عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


الاثنين، ٢٩ أيلول ٢٠٠٨

مزيدًا من المحبة والتسامح في العيد..


متابعات
مزيدًا من المحبة والتسامح في العيد..
أ.عدنان السمان
    العيد فرحةٌ للصغار ،وبهجة للكبار .. ولئن كانت الدنيا روضًا فإن الأعياد زهره وأريجه . ولئن كانت الحياة رحلة فالأعياد زينتها وزخرفها ، وهي المحطات التي يستريح فيها المسافرون من عناء السفر ومتاعبه ، ويجددون فيها نشاطهم ، ويستعيدون قواهم لمواصلة السير على طول دروبها الطويلة ... في العيد تصفو النفوس ، وتنقشع غيوم التجّهم والعبوس .. فيه تؤدّى الشعائر ، وتُزار المقابر ، ويُقبل الناس على الحياة بهمة وعزم ونشاط يَصِلون أرحامهم ، ويعودون مرضاهم ، ويزورون أقرباءهم وأصدقاءهم ، ويناقشون قضاياهم ، ويتحدثون في أحوال أمتهم وقضاياها ، وفي أحوال الدنيا من حولهم .
      والعيد فرصةٌ لالتقاط الأنفاس ، والاستماع جيِّدًا لأحاديث الناس ، والاطّلاع على أحوالهم ، وأخبارهم ، والوقوف على أفكارهم وآرائهم ، وهو فرصة لمناقشة أحوال الأمة بهدف إيجاد الحلول المناسبة لقضاياها ومشكلاتها ، والاتفاق على أفضل السبل لإخراجها من أزماتها ، وإعادة أيام عزها وأمجادها في محاولة لصنع رأي عام واعٍ مستنير ...والعيد أيضًا فرصة لإسداء النصح لطالبيه ، فالدين النصيحة ، والدين المعاملة، والدين أمر بالمعروف ونهي عن المنكر ، والدين تغليب للمصلحة العامة على غيرها من المصالح ، واهتمام بقضايا البلاد والعباد دونه كل اهتمام ... كل هذا في إطار من المحبة ، والتفاهم ، والتسامح ، والغفران .. بعيدًا عن الشتيمة والتجريح والاتهام ، وبعيدًا عن الفحش في القول ، ونسف الجسور بين أبناء المجتمع الواحد ... فالعيد هنا فرصة للتصافي ، وتنقية القلوب من الضغائن ، والأحقاد ، وسوء الفهم بسبب ضغوط الحياة ، وتراكماتها ، وأحداثها التي يضيق بها صدر الحليم !!
        والعيد فرصة مثالية لتراجع المخطئين عن أخطائهم ، والمسيئين عن إساءاتهم ، وهو فرصة للتراجع عن الغواية والضلال والانحراف ، والسير في طريق الرشاد والسداد والاستقامة ... إن وقفة صادقة مع النفس في هذا اليوم كفيلة أن تعيد الإنسان – مهما بلغت أخطاؤه – إلى جادة الحق والصواب ، وأن تعود به إلى دائرة العاملين المخلصين الأوفياء من أبناء الأمة الذين يُؤْثرون الباقية على الفانية ، ويفضّلون الموت في خنادق أمتهم على العيش في قصور أعدائها .
   والعيد مناسبةُ يعيد فيها الإنسان النظر في مسلكياته ، وعلاقاته بالآخرين ، فيقلع عن الإساءة للناس ، ويحجم عن إلحاق الأذى والضرر بهم مهما كانت الأسباب ، ويعاملهم بالتي هي أحسن حتى لو أساءوا إليه ، وما دام الإنسان كائنًا اجتماعيًّا فإن ممارسة الأذى والعدوان مهما كان ضئيلاً هو  من المحرمات التي يجب على هذا الكائن الاجتماعي تجنبها حتى تستقيم أمور الناس ، وتصلح أحوال المجتمع ، وتستقيم أمور الأمة ، ويعلو شأنها بين الأمم.
     وفي العيد .. عيد المحبة والتسامح والمغفرة يَحْسُن بقادة الأمة ، ومفكريها ، وسياسييها ، وأهل الرأي فيها أن يبتعدوا في أقوالهم وأفعالهم عما يثير الفتن بين الناس .. فحسبنا ما نحن فيه من تفسّخ ، وتقاطع ، وتنابذ ، واحتراب .. حسبنا ما نحن فيه من غمّ وهمّ وتشتّت وبعد عن الصواب !! ألا فليتق الله فينا أولئك الذين يريدونها حروبًا طائفية ومذهبيّة مدمرة في كل ديار العروبة والإسلام !! ليتّق الله فينا أولئك الذين يصطنعون الأزمات ، ويفتعلون المشكلات والانقسامات في صفوف هذه الأمة التي أصبح أمرها عجبًا بين الأمم !! ليس منا دعا إلى عصبيّة ، وليس منا من دعا إلى طائفية ، وليس منا من دعا إلى فئوية ، وليس منا من دعا إلى تنابذ أو تدابر أو تخاصم أو احتراب ...
     كلنا في هذه الديار أخوة .. كلنا في ديار العروبة والإسلام إخوة .. كل العرب إخوة .. وكل المسلمين أخوة.. المسلم أخو ( المسيحيّ) لا يسلمه ولا يخذله !! والسنيّ أخو الشيعيّ لا فرق بينهما إلا بالتقوى والعمل الصالح ، والموقف المشرّف من كافة قضايا الأمة!!
      فمزيدًا من التضامن والتكافل والتعاون يا عرب .. مزيدًا من التفاهم والمحبة والتعاضد أيها المسلمون .. ومزيدًا من التعقل والحكمة والروية يا كل أصحاب المواقع والألقاب والمناصب والأقلام في كل ديار العروبة والإسلام.
28/9/2008


Get more out of the Web. Learn 10 hidden secrets of Windows Live. Learn Now

أثـر المـراكز الثقافيـة فـي العمليـة التربويـة

أثـر المـراكز الثقافيـة فـي العمليـة التربويـة      
       (مـركز العلـوم والثقافـة نموذجـًا)         تقرير : أ: عدنان السمان
واجهت العملية التربوية مصاعب كثيرة منذ البدايات الأولى للاحتلال الإسرائيلي في الخامس من حزيران من عام سبعة وستين ، إذ بقيت المدارس مغلقة حتى اتخذت البلديات والشخصيات الوطنية قرارًا بإعادة افتتاحها في السابع عشر من تشرين الثاني من ذلك العام ، وهكذا كان ، ولكن المسيرة التربوية أخذت تواجه كثيرًا من العقبات بعد افتتاحها ، وبعد استئناف الدراسة لأسباب منها ، وعلى رأسها رفض المواطنين المطلق(بما فيهم قطاع الطلبة) لبقاء الاحتلال ، واستمرار وجوده في هذه الديار ، ومطالبتهم المستمرة بانسحابه ، والقيام بفعاليات ، وتظاهرات ، ومسيرات ضد وجوده مطالبين بخروجه من البلاد ... ومنها تصدي قوات الاحتلال لتحركات الطلبة ومعلميهم ، ولنشاط القطاع التجاري المعادي للاحتلال ووجوده في الأراضي المحتلة ... وهكذا تعثّر سير العملية التربوية ، واصطدمت بعقبات كثيرة رغم حرص الأهالي والقوى الوطنية على إنقاذها ، والسير بها قُدمًا تحقيقًا للمصلحة الوطنية العليا ، ومصلحة الطلبة وأولياء أمورهم على حد سواء ... وهكذا أصبحت أحوال العملية التربوية في تلك الأيام : تنتظم فترة ، وتضطرب أخرى .. يداوم الطلبة أيامًا دون توقف أو انقطاع ، ولكنهم سرعان ما يخرجون إلى الشارع بسبب اعتداء على هذه المدرسة أو تلك ، وعلى هذه المجموعة من المدرّسين أو المدرّسات ، وبسبب إبعاد بعض المعلمين حينًا ، وبعض الشخصيات الوطنية حينًا آخر ، وبسبب مصادرة مساحات من الأرض في هذه المنطقة أو تلك ، وبناء نقطة استيطانية في هذا الموقع أو ذاك ، وبسبب الاعتداءات المستمرة على البلدة القديمة من القدس ، ومحيط المسجد الأقصى ، والاعتداءات على الأقصى نفسه ، وعلى المقدسات المسيحية والإسلامية في القدس والخليل وغيرهما من مدن هذه الديار ... وفي مرحلة لاحقة ، وعندما أدرك الطلبة ومعلموهم وأولياء أمورهم أن انتظام الدراسة واجب تحتّمه المصلحة العليا للوطن ، وتقتضيه مصلحة الطلبة ، ويتطلبه بناء مستقبلهم العلمي بدأت قوات الاحتلال بضرب هذا التوجّه ، بهدف إفشال العملية التربوية ، متّبعةً في ذلك شتى الوسائل ، ومختلف الأساليب .. وهكذا أصبحت العملية التربوية بين مدٍّ وجزْر .. تنتظم حينًا ، وتضطرب أحيانًا ، وهكذا أصبحت هدفًا لسهام الاحتلال والمحتلين ، وهكذا أصبح الاعتداء على الطلبة ، واقتحام مدارسهم ، وإغلاق هذه المدارس ، والمؤسسات التعليمية أمرًا مألوفًا تمارسه قوات الاحتلال في مختلف مدن البلاد وقراها .. مدارس كثيرة أُغلقت لفترات زمنية طويلة بلغت فصلاً دراسيًّا كاملا في كثير من الأحيان ، ولم يقتصر هذا الإغلاق على المدارس بل تعداها إلى الجامعات ، ومعاهد التعليم العالي في محاولات مستميتة لفرض إرادة المحتلين على قطاع التعليم ، وتنفيذ مخططاتهم في المدارس والمعاهد والجامعات التي أصرّوا على إخضاعها لسلطة ضابط التعليم الإسرائيلي ، وإلحاقها بمكتبه ، بينما أصر الطلبة والقوى الوطنية على استقلالية الجامعات ، وعدم خضوعها لمكتب ضابط التعليم الإسرائيلي ... واضطربت العملية التربوية ، ووجدت نسبة هائلة من طلبة كافة المراحل نفسها في الشارع من جديد ... وكان طبيعيًّا في هذه المرحلة أن يلجأ الطلبة إلى البدائل .. فكان التعليم الشعبي الذي قام بدور فعّال في مساندة العملية التربوية ، ومؤازرتها ، وإنقاذها من الانهيار ، وكان اعتماد كثير من الطلبة على أنفسهم في مواصلة التحصيل العلمي مستعينين بأقاربهم ، وأولياء أمورهم ، وجيرانهم من ذوي الاختصاص ... وكان افتتاح المراكز الثقافية العلمية ، وإعادة تفعيل ما كان قائمًا منها ، وتنشيطه لتقوم بدورها في إنقاذ العملية التربوية ، بل والسير بها قدمًا نحو الهدف المنشود : تبنّي الطالب ، والحفاظ على شخصيته ، وتزويده بالثقافة الوطنية ، والإبقاء على صلته الوثيقة بالمنهاج  المدرسي الذي لا بد من استيعابه للارتقاء إلى صف جديد ، أو التقدم للامتحان العام ، والحصول على شهادة الدراسة الثانوية العامة .
وهكذا أصبحت هذه المراكز الثقافية في مختلف مدن البلاد منائر أضاءت الطريق للطلبة في ليل الاحتلال الطويل ، وكل محاولات العدوان والتنكيل والتجهيل .. وهكذا ساعدت هذه المراكز كثيرًا من الطلبة الجادّين على مواصلة تحصيلهم ، وعلى النجاح في امتحاناتهم العامة ، بل وعلى التفوق أيضًا ومواصلة دراساتهم الجامعية بهمة ، وعزيمة ، وقوة ، واقتدار ، رغم كل المثبّطات ، ورغم كل محاولات الهدم والتعهير والتدمير التي واجهت العملية التربوية في تلك الأيام .
على أن هذه العملية التربوية التي كُتب عليها أن تبقى هدفًا للسهام الطائشة وغير الطائشة في هذه الديار عادت لتواجه واقعًا مريرًا ، وتحديات مدمرة من نوع آخر ... عادت العملية التربوية إلى المعاناة والتعثر ، وباتت فريسة للتناقضات ، والصراعات ، والخلافات في الرؤى والأهداف والمسلكيات ، وسوء الإدارة والتخطيط ، واختلاف المشارب والميول والأهواء ، ومحاولات التحكم بالطلبة ومعلميهم ، واستغلال العملية التربوية بأبعادها وأركانها المختلفة أسوأ استغلال لغايات غير تربوية ، وغير تعليمية ، وغير وطنية ، وغير أخلاقية .. الأمر الذي ألحق أفدح الخسائر ، وأبلغ الأضرار بالوطن ، والمواطن ، وجمهور الطلبة وغيره من شرائح هذا المجتمع وفئاته التي باتت تعاني من سوء الأحوال في هذه الديار بشكل لم يسبق له مثيل ...
وهكذا عادت المراكز الثقافية ، لتقوم بدورها من جديد ، في مواجهة حالات الفوضى ، والتسيّب ، والفلتان ، واضطراب العملية التربوية ، والتناقضات الكثيرة التي باتت تعصف بها بشكل أصبح يهدد بانهيارها .. عادت المراكز الثقافية ، بعد أن تراجع دورها قليلاً أو كثيرًا في الماضي القريب أو البعيد ، بسبب انصراف الطلبة ومعلميهم إلى العمل ، بعيدًا عن كل عوامل التثبيط ، ومحاولات التدخل ، والتطفل ، والانحراف بالعملية التربوية عن أهدافها الحقيقية ، في خلق الجيل المتعلم المخلص لقضيته ، الملتزم بثوابته ، المؤمن بأهدافه ، وقيمه ، ومثله العليا بعيدًا عن الانحراف ، والتفريط ، والتنازل ، والتدمير المبرمج لمؤسسات هذا لشعب ، والقضاء المبرم على أسباب قوّته ، وعوامل وجوده وعيشه باحترام على ثرى وطنه الطَّهور .
عادت هذه المراكز من جديد ، لتقوم بدورها في حماية الطلبة من الجهل ، والتشرد ، والتسيّب ، والانحراف ، والفلتان ، والارتباك ، واضطراب كافة الأمور التربوية ، والسياسية ، والاجتماعية ، والاقتصادية ، والصحية ، والثقافية ، والنفسية التي تعصف بالناس عصفًا ، وتدمر ما تبقّى من وجودهم وأحلامهم في العيش بأمن وأمان في وطن عزيز ، وحياة كريمة آمنة !!
عادت هذه المراكز لتأخذ دورها الطليعي من جديد ، ولتعوّض الطلبة عن شيء مما يفتقرون إليه من الرعاية والعناية والاهتمام ، والتدريس الجادّ الملتزم بالمصلحة العليا للطلبة ، وحقهم الطبيعي المشروع في العلم والمعرفة بعيدًا عن الاستغلال والاستغفال والعبث وأشكال التدخل والتحكم التي ما أنزل الله بها من سلطان !!!
إن نظرة سريعة إلى ما قامت به هذه المراكز الثقافية ( ومنها مركز العلوم والثقافة – نموذجًا ) على امتداد السنوات الأربعين التي مضت ، تُظهر بما لا يدع مجالاً للشك مدى الخدمات التي قدمتها للعملية التربوية ، ولقطاع الطلبة وذويهم على امتداد هذه السنين .. فمركز العلوم والثقافة – على سبيل المثال لا الحصر – تمكّن خلال العقود الثلاثة الماضية من تقديم خدماته التربوية التعليمية التثقيفيّة لأعداد هائلة من الطلبة ، حيث تشير الإحصاءات والدراسات التي قام بها الخبراء في هذا المجال إلى تردد ثمانية آلاف طالب وطالبة في الشهر على هذا المركز بأقسامه المختلفة ، وقاعاته التي تستقبل أفواج الطلبة من الصباح وحتى ساعات المساء وذلك في أيام الإجازات الصيفيّة ، والفترات التي تسبق التقدم للامتحانات ، ولاسيما امتحان الثانوية العامة ، وكذلك في الفترات التي كانت تغلق فيها المدارس والجامعات ... وإن هذه الدراسات والإحصاءات تشير إلى أن عدد الطلبة الذين ترددوا على هذا المركز خلال العقود الثلاثة الماضية قد بلغ أكثر من مليون طالب وطالبة على افتراض أن المركز يعمل بأقصى طاقته مدة خمسة أشهر فقط في العام ، بمعنى أن عدد المترددين عليه خلال هذه الشهور الخمسة هو أربعون ألف طالب وطالبة (8000×5=40.000) وعليه فإن المركز قد استقبل خلال السنوات الثلاثين الماضية أكثر من مليون طالب وطالبة (40.000×30=1.200.000)
يضاف إلى هذا ما قام به مركز العلوم والثقافة من جهود في استيعاب ما أمكن استيعابه من طلبة جامعة النجاح خلال الإغلاقات الكثيرة التي تعرضت لها ، ومساهمته في التخفيف من حدة تلك الإغلاقات التي كانت تطول أحيانًا لتشمل فصلاً دراسيًّا كاملاً ، وربما عامًا دراسيًّا في بعض الأحيان دون أن يتدخل أحد لوقف تلك الممارسات الجائرة بحق الطلبة ، وبحق مؤسسات التعليم العالي في هذه الديار .
ويضاف إليه أحيانًا أن هذا المركز كان – ولا يزال – الباب مفتوح لمئات المدرسين والمحاضرين والمدرِّبين الأكفياء الملتزمين من خيرة أبناء هذا الشعب وبناته ممن قدّموا المساعدة لهذا القطاع الهائل من الطلبة في أوقات الشدائد والأزمات ، وممّن درّبوا الآلاف من أبناء هذا الشعب وبناته على استعمال الحاسوب بشكل فاق كل التوقّعات ، بحيث أصبح كثير من رواد هذا المركز وزواره والمترددين عليه من أبناء هذا الشعب وبناته يجيدون استعمال الحاسوب إجادة مكّنتهم من العمل في كثير من الشركات والمؤسسات في وقت كان فيه انتشار هذه التقنية محدودًا في هذه الديار ، ويضاف إلى ذلك أيضا ما قامت به هذه الكوادر المدرّبة من خدمات جليلة في تعليم كثير من بنات هذا الوطن وأبنائه كثيرًا من المهن التي ارتأت إدارة المركز افتتاحها مساهمة منها في إيجاد مجالات للعمل تخفف من حدة البطالة وآثارها مدمرة على المواطن والوطن .
لقد قام هذا المركز بدور رائد في ميدان الخدمة الاجتماعية والتعليمية والمهنيّة والثقافية والتربوية حتى غدا كعبه الأنظار ، وقبلة الزوار ، ومحج طالبي العلم والتفوق ، وعنوانًا لكل الجادّات والجادّين من بنات هذا الوطن وأبنائه .
27/9/2008    

الخميس، ٢٥ أيلول ٢٠٠٨

عبد الناصر في ذكرى رحيله…


متابعات

عبد الناصر في ذكرى رحيله…

أ. عدنان السمان

    لا نريد في هذا اليوم الثامن والعشرين من أيلول أن نلطم الخدود، ونشق الجيوب حزنًا وأسًى

على جمال عبد الناصر في ذكرى رحيله.. فقد شبع هذا الشعب.. كما شبعت شعوب الأمة العربية لطمًا وبكاءً وعويلاً.. نريد فقط في هذا اليوم أن نقول إن عبد الناصر كان صديقًا للفلسطينيين محبًّا لفلسطين.. قاتل على أرضها متطوعًا، وحوصر في الفالوجة.. وعاش النكبة واحدًا من أهلها.. وعرف كيف يضرب ضربته.. وكيف ينتصر لفلسطين.. وقف عبد الناصر في وجه أعتى العواصف طوال فترة حكمه.. وتعرض للعدوان الثلاثي في العام ستة وخمسين وتسعمئة وألف، وتمكن الغزاة في ذلك العدوان من اجتياح سيناء، كما تمكنوا من إنزال قواتهم في منطقة القناة، وفي مدينة بور سعيد حيث دارت معارك أسطورية بين تلك القوات الغازية وقوات من الجيش المصري، والمقاومة الشعبية المصرية.. وخرج الغزاة يجررون أذيال الفشل والخيبة والعار.. وخرجت مصر أكثر قوة، كما خرج عبد الناصر من تلك الحرب بطلاً قوميًّا أسطوريًّا أحب الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج.. وأحبته الجماهير العربية حبًّا ملك عليها المشاعر والأفئدة والأحاسيس..

    في الثاني والعشرين من شباط من عام ثمانية وخمسين وتسعمئة وألف أعلن القطران العربيان مصر وسورية أول وحدة عربية في تاريخ العرب الحديث.. لقد أُعلنت الجمهورية العربية المتحدة بإقليميها الجنوبي (مصر) والشمالي (سوريا) وهُرعت جماهير الأمة العربية صوب دمشق تؤم قصر الرئاسة في المهاجرين لتحيي جمال عبد الناصر، وشكري القوتلي صانعيْ هذه الوحدة التي لم تدم إلا ثلاث سنوات وستة أشهر وستة أيام حيث انفصمت عراها في الثامن والعشرين من أيلول من عام واحد وستين وتسعمئة وألف.. ليلفظ جمال عبد الناصر هو الآخر آخر أنفاسه في مثل هذا اليوم من عام سبعين وتسعمئة وألف وهو يودع زعماء الأمة العربية بعد حضورهم مؤتمرًا دعا إليه عبد الناصر للتداول في الشأن العربي آنذاك.

    ولئن نفّذ الغزاة عدوانهم الثلاثي على مصر في التاسع والعشرين من تشرين الأول من العام ستة وخمسين.. فقد شنّوا حرب حزيران على مصر والعرب في الساعات الأولى من صباح يوم الاثنين الخامس من حزيران من العام سبعة وستين وتسعمئة وألف.. ذلك العدوان الذي أسفر عن وقوع سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية وأجزاء من الجولان تحت الاحتلال الإسرائيلي.

    كل ما نريد قوله في هذا اليوم إن عبد الناصر لم يتنازل عن حبة تراب من أرض فلسطين لأحد.. وإن عبد الناصر كان يقول لكل الوفود الرسمية والشعبية التي كانت تزور مصر بهدف التوصل إلى حل لهذه القضية إنه لا يملك شبرًا واحدًا من الأرض في فلسطين.. وإن دوره أولاً وأخيرًا يكاد يكون محصورًا في تأييد الفلسطينيين، ومساندتهم في تحرير أرضهم، واستعادة حقوقهم... لم يتصرف عبد الناصر بهذه القضية، ولم يساوم أحدًا عليها، ولم يتنازل عن شيء من حقوق العرب في فلسطين... ولقد ظل عبد الناصر وفيًّا لشعب فلسطين وقضيته العادلة طوال حياته.. كما تعرض للغزو والعدوان والحملات الظالمة بسبب ذلك طوال حياته أيضًا، ولكنه لم يهن ولم يضعف.. لقد عاش جمال عبد الناصر رجلاً، ومات رجلاً... وها هم أبناء العروبة في كل مكان من أرض العرب يحيون اليوم ذكرى رحيله معاهدين روحه على الاستمرار في طريقه طريق الوحدة العربية الشاملة وإن طال الزمن.. طريق العزة والكرامة والحرية.. طريق أرض العرب للعرب.. طريق الله أكبر يا بلادي كبري.. وخذي بناصية المغير ودمري.. الله أكبر فوق كيد المعتدي.. طريق فوق أرضي لن يمروا.. وبها لن يستقروا.. طريق في سبيل المجد لم نحن الجبينا.. لن يهون العزم فينا لن يهونا!!!

    وكل ما نريد قوله في هذه الذكرى الثامنة والثلاثين لرحيل ناصر العرب، وباعث المد القومي العربي التحرري، ومفجّر الشعور بالعزّة والكرامة العربية.. كل ما نريد قوله في هذا اليوم هو أن كل العرب وكل المسلمين قد عرفوا اليوم طريقهم، ووحدوا صفوفهم، وحدّدوا أهدافهم، وأقسموا أنهم لن يتراجعوا عن تحقيق هذه الأهداف... إن العرب جميعًا، وإن المسلمين كافة يعرفون اليوم ما يريدون... ولن يجني الغزاة والمعتدون إلا الندم، ولات حين مندم.. إن رجال الأمة العربية في كل مكان من أرض العروبة يصنعون اليوم فجر الحرية للأجيال القادمة.. إنهم يصنعون النصر الآتي للعراق وفلسطين ولبنان والأفغان ولكل بلاد العرب والمسلمين... سلامًا ودمعًا على قوافل الشهداء.. وألف تحية لكل من يوقد شمعة.. ألف تحية لأحرار العرب ومثقفيهم وطلبتهم وعمالهم وفلاحيهم وإعلامييهم ومفكريهم ومقاتليهم وشرفائهم المتمردين على القيود في ليل الأسر...  وسلام عليك يا عبد الناصر.. يا باعث هذه الأمة من سباتها.. ويا مفجّر طاقاتها وإبداعاتها.. ويا صانع ثورتها وثوّارها.. سلام عليك يا أبا خالد في الخالدين.

26/9/2008

 



الاثنين، ٢٢ أيلول ٢٠٠٨

هكذا يفكر الإسرائيليون..



على ضوء فوز ليفني برئاسة حزبها

هكذا يفكر الإسرائيليون..

أ. عدنان السمان

    التغييرات التي حرص الإسرائيليون على إجرائها في الضفة الغربية منذ الأيام الأولى للاحتلال أخذت تزداد حدة واتساعًا وانتشارًا وتغلغلاً لتشمل الأرض كلها، والمواطنين بكل فئاتهم، وعلى اختلاف مستوياتهم، وفي كل أماكن وجودهم وتجمعاتهم في خطوات مدروسة لوضع اليد على الأرض، والتحكم بأدق التفصيلات في حياة الناس، وربطها ربطًا محكمًا بكيانهم، ووجودهم الذي يستند إلى (الحق التاريخي) في هذه البلاد، ويستمد (شرعيته) من القوة، وفرض الأمر الواقع كل يوم، ويلجأ إلى الدعوة المستمرة إلى الحوار والتفاوض وسيلةً للتفاهم، وإنهاء الخلاف ، والتوصل إلى حلول (واقعية) عملية لكل قضايا المنطقة ومشكلاتها وصولاً إلى السلام المنشود الذي يحقق الأمن (لإسرائيل) وشعبها الذي عانى كثيرًا من اضطهاد النازيين، وأصبح من حقه الآن أن يعيش (بأمن وسلام) في أرض آبائه وأجداده.. (أرض إسرائيل) التي يجب أن تعترف بها كافة دول المنطقة اعترافًا كاملاً، وتقيم معها علاقات ديبلوماسية كاملة، مقابل اعتراف إسرائيل بها أيضًا، وبهذا تحلّ المشكلة وفقًا لمبدأ (السلام مقابل السلام) أما الفلسطينيون – وهم جزء لا يتجزأ من الأمة العربية التي يبلغ عدد دولها اثنتين وعشرين دولة – فينبغي أن تُحلّ نصف قضيتهم في إطارها العربي بحيث يستوعب العرب إخوانهم من لاجئي العام 1948 (نصف تعداد الشعب الفلسطيني) في الوقت الذي يُحلّ نصف القضية الآخر في الإطار الإٍسرائيلي بحيث يعيش فلسطينيو الضفة الغربية وقطاع غزة ( النصف الآخر) في كيان أو كيانين أو ثلاثة تحت الإشراف الإسرائيلي الكامل أو الرعاية الإسرائيلية الكاملة... فهؤلاء الفلسطينيون ينبغي أن يظلوا تحت رقابة الإسرائيليين المشددة حتى لا يفكروا بمحاربة الإسرائيليين، وحتى لا تحدثهم أنفسهم (بتدمير ) دولة إٍسرائيل، ومحاولة (القذف) بسكانها اليهود إلى البحر.

    هكذا يفكر الإسرائيليون ، وهكذا يتصرفون عمليًّا لوضع أفكارهم، وتصوراتهم، ومخططاتهم، ووصايا حكمائهم موضع التنفيذ، ومن الطبيعي أن يعتبروا كل المناوئين لأفكارهم ومخططاتهم وأهدافهم، أو المعترضين عليها، أو المنتقدين لها (أعداء) يتصفون طورًا (باللاساميّة) وطورًا (بالإرهاب) تارة بمحاولة ( إبادة اليهود) وتارة أخرى بالتعصب الديني والقومي ضد الغرب وحضارته، وديموقراطيته، وإنسانيته التي وسعتْ كل شيء!!

   هكذا يفكر الإسرائيليون، وهكذا ينظرون إلى كل من لا يرغب في السير تحت (لوائهم) وهكذا، ومن هذه المنطلقات يقيمون القيامة فوق رؤوس الإيرانيين، والسوريين، وبعض اللبنانيين، وبعض الفلسطينيين، وبعض العراقيين أيضًا، يُضاف إلى كل هؤلاء أيضًا كثير من المفكرين، والكتّاب، والصحافيين، والإعلاميين، وقادة الرأي والفكر، والأكاديميين، والسياسيين،وقادة الأحزاب ممن يتصدون لأفكارهم، ويحاولون تعبئة الرأي العام العربي، وشحنه ضد هذه الأفكار، والطموحات، والتطلعات الإسرائيلية في كل ديار العروبة والإسلام.

    ولهذه الأسباب ، ولأسباب أخرى تتعلق بالواقع العربي نفسه، نرى كل هذه الفوضى ، ونرى كل هذه الاضرابات ، وكل هذا الفلتان والغليان، وكل هذه الإعدادات والاستعدادات، والمعارك الإعلامية، وحالة الارتباك التي تستبد بهذه المنطقة من العالم في انتظار ما سيحدث !! وكأنه قد كُتب على الناس في هذه الديار أن يعيشوا على أعصابهم، وكأن هذه المنطقة، بل وكأن هذا العالم أصبح رهن إشارتهم، وطوع بنانهم يحركونه كما يريدون، ويعبثون به وفق مزاجهم وهواهم الذي يرون فيه هدفًا من أهدافهم الكبرى التي وعدهم بها (الرب) عندما خلقهم، وفضّلهم على كثير من خلقه ، بل على كل خلقه تفضيلاً!!!

    فإذا قال قائل إن هذا الفكر السياسي فكر مدمر، وإن هذه الأطماع في بلاد الآخرين أمر مرفوض لا تُقرّه شريعة، ولا يرضى به ميثاق، ولا يقبل به مجتمع دولي، ولا يمكن أن ترضى به شعوب المنطقة ثارت ثائرتهم، وقالوا: إن القوم يكيدون لنا، ويتآمرون علينا، ويقيمون التحالفات ضدنا، ويخططون للحرب والعدوان، ومسح دولتنا الصغيرة، وإزالتها عن خارطة الدنيا، والعودة بشعبنا إلى التشرد والتشتت والهوان من جديد!!! وكأن شعبهم الذي يتحدثون عنه خُلق هنا في هذه الديار! وكأن هذا الخليط من البولنديين، والهنغاريين، والألمان، والفرنسيين، والإنجليز، والهولنديين، والأميركيين، والروس، وغيرهم من أقطار آسيا وإفريقيا هم من أهل هذه الديار، ومن مواليدها، ومن أصول فلسطينية يهودية إسرائيلية، ولكن لا تشعرون!!!

    غريبة هذه الأفكار، (ورهيب) هذا التفكير، (وإرهابية) هذه النزعة ! لقد غاب عن بال هؤلاء أن اليهودية ديانة كالمسيحية، وكالإسلام، وأن اليهود موجودون في كثير من أقطار هذا الكون، شأنهم في ذلك شأن المسيحيين الذين يعج بهم غرب الدنيا وشرقها، كما تعج بهم كل ديار العروبة والإسلام أيضًا ، وهم يعيشون حياة الأخوّة والمحبة والتفاهم والتسامح وتقاسم الرغيف الواحد مع إخوانهم من أهل فلسطين بخاصة، وسائر ديار العروبة والإسلام دون استثناء، وإن حصل خلاف ذلك أحيانًا فبسبب الجهل، أو الفتنة، والتدخل الخارجي.. ولا يمكن أن يشكّل قاعدة أبدًا، ولكنه استثناء طارئ ، وأمر شاذ سرعان ما يتلاشى أمام حقيقة أن الناس في كل هذه الديار من مسلمين ومسيحيين هم إخوة، وهم أهل، وهم أسرة وعشيرة متماسكة متحابة رغم ما قد يحدث فيها أحيانًا من أمور مؤسفة!! فلماذا لا يكون اليهود أيضًا كما كانوا في سالف الأزمان عندما كانوا جزءًا لا يتجزأ من أهل هذه الديار، وعندما كانوا شركاء في صنع الحضارة العربية الإسلامية، والثقافة العربية الإسلامية تمامًا كالمسيحيين، والمسلمين، وكل الديانات والأعراق والجنسيات واللغات والألوان التي كانت تعج بها كل ديار العروبة والإسلام؟؟

    ألم تكن بغداد في يوم من الأيام عاصمة الدنيا كلها؟ ألم تكن ملاذًا لكل يهودي وغربي برغب في العيش بحرية وأمن وأمان؟ ألم تكن قبلة التجار والعلماء وطالبي العلم والعمل والعلاج من كل أنحاء الدنيا؟ فلماذا يحصل كل هذا الذي يحصل اليوم؟ ومن المسئول عن كل هذا الذي نرى؟ ولماذا يفعل الغرب كل ما يفعل؟ ومن هو (الإرهابي) أيتها الدنيا: هذا العربي المستهدف في عقر داره، أم ذاك (الغازي) القادم من وراء البحار ليدمر العراق، ويدمر أفغانستان، ويدمر لبنان، ويدمر فلسطين، ويدمر كل بلاد العروبة والإسلام؟ من هو الإرهابي حقيقةً يا هذه الدنيا: هؤلاء العرب المسلمون، أم أولئك الغزاة المعتدون الذين يعتدون عليهم، ويسلبون ثرواتهم، وينبهون ممتلكاتهم ومقدّراتهم، ويستبيحون بلادهم، ويشرّدون نساءهم وأطفالهم وشيوخهم، ويقتلونهم بدون وازع، أو رادع، أو ضمير؟؟ وأين هي شعوب الغرب كي تتصدى لساستها وقادتها، وتردعهم عن أفعالهم هذه؟

    أين هم اليهود الذين عاشوا مع المسلمين في كل ديارهم وأقطارهم أفضل حياة من الممكن أن يعيشها إنسان، فكان منهم العلماء والأدباء والشعراء والحكماء والسفراء والمفكرون والفلاسفة ورجال الأعمال الذين زخرت بهم كل بلاد العرب والمسلمين؟ أين هم أولئك اليهود الذين عاشوا في هذه الديار، وكانوا جزءًا لا يتجزأ من أهلها وتاريخها وثقافتها وحضارتها؟ أين هم ليقولوا كفى لأولئك العنصريين المتطرفين المتعصبين الذين يريدون أن يشعلوا النيران في كل شيء، ويريدون أن (يحرقوا) كل هذه الديار بكل ما فيها ومن فيها؟ أين هم ليقولوا لهؤلاء الحاقدين ارفعوا أيديكم عن هؤلاء الفلسطينيين الذين أحبونا وأحببناهم ! لا تبحثوا عن حجر هنا وقبر هناك كي تدّعوا ملكية هذه الأرض الفلسطينية العربية التي فتح لنا أهلها صدورهم قبل بيوتهم فأقمنا بينهم، وعشنا معهم في واحة الأمن والسلامة والمحبة والأخوّة والسلام!! أين هم ليعيدوا العقل إلى تلك الرؤوس التي تنضح بالكراهية والتعصب والتطرف ونكران الجميل؟؟

    أين هم اليهود المتوازنون المتزنون المعتدلون المنصفون من عرب هذه الديار الذين يعرفون جيّدًا طبيعة هؤلاء الناس الطيبين من فقراء فلسطين، ويعرفون جيدًا حقيقة هؤلاء الناس، وحقيقة مشاعرهم تجاه اليهود بعامة، ويهود فلسطين بخاصة؟وأين هم اليهود الذين هربوا من جحيم (النازية) إلى فلسطين، فآواهم أهلها، وقدموا لهم كل ما يمكن تقديمه من مساعدة وعطف؟ أين هم كل هؤلاء؟ أين كل اليهود المنصفين الذين يعرفون حقيقة شعب فلسطين، ويعرفون مقدار ما لحق به  من ضيم وغبن وظلم وإجحاف؟ أين هم ليقولوا لقادتهم ومؤسساتهم العسكرية والمدنية أيضًا إن الفلسطينيين لا يستحقون كل هذا العذاب، ولا يستحقون كل هذا العقاب، ولا يستحقون من اليهود كل هذا التنكر لأبسط حقوقهم في العيش الكريم في بلادهم فلسطين؟ ؟ على هؤلاء اليهود المنصفين أن يقولوا لقياداتهم العسكرية والمدنية إن في فلسطين (متسعًا) لجميع أبنائها من اليهود والمسيحيين والمسلمين، عليهم – قبل غيرهم – أن يحاربوا التمييز والتعنصر ضد العرب، عليهم أن يعملوا قبل غيرهم على ضرورة أن يعود الفلسطينيون (المهجَّرون) إلى ديارهم التي أُخرجوا منها بدون مماطلة وبدون لف أو دوران ، أو مراوغة، أو ادعاءات باطلة، وحجج واهية لا تثبت أبدًا أمام أي حوار منطقي، أو نقاش عقلاني!! عليهم أن يعملوا من أجل حل القضية الفلسطينية حلاًّ عادلاً مقنعًا مشرّفًا تعود معه الحقوق إلى أصحابها، لأن هذا الأمر تقتضيه كل شرائع العدل والمحبة، ولأن هذا الأمر هو الأساس الذي من الممكن أن يُبنى عليه (السلام)، ولأنه بغير ذلك ستبقى هذه المنطقة من العالم مسرحًا للحروب والدمار والنيران التي لا يخمد أوارها أو يكاد حتى يعود إلى الاضطرام والتوهج والاشتعال من جديد!!

    كل يهود فلسطين، ومعهم يهود العالم، ولا سيما يهود الولايات المتحدة الأمريكية، حيث اللوبي اليهودي الضاغط هناك.. كلهم مدعوون لحل هذه القضية الفلسطينية حلاًّ عادلاً يضمن الأمن والأمان لكل سكانها، ويضمن العودة الكريمة لكل مهجَّري العام ثمانية وأربعين إلى ديارهم ، ليعيش الناس فيها جميعًا بأمن وأمان ومحبة وسلام... إن هذا الحل هو الممكن، وإن تطبيقه وتنفيذه أمر في متناول اليد قبل نهاية هذا العام!!

    لقد نجحت القيادات الإسرائيلية المتعاقبة في ضرب الفلسطينيين وملاحقتهم ووضع اليد على أرضهم ومقدّراتهم ، وإدخال اليأس والإحباط إلى نفوس كثير منهم، ولكنها فشلت فشلاً ذريعًا في تقديم الحل الذي يضع حدًّا لمسلسل الحروب وإراقة الدماء الذي تشهده هذه الديار منذ مئة عام.. فشلت القيادات الإسرائيلية المتعاقبة في الإقدام على الحل العملي الوحيد الممكن لهذه القضية، وراحت تناور ، وتراوغ، وتقدم التفسيرات الكثيرة للجملة الواحدة، والكلمة الواحدة، كما راحت تراهن على عامل الزمن ظنًّا منها أنه الكفيل بحل هذه القضية كما تقول بذلك السياسة الأمريكية...

   وها هي تسيبي ليفني تفوز اليوم برئاسة حزب كديما، وها هو موفاز يعتزل العمل السياسي مؤقَّتًا.. وسواء اعتزل موفاز، وسواء طال اعتزاله أم قصر، وسواء أصبح الوجه الآخر لتسيبي ليفني، والذراع القوية التي تفتقر إليها أو لم يصبح، وسواء عمل كغيره على تشكيل حزب سياسي جديد، أو لم يعمل ، وسواء عاد إلى حزب الليكود أو لم يعد، فإن هذا كله لا يغير من واقع الأمر شيئًا.. فالإسرائيليون جميعًا مفاوضون، والإسرائيليون جميعًا (دعاة سلام) والإسرائيليون يرغبون في التوصل إلى حلول لكل قضايا (المنطقة) ولكن الإسرائيليين يتمسكون (بحقهم) المطلق في السيطرة المطلقة على (أرض إسرائيل) وبحقهم المطلق في التحكم المطلق بالفلسطينيين، وبحقهم (المشروع ) في العمل بحرية تامة في كل (أرض العرب) وفي كل بلاد المسلمين وبحقهم في توجيه التّهم لكل من يقف في وجههم، وبالتحريض ضده، وشن الحرب عليه كلما كان ذلك ممكناً، وبالطريقة التي يرون فيها خدمةً لمصالحهم، وتحقيقًا لأهدافهم وطموحاتهم.

    منذ أكثر من ستين عامًا ، وحتى يومنا هذا لم يغير الإسرائيليون من سلوكهم، ومن نظرتهم إلى الآخرين، ولم يغيروا- بالطبع – من أهدافهم، بل على العكس من ذلك، فإنهم يرفعون دائمًا من سقف هذه الأهداف، ومن الفلسطيني أن الشارع الإسرائيلي هو الذي يتحكم بقادته، ويطالبهم بمزيد من التطرف ضد العرب.. لقد قال مناحيم بيغن (ليكود) ذات يوم، وبصوت عال: " لن أتردد في سجن أعضاء مجلس الحكم الذاتي الفلسطيني إن اقتضى الأمر ذلك" في محاولة منه لإرضاء الشارع الإسرائيلي، وإقناعه بأن منح الحكم الذاتي للفلسطينيين لا يشكل أي خطر عليه، لأنه سيبقى خاضعًا تمامًا لحكم الإسرائيليين، وتحكّمهم ، ورقابتهم المشددة وقال أريئيل شارون (ليكود ومؤسس حزب كديما) في السياق نفسه "بإمكاني أن أفاوض الفلسطينيين عشرات السنين دون أن يأخذوا شيئًا" وها هي تسيبي ليفني وزيرة خارجية أولمرت، ومن مؤسسي هذا الحزب، وصاحبة المقولة المشهورة " لا أحب العمل تحت ضغط الجداول الزمنية" تفوز اليوم بزعامة "كديما" ، وإذا كانت ليفني لا تحب الجداول الزمنية عندما كانت وزيرة خارجية تفاوض الفلسطينيين الذين ينهون اليوم عامهم الخامس عشر من (المفاوضات) دون أن يحصلوا على شيء، ودون أن يحققوا شيئًا ، بل دون أن يلوح في الأفق ما يشير إلى أدنى أمل في أدنى حل ينطوي على إحقاق أدنى حق من حقوق الفلسطينيين المطلقة في بلادهم فلسطين..  إذا كانت هذه هي حال الفلسطينيين مع ليفني المفاوضة فكيف ستكون حالهم معها وقد تغيرت الأحوال، وأصبحت تقف وجهًا لوجه أمام الشارع الإسرائيلي الذي بات يوحى إلى قادته بمزيد من التطرف ، وبمزيد من التنكر للحقوق العربية والفلسطينية والإسلامية في فلسطين؟ بل كيف ستكون الحال في مواجهة نتنياهو وغيره من غلاة اليمين الإسرائيلي المتشدد، وهم يقفون على بُعد خطوة واحدة من مركز القرار الإسرائيلي وعلى بعد لا شيء من تعنت المستوطنين ، وإصرارهم على البقاء إلى الأبد في " يهودا والسامرة" وفي منطقة الأغوار أيضًا؟؟

    السياسة الإسرائيلية – بغض النظر عمّن يتولى تنفيذها – تنبع من الفكر الصهيوني القائم على امتلاك كل شيء، ووضع اليد على كل شيء... وبصراحة تامة فإن كثيرًا من القادة الإسرائيليين. وزعماء الأحزاب في إسرائيل يرون في عرب الجليل والمثلث والنقب والسهل الساحلي خطرًا على يهودية الدولة العبرية، وينادي كثير من هؤلاء بضرورة التخلص منهم، وهم يرون أن الخطوة الأولى لتحقيق هذا الهدف تكمن في إبعادهم إلى (الدولة)التي سيقيمونها في بعض جيوب الضفة الغربية التي يسمونها "يهودا والسامرة" عندئذ يتحقق لهؤلاء قيام (دولة يهودية ) على الجزء الأكبر من أرض فلسطين التاريخية (93%) وتبقى بعض الجيوب (7%) تحت السيطرة الإسرائيلية التامة إلى أن يتم التخلص من هؤلاء (الغرباء) الذين يقيمون فيها... وإن التجارب المريرة التي خاضها أهل هذه الديار على امتداد السنوات الستين الماضية مضافًا إليها هذه التجربة الأليمة التي يعيشها الفلسطينيون اليوم لا تدع أدنى مجال للتفاؤل، ولا تدفع على الإطلاق باتجاه الحد الأدنى مما يمكن أن يُسمى حق الفلسطيني في الاستقرار، والعيش بكرامة فوق شبر واحد من أرض وطنه فلسطين!!

    هؤلاء الإسرائيليون – بغض النظر عن الأسماء والمسميات – يريدون كل هذا ويريدون وضع اليد على ما هو أبعد من هذا، وإنّ لنا في كل يوم خبرًا يأتي من هنا، وآخر من هناك يشير إلى مدى (تغلغلهم) وتنفّذهم في كثير من أقطار هذا الشرق الأوسط الجديد أو الكبير كما أسمته وزيرة الخارجية الأمريكية رايس.. (هكذا يفكرون) وهذه هي طموحاتهم وأهدافهم... وإنني لأتساءل : ما الذي يمكن أن يحصل عليه كل هؤلاء الذين يُجهدون أنفسهم منذ عشرات السنين في الجري خلق السراب، ويرهقونها، ويرهقون غيرهم أيضًا في متابعة انتخابات تُجرى في الولايات المتحدة، وأخرى في إسرائيل؟ وهذا كل شيء!! ولئن كان في تتبع أخبار انتخابات عامة شيء من عذر لمتتبّع، فإن تتبّع أخبار انتخابات كديما، وتعليق الآمال عليها هو من الأمور التي تثير أكثر من علامة تعجب، وأكثر من علامة استفهام.

 

www.samman.co.nr

14/9/2008

 



السبت، ٢٠ أيلول ٢٠٠٨

في ذكرى معركة بدر الكبرى..

رمضانيات

في ذكرى معركة بدر الكبرى..

أ.عدنان السمان

   كان لابد من الحرب بين أولئك المعتدين المستكبرين من سادة قريش وزعمائها ، وأولئك المستضعفين الذين أُخرجوا من ديارهم ظلمًا وعدوانًا لا لشيء إلا أن يقولوا ربنا الله .. كان لابد من سلسلة طويلة من المواجهات ( التي فرضت نفسها ) بين تلك الكثرة من الضالين المعتدين الطغاة ، وتلك القلة  من المؤمنين الذين أُخرجو ا من ديارهم ، وأوذوا في سبيل معتقدهم .. وكان لابد من موقعة بدر الكبرى بين قوى الطغيان في مكة ، ودولة الإسلام الوليدة في المدينة .. وكان لابد لهذه الفئة أن تنتصر في موقعة بدر التي دارت رحاها في السابع عشر من رمضان من السنة الثانية للهجرة ، الخامس عشر من كانون الثاني من العام ستمئة وأربعة وعشرين للميلاد ، وأن تخوض سلسلة من المعارك بعد بدر ، وأن تُهزم في بعضها أيضًا لتأخذ الدروس والعبر من الهزيمة ، وأن تستمر على هذا النهج حتى تفرض سلطانها على شبه الجزيرة العربية ، وتوطّد أركانها هناك في بضع سنين ، وحتى يتم لها تحرير سائر الأقطار العربية من سيطرة الروم والفرس ، وحتى تتمكن من نشر رسالة الإسلام في معظم أقطار العالم المعروفة آنذاك في آسيا وإفريقية وأوروبة ، وحتى تقيم للدنيا كلها دولة عربية إسلامية ، وحضارة عربية إسلامية زاهرة ، وثقافة نيّرة رشيدة أخرجت البشرية كلها من ظلمات التخلف والطغيان والعبودية إلى نور العلم والعدل والمحبة والهدى ... فالناس كلهم سواء .. والبشرية كلها سواسية .. وكافة المواطنين على اختلاف ألوانهم ، وأديانهم ، وألسنتهم ، وأقطارهم متساوون في الحقوق والواجبات ، ليس لعربي فضل على أعجمي ، ولا لأعجمي على عربي ، ولا لأبيض على أسود ، أو أسود على أبيض إلا بمقدار ما يقدم لهذا المجتمع ، ولهذه الدولة ، ولهذه الأمة التي ينتمي إليها من خدمات !!

    كانت قافلة قريش بقيادة أبي سفيان ، والتي تضم أموال مكة وخيرة رجالها سببًا كافيًا للصِّدام ، وكانت السبب المباشر لنشوب معركة بدر ، حيث رأى المسلمون فيها فرصة لتوجيه ضربة قاسية لنفوذ قريش وهيبتها واقتصادها ، كما رأوا فيها فرصة لاستعادة شيء مما فقدوه لدى هجرتهم من مكة إلى المدينة .. فكان من الطبيعي أن يخرج المسلمون في محاولة لوضع اليد على هذه القافلة ، ولم يكن غريبًا أن يشعر أبو سفيان بذلك ، وأن يعلم بأمر الكمين الذي يستهدف القافلة ، وكان من الطبيعي أن يغير أبو سفيان الطريق بعد أن أعلم قريشًا بما جرى ، وكان من الطبيعي أن تخرج قريش بكل قوتها لحماية القافلة ، والتصدي للمسلمين ... وكان من الممكن أن تقف الأمور عند هذا الحد لولا إصرار قريش على القتال .. وكان لها ما أرادت ، وكان الإعداد والاستعداد ، وكان تثبّت الرسول الكريم من موقف المهاجرين والأنصار ، ومبايعتهم إياه على الموت في سبيل الله ، وكان العريش الذي بني للرسول الكريم ، وكانت الحراسة المشددة على هذا العريش .. وكانت المبارزة التي تفوق فيها فرسان المسلمين ، ومن ثم كان الاشتباك والالتحام بين الفئتين ، وكانت هزيمة قريش ،  وكان النصر حليف القلة المؤمنة الصابرة الصادقة.

     كان من الطبيعي أن يُقتل من قريش كثير من خيرة أبنائها ، وكان طبيعيًّا أن يُستشهد بعض مقاتلي المسلمين وفرسانهم ، وكان من الطبيعي أن تكون هنالك غنائم ، وأن يوزعها الرسول على كافة مقاتلي بدر ، وكان من الطبيعي أن يكون هنالك أسرى وقعوا في يد المسلمين من قريش ، وأن يكون هنالك أكثر من رأي فيهم ... لقد أخذ الرسول الكريم بالرأي الذي قال بالعفو والفدية .. وهكذا كان ، فقد عفا المسلمون عن بعض الأسرى ، وأخذوا الفدية من بعضهم ، وطلبوا ممن يحسنون القراءة والكتابة أن يعلّم كلٌّ منهم عشرة من أطفال المدينة القراءة والكتابة ... ولأن هذه التجربة كانت الأولى في تاريخ الإسلام ، فقد كان من الطبيعي أن تنزل الآيات الكريمة موضحة الحكم الشرعي فيها ، لقد نزل في أسرى بدر قوله تعالى : " ما كان لرسول أن يكون له أسرى حتى يُثخنَ في الأرض تُريدون عَرَضَ الدنيا واللهُ يريدُ الآخرةَ واللهُ عزيزٌ حكيم " الأنفال 67. ولقد قيل عندما نزلت هذه الآية الكريمة إن القرآن قد نزل هنا برأي عمر الذي طالب بإنزال العقاب الرادع بحقهم .

       لقد كانت معركة بدر  أولى معارك الإسلام  وكانت بداية انتشار الإسلام في شبه الجزيرة العربية ، وكانت المقدمة الأولى ، والبداية الطبيعية بعد ذلك لانتشار هذا الدين في سائر أقطار العرب ، وكافة بلدان المسلمين ، لقد كانت أم اليرموك ، وأم القادسية ... كانت فجر هذه الأمة العربية الإسلامية التي صنعت للدنيا كلها أعظم حضارة في التاريخ ، وصنعت للبشرية كلها مجتمعات إنسانية متحابة متسامحة متعاونة على البر والتقوى ، وأعمال الخير والإحسان .. لقد كانت كافة الأديان والألوان والألسنة تعيش في ديار العروبة والإسلام حياة كلها تعاون وحب واحترام .. لقد كانت دمشق ، وبغداد ، والقاهرة ، وقرطبة ، وإشبيلية ، والقيروان منائر يستضيء بها الناس في هذا الكون ، لقد كانت بغداد – واحّر قلباه - في يوم من الأيام عاصمة الدنيا بأسرها ، كانت بغداد مدينة العلم والعلماء ، والحكمة والحكماء ، مدينة المحبة والتسامح والتعايش بين كل الشعوب ، وكافة الأديان ، وسائر الألوان ... لقد كرّس الإسلام حياة المحبة والتعاون بين الناس جميعًا لأنه لا إكراه في الدين ، ولأنه لا فضل لأحد على أحد إلا بما يقدم من خدمة وخير وإحسان للآخرين .

www.samman.co.nr

15/9/2008

 

 



Want to do more with Windows Live? Learn "10 hidden secrets" from Jamie. Learn Now

قضايا تربوية

متابعات

قضايا تربوية

أ. عدنان السمان

كثيرة هي القضايا التربوية التي تفرض نفسها على أجندة التربويين والدارسين والمدرّسين في مطلع كل عام دراسي، وكثيرة هي المطالب التي يتقدمون بها، وكثيرة هي الآمال التي يعلقها الناس على العملية التربوية في هذه الديار، وفي غيرها من بلاد الله الواسعة.. منها ما يتحقق، ومنها ما لا يتحقق، بل يظل مجرد آمال وأمنيات تداعب الخيال، وتعبّر عن نفسها في مستهلّ كل عام، وعلى امتداد أيامه في محاولات دائبة مستمرة لتحقيق ما يمكن تحقيقه منها، ويبقى الأمل معقودًا على الهمم العالية، والنفوس الكبيرة من ذوي الاختصاص، وأصحاب الضمائر الحية، والحسّ الوطني والاجتماعي العالي اليقظ المسئول من كل من يعنيهم الأمر لتحقيق مزيد من هذه الطموحات والأماني والآمال.

أكتبُ هذه الكلمات في مستهل هذا العام الدراسي، وفي ذهني بعض القضايا والأفكار المحدّدة التي أرغب في عرضها، ولكي لا تضيع هذه الأفكار في غمرة المقدمات، والشروح المطوَّلة، والمجاملات؛ فإنني ألخصها بما هو آت:-

في العام الماضي (2007) أقرت وزارة التعليم امتحانًا وطنيًّا للصف السادس، وقد حقق هذا الامتحان كثيرًا من الأهداف التي وُضع من أجل تحقيقها، والمطلوب باختصار تعميم هذا الامتحان ليشمل سائر مدارس البلاد، وسائر الموضوعات الرئيسة كالتربية الدينية، واللغة العربية، واللغة الإنجليزية، والرياضيات، والعلوم.. إن هذا الامتحان الذي يأتي بعد ست سنوات من الترفيع التلقائي له فوائد كثيرة منها أنه يدق جرس الإنذار للطلبة وأولياء أمورهم، ولإدارات المدارس ومعلميها، ولكل من يعنيه الأمر، ويكون فرصة لتكثيف الجهد المبذول من أجل بناء هذا الطفل، وتخليصه من عناصر ضعفه وتراكماته لأسباب يعرفها كل أهل هذه البلاد.

وكذلك كانت الوزارة قد أقرت في العام (2005) امتحانًا موحَّدًا للصف العاشر، ولقد أتى هذا الامتحان أيضًا بنتائج إيجابية مما يستدعي ضرورة إعادة العمل به، وتعميمه، والارتقاء به ليأخذ شكل الامتحان العام.. إنه لمن الضروري جدًّا أن تكون هنالك محطات كثيرة في حياة الطلبة يشعرون فيها بضرورة الاهتمام بأنفسهم ودروسهم، وبضرورة العمل الجادّ المسئول من أجل بناء مستقبلهم.. وكلما أكثرت وزارة التربية والتعليم من هذه الامتحانات لتشمل المدارس كلها، والموضوعات الدراسية الرئيسة كانت النتائج إيجابية، وكان ذلك حافزًا للطلبة وأولياء أمورهم ومعلميهم على العمل الجادّ لتجاوز كل عوامل التثبيط والإحباط التي تحيط بالناس من كل جانب.

ولابد من الإشارة هنا إلى مساوئ الترفيع التلقائي، وتحديد نسبة الرسوب بخمسة في المئة فقط، ولابد من الإشارة إلى مساوئ اكتظاظ الصفوف، وافتقار كثير من المدارس إلى أبسط متطلبات الحياة العصرية، ولابد من الإشارة بألم شديد إلى هذه الضائقة المالية التي تغشى البلاد والعباد، وإلى هذه البطالة التي تعصف بالناس، وما يسببه هذا كلُّه من آلام تنعكس سلبًا على نفوس الطلبة، وعلى تحصيلهم العلمي، وعلى سلوكهم في المدرسة والبيت والشارع، ولابد من الإشارة أيضًا إلى هذه الإضرابات والعطل الرسمية وغير الرسمية التي فاقت كل التوقعات والحدود، جاعلةً العطلة هي الأصل، والدوام هو الاستثناء!! إن مئة يوم دراسي في العام لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تشكّل عامًا دراسيًّا، ولا يمكن بأي حال أن تُنهي منهاجًا، وتبني طلبةً، وتخدم عملية تربوية!! ولابد من الإشارة أيضًا إلى هذه التحزّبات والاستقطابات والمحاور والممارسات التي من شأنها أن تبتعد بمدارسنا عن غاياتها ،وبطلبتنا عن أهدافهم، وبمعلمينا عن رسالتهم، وبالشعب عن أهدافه الحقيقية في التحرر والتحرير والبناء والعيش الكريم في وطن حر عزيز سيد مستقل!!!.

ولابد أخيرًا من الإشارة السريعة إلى ما يعانيه طلبة الجامعات في هذا الوطن من منغصات وإحباطات ومشكلات وطبقية بغيضة لا تختلف في جوهرها عن مشكلات طلبة المدارس مع فارق رئيس يتمثل في التنقلات، والمواصلات، ودور السكن والأقساط الجامعية التي تقصم الظهور. وللحديث بقية.

www.samman.co.nr

9/9/2008

 



See how Windows Mobile brings your life together—at home, work, or on the go. See Now

قبس من نور الله

رمضانيات

قبس من نور الله

أ.عدنان السمان

قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيَّنوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين "(الحجرات6).

    جاء في بيان أسباب نزول هذه الآية الكريمة – كما ورد في تفسير الجلالين –ما روي عن الحارث بن ضرار الخزاعي أنه قال : قدمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعاني إلى الإسلام فأقررت ُ به ، ودخلتُ فيه ، ودعاني إلى الزكاة ، فأقررت بها ، وقلت : يا رسول الله أرجعُ إلى قومي ، فأدعوهم إلى الإسلام ، وأداء الزكاة ، فمن استجاب لي جمعتُ زكاته ، فترسل إلي الإبان كذا وكذا  ليأتيك ما جمعت من الزكاة . فلما جمع الحارث الزكاة ، وبلغ الإبان احتبس الرسول ، فلم يأته ، فظن  الحارث أنه قد حدث فيه سخطةٌ ، فدعا سروات قومه ، فقال لهم : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد وقّت وقتًا يرسل إليّ رسوله ليقبض ما عندي ممن الزكاة ، وليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلف ، ولا أدري حبس رسوله  إلا من سخطة ،فانطلِقوا فنأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم . وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن  عقبة ليأتيه بالزكاة من الحارث بن ضرار الخزاعي ، فلما أن سار الوليد  فَرِقَ لترةٍ كانت بينه وبينهم في الجاهلية فرجعَ وقال : إن الحارث منعني الزكاة ، وأراد قتلي ، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحارث ، فأقبل الحارث بأصحابه إذ استقبل البعث فقال لهم : إلى أين بُعثتم ؟ قالوا : إليك ، قال : ولمَ؟ قالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم  بعث إليك الوليد بن عقبة ، فزعم أنك منعته الزكاة ، وأردت قتله ، قال : لا والذي بعث محمدًا بالحق ما رأيته ولا  أتاني . فلما دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : منعتَ الزكاة ، وأردت قتل رسولي ، قال : لا والذي بعثك بالحق ، فنزلت " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ " إلى قوله " والله عليم حكيم " الحجرات 6-8.

   بعد الاطلاع على أسباب النزول يتبين أن هذه الآية الكريمة قد نزلت في الوليد بن  عقبة وقد بعثه الرسول الكريم إلى بني المصطلق ليأتي بالزكاة ، فرجع وقال : إنهم قد منعوها ، وهموا بقتله !! فهمّ النبي صلى الله عليه وسلم بغزوهم ، فجاؤوا منكرين ما قاله عنهم : " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم  فاسق بنبأ" بخبر "فتبينوا" صدقه من كذبه ، وفي قراءة فثبّتوا من الثبات " أن تصيبوا قومًا " مفعول له ، أي خشية ذلك "بجهالة" حال من الفاعل ، أي جاهلين " فتصبحوا " تصيروا " على ما فعلتم " من الخطأ بالقوم " نادمين " وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد عودهم إلى بلادهم خالدًا فلم ير فيهم إلا الطاعة والخير ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.

   في هذه الآية الكريمة نهيٌ عن تصديق الخبر قبل تمحيصه ، والتحقق من صحته ، ولا غرو في ذلك ، لأن الجملة الخبرية في اللغة تحتمل الصدق والكذب ، فلا يجوز مطلقًا أن نتصرف قبل التحقق من صدق  الخبر حتى لا نظلم أحدًا ، والظلم مرتعه وخيم ، وإن رب العزة قد حرّم الظلم على نفسه في الوقت الذي نرى فيه كثيرًا من عبيده يبيحونه لأنفسهم ، ويستمرئونه ، ويمارسونه على كثير من خَلْق الله ، وعلى كثير من أبناء جلدتهم لصالح هذه الجهة أو تلك مخالفين بذلك كتاب الله ، ومخالفين بذلك كل قواعد السلوك القويم ، ومبادئ الخلق الكريم !! وفي هذه الآية الكريمة دعوة صريحة إلى عدم الأخذ بالأخبار التي يأتي بها كل خارج عن طريق الحق والصواب ، وكل فاجر لا يقيم وزنًا للقيم السامية والأخلاق الحميدة وكأنها من المسلَّمات ... ولأنه لا اجتهاد في مورد النصّ ، ولأن النصَّ هنا واضح وصريح وهو التثبُّت والتحقق من صحة الخبر الذي يأتي به أي فاسق خارج عن طريق الحق والصواب ؛ فقد بات لزامًا علينا أن نكون حذرين يقظين في وقت أصبح فيه العالم كله قرية صغيرة ، وفي وقت أصبحت فيه وسائل الإعلام أكثر من أن تُحصى ، وفي وقت أصبحنا فيه هدفًا للسهام الطائشة أكثر من أي وقت مضى ، وفي وقت أصبح فيه كثير من أبناء هذه الأمة أشد خطرًا عليها من أعدائها التقليديين الذين يناصبونها العداء جهارًا نهارًا.

  عجبتُ لهؤلاء الذين يخوضون في أعراض الناس دون رادع أو وازع ! عجبتُ لهم ، ولما آل إليهم أمرهم وهم يتطاولون على عباد الله ، ويستهزئون بهم ، ويسيئون إليهم بوسائل وأساليب يربأ كل ذوي الأخلاق الحميدة بأنفسهم عنها ... ألا يعلم هؤلاء أنهم بممارستهم هذه ربما كانوا سببًا في نكبة هذه الأسرة أو تلك .. وربما كانوا سببًا في إشعال  الحرائق في هذا البيت أو  ذاك .. وربما كانوا سببًا من أسباب تحلل المجتمعات ، واضطراب الحياة فيها ؟؟ ألا يعلم هؤلاء أنهم أعدى أعداء هذه الأمة ،وأنهم أشد خطرًا على أجيالها وأديانها وأوطانها من كل أعدائها ؟ ألا يحق لهذه المجتمعات التي تعاني من حقد هؤلاء الحاقدين ، وعبث هؤلاء العابثين ، وتطاولهم ، واستهتارهم ، واستخفافهم بها وبمقدّراتها أن تلفظهم من بين صفوفها لفظ النوى ؟ ألا  يحق لهذه المجتمعات أن تتخلص من هؤلاء الفاسدين المفسدين ، وأن تطهّر صفوفها منهم ؟ رحمنا الله جميعًا ، وألهمنا الصواب ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

www.samman.co.nr

8/9/2008

  

 



Stay up to date on your PC, the Web, and your mobile phone with Windows Live. See Now

الأحد، ١٤ أيلول ٢٠٠٨

المسيرة الشعرية عند علي خليل حمد

1. بدايات

          ولد علي خليل حمد عام 1939 في بلدة عاقر، قضاء الرملة، بفلسطين؛ حيث كان والده يعمل أحياناً في الزراعة هناك؛ وعاش طفولته في قرية والديه، كفر نعمة، الواقعة غرب رام الله؛ وفي مدرستها الابتدائية أنهى الصف السادس الابتدائي، ثم تابع دراسته في مدرسة صفّا المجاورة؛ ومنها انتقل إلى المدرسة الهاشمية بالبيرة، وهي إحدى المدارس الثانوية القليلة آنذاك؛ وفيها تخرج عام 1957، وتقدم  لامتحان شهادة الدراسة الثانوية الأردنية (المترك) في العام نفسه، وكان ترتيبه الثاني في المتقدمين من الضفتين في ذلك الامتحان.

          ليس من السهل عليه الآن تفسير حصوله على هذه الرتبة المتقدمة؛ ولا سيما وهو يتذكر الظروف المادية والأحوال الصحية بالغة السّوء التي عاشها في السنتين الأخيرتين من المرحلة الثانوية؛ وريما وجد بعض التفسير في الرصيد المعرفي الذي كان قد اختزنه في مرحله سابقة، أو في الخطة الدراسية التي اتبعها في سنة التخرج والعطلة الصفية السابقة  لها، أو في استخدامه الشعر لتسهيل حفظ بعض التعاريف وخصائص الأشياء وما إليهما مما يتوقع أن يكون موضع سؤال في امتحان المترك.

          في المرحلة الثانوية، كان جميع من يعرفونه يرون فيه شاعراً موهوبا؛ وكثيراً ما كان يشارك في المناسبات المدرسية والاجتماعية والوطنية بما ينظمه من قصائد ذات صلة؛ وفي الواقع، كانت ممارسته لقول الشعر قد بدأت في وقت مبكر من حياته- السادس الابتدائي- وكان الغالب على شعره آنذاك القصائد الثورية أو قصائد التمرد، ومن أولى قصائده، على سبيل المثال، قوله:

يحبون القديم على جديدٍ

 

وبعضهمو يقول: هو الجديدُ

أعلمٌ في الأوائل ليس يدري

 

به في عصرنا رجلٌُ رشيدُ؟

أم الآباء والأجداد هذا

 

وجدناهم عليه فما نحيدُ؟

عقولٌ في الجهالة راسخاتٌ

 

تميد الراسيات ولا تميدُ

امتازت قصائد الصبا بجزالة ألفاظها، وبنائها على غرار الشعر القديم باستثناء عدد قليل جداً من قصائد شعر التفعيلة؛ ويعود ذلك إلى ولعه بحفظ الشعر، الذي توافرت له منه بعض الدواوين في مكتبة والده، أو مما كان يزوده به بعض معلمي المدرسة، ومنها: ديوان عنترة، والمعلقات السبع بشرح الزوزني، والشوقيات، ومصرع كليوباترة، وبعض دواوين إيليا أبي ماضي، وملحمة طويلة لاسكندر الخوري عن الحرب العالمية الثانية، كتب على غرارها ملحمة عن الثورة الفرنسية من مئات الأبيات يخاطب في مطلعها لويس السادس عشر بقوله:

أضاء نجمك في أفق العلي حينا

 

وصرت ملْكا عظيماً للفرنسينا

 

كان الغالب على قصائده في هذه الفترة أن تكون قصائد وطنية واجتماعية ثورية، أملتها الحوادث العاصفة في الوطن العربي في خمسينيات القرن العشرين؛ ومما يدل على ذلك مطالع بعضها، مثل: "قسماً بعزّة شعبنا وجلاله"، و"يا رائد العمال والأحرار"، و"يقولون ثارت تونس والجزائر"، و"ملايين مصرٍ ذكركم خلدَ الدهرا".

          غير أن نهاية هذه الفترة شهدت تحولاً مهما في محتوى القصائد ونغمتها، وذلك  من جراء المرض الذي هزّ كيان الشاعر هزا عنيفا، وكتب فيه بعض قصائده، مثل:

إذا أيقنت نفسي بإطفاء نورها

ورفت رفيف الأقحوان حياتي

وأقبل عوّادي معاً وتهامسوا

بضعف حصاتي أو بلين قناتي

وغيّبت الدنيا فلم أر موضعاً

وغُيبت عن نفسي فلم أر ذاتي

ومرّت ملايين السنين فما أنا

إذن غير ليلٍ زاد في الظلماتِ

     ***

سأطلب حقي في الوجود ورائدي

فؤاد بعيد القصد والرغبات

ولن تقف الآلام دون مسالكي

وإن بقيت فالويل للعقبات

فقل للزمان المرّ يا صاح إننا

أبينا سوى أن نقحم الغمراتِ

سينتصر العلم الرفيع وينقضي

من الجهل ما ذقناه من حسراتِ

وتخفق أعلام الأماني على الدّنى

ويهفو الوجود الحرّ بالنفحاتِ

 

لم تكن مطالعته تقتصر على الشعر، الذي كان يحفظ منه آلاف الأبيات، بل التهم قدراً كبيراً جداً من القصص والروايات المترجمة، مثل: أنّا كارنينا، وأهوال الاستبداد، والحرب والسلام، والأم، وترجمات المنفلوطي، وغيرها، فضلا عن الكتب العربية القديمة من مثل ألف ليلة وليلة، وسيرة عنترة، والملك سيف بن ذي يزن وغيرها، وهو يذكر منها الآن بوجه خاص كتاب "أساطير الحب والجمال عند الإغريق" الذي استلهم منه قصيدة رومانسية بعنوان "كيوبيد وفينوس" يقول فيها:

على عرشه العالي كيوبيد جالسٌ

وقد جنّت الآفاق من صوته السّحري

تنقل مزهوا من الأرض للعلى

ومن غسق الظّلما إلى وضح الفجر

وأعجبه أن الجميع لصوته

مصيخون لولا هزّة الروح للسكرِ

فعاد إلى الأولمب عودة شاعرٍ

يهيم على بحر الخيال وما يدري

 

كانت للجامعات المصرية مكانة خاصة في خمسينيات القرن الماضي، وكان المترك الأردني يعتبر غير كافٍ لتأهيل الطالب للالتحاق بها؛ ممّا يضطره إلى دراسة سنة إضافية، يتقدم فيها لامتحان التوجيهي المصري؛ وهو ما وقع له في عام 1957، عندما حصل على بعثة من وزارة التربية الأردنية لدراسة الفيزياء في جامعة القاهرة، فكان أن قضى تلك السنة الدراسية 1957-58 في كلية النجاح الوطنية بنابلس، حيث كان العلامة المرحوم قدري طوقان يدرس الرياضيات، في حين يدرس مصرّيون مختصون سائر المباحث الدراسية.

في سنة التوجيهي هذه، وجد متّسعاً من الوقت للتمكن من اللغة الإنجليزية، فقرأ كثيراً من القصص والروايات الإنجليزية التي وجدها في مكتبة النجاح، وبدأ ترجمة بعض القصائد الإنجليزية إلى قصائد عربية، ممّا كان قد درس في المرحلة الثانوية وغيرها.

أما الحادثة الأكثر أهمية، فيما يتعلق بالشعر، فهي ما وقع للدفاتر التي كان يكتب أشعاره فيها؛ فقد حدث أن داهمت المخابرات بعض المنازل في قريته، وعندئذِ سارع والده إلى جمع تلك الدفاتر وإخفائها في مكانٍ ناءٍ، ولكنها بقيت في مخبئها إلى الأبد!

لم يكن حزنه على ما حدث لدفاتره كبيراً، فقد كان يحفظ معظم ما فيها آنذاك، أما الآن فلم يبق منها سوى النزر اليسير، مما يمكن تسميته حطام التماثيل.

2. في جامعة القاهرة

بعد التحاقه بقسم الفيزياء في كلية العلوم بجامعة القاهرة، سرعان ما تحول إلى قسم الرياضيات؛ وكان قد أقنع نفسه حينئذٍ بأن موضوعات الدراسة في الفيزياء كانت مختلفة تماما عن تصوراته وتوقعاته، غير أنّ حقيقة الأمر ربما تكون غير ذلك، فهو يعتقد الآن بوضوح أن علاقته بالمجردات أقوى كثيراً من علاقته بالمحسوسات؛ ومن الممكن تفسير الكثير من خياراته وأنشطته في الحياة بوجه عام في ضوء هذا الاعتقاد.

لا يبدو هذا التحول من قسم إلى آخر غريباً، ولكن ما يبدو غريبا حقاً هو نشاطه الثقافي المحدود طوال سنوات الدراسة الجامعية؛ وهو يتذكر، بهذا الصدد، أن التحسّن في وضعه الصحي كان بطيئاً رغم تردده على أحد أمهر أطباء القاهرة المتخصصين، وأنّ المرض لم يزل نهائياً إلا بعد سنوات من تخرجه في الجامعة؛ ويذكر كذلك أن وضعه المالي كان صعباً، فقد كانت بعض نفقات البعثة الشهرية تذهب في الإنفاق على عائلته في فلسطين، وكثيراً ما كان ما يتبقى منها لا يصل إليه بانتظام.

وليس هذا كل شيء!

فهو لم يكن سعيداً بالتقلبات السياسية التي كانت تهز العالم العربي آنذاك؛ كان يرى، خلافا لزملائه، أن وحدة مصر وسوريا وسيلة للتعويض عن انفراط وحدة – وادي النيل- مصر والسودان- وأنها وحدة هشّة مثل الفقاعة المعرضة للانفجار في أية لحظة؛ وهذا ما وقع فعلاً؛ وكان شديد الضيق بالصراعات الحزبية الدموية في البلدان العربية، وهي الصراعات التي لا يستفيد منها إلّا أعداء العرب؛ وكانت آراؤه هذه تسبب له حرجاً شديداً، وتنأى به عن المشاركة الثقافية الواسعة التي كان مهيئا لها في مختلف المحافل والمناسبات.

وبالرغم من تراجع نشاطه في كتابة الشعر، في هذه المرحلة، إلّا أنه يمكن التمييز بين فترات مختلفة فيها من حيث درجة هذا النشاط:

أ‌)    الفترات الأكثر نشاطا، وهي فترات العطل الصيفية التي كان يقضيها في قريته في فلسطين، حيث كانت القصائد التي كتبها فيها امتداداً لما كان يكتبه في المرحلة السابقة: ترجمات عن الانجليزية وأشعار وطنية ووجدانية نشرها من بعد في ديوان صغير بعنوان "عالمان في ديوان".

ب‌)  الفترات الأقل نشاطاً، وهي الفترات التي قضاها في القاهرة في أثناء دراسته الجامعية؛ وتشتمل على ما كتبه بالاشتراك مع زملاء وأصدقاء مصريين أو منفرداً.

والغالب في هذه القصائد الأخيرة- وهي للتسلية- أن يكون موضوعها الرياضيات، وإن لم تخل من بعض القصائد الاجتماعية والوجدانية؛ ومثال النوع الأول، القصيدة التي كتبت على غرار ألفية ابن مالك في النحو، ومطلعها:

أول ما نبدأ بالتفاضلِ

ثم يليه جدول التكاملِ

مشتقة الجيب جتا وتعكسُ

سالبةً والجاز لا يلتبسُ

وزعموا مربع القا والقتا

سالبة في الأصل ظلاًّ وظتا

ومن القصائد الاجتماعية القصيدة التي مطلعها

هاتي سجائرك البلمونت واسقيني:

وهل تروق حياةٌ دون تدخينِ

وهي قصيدة أعاد كتابتها فيما بعد ضمن مجموعة معارضاته، لتصبح قصيدة وطنية هادفة، ومطلعها

شرب السجاير من حين إلى حينِ

فيه العزاءُ لأقوامٍ مساكينِ

أما القصائد التي كتبها منفرداً، فقد كان أكثرها شيوعاٍ قصيدته في ذم الرياضة (الرياضيات) وكلية العلوم التي كتبها في السنة الأخيرة من دراسته الجامعية، وهي تذكّر بقصيدة إبراهيم طوقان في معارضته لقصيدة شوقي: قم للمعلّم وفّه التبجيلا، ومطلعها:

قم للطبيعة وفّها التبجيلا

 

وارمِ الرياضة إن عدلت النيلا

أرأيت أبأس أو أجنّ من الذي

 

يقضي الحياة مسائلاً وحلولا

الناس صاروا في النجوم ولم نزل

 

نهذي بهندسة القرون الأولى

ومنها

أصل الرياضة ذلةٌ ومهانةٌ

 

تعمي العيون وتورث التسطيلا

نسجت على نول الخيال فاصبحت

 

دون الحقائق حاجزاً مسدولا

ما شَبَّ تحت ظلالها من عالمٍ

 

إلا شاب مهستراً وعليلا

وأشد منها في الأذى كليّة

 

صماء يقطع صخرها الإزميلا

مذ جئتها يا ليتني ما جئتها

 

نزلت عليّ النائبات نزولاً

(الجيب صفر) ما به تعريفة
ً

 

(والظل) يا أستاذ صار ثقيلاً
 

قدرت أن أجني الثمار وهأنا

 

أهوي على(صمّ الجذور) قتيلاً
 

الذنب ذنبي إذ أتيت إلى هنا

 

لم أرض بالآداب منك بديلاً
 

وكتاركٍ مارلين مونرو كي يرى
         

 

غولدا مئير ووجهها المرذولا

وتنتهي القصيدة بالأبيات

كلية الهّم التي عشنا بها

 

زنزانة للنابهين عقولا
 

فإذا انتهيت من الدراسة يا أخي

 

وخرجت منها لا أشك عليلا

فالعن أباها كل يومٍ مرة

 

واصفع قفاها بكرةً وأصيلا

      بالرغم من أن هذه القصيدة وغيرها ممّا كتب في هذه الفترة كانت قصائد قليلة العدد، إلا أنها كانت في واقع الأمر البذرة الصغيرة التي تحولت إلى شجرة كبيرة وارفة الظلال في قصائد " المعارضات" التي كتبها بعد التخرج، وهي القصائد التي ستصبح قصائده المفضلة فيما بعد.

في هذه الفترة أيضاً أتم ترجمة خرافات إيسوب عن ألإنجليزية، وهي حكايات على ألسنة الحيوانات، وعددها 110 حكايات، على غرار الحكايات التي نظمها شوقي على ألسنة الحيوان، ومنها على سبيل المثال حكاية (القمر وأمّه):

مضى القمرُ الوضّاح يوماً لأمه:

وقالوا اصنعي ثوباً يلائمني قدْرا

فقالت له: أنّى، وفي كلّ ليلةٍ:

أرى لك شكلاً ليس كالليلة ألأخرى

هلالاً بإحداها، وبدراً بغيرها:

وتبدو بأخرى لا هلالاً ولا بدرا

ومن رام أن يرضى امرَءاً متقلبا:

فقد كلف النفس المشقة والعُسرا

3. عالمان في ديوان

كان قانون البعثات في وزارة التربية الأردنية يقضي بأن يعمل المبعوث سنتين حيث تشاء الوزارة مقابل كل سنة من سنوات دراسته على حسابها؛ ويعني هذا أن عليه العمل عشر سنوات حيث تعينه الوزارة؛ وبناءً على ذلك عُيّن معلما للرياضيات في المدرسة الرشيدية بالقدس عام 1963؛ ومنها نقل إلى المدرسة الصلاحية في نابلس حيث بقي يدرّس الرياضيات حتى عام 1980 عندما عُيّن موجها للرياضيات في مديرية التربية والتعليم بنابلس.

وفي عام 1964 نشر مجموعته الشعرية الأولى في كتاب بعنوان "عالمان في ديوان"؛ تشير كلمة "عالمان" إلى اشتمال الديوان على مجموعتين من القصائد: الأولى قصائد وطنية في معظمها كان قد نشر بعضها في الجرائد والمجلات المحلية: "الدفاع" و "الجهاد" وغيرهما؛ والأخرى مترجمة عن الشعر الإنجليزي، وقد علّق مقدّم الديوان الشاعر عبد الرحيم عمر على هاتين المجموعتين بقوله:

"ونقف مع شاعرنا، يتصدى لشكسبير، ووردسورث وبقية من تصدى لهم في ترجماته، لنلمس أمرين: أولهما استيعاب جيد لمضامين هؤلاء الشعراء.

وثانيهما؛ محاولة إخضاع هذه المضامين للقالب الفني العربي في الشعر، ورأيي أن الشاعر قد أرهق نفسه وأرهق ترجماته بما فرض على نفسه وعلى ترجماته من قيود العروض التي أخذ الشعر العربي نفسه يتخفف منها، وكان أيسر وأجدى لو أنه تخفف من كل قيد يمكن أن يعوقه في سبيل أن يقدم ترجمات أقرب ما تكون إلى الأصل يتناسق فيها الشكل والمضمون وإن أمكن فالنغم كذلك، ويقيني أن الشاعر لو فعل ذلك لكان أقرب إلى الهدف الذي رمى إليه"

"أما في عالم الشاعر الآخر أقصد عالم قصائده، فصليب النكبة مرسوم على صدر الشاعر، يطلّ في أكثر من موقف في قصائده، والأمس المرّ خط ينتظم المجموعة حتى ليكاد يصبح عمودها الفقري؛ ويكاد يلوّن كل رؤى الشاعر بلون الحزن الذي يتراوح بين اليأس الهادئ الحزين حينا وبين الثورة المكابرة حينا آخر، وبين الأسف المجروح حينا ثالثا..."

بعد مرور أكثر من أربعين عاماً على نشر ديوان "عالمان في ديوان"، يقف الشاعر موقفاً مختلفاً عن موقفه تجاه قصائده عند نشره؛ فهو يرى الآن المجموعة الأولى (غير المترجمة) منها دون المستوى المطلوب في شعريتها، ولا يجد متعة كبيرة في قراءتها باستثناء عدد قليل منها، مثل قصيدة "البلبل" التي يبدؤها بقوله:

يا ليتني مثلك يا بلبلُ

 

في كل سفحٍ طاب لي أنزلُ

تحتضن الوديان قيثارتي

 

فيهمس الصفصفان والجدولُ

وتنتشي الدنيا على رحبها

 

إن رنّ فيها صوتك المثملُ

لا تلم الجنات إمّا غدت

 

وهْي بموشي الحِلى ترفلُ

واصغ إلى الألحان جذابة

 

يعزفها شاعرها الأولُ

وينهيها بقوله:

يا صاحب الألحان مستضعفاً

 

فابق أو ارحل حيثما ترحلُ

لو كنت نسراً يتحدى الدنا

 

من بأسه قلب الردى يجفل

فامض معي يوم شروق السنا

 

فغير يافا ما حلا منزلُُ

وكذلك قصيدة "رام الله الجميلة" التي يبدؤها بقوله:

ظمئ الفؤاد إلى نمير لماكِ

 

وهفا النسيم إلى عبير رباكِ

وجلست في عرش الهضاب منيفةً

 

يصبو الوجود إلى نعيم ذراكِ

فإذا خفضت الطرف لاح لك الثرى

 

مسكاً يرفُ على سماه لواكِ

الغور في يمناك أخضرْ دافئٌ

 

والساحل العربي في يُسراك

وينهيها بقوله:

هل تذكرين وأنت أكرم من وعى

 

يافا الجميلة فهي صنو علاكِ؟

قولي لها والقيد يثقل خطوها

 

لا عيد إلاّ في نهار لقاكِ

فتقدمي صوب الكفاح فقد دنت

 

أيام عودتنا ونحن فداكِ!

يختلف الحال تماما مع المجموعة الأخرى المترجمة، أي القصائد المترجمة التي يحسّ بمتعة متجددة في قراءة معظمها المرة بعد المرة؛ ومن أحب هذه القصائد إلى نفسه قصيدة "إلى ألثيا من السجن" للشاعر "ريتشارد لفليس"؛ ولعله كان متأثرا في بناء الترجمة بترجمة علي محمود طه لقصيدة القبرة للشاعر " شلي"؛ ومطلع قصيدة " لفليس":

إن رفّ يوماً كيو بيدٌ بأجنحةٍ

سحريّةٍ لم يعقها قيد سجّانِ  

على جناحية نهفو ألثيا طرباً

كالطير تهمس لي من خلفِ قضبانِ

وقد طوى مهجتي من شعرها شركٌ

وسمّرتني بقيد السحر عينانِ

هل تعرف الطير في الأجواءِ هائمةً

حرّيتي وأناشيدي وألحاني؟

          ولا تقلّ عن القصيدة السابقة حبا في نفسه القصيدة الأخيرة في ترجمات الديوان، وهي بعنوان مرثية –أو مرثية كتبت في مقبرة ريفية- للشاعر"توماس غراي"، والقصيدة طويلة تنتهي بالأبيات الآتية:

كم طوى اليّم درةً تسحر الأبصار غشّى  على سناها الماءُ

كم طوى القفر وردة لم تمتّع                  بشذاها وعرفها الأحياءُ

أزهرت في الرمال لم ترها عينٌ ولفّت عبيرها الصحراء!

          كان حظ ديوان "عالمان في ديوان" غير سعيد عند النقاد، فقد هاجمه بعضهم (خليل السواحري) بشدة؛ ولم يكن حظ جيب صاحبه أحسن حالاً، فقد تواصل اقتطاع قسم كبير نسبياً من راتبه عدة شهور لدفع تكاليف طباعة الكتاب،دون أن يسترد من تلك التكاليف شيئاً!

 

 

4. المعارضات

قصائد المعارضات هي أحب قصائد الشاعر على نفسه وآثرها لديه؛ وإذا كان قد كتب بعض المعارضات في سنوات دراسته بالجامعة، إلا أن الأمر أصبح شبيها بالاحتراف في عام 1964، واستمر كذلك عدة سنوات بعدئذٍ.

قد يصح القول إن كتابة المعارضات كانت تجديدا لقصائده الثورية والوطنية والاجتماعية التي بدأ بها حياته الشعرية. وهذا القول أكثر انطباقاً على المعارضات التي كتبها قبل نكسة حزيران عام 1967.

اختيرت القصائد "المعارضة" بحيث تكون مألوفة للجمهور والمثقفين من أجل أن تكون ذات وقع أعظم؛ فكان من بينها قصائد مغنّاة لكبار المطربين والمطربات في العالم العربي، مثل: محمد عبد الوهاب، وأم كلثوم، وفيروز؛ كما كان منها قصائد لكبار الشعراء المحدثين والقدماء، مثل: أحمد شوقي، وعلي محمود طه، ونزار قباني، والمتنبي، وابن الفارض، وأبي فراس، وعنترة.

يغلب على المعارضات أن تتقاطع مع القصائد الأصلية في الوزن والقافية وبعض التعبيرات، أما الموضوع فقلما تشتركان فيه؛ كما أن لغتها أكثر سهولة بوجه عام، وربما اشتملت على كلمات أو عبارات عامية في بعض الأحيان.

وتجدر الإشارة إلى أن شخصية الشاعر: الموظف الفلسطيني المنتمي إلى الطبقات الكادحة بارزة بوضوح في كثير من تلك القصائد.

قد يمكن تصنيف المعارضات بحسب الموضوع: المرأة، الوطن، الاجتماعيات،...؛ وقد يمكن تصنيفها أيضاً بحسب المرحلة أي ما قبل 67 وما بعدها، حيث تمثل المجموعة الأولى الهم المجتمعي بدرجة كبيرة، في حين تمثل الأخيرة الهم الفردي للشاعر، وتوجهات شكلية هزلية في بعض الأحيان. وهذا التصنيف الأخير- بحسب المرحلة- أبسط من سابقه وأسهل إلا أنّ هذا لا يعني انتفاء التقاطع للتوجهات بين كلتا المجموعتين فيه.

 

 

تمثل القصيدة الآتية معارضات المجموعة الأولى

(خنفوس)

(معارضة قصيدة الحصري: يا ليل الصب متى غده؟)

عجبٌ في الغنج تفرّدهُ

 

حتى الأرتيت تقلّده!

مخضوب الثغر مبودره

 

مصقول الخد مورده

وسنان الطرف مكحله

 

مكشوف الساعد أمرده

يمشي ويميل فتحسبه

 

يحتاج لشخص يسنده

خنفوس ضقت به ذرعاً

 

والقلب انهار تجلّده

فهمت بنعلي أضربه

 

 

***

لكم من أين أجدده؟

 

وفتاة لا بل معذرة

 

و فتىً ذا لست أؤكده

في ثوب شفٍ فأشرف من

 

أن يظهر فيه تجرّده

لاقاني يوماً منفرداً

 

فسألت وقلبي منشده

ما بالك توشك أن تعرى

 

والثوب تكاد تقدّده

أتخاف الفقر وصولته

 

فالجسم لهذا تجهدُه؟

لا تخش فإن أباك له

 

مال في البنك ينضِّده

فستأخذه رُزماً رُزماً

 

وعلى الحانات تبدّده

وأنا لا أقعد ثانية

 

موصول الكدح مؤبَّده

وأفتش جيبي عن قرشٍ

 

 

***

يومين فما أتصيده

 

إنّي لأخاف ميوعته

 

تسري للشعب وتفسده

شعب مسكين ممتهنٌ

 

قد طال وطال تشرده

سيعود قريباً منتصراً

 

إن يلق رجالاً تسنده

أما إن زاد خنافسه

 

فقيام الساعة موعدُه

وتمثل القصيدة الآتية معارضات المجموعة الثانية

(ابن الفارض في المطعم)

[معارضة قصيدة ابن الفارض: سائق الأظعان يطوي البيد طي)

حامل الأسياخ، يشوي اللحم شيّ

 

ابعثِ الجرسون في الحال إليّْ

قل له يأت سريعاً فأنا

 

جائع يوشك أن يغمى عَلَيّ!

هاتها من حملٍ لم ينفطمُ

 

بعدُ، مثل الزُّبد أو أطرى "شوي"

هاتها يزدحم الصّحن بها

 

هاتها كيلو فما تنقص شيّ

هاتها من شقفٍ أو كفتة

 

أو كباب ليس من وقتٍ لديّ!

ولقد جاء بها ساخنةً

 

لو رآها ذو صيامٍ قال: حَيّْ

أو رآها راكبٌ سيّارةً

 

نطّ يبغيها فأمسى في الهُوَيّ

ّأو رآها عاشقٌ لم يدّكِر

 

بعدها  ثغرمها أو نهدمَيّ!

يا لها من ساعة مترفةٍ

 

ردّت الشعر الحقيقيّ إليّ

أبغت الصورة فيها مثلما

 

يبغت النسر من الجوِّ رُشَيّ

وزمام القول رخوٌ بيدي

 

فكأني عشت دهراً مع قُصّي

نشوةٌ بالغةٌ قصَّرها

 

مقدم الجرسون من بعدُ إليّ

فتحسّست جيوبي وإذا

 

شِلِنٌ أبيض ما بين يديّ

قلت للجرسون: خذ حاسب بهِ

 

ولك الباقي حلالاً يا بنيّ

لفتةٌ ثم تلتها غمزةٌ

 

هبّ فيلٌ عندها يسعى إليّ

أصلع الرأس ومن شاربه

 

ربّما ينسج حبلٌ لِدُلَيّ

آه! كم من لكمة أرسلها

 

ذلك الملعون هدَّت كِتفيّ

آه!كم من لطمةٍ خلت لها

 

أنّ دُفاً قائماً في وجنتيّ

هو يستأنف خُذ من بعد خُذ

 

وأنا أصرخ أيّاً بعد أيّ!

بعدها جاء عحوزٌ أحدبٌ

 

رأسه لم يرتفع عن ركبتيّ

قال: حقّي، قلت: هذا معطفي

 

فتفضل، قال: ما ينفع شيّ

أين حقي؟

-        ليس من مالٍ معي

-                           أطلب الشرطة؟

-                                     اقطع أذنيّ!

5- حزيران 1967

تركت نكسة حزيران جرحاً بليغاً في نفس الشاعر، لعلّه لم يتعاف منه حتى الآن؛ ولم يعد ذلك إلى أنه فؤجي بالهزيمة نفسها، بل لردة الفعل المخزية في العالم العربي التي تمثلت في ترسيخ أقدام أصنام الحكم، والتهليل لأبطال الهزيمة في مختلف المؤتمرات، والذين ذكرنا أبو سلمى بما فعل أسلافهم من قبلهم في عام 1948 بقوله:

أيها الحاملون ألوية العارِ

تخلّوا عن حومة الميدانِ

إنّ جيشاً يكون حرباً على الشعب

ذليلٌ إذا التقى الجمعانِ

ربما لم تكن نكسة حزيران العامل الوحيد في التغير الذي طرأ على موضوعات الاهتمام في شعره؛ ولكن التغير كان حاسماً على كل حال، فقد حلّ الهم الفردي محلّ الهم الجماعي بوضوح في معظم قصائده.

وكانت الأشعار التي كتبها بعد النكسة مباشرة –خلال شهرين تقريبا- عبارة عن مقطوعات قصيرة في معظمها، فيها الكثير من الإحساس بالألم، وربما يكون عنوانها الأفضل "قصائد غاضبة"، ومنها على سبيل المثال

لا تقولوا هذا التأخر فينا

جلبته الأقدار أو سوءُ حظِّ

إنما ذنبكم على كلّ شيخٍ

بادنٍ أجرب الغريزة فظِّ

بدّد المال في ملاهي فينّا

بين محظيّةٍ هناك ومحظي

وفي مقابل البؤس الجماعي الذي جلبب كل شيء بالظلام، شهدت حياة الشاعر الخاصة تغيرات إيجابية، أبدلته من عُسره يُسرا، ومكنته من بناء أسرة كانت ميمونة الطالع؛ فقد اختفى مع مقدمها المرض الذي كان يؤرق لياليه وأيامه منذ زمن بعيد.

ولم يقتصر التغير في الشعر على الموضوعات أو المحتوى بل برز في الشكل أيضاً، وتجلّى ذلك في شكلين رئيسين، هما: القصائد المطولة وقصائد التفعيلة.

* القصائد المطولة

          وهي أربع قصائد طوال، من الشعر العمودي، تتجاوز الواحدة منها مئة بيت، في موضوعات الحب، والحرية، والحياة، والألم؛ تذكّر قارئها بشعر علي محمود طه من حيث ألفاظها وتعبيراتها الشفافة المجنّحة، ومبناها الشعري.

وهي:

1.     الحب والألم، ومطلعها

كذبتُ متى قلت حبي الوحيدْ

 

فلي كّل يومٍ غرام جديدْ

وحبّك لا شكّ في خاطري

 

ولكنْ أريد المزيد المزيدْ

2.     الحصى الأخضر، ومطلعها

الحصى الأخضر والماء الشفيفْ

 

دون عينيك فحدّق بهما

نحّ من حولها الظلّ الوريفْ

 

وانتظر عمرك ما بينهما

3.     الأرض والشاعر، ومطلعها:

نحتُّ كأسي من رخام الخيالْ

 

ولم أزلْ أسكب فيها الفنونْ

حتّى توهمت وجود الزلالْ

 

بها وأغرت شفتّي الظنونْ

 

4.     صبّ لي كأسي، ومطلعها:

صبّ لي كأسي واترع قدحي

 

نشوة الروح وخمر الفرحِ

صبّها من وجنةٍ غنّى بها

 

بارئ الورد وربّ المرحِ

من أمثلة أشعار هذه القصائد الأبيات الآتية من قصيدة "صب لي كأسي"، وهي بعنوان

(الوصايا العشرة)

جاءني يسألني عن مذهبي

 

صاحبٌ أفدي بأمي وأبي

قلت لي عشرُ وصايا فمتى

 

نلتَها نلتَ جميع الأربِ

 

***

 

قيمة الإنسان أن يبتسما

 

شامخاً وهو يعاني الألما

فإذا فزت بذا كن رجلاً

 

وإذا لم تستطع كن عدما

إنّما أسعدنا في حالهِ

 

رجلٌ أعطى فما يملك شيا
ً

والذي عضّ على أموالهِ

 

عاش مملوكاً لها عبداً شقيا

لا تقل أرّقني خوف الردى

 

وحقيقٌ أنه يأتي غدا

أصلنا الأرض وفيها عودنا

 

وكذا نقضي ونحيا أبدا

لا تُرغ بالفكر أن ترتزقا

 

فلغير الفكر هذا خلقا

كم جهولٍ راتع في سعةٍ

 

وعليم عاش عيشاً ضيّقاً

أسرة المرء وأوطان الفتى

 

حيثما لاقى هواه منبتا

ربّ أهلٍ وبلادٍ قربهم

 

لم يزد روحك إلاّعَنَتا

 

***

 

شنّف الأذن بِحُلْو النغمِ

 

وبما يبهجها في الكَلِمِ

فحديث الحسن من سّر الصّبى

 

وحديث البؤس باب الهرمِ

يسعد المرء بإخوانِ الصفاءْ

 

من همو في القرب والبعد سواءَ

من إذا واتاه حظ فرحوا

 

وإذا أدبر كانوا أوفياءْ

اجتلِ الحسن بأيام الصّبى

 

وأطلب البهجة فيمن طلبا

لا تقل بعد غدٍ أدركها

 

إنمّا الكأس لمن قد شربا

بِسوى المرأة عيشُ لا يسوغْ

 

وهي أصلُ في ذكاءٍ ونبوغْ

وأرى أسعد شيءٍ في الورى

 

رجلٌ واصلها منذ البلوغ

وإذا آنست في النفس الفتورْ

 

ورأيت الهمّ في الرأس يدورْ

مسرعاً أغرقه في كأس الطّلا

 

قبل أن يقوى عليه ويفورْ

وقصائد التفعيلة

          جاءت هذه القصائد متزامنة مع القصائد المطوّلة أو تالية لها؛ وهي وإن لم تكن أول ما كتب الشاعر من هذا النوع من القصائد، فقد كتب بعضاً منها في البدايات وما بعدها، إلا أنها امتازت بغزارتها واختلاف موضوعاتها أو توجهاتها بالقياس إلى الفترات السابقة.

          محور هذه القصائد هو قوة الإدارة والحرية الفردية والإنسانية؛ والتفعيلة الأكثر تكراراً فيها هي تفعيلة البحر المتدارك –الخبب- "فعلن" وتشكلاتها.

          تختلف هذه القصائد فيما بينها من حيث النغمة السائدة فبعضها يغلب علها الحزن، وبعضها يتحاور فيها الحزن والتحدي، وبعضها تتملكها "باخوسيّة" أو "نيتشوية" بالغة الوضوح.

          من أمثلة النوع الثاني، المقطع الآتي من قصيدة مهداة إلى الصديق الكاتب عدنان السمان، وهي بعنوان "الشعر والزمان":

          كان الحرف مع المتنبي

ينقلب إلى دينارْ

وبيوتٌ من نظم الأعمى

تفعل وتفكّ حصارْ

وديا لكتيك أبي تمامَ يغلّ جواري كالأقمارْ

لكنّ الحرف اليومْ

لا يؤكلْ

لا يشربْ

لا ينسج منه ثوبْ

لا تبني منه دارْ

فلماذا إهدار الساعات بمحراب الأشعارْ؟

ومن النوع الثالث المقطع الآتي من قصيدة الإنسان الزورباوي:

إنسانٌ يولد أنّى شاءْ

وهو الإنسان الزورباويّ الرائعُ والجبّارْ

فإذا راقته الفكرة أطبق نابية عليها كالثمرةْ

إذ هي نَضِرةْ

ومتى زايلها نُسغ الإعجابْ

سقطت من فمه منسيّةْ

منطلقاً يبحث عن أخرى

زوربا!

لا تعني هذه الأمثلة أن قصائد التفعيلة هذه كانت خالية تماماً من القصائد الجمعية أو الوطنية؛ ولكنها جاءت رمزية كما ينبغي لها أن تكون بصفتها شعراً حديثاً؛ ومن هذا النوع من القصائد، على سبيل المثال، قصيدة

(الطير لن تموت)

الطير لا تموتُ

عندما ينزع منها الريش

يموت منها واحدٌ، إثنان، أو ثلاثةْ

وإنّما

تنقّر الثمار والجذور والترابْ

لكنها تموتُ

عندما تريد أن تموتْ!

...

الطير لا تموت ياحبيبتي

متى تهاجرْ

لكنها تموت إن ضلَتْ عن الطريق

...

الطير لا تموت عندما تسقط من أعشاشها خضيبةْ

لكنها تموت يوم ترتدي

ملابسها الفئرانْ

ولا تعود تذكر الغصونْ!

...

الطير لا تموتْ

جميعها بل الذي

يريد أن يموت

وحده يموتْ!

قصائد أخرى

استغرقت المطوّلات وقصائد التفعيلة معظم إنتاجه الشعري في الفترة 1968-72، باستثناء قصائد وجدانية عاطفية قليلة، يتصف بعضها بالحزن الصامت، وبعضها بالمكابرة في الحب؛ ومنها قصيدة أنت:

(أنتِ)

أنت عندي حزينةٌ، مثل شعري:

 

 

مثل أهلي غبّ النّوى والفراقِ

تتلقّين كلّ شيءٍ بصمتٍ

 

 

هادىءٍهادىءٍٍ مرير المذاقِ

كنزوح الأصيل لا همس فيه:

 

 

أو جراح الورود في الأعماقِ

...

لكِ روح تصبو إلى النور لكنْ:

 

 

ألزموها الثواء في الأنفاقِ

وشفاهٌ مثل الورود ولكنْ

 

 

حرمت لمسة النّدى الرقراقِ

وعيونٌ لون الغصونِ ولكنْ:

 

 

هيّأوها للنارِ للإحراقِ

وأيادٍ رقيقة الحسّ لكن:

 

 

حرموها رواية الأشواقِ

...

اذكريني فما نسيتك يوما:

 

 

يا حياتي رغم الجفا والفراقِ

اذكريني يا وثبةً رفعتني:

 

 

ثم شدّت إلى الجحيم وثاقي

ومنها قصيدة ( ما إلى سالف الهوى من رجوعِ)

ما إلى سالفِ الهوى من رجوعِ

حُلُماً كان وانقضى في هجوعي

فاتركيني يا من خبرتُ وشأني

لم أَعد بالمضلّلِ المخدوعِ

أو ما حطّمتْ يمينك كأسي

بعد ما قد ملأتِها من دموعي؟

فاذهبي للجحيم أنت وكأسي

وشظايا الأسى التي في ضلوعي

    ...

جَهِلَتْ نفسك الوضيعة روحي

يومَ ظنّت فيما ابتسمتُ خضوعي

ونجومي التي تلألأُ نوراً

حسبتْها عيناك بعض الشموعِ

وأغاريديَ الصّميمة للفنِ

تخيلتِها مرارة جوعي

فاذهبي للجحيم ليس بوسعي

زرع ورد الغرام بين الصقيعِ

    ...

أَو لمّا تفتّح الورد وحولي

وهفا طيرة إلى ينبوعي

جئتِ؟ ما تبتغين منّي؟ أحبّاً؟

يا له من تواضعٍ مطبوعِ!

أو بعد الأمس الذي مات ذبحاً

تتمنيّن في الغرامِ وقوعي

فاذهبي للجحيم أو فأعدّي

لي شباك الهوى فلن تستطيعي

...

أنا حرٌّ، ملء السماءِ صداحي

والربى كلها تشي بربيعي

أنا حرٌّ، يدغدغ اليّم مجدافي

وتجري الرياح خلف قلوعي

أنا حرٌّ، سرّ الفراشات من

سرّي ومعنى نزوعها من نزوعي

فاذهبي للجحيم ما عاد قلبي:

ملك أنثى فإنّه للجميعِ

ومن هذه القصائد أيضا آخر ما كتب من القصائد قبل رحلة الترجمة، وهي قصيدة " دموع على تل الزعتر" التي مطلعها

كيف يرجو لحبّنا أن يهونا

 

بلدٌ كان وردنا والعيونا

والتي تنتهي بالبيتين:

وإذا ما مررت بالتلّ يوماً

 

وتنشّقت عطرهُ الياسمينا

فانسَ عينيك تذرفان قليلاً

 

إن فيه بقيّةً مِن ذوينا

6. الترجمة

بدأت ممارسته الاحترافية للترجمة في أواخر السبعينيات مع صدور جريدة الفجر المقدسية- منذ عددها الأول- حيث كان يترجم فيها مقالات سياسية وثقافية من الإنجليزية والفرنسية، وفي إطار عملية الترجمة هذه قام بترجمة عدد من الكتب نشرت في هيئة مسلسلات في جريدة الفجر، وهي: الجذور، والموساد الإسرائيلي، واقتصاد الضفة والقطاع: مكاسب وأعباء.

في عام 1981، عيّن مشرفاً للرياضيات في مديرية التربية والتعليم بنابلس، وكان أكثر ما شغله في هذه الوظيفة إدخال الحاسوب في المدارس؛ وقد قام أولا بحوسبة قسم الإشراف في مديرية التربية، وكذلك بحوسبة جزئية في بعض مدارس المدينة (مدرسة ابن الهيثم)؛ وبعد موافقة الإدارة المدنية على إنشاء مختبرات للحاسوب في بعض مدن الضفة، قام بدور رئيس في تفعيل هذه المختبرات، وبخاصة عندما ألف كتابا مقرراً للصف العاشر الأساسي بعنوان " مقدمة في الحاسوب" بالتعاون مع الزميلين الدكتور الشهيد خالد صلاح والدكتور عبد الرزاق طوقان من جامعة النجاح؛ وهو الكتاب الذي أصبح مقرراً اختياريا لطلبة الصف العاشر في مدارس الضفة في عام 1993، العام السابق لقدوم السلطة الوطنية الفلسطينية إلى أرض الوطن.

ولم يقتصر نشاطه في مجال الحاسوب على التربية واتعليم، بل قام بإعداد برامج مختلفة منها: حوسبة العروض العربي، وبرمجة الإحصاء التحليلي التي استفاد منها طلبة الماجستير في جامعات الضفة، وبرامج أخرى متنوعة.

وفي عام 1994، تمكن من تحقيق الهدف الذي كان قد أجل محاولة بلوغه سنوات طويلة، وهو الترجمة الكاملة لسونيتات شكسبير وعددها 154 سونيتة؛ وهو وإن كان قد ترجم بضع سونيتات منها في صباه، إلّا أنه في هذه السنة، أعاد ترجمتها وفقا للمنظور الجديد الذي اقتنع بصحته حول مناسبة تأليف شيكسبير لها، وخلاصته أنه لم يكن يتحدث فيها- أو في معظمها- عن جمال المرأة وجاذبيتها، بل عن جمال صديقه وحبيبه الأمير، الذي أراد من كتابة تلك السونيتات حثه على الزواج، لاستدامة جماله وجاذبيته في عقبه من بعده؛ ولعلّ هذا ما عناه الشاعرفي أولى سونيتاته حيث يقول:

إن أردنا من الحسان مزيدا

فأماناً للحسن من أن يبيدا

كلّما يانعٌ ذوى منه يوماً:

جاء غضٌّ منه فعاد جديدا

تشتمل هذه السونيتات، وعددها 154، على موضوعات مختلفة، منها: الحب، والجمال، والصداقة، والشعر، والزمن، وغيرها؛ ومنها في الصداقة السونيتة الآتية رقم (30):

إذا أبعدتْ صمتـي الجميـــل ووحـــدتي

 

 

طيوفُ أســىً مِن جانبِ الأمس تطلعُ

بكــــــيتُ لآمــــالٍ فُقـــــدن، وللأسى

 

 

يعود جديــداً، والـــزمـان يُــضيَّـــع!

                                        ***

أرقــــرق دمعــــاً كـــان بالأمس غاليـاً

 

 

على إخوةٍ في ظلمة المــوت أُودعــــوا

وترجع أحـزاني الـتــي قــد طويتهــــا

 

 

على منظـرٍ أحببتُــه ليــس يــرجــعُ!

                                                  ***

فيـــا لك مــن قــلبٍ تـــداعت هــمومه

 

 

كـــأنِِّـــيَ من هـــمٍّ لآخــــرَ أُدْفَـــعُ

ويا لـك مـــن جفـــنٍ تداعـــت دموعــه

 

 

كأن لم يكن حقَّ الأحبَّــةِ يـــدفــــعُ

                                       ***

فـــإن لاح لــي وجـــه الصديق أعاد لي

 

 

منـايَ، فما للــهمِّ عنـــديَ موضـــعُ!

7. التأليف

بالرغم من حبّه الشديد للترجمة، ورغبته القوية في أن يصبح مترجما، وإيمانه الراسخ بأهمية دور الترجمة في نهضة البلد وتقدمه؛ إلا أن ضعف موارده المالية، ومشكلة حقوق الطبع، وغياب دور النشر المحلية المهتمة بالترجمة، وغير ذلك من الصعوبات جعلته يتخلى عن الترجمة الاحترافية إلى مشروع التأليف.

ومنذ بدء مشروع التأليف، اختار أن يكون بالاشتراك؛ فصدر الكتاب الأول منه بالاشتراك مع الأستاذ المرحوم بشير خنفر، وهو: "دراسات في علم الفلك المعاصر" في عام 1980.

وفي مجال التأليف بالاشتراك صدر له مع الدكتور محمد سليم اشتية عدد من المؤلفات في علم البيئة وعلم الإحصاء (6): حماية البيئة الفلسطينية، ومبادئ علم الإحصاء، وشجرة التين...

ومع الدكتور محمد جواد النوري عدة كتب في اللغويات (6): دراسات في المكتبة العربية، وفصول في علم الأصوات، ودراسة في المعاجم العربية...

ومع الدكتورة إلهام أبو غزالة وروبرت ديبوغراند وولفغانغ دريسلر في اللغويات كتاب "مدخل إلى علم لغة النص".

ومع الدكتور الشهيد خالد صلاح والدكتور عبد الرزاق طوقان عدة كتب في الحاسوب والبرمجة (6): مقدمة في الحاسوب، والبرمجة بلغة باسكال،...

ومع الأستاذ محمد عالية كتابان بعنوان " أتعلم الرياضيات"، ومع الأستاذ عبد العزيز جودة كتابان بعنوان "I Learn English"، ومع الدكتور عبد عساف كتاب "حكايات شعبية" فلسطينية للأطفال".

كما ألف في هذه الفترة كتباً تعليمية لرياض الأطفال (5) منها كتابان بعنوان "أتعلم العربية".

لا بد ّ أن يكون مشروع التأليف هذا قد شغله عن الشعر، فلم يكتب في أثناء فترة عمله في الإشراف التربوي من 1980-1999، وهي سنة التقاعد سوى قصيدة واحدة, وهي عن الانتفاضة الأولى بعنوان "باقون".

باقون

بقينا كما تبقى النجوم الطوالع ُ

وإن غاب مناّ واقعٌ ثم واقعُ

وما بليت منّا النفوس لأننا:

نحاول ملكاً، والبقاء التنازعُ

بقينا كما شاءت أميّةُ عصبةً:

نضاليةً لم تجلُ عنها الوقائعُ

بقيّة قومٍ للرصاص جسومهمْ:

وللقدسِ ما ضُمّت عليه الأضالعُ

بقينا وفينا من شمائلِ طّيءٍ:

وشيبان مِسكٌ في الأحاديث ذائعُ

إذا ذكرت ذوقار كادت صغارنا:

من التيّهِ لا تقوى عليها المراضعُ

بقينا إذا ما الليل أرخى سدو له:

أضاء بنا الفاروق فالفجر ساطعُ

أبا الفتح لا وَهْنٌ وأنت أمامنا:

ولا غايةٌ تنأى، ولا حقّ ضائعُ

بقينا تغني الضاد في لهواتنا:

وتمرح في الأسماع منها المقاطعُ

إذا رشفت نفسٌ من الضاد رشفةً:

فألف مُحالٍ عن هواها التراجعُ

بقينا على عهد الجدود ودأبهمْ:

نباريهمو حيناً، وحيناً نتابعُ

يسابق في أوطاننا الوالدَ ابنُه:

ويصنع مجداً كالذي هو صانعُ

بقينا وحبُّ القدسِ في كلّ ليلةٍ:

بنا للعيون المقدسيّة راجعُ

بلادٌ هواها إن يكن أجمل الهوا:

فأجمل منه في هواها المصارعُ

بقينا كما شاءت فلسطينُ راحةٌ:

تشيد وأخرى عن حماها تدافعُ

وما حجرٌ تبنى البوت بمثلهِ:

بأكرمَ ممّا أرسلته المقالعُ

بقينا بأجواءِ العروبة أنجماً:

تضيء وليل الجهل في الشرقِ واسعُ

ولولا أيادٍ من فلسطين ما ربا:

بها القفر واهتزّت عليها المرابعُ

بقينا إلى أن زيّن الأفق فوقنا:

نداءٌ على حب العروبة قاطعُ

فأبيض وضاحٌ وأسود حالكٌ:

وأحمر ورديٌّ وأخضر يانعُ

بقينا ليومٍ تحضن الأرضُ أهلها:

ويجمعها فيه إلى الضادِ جامعُ

وما العمرُ إلّا ليلةٌ عربيّةٌ:

بها الفجر حتى آخر الدهرِ طالعُ!

8. ما بعد رحلة التعليم

قبل تقاعده من الخدمة المدنية في عام 1999، كان قد انضمّ إلى فريق إعداد المناهج الفلسطينية، واشترك مع د. عزيز الدويك، و د. وائل قعدان، والأستاذ توفيق الطاهر في تأليف الكتاب الذي كان باكورة عمل مركز المناهج وهو" التربية السكانية في فلسطين: الكتاب المرجعي" عام 2000.

وبين عامي 2000 و 2006 اشترك في تأليف مقررات الرياضيات للصفوف (1-5) الأساسية، وللتوجيهي العلمي، وأدلة المعلم في الرياضيات للصفين 4، 6، ومقررات اللغة العربية للصفين 7، 9، ومقرر تعليم الكبار وهو كتاب "مع الحياة".

          وفي عام 2003 عمل في "مركز رام الله لدراسات حقوق الإنسان"، وألّف بالاشتراك عدداً من الكتب في مجال حقوق الإنسان، ومنها:

·        حقوق الإنسان في مناهج التعليم الديني العالي "في فلسطين (محرراً مع الدكتور إياد البرغوثي).

·        في التعليم الديني العالي وحقوق الإنسان (بالاشتراك مع الدكتور ناصر الشاعر والأستاذ إياد دويكات).

وهو الآن عضو في هيئة  تحرير محلة تسامح الفصلية التي يصدرها المركز، ويكتب فيها موضوعات ثقافية وتربوية ذات صلة بحقوق الإنسان، كما أنه يسهم بكتابة مقالات تربوية في نشرة "تعليم حر" التي يصدرها المركز أيضا.

          في عام 2007 ألّف –منفردا- كتاب "التسامح في فكر إدوارد سعيد"، وهو من إصدار مركز رام الله لدراسات حقوق الإنسان.

          وفي عام 2008 ألّف بالاشتراك كتاب "الدليل المرجعي في التربية البيئية"، وهو من تحرير الأستاذ جورج كرزم، وإصدار المركز التنموي للبيئة "معا".

          له كتابات فكرية متنوعة في المجلات المحلية، مثل: "رؤى تربوية" التي يصدرها مركز القطان، وآفاق البيئة والتنمية (مجلة إلكترونية) التي يصدرها "معا"، والطريق، وغيرها.

          أحدث ما كتب من الأشعار هي المجموعة الشعرية التي عنوانها: "الشعراء يغنون لحقوق الإنسان" (2004) والمجموعة الشعرية التي عنوان "أرجاز في حقوق الإنسان" (2003).

          تمثل المجموعة الأولى مقطوعات أعاد كتابتها على لسان الشعراء العرب منذ امرئ القيس وطرفة وعنترة إلى إبراهيم طوقان وأبي سلمى وعبد الرحيم محمود، ومنها:

(حزن صامت)

لخولة حزنٌ في الجوانح سرمدي

 

 

فلا فرق بين الأمس واليوم والغدِ

وكم تتمنّى الشمس رؤية وجهها

 

 

وكم ترغب الأقلامُ في لمسةِ اليدِ

وظلم ذوي القربى أشد مضاضةً

 

 

على المرء من وقع الحسامِ المهنّد

                                                                                   طرفة بن العبد

(كرم لا معقول)

إن قومي أهل السّخاءِ قديما

 

 

وحديثاً أبوّةً وجدودا

وهبوا النّفط والأراضيَ للغر

 

 

بِ وراحو يؤلفون القصيدا

نحن أبناء يعربٍ أعرب النا

 

 

سِ لساناً وأكثر الناس جودا

(البحتري)

(كيمياء المال)

قال: ما بالهم قد انتخبوه

 

 

ولقد كان أمسِ كلباً مُهانا

قلت: أثرى في صفقةٍ جعلته

 

 

يشتري الناخبين والأعوانا

إن للمال كيمياءً إذا لا

 

 

مس كلباً أحاله إنسانا

                                                                                      (ابن الرومي)

(رفض الحداثة)

يا ربّ إن قلوبنا وعيوننا

 

 

بثقافة الغرب ارتضت أن تُسحرا

يا ربّ صبّ على القلوب غشاوةً

 

 

فينا لنبغضها وأعمِ المُبصِرا

أو لا فصيّرهم تيوساً مثلنا

 

 

فتسود عندئذٍ مساواة الورى

(أحمد فارس الشدياق)

(السلام العادل)

يقول الظالمون وقد تمادوا

 

 

بظلم الناس غايتنا السّلامُ

أعيدوا ما اغتصبتم من حقوٍقٍ

 

 

وإلاّ لا سلام ولا كلامُ

فإن السّلم إن لم يلق عدلاً

 

 

يفيء إليه، ليس له دوامُ

(عبد الرحيم محمود)

ومن المجموعة الثانية الأرجوزة الآتية بعنوان (تنوّع الأسماء والآراء)

أرى اختلاف الناس في الأسماءِ

 

مثل اختلاف الناس في الآراءِ

فذاك بسامٌ، وذا عباسُ

 

وذي وحيدة، وذي إيناسُ

ومثل ذا يحدث في الزواجِ

 

حين ترى الأسماء في ازدواجِ

مثل اجتماع منذرٍ مع بُشرى

 

أو اقتران مصعبٍ بيُسْرى

وليس في ذلك أدنى ضيرِ

 

بل إنّ فيه الخير كل الخيرِ

وإنّه داعية اعتدالـِ

 

للزوج والزوجة والأطفالِ

 

         

 

                            

                                                                  

 

                                 

                                                                   ‍‍