التكافؤ معها ..وكانوا قبل هذه الزيارة يختلفون ويتفقون..وكانوا في نقاش وحوار مستمر..وكانوا في ترقَب وتوجس خاضع لكثير من الحسابات,وكثير من الاعتبارات,وكثير من المخاوف والظنون والتخوفات، ولكنهم اليوم شيء مختلف.. أصبحوا بعد هذه الزيارة شيئًا اَخر مختلف..فالمؤيدون ازدادوا تأييدًا,وازدادوا إيمانًا وتسليمًا..والمعارضون أصبحوا إلى دمشق أقرب.. وأصحاب المطالب والطلبات والأماني والتمنيات أصبحوا في حال من الرضى والسرور والفرح بعد أن اطمأنوا على مطالبهم وطلباتهم,وبعد أن تحققت أمانيهم وتمنياتهم.

    والفلسطينيون في لبنان أيضًا راضون,والسلاح الفلسطيني في مخيماتهم وفي غير مخيماتهم لم يعد قضية تشغل بالهم وبال غيرهم من أهل لبنان..والفلسطينيون في سوريا هم أيضًا راضون,بل إنهم مبتهجون لهذه الزيارة التي جمعت الشمل ,وأزالت كثيرًا من العقبات, وقربت بين كثير من وجهات النظر,وأزالت كثيرًا من الخلافات بين أبناء الشعب الواحد في  كل هذه الديار..والفلسطينيون جميعًا في فلسطين، وغير فلسطين سعداء مبتهجون فرحون متفائلون.. بل إن أمة العرب من محيطها إلى خليجها متفائلة فرحة بهذه الزيارة التي أحقت حقًّا,وأزهقت باطلاً,وكانت المقدمة الأولى  على طريق وحدة العرب في كل بلاد الشام,ووحدة العرب في كل أقطارهم وأمصارهم,كما كانت رافدًا من روافد العمل العربي المشترك,والتقارب العربي في كل أقطار العروبة,والعمل العربي من أجل نصرة كافة الحقوق العربية في العراق العربي الواحد الموحد,والعمل العربي من أجل نصرة كافة القضايا العربية في كل أرض العرب من المحيط إلى الخليج.

     لقد جاءت هذه العلاقات السورية اللبنانية الواعدة بعد زيارة الحريري لدمشق تتويجًا للعلاقات السورية التركية,والعلاقات السورية السعودية,والعلاقات السورية العربية,والعلاقات السورية الإسلامية,والعلاقات السورية الدّولية.. ليس لأن لبنان أكبر من كل تلك الدول والجهات,ولكن لأن لبنان الشقيق الأصغر لسوريا, والشقيق الجميل لفلسطين,ولكل العرب.. ولأن لبنان مفتاح الأمل,ومعقد الرجاء في وحدة بلاد الشام,أمل السوريين والعرب وصولاً لوحدة عربية شاملة تجمع هذه الأمة العربية في كافة أقطارها وأمصارها,وتنصف كافة الفقراء العرب من الفقر الذي يفتك بمئة مليون منهم!!وتنصف كافة الأميين العرب من أَمّيّتهم ,وكافة العمال والخريجين العرب من البطالة التي تعصف بعشرات الملايين منهم..وتدعو عشرات الملايين من الفلاحين والصناعيين العرب لزراعة أرضهم,ليأكلوا مما يزرعون,وليلبسوا مما يصنعون!!

       إن هذه المنطقة من العالم مقبلة على تطورات ومفاجآت تقتضي تقاربًا عربيًّا على كل المستويات,وتقتضي وفاقًا عربيًّا,ووعيًا عربيًّا,وإصرارًا عربيًّا على الارتفاع إلى مستوى التحديات..وإن هذا كله ممكن بشيء من الإصرار والعزم الذي يحقق الآمال لهذه الأمة,ويجعل لها من أمرها رشدًا,ويتيح لها الفرج والانفراج والافتراج ، ويجنبها الفُجر والفجور, وكافة ألوان الانفجار ومساوئ التخلف والتلاشي والاندثار..وإن عودة الأمة العربية إلى سابق عهودها في التقدم والتحرر والسيادة والعنفوان أمر أكثر من ممكن,فهي تمتلك كل أسباب ذلك,وهي قادرة على تحقيق هذا كله بشيء من الصبر والتفاهم والعمل والإيمان والإرادة والإصرار.

                                                                                                    (21/12/2009)


السبت، ٢٦ كانون الأول ٢٠٠٩

في ذكرى الحرب على غزة

متابعات

في ذكرى الحرب على غزة

أ. عدنان السمان  

www.samman.co.nr

 

      ودار الزمن دورته..وعاد السابع والعشرون من كانون الأول من جديد..ومضى بذلك عام كامل على بدء تلك الحرب على غزة ..مضى عامٌ وكأنه أعوام ؛ فالوقت أمر نسبيّ ٌّكما قالوا!!الأيام السعيدة تمضي مسرعة لا نكاد نشعر بها,وكأنها الدقائق والثواني!!وساعات العذاب والألم والحزن والجوع والخوف والقلق والتوجّس لا تكاد تنقضي,ولا تكاد تتحرك..وكأن كل دقيقة من دقائقها شهر,وكأن كل ساعة عمر,وكل يوم دهر!!

    دار الزمن دورته مؤْذنًاً بنهاية عام,وبداية عام آخر..وبين البداية التي كانت قبل عام, والنهاية التي تأتي اليوم آلام وعذاب ودماء ودموع وجراح وجوع وخوف وقهر وترقب وحصار ومرض وموت..وبين النهاية التي نشهدها في هذا اليوم السابع والعشرين من شهرنا هذا في عامنا هذا في بلدنا هذا,والسابع والعشرين من عام قادم من رحم الغيب تفاؤل وأمل ودعاء ورجاء وصبر وإيمان ونداء ورغبة صادقة في أن يكون هذا العام الجديد مختلفًا عن سابقه,وفي أن تكون الأيام القادمة  غير ما سبقها من أيام,وفي أن تكون الساعات غير الساعات,والتوقعات غير التوقعات..آملين خلاصًا ونُصرةً وخيرًا,والخيل معقود بنواصيها الخير!!

     في مثل هذا اليوم كانت الحرب..وكان الرد..وكان الصبر..وكان الثبات..وكانت الدماء الغزيرة الغزيرة,والجراح النازفة..وكانت الشهادة,وكان الموت والقتل والبارود والفسفور..وكان الدمار سيد الموقف..وفي مثل هذا اليوم كان الصمت,وكان الصامتون,وكان الحالمون والمراهنون,وكانت الدنيا كلها قاب قوسين أو أدنى من زلزال كبير مدمر لا يُبقي ولا يذر, ولكن الله سلّم!!

      لقد كانت المسافة الفاصلة بين هذا اليوم السابع والعشرين من كانون الأول,والثامن عشر من كانون الثاني الذي يليه(وهي بحساب الليالي والأيام ثلاثة وعشرون يومًا وليلة)كافية لهدم ما تهدم,وتدمير ما دُمر,وإحراق ما أحرق,

وتخريب ما خًُرّب..وكانت كافيه لتقتيل الآلاف من الشباب والشيوخ والأطفال والنساء، وإصابة غيرهم وغيرهم بالجراح ، والعلل ، والعاهات ، والإعاقات!!

    بعد عام من تلك الحرب يدخل كثير من أبناء القطاع شتاءهم الثاني بين أطلال بيوتهم ، وفي الخيام التي أقاموها فوق تلك الأطلال والأنقاض .. وبعد عام من تلك الحرب يُغلق اليوم معظم هذه الأنفاق التي ربطت غزة ببعض مخلوقات الله من حولها! ومكّنت الغزيين من الحصول على شيء من غذائهم ودوائهم... يغلَق اليوم معظم هذه الأنفاق ، وسيغلق لاحقًا ماتبقى من هذه الأنفاق وفق خطه مدروسة بوشر بتنفيذها منذ أيام !!

      فما الذي سيحدث عندما تغلق كل  تلك الأنفاق؟وما الذي سيفعله الغزيّون البالغ تعدادهم أكثر من مليون ونصف المليون من البشر للحصول على الغذاء والدواء؟وما الذي سيحدث عندما يجد الناس هناك أنفسهم محاصَرين تمامًا لا يملكون شيئًا من حطام الدنيا؟هل ستجري الرياح بما لا تشتهي السفن؟أم أن السفن ستجري على غير ما تشتهي تلك الرياح؟وهل هذا أمر ممكن؟أم أن في الأمر سرًًّا,ولكن لسنا ندري؟؟!!

      إن ما جرى في غزة,وما يجري فيها اليوم,وما سيجري غدًا,وبعد غد هو صراع إرادات,ووقوف وثبات وعيش في جوف الموت,وعين الردى,وانتزاع لكل مقومات الحياة من بين براثن الموت ومخالبه وأنيابه أيضًا بعد ترويضٍ دامٍ للموت,وبعد تقليم لبراثنه ومخالبه,واقتلاع لكثير من أنيابه,وتهذيب لشراسته وعدوانيته وشغفه بالدماء... وإن ما جرى وما يجري وما سيجري هو نهاية مرحلة,وبداية مرحلة..وهو شاهد على كل هذه التناقضات,وعلى اختلاف هذه المقاييس والمكاييل والحسابات,وعلى موت كثير من الضمائر..يوم تُبلى السرائر,فما له من قوة ولا ناصر!!وهو شاهد على ما يبيته المبيتون,ويخطط له المخططون لإخضاع هذه الأمة, واحتوائها تاريخيًًّا وثقافيًًّا واجتماعيًّا..وتمزيقها جغرافيًّا..وتدميرها ماديًّا ومعنويًّا..وتخريبها زراعيًّا وصناعيًّا وتجاريًّا..وتحطيمها علميًّا و اقتصاديًّا وسياسيًّا وقتلها جسديًّا ونفسيًّا.. وسلب إرادتها بعد ذلك كي تأتي البقية الباقية منها مباركة مؤيدة كل ما جرى..مهللة مكبرة مسبّحةً بحمد أولئك الذين تداعَوْا عليها, فأكلوا ما في قصعتها, وشربوا ما في قِربتها,ونهبوا ما في خزنتها..وتركوها جثة هامدةً لا تلوي على شيء ..تلك أمانيٌّهم.. ولكنّ هذا لن يكون..إن هذا لن يكون!!

      إن ما جرى كثير وكبير,وإن ما سيجري أكثر من ذلك وأكبر , فما الذي سيفعله المجتمع الدولي؟ما الذي من الممكن أن تفعله هذه الأمم والشعوب التي تملأ فضاءات هذه الدنيا,وتضيق بها الأرض بما رحبت؟ما الذي ستفعله أمة العرب,وأمة الإسلام,وشعوب العالم الثالث وهي جميعها ترى ما نرى,وتسمع ما نسمع,وتعرف ما نعرف؟وإلى متى ستستمر هذه الأحوال؟وهل سيتمكن أولئك وهؤلاء من قوم ٍنذروا أنفسهم للموت؛فوُهبت لهم الحياة.. وأعرضوا عن الدنيا؛فدانت لهم هذه الدنيا..وصدقوا ما عاهدوا الله عليه؛ فأعزهم ونصرهم, وكانوا من الغالبين ,وكانوا أيضًا الوارثين؟؟!!

       إلى كل أولئك الذين وقفوا,ويقفون اليوم ,وسيقفون غدًا إلى جانب شعبنا العربي الصابر في قطاع غزة نقول:لقد بررتم إنسانيتكم,ووقفتم إلى جانب الحق والعدل والمحبة والسلام في القطاع الصابر,ولازلتم تقفون إلى جانبه ، فأنتم الصورة المشرقة المشرفة لإنسان هذا العصر.. وإلى أولئك الذين يهرفون بما لا يعرفون،ويشيعون بين الناس ما يشتهون ويحبون نقول:لقد خاب فألُكم،وطاش سهمكم ..ولن تكونوا أندادًا لأولئك الذين قرروا أن يخرجوا من صراع الإرادات موفوري الكرامة,مرفوعي الرؤوس والقامات والهامات!!

27 /12/2009

            


الخميس، ٢٤ كانون الأول ٢٠٠٩

في اليوم العالمي لإلغاء الاعتقال الإداري

متابعات

في اليوم العالمي لإلغاء الاعتقال الإداري

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

    الشرائع والقوانين والأنظمة والتشريعات واللوائح والدساتير جميعها في هذا الكون تنصُّ صراحةً على حق الإنسان في العيش، وعلى حقه في الحرية، والعمل، والتفكير، والتعبير، والمعتقد، والمذهب السياسي، والديني والاجتماعي، وعلى حقه المقدس في التنقل، والحركة، وممارسة كافة أشكال حياته اليومية، دون أن يكون لأحد الحق في منعه من ممارسة أي من هذه  الحقوق، أو الانتقاص منها، أو تقييدها.. ودون أن يكون لأحد أدنى حق في التعرض لهذا  الإنسان بهدف الحد من أي  حق من حقوقه التي نصت عليها كل هذه الشرائع والتشريعات والقوانين والأنظمة واللوائح والأعراف.. ودون أن يكون لأحد كائنًا من كان أدنى حق في اعتقاله، أو تعذيبه، أو التضييق عليه، أو مساومته، أو تحذيره وإغرائه، وترهيبه وترغيبه، بهدف ثنيه عن ممارسة أي حق من هذه  الحقوق، وعلى رأسها جميعًا حقه في التفكير والتعبير واعتناق المذهب السياسي الذي يؤمن به فكرًا وممارسة.

    لقد تسابقت هذه  الشرائع والتشريعات في تمجيد الإنسان، والتأكيد على احترام كافة  حقوقه.. ولقد تنافست فيما بينها على إبراز قيمة الإنسان، والتغني بها.. مسبغةً عليه من  نعوتها وصفاتها وخيالها وأخيلتها وصورها وتشبيهاتها واستعاراتها وكناياتها في أدبياتها ما يرتقي به إلى مستوى الأسطورة، ويقترب به إلى أعالي القمم والمرتفعات ليلامس حدود الخرافة، وألق المبادئ والمعتقدات.. وتألّق التاريخ، وحرارة الحروب، وتوهّج الفتوحات والانتصارات!!

    وما أكثرَ غرائب هذا الكون! وما اشدَّ تناقضاتِه أيضًا! فهذا هو الإنسان في حال الرضى.. هذا هو الإنسان ملاكًا طاهرًا، وأسدًا كاسرًا، وسيفًا من سيوف الله هو الغالب دائمًا.. وهو نفسه الشيطان الرجيم، والعدو اللدود المبين عندما نكره، وعندما يَنقلب الشيء إلى ضده؛ فَمَن قال فيك من الخير ما ليس فيك إذا رضي قال فيك من  الشر ما ليس فيك إذا غضب!! ليس هذا فحسب، بل إن الأمور تنقلب بين عشية وضحاها إلى أضدادها؛ فما كان على رؤوس الأشهاد، وفوق الأكتاف والأعناق أصبح موطئًا للأقدام.. وما كان قمة القمم، وغاية الجود والكرم أصبح على النقيض من ذلك.. ولله في خلقه شؤون!!

     وإذا كان الإنسان في مجتمعه، وبين أهله وصحبه وعشيرته عرضةً لكل هذه التغيّرات.. وإذا كان هذا الإنسان محفوفًا بكل هذه المفاجآت والمتغيرات.. محاصَرًا بكل هذه التناقضات والمتناقضات في الأسرة الواحدة، أو الحي، أو القرية، أو المدينة في الأحوال العادية، أو شبه العادية؛ فإنه في الأحوال الاستثنائية الطارئة، وغير العادية سيواجه أحوالاً تختلف، وسيخضع لحسابات واعتبارات وأمزجة من نوع آخر مختلف.

    وإذا كان الغموض في الأحوال العادية مدعاة للتساهل أو التسامح في بعض الأحيان، ومدعاة للتجاهل والإهمال والعقاب السلبي في بعضها الآخر؛ فإن هذا الغموض قد يؤدي بصاحبه إلى سلسلة من العقوبات والعقبات التي قد تجر عليه ألوانًا من العنَت، وألوانًا من العقاب، وألوانًا من   الحروب ما أنزل الله بها من سلطان!!

    في الأحوال الاستثنائية الطارئة غير العادية، وفي مواجهة القوم الآخرين ليس من حق الإنسان أن يكون غامضًا، وليس من حقه أن يكتم أحلامه، وأن يجعل من صدره مقبرة لأمنياته وأسراره وآلامه وآماله!! فهؤلاء الآخرون يريدون أن يعرفوا كل شيء!! فتُبدأ التحريات والاستفسارات والاستجوابات.. وتكون التحذيرات والإنذارات والتهديدات والإملاءات.. ويكون التحييد.. أو الاحتواء.. وقد يكون الصِّدام فيكون العقاب بواحدة من العقوبتين، أو بكليهما!!

    بعد ذلك تكون المتابعات والمداهمات، وتكون الملاحقات والتوجُّسات؛ فهؤلاء الآخرون يختلفون عن غيرهم في كثير من  المزايا والخصال والصفات والمواصفات والخصائص، وعلى رأس هذه  الخصائص والمزايا انعدام الهامش تمامًا إلى حد التلاشي الكامل في كل المسائل الأمنيّة، وفي كل ما يمتّ بأدنى صلة للأمن؛ فمزاجهم العام، والمزاج الخاص لكل منهم لا يطيق صبرًا على أدنى شك أمنيّ.. وعليه فإن الاستمرار في الغموض، والتمادي في التكتم والتقوقع والصدود سبب كاف عند هؤلاء للتحفظ على هذا الإنسان، والاحتفاظ به لديهم دون اتهام، وهذا ما يسمى بالاعتقال الإداري!!

    لسان حالهم يقول: لا أدلة لدينا لمحاكمتك.. ولا نستطيع إخلاء سبيلك، فنحن متخوّفون منك، ونشك في نواياك تجاهنا!! فلنحتفظ بك رهينةً في أيدينا لنأمن  جانبك.. ولسان   حاله يقول: لم أفعل شيئًا، وليس عندي ما أقوله!! صحيحٌ أنني لا أحب رؤيتكم، ولكنني لم أفعل شيئًا ضدكم.. والإنسان بريء حتى تثبت "إدانته".. فلماذا تعاقبونني وأنا بريء؟؟ ولماذا تطبّقون علي قوانين الطوارئ الانتدابية الصادرة في فلسطين قبل أربعة وستين  عامًا، وأنا طفل سأبلغ الثامنة عشرة بعد ثلاثة أعوام؟؟ لماذا تحاكمونني بموجب قانون أصدره البريطانيون في بلادي قبل أن يولد جدي؟؟

    لماذا تحتجزونني لديكم بدون سبب، وأنتم تدّعون العدل والعدالة وسيادة القانون، وأنا طفل لم أحرّك ساكنًا ضدكم؟ إن كنتم لا ترغبون في رؤيتي هنا على أرضي، فأنا لا أرغب في رؤيتكم على هذه الأرض؛ فارحلوا عنها.. إن المجتمع  الدولي، ومعه كثير من مفكريكم وقادتكم السياسيين أيضًا يطالبونكم بإخلاء كل هذه الأراضي العربية المحتلة، ويطالبونكم بإخلاء سبيل كل هؤلاء المعتقلين والمحكومين، ويطالبونكم بتنفيذ القرار (194) القاضي بعودة اللاجئين والمهجَّرين الفلسطينيين إلى ديارهم، ويطالبونكم أيضًا بتنفيذ القرار (181) الذي أقيمت بموجبه دولتكم هذه التي احتلت الجزء المخصص للدولة  العربية بموجب هذا القرار!!

    لماذا  تحتجزون كل هذه الآلاف بموجب أوامر إدارية لا سند لها من قانون؟ ولماذا تعتقلون كل أسرى الحرية هؤلاء لا لشيء إلا لأنهم يريدون الحرية لشعبهم ولأرضهم  المحتلة؟؟ إن كنتم تؤمنون بالسلام العادل الدائم الشريف المتكافئ المقنع الذي لا  غالب فيه ولا مغلوب، ولا يؤسس إلا لسلام شامل، وازدهار، ورفاء، وتقدم، واستقرار في هذه المنطقة من  العالم فعليكم أن  تضعوا حدًّا لأوهامكم وأحلامكم.. عليكم أن تخرجوا في الحال من كافة الأراضي العربية التي احتلها جيشكم بقوة السلاح في صبيحة الخامس من  حزيران من عام سبعة وستين .. وعليكم أن   تخرجوا من الأرض العربية التي احتلها مقاتلوكم في العام ثمانية وأربعين وهي التي كانت مخصصة للدولة  العربية في فلسطين بموجب القرار (181) والبالغة  مساحتها أكثر من 14% من مساحة فلسطين التاريخية، وبهذا وضعتم أيديكم على ما مساحته (78%) قبل ان تضعوها على ما تبقى من أرض فلسطين عام سبعة وستين.. وعليكم أيضًا أن توافقوا على وضع  القرار (194) موضع  التنفيذ.. عندئذ لن تكون هنالك مشكلات أو عقبات، ولن تكون هنالك حروب وعداوات.. ولن يكون هنالك  خصام ومشاحنات.. وعندئذ لن يكون هنالك سوى العدل والعدالة والمحبة والتسامح والإخاء والبناء والإعمار والتقدم والازدهار... وثقوا أن  كل هذا ممكن، وممكن جدًّا.. وثقوا أيضًا أن تحويل هذه الديار إلى جنة من جنان الله على الأرض أكثر من ممكن بين عشية وضحاها!!

    في اليوم  العالميّ لإلغاء الاعتقال الإداريّ نقول: إنه الخطوة الأولى لتحقيق الأمن والأمان لهذا الشعب.. وهو  الخطوة الأولى لإلغاء الاعتقال السياسيّ أيضًا.. وهو الخطوة الأولى لبناء مجتمع المحبة والتسامح والوئام بعيدًا عن المعتقلات، ومراكز التوقيف والتحقيق.. وهو المقدمة الأولى لإرساء دعائم دولة القانون والعدل والعدالة والمؤسسات في هذه  الديار.

    وفي هذا اليوم الأربعاء الثالث والعشرين من شهر كانون الأول نهيب بالمجتمع  الدولي، وبكل القوى  التقدمية، وبكل الهيئات والجمعيات والتجمعات المحبة للعدل والحرية، وبكل الشخصيات المؤمنة بالسلام العادل أن تعمل من أجل إلغاء الاعتقال الإداري وصمة العار التي لطّخت جبين البشرية في هذا العصر الحديث!!

23/12/2009

 


السبت، ١٩ كانون الأول ٢٠٠٩

في اليوم العالمي للمهاجرين

متابعات

في اليوم العالمي للمهاجرين

أ‌.       عدنان السمان

www.samman.co.nr

    من محاسن المصادفات أن يأتي هذا اليوم متزامنًا مع عيد الهجرة رأس السنة الهجرية لهذا العام، والذي يأتي بدوره قبل ثلاثة عشر يومًا من نهاية عام ميلادي، وبداية عام ميلادي جديد.. ولعل في هذا كله ما يغري بالتفاؤل، ويدفع بالناس في هذه الديار، وفي غير هذه الديار أيضًا إلى الابتسام، وإلى استقبال هذه المناسبات جميعها بمزيد من الثقة والتفاؤل والأمل والرجاء.

    ولئن قرر المجتمع الدولي اعتبار هذا اليوم الثامن عشر من شهر كانون الأول من كل عام يومًا عالميًّا للمهاجرين والمهجَّرين؛ فما ذلك إلا للتّنبيه على خطورة هذه الظاهرة، والتحذير من آثارها النفسية والاجتماعية والسياسية المدمرة.. في محاولة لمعالجة أسبابها ومسبباتها، وبالتالي وضع الحلول العملية المناسبة لتخليص المجتمعات البشرية من أضرارها ومخاطرها وسلبياتها.

    لقد عرفت المجتمعات والتجمعات البشرية الحروب منذ أقدم العصور، واكتوت بنيرانها، وكانت تلك الحروب سببًا من أسباب التشرد والهروب والهجرات الفردية والجماعية.. كما عرفت المجتمعات ظاهرة المحل والقحط وشحّ المياه، وما يترتب على ذلك  من رحلة في الأرض بحثًا عن الكلأ والماء.. وعرفت المجتمعات والتجمعات الأوبئة على مر العصور، وعرفت فيها سببًا من أسباب الهجرة والهروب من مكان إلى مكان طلبًا للنجاة.. ويُضاف إلى هذه الأسباب، وكثير غيرها أسباب منها الكوارث الطبيعية من زلازل، وبراكين، وفيضانات، وعواصف عاتية، وأعاصير مدمرة، ومنها أيضًا الكوارث البيئية، وسطوة الحيوانات الكاسرة.. ومنها ظلم الإنسان للإنسان، وتجارة الرقيق، والرحلة في طلب العلم، أو طلب الرزق، ومنها السياحة الداخلية، والخارجية، والرحلات العلمية، والاستكشافية.. فإذا عجز هؤلاء أو أولئك عن العودة إلى أوطانهم بفعل مرض، أو وباء، أو  حرب، أو  نحو ذلك أصبحوا لاجئين، ثم تحولوا إلى مواطنين أو شبه مواطنين بمرور الزمن.

    وإذا كانت المجتمعات والتجمعات البشرية الحديثة قد تخلصت من   معظم أسباب الهجرة ومسبباتها في الماضي السحيق والوسيط، إلا أن كثيرًا من  هذه الأسباب والمسببات ما زال موجودًا وإن اختلفت الأسماء والمسمَّيات والصور والأشكال في هذا البلد أو ذاك، وفي هذه  المنطقة أو تلك.

    فالفقر الذي يعصف اليوم بكثير من البلدان، ويفتك بأكثر من  مليار إنسان ما زال سببًا، وأيّ سبب، من أسباب التشرد والهجرة واللجوء، وما زال سببًا رئيسًا من أسباب معاناة البشرية واضطرابها.. ولدى البحث في أسباب هذا الفقر نجد أنه ناجم في معظم الأحوال عن عدوان الأقوياء، واستبدادهم بالضعفاء، ووضع يدهم على مقدّراتهم وثرواتهم وخيرات بلادهم.. وإن تظاهر هؤلاء الأقوياء أحيانًا بالإنسانية ومساعدة بعض الفقراء أو الضعفاء فإن ذلك لا يعني شيئًا، ولا يثبت براءتهم من  هذه التهمة الدامغة، والمسئولية عما نحن بصدده، وما كل هذا  الإحسان المُفتعل، والتظاهر بالإنسانية أحيانًا إلا نوع مما يمكن تسميته بالعلاقات العامة، وما يمكن تسميته على الأصح بالنفاق والخداع والرياء والتمادي في الضحك على الناس، والتمادي في استغفالهم واستغلالهم بهذا الشكل أو ذاك.

    وما يقال في الفقر يقال في القمع  السياسي، والاضطهاد الديني، والعرقي، والاجتماعي، والاستبداد الفئوي في كثير من البلدان مما يؤدي في النهاية والمحصِّلة إلى الهجرة إن لم يؤدِّ إلى الموت والتشوهات الجسدية والنفسية، والعيش إلى ما شاء الله في السجون والمعتقلات.. ولا يستطيع أحد إنكار دور أولئك الأقوياء وتلك الدول المتنِّفذة في هذا العالم عن كل هذا الذي يحدث في كثير من أقطار هذا الكون!!

    على أن هنالك سببًا من  الصعب تجاهله لهذه الهجرة التي يحاول الناس اليوم وضع حد لها في هذا اليوم  العالمي للمهاجرين.. أعني هجرة الأدمغة والعقول من أوطانها إلى عدد محدود جدًّا من  الدول القوية المتنِّفذة في هذا العالم لأسباب تعلمها الشعوب، وتعلمها الحكومات، وتعلمها الأدمغة المهاجرة أيضًا.. ولكن لا أحد يعمل من أجل وقفها!! إن الدول القوية معنيَّة باستمرار هذه الهجرة، وإن غالبية الأنظمة في أقطار العالم  الثالث معنيّة هي الأخرى بذلك، وإن أصحاب الأدمغة والكفاءات والمهارات هم أيضًا يدركون خطورة ما يفعلون، ولكنهم يريدون أن يعملوا.. ويريدون أن يمارسوا اختصاصاتهم، ويريدون أن يعيشوا حياة لائقة بهم.. ولا يجدون ذلك في بلدانهم، فيضطرون إلى الهجرة، ويضطرون إلى العيش في تلك الدول.. وبذلك تخسرهم أوطانهم، وتخسرهم شعوبهم.. ولا يستفيد من ذلك كله ومن  مضاعفاته وتراكماته، وتفاعلاته إلا أولئك الأقوياء!!

    في اليوم العالمي للمهاجرين لا يسعنا إلا أن نتوجه بالشكر إلى كل الأحرار الغيورين على أمن الشعوب وأمانها واستقرارها وتطورها وخلاصها من السلبيات والعلل والأمراض.. ولا يسعنا إلا أن نشد على كل الأيدي العاملة من أجل خير الشعوب، ونشر العدل والعدالة في الأرض، مطالبين كافة الشعوب بالعمل الجاد من أجل وضع حد للهجرة، ومن أجل استصلاح أراضيها، لتأكل مما تزرع، وتلبس مما تصنع.. وفي اليوم العالمي للمهاجرين نقول: كفى تشردًا، وكفى هجرةً واغترابًا، وكفى تشتتًا وطوافًا على غير هدًى؛ فلقد آن الأوان لكل مهاجر ومهجَّر أن يعود إلى وطنه!!

20/12/2009


الجمعة، ١٨ كانون الأول ٢٠٠٩

في الهجرة.. وقيام دولة الإسلام الأولى

متابعات

في الهجرة.. وقيام دولة الإسلام الأولى

أ‌.       عدنان السمان

www.samman.co.nr

    لم تكن هجرة رسول الإسلام من مكة إلى المدينة حدثًا عاديًّا في حياة عرب شبه الجزيرة، وغيرها من مواطن العرب، بل لم تكن هذه الهجرة كغيرها من  الهجرات الفردية والجماعية التي سبقتها في بلاد العرب قبل انهيار السد، وبعد انهياره أيضًا، ولم يكن نبي هذه الأمة أول آذاه قومه، وأعرضوا عن سماع دعوته، ومارسوا ضده كل ألوان الإساءة والأذى والعدوان، بل لقد هموا بقتله غير مرة، وهم يعلمون أنه الصادق الأمين المحب لقومه وأسرته وبلدته، الحريص على ما فيه خير عشيرته وأمته.. نعم.. لم يكن هذا الرسول الكريم أول من تعرض لكل هذا العنت، وهو يدعو قومه إلى ما فيه خيرهم ونفعهم وصلاحهم، ولم يكن الأخير في زمانه، وفي غير زمانه، ولكنه –يَقينًا- كان شيئًا مختلفًا عن سابقيه، وعن لاحقيه.. كان إنسانًا مختلفًا؛ فقد كان مثالاً في الصبر.. مثالاً في التضحية.. مثالاً في البذل.. مثالاُ في العطاء.. مثالاً في الصفح، والتسامح، والعفو، والمغفرة، والطهر، والنزاهة، والأمانة، ومكارم الأخلاق.. وقد كان إلى جانب هذا كله ودودًا حليمًا حكيمًا واسع  الأفق فصيحًا نبيهًا جوادًا مقدامًا جريئًا لا يخشى في الحق لومة لائم.. جمع إلى جانب هذا كله، وكثير غيره بين الثبات على الحق، والإصرار على تحقيق الهدف.. لم يتطرق اليأس يومًا إلى قلبه الكبير.. لم يشتم.. ولم يغضب.. ولم يلعن.. ولم يتأفف.. ولم يستسلم.. ولم تلن له قناة.. وعندما كان يشتد به أذى قومه كان يطلب لهم الهداية؛ فهم لا يعلمون!!

    وعندما هاجر صلوات الله وسلامه عليه من  مكة مسقط رأسه بعد أن رفضت غالبية أهلها دعوته، وبعد أن آذاه أهلها كل هذا الأذى؛ فإنه لم يهاجر من مكة خوفًا من ظلم أهلها وعدوانهم، ولم يهاجر ليستعدي عليهم هذا الملك أو ذاك.. ولا هذه القبيلة أو تلك كما فعل غيره!! لم تكن هجرته من مكة ردة فعل بسبب خوف أو غضب، أو رغبة في الانتقام من أهلها، أو الاستعانة بغريب أو أجنبي عليهم من أجل التحكم برقابهم!! ولم يهاجر محمد صلوات الله عليه وسلامه ليطوف بالقبائل العربية وبعواصم الدول شاكيًا باكيًا متوسلاً أن تنصفه هذه  القبائل، وتلك العواصم، وتعيده إلى مسقط رأسه!! لقد هاجر من مكة على الرغم من حبه الشديد لها إلى المدينة، وهو يعلم يقينًا ما يريد.. هاجر إليها بعد أن هيأها لنصرة هذا الدين، وبعد أن هيأها لتكون دولة الإسلام الأولى لأول مرة في التاريخ، وبعد أن هيأها لتكون نقطة الانطلاق نحو مكة في عودة كريمة ظافرة في يوم ما، ولقد تحقق له ذلك في عام الفتح!! هاجر صلوات الله عليه إلى المدينة وهو يعتزم أن يؤاخي بين المهاجرين والأنصار.. بين أهل مكة الذين سبقوه في الهجرة إلى المدينة، وأهل المدينة الذين استقبلوهم في بيوتهم وديارهم!! وكذلك ليؤاخي بين الأوس والخزرج من أهل المدينة بعد عداوة كانت مستحكمة بينهم!! ولقد كان لرسول الله الأعظم ما أراد.. كان له أن يقيم دولة الإسلام الأولى في المدينة المنورة.. وكان له أن يصد الغارات والأعاصير والعواصف التي استهدفتها.. وكان له أن يبني أول مسجد للإسلام فيها، وكان له أن يقيم مجتمعًا متماسكًا متآخيًا متعاونًا على البر والتقوى،  مستعدًّا للبذل والتضحية والفداء، واثقًا من النصر، ملتزمًا بتوجيهات النبي القائد، والمعلم الباني رسول المحبة والعدل والحق والعدالة والإخاء!!

    كان محمدٌ نبيًّا، وكان رسولاً، وكان إمامًا، وكان قاضيًا، وكان حاكمًا، وكان قائدًا عسكريًّا، وكان مؤمنًا بحق هذه الأمة في التحرر والسيادة والاستقلال، وكان واثقًا من النصر، بل لقد كان أكثر من واثق عندما وعد سراقة بأساور كسرى، وتحقق ذلك في خلافة عمر الذي أرسل في أثره، وسلّمه تلك الأساور على مرأى ومسمع من الصحابة والمقاتلين رضوان الله عليهم، ليودعها سراقة راضيًا مرضيًّا بيت مال المسلمين!!

    في عيد الهجرة النبوية، وفي ذكرى إقامة الدولة الإسلامية الأولى دروس وعبر تستوقف هذه  الأمة أمام هذه المناسبة لتقرأ تاريخ صاحب هذه الذكرى جيدًا، ولتعرف كيف تقتدي بصاحب هذه الذكرى العظيمة التي أخرجت البشرية كلها من ظلمات الجهل والجهالة والتخلف والضلال إلى نور العلم واليقين والتقدم والحضارة  والعدل والبناء والإعمار والإيمان.. وكل عام وأنتم بخير.

18/12/2009


الاثنين، ١٤ كانون الأول ٢٠٠٩

في الذكرى الثلاثين ليوم المعلم الفلسطيني..

اعادة

في الذكرى الثلاثين ليوم المعلم الفلسطيني..

أ‌.       عدنان السمان

www.samman.co.nr

 

    في الرابع عشر من شهر كانون الأول من كل عام، يحتفل المعلمون في هذه الديار بواحدة من أبرز المحطات في تاريخهم النضالي الطويل الذي يخوضونه منذ عشرات السنين ضد الجهل والجوع والتحكم، وكل محاولات التدخل في العملية التربوية ، لحمايتها من عبث العابثين ، وعدوان المعتدين.. هذا اليوم الذي أسماه بعضهم "يوم المعلم" وأطلق عليه بعضهم الآخر "عيد المعلم"، هو اليوم الذي اقتيد في ليله الماطر البارد العاصف عشرات المعلمين من مختلف مناطق البلاد للاستجواب والتحقيق... مورست بحقهم مختلف أنواع الإهانات، والاستخفاف بمطالبهم العادلة.. كما وجهت إلى كثير منهم صنوف التهديدات إن هم عادوا للمطالبة بشيء مما يُسمى "حقوق المعلم" !! وعلى الرغم من صنوف الأذى والعدوان التي تعرّض لها كثير من المعلمين بعد ذلك.. وعلى الرغم من ألوان التدخل المضاعف الذي تعرضت له العملية التربوية ، واستهدف مدارسنا، وطلبتنا، وكثيرًا من معلماتنا ومعلمينا، إلا أن أحدًا لم يقف إلى جانب المعلمين كما ينبغي .. ولم يسمع المعلمون أكثر من بعض عبارات التأييد، أو التضامن، أو التعاطف الخجول الذي ما تجاوز الشفاه.. وإن تجاوزها أحيانًا مات في المسامع الصماء، أو قبل أن يصل تلك المسامع.. وليت الأمر قد توقف عند هذا .. فلقد راح بعضهم يوجّه للمعلمين ، وحركتهم، ومطالبهم أسوأ عبارات النقد، والتشهير، والتجريح، وعلى الرغم من الإنجازات التي تمكن المعلمون من تحقيقها في ذلك العام التاسع والسبعين من القرن الماضي إلا أن ما حققه بعضهم لنفسه من مكاسب شخصية كان كبيرًا أيضًا، بل لعله كان أكثر من مستهجن، وأكثر من محبِط في بعض الأحيان.. ومع ذلك فقد حاصر المعلمون آنذاك كثيرًا من التوجهات الضارة ، وتجاوزوا كثيرًا من السلبيات التي كانت تستهدف العملية التربوية.

    وباختصار، فقد تمكن المعلمون في أواخر ذلك العام، وفي الأسابيع القليلة الأولى من العام ثمانين وتسعمئة وألف من تحقيق بعض المكاسب المادية، وإدخال بعض التحسينات على رواتبهم الهزيلة.. أما المكسب الكبير الذي حققته تلك الحركة التي نحتفل اليوم بذكراها الثلاثين , فقد كان التأكيد مجددًا على حماية العملية التربوية، والمناهج المدرسية، والمؤسسات التعليمية من عبث العابثين ، وتدخل المتدخلين، وتطفلهم، وفرض الوصايات على المعلم، والمتعلم، والعامل في حقل التعليم .

    وباختصارٍ أيضًا، فقد أثبت المعلمون وجودهم، واستعرضوا جانبًا من قوّتهم، فازدادوا قوة أدركت سرها سائر الأطراف التي كانت تراقب الموقف عن كثب، لفعل ما تراه مناسبًا بحق هذه الشريحة التي تحركت، فأثّرت ، وأحرجت أكثر من طرف ، وحققت أكثر من إنجاز على الصعيدين الخاص والعام، وعلى المستويين التعليمي والسياسي .

    لم يطالب المعلمون في ذلك الحين بعطلة أسبوعية من يومين، بل طالبوا بتدريس ساعتين إضافيتين دون أي مقابل في صباح يوم الجمعة من كل أسبوع، وقد نفّذ كثيرٌ منهم هذا الإجراء!! كما قام بعضهم بإعطاء الطلبة ساعةً قبل بدء اليوم الدراسي ، وساعة بعد انتهاء الدوام المدرسي.. ولسنا بحاجة لذكر ما قام به كثير من المعلمين في العام ثمانية وثمانين  عندما كانت الانتفاضة في أوجها.. لقد فتح كثير من الناس بيوتهم لممارسة التعليم الشعبي.. وخاض المعلمون غمار تلك الحرب بقوة، وتمكنوا من تحويل كثير من البيوت والمساجد والمنتديات والجمعيات إلى مدارس خلال ساعات معينة، وفي أوقات محددة من النهار تمامًا كالمدارس.. وكانت الأمور تسير سيرًا طبيعيًّا أو شبه طبيعي لأن أولئك الذين أزعجتهم هذه الخطوة كانوا يلاحقونها، ويتعقبون نشطاءها ،  وكانوا لها بالمرصاد... إنني مع المعلم في كل ما يطالب به  .. ولكنني لست معه في هذا المشهد المحزن.. مشهد طلبتنا وهم يعطلّون يومين، وقد يعطلون يومين آخرين احتجاجًا وإضرابًا لهذا السبب أو ذاك، وهم يعطلون أيامًا وليالي  في عيد الفطر بعد شهر كامل من التعليم الجزئي، وأيامًا وليالي في عيد الأضحى، وعيد المرأة، وعيد العمال، وعيد الاستقلال، وأعياد أخرى كثيرة نعدّ منها ولا نعدّدها!! يضاف إلى هذا كله عطلةٌ صيفية من ثلاثة أشهر بالكمال والتمام .

     وإذا سألت عن عدد الأيام الدراسية التي نفّذها المعلمون في العام الدراسي، أو الفصل الدراسي وجدت أنها لا تشكّل إلا نسبة ضئيلة من عدد أيام السنة... إنها لا تكفي لإنهاء منهاج، وفهم مقرر، والارتقاء بجدارة إلى صف جديد أو مرحلة جديدة ، وكيف يمكن أن يكون عامًا دراسيًّا هذا الذي لا يكاد عدد أيامه يبلغ مئة وخمسين يومًا في أحسن الأحوال؟؟

   الناس مع المعلم  شريطة أن يتعلم الطلبة.. وأن يسلك الطلبة سلوكًا حسنًا في المدرسة والبيت والشارع.. وشريطة أن تزور مدارسنا لجان متخصصة فتنشر تقارير مُطَمْئِنَةً عن سير العملية التربوية التعليمية في هذه المدارس، وشريطة أن نكون جميعًا : مربين ، ومسئولين ، وأولياء أمور القدوة الحسنة لطلبتنا الذين نريدهم أن يكونوا – حقًّا وصدقًا – درع هذه الأمة ، وحماة هذه الديار ، وتحية إلى المعلم الفلسطيني في عيده .

14/12/2009م

 

السبت، ١٢ كانون الأول ٢٠٠٩

فيمَ التفاوضُ؟

إعادة

فيمَ التفاوضُ؟

شعر: عدنان السمان

www.samman.co.nr

 

فيمَ التفـــاوضُ؟ لا صحبٌ ولا جارُ     ولا أنيـــسٌ ولا أهـــلٌ وزُوّارُ

ولا جليـسٌ ولا أكـــلٌ ولا ضحكٌ      ولا شـرابٌ ولا خِـلٌّ وسُـــمّارُ

ولا حـديثٌ عن الأحــباب إذ قَلَبوا       ظـهرَ المـجنِّ ولا بيـتٌ ولا دارُ

نبيــتُ نفترشُ الغـــبراءَ يجلدُنا       رِخـوٌ خـنيثٌ وقَــوّادٌ وسمسارُ

نشـكو من البردِ يا أمــاهُ يصرعُنا      فلا غـطاءٌ ولا دفءٌ ولا نـــارُ

نشـكو من الجوع يا أمـي ومن فَرَق     ومن هوان، فقد آذوا وقـد جاروا

وليس يسمعُ مَن في الـكون صرخَتنا      تجـاهَلَ الأمرَ أوغـادٌ وأشــرارُ

قـد أوقعونا بهذا الكــرب من زمنٍ      هم أوقــعونا وإن لفّوا وإن داروا

وعِلْيةُ القـــوم لا تُحصى فضائلُهم      وعِلْـيَةُ القوم تـاريخٌ وأخـــبارُ

من حولهم معشرٌ في العار قد غرقوا       وفي الأكـاذيبِ خـلجانٌ وأنــهارُ

يمجّـدون لصوصًا لا خــلاقَ لهم       باعوا البلادَ، وأُزدَ الغابِ قد صاروا!

بـاعوا الجليلَ وباعوا ساحلاً وربًى        باعوا الخليلَ وباعوا القدسَ يا جارُ!

باعوا البلاد فهذي "الجيمُ" قد صرخت       وتلك في الشــرق آكـامٌ وأغوارُ!

والبــاء باءوا بسخط  اللهِ من زمنٍ      باع البـلادَ (وأيمُ الحقِّ) صـرصارُ!

وجوّعــوا الشعبَ واغتالوا كرامتَهُ       سـوءُ المصيرِ لهم والخزيُ والعارُ

مواكبُ المــجدِ غابتْ عن نواظرِنا       مواكـبُ الغيـد بادت فهي تَـذكارُ

إنا أباةٌ وبيضُ الهـــندِ قد شهدتْ       إنا هـداةٌ على الطــغيان قد ثاروا

ومَشْرِقُ الشمــسِ طَلْقٌ من تألِقنا        ومـغربُ الشـمسِ رَيـحانٌ ونُوّارُ

إنا لَنـرخصُ في الهيــجاءِ أنفسَنا       وعلـيةُ القـومِ أغنـامٌ وأبقــارُ

إن الـغزاةَ وإنْ لانوا وإنْ وعـدوا        هم يـكذبون فـلا تــغرُرْكَ أفكارُ

تأبى العـروبةُ والإسلامُ هدنتهــم       أبنـاءُ يعـربَ في التــاريخ ثوارُ

تـقضي العروبةُ والإسـلامُ حربَهمُ        حتـى يبيدوا وما في الكـون آثارُ

تـقضي العروبةُ والإسلامُ أن يَهِنوا        وأن يبيدوا ومــا في الدار ديّـَارُ

يا يومَ فرحِتنــا بالنصرِ قد طربتْ        به الليـالي وشُدَّت فـيه أوتــارُ

نبكي نغني وملءُ الكــونِ فرحتُنا        وفرحـةُ العُــربِ نايٌ ثم مِزمارُ

وفرحةُ العُـربِ أعراسٌ يهيــمُ بها      هذا الوجـودُ وترتيــلٌ وأشعـارُ

وفرحةُ العُربِ في يافــا وقد لبستْ       ثوبَ الفخارِ وعــادت فيه أحـرارُ

وفرحةُ العُــربِ في مسرى محمدِنا      وقـد أحـاط به الريحـانُ والغـارُ

وفرحةُ العُــربِ في تحريرِ كعبتِهم       من الطـواغيتِ عُبــدانٌ ودُعّـارُ

هـذي القيامةُ قامت فوقَ رأسِهــمُ      كنيسةَ المهــدِ شَعَّتْ منكِ أنـوارُُ

عيسى بنُ مــريمَ في عليـائِه فَرِحٌ        وأحمــدُ العُربِ تسبيحٌ وأذكــارُ

اليـعربيّـانِ قد فـاضت ْ دموعُهمـا      بفرحةِ القدسِ ريحـانٌ وأزهــارُ

إنا على العهــد يا أختاه فابتسمـي      حيــاكِ عنـد بزوغ الفجـرِ آذارُ

يا سادةَ العُربِ والتحرير في وطـني       في قلعـةِ العُربِ جدرانٌ وأسـوارُ

وفي القطاع دمـــاءٌ تستغيـثُ بِكم     أطفال غزةَ صيحـاتٌ وإعصــارُ

أطفالُ غــزةَ صيحــاتٌ مـزلزلةٌ       في موكب المجدِ والعلياءِ قد ساروا

الله أكبـــرُ يا حكــامَ أمتِنـــا      أليس في الكون أحــرارٌ وأنصار؟

الله أكبــرُ يا أحـرارَ موطنِنـــا       شُدُّوا عليها –أُسودَ الغابٍ- تنهارُ

فـدولةُ البغــي ساعاتٌ ومـدبرةٌ       ودولةُ الـحقِّ تـاريخٌ وأسفــارُ

إن التفــاوضَ مأســـاةٌ محقَّقةٌ       لن يستجيبوا لكم في الأمر أسرارُ؟!

لن تأخـذوا منهـمُ إلا عــمولَتَكم       فالأرضُ أرضُهمُ تكفيكَ "أشبـارُ"!!

لا متـرَ لا شبرَ قد أعطَوْا مفاوضَنا        وفي النهاياتِ (كالمعتادِ) أَعـذارُ!!

 

( شباط 2008)