عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


السبت، ٣٠ نيسان ٢٠١١

متابعات

إنهاء الانقسام.. شأنٌ عربيٌّ فِلَسطينيٌّ داخليٌّ بامتياز!!

 

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

 

  ما إن وقَّعَ الفريقان الفلسطينيان المعنيان بالأحرفِ الأولى على اتفاقٍ ينهي انقسامًا عصفَ بالساحةِ الفِلَسطينية، وبعثرَ كثيرًا من جهود الفلسطينيين، وبدّدَ كثيرًا من قواهم وطاقاتهم وقدراتهم على مواجهة الصعاب، ومقارعة العقبات والمستجدات والتحديات، وناء بكلكلهِِ على كثير من أمانيِّ الفلسطينيين وآمالهم، وعمَّقَ الجراحَ في صدورِ أطفالهم وشبابهم وشيبهم، وكل أحرارهم وحرائرهم.. وما إن لاحت في الأفق الفلسطيني بوادرُ فرحة فلسطينية، وبشائرُ فرجِ وانفراجٍ في الليل الفلسطيني الطويل حتى راح كل أولاءِ وأولئك يلطمون الخدود، ويشقون الجيوب، ويتباكَونَ على الأمل المنشود، والسلام الموعود على كل"أرض اليهود" .. وكأن الخصومة بين هذين الفريقين قد أعطت أولاء وأولئك كل ما يصبون إليه، و:كأن هذا التوقيع بالأحرف الأولى بين هذين الفريقين قد سحب كل البُسُط من تحت كل الأقدام الطامعة في كل هذه الديار، وفي كل ديار العروبة والإسلام من نواكشوط ومليلة والقيروان إلى القدس ودمشق وبغداد وطهران وقندهار وطشقند، وإلى ما وراء أندونيسيا، وصولاً إلى الصين، ومرورًا بالاتحاد السوفيتي الذي كان وما هان.. وكأن هذا التوقيع بالأحرف الأولى قد أطار النوم من أجفان الحالمين بالسيطرة على كل هذه الملايين من الأميال، وعلى كل هذه المليارات من المخلوقات والسكان.. وكأن هذا التوقيع كان رسالة وصلَت إلى من يعنيهم الأمر، والرسالة _ كما يقولون_ تُفهَمُ من العنوان.. وكأن هذا التوقيع _يا قوم_ كان عودةً بهذه القضية، وأطرافِ هذه القضيةِ ووسطاء هذه القضية ووكلائها وكفلائها ورعاتها ومتعهديها ومقاوليها إلى المربع الأول، وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا، وكأني بكل أولاء وأولئك الذين صعقهم هذا التوقيع يقولون: إذا كان هذا النفر من أهل هذه البلاد قد أعادنا _راغمين_ إلى المربع الأول بعد عقود من العمل والتخطيط والتفكير والتدبير والتدمير والتهجير، وإذا كنا حتى اليوم عاجزين تمامًا عن الفعل في نقطة الانطلاق، فمتى سنفعل فيما وراء هذه النقطة؟ وما الذي من الممكن أن نفعله في ملايين الأميال المربعة هذه، وبين هذه المليارات من المخلوقات والناس الذين لم ينظروا إلينا يومًا بارتياح؟ ومتى سنحقق أهدافنا وتطلعاتنا في حكم هذه الأمة العربية الإسلامية في هذا الوطن العربي الإسلامي الكبير الذي لا نكاد نمسك منه بطرفِ خيط حتى تُفلِتَ من أيدينا كثير من خيوطه التي ظننا أنها باتت في أيدينا خالصة لنا من دون الناس، والذي لا نكاد نرتاح من وعثاء السفر وعناء الطرق في واحة من واحاته حتى نكتشف أنها مجرد سراب خادع نحسبها ماءً وما هو كذلك؟؟

     من الطبيعي أن يحدث ما يحدث اليوم على هذا الجزء من أرض العرب، ومن الطبيعي أن يحدث كل هذا الذي يحدث على كل أرض العرب، ومن الطليعي أن ينفُضَ الناس عنهم كل غبار السنين، وكل مظاهر العجز والكسل والخضوع، ومن الطبيعي أن يحاسَبَ المهزومون المأزومون اليائسون الميئسون المحبِطون المحبَطون المتآمرون المستبدون، وأن يدفعوا ثمن مواقفهم وممارساتهم وإساءاتهم وتنكّرهم لإرادة شعوبهم، لأنه لا يصحُّ في النهاية إلا الصحيح، ولأنه إن طفح الكيل، ووصل السيل الزبى كان الطوفان، ولأنه ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع، ولأن الشعوب إذا هبّت ستنتصر، ولأن للباطل جولةً ثم يضمحّل وينتحر، ولأن الحق أبلَج، ولأن الباطل لجلج، ولا بد للباطل أن يزول.

    وإن من الطبيعي أن يوقّعَ هذان الفريقان على ما وقَّعا عليه، وأن يُصار بعد ذلك إلى وضع هذا الاتفاق موضع التنفيذ، وأن تتحقق لهذا الشعب وحدته الوطنية، وأن تتحقق بعد ذلك كل أمانيهِ في الحرية والسيادة والعزة والكرامةِ على أرض وطنهِ بعيدًا عن تدخل المتدخلين، وتحكم المتحكمين، واستبداد المستبدين.. ولكن ليس من الطبيعي، بل إن من المخالف للطبيعةِ، ولكل قوانينها العادلة أن يغضبَ كل أولاء وأولئك، وأن يملأوا الأرضَ صراخًا ووعيدًا وتهديدًا وتباكيًا على السلام الذي قتلوه ثم قتلوه، وقتلوه، ثم صلبوه، وصلبوه، ثم مثّلوا بما تبقّى من جثته تمثيلاً.. إن من المخالف للطبيعة، ولكل قوانينها العادلة أن يبقى هذا الشعبُ شريدًا طريدًا ممزقًا هائمًا على وجههِ في كل شِعابِ هذا العالم، وفي كل أزقته وأفواهِ دروبهِ ومنعطفاته وثناياه، وإن من المخالف للطبيعة ولكل قوانينها العادلة أن يبقى من بقي من هذا الشعب على أرض وطنه خائفًا متوجّسًا مقهورًا مقموعًا محاصرًا جائعًا ممزّقًا غريب الوجه واليد واللسان.

    لقد جُنَّ جنون أولاء وأولئك من خطوةٍ خطاها شقيقان على درب الوفاق والاتفاق، وراحوا يُرغون ويزبدون ويتهددون ويتوعدون، وراحوا يحددون لنا ما نختار وما لا نختار، وما يجوز وما لا يجوز، وراحت تلك الراعية التي أحسنَ بها كثير من العرب الظن تهددُ هي الأخرى وتتوعد بقطع الأرزاق سبيلاً إلى قطع الأعناق، وبقطع الأعناق وسيلة لتشريد من تبقى من هذا الشعب على أرض وطنه، ووسيلة لإلغاء كافة حقوقه الثابتةِ والمتحرّكة في الوحدة والحرية والعزة والكرامة والاستقلال وتقرير المصير والعيش باحترام مثل كل الشعوب المحترمة في هذا الكون، وتفريغ هذه البلاد من أهلها كي تقَدَّمَ لقمةً سائغةً للغرباء في نهاية المطاف.

    إن إنهاء الانقسام بين الأشقاء الفلسطينيين على كل أرض فلسطين، وفي الشتات، وإن وحدة هذا الشعب العربي الفلسطيني هي شأنٌ داخليٌّ فلسطينيٌّ بامتياز، لا علاقة لأحد به، وليس من حق أحد أن يقف حجر عثرة في سبيله، وليس من حق أحد أن يتباكى على السلام، وعلى الأمن، والهدوء، والاستقرار، ومستقبل الأجيال في هذه المنطقة من العالم، في الوقت الذي نحمي فيه نحن العربَ الفلسطينيين سلامَ هذه المنطقة وأمنها وأمانها وهدوءها واستقرارها ومستقبل أجيالها، وفي الوقت الذي نحرص فيه كل الحرص على السلام في هذه الديار، وفي كل ديار العروبة، وفي الوقت الذي نحرص فيه على السَّلمِ والأمن الدوليين، وفي الوقت الذي نفتح فيه نحن العربَ الفلسطينيين صدورنا وقلوبنا لكل دعاة السلام وروّاده في هذا العالم.

   إن من المؤلم أن تمرَّ كل هذه السنوات الطوال والعقود التي تجرّعَ فيها العرب الفلسطينيون كؤوسَ الموت والمذلة والهوان، دون أن يلوح في الأفق ما يُبشّر بحلول هذا السلام الذي نرنو إليه، وتتوقُ نفوسنا شوقًا لحلوله في ديارنا.. فمن المسئول عن هذا؟ ومن هو المسئول حقيقةً عن غياب السلام العادل الشامل المتكافئ، والأمن والأمان والاستقرار عن ديار السلام، وعن هذه المنطقة من العالم؟؟

 

    تحيةً إلى مصرَ وهي ترفع الحصار عن قطاع غزة، وإن أول الغيث قطرةٌ ثم ينهمر، وتحيةً إلى شعبنا العربي الفلسطيني وهو يجني ثمار هذه الوحدة الوطنية التي عادت إلى ساحته من جديد.

 

30\4\2011

الثلاثاء، ٢٦ نيسان ٢٠١١

مقام النبي يوسف..!!

متابعات

مقام النبي يوسف..!!

أ.عدنان السمان

   www.samman.co.nr

   يقع مقام النبي يوسف في حيٍّ من أحياء مدينة نابلس مأهولٍ بالسكان العرب الفلسطينيين هم أهالي قرية بلاطة سابقًا _حي بلاطة البلد حاليًّا_ منذ توسّعتْ مدينة نابلس خلال العهد الأردني، وضمّت هذا الحي ليصبحَ أحدَ أحيائها القريبة بعد أن تجاوزه البنيان شرقًا منذ عشرات السنين، كما ضمّت قرية رفيديا التي أصبحت اليوم واحدًا من أرقى أحياء المدينة من الناحية الغربية، وكذلك فقد تجاوز البنيان هذا الحي إلى مسافات بعيدة في الاتجاه الغربي... وهذا المقام تحيط به ثلاث من أكبر مدارس المدينة، ويربو عدد طلبتها على ألفين من الطالبات والطلاب.. ثم إن هذا المقام يقع في موقع متوسط بين شارعي عمان والقدس، إضافة إلى الشارع الذي يمرّ بمحاذاته تمامًا، ويؤدي إلى مخيم بلاطة، والمنطقة الصناعية، وسوق الخضار المركزية، والمسلخ البلدي، وعشرات القرى الشرقية القريبة جدًّا من المدينة، وتعتبر من ضواحيها... ويتجه شمالاً حيث يلتقي شارع عمان المؤدي إلى أحياء سكنية كثيفة منها عراق التايه، ومخيم عسكر الجديد، وعسكر القديم، والمساكن الشعبية الشرقية... وباختصار شديد فإن هذا المقام يتحكم في أكثر مواقع المدينة أهمية وخطورةً وكثافة سكانية.. ونريد من هذا كله أن نقول: إن تردد عشرات الجنود والمستوطنين المتعصبين على هذا المكان، ووجودهم بداخله، وفي ساحاته، واحتفالاتهم وصلواتهم فيه بدعوى أنه مكان يهودي مقدس يعود للنبي يوسف الصديق، وإقامة مدرسة دينية في هذا المقام، وإصرار الإسرائيليين على اعتباره تراثًا يهوديًّا.. نقول: كل هذه أسبابٌ كافيةٌ لإثارة التوتر في المنطقة، فهؤلاء المتطرفون اليهود يقيمون احتفالاتهم التي قد تمتد إلى ساعات الصباح الأولى مسببين بذلك إزعاجًا لكل سكان هذه المناطق فضلاً عن المضايقات التي يسببونها للمواطنين، وهي مضايقات متعمدة، وتحديات ليس لها ما يسوغها كما يقول كل الناس، وكما يعرفون هم أنفسهم ذلك أيضًا.

     فلماذا يتواجد هؤلاء في هذا المكان إذن؟ هل يتواجدون فيه للعبادة؟ وهل العبادة تعني السيطرة العسكرية، والتعرض للآخرين، والإساءة إليهم، وإزعاجهم؟ ثم إن كل من يزور هذا المقام، بل إن كل من يعرف هذا المقام قبل أن يستولي عليه هؤلاء لا يشك لحظة في أنه مسجد إسلامي فيهِ محراب للصلاة.. وأنه إنما سمي باسم نبي الله يوسف تيمنًا بهذا النبي الذي يؤمن به المسلمون، وتكريمًا له على غرار المقامات الكثيرة المنتشرة في فلسطين والتي تحمل أسماء كثير من أنبياء الله، ولقد أفردَ القرآن الكريم سورة من سوره لهذا النبي الذي يحبه المسلمون، ويتعاطفون مع سيرته كل التعاطف، كما يحبون كل أنبياء الله دون استثناء.. ولكن هذا لا يعني أن سيدنا يوسف قد دُفن في هذا المكان على الإطلاق، ولا يعني أيضًا أنه دُفن في الحرم الإبراهيمي في الخليل، فالمعروف والمُتّفَق عليه لدى جميع أتباع الديانات أن يوسف الصديق قد عاش في مصر، ومات فيها أيضًا، وأنه قد دُفن في مياه النيل، وهذا معناه أن القبر الموجود داخل هذا المقام ليس قبر يوسف الصديق أبدًا، ثم إن البنّائين والمهندسين، وكل علماء الآثار يقولون إن عمرَ البناء (المقام) لا يتجاوز مئتي عام، لا ألفي عام كما يقول بعضهم.. من هذا كله، وكثير غيره نستخلص أنه لا علاقة لهم بهذا المكان أبدًا لا من قريب ولا من بعيد.

    لقد أخذ اليهود بالتردد على هذا المقام بعد حرب حزيران عام سبعة وستين، وذلك في المناسبات، والأعياد تحت الحراسة العسكرية، ومما تجدر الإشارة إليه أنهم كانوا يزورونه أيضًا قبل قيام الدولة العبرية عندما كان اليهود الفلسطينيون طائفةً لها حقوقها مثل كل الطوائف والأقليات.. نعم كان بعضهم يتردد على هذا المقام شأنه في ذلك شأن المسلمين من أهالي نابلس الذين كانوا يقصِدونه للاستجمام وللوفاء بالنذور، وللاحتفال بقصّ شعر صبيانهم أيضًا.. وبعد ذلك، وتحديدًا في عام (1976) ستة وسبعين وتسعمائة وألف أقام الإسرائيليون نقطة عسكرية تعمل ليلاً نهارًا على سطح هذا المقام، ثم أعلنوه في عام (1986) ستة وثمانين وتسعمائة وألف مدرسة دينية يهودية، وكانت سلطات الاحتلال العسكري الإسرائيلي قد فصلت القيّم على هذا المقام في العام (1983) ثلاثة وثمانين وتسعمائة وألف، إذ كان السلطان عبد الحميد قد سلّم مفاتيح هذا المقام إلى عائلة الشيخ فيّاض عبد الله من قرية بلاطة، وأشرفت هذه العائلة الطيبة على هذا المقام تحرسهُ وتنظفهُ وترعاهُ طيلةَ خمسة وتسعين عامًا.. وفي عام (1990) تسعين وتسعمائة وألف أقاموا فيه نواةً استيطانيةً بتواجدٍ عسكريٍّ دائم، وفي العام (1991) الحادي والتسعين وتسعمائة وألف أغلقوا محرابَ هذا المسجد بالإسمنت المسلّح بهدف تغيير معالمه.. ثم كان ما كان من كبار الحوادث والأحداث بعد اتفاقات أوسلو.

  هذا هو مقام النبي يوسف، وهذه هي قصتهُ جَغرافيًّا وسكانيًّا وتاريخيًّا ودينيًّا، فلماذا كل هذه الضجة، ولماذا افتعال الأزمات والمشكلات، ولماذا كل هذه التجاوزات والاعتداءات والتعدّيات، ومداهمة الأحياء السكنية في منطقةٍ يقولون إنها للطرف الآخر؟

    يقول السكان في نابلس إن أشد ما نخشاه هو أن يخلقوا لنا وضعًا مماثلاً للوضع في الخليل استنادًا إلى هذه المعتقدات التي يتذرعون بها وصولاً إلى تنفيذ أهدافهم في تكريس احتلالهم، وتجذيرِ وجودهم غير المشروع على أرضِ هذا الوطن.

 

 

 

الاثنين، ٢٥ نيسان ٢٠١١

رويدكم أيها السوريون.. فهناك متسعٌ لتلبية المطالب!!

متابعات

رويدكم أيها السوريون.. فهناك متسعٌ لتلبية المطالب!!

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

    لا يعرف قيمة الصحة إلا من حُرِم منها، وإذا كانت الصحة تاجًا على رؤوس الأصحّاء لا يراه إلا المرضى، فإن العيش في وطن آمن مستقر متطور جميل، هو نعمة كبرى، قد لا يقدّرها حقَّ قدرها، ولا يحسُّ بها الإحساس الكافي الذي يملك على المرء السمع والبصر إلا من حُرم منه، وكُتب عليه أن يعيش مشرّدًا، وكذلك من خسرَ آباؤه وأجداده وطنهم على مائدة قمار، أو في حانة، أو في ملهًى ليلي، أو غير ليلي، وتركوه قائمًا هائمًا حالمًا ساهمًا يبحث عن وطن، ويجري خلف لحظة هدوء، ونقطة نظام، وواحة امن وأمان، ووئام وسلام.. فمن هؤلاء السعيد الذي وجد السبيل إلى بُغيته، والطريق إلى غايته بعد طول مشقة، وطويل عناء.. والسعداء هم الذين كان لهم شرف استعادة أوطانهم من غاصبيها، وكان لهم شرف تحريرها وتعميرها وتطويرها والعيش فيها كرامًا أعزّة أقوياء أحرارًا بعد طول خوف وجوع وضَياع ومذلة وهوان، فكانوا العاملين المخلصين، وكانوا أيضًا الوارثين..ومن هؤلاء الشقي الذي رمَحتْه الدنيا، وعضته بنابها، وناءت عليه الليالي بكلكلها، وتكالبت عليه عوادي الزمن، وتحالفت ضده كل قوى الشر، فلم يستطع لها دفعًا، ولم يكن لها ندًّا.. وأما الأشقياء فهم الذين خسروا كل شيء، وحاولوا _جاهدين_ استعادة أي شيء، ولكنهم فشلوا في ذلك لأنهم تأخروا، ولأنهم كانوا يفتقرون منذ البدء للرؤية والنيّة والرغبة الصادقة، ولأنهم كانوا منذ البدء أخلاطًا وأشتاتًا تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتّى، فكانوا الخائبين الفاشلين، وكانوا أيضًا في الغابرين المندثرين البائدين الهالكين المنقرضين، بعد أن اكتشف الناس زيف توجهاتهم، وأسباب مذلتهم وهوانهم، وبعد أن أصرت الأجيال على تحقيق الأهداف والغايات والآمال.

    لقد عرفنا سوريا منذ بداية عهدنا بهذه الحياة، عرفنا أرضها وسماءها وفضاءها وهواءها وظباءها وماءها وطيرها.. عرفنا صحراءها وجبالها وسهولها وهضابها ونجادها وتلالها وسفوحها وحواضرها وبلداتها وقراها.. عرفنا شمالها وجنوبها وشرقها وغربها وبحرها وجزرها وأنهارها وبحيراتها وأرضها الطيبة الخصبة المعطاء، وإنسانها الطيب الذكي الوفي الكفي الكمي السخي الأبي.. وعرفنا دمشق في أقصى جنوبها الغربي عاصمة هذا القطر العربي السوري، وإن كانت فيما مضى تتوسط هذه الديار السورية عندما كانت عاصمة الدنيا، وتاجًا على هام بني أمية، وكعبة للزوار، وتحفة للنظّار الذين يقصدونها من سائر الأقطار والأمصار.. ولئن كانت دمشق ولا تزال تاجًا على رؤوس الولاة والخلفاء والأمراء والقادة والعلماء والأدباء والشعراء.. ولئن كانت تاجًا تزدان به رؤوس بني أمية وهاماتهم وتزهو به قاماتهم.. ولئن كانت دمشق ولا تزال تاجًا تزدان به هامات السوريين وجباههم، مذ كانت سوريا، ومذ كان السوريون، فإن صلاح الدين هو تاج دمشق: صلاح الدين تاجكِ لم يُجمَّل|| ولم يوسَم بأزينَ منه فرقُ. وكل حضارة في الأرض طالت|| لها من سرْحِك العلوي عرقُ. ألستِ دمشق للإسلام ظئرًا|| ومرضعة الأبوة لا تُعَقُّ.

    إن صلاح الدين هو التاج الذي يزينَ هامَ دمشق، ويزينُ مفرِقَ دمشق، ويزين فرعَها الآسر الساحر، وموجها الهادر الثائر، ونهرها الهادئ الدافئ الذي: جرى في أرضها فيه حياة|| كمنهلّ السماء وفيه رزقُ.. والذي ينساب في أحيائها ويمنحها الحياة والرواء والبهاء، ويصنع من ريفها الأخضر المزهر المثمر اليانع الرائع الجميل ريفِ دمشق لوحةَ حبٍّ دمشقية سورية أموية عربية، وصورةَ مجدٍ عربيٍّ سوريٍّ مشرقٍ متألقٍ متدفقٍ متأنّقٍ متوهجٍ متأججٍ مفعمٍ بالسحر والشِّعر والعطر، زاخرٍ بالطير والخير والبِشْر والظلال والدلال والجمال.

     ولقد كبُرَ هذا القطر العربي السوري، وكبرنا معه وبه، ولقد شهد هذا القطر منذ أوائل تاريخه الحديث، ومنذ البدايات الأولى لعهده بالاستقلال كثيرًا من كبار الحوادث والأحداث، وكثيرًا من التجارب والخطوب التي لم تزده، ولم تزدنا معه إلا قوة، وإلا صلابةً وإصرارًا على تجاوز الصعاب، وتحقيق الغايات والأهداف.. ولقد ازداد هذا الغرب الطامع فينا المجترئ علينا عداءً لسوريا، ولشعب سوريا، ولتوجهات سوريا، فناصبها عداءً على عداء، وكثّف من حملاته عليها، وفرض عليها ألوانًا من الحصار، وحاول مرارًا وتكرارًا اجتياحها لضرب وحدة شعبها، ولضرب إرادة هذا الشعب العربي السوري، ولضرب هذا النسيج الاجتماعي وتمزيقه، ولضرب هذا التآخي والتوادّ والتحابّ الذي يطبع السوريين، ويميزهم عمن سواهم.. لقد حاول هذا الغرب، ومعه كل أدواته، وحلفائه، وأعوانه أن يكسر إرادة سوريا، وأن يحوّلها عن مسارها، وان يُلحقها بممتلكاته وضياعِه التي تملَّكها ووضع يده عليها في بلاد العرب منذ عقود وعقود، ولقد عزّ على هذا الغرب، وعلى هذا المعسكر المعادي الذي يقوده الغرب والغربيون في بلاد العرب أن يفشل في مساعيه تلك، لقد عزّ عليه أن تظل سوريا عصيّة على أطماعه، وأن تظل سوريا وفيّة لمبادئها وثوابتها، وأن تظل سوريا كما كانت دائمًا عربية الوجه والتوجه واليد والبنان واللسان، فجاء اليوم في محاولة خاسرة لتوظيف حالة الثورة العربية في النَّيل من سوريا، لقد حاول استغلال هذا التحرك العربي الشامل ضد البغي والعدوان والتسلط  والفساد والانحراف والاستبداد والاستعباد والتبعية للغرب بشقيه، لإثارة فتنة كبرى في سوريا، يكون وقودها الإنسان العربي السوري، في القطر العربي السوري، وتكون نتيجتها تفكيك وحدة هذا الشعب، وضرب تماسكه، والنّيل من ألوان هذا الطيف، وهذا النسيج، والنّيل من المبادئ والعقائد ومجموعة الأفكار والثقافات والمرتكزات التي صنعت شعب سوريا، وأرض سوريا، وعزّتها وقوتها على مرّ العصور، وتعاقب الأزمان والدهور.

    أيها السوريون! أنتم ترَون وطنكم، وترون مجتمعكم، وترون واقعكم من الداخل، ونحن نرى ذلك كله من الخارج، وليس الداخل كالخارج.. صحيح أن كثيرًا من السوريين يرون كل ذلك وكثيرًا غيره من الداخل ومن الخارج.. وصحيح أن كثيرًا منهم يعرفون ما لا نعرفه، ويدركون ما لا ندركه، لعلاقتهم اللصيقة به، ومعايشتهم اليومية له، وتأثرهم به، وتأثيرهم فيه، وتطورهم معه، وتطوره معهم.. ولعلاقتهم المباشَرة بالتحديات والعقبات وسائر التطورات والحقائق المعاشة على الأرض سلبًا وإيجابًا.. وصحيح أن كثيرًا منهم أكثر اطلاعًا على خفايا الأمور وخباياها وتفصيلاتها، وأكثر تأثرًا، وأشد تأثيرًا في كل ما يتعلق بالسوريين، وبالوطن السوري من أحوال وأوضاع.. ولكن صحيح أيضًا أننا في هذه الأجزاء من الديار السورية لا زلنا نعتبر أنفسنا جزءًا منها، وإن اختلفتْ الوقائع بين هذه الأجزاء فيما بينها، وبين كل هذه الأجزاء والكل الذي كانت تنتمي إليه ولا تزال، وأننا في هذه الأجزاء والفروع عروبيون حتى العظم، وحدويون حتى النخاع، وأننا نعيش بوجداننا وأحاسيسنا ما يعيشه الناس في ذلك القطر العربي السوري، وأننا نراقب ما يجري على أرض سوريا كلِّها، ونرقبُ الأحداثَ والتطورات، ونجري الموازنات والمقايسات، ونتابع بحسرة ولهفة كل ما يجري على أرض العرب، لنخرج بعد ذلك، وبالتزامن معه، بالنتائج التي تزيدنا تشبّثًا بعروبتنا، وتزيدنا إصرارًا على أننا جزءٌ لا يتجزأ من هذه الديار السورية، وبأن ما يجري هناك، وما يجري هنا إن هو إلا حدث من مجموعة أحداث تأخذ صورًا مختلفة باختلاف المرحلة، وباختلاف المقاولين المشرفين على التنفيذ، وباختلاف المعطيات والأُعطيات، وباختلاف الإنسان الذي استطاعوا أن يصنعوه على هواهم، وفقَ أمزجتهم ليتناغم مع مخططاتهم، ويتماهى مع أهوائهم، ويتساوق مع ما يبيّتونه لهذه الأجزاء (التي تشكل كلّاً واحدًا تاريخيًّا وجغرافيًّا وثقافيًّا وبشريًّا ونفسيًّا) من خطط ومخططات... وعليه، فقد بات من حقنا أن نقول إننا قد نرى ما لا ترون، وقد نعرف ما لا تعرفون، وقد بات من حقنا أن نشد على أيديكم مباركين مهنئين بالخروج مما حاول هؤلاء وأولئك أن يرموكم به، ويضعوكم فيه، وأن نقول بملء أفواهنا أيضًا: رويدكم أيها السوريون.. لا تتعجّلوا، ولا تتسرعوا، فهناك متسعٌ من الوقت لتلبية المطالب، وتحقيق الأمنيات والتمنيّات، وهناك متسعٌ من الوقت لمعالجة كل هذه الأولويات.. واحدة واحدة.. إن الله مع الصابرين.

    أيها السوريون! إن ما نراه اليوم يؤكد ما كنا نراه منذ عقود، بل يؤكد صحة معتقداتنا وتوجهاتنا وقناعاتنا مذ كنا صغارًا، وإن إيماننا بدور سوريا في تحرير الأوطان والإنسان، وإعلاء البنيان، والتصدي للعدوان محليًّا وعربيًّا وإقليميًّا ودوليًّا هو إيمان لا يدانيه إيمان.. فلا تستمعوا لمروجي الفتنة والوقيعة، ودعاة التفرقة، ومطايا الجهل، وضيق الأفق، والإقليمية، والطائفية، والفئوية، والتبعية للغرب بشقيه.. ولا تستمعوا لهؤلاء الذين لا يريدون بسوريا خيرًا؛ فتندموا ولاتَ حين مندم، واربأوا بأنفسكم، وأشيحوا بوجوهكم عن جاهل، أو كاذب، أو ضالع في المؤامرة عليكم وعلى وطنكم، ولا تستمعوا لإعلامي مأجور كاذب يهرف بما لا يعرف، ويرضى لنفسه أن يكون جزءًا من المؤامرة الدنيئة على كل أرض العرب، إعلامي يروج للفتنة، ويحاول الإساءة لسوريا، فقط لأنها آخر قلاع العروبة، ولأنها راعية الثوابت والمبادئ والممانعة والمقاومة، والقيم العربية الأصيلة، ولأنها رمز عزة العرب، وأمل لبنان وفلسطين والعراق وكل أقطار العرب من محيطهم الهادر إلى خليجهم الثائر.. وإياكم أيها السوريون والعبث بوطنكم؛ فالبناء صعب، والهدم والتخريب سهل، لا تهدموا وطنكم، ولا تكونوا عونًا لعدوكم وعدونا في تخريبه.. واعلموا أننا نعرف ما لا تعرفون عندما يتعلق الأمر بحجم المؤامرة التي تستهدف سوريا أرضًا وشعبًا وهُوية ومؤسسات وحضارة وعروبة، إننا نحب سوريا كما تحبونها، وإننا نعلم أبعاد ما يراد بها، وأبعاد ما يراد بلبنان، وما يراد بفلسطين، وما يراد بأمة العرب، وبأرض العرب من المحيط إلى الخليج.. وإذا كان قدركم في سوريا أن تكونوا آخر قلاع العروبة، وإذا كان قدركم أن تعملوا أولاً على حماية البلاد السورية، وتحصينها ضد العدوان، وعلى وحدة أمة العرب انطلاقًا من الوحدة المصرية السورية، وإذا كان قدركم أن تكونوا العرب في زمن التخاذل العربي، والضعف العربي، والعجز العربي، والهوان العربي، والعار العربي والتبعية العربية للغرب بشقيه، فثقوا أن هذا مدعاة عز وفخار، ومدعاة إحساس بالعظَمَة، وشعور بالوفاء والانتماء والكبرياء، لأنكم العرب الشرفاء الأوفياء، ولأنكم العرب الأباة الأحرار في أزمنة الردة والانبطاح والعار.

   أيها السوريون.. رويدكم!! إذا كان هؤلاء الذين يدّعون الحرص على سوريا، ويطالبون بالثورة على الأوضاع فيها بحجة الإصلاح والتغيير، وبحجة تخليص المواطن السوري مما هو فيه، وإذا كان هؤلاء الذين يشهرون سكاكينهم في وجه المواطن، ويشهرون سيوفهم ومُداهم ومسدساتهم في وجوه الآمنين بدعوى إنقاذ البلد والمواطن، وبدعوى تخليص الوطن والمواطن من هذا النظام؛ فإننا نقول لكل هؤلاء إنكم مكشوفون، وإنكم كاذبون، وإنكم من الذين اصطنعهم الغرب، واصطنعهم كل أعداء العرب، وأنتم تعرفون ذلك جيدًا، من أجل ضرب سوريا، ومن أجل ضرب العروبة في سوريا، ومن أجل ضم سوريا إلى قائمة الأقطار التابعة الراكعة للاستعمار، ولكل أعداء العروبة والإسلام.. وإذا كان أولئك الأدعياء الحاقدون المأجورون الذين يناصبوننا العِداء هم من أدوات الغرب وحلفائه وأعوانه على كل أرض العرب، فإننا نسأل هؤلاء الأدعياء المشبوهين المتآمرين : متى كان الغرب حريصًا على أمة العرب في كل أقطارها؟ أليس الغرب من مزّق هذه البلاد؟ أليس الغرب من أهلكَ الحرث والنسل والعباد في هذه البلاد؟ أليس الغرب من انتزع فلسطين من بين أقطار العروبة؟ أليس هو من شرّد أهلها؟ أليس هو من كان وراء نكبات العرب والمسلمين في السودان وباكستان وأفغانستان والعراق وسائر أقطار المغرب  العربي والمشرق العربي أيضًا؟ أليس الغرب هو الطامع دائمًا في كل ثروات العرب على كل أرض العرب؟ ألا يتقاسمها مع ألد أعداء العروبة وألد أعداء الإسلام؟ ألا يتقاسمها أيضًا مع ألد أعدائها من شِرار أبنائها وسفهائهم الذين ناصبوها العِداء مذ كانوا؟ وإذا كانت كل هذه الحقائق صحيحة.. وهي كذلك، فماذا تقولون أيها السوريون في هؤلاء الذين يريدون أن يبيعوكم لهؤلاء؟ ماذا تقولون في هؤلاء المأجورين الذين يتسترون بالديمقراطية المزعومة الزائفة لبيع سوريا إلى أعداء العروبة؟ ماذا تقولون في هذه الديمقراطية المزورة التي قد تأتي بتابع للغرب ينفذ سياسته، ويحكم بالإعدام على مصير أمة ومستقبل شعب؟ ماذا تقولون في كل عملاء الغرب الذين يحاولون أن يفتكوا بالأمة العربية، وأن يصادروا قرارها، وأن يجعلوا من سوريا قاعدة لكل هؤلاء الأعداء فيها يسرحون، وفيها يمرحون، وقد سيطروا على هذا القطر، وسيطروا بالتالي على كل جزيئاته وأجزائه ومكوناته وسياساته؟ وإننا نرى أيضًا فيما نرى أن الموت سيكون في انتظار كل من يتجرأ على سوريا، وعلى كل أرض العرب، بعد أن يلفه العار، وبعد أن يبوء بخزي الدنيا والآخرة.

    أيها السوريون! هذا وطنكم فاصنعوه، وهذه بلادكم تناديكم فلبوا النداء.. إن إخوانكم في لبنان وفي فلسطين، وفي كل بلاد العرب ينادونكم ويهيبون بكم أن تقفوا إلى جانب وطنكم، وإلى جانب كل أحرار العرب، وكل شرفائهم في سعيهم الدائب لتحقيق الكرامة العربية والعزة العربية، فكونوا عند حسن ظن أمتكم بكم، وكونوا سند هذه الأمة العربية، وسند شعبكم الواحد في لبنان وفلسطين؛ فأنتم أنتم العرب.. أنتم أنتم المنتصرون.. أنتم أنتم فرسان هذه الأمة، وأملها الكبير في النصر والتحرير.

    

 

السبت، ٢٣ نيسان ٢٠١١

في اليوم العالمي للكتاب.. وحقوق المؤلف!!

متابعات

في اليوم العالمي للكتاب.. وحقوق المؤلف!!

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

       ليس هنالك حاجةٌ للتأكيد على دور الكتاب في حياة الناس أفرادًا وشعوبًا وقبائل، وعلى دوره في تطور الأفراد والجماعات والأمم منذ أقدم العصور وحتى يومنا هذا، وليس هنالك من حاجة لإجراء الموازنات والمقايسات بين الأفراد النابهين وأولئك الخاملين في المجتمع الواحد، وفي سائر المجتمعات والتجمعات، وبين الأمم المتحضرة المتطورة المتقدمة وتلك البدائية المتخلفة، ليس هنالك من حاجة لهذا كله كي نعلمَ علم اليقين أن الكتاب هو السبب، وأن الثقافة هي السر في هذا، وأن النابهين من الناس هم الذين عرفوا الطريق إلى الكتاب، وأن الخاملين هم من لم يعرفوا الطريق إليه.. وأن تقدم الأمم والشعوب يقاس بمقدر ما تقرأ، وبمقدار ما تكتب، وبمقدار ما تفكر، وبمقدار ما تبتكر وتبدع وتؤلف بعد هذا كله في سائر ألوان العلم والمعرفة.

     العرب المسلمون عرفوا الطريق إلى الكتاب ذات يوم، عرفوه قبل المأمون، وعرفوه في عهد المأمون، فقرأوا، وقرأوا، ولم يَدَعوا كتابًا من كتب السابقين إلا قرأوه بعد أن ترجموه، ثم كتبوا، وكتبوا، ولم يتركوا لغيرهم من اللاحقين ما يكتبونه، لأنهم السابقون، ولأنهم المحلقون في فضاءات العلوم، وآفاق الآداب، ومدارات الطب والهندسة والصيدلة والاختراع والفلك والنجوم والرياضيات والتشريع العادل، والفكر السياسي الاجتماعي المستنير المتزن، والقضاء العادل الراشد المتوازن الذي جعل منهم خير أمة اُخرِجت للناس.. لم يكتب غيرهم من معاصريهم ومن لاحقيهم شيئًا مذكورًا أو غير مذكور إلا بعد أن حالت حالهم، وتغيرت أحوالهم، وتقطعت أوصالهم، ودالت دولهم، وأصبحوا عالة على هذا الوجود، بسبب تخلفهم وجهلهم وأُميّتهم، فتجرّأ عليهم عدوهم، ولم يعاملهم بالعدل كما عاملوه، بل لقد اضطهدهم وأذلّهم وتحكّم بأرضهم وسمائهم ومستقبل أجيالهم على أرضهم أرض آبائهم وأجدادهم الميامين الذين ملأوا الأرض علمًا وعدلاً ونورًا ورحمةً ذات يوم.

    والأوروبيون الغربيون أيضًا عرفوا الطريق إلى الكتاب بعد أن قرأوا كتب العرب، ومؤلفات العرب، وبعد أن درسوا في جامعات العرب في بغداد وبخارى وسمرقند، وفي طليطلةَ وإشبيليةَ والقيروان، هؤلاء الأوروبيون بنَوا فوق ما بناه العرب، ثم استقلوا عنهم، وانفردوا بمسيرة التطور والتقدم منذ الانقلاب الصناعي، وكانوا حريصين على ازدياد المسافة، واتساع الهوَّة بينهم وبين العرب، فشغلوهم بالقشور، وصرفوهم عن الجوهر، وأصبحت المطابع في قطر أوروبي واحد مثل ألمانيا تقدم للناس من الكتب في عام واحد ما قدمه العرب منذ عهد المأمون وحتى يومنا هذا.. صحيحٌ أن وسائل النشر قد اختلفت، وصحيح أن المطبعة قد لعبت دورًا في هذا المجال، وصحيح أن وسائل الإعلام والإعلان قد روّجت للكتب، وصحيح أن ثورة المعلومات والمواصلات والاتصالات قد ساعدت الألمان وغير الألمان على إغراق الدنيا كلها بكتبهم ومؤلفاتهم في شتى أنواع العلوم والمعارف والآداب والفنون.. ولكن صحيح أيضًا أننا أمة أخلدَت إلى الراحة والدَّعة، واستكانت همتها، وفتَرَت عزيمتها، وأصبحَ شغلها الشاغل في أكلٍ تأكله، وشراب تشربه، وأصبح همُّها يكاد يكون محصورًا في التنافس، بل الاقتتال والاحتراب في جمع المال، وفي الولاء للأجنبي، وظلمِ الأهل والصحب والعشيرة، والاستعلاء عليهم، والاستقواء على الناس بالأجنبي..لقد انصرفنا عن الكتاب الجاد النافع المفيد إلى ألوان من الكتب الهابطة الرخيصة، وإلى ألوان من المطبوعات الموبوءة التي تهدم ولا تبني، وتفرّق ولا توحّد، وتذرُ الناس بعد ذلك سكارى وما هم بسكارى، وقد يكونون سُكارى أيضًا، لسنا ندري، وربما كنا ندري!!.

    إن الأمم والشعوب التي تحترم نفسها، وتريد أن تحيا باحترام على أرضها، وترغب في حياة حرة كريمة لأبنائها وأجيالها وحفدتها وذراريها على أرض حرة عزيزة بعيدة عن الهوان، وعصيّة على الطغيان، هي الأمم والشعوب التي تتخذ من الكتاب، ومن المطبوعات الجادة ومصادر الفكر والثقافة والمعرفة، ومن تجارب الشعوب والأمم الحية طريقًا إلى ذلك، ووسيلة لتحقيق كل ذلك.. وإن الأمم والشعوب التي تحترم نفسها هي تلك التي تحترم مفكريها، وتحترم مثقفيها وقادة الفكر والرأي فيها، وهي التي ترعى مبدعاتها ومبدعيها، وعمالها، وفلاحيها، وهي التي تحرص كل الحرص على حرمة البلاد والعباد، وعلى مصالح البلاد والعباد علميًّا وصحيًّا وفكريًّا ونفسيًّا.. وهي التي يحصل فيها الناس جميعًا على كافة حقوقهم، ويقوم فيها الناس جميعًا بكافة واجباتهم والتزاماتهم دون نقص أو تقصير.

   إننا في هذا اليوم الثالث والعشرين من نيسان،اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف لا يسعنا إلا أن نشد على أيدي القراء العرب، والكتّاب العرب، والمؤلفين العرب، والناشرين العرب، وباعة الكتب العرب، وأصحاب المكتبات العرب، وكل من يعنيهم أمر الوطن والمواطن على كل أرض العرب.. مطالبين بمزيد من الحرص على مستقبل هذه الأجيال العربية، وبمزيد من الحرص على مستقبل هذه الأمة العربية، وبمزيد من الحرص على بث الوعي، ونشر المعرفة عن طريق الكتب والمطبوعات الجادة كافة، وعن طريق الكلمة الصادقة الأمينة الشجاعة وسيلة لتحقيق هذا، ومطالبين أيضًا بتشجيع القراءة، وتشجيع التأليف، ورصد الميزانيات الكافية الكفيلة بتحقيق ذلك، وسن التشريعات التي تكفُل حقوق المؤلف، وتحافظ على هذه الحقوق، وتحمي إنتاجه من عبث العابثين، وانتحال المنتحلين، وتزوير المزورين، وتدخل المتدخلين واعتداءاتهم وتجاوزاتهم.

23\4\2011

 

 

الخميس، ٢١ نيسان ٢٠١١

في الدولة.. وفي حق العودة أيضًا

في الدولة.. وفي حق العودة أيضًا

عدنان السمان

www.samman.co.nr

     الفلسطينيون مصرون على إقامة دولتهم الفلسطينية المستقلة على كامل التراب الفلسطيني المحتل منذ عام سبعةٍ وستين، وهم مصرون على تطوير سلطتهم لتصبح دولة في شهر أيلول الوشيك بعد أن استُكملت كافة الإجراءات والخطوات والمقدمات، وبعد أن اعترف العالم بحقهم في هذا، وبمقدرتهم عليه، وبعد أن شهد لهم العالم بالنجاح في المراحل التي سبقت هذا الاستحقاق التاريخي.. والفلسطينيون أيضًا مصرون على عودة كامل مهجَّري عام ثمانية وأربعين.. إنهما كلمتان يمكن اختزال هذه القضية التاريخية المزمنة بهما: الدولة والعودة.

    أما الإسرائيليون، فليسوا سواء، ولكنهم (رغم خلافاتهم واختلافاتهم وتعدد مواقفهم ونظرياتهم وآرائهم) يكادون يُجمعون على رفض هذا التوجه الفلسطيني وهذا المطلب الفلسطيني، ويكادون يجمعون على أنّ القدس عاصمة دولتهم، وعلى أنّ "الضفة الغربية" ليست أرضًا خالصة للفلسطينيين، بل إنّ لهم فيها شركاء هم المستوطنون، وعلى أنّ "إسرائيل" هي دولة لليهود، وعلى أنّ الضفة الغربية هي أرض مشتركة لكل سكانها من اليهود والفلسطينيين العرب، وهم يجمعون على إلغاء حق عودة العرب الفلسطينيين إلى ديارهم، واستبداله بحق عودة اليهود إليها، وهم يجمعون أيضًا على ضرورة التدخل في أدق تفصيلات الشأن الفلسطيني لأسباب أمنية، وعلى ضرورة التواجد في الأراضي الفلسطينية لهذه الأسباب الأمنية أيضًا.

   وإذا كان الفلسطينيون قد أبدَوا ما أبدوه من المرونة خلال السنوات العشرين الماضية، وإذا كانوا قد مضَوا في الشوط مع الإسرائيليين إلى منتهاه أو كادوا خلال هذه السنوات، وإذا كانوا قد تعرضوا لكثير من الانقسامات والانهيارات والانتقادات والاتهامات بسبب ذلك، فإنّ الإسرائيليين لم يزدادوا بدورهم خلال الفترة نفسها إلا إصرارًا على السير إلى منتهى الشوط مع الفلسطينيين، ولم يزدادوا إلا إصرارًا على حل هذه القضية الفلسطينية المزمنة بالطرق التي تخدم أهدافهم وغاياتهم وتوجهاتهم، وتكفُل لهم السيطرة الفعلية على كل أرض فلسطين التاريخية، والتحكم الفعلي بشعب فلسطين العربي، ومصادرة كل حقوقه الوطنية التاريخية الثابتة في بلاده فلسطين، والقضاء على كل تطلعاته وتوجهاته وآماله في الدولة، وفي حق العودة إلى دياره التي أخرج منها بقوة الحديد والنار عام ثمانية وأربعين.

   وعليه، فإنّ الإسرائيليين يصرون على أنّ القدس الموحدة هي عاصمة دولتهم، ويصرون على أنّ الاستيطان في القدس ليس استيطانًا، وعلى أنّ القدس لا تخضع للتفاوض مع أحد، وعلى أنّ الضفة الغربية ليست أرضًا خالصة ًللفلسطينيين، بل إنّ لهم فيها شركاء هم المستوطنون، وهم أيضًا هذه القوات الإسرائيلية التي تعسكر على هذه الأرض المحتلة منذ عام سبعةٍ وستين، يضاف إلى هذا وذاك هذه القوانين والأنظمة واللوائح التي يفرضها الإسرائيليون على العرب الفلسطينيين في الضفة الغربية، ويصرون أيضًا على أنّ الدولة التي أقيمت عام ثمانية وأربعين هي دولة خالصة لليهود، وليست لكل سكانها، كما يصرون كل الإصرار على عدم عودة أحد من الفلسطينيين الذين هجّروا من ديارهم عام ثمانية وأربعين، حتى أهالي إقرث وبرعم الذين حكمت لهم المحكمة الإسرائيلية بالعودة إلى القريتين المهجورتين حتى اليوم لن يسمحوا لهم بالعودة إليهما، على الرغم من أنهم يعيشون حولهما، ويدفنون موتاهم في مقبرتهما، وغني عن الذكر أنهم يصرون على عدم الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، وعدم السماح للفلسطينيين بالتصرف في المياه والفضاء والحدود والمعابر التي تصلهم بأشقائهم العرب ، والإصرار على اعتبار هذه المعازل والتجمعات السكانية العربية جيوبًا ضمن دولتهم العبرية التي يعتبرون الضفة الغربية جزءًا لا يمكن أن يتجزأ منها، ويطلقون عليها اسم يهودا والسامرة .

     الموعد المضروب يقترب ، والفجوات تزداد اتساعًا ، والولايات المتحدة لا تستطيع إلا أن تكون منحازة للإسرائيليين ، وخاضعة للوبي اليهودي في أمريكا ، والكونغرس الأمريكي لا يملك إلا أن ينفذ تعليمات هذا اللوبي اليهودي الأمريكي ، والفيتو الأمريكي حاضٌر دائمًا في أروقة مجلس الأمن ، وأوباما عاجز عن فعل شيء إلا أن يزود الإسرائيليين بالسلاح والمال اللازم لضمان حفظ أمنهم ، وضمان الاحتفاظ بتفوقهم العسكري على كل العرب ، وعلى كل المسلمين أيضًا ، والأوروبيون كأوباما عاجزون أيضًا عن تقديم شيء للفلسطينيين إلا أن يكون أموالاً ينفقون منها على موظفيهم ، وعلى أجهزتهم الأمنية وغير الأمنية ، وينفقون منها على أسراهم ، وعلى أسر شهدائهم، وعلى كثير من فقرائهم ومعوزيهم بعد أن فقد الفلسطينيون أو كادوا كل وسائل الإنتاج ، وكل مقومات الاقتصاد ، وكل مقومات العيش في هذه البلاد إذا توقفت هذه الرواتب والمساعدات والمنح والأعطيات التي يجود بها الغرب بشقيه على أهل هذه البلاد.. الموعد المضروب يقترب ، والفلسطينيون بدورهم لا يملكون إلا أن يكونوا أكثر إصرارًا على وضع ثوابتهم وأماني شعبهم على هذه الأرض العربية الفلسطينية وفي الشتات موضع التنفيذ : فلا أقل من دولة فلسطينية مستقلة على كامل التراب الفلسطيني المحتل منذ عام سبعة وستين على أن تكون القدس الشرقية عاصمة حقيقية لهذه الدولة الحقيقية ، ولا أقل من عودة سائر اللاجئين والمهجرين إلى ديارهم التي أُخرجوا منها عام ثمانية وأربعين ، ولا أقل من وقف الاستيطان في القدس والضفة الغربية ، وخروج المستوطنين من القدس والضفة الغربية إلى حدود الرابع من حزيران عام سبعة وستين ، ولا أقل من تصريح رسمي إسرائيلي ، وتشريع رسمي إسرائيلي يمنع التعرض لكافة عرب ثمانية وأربعين ، ولا بد قبل ذلك أو بعده أو بالتزامن معه من تصريح إسرائيلي بوجوب احترام حق جميع الناس في هذه الديار بالعيش الآمن الكريم ، بعيدًا عن التعصب والتصلب والتمييز والمحاباة، وبعيدًا عن كل أسباب التعنصر والتوتر والحروب في هذه الديار ، في ظل سلام دائم عادل شامل مقنع مشرف لا غالب فيه ولا مغلوب، يضع حدًّا للدمار والخراب والكراهية والعداء في هذه المنطقة من العالم .     

 

21/4/2011

الاثنين، ١٨ نيسان ٢٠١١

أحداث العالم العربي هي اختبار لقوى الثورة العربية..

متابعات

أحداث العالم العربي هي اختبار لقوى الثورة العربية..

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

    بعد عقود من سيطرة الغرب على كل أرض العرب، وعلى كثير من بلاد الإسلام، وفي أعقاب الثورة الصناعية التي شهدها الغرب، وبدأ انطلاقًا منها رحلة تفوّقه على الدولة العثمانية، وبعد تمكّنه من السيطرة بالقوة العسكرية على كثير من الأقطار العربية في إفريقيا، وفي آسيا، وبعد تمكّنه أيضًا من القضاء على هذه الدولة العثمانية مع نهاية الحرب العالمية الأولى، وإلغاء الخلافة بعد بضع سنوات من هزيمة تركيا في تلك الحرب، وبعد خضوع  الوطن العربي لألوان من الاحتلال الغربي، وألوان من الانتداب والوصاية الغربية بموجب تلك الاتفاقات والمعاهدات التي اعتمدها الغرب أساسًا لوضع يده على هذه البلاد العربية، وفي تقاسمها فيما بين كثير من دوله، وفي تمزيق الأرض العربية، وتفتيتها، ونهب خيراتها وثرواتها، ومصادرة قرار العرب، ومصادرة حقهم المقدس المطلق في التحرر والسيادة على كل أرض العرب، وبعد كل هذه الرحلة الشاقة المضنية التي خاض فيها أحرار العرب ثورات مسلحة ضد الاستعمار الغربي في المغرب العربي، وفي مصر والسودان، وفي ليبيا، والعراق، وبلاد الشام، وبلاد الأفغان، وفي كثير من ديار العروبة والإسلام على امتداد القرن الماضي، وعلى امتداد القرن التاسع عشر أيضًا في بعض أقطار العروبة.. بعد كل تلك الحوادث والأحداث التي ألمّت بالوطن العربي، وبعد كل ما شهده على امتداد القرنين الماضيين، وبعد أن تسرّبَ اليأس إلى كثير من النفوس في بلاد العرب أو كاد، وبعد كل عوامل القنوط  والإحباط التي عصفت بكثير من الناس في هذا الوطن العربي فأصابت منهم مقتلاً، وصرفتهم عن الخوض في كثير من قضاياهم المصيرية، وعن الخوض في كثير من مشكلاتهم اليومية التي واصلت تراكمها، وتابعت استهانتها بالناس، وتحديها لهم، واستخفافها بهم، وإذلالها المبرمَج الممنهَج لهذه الأمة في كل أقطارها، وبعد أن اعتقد كثير من المراقبين والمحللين، وكثير من المخططين في غرب الدنيا وشرقها، أن هذه الأمة قد ماتت، وأنها قد شبعت موتًا، إذا بالقدر يستجيب في تونس، وإذا بالقدر يستجيب في مصر، وإذا به يستجيب في كثير من أقطار العروبة، وإذا بنيران هذه الثورة تحرق اثنين من كبار الطغاة المنحرفين المستبدين، وإذا بنيرانها المقدسة تنتشر في كل أوطان العروبة، تحرق الطغاة، وتحرق الطغيان، وتكون بردًا وسلامًا على الثوار الأحرار من كبار وصغار، في مشهد يَدِقُّ عن الوصف، ويدعو إلى التمرد على الصمت والخوف، ويبعث على الزهو والفَخَار، ويبشّر بانتصار هؤلاء الثوار على عهود القهر والجور والمذلة والصَّغار.

     على أن هؤلاء الغزاة المستعمرين لم يكونوا يومًا ليكتفوا بأدواتهم التي اصطنعوها، وأسندوا إليها مهامّ الحكم، وأناطوا بها مقاليد الأمور في كثير من أقطار العروبة والإسلام، ولم يكونوا ليطمئنوا كثيرًا إلى هؤلاء الوكلاء في هذه العواصم التي استحدثوها، وفي هذه الدول، والدويلات، والممالك، والكيانات التي ابتدعوها، بل راحوا يحيطون هذه الأدوات، وأولئك الوكلاء بجيوش من التابعين، والمجنَّدين المرتبطين بالأسياد من وراء ظهور هذه الأدوات، وأولئك الوكلاء، لأسباب منها أن من عادة الغزاة أن لا يثقوا كثيرًا بتابع، وأنهم يخشَون أن يعتمدوا كثيرًا على الأدوات والوكلاء مهما أوتوا من مظاهر القوة، ومن علامات الذكاء والدهاء، وأنهم يفضّلون أن لا يربطوا مصيرهم في هذه البلاد بمصائر هؤلاء، ومن هنا كان حرض الغزاة على تجنيد أكبر قدْر من الناس للعمل على خدمتهم، والانضواء تحت رايتهم، والائتمار بإمرتهم لأسباب منها ما يتعلق بمراقبة الأدوات والوكلاء، ومنها ما يتعلق بمراقبة الناس، ورصد توجهات الشارع يومًا بيوم، ومنها ما يتعلق برصد كافة القوى والتيارات الفكرية والثقافية والسياسية في البلد، ومنها التنسيق المستمر من أجل الحفاظ على مصالح الأسياد، والحفاظ على أمنهم، والحفاظ على سير الأمور في البلد كما ينبغي.

    ومع ذلك، وعلى الرغم من كل أجهزة الأمن التي اصطنعها الوكلاء لحفظ أمنهم، والحفاظ على مصالحهم ومؤسساتهم وهياكلهم ودوائرهم وعناوينهم وأوكارهم على اختلاف أسمائها ومسمياتها، وعلى الرغم من كل أجهزة الأمن التي أقامها الغزاة المستعمرون من وراء ظهور وكلائهم في كثير من الأحيان، وبالتنسيق معهم في بعض الأحيان، وعلى الرغم من كل هذه المليارات من الدولارات وغير الدولارات التي تراق على الأرض العربية لشراء الولاءات، ووأد الخصومات والعداوات التي تظهر بين الحين والآخر في معسكرات الغزاة وصفوف الطغاة، وعلى الرغم من كل هذه المليارات التي تُرصَد لإذكاء نار الفتنة بين مؤيدي التيار العروبي المؤيد لنهج الممانعة، وسياسة المقاومة، ومؤيدي التيار الغربي المؤيد للمشاريع الأجنبية على كل الأرض العربية، والمؤيد لسياسة الاستسلام للغزاة، ولمشروعهم على كل أرض العرب، وعلى الرغم من كل هذه الأعباء التي تثقل كاهل المواطن العربي، وعلى الرغم من كل هذه الهزائم التي مُنيَ بها على امتداد عقود وعقود، وعلى الرغم من كل عوامل الخوف، والجوع، والقمع، والطبقيَّة، والفساد، والاستبداد، والإقطاع، والضَّياع التي عصفت بأمة العرب في شتّى أقطارها وأمصارها.. إلا أن هذا كله، وكثيرًا غيره لم يمنع شمس العرب أن تشرق من الغرب، ولم يمنع أحرار تونس من تفجير ثورة الياسمين، ولم يمنع شرفاء تونس وعربها الأباة، من كيل الصاع ألف صاع لذلك الطاغية، الذي غادر تونس راغِمًا غير مأسوف عليه، لتسترد تونس أنفاسها، ولتسترد تونس عافيتها، ولتستعيد تونس أمجاد عروبتها وإسلامها، ولتنعم تونس ببهجة الحياة، وطعم الكرامة والعزة من جديد.. وكذلك فإن كل عوامل الخوف، والجوع، والرعب، والقمع، والطبقية لم تمنع شعب مصر من إسقاط ذلك الطاغية، ومن القذف بذلك النظام البوليسي القمعي التسلطي الاستبدادي إلى أعماق الجحيم.. لقد كان ما جرى في تونس، وما جرى في مصر صفعة مزلزِلة، ولطمة مجلجلة، أطارت النوم من عيون الغربيين، وأصابت الغرب بشقّيه الأمريكي والأوروبي بصدمة أفقدته توازنه، وأرغمته على إعادة النظر في حساباته، وعلى إعادة النظر في مواقفه من هذه الأمة العربية التي استجاب القدر لإرادتها.

    وزيرة خارجية أمريكا تُغِذُّ الخطى إلى تونس، وتُغِذُّ الخطى إلى القاهرة، وهي في زياراتها تهدّئ من روع الناس، وتقف إلى جانبهم، وتُعرِب عن إيمانها بحق العرب في العيش بكرامة واحترام، وبحق العرب في نظام سياسي حر يقوم على التعددية، ويقوم على حرية الاختيار، وعلى الديمقراطية التي لا بد منها، ولا غنًى عنها سبيلاً للنزاهة في الحكم، والشفافية في الأداء، وسبيلاً للخلاص من كل هذه المشكلات والأزمات والاضطرابات التي تعصف بهذه الأمة العربية من محيطها إلى خليجها.. والرئيس الأمريكي هو الآخر يتابع ما يجري، ويوجه التحية إلى الثوار العرب، ويُبدي تعاطفه مع هذه الأمة العربية، ثم يحشد الحشود، ويوجه الأساطيل الجوية والبحرية، لحماية الشعب الليبي من قوات العقيد التي تتوعده بالموت الزؤام إن هو لم يتراجع عن تمرده وعصيانه، وإن هو لم يعد صاغرًا إلى حكم العقيد، وكتابه الأخضر، وشِعره الرائع المجيد بشهادة الشاعر الفِلَسطيني هارون هاشم رشيد.. الغرب بشقيه يدّعي الوقوف إلى جانب الشعوب العربية في ثوراتها وهبّاتها الشعبيّة، ضد الظلم والفساد وأمور أخرى، والغرب كله يتناسى في خضمّ هذه الحوادث والأحداث التي تعصف بوطن العرب، وفي غمرة هذه المشاعر الطيبة التي يبديها تجاه أمة العرب، أن كل ما يجري على الأرض العربية من سوء هو من فعل أدواته، ومن فعل أعوانه، ووكلائه، وأن كل ما تعرّض له وطن العرب على امتداد القرنين الماضيين لم يكن إلا بفعل الغربيين، وعدوان الغربيين، وغزو الغربيين، واحتلالهم للأرض العربية، وأن كل ما تعرض له وطن العرب، ولا يزال من تمزيق، وتفتيت، ونهب، وسلب، واستباحة، وما يتعرض له المواطن العربي من ألوان الموت، إن هو إلا الثمار المُرّة لهذا الغزو الغربي، والتدخل الغربي، والتخطيط الغربي، لفرض السيطرة الغربية المُطلَقَة على كل أرض العرب، وعلى كل أرض المسلمين أيضًا...

     الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة الأيادي البيضاء على العرب، وعلى المسلمين، وعلى اليابانيين، وعلى كثير من شعوب هذا العالم الثالث في آسيا، وإفريقيا، وأمريكا اللاتينية، وصاحبة آلاف الآلاف من مليارات الدولارات التي تصدرها بدون رصيد، وبدون ضمانات، وبدون تغطية، وبدون أي اعتبار لأحد، وبدون أدنى اعتبار لشيء سوى القوة، والعربَدة، والسيطرة على كل ثروات العرب والمسلمين، وكل ذهبهم الأسود، والأحمر، والأصفر المسخّر في خدمة هذه الأوراق النقدية الأمريكية المسخرة بدورها لدعم كافة المشاريع العدوانية الاستبدادية المعادية للشعوب، وتطلعاتها، وأحلامها، وطموحاتها في هذا العالم.. الولايات المتحدة هذه زعيمة المعسكر المعادي للشعوب في هذا العالم تعلن نفسها اليوم صديقة للشعوب تمامًا كما أعلنت ذلك في أعقاب الحرب العالمية الثانية، بعد خروجها منتصرة من تلك الحرب، وبعد أن أرعبت البشرية بقنبلتيها الذريتين اللتين قصفت بهما هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين.. ولئن كانت الصداقة الأمريكية المعلَنة في تلك الأيام قبل ستين عامًا بالكمال والتمام في هذه الديار الفلسطينية بعد أن مزقتها النكبة، وفي كثير من ديار العروبة والإسلام متمثلةً في كميات من الدقيق، تقدمها أمريكا في أكياس بيضاء أنيقة، يأكل الناس ما فيها من دقيق، ثم يخيطها كثير منهم بعد ذلك ملابسَ تستر عوراتهم، وقد لا تسترها!! وقد كُتبت عليها هذه العبارة: " تقدِمة من شعب الولايات المتحدة الصديق"،  وقد رُسمت على هذه الأكياس يدان تتصافحان،  إحداهما اليد الأمريكية التي رُسم عليها العلم الأمريكي، والثانية بالطبع، يد فلسطينية، أو عربية، أو غير عربية.. ولئن كانت الصداقة الأمريكية المعلَنة آنذاك "أفلامًا" ثقافية، يعرضها الأمريكيون على واجهات المنازل، في كل قرى هذه البلاد، وفي كل مدنها ومخيماتها، ولئن كانت أيضًا معونات، وتسهيلات، ومساعدات تقدمها أمريكا للشخصيات وللأنظمة، والحكومات التي أقامتها في أوطان العروبة، وديار الإسلام، فإنها اليوم أكثر تطورًا، وأشد أثرًا، وتأثيرًا.. إنها أسلحة.. ووسائل فتْك ودمار، ووسائل إعلام تحرّك كثيرًا من الناس، وتوقظ كثيرًا من الخلايا النائمة، وتعمل جاهدةً على خلط الأوراق، ودبلجة الصور والأخبار، وإخضاعها للأهداف الإعلامية المتوخاة، والغايات الإعلامية السياسية المبتغاة، وإنها أيضًا طائرات وغواصات وقذائف موجهة تقصف من تشاء، وتفتك بمن تشاء، وترعب من تشاء، وتتوعد من تشاء.. وإنها كذلك إشارات وتلميحات وإنذارات وإخطارات وتصريحات وتهديدات ينبغي أن نتوقف عندها، لنلمّ بمضامينها ومغازيها، ولنقف على كل ما تضمنته من إشارات ومعان، وما تستوجبه من ردود شعبية ورسمية على حد سواء.

    الغرب بشقيه، وعلى الرغم مما بين دولهِ من خلافات وخصومات بفعل هذا التنافس المحموم فيما بينها على اقتسام أرض العرب، وثروات العرب، وإقامة المشاريع على كل أرض العرب، إلا أنه يتفق على أن ما أصابه في تونس، وما أصابه ويصيبه في مصر هو كرب عظيم، وتهديد لآماله وأطماعه ومشاريعه على كل أرض العرب.. والغرب بشقيه يعلم يقينًا أن أمة العرب، على علاتها، وعلى الرغم من كل الحملات الثقافية الغربية المتعاقبة التي استهدفتها، وعلى الرغم من كل عقود القمع، والإذلال، والتنكيل بكل أشكاله وصوره التي استبدّت بأوطانها وإنسانها، وعلى الرغم من كل الصفقات التي عُقدت، والمليارات التي بُذلت، لشراء الولاءات، وإنشاء هذه الجيوش من الأجهزة الأمنية السرية والعلنية أيضًا، وعلى الرغم من كل الهزائم التي مُنيت بها على امتداد تاريخها الحديث.. هذا الغرب يعلم يقينًا رغم كل ذلك أن أمة العرب مازالت قادرة على الفعل، وأن أمة العرب ما زالت قادرة على امتلاك ردود الأفعال المناسبة على كل أفعال الغربيين، وعلى كل محاولاتهم المستميتة للسيطرة على الوطن العربي، وهذا العالم الإسلامي الذي لا تحده حدود.

    والغرب بشقيه متفق أيضًا على ضرورة التصدي لما يحدث في تونس، ولما يحدث في مصر، وعلى ضرورة خلط الأوراق في ليبيا، وفي اليمن، وفي البحرين، وفي كل مكان ومكان من هذا العالم العربي الذي يغلي بالثورة والتمرد، ويضطرم بنيران التحرر والانعتاق من عسف القيود والأغلال التي رَسف بها، ولا يزال يرسف حتى أدمت رجليه، وأدمت قدَميه، وأدمت يديه، ومعصميه، وأدمت منه العين والسمع والفؤاد.. الغرب متفق على هذا كله، ويبدو مصرًّا كل الإصرار على ضرب روح الثورة العربية، والخروج بها عن مسارها، والتحكم بخط سيرها، والعبث بها، وتسليط أعوانه، وأتباعه، ومنتسبي أجهزته عليها، حتى يتم له تفريغ الثورة من معانيها ومضامينها، والعودة بها ذليلة صاغرة إلى أحضان الغرب من جديد.. ففي كل أقطار العروبة استنفار ومستنفرون، وتأهب ومتأهبون، واستعدادات ومستعدون ومستعدات.. وفي كل أقطار العروبة يقظة أجهزة، ويقظة حكومات، ويقظة دوائر أمن، ومخابرات، واستخبارات هدفها امتصاص نقمة الشعوب، وإرضاؤها بشيء مما قد يصرفها عن أهدافها وغاياتها، وبشيء مما قد يكون حلاًّ وسَطًا يُبقي على الأوضاع مستنفرةً في هذه البلدان، ويُرضي غرور الثوار والثائرين، ويحقق لهم كثيرًا من المطالب والأهداف، ويشركهم في الحكم، ويعطيهم نصيبًا من "الكعكة" ولكنه لا يسلمهم مقاليد الأمور إلا إذا أعطوه الولاء، والتزموا بتنفيذ سياساته، والتقيد بتوجيهاته وتعليماته، وكانوا عونًا له في محاربة أدوات أعوانه ووكلائه السابقين، ليكونوا وكلاءه اللاحقين، وليكونوا المحظيين الفائزين برضاه، ورضى شعوبهم، وليكونوا أيضًا الوارثين، والأمر لم يُحسم بعد، والباب ما زال مفتوحًا، والاستعدادات على حالها.

    أما سوريا فقد استُثنيَت حتى الآن من هذه القاعدة الذهبية التي يعتمدها الغرب الآن أساسًا لحل خلافاته، وتسوية أموره مع الناس في كثير من بلاد العروبة شعوبًا، وحكومات، وأنظمة حكم.. ويبدو أن الغرب يفكر جديًّا الآن بأن يربح في سوريا ما خسرهُ في مصر وتونس، وأن يُلحِقَها بالعراق، ليكون لها ما كان للعراق من دمار وخراب وخسائر لم تشهدها هذه البلاد حتى في عهود الصليبيين والتتار الذين اجتاحوا هذه البلاد، وكأنهم على ميعاد!! الغرب يفكر الآن بضرب سوريا، وهدمها، للخلاص من توجهاتها القومية، وأفكارها العروبية، وتحالفاتها الإقليمية، وعلاقاتها العربية، وصِلاتها التاريخية الثقافية الاستراتيجية بلبنان وفلسطين، وللخلاص أيضًا من مجموعة الأفكار والثوابت التي حسمت سوريا للعروبة والعرب، وميزتها عن كثير من أقطار العروبة والعرب، ولوضع العِصيّ في دواليب الوِحدة المصرية السورية التي بدأت تلوح في الأفق مع إشراقة شمس ثورة الخامس والعشرين، ولإحباط كل محاولات الإصلاح والتغيير التي تشهدها سوريا منذ سنوات، ولمعاقبة سوريا والسوريين، على تلك الأخطاء والهفوات التي ارتُكبت في الماضي، عندما كانت سوريا محاصَرة محاطة بالأعداء من كل جانب، مستهدَفة، لا تكاد تدري ما تفعل، ولا تكاد تعلم أين المفر، وقد أحكمَ الطامعون الواهمون عليها الخِناق..

    سوريا التي خرجت منتصرة مرفوعة الرأس من أزماتها التي افتعلها الغرب، وافتعلتها معه أنظمة عربية معينة، وقوًى عربية بعينها، وسوريا التي ما تنكّرت يومًا للمبادئ العربية، والثوابت العربية، والقيم العربية، والأهداف العربية في الوحدة، والتحرر، والتطور، هي سوريا التي يريد لها هذا الغرب الأمريكي اليوم أن تركع، ويريد لها هذا السيد الأمريكي اليوم أن تخضع ،ويريد لها هذا المجتمع الدولي الذي يتحدثون عنه اليوم أن تستسلم لأوهام الواهمين، وأحلام الحالمين..  سوريا العربية التي تفاءلت واستبشرت بثورة الخامس والعشرين في مصر، هي سوريا التي تريد لها الولايات المتحدة اليوم أن تتنازل عن وحدة شعبها، وأن تتنازل عن مبادئها وثوابتها، وأن تتنازل عن سياساتها العربية والإقليمية التقدمية التحررية، وأن تصبح كما تريد لها أمريكا تابعًا لها، ينفذ سياستها، ولا يضع العصي في دواليب هذه السياسة..

    وشعب سوريا الذي يدرك كل هذه الحقائق عَصِيٌّ كوطنه العربي السوري على هذه السياسة الغربية الأمريكية التي تريده صدًى لصوتها.. إن الشعب السوري، وإن شعوب الأمة العربية دون استثناء، وإن شعوب العالم الثالث أيضًا هي شعوب حرة متحررة تحارب من أجل عزتها وكرامتها وتطور أرضها وأوطانها، ورفاء إنسانها، وحماية مقدّراتها من عبث العابثين، وعدوان الطغاة المعتدين، وإن شعب سوريا الذي تربطه أواصر القربى والمحبة بشعوب الأمة العربية، وبكثير من الشعوب في هذا العالم، لا يأبه بكل هذه التهديدات التي يسمعها، والإنذارات، والإخطارات التي ترد إلى ساحاته تباعًا، وإنه قادر على التصدي لكل ما يفتعله هؤلاء وأولئك على أرضه، ولكنه غير راغب في المواجهة مع هذه العناصر والخلايا التي يحركها أولئك المتربصون، لإدراكه أن هذه المواجهات ستكون خطيرة، وستكون مدمرة، وستفضي إلى أحقاب من العِداء والكراهية، وأزمان من الشك، والريبة، والقطيعة، والقلق،والنفور، والخوف من المجهول، وأنها ستهدم ما بُني في تاريخ سوريا الحديث، وما تم إنجازه تحديدًا في العقد الأخير من تاريخ هذا القطر.. ولكن الشعب السوري الذي يرغب يقينًا في حلول سريعة لهذه الأزمة المُفتعَلة بعيدًا عن العنف، وسفك الدماء قادر على حسم الأمور، وقادر على التصدي لهذه الفتنة، وقادر على وضع حد لعبث العابثين، وعدوان المعتدين، وتآمر المتآمرين، وإن كان يرغب يقينًا في منح الفرصة لكثير من أولئك المضلَّلين كي يثوبوا إلى صوابهم، وإلى وعيهم وإدراكهم، ولكثير من أولئك المتآمرين كي يكفّوا عن تآمرهم.. وإن الشعب السوري، وإن الدولة السورية، وإن الأحرار العرب في كل هذه الديار السورية، وفي كل أوطان العروبة، قادرون على لجم الفتنة، وقادرون على وأدها، وقادرون على التصدي لكل مظاهر الفساد والانحراف، ولكل قوى الثورة المضادة، ولكل هؤلاء العابثين المتربصين، ولكل هؤلاء المتآمرين المأجورين الضالين ممن ربطوا مصائرهم بمصائر أعداء هذا الوطن العربي، وبأعداء هذا الوطن السوري، وارتضَوا لأنفسهم أن يكونوا جزءًا من المؤامرة التي تستهدف أوطانًا عربية، وتستهدف شعوبًا عربية، وتستهدف أمة عربية واحدة موحدة فوق كل أرض العرب.

     إن هذه الأحداث التي تعصف بالعالم العربي من أقصاه إلى أقصاه، وإن هذا الغضب الشعبي العارم الذي يجتاح كثيرًا من أوطان العروبة، وإن دخول الغربيين، وركوبهم موجة هذه الأحداث، ومحاولاتهم المستميتة لاستغلال هذا الغضب، وهذا التمرد، وهذه الثورات العفوية البريئة التي فجّرها كثير من شباب العرب الشرفاء، وكثير من شابّاتهم، وكثير من أحرارهم، وحرائرهم كبارًا وصغارًا، وإن كل ما يجري على هذه الأرض العربية الطيبة من محاولات لخلط الأوراق، ومحاولات لضرب أنظمة عربية معينة لأنها تؤيد المقاومة والمقاومين، ولأنها ترفض المساومة على الحقوق والثوابت، وتتمسك بالمبادئ والقيم، والمُثل العربية، إن هو إلا اختبار لقوى الثورة العربية، واختبار لتماسك الصف الداخلي العربي، واختبار للوعي العربي، واختبار للإرادة العربية، والثقافة العربية، والهوية العربية، والأخلاق العربية، والثوابت العربية، والحقوق العربية في الوحدة، والتحرر، والحرية، والتطوير، واستعادة الأوطان، والحقوق، والمقدّرات، والمقدسات.. وإن أحداث العالم العربي إن هي إلا اختبار لتضامن قوى الثورة وتماسكها، ومقدرتها على التصدي للمخططات الغربية الاستعمارية المعادية، ومقدرتها على صنع الغد العربي المشرق العزيز لأمة عربية واحدة موحدة حرة كريمة قوية مرهوبة الجانب فاعلة في التاريخ أبية عصية على الطغاة وعلى الغزاة المعتدين.. الدنيا تنتظر الإجابة، وتنتظر نتيجة الاختبار، وتنتظر الرد العربي الرسمي الشعبي الواحد الموحَّد على كل محاولات الهيمنة، والعدوان، والتزوير، وخلط الأوراق، والطغيان، ومحاولات إلحاق هذا الوطن العربي، ومعه كل ديار الإسلام أيضًا بالغرب.. الدنيا كلها تنتظر الإجابة، والدنيا كلها تنتظر نتيجة ما يحدث في هذا العالم العربي اليوم من حوادث وأحداث، والدنيا كلها تدرك أن أحداث العالم العربي هي اختبار لقوى الثورة العربية، وهي أيضًا اختبار لقوى الثورة المضادة وخلاياها النائمة.

18\4\2011

     

السبت، ١٦ نيسان ٢٠١١

في عيد استقلال سوريا

متابعات

في عيد استقلال سوريا

أ‌.       عدنان السمان

www.samman.co.nr

    كان من أبرز نتائج انهيار الخلافة العثمانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى أن وقعت بلاد الشام تحت انتدابين أو احتلالين غربيين سمّهما ما شئت.. أما سوريا ولبنان فقد وقعا تحت الاحتلال الفرنسي، وأما فلسطين وشرقي الأردن فقد وقعا – كالعراق- تحت الاحتلال البريطاني، أو الانتداب البريطاني كما قالوا في تلك الحقبة من التاريخ... ولا يخفى على دارس أو متتبع لسير الأحداث في هذه الديار أن هذه الاحتلالات قد جاءت نتيجة لاتفاق سايكس بيكو الذي أصر فيه الرجلان على تمزيق ممتلكات الخلافة العثمانية لضمان عدم قيامها من جديد، وكذلك تمزيق سوريا ، وتقسيمها إلى أربع دويلات كما تعهدت بذلك قيادة جيش الاحتلال الفرنسي آنذاك... ولا ينسى مراقب أو متتبع لأحداث هذه الديار في تلك الفترة أن القوات البريطانية قد أخذت على عاتقها وضع وعد بلفور الصادر في الثاني من تشرين الثاني من عام سبعة عشر وتسعمئة وألف موضع التنفيذ ، بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين .. وهذا ما حدث في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وبعد ثمانية وعشرين عامًا من الاحتلال البريطاني لفلسطين، عندما أعلن الانجليز في الرابع عشر من أيار من عام ثمانية وأربعين انسحابهم من فلسطين في الوقت الذي كانت فيه القيادات اليهودية تجتمع عصر ذلك اليوم في تل أبيب محددة اليوم التالي – يوم الخامس عشر من أيار- موعدًا لقيام إسرائيل التي أسماها بن غوريون بهذا الاسم.

    ولئن تمكنت بريطانيا من تحقيق أهدافها في فلسطين ، ولا تزال تواصل جهودها من أجل استكمال خططها ومخططاتها في حسم الصراع العربي الإسرائيلي لصالح الرؤية اليهودية، والتصور اليهودي لهذا الصراع على أرض فلسطين، وعلى الأرض العربية دون استثناء، ولئن تمكنت بريطانيا مجددًا تحت راية الأمريكان من العودة إلى العراق بعد خروجها منه في الرابع عشر من تموز من عام ثمانية وخمسين، وبعد انهيار حلف بغداد في ذلك اليوم ، فإن فرنسا لم تتمكن من تحقيق أهدافها في سوريا، بل اضطرت للخروج منها ليصبح اليوم السابع عشر من نيسان من عام ستة وأربعين وتسعمئمة وألف عيدًا للجلاء يحتفل به السوريون في كل عام، وليصبح هذا اليوم السابع عشر من نيسان عيدًا وطنيًّا، وعيدًا للاستقلال السوري، ورمزًا لانتصار المقاومة المسلحة في سوريا على الاحتلال الفرنسي الذي جثم  على صدرها نحو ستة وعشرين عامًا.. دون أن يتمكن الفرنسيون من العودة إلى سوريا تحت أي غطاء أو ستار، ودون أن تتمكن فرنسا الحديثة من العودة إلى أي من مستعمراتها في بلاد العرب لأكثر من عامل، ولأكثر من سبب .

    إنه، وفي هذه الأيام التي تعصف فيها الحوادث والأحداث بهذا الوطن العربي المفتت والمجزَّأ، وفي الوقت الذي تستبيح فيه جيوش الغزاة كثيرًا من الأقطار العربية والأرض العربية، وتهدد باجتياح ما تبقى من هذه الأقطار، وهذه الأرض العربية من المحيط إلى الخليج، وفي الوقت الذي تصدر فيه الأوامر والتعليمات من تلك القيادات المتغطرسة المستكبرة إلى القيادات العربية والحكومات العربية بضرورة تنفيذ رغبة تلك القيادات ، وبضرورة تمرير خططها ومخططاتها في كل أرض العرب، وبضرورة ابتعادها عن "التطرف" العربي، و"المتطرفين " العرب.. وفي الوقت الذي لا تخفي فيه تلك القيادات رغبتها في السيطرة المطلقة على كل الأرض العربية بهذه الوسيلة أو تلك، وبهذا الأٍسلوب أو ذاك؛ فإنه يحسن بنا، ويجدر بكل مراقب ومتتبع  لسير كل هذه الحوادث ، والأحداث، والأوامر، والنواهي، والتوجيهات، والتعليمات أن يعود بالذاكرة قليلاً إلى الوراء، وتحديدًا إلى العام السادس والأربعين من القرن الماضي، وإلى السابع عشر من نيسان من ذلك العام ليقرأ صفحات مشرقة من تلك الثورة المسلحة التي انطلقت من جبل العرب في العشرين من تموز من عام خمسة وعشرين وتسعمئة وألف بقيادة سلطان باشا الأطرش.. تلك الثورة المسلحة التي استمرت وتواصلت لتوصل السوريين إلى الاستقلال التام.. يجدر بنا أن نعرف أن تلك الثورة قد تفجّرت عندما قام عدد من المسلحين السوريين بمهاجمة المركز الفرنسي في بلدة صلخد في جبل العرب، وحرقه مع دار البعثة الفرنسية بمكاتبها وأوراقها كما يقول الكاتب العربي السوري أحمد القضماني.. ثم تقدم المقاتلون نحو بلدة الكَفر مشاةً وخيّالة متسلحين بالأسلحة الخفيفة، والسلاح الأبيض، وهاجموا الموقع الذي تعسكر فيه الحملة الفرنسية التي أُبيدت بفعل عنصر المباغتة ، وبفضل شجاعة المجاهدين، وكان من نتيجة ذلك أن اندلعت الثورة في كافة قرى جبل العرب، واهتزت لتلك الأحداث سائر المدن والقرى العربية السورية.. ومن أبرز المعارك في تلك الحقبة معركة المزرعة التي زار موقعها الدكتور عبد الرحمن الشهبندر القائد السياسي الوطني الكبير بعد أيام من وقوعها، ووصفها في مذكراته بأنها ملحمة بالسلاح الأبيض لم يجرِ مثلها في بلاد الشام من قبل.. وقد غنم المقاتلون كثيرًا من أسلحة الفرنسيين بما في ذلك عدد لا بأس به من المدافع والرشاشات والقنابل اليدوية والعتاد.. وامتدت الثورة المسلحة تلك إلى المناطق السورية الأخرى ومنها منطقة غوطة دمشق، والمنطقة الممتدة قرب جبل الشيخ وصولاً إلى مجدل شمس، وعين قنية، ومسعدة، وبقعاتا.. ثم امتدت إلى كثير من البلدات والقرى اللبنانية الواقعة ما بين راشيا الوادي شمالاً، وحاصبيّا جنوبًا، وقد انتقل زعماء الحركة الوطنية من دمشق إلى جبل العرب مطالبين الجماهير العربية السورية برفض تقسيم سوريا إلى دويلات أربع، داعين إلى استعادة الوحدة السياسية السورية... ولقد جرت في جبل العرب معارك كثيرة آنذاك منها معركة المسيفرة في يومي السادس عشر والسابع عشر من أيلول من عام خمسة وعشرين وتسعمئة وألف.

    تجمع مقاتلو هضبة الجولان (قرابة أربعمئة مقاتل) في بلدة مجدل شمس في الأشهر الأخيرة من عام 1925، وحاولت القوات الفرنسية احتلال تلك القرى، وعليه فقد بدأ الثوار يقاومون تقدم الجيش الفرنسي وهو على بعد ثلاثة كيلومترات من بقعاتا، واستطاع الوصول إلى مسعدة في اليوم الأول، وفي اليوم الثاني تقدم الجيش الفرنسي محاولاً احتلال مجدل شمس فواجهه الثوار ببسالة مدهشة، والتحموا معه، وفي موقع "السكّرة" قرب البلدة تمكن الثوار من تعطيل عدد من المصفحات، وتدمير بعضها الآخر، وهزم الفرنسيون هناك هزيمة نكراء... وبعد تلك المعركة جهز الفرنسيون حملة عسكرية لاحتلال مجدل شمس، وتألفت الحملة – بحسب الكتاب الذهبي الفرنسي المترجم إلى العربية - من جيشين بقيادة الجنرال كليمان غرانكو أحد قُواد الحملات العسكرية الفرنسية لقمع الثورة التي تزعمها الشيخ صالح العلي في منطقة الساحل السوري، والثورة التي قادها الزعيم السياسي ابراهيم هنانو في منطقة حلب وشمال سوريا. انطلق الجيش الأول من جديّدة مرجعيون الواقعة جنوب لبنان، وانطلق الجيش الثاني من مدينة القنيطرة السورية الواقعة على بعد خمسة وعشرين كيلومترًا من مجدل شمس..وقد هاجم الجيش الأول المجدل من الغرب عن طريق بانياس والحدود الفلسطينية، أما الجيش الثاني فقد هاجم من جهة الجنوب والشرق، وكان الهجوم شرسًا استعمل فيه الفرنسيون الطائرات مما اضطر المقاومين إلى النزوح بعائلاتهم إلى جبل الشيخ، وقرى الجليل الفلسطينية، وجبل العرب، وتابعوا المشاركة في المعارك من هناك.

    ومن أجمل ما قيل في تلك الثورة ، وفي القصف الذي تعرضت له دمشق في تلك الفترة مطوّلة قالها أمير الشعراء أحمد شوقي عندما زار دمشق سنة 1927، ومنها هذه الأبيات :

بني سوريّة اطَّرحوا الأماني
فمِنْ خِدَعِ السياسةِ أن تُغرّوا
وللمستعمرين – وإن ألانوا-
وللحريةِ الحمراءِ بابٌ
ولا يبنى الممالك كالضَّحايا
ففي القتلى لأجيالٍ حياةٌ
جزاكم ذو الجلالِ بني دمشقٍ
نصرتم يوم مِحنته أخاكم

وألقوا عنكم الأحلامَ ألقوا
بألقاب الإمارةِ وهي رِقُّ
قلوبٌ كالحجارةِ لا تَرِقُّ
بكل يد مضرَّجةٍ يُدقُّ
ولا يُدني الحقوقَ ولا يُحِقُّ
وفي الأسرى فدًى لهمُ وعِتقُ
وعزُّ الشرقِ أولُه دمشقُ
وكلُّ أخٍ بنصر أخيه حقُُّ


 

                  

ما أشبه الليلة بالبارحة! نعم ما أشبه الليلة بالبارحة! وهكذا استمرت الثورة في سوريا حتى تم للشعب العربي السوري تحرير وطنه من الغزاة الفرنسيين، وانتزاع حريته واستقلاله منهم في مثل هذه الأيام من عام ستة وأربعين وتسعمئة وألف.

17/4/2010

   

 

متابعات:

معذرةً أسرى الحرية !!

أ/ عدنان السمان

www.Samman.co.nr

          معذرةً يا كلَّ أسرى هذا الشعب إن شعرتم أن شعبكم مقصر تجاهكم، ومعذرةً إن أحسستم أن شعبكم لا يقوم بواجبه –كما يجب- نحوكم، ومعذرة إن رأيتم أن شعبكم قد شُغل عنكم.. واعملوا –أيها الأحبة- أنه إن حصل شيء من هذا، فليس لأن التقصير من شيم شعبكم، وليس لأن شعبكم يتهرب من مسئولياته والتزاماته نحوكم، أو أنه قد تخلى، أو يفكر بالتخلي عنكم.. معاذ الله أن يكون قد حدث شيء من هذا، ومعاذ الله أن يخطر على بال أحد شيء من هذا؛ فليس من شيم شعبنا أن تتنكر الأمهات لأبنائهن، وليس من طبيعة شعبنا أن تتخلى الشقيقات عن أشقائهن، ولا الزوجات عن أزواجهن، وليس من أخلاقيات شعبنا وموروثاته وثقافته ومعتقداته ومبادئه ومكونات تاريخه أن يتخلى الآباء عن أولادهم، أو الأولاد عن آبائهم، وليس من شيم الوفاء التي اتصف بها شعبنا منذ فجر التاريخ أن يقلل أحد من دور المقاتلين من أجل حرية هذا الشعب، ومن دور هذه الطلائع التي نذرت نفسها للوطن، ومن طبيعة هذه الشموع التي تأبى إلا أن تمزق الظلام من حولها تمزيقًا، وتأبى إلا أن تنير لنفسها ولغيرها من الناس سواء السبيل.

نعم –يا أحباءنا- إن شعبكم يتابع أخباركم، وهو فخور بكم، ويعمل من أجل نصرة قضيتكم العادلة.. ولكنكم تعلمون يقينًا أن حياة هذا الشعب في معازله لا تختلف كثيرًا عن حياة الأسر والأسرى، ولا تختلف كثيرًا عن حياة الاعتقال والمعتقلين، بل لعلها –أيها الأخوة والرفاق- قد وصلت حدًّا من السوء لم يسبق لها أن وصلت مثله من قبل: كثير من أبناء هذا الشعب قد باتوا فزعين مضطربين يئنون تحت وقع هذه الضربات المتلاحقة التي تنزل على رؤوسهم في كل يوم، وكثير من أبناء هذا الشعب قد باتوا عاجزين عن توفير الحد الأدنى من ضرورات الحياة لأنفسهم وأفراد أسرهم، وإن نفرًا من أبناء هذا الشعب قد أعمتهم مغريات الحياة، وصرفتهم زينتها وزخرفها عن كل شي إلا جمع المال الذي أصبح هدفًا وغاية بغض النظر عن الوسائل والطرق، وبغض النظر عن كل ما يُلحقه هذا الكسب من أضرار بالآخرين، وبغض النظر عن كل ما تجره هذه الطبقية، وهذا الفساد والإفساد على الوطن والمواطن، وعلى البلاد والعباد من كوارث ونوازل وعلل ودمار وأمراض.

 ليس بإمكاننا –أيها الأحبة- أن نقول أكثر من هذا، رغم كثرته ووفرته، ورغم خطورته أيضًا، وإنكم لتعرفون عنا وعن واقعنا المر أكثر مما نعرف.. وهنا نسكت نحن عن الكلام المباح لتواصلوه أنتم، ولتعلنوا من معتقلاتكم أن إرادتكم هي العليا، وأن السجون والمعتقلات جميعًا في كل هذه الديار إلى زوال، وأن الانقسام والتناحر والاقتتال إلى زوال، وأن الرضوخ والخضوع والرضى بالهوان والذل والاستسلام لن يستمر بحال، وأن أسرى الحرية قاب قوسين أو أدنى من إحراز النصر، وتحرير الوطن والمواطن من كافة القيود والأصفاد والأغلال.

فمزيدًا من التضامن والتعاون والثبات يا كلَّ أسرانا.. ومزيدًا من الإصرار على كسر القيد يا كلَّ أسيراتنا.. ومزيدًا من الإصرار على إحراز الانتصار يا كل أشبالنا.. ومعذرةً يا كل أسرى الحرية؛ فأنتم الأحرار، ونحن الأسرى.. حررونا –أيها الأخوة والرفاق- كي نرى جميعًا النور، وكي نحتفل جميعًا بالوطن والشمس والحرية.      

 (17/4/2011)                                 

الخميس، ١٤ نيسان ٢٠١١

في ظلال القرآن

قبسٌ من نور الله..

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

 

       القرآن الكريم كلام الله ، وهو كتابه الذي أنزله على عبده ورسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه عن طريق الروح الأمين جبريل ليكون نورًا وهدًى ورحمةً للعالمين .

     والقرآن الكريم هو المصدر الأول من  مصادر التشريع الإسلامي ، يبحث فيه المسلمون عن حلول لمشكلاتهم وقضاياهم ، ويحكّمونه فيما شجر بينهم ، ويهتدون بهديه ، ويتخلقون بأخلاقه .. أما المصدر الثاني فهو السنّة ، يليها الإجماع ، والقياس ،ثم الاجتهاد الذي هو استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها ، وبابه مفتوح لا يجوز أن يغلق إلى يوم يُبعثون.

       لقد حرص القرآن على تربية أتباعه تربية خلقية سامية ، ونمّى فيهم مبادئ الأخلاق الحميدة ، قال تعالى مخاطبًا رسوله الكريم : "وإنك لعلى خُلقٍ عظيم " وحثّهم على التحلي بالفضائل والقيم ، والمثل العليا من صبر ، وتضحية ، ووفاء ، وصدق ، ونجدة ، وإيثار ، وتكافل، وتعاون "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " وكما حرص القرآن على غرس هذه الفضائل والمزايا في نفوس المسلمين ؛ فإنه حرص في الوقت نفسه على أن يكون المسلمون أقوياء لا يخضعون إلا لله ، ولا يركعون إلا لخالقهم سبحانه وتعالى ، فالقوة مبدأ راسخ غرسه القرآن الكريم في أتباعه أفرادًا وجماعات ، يقول الرسول الكريم : (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف)  ويقول سبحانه وتعالى : "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل تُرهبون به عدوَّ الله وعدوَّكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم " فالمسلم قوي ، رباه الإسلام على الفروسية ، وركوب الخيل ، والسباحة ، والرماية، والتدرّب  على مظاهر القوة في المساجد ، يروى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – رأى جماعة من المسلمين يتبارزون بالسلاح في المسجد ، فجلس يراقبهم ، ويتابع حركاتهم ، وإلى جانبه السيدة عائشة ، وهو  يسترها بردائه ليواصلا معًا متابعة ما يجري في المسجد من مبارزة بين الفرسان، وتدّرب على وسائل القوة ، ومظاهرها في ذلك الزمان ... ولقد جاء حرص الإسلام على قوة الفرد مُنسجمًا وحرصه على قوة الأمة كي تكون مرهوبة الجانب حرة عزيزة ؛ فالمسلمون يعدّون ما يستطيعون من قوة ، وهذا واضح قي قوله تعالى " وأعدّوا" حيث استعمل فعل الأمر ، وهو أسلوب ملزم من جملة الأساليب  التي لجأ إليها القرآن الكريم في مخاطبة المسلمين طالبًا منهم القيام بعمل ما ، أو تركه :"وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" ومعنى ذلك أن المسلمين ملزمون بالإعداد والاستعداد . وقوله سبحانه بعد ذلك  "ما استطعتم من قوة " أي كل ما تستطيعون إعداده من قوة . واستعماله ما الموصولة هنا جاء مؤكدًا على إعداد كل ما باستطاعتهم . ثم انظر إلى قوله تعالى بعد ذلك " من قوة" حيث جاء بالتمييز النكرة مجرورًا بمن ، وفي هذا ما فيه من ترك الباب مفتوحًا أمام كل ما يندرج تحت تعريف القوة : فالسلاح قوة ، والتضامن قوة ، والتعبئة النفسية والمعنوية قوة ، والجود بالمال والنفس قوة ، وتعليم الأطفال ، والنهوض بالصناعة والزراعة والتجارة ، وبناء اقتصاد سليم قوة ... ويقول سبحانه وتعالى بعد ذلك كله        " ومن رباط الخيل "  ذلك السلاح الذي كان في ذلك الزمان أقوى سلاح .. وكأنك تقول في هذا الزمان : سلاح الجو ، أو الأسلحة الصاروخية .. والواو في قوله تعالى " ومن رباط الخيل " عاطفة ، وتقدير الكلام : وأعدوا لهم أيضًا ما استطعتم من رباط الخيل . أما قوله تعالى بعد ذلك " ترهبون به عدو الله وعدوكم " فقد جاء في جواب الطلب " وأعدوا " بمعنى أن الهدف من الإعداد هو تخويف أعداء الله وإرهابهم حتى لا يفكروا بالاعتداء عليكم .. وعليه يكون الهدف من كل هذا الإعداد والاستعداد منع الحروب ، وحقن الدماء ، وكف أيدي الناس عنكم ، ومنعهم من الاعتداء عليكم ، وضمان عيشكم بأمن وأمان وعزة واحترام " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين " . وفي نهاية الآية الكريمة قوله تعالى " وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم " الواو هنا عاطفة ، والمعنى : وترهبون أيضًا (آخرين)هم المنافقون الذين يعلنون خلاف ما يبطنون ، وكثيرًا ما يكون هؤلاء أشد خطرًا على الأمة من أعدائها ، وربما كانوا سبب هزائم الأمة أمام أعدائها الخارجيين ، وأنتم لا تعرفونهم لتسترهم وتكتمهم ، ولكن الله يعلمهم ، ويكون إعدادكم واستعدادكم وأخذكم بكل أسباب القوة واليقظة رادعًا لهم عن العمل إلى جانب الأعداء ضدكم ... وهكذا تضمنون انهيار هؤلاء المنافقين الذين يناصبونكم العداء سرًّا ، وتضمنون خوفهم من محاولة النيل منكم ، والتعاون مع أعداء الله ضدكم .

      يتضح مما سبق أن القوة في الإسلام ليست قوة عمياء هدفها الاعتداء على الناس ، بل إن الهدف منها نصرة  الحق ، وضمان العزة والرفعة لمبادئ العدل  ، وتطبيق شريعة الله في الأرض هذه  الشريعة التي لا تفرّق بين دين ودين ، وبين لون ولون ؛ فلا فضل لأسود على أبيض ، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى ؛ وخير الناس أنفعهم للناس ... القوة في الإسلام قوة لكل الناس ؛ لأنها قوة لمبادئ الحق والعدل والسلام ، قوة لكل مظلوم ، ونصرة لكل مضطهد ، وهي في الوقت نفسه سيف  على رقاب أعداء الشعوب وجلاديها من فاسدين ومفسدين ومنحرفين ومغرضين وطامعين  يردعهم من التفكير بالعدوان.

" إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم " صدق الله العظيم .

 

14/4/2011