عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


الأربعاء، ٢٥ تشرين الثاني ٢٠٠٩

فـي عيــد الأضحـى.. بوركـتِ أمةَ التضحيـات!!

فـي عيــد الأضحـى.. بوركـتِ أمة التضحيـات!!

أ.عدنان السمـان





في هذا اليوم الجمعة العاشر من ذي الحجة من العام الثلاثين للهجرة بعد أربعمائة وألف، الموافق للسابع والعشرين لشهر تشرين الثاني لتسعٍ خَلَوْنَ من هذه الألفية الثالثة للميلاد يحتفل العالمان العربي والإسلامي، ويحتفل المسلمون والعرب في كل مكان ومكان من هذا العالم بيوم من أعظم أيامهم، وعيد من أروع أعيادهم.. عيد البذل والعطاء.. عيد التضحية والفداء.. وهل هنالك أسمى من تهيّؤ الوالد للتضحية بولده، واستجابة الولد واستسلامه لرغبة والده في تضحية كهذه كانت تكليفًا شرعيًا، وأمرًا إلهيًّا قبل أن تكون امتحانًا نجح فيه الوالد، ونجح فيه الولد.. وكان فيه التشريع.. وكان فيه الفداء.. وكانت فيه الأضحية.. ومن ثم كانت فيه الأضاحي.. وكان فيه المضحّون الصّادعون بما يؤمرون إلى يوم يُبعثون؟!!

ولئن كان يوم الجمعة في تاريخ هذه الأمة، وفي تشريعها، وفي ثقافتها.. ولئن كان هذا اليوم المجيد في ماضيها، كما في حاضرها، وكما في مستقبلها أيضًا عيدًا أسبوعيًّا، ونهاية أسبوع حافلة بالمؤتمرات والاجتماعات والتجمعات والصلوات في كل مدن هذا العالم العربي الإسلامي، وفي كل بلداته، ومخيماته، ومعسكراته، وقراه، ومضارب خيامه، وبواديه تناقش فيه هذه الأمة على كل منابرها كل قضايا دينها ودنياها، وتناقش فيه سائر القضايا المصيرية الساخنة المتعلقة بوجودها وشعوبها وأفرادها ومستقبل أجيالها في كل ديار العروبة والإسلام.. ولئن كان يوم الجمعة، وسيبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها عيدًا لهذه الأمة في كل أسبوع على امتداد تاريخها؛ فإنه في هذا العام(كما في أعوام كثيرة خَلتْ، وكما في أعوام كثيرة ستأتي من رحم الغيب أيضًا) إضافةًً إلى هذا كله عيد هذه الأمة في تأدية فريضة الحج.. عيدها في سعيها وطوافها وسائر مناسكها وشعائرها ووقوفها وامتثالها ووحدتها في المشاعر والمظاهر والمضامين والأهداف والغايات.. عيدها في هذه المؤتمرات، وفي هذا التواصل، وفي كل هذه اللقاءات والمحادثات والمشاورات التي يجريها ساستها وقادتها الشعبيون ومفكروها وأولو الأمر فيها والغيورون على أحوالها حول سائر قضاياها، ومختلف أحوالها العلمية والصحية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية، وفي كل أمر من أمورها العسكرية والمدنية، وفي كل شان من شئون معادها ومعاشها ومستقبل أجيالها على كل شبر وشبر من أرضها الطيبة المعطاء في مشارق الأرض ومغاربها.

ولئن كان العيد فرحة للصغار والكبار والفقراء والمساكين والمعذبين في الأرض والغارمين والمستضعفين.. ولئن كان فرصةً لالتقاط الأنفاس ومحاسبة النفس، وثنيها عن غيها وضلالها، وحملها على الإصغاء جيدًا لآهات المتألمين وتظلمات المتظلمين وأنات المرضى ودموع الباكين.. ولئن كان مناسبة للتضامن والتواصل والتكافل الأُسري والاجتماعي؛ فإنه يوم وأي يوم لمحاولة ربط الماضي بالحاضر، والخروج بخطة شاملة متكاملة لمستقبل عزيز كريم خالٍ من الهنات والأخطاء.. حافل بالمحبة والتسامح والمودة والعطاء.. قائم على الصدق في الأقوال والأفعال واحترام مشاعر الآخرين والتخفيف من آلامهم وأحزانهم ومعاناتهم وصولاً إلى مجتمع متماسك مترابط متعاون متآلف يحب كل امرئ فيه لأخيه ما يحب لنفسه.. يبتعد فيه الناس جميعًا عن القيل والقال، وتعقّب أخبار الناس، والتسلي بخصوصياتهم وتفصيلات حياتهم، والتشفّي ببؤسهم وحاجتهم واحتياجاتهم؛ فما هذه الصفات من شيمنا، وليست من أخلاقياتنا، وما كانت يومًا مما تقره شريعتنا الغراء أو ترضى عنه.. بل على العكس من ذلك؛ فقد نهتنا هذه الشريعة السمحة عن كل نقيصة، وأمرتنا بكل ما من شأنه أن يرفع من قيمة الفرد في المجتمع، وبكل ما من شأنه أن يحمي مجتمعاتنا من كل شائبة، ويحفظها من كافة الأخطاء والتجاوزات والإساءات مهما صغر شأنها.

لا يسعنا في هذا العيد، وفي كل عيد إلا أن نستذكر أمجاد هذه الأمة العظيمة على امتداد تاريخها المجيد، ولا يسعنا إلا أن نذكر بكل الفخر والإعزاز والإكبار تضحيات هذه الأمة، وحرصها على المعاني السامية لأعيادها.. لا يسعنا في هذا العيد، وفي كل عيد إلا أن نذكر كل تلك الانتصارات التي أحرزتها أمتنا على كل مظاهر الفقر والجوع في أعيادها، وكل تلك الثورات الاجتماعية المباركة التي فجّرتها وصولاً إلى مجتمعات العدل والعدالة والإحسان والمحبة والتراحم والتكافل.. مجتمعات الأمن والأمان والقناعة بما قسم  الكريم، وبأن الأرزاق في يد الخلاق، وبأن مع العسر يسرًا، وبأن الصبر مِفتاح الفرَج!

وفي عيد الأضحى هذا الذي يحتفل فيه العرب والمسلمون اليوم نوجه التحية لهذه الأمة التي تقارع العدوان والمعتدين الطامعين في مصادرة حرية أبنائها، ونهب ثرواتها وخيراتها، والعبث بأمنها وأمانها ودعائم  استقرارها واستقلالها.. نوجه التحية لأمة التضحيات هذه في كل أقطارها وأمصارها التي تقف وقفة عز وتحدٍّ في وجه الأطماع، وفي وجه التحديات، وفي وجه كل أشكال التحكم والتدخل والاستفزاز والعدوان..

وفي عيد الأضحى المبارك هذا الذي نحتفل اليوم بإشراقة شمسه لا يسعنا إلا أن نقول: إن الليل مهما طال، ومهما اشتد سواده، واستبدت بالكون ظلمته لا بد له من آخر.. فبعد آلام المخاض يكون الوليد، وبعد عري الشتاء وتجهمه وعواصفه ورعوده يكون الربيع.. وإن أشد ساعات الليل سوادًا ووحشة هي التي تسبق انبلاج الفجر.. ووسط الباطل بضجيجه وصخبه وادعاءاته لا بد لكلمة حق أن تعلو.. ولا بد للحقيقة أن تظهر.. لا بد لها أن تنتصر.. لا بد لها أن تتألق وأن تسطع كالشمس في رابعة النهار.. والله مُتِمّ نوره ولو كره الكارهون... وكل عام وأنتــم بخيــر.




27/11/2009





في اليوم العالمي لمنع العنف ضد المرأة!!

متابعات

في اليوم العالمي لمنع العنف ضد المرأة!!

 

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

   إذا كانت النساء شقائق الرجال , وإذا كان وراء كل عظيم امرأة , وإذا كانت المرأة نصف المجتمع, وهي التي تربي نصفه  الثاني, وإذا كانت المرأة التي تهز السرير بيمينها, تهز العالم بيسارها ,وإذا كانت الجنة تحت أقدام الأمهات ,وإذا كانت المرأة في كل مراحل حياتها هي:الابنة ,والشقيقة ,والخالة ,والعمة ,والخطيبة , والزوجة , والأم , والمربية ,والطبيبة ,والمحامية ,والمعلمة ,والمهندسة , والجدة ,وسيدة الأعمال ,والمحاربة المقاتلة على كل الجبهات, وعلى كل المستويات ,وبكل الأسلحة من أجل أبنائها ,وأسرتها ,ومجتمعها ,وشعبها,وأمتها.. إذا كانت المرأة كل هذا, وإذا كانت كثيرًا غيره أيضًا, فكيف بالله عليكم  يقدم بعضهم على إهانتها؟ وكيف بالله عليكم يسمح بعضهم لنفسه باضطهادها وإذلالها والتنكيل بها؟ وكيف بالله عليكم يمارس بعضهم ضدها هذا اللون أو ذاك من ألوان العدوان والاعتداء والتحكم والتعسف والقهر ؟لا لشيء إلا لأنها امرأة !! ولا لشيء إلا لأنها الطرف الضعيف !! ولا لشيء إلا لأنها بنصف عقل, وبنصف دين , وعليه, فإنها قد خُلقت لتبقى تحت وصاية الرجل مدى الحياة!! حتى لو كان هذا الرجل متخلفًا , أو سفيهًا , أو منحرفًا, أوعدوانيًّا نرجسيًّا مسرفًا في عدوانيته ونرجسيته التي تبيح له اضطهاد الآخرين, والاستعلاء عليهم , وتعذيب الأخريات , والتنكيل بهنّ .. حتى لو كنّ الزوجات , والأمهات ,والمربيات, وربات البيوت , والمسئولات عن إعداد الأسرة الصالحة القوية.. نواة المجتمع القوي المتماسك الذي لايُقهر, ولا يُغلب , ولا تنال منه الصعوبات والعقبات مها اشتدت , ومهما تكالبت عليه, وتكالب عليه معها كل الخصوم والأعداء.

    في اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة الموافق هذا اليوم الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني من كل عام, والذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في التاسع عشر من تشرين الأول من عام تسعة وتسعين وتسعمائة وألف , ودعت فيه الحكومات والمنظمات الدولية ,والمنظمات غير الحكومية إلى تنظيم أنشطة وفعاليات في هذا اليوم تهدف إلى زيادة الوعي العام بهذه المشكلة..وفي هذا اليوم العالمي الذي اعتُمد يومًا من أيام المجتمع الدولي يُصار فيه إلى إنصاف المرأة, وتبذل فيه الجهود للقضاء على العنف ضدها  نقول: نحن مع هذا المجتمع الدولي في توجهاته هذه , نحن معه في مساعيه الحميدة للقضاء على العنف ضد المرأة , نحن معه في إنصاف المرأة, وتخليصها مما هي فيه من ظلم واضطهاد وعذاب .

   و في اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة نقول :إن شريعتنا قد أنصفت المرأة, وأعادت إليها حقوقها, وردت إليها اعتبارها قبل خمسة عشر قرنًا من الزمان.. شريعتنا الغراء هذه رسمت معالم الأسرة السعيدة , والمجتمع الآمن المطمئن, وكرست هذه المفاهيم والأفكار , وترجمتْها واقعًا عمليًّا ملموسًا مُعاشًا على أرض الواقع مذ  كانت هذه الشريعة,ومذ كان هذا المجتمع المتماسك المتضامن المتكافل العصيّ على الكسر والاختراق من سائر الخصوم والأعداء المتربصين به من بعض أبنائه الذين يعيشون في رحابه , ومن أعدائه الذين حاولوا في الماضي , ولا يزالون يكررون محاولاتهم بشتى الوسائل والأساليب من أجل النفاذ إلى جوهر قوته و تماسكه, ومن أجل ضرب هذه القوة , وتشويه خصائص هذا التماسك بإدخال مفاهيم غير مفاهيمه , وثقافة غير ثقافته, وفكر اجتماعي واقتصادي وسياسي غير فكره الذي نشأ عليه منذ أن كان , ومنذ أن كانت ثورته التي أخرجته من الظلمات إلى النور قبل خمسة عشر قرنًا من الزمان خَلَتْْ..هؤلاء الخصوم والأعداء سيفشلون اليوم كما فشلوا في الماضي , ولن يحصدوا إلا الخيبة والحسرة وسوء المصير.

   وفي اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة نرحب في هذه الديار بكل جهد من شأنه أن يعيد للمرأة مكانتها المرموقة السامية اللائقة بها , ونرحب بكل المحاولات والقرارات والأفكار والأنشطة التي من شأنها أن تحميها من عدوان المعتدين , واستبداد المستبدين, واغتصاب المغتصبين وهمجيتهم .                                                             

                                                                                                  25/11/2009


الاثنين، ٢٣ تشرين الثاني ٢٠٠٩

كلام.. في رياض الأطفال

قضايا تربوية

كلام.. في رياض الأطفال

أ‌.       عدنان السمان

www.samman.co.nr

    ما من شك في أن رياض الأطفال تلعب دورًا حاسمًا في تربية الأطفال، وإعدادهم للمستقبل.. وهذه الشهور، أو السنوات القليلة التي يعيشها الأطفال في رياضهم (والتي لا يعيرها كثير من الناس كبير اهتمام) تفعل الأفاعيل في نفوس هؤلاء الأطفال، وتظل تؤثر في نموهم النفسي، وتظل تلعب دورًا بارزًا في بناء شخصياتهم، وتحديد أنماط سلوكهم لسنوات طوال قادمة...

    ولما كلن لرياض الأطفال مثل هذا الدور البارز المتميز على طريق بناء شخصية الفرد فقد أحاط الخبراء والتربويون هذه الرياض بعنايتهم ورعايتهم.. وأفردوا لها كثيرًا من بحوثهم ودراساتهم ومؤلفاتهم.. ووضعوا لها الشروط والأسس والمواصفات والقواعد التي لا بدّ منها وصولاً إلى الهدف المنشود، والمقصد السامي النبيل الذي يسعى إليه المجتمع.

                                    البناء والتجهيزات

    ولعل من أبرز مقومات روضة الأطفال الناجحة البناء المناسب، والغرف الصحية المشمسة، والمقاعد الصحية المناسبة المريحة، وساحات الألعاب الملائمة، والأشجار ونباتات الزينة التي يضفي وجودها على المكان جمالاً وبهجة، والوحدات الصحية الملائمة النظيفة التي لا تغفل عنها عين الإدارة لحظة واحدة، وصالات الطعام تحت الإشراف الكامل، والمحافظة التامة على النظافة، وصالات الألعاب، وتنمية المواهب والمهارات... ومن أبرز الشروط التي يجب أن تتوافر في البناء أن يكون واسعًا بحيث لانرى فيه أي أثر للاكتظاظ والازدحام.. حديثًا، نظيفًا.. مزودًا بالصور، والرسوم، واللوحات الطبيعية الموحية الجميلة الجذابة، وبكافة ما عرفته رياض الأطفال من حولنا من وسائل التسلية، والترفيه، والتثقيف، والتوجيه.

                                الإشراف الصحي، والتربوي

    تحصل روضة الأطفال –عادة- على الترخيص اللازم بمزاولة العمل من مكتب التربية والتعليم في المنطقة بعد أن تستكمل كافة الشروط المنصوص عليها في اللوائح والقوانين، وبعد أن تحصل إدارة الروضة على موافقة دائرة الصحة في تلك المنطقة.. ولقد شهدنا في السنوات الماضية شيئًا من التساهل في إصدار الترخيص حينًا، وشيئًا من التشدد الذي يصل حد الرفض حينًا آخر على الرغم من استيفاء الشروط... ومهما يكن فإن ما نؤكد عليه هنا هو ضرورة إخضاع رياض الأطفال للإشراف التربوي، والإشراف الصحي من قبل دوائر التربية والتعليم، ودوائر الصحة في مناطق البلاد المختلفة.. بمعنى أن يتردد المشرفون التربويون على رياض الأطفال... فيوجهون، ويرشدون، ويبدون ملاحظاتهم.. ويتفقدون رياض الأطفال بين الفينة والأخرى... وكذلك يفعل أطباء الصحة لضمان حسن سير الأمور تربويًّا وصحيًّا في رياض الأطفال.. وفي المدارس الأساسية والثانوية بطبيعة الحال حتى يكتمل الإشراف التربوي، والرعاية الصحية في مراحل التربية والتعليم جميعها.

روضة لأبناء العاملات

ونظرًا لخروج المرأة في بلادنا منذ زمن طويل إلى ميدان العمل، ونظرًا لتدني رواتب العاملين في بلادنا منذ زمن طويل أيضًا، فإن الأم العاملة تجد نفسها مضطرة لدفع نسبة عالية من دخلها المتدني لقاء "تأمين" بعض أطفالها في روضة الأطفال.. ولهذا السبب، ولأسباب أخرى لا تخفى على فطنة المسئولين، فإن من الضرورة بمكان أن يُصار إلى افتتاح روضة أطفال، أو أكثر في كل مدينة، وتجمع سكاني، لاستيعاب أطفال الأمهات العاملات في وزارات البلاد، ودوائرها المختلفة... إن إجراء كهذا من شأنه أن يعود على نفوس العاملات بكثير من الرضى، والشعور بالسكينة والاطمئنان.

تنافس مثمر

    ومما لا شك فيه أن التنافس بين رياض الأطفال يدفع في أغلب الأحوال إلى التطوير والتحديث، وإدخال التحسينات على البناء، والتجهيزات، والأثاث، ووسائط نقل الأطفال، واختيار العاملات المؤهلات الناجحات من ذوات الخبرة والمقدرة.

    لقد نجحت رياض كثيرة في تحقيق مستوًى تستحق عليه الشكر والثناء والمؤازرة على الرغم من كافة المنغصات والمثبطات... وتمكنت بعض هذه الرياض من تطوير نفسها بافتتاح عدد من صفوف المرحلة الأساسية... ولا يستطيع أحد أن ينكر مدى النجاح الذي حققته هذه المدارس على مستوى التدريس، والعمل الاجتماعي، والتربوي، وخدمة البيئة المحلية... إن التنافس الصامت الذي شهدته رياض الأطفال منذ سنوات، ولا تزال، قد عاد في كثير من الأحوال بالخير والنفع على المستوى العام لرياض الأطفال.. ولا شك في أنه تنافس شريف مثمر بنّاء خدم قضية رياض الأطفال في البلاد.. وساهم في تطويرها، والارتقاء بها رغم الصعاب.

ارتفاع الأقساط

على أن هذا التنافس لم يستطع الوقوف على قدميه طويلاً أمام موجات الغلاء المتلاحقة، وارتفاع تكاليف المعيشة الخرافي، ورغبة أصحاب هذه الرياض في الربح المادي –كغيرهم من الناس- فالتقى  معظم أصحاب هذه الرياض ليحققوا لأنفسهم وضعًا اقتصاديًّا يتناسب وما يقدمونه من جهد وتضحيات، فكانت الأقساط شبه الموحدة.. هذه الأقساط التي يرى فيها أصحاب رياض الأطفال حقًّا طبيعيًّا مشروعًا لهم.. ويقول فيها كثير من الناس إنها في مجملها أعلى من الأقساط الجامعية التي نشكو من ارتفاعها.. وإنها جاءت لتزيد من هموم المواطن، ولتثقل كاهله بمزيد من النفقات.. وإذا كان بإمكان كثير من الناس أن يتخلصوا من هذا العبء بعدم إرسال أطفالهم إلى هذه الرياض، فإن كثيرًا منهم لا يستطيعون ذلك، وهم ملزمون بالتعامل مع هذه الرياض... نتيجةً لهذا، ونتيجةً لعوامل وأسباب أخرى شهدت البلاد مؤخرًا ما يمكن أن نطلق عليه:

عودة إلى عهود الكتاتيب

    إن حاجة كثير من الناس لرياض الأطفال من جهة، وارتفاع أقساط معظم هذه الرياض من جهة ثانية، وتدهور الوضع الاقتصادي لمعظم المواطنين بشكل لم يسبق له مثيل من قبل قد دفع بعض المواطنين لفتح رياض أطفال لا تستكمل الحد الأدنى من الشروط والمواصفات... ونحن لا نعلم يقينًا إن كان هؤلاء قد حصلوا فعلاً على تراخيص تسمح لهم بمزاولة هذا العمل البالغ الحساسية والخطورة..

    ومهما يكن، فإن مثل هذه "الرياض" تعود بنا أجيالاً إلى الوراء لتنقلنا إلى عهود الكتاتيب التي نسيها الكبار، ولا يعلم عنها الصغار شيئًا... وبدون الدخول في التفصيلات، والمناقشات الساخنة، والجدل، فإننا نطلب ممن يعنيهم الأمر أن يتدخلوا لفحص هذا الموضوع، ومعالجته ضمن الإطارين القانوني والتربوي بشكل يضمن عدم المس بهذه المؤسسة التربوية الاجتماعية التي نعقد عليها أكبر الآمال.

    نناشد كل من يعنيهم الأمر أن يوقفوا كل هذه الانهيارات التي باتت تهدد كثيرًا من مؤسسات هذا الوطن، وصروحه العلمية، والحضارية، والاقتصادية، والصحية التي أقامها المواطنون بكدهم وكفاحهم، وحافظوا عليها بكل ما أوتوا من قوة، وصبر، وإيمان.

23/11/2009


الأحد، ٢٢ تشرين الثاني ٢٠٠٩

في اليوم العالمي للطفل!!

متابعات

في اليوم العالمي للطفل!!

أ. عدنان السمان

www.samman.co.nr

    إذا كان الكبار قد شقّوا طريقهم في الحياة بطريقة أو بأخرى، وإذا كانوا قد خاضوا ويخوضون معتركها وهم مؤهلون لذلك، أو غير مؤهلين؛ فيصيبون ويخطئون، ويفرحون ويحزنون، ويأكلون ويجوعون، ويَغلبون ويُغلبون، وقد يَقتلون، وقد يُقتلون بهذه الطريقة أو تلك، ولهذا السبب أو ذاك.. وإذا كانت حياة الكبار في هذا العالم حافلةً في كثير من الأحيان بالعقبات والمشكلات والمنغّصات؛ فإن من واجب الآباء تجاه الأبناء، ومن واجب الكبار تجاه الصغار أن يعملوا من أجل تحسين ظروف معيشتهم، وإزالة الأشواك والعراقيل التي تعترض سبل سيرهم وتقدمهم..

    من واجب الكبار أن يعملوا من أجل بيئة نظيفة يمارس فيها الأطفال حياتهم، ومن أجل حياة خالية من الفقر والحرمان والكآبة ودواعي اليأس والقنوط والإحباط يحياها الأطفال في هذا العالم بغض النظر عن اللون والجنس والدين واللغة والثقافة والعرق، وبغض النظر عن المعتقد السياسي، والمستوى الاقتصادي، والواقع الاجتماعي، والموقع الجغرافي لآبائهم وأجدادهم، وبغض النظر عن العداوات والسلبيات التي ألقت بظلالها في الماضي، أو تلقي بظلالها في الحاضر على العلاقات بين هؤلاء الكبار في هذا العالم.

    من حق الأطفال في هذا العالم أن يتخلصوا من كثير من السلبيات التي عاشها آباؤهم وأجدادهم، من حقهم أن يتخلصوا من كل شكل من أشكال الفقر والحاجة والبؤس والحرمان والكآبة والضغوط النفسية، وأشكال الاعتداءات وألوانها المختلفة.. من حقهم أن يتعلموا، ومن حقهم أن يحظَوْا بالرعاية التي تكفُل لهم حياة خاليةً من الأمراض  المستعصية وغير المستعصية، ومن الأمراض السارية والمعدية، ومن الأوبئة.. من حق الأطفال في هذا العالم بعامة، وفي بلدان العالم الثالث أو الرابع في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية بخاصة أن يحصلوا على حقهم الطبيعي المشروع في  التعليم، وأن يكون هذا التعليم مجانيًّا إلزاميًّا حتى نهاية المرحلة الثانوية، وأن يكون مجانيًّا طوال فترة الدراسة الجامعية أيضًا.. وأن يحصلوا على حقهم الطبيعي المشروع في الغذاء والدواء والعلاج.

    ومن حق الأطفال في هذا العالم أن ينعموا بالمساواة التامة في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن هذه الفوارق الطبقية البغيضة، وبغض النظر عن هذه الفوارق المصطنعة بين الجنسين، وبغض النظر عن تخلف المرأة تحديدًا في كثير من البلدان، وبغض النظر عن تخلف المرأة والرجل كليهما في بلدان أخرى من بلدان هذا العالم.. ولكي يحظى الأطفال بحقهم هذا؛ فإنه لابد أن يُصار في الحال إلى إصلاح شأن المرأة، وإصلاح شأن الأسرة، وإصلاح شأن المجتمع من كافة النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنفسية والصحية والعلمية.. لا بد من العمل السريع لإصلاح المجتمعات من كافة النواحي ليتسنى لنا توفير الحياة الفضلى لهؤلاء الأطفال في كل أرجاء هذا العالم، وفي كل أرجاء العالم الثالث الذي أصبحت حياة الأطفال وغير الأطفال فيه قاسيةً قاسية لا تُطاق!!

    ومن حق الأطفال أيضًا أن يتخلصوا من كل أسباب التشرد، والجنوح، والعادات السيئة، والإدمانات الخطيرة، وأعمال السخرة، والابتزاز، والاغتصاب، والخروج إلى ميدان الأعمال الشاقة وغير الشاقة في سن مبكرة.. من واجب الكبار، ومن واجب القوانين والأنظمة حمايتهم ورعايتهم بكل الوسائل والطرق من عدوان المعتدين، واستغلال المستغلين.. من واجب الأنظمة والقوانين أن تعمل في الحال من أجل إلغاء الرق الأبيض والأسود، ومن أجل وضع حد لهذا الصراع الطبقي المقيت الذي يعصف بهذا العالم، ومن أجل حماية حياة الإنسان، وكرامته، وسائر حقوقه.. ووضعها جميعًا موضع التنفيذ دون أدنى استثناء، ودون أن يكون هنالك أدنى مجال، أو أدنى ثغرة للمساس بها تحت أي سبب، واستنادًا إلى أي ادعاء!!

    إنه، ولكي يتسنى لهؤلاء الأطفال أن ينشأوا نشأة سليمة من كافة النواحي الصحية والعلمية والسياسية والثقافية والاجتماعية والأخلاقية، ولكي يتسنى لهم القيام بدور مشرّف في قيادة البشرية مستقبلاً نحو شاطئ السلامة، وبرّ النجاة، ولكي يتسنى لهم تسيير دفة الحياة في هذا الكون بحكمة وعقل وتعقّل ومقدرة وبصيرة وتوازن واتزان؛  فإنه لا بد أن تتوقف في الحال كافة ألوان هذه الاعتداءات  المخزية على الناس في كثير من أقطار هذا العالم، ولا بد أن تتوقف في الحال كل هذه المعارك والحروب المدانة المستنكَرة التي يشنها الأقوياء الطغاة البغاة في هذا العالم ضد الشعوب المستضعفة، ولا بد أن تتوقف في الحال كل ألوان الاحتلال، وكل ألوان التحكم بالشعوب، والتدخل في شؤونها الداخلية، ولا بد أن تتوقف في الحال كل مظاهر العنف، وكل مظاهر الإرهاب، وكل مظاهر الغطرسة والغرور والاستعلاء والاستكبار في هذا العالم.. وصولاً إلى مجتمعات يسودها الأمن والأمان والعدل والعدالة والاطمئنان، ووصولاً إلى مجتمعات ينشأ فيها الأطفال نشأة سليمةً تمكّنهم من استئناف المسيرة بخطًى ثابتة نحو أهداف البشرية المرجوّة في سلمٍ أهلي، وفي سلم دولي، وفي اطمئنان عالمي يضع حدًّا لكل ويلات البشرية ونكباتها التي عصفت بكثير من الشعوب في هذا العالم.

    في اليوم العالمي للطفل والطفولة، وفي عيد الطفولة والأطفال الذي يصادف هذا اليوم، لابد من القول بأعلى صوت: أيها الأطفال.. نرجو لكم عيدًا سعيدًا، وحياة آمنة مطمئنة.. أيها المعتدون أوقفوا ممارساتكم وعدوانكم على هذه الطفولة المعذبة الجائعة المحرومة الفزعة المستطارة في كثير من أقطار هذا العالم.. وارفعوا أيديكم عن شعبنا العربي الفلسطيني في القدس وفي كافة أماكن وجوده وتواجده داخل الوطن وخارجه.. وارفعوا أيديكم عن هذه الشعوب التي تسومونها سوء العذاب، ليتسنى للأطفال أن يعيشوا بهدوء، وليتسنى للبشرية أن تعيش بأمن وأمان ومودة واستقرار.

21/11/2009  


الأحد، ١٥ تشرين الثاني ٢٠٠٩

حل السلطة.. هل هو الحل؟؟

متابعات

حل السلطة.. هل هو الحل؟؟

        أ. عدنان السمان

                                                         www.Samman.co.nr

بعد أن أعلن رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية فشل هذه المفاوضات التي تجريها المنظمة مع الإسرائيليين منذ ثمانية عشر عامًا، وبعد أن كان كبير المفاوضين قد أعلن أن رئيس السلطة قد يستقيل من منصبه قبل الموعد الذي حدده لإجراء هذه الانتخابات في الرابع والعشرين من شهر كانون الثاني القادم، وأن رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني د.عزيز دويك هو من سيتولى زمام الأمور عند ذلك، وبعد أن كان كبير المفاوضين الفلسطينيين أيضًا قد أعلن أنه لا عودة إلى طاولة المفاوضات مع الإسرائيليين قبل الوقف الكامل للاستيطان .. و لما كان الإسرائيليون يرفضون وقف الاستيطان، ويرفضون التخلي عن القدس الموحدة عاصمة لدولتهم العبرية.. ولما كانوا سادرين في إجراءاتهم لتهويد هذه المدينة العربية المحتلة منذ عام سبعة وستين ، فإن المفاوضات لن تستأنف، وإن علاقة منظمة التحرير بإسرائيل ستبقى مقطوعة، ولن تعود إلى سابق عهدها إلا بوقف الأستيطان الذي يبدو أنه لن يتوقف.

  وبعد أن أعلنت لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية عدم قدرتها على إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي حدد يوم الرابع والعشرين من شهر كانون الثاني القادم موعدًا لإجرائها في مناطق السلطة الفلسطينية بسبب (الموقف) في القدس ، وفي قطاع غزة من هذه الانتخابات .. كما جاء في بيان اللجنة الصادر في الثاني عشر من هذا الشهر .. فقد بات من المتوقع أن يستمر رئيس السلطة محمود عباس أبو مازن، وكذلك رئيس وزرائه د. سلام فياض في تحمل أعباء منصبيهما، وأن تبقى الأمور والأوضاع تبعًا لذلك على ما هي عليه في كل من الضفة الغربية، والقدس، وقطاع غزة:

 جداٌرٌ وحصارٌ، وتضييقٌ على الناس، واجتياحاتٌ، واستيطانٌ، ومصادرةٌ لأراضي المواطنين العرب، وهدمٌ لمزيد من بيوتهم ومؤسساتهم، وتخريبٌ وإتلافٌ لمزيد من مزروعاتهم ومصادر رزقهم، وتقطيعٌ لمزيد من زيتونهم ولوزياتهم وأشجارهم المثمرة وغير المثمرة في الضفة الغربية!!

 وسلبٌ ونهبٌ وعدوانٌ على الناس في ممتلكاتهم ومصادر رزقهم، واعتداءٌ على التاريخ والثقافة والآثار والجغرافيا والمقدسات، وهدمٌ للمباني العربية، واستيلاءٌ عليها، وإخلاءٌ لسكانها وأصحابها العرب منها، وقذفٌ بهم إلى الشارع، وتوسعٌ في الاستيطان، ومصادرةٌ للأرض بشكل غير مسبوق، وتغييرٌ لمعالم هذه الأرض بشكل لم يسبق له مثيل، وتهويدٌ يوميٌّ وعلى قدم وساق في كل مكان ومكان من الأرض العربية المحتلة، ولا سيما في الشطر الشرقي من مدينة القدس.. قلب فلسطين.. أولى القبلتين .. وثالث الحرمين الشريفين .. مسرى محمد ومهد السيد المسيح!!

 وحصار بحريٌّ بريٌّ جويٌّ، وتضييقٌ على الناس غيرُ مسبوق في طعامهم، وشرابهم ودوائهم، وعلاجهم، وخروجهم، ودخولهم، وأمن أطفالهم وأمانهم، وذهابهم وإيابهم، وتحركاتهم في مدنهم، وقراهم، ومخيماتهم، ومزارعهم، وشوارعهم، ومدارسهم.. ومنعهم من بناء منازلهم وترميمها، والإصرار على أن يقضي الناس شتاءهم الثاني وهم يفترشون الغبراء، ويلتحفون السماء.. في قطاع غزة!!

  وإذا كان رئيس السلطة قد أعلن إصراره على عدم خوض الانتخابات القادمة احتجاجًا على ممارسات ألإسرائيليين، واحتجاجًا على التراجع في الموقف الأمريكي، واحتجاجًا بالتالي على فشل المفاوضات التي بدأتها منظمة التحرير مع الإسرائيليين منذ ثمانية عشر عامًا، واحتجاجًا على تعثر مساعي المصالحة مع حركة المقاومة الإسلامية التي لم توقع حتى اليوم على الوثيقة المصرية، وإن كان عزيز دويك قد أشار إلى احتمال توقيع الحركة عليها قبل نهاية تشرين  الثاني الجاري .. فما الذي من الممكن أن يفعله الرئيس اليوم بعد إعلان لجنة الانتخابات المركزية، وبعد استمرار تعثر جهود المصالحة، وبعد إصرار الإسرائيليين على مواقفهم، وعلى ممارساتهم الاستيطانية، وبعد تصريحات "موفاز" بشأن إمكانية التفاوض مع حركة حماس؟

   ماذا بإمكان الرئيس أن يفعل الآن، وهو يقف في منتصف المسافة بين الموقفين الإسرائيلي والأمريكي من جهة، وموقف حماس من الجهة الثانية؟  هل سيقدم الرئيس بعد الاستقالة على حل السلطة والتخلص من قيود أوسلو ومساوئها التي يصعب حصرها والإلمام بأضرارها وآثارها المدمرة بعد بيان يعترف فيه بفشل هذه التجربة بعد أن اعترف كبير المفاوضين قبل ذلك بفشل هذه المفاوضات؟ وهل معنى ذلك أن يعود ملف القضية الفلسطينية إلى أروقة الأمم المتحدة كما كان قبل إبرام اتفاق أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن في الثالث عشر من أيلول من العام الثالث والتسعين من القرن الماضي، أي قبل شهرين وستة عشر عامًا من يومنا هذا، وقبل ثمانية عشر عامًا من مؤتمر مدريد؟

    وإذا فعل الرئيس ذلك فما الذي من الممكن أن يحدث؟ ومن الذي من الممكن أن يسد الفراغ؟ وهل سيسلََم الإسرائيليون بذلك؟ أم أنهم سيتصرفون فيعينون من يملأ الفراغ؟ ويسيّر حياة الناس اليومية بعد تحديد موعد جديد لإجراء الانتخابات ؟ وهل يوافق الناس على ذلك؟ وهل ستوافق عليه القوى والفصائل والأحزاب ؟ وإذا لم يوافقوا فما الذي من الممكن أن يحدث ؟ أتكون هذه الديار على أبواب انتفاضة ثالثة تختلف عن سابقتيها؟ أيكون من أهدافها فرض الحل الإسرائيلي الأمريكي بموافقة بعض العرب وبعض الفلسطينيين ؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك فهل من الممكن أن يعود الناس هنا في الضفة الغربية إلى الحكم الأردني، وتعود غزة كما كانت قبل عام سبعة وستين إلى الحكم المصري بعد أن يشهد الناس هنا وهناك ألوانًا من العذاب والفوضى و الفلتان والاضطراب لم يشهدوا لها مثيلاً من قبل؟ وبعد أن يبحثوا عن الخلاص من الموت ما وسعتهم الحيلة وأسعفتهم الوسيلة؟ وهل من الممكن بالتالي أن يكون حل السلطة  الفلسطينية هو الحل؟؟

     وإذا لم يفعل الرئيس ذلك، واكتفى بالاستقالة احتجاجًا على كل ما ذُكر، فما الذي من الممكن أن يحدث؟ أيتسلم عزيز دويك مقاليد الأمور، فتزول القطيعةُ بين غزة والضفة؟ وهل ستدعو "حماس" عند ذلك إلى انتخابات عامة، وكيف ستكون النتيجة ؟ وكيف سيكون موقف الإسرائيليين ؟ وهل سيحاولون فرض حصار مشدد على الضفة الغربية كالحصار المفروض على قطاع غزة؟ والى متى من الممكن أن يستمر ذلك؟ وما هي ردود الأفعال التي من الممكن أن يثيرها إجراء كهذا على الصعيد الإقليمي، والعربي، والإسلامي، والدّولي؟

      ما الذي تخبؤه الأقدار لهذه الديار، ولكثير من ديار العروبة والإسلام، وبعض أقطار الجوار؟ هل هو الانفراج، وعودة العقل، والاحتكام إلى قانون الخلق والضمير، وشرعة الأمم المتحدة، وقوانين المجتمع الدولي، وعودة الحقوق إلى أصحابها، ورفع الظلم عن المضطهدين المقموعين من عرب هذه الديار .. أم هو الدمار والعنف والخراب، والفوضى والاضطراب والجوع والاحتراب، والموت والقتل وألوان الإبادة والفناء؟؟

       أسئلة كثيرة وتساؤلات تُترك الإجابة عنها للأيام ، وربما للأسابيع القادمة من رحم الغيب .. وإن كنا يقينًا سنظل نراهن على العقلاء الشرفاء من أهل هذه الديار، ومن أبناء البشرية جمعاء لإبعاد شبح الموت والدمار ،ورفع راية السلام العادل الدائم الشريف المقنع على كل هذه الديار، وعلى كل ربوعنا الخضراء.

 

 

15/11/2009


الأربعاء، ١١ تشرين الثاني ٢٠٠٩

في السياسات الإسرائيلية المتعاقبة.. ومفهوم السلام العادل

متابعات

في السياسات الإسرائيلية المتعاقبة.. ومفهوم السلام العادل

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

    من المعروف أن الإسرائيليين قد برعوا منذ أمد طويل في تضخيم قوة خصومهم، وفي اتهام هؤلاء الخصوم بالعمل على إبادتهم، وبأنهم عنصريون لاساميون يكرهون اليهود، ويعدون العدة للقضاء عليهم.. حتى إذا ما نجحوا في ذلك راحوا يحرضون على هؤلاء الخصوم، وراحوا يستقطبون الدول والجمعيات والقوى والمنظمات والشخصيات الاعتبارية في هذا العالم في محاولات دائبة مستمرة لا تكل ولا تملّ لعزل هؤلاء الخصوم، وتعريتهم، وضرب مكانتهم، ومحاصرتهم بكل الوسائل، ومختلف الأساليب.. وكلما نجحوا في ذلك راحوا يكثّفون جهودهم لإنزال أفدح الخسائر المادية والمعنوية بهؤلاء الخصوم، حتى إذا ما عزلوهم وأنهكوا قواهم راحوا يعدون العدة لاحتوائهم، وفرض السيطرة على مقدّراتهم، والتدخل في كل صغيرة وكبيرة من شأنهم الداخلي، وراحوا بعد ذلك، أو قبله، وبالتزامن معه يزرعون أعوانهم، والمعجبين بهم على طول بلدان خصومهم وعرضها، وراحوا يُعِدّونهم لتسلّم مقاليد الأمور في تلك البلدان.

    ولئن نجح هؤلاء الإسرائيليون في تطبيق نهجهم هذا بالحيلة والدهاء وصنوف الإغراء والإغواء في مناطق معينة من أراضي الخصوم والأعداء، ولئن تمكنوا من التحكم بتلك المناطق، وإخضاعها لهيمنتهم إلا  أن هذا لا يعني أنهم تمكنوا من إخضاع الشارع، وإخضاع قوى الشعب العاملة، وفئاته المختلفة من طلبة ومثقفين وأطباء ومحامين ومهندسين ومفكرين ومدرسين وأساتذة وإعلاميين وصحافيين.. الأمر الذي يهدد نفوذهم بالتلاشي والزوال، ويهدد المتعاطفين معهم، والمرتبطين بهم بالضعف والاضطراب والاضمحلال.

    ولئن كانوا قد نجحوا أيضًا هذا النجاح المحدود المنقوص المؤقت الآيل للسقوط في بعض مناطق الخصوم والأعداء على الرغم من وفرة الوسائل، وكثرة الإمكانات؛ فإنهم لم يتمكنوا من تحقيق شيء من هذا في مناطق أخرى، بل إنهم قد خسروا كثيرًا من قلاعهم التي أصبحت تناصبهم مزيدًا من العداء، وأصبحت تواجه مشاريعهم وأساليبهم بمزيد من اليقظة والتبصّر والحذر والذكاء، وتحاربهم بالسلاح الذي يحاربون به خصومهم وأعداءهم.. وهكذا أصبح وضع هؤلاء في هذه المنطقة من العالم: قوة عسكرية هائلة، وحليف أمريكي حاول الإمساك بزمامهم، كما حاول كبح جماح هذه القوة، ثم رضخ من جديد لضغط اللوبي المتنفّذ في أمريكا، والمؤيد لهؤلاء بدون تحفظ وبدون حدود.. يُضاف إلى ذلك غرور، وأطماع في هذه المنطقة من العالم، وأحلام بإقامة مشروعهم عليها مستعينين في ذلك بالأعوان والأنصار والمرتبطين بهم في بعض البلدان والأقطار، ثم بالاعتماد على حلفائهم، ولا سيما الحليف الأمريكي الذي سيستمر في تلبية طموحاتهم وتحقيق رغباتهم وتطلعاتهم تحت ضغط اللوبي اليهودي في أمريكا، وعند حدوث التحول الحقيقي الذي يعكس معه الأمريكيون هذا الاتجاه، أو يحاولون التحكم في خط سيره.. فلكل مقام مقال، ولكل حادث حديث.

    إن هذه السياسة الإسرائيلية القائمة على التوسع، والتدخل والنفوذ، والتنكر لحقوق الآخرين، ومحاولة احتوائهم، ومواصلة العمل من أجل تحقيق الأحلام والأوهام بالعدوان على العرب الفلسطينيين، وبمواصلة العدوان على القدس والمقدسيين، وعلى الحرم القدسي، وعلى كل ما هو فلسطيني.. وإن هذه السياسة الإسرائيلية القائمة على المماطلة والخداع، وكسب الوقت، وفرض الأمر الواقع، والإصرار على تنفيذ الخطط والمخططات الرامية لاحتواء الأمة العربية، والتحكم بأوطانها وإنسانها.. كل هذا وكثير غيره قد كان سببًا كافيًا لخلق جبهة عربية إسلامية موحدة استفادت من كل تجارب الماضي، وأصرت على معاملة هؤلاء بالمثل، متّبعةً أسلوب النَّفَس الطويل، واستنهاض القوى والطاقات والإمكانات لهذه الأمة العربية الإسلامية الواحدة الموحدة في كل ديار العروبة والإسلام.

    إن كافة الخبراء والمحللين السياسيين المنصفين المحايدين المتزنين في هذا العالم يؤكدون على أن من أبرز عوامل استمرار التوتر والاضطراب في هذه المنطقة من العالم هو تعنّت الإسرائيليين، ورفضهم الاستجابة لكل نداءات  السلام الصادرة عن الفلسطينيين، وعن العرب، وعن المسلمين، ومن أسباب ذلك أيضًا جشع اليمين الإسرائيلي المتعنت، وتهرّبه باستمرار من الاستجابة لمطالب الفلسطينيين الواضحة المشروعة التي نصت عليها كافة الشرائع والمواثيق والقرارات الدولية.. ويعتقد هؤلاء الخبراء والمحللون أنه إذا حصل الفلسطينيون على حقوقهم في الدولة المستقلة على أرض سبعة وستين، بما في ذلك القدس الشرقية كاملة غير منقوصة، وبما في ذلك حل قضية اللاجئين الفلسطينيين حلاًّ عادلاً بموجب القرار 194 فإن الأمة العربية ستكون في غاية السعادة، وسوف يكون بإمكان الإسرائيليين عند ذلك أن يعيشوا في هذه المنطقة من العالم بأمن وأمان وهدوء كغيرهم من الناس، وهذا هو مفهوم السلام العادل، وبدون ذلك فإن أحدًا لا يعتقد أن السلام سيحل في هذه الديار في يوم ما.. ويدون ذلك أيضًا ستظل هذه المنطقة من العالم مرشحة لمزيد من المعارك والحروب التي لا يعلم مدى أضرارها وأخطارها وآثارها المدمرة إلا الله.

    إن ما يمارسه هؤلاء الإسرائيليون في القدس منذ عشرات السنين، وإن ما يمارسونه فيها اليوم، وما سيمارسونه غدًا وبعد غد.. وإن ما يمارسونه في الأرض الفلسطينية، وفي الأرض العربية المحتلة منذ العام سبعة وستين.. مضافًا إليه كل ما قاموا به في العام ثمانية وأربعين، وما زالوا يقومون به ضد العرب الفلسطينيين في المحتل من الأرض منذ ذلك العام.. ومضافًا إليه أيضًا أسلوب الغطرسة، ولهجة الاستعلاء والاستكبار، وكل هذه الممارسات التي يفهم منها القاصي والداني في هذه الديار، وفي غيرها من بلدان العالم أجمع أنهم مصّرون على المضي في الشوط إلى منتهاه، وأنهم مصّرون على تحقيق أهدافهم وغاياتهم المرسومة في كل هذه الديار، وأنهم يرفضون كل مبادئ العدل والمساواة وعودة الحقوق وإعادتها إلى أصحابها، وأنهم يرفضون الاحتكام إلى مبادئ الحق والعدل والسلام العادل الدائم المتكافئ الذي لا غالب فيه ولا مغلوب.. كل هذا، وكثير غيره مما كان ويكون وسيكون أيضًا هو سبب ما في هذه الديار من كوارث ونوازل وحروب وفوضى واضطراب، وهو سبب ما فيه أهل هذه الديار من بؤس وضيق وتمزّق واقتتال واحتراب.

    وإن من واجب المتعقّلين والمعتدلين والموضوعيين من الإسرائيليين أن يعملوا جاهدين من أجل كبح جماح هذا اليمين المتطرف الذي لن تؤدي سياساته وممارساته وغطرسته واستكباره وعنصريته إلا إلى مزيد من الكراهية ومزيد من التوتر، ومزيد من الحروب التي ليس من شأنها أن تحسم نزاعًا، أو تنهي صراعًا، وإنما من شأنها أن تحصد مزيدًا من الأرواح، وأن تدمر مزيدًا من الممتلكات، وأن تحرق مزيدًا من الأرض، ومزيدًا من العلاقات الطيبة التي تحرص عليها الشعوب المتحضرة، ويحرص عليها كل محبي الحق والعدل والحرية والسلام في هذا العالم.

 12/11/2009


الأحد، ٨ تشرين الثاني ٢٠٠٩

نعلين وبلعين.. في ذكرى سقوط جدار برلين!!

متابعات
نعلين وبلعين.. في ذكرى سقوط جدار برلين!!
أ‌.         عدنان السمان
    في ألمانيا.. وبعد أكثر من ثمانية وعشرين عامًا على بنائه.. وتحديدًا في اليوم التاسع من تشرين الثاني من العام التاسع والثمانين من القرن الماضي أُعلن للصحافة أن قيود التنقّل بين الألمانيتين قد رُفعت، وأنه قد تم فتح الجدار الفاصل بين برلين الغربية والشرقية، ومن ثمَّ بين برلين وألمانيا الشرقية كلها.. هذا الجدار (لمن لم يطّلع على حقيقته) بوشر ببنائه في الثالث عشر من آب من العام الحادي والستين من القرن الماضي بهدف منع الحركة بين شطري برلين، وبالتالي بين الألمانيتين الغربية والشرقية، وبعد فتحه في مثل يومنا هذا، من شهرنا هذا كان هدمه لاحقًا بشكل شبه كامل.. ثم كان توحيد شطري ألمانيا لتصبح واحدة من أقوى دول العالم صناعيًّا واقتصاديًّا، ولتصبح أيضًا أكبر قوة ناعمة في هذا العالم.
    وفي فلسطين.. وبعد اندلاع انتفاضة الأقصى في الثامن والعشرين من أيلول قبل ثمانية وثلاثين يومًا وسنوات تسع، وتحديدًا في يوم الجمعة الماضي المصادف للسادس من تشرين الثاني تمكن المتظاهرون في نعلين وبلعين من هدم جزء من هذا الجدار السيئ الصيت والسمعة الذي شرع المحتلون بإقامته في أعقاب هذه الانتفاضة ليمزّق هذه "الضفة" تمزيقًا، وليصادروا مزيدًا من أرضها لإقامة مزيد من المستوطنات عليها،  وليحرموا أهل هذه الديار من حقهم الطبيعي المشروع في التنقل والحركة بين قراهم ومدنهم ومخيماتهم، وليحرموا أهل هذه الديار من أبسط حقوقهم في العيش الآمن الكريم، وليحرموهم من أبسط حقوقهم في العمل والإعمار والبناء والحرية والاستقرار.
    نعلين وبلعين أصبحتا رمزًا لمقاومة هذا الجدار الذي أهلك العباد، ومزّق البلاد، وحوّلها إلى معازل محاصَرة لا يملك أهلُها من أمر معاشهم ومعادهم إلا ما تجود به عليهم الأمم.. أما الصناعة والزراعة والتجارة، فقد أصبحتْ نسيًا منسيًّا.. وأما الصنّاع والتجار والزرّاع والعمال والفلاحون والطلبة وسائر قوى الشعب العامل فقد أصبحت أثرًا بعد عين، أو هياكل لا يرى فيها الرائي أكثر من أشباح بلا أرواح بعد أن فقدت هذه القوى مضامينها، وفُرّغت من محتوياتها ومبانيها، واخُتزل الشعب كله في فئة عجيبة من الموظفين فقدت جُلّ معانيها.. تعدد أيامًا وتقبض راتبًا.. ولله عاقبة الأمور!!
    نعلين وبلعين أصبحتا ملتقى الرافضين لهذا الجدار من أبنائهما، ومن الأجانب المتضامنين، والإسرائيليين المستنكرين الغاضبين.. يلتقي هؤلاء الرافضون بعد صلاة يوم الجمعة من كل أسبوع، ليرفعوا الشعارات، ويلوّحوا بالبيارق والرايات، ويطلقوا الهتافات، ويوجّهوا الشعارات والنداءات، ثم ليأكلوا نصيبهم بعد ذلك، أو قبله من أنواع المسيلات والمطاطيات، ومختلف أنواع العيارات البلاستيكية والنارية والغازيّة.. وخلال الكَرّ والفرّ، وفي أثناء تلك الصدامات والمواجهات يسقط الجرحى والشهداء بالعشرات، وتُراق الدماء، ويُساق الأحرار والحرائر ومعهم الأطفال إلى السجون ومراكز التوقيف والتحقيق والمعتقلات.. لا لشيء إلا لأنهم يطالبون بحرِّيَّة شعب، وبإزالة جدار خانق سلب الناس في هذه الديار حرياتهم، وكثيرًا من أراضيهم وبيوتهم وممتلكاتهم، وحدَّ كثيرًا من حركاتهم وتحركاتهم، وحوّل قلقيلية (مثالاً) إلى بحيرة بدون سفن أو أسماك معظم أيام فصل الشتاء!!
    في مثل هذا اليوم الذي يحتفل فيه الألمان بالذكرى العشرين لسقوط جدار برلين.. وفي مثل هذه الأيام التي أثبت الألمان فيها وفي غيرها من أيام للدنيا كلها أنهم شعب حي هزم الهزيمة التي حاقت بهم عام خمسة وأربعين في الحرب العظمى الثانية، وظل يقاوم حتى أعاد وحدة ألمانيا، وظل يعمل ويعمل حتى أصبحت ألمانيا اليوم القوة الناعمة الأولى في هذا العالم.. في مثل هذا اليوم، وغيره من أيام نحتفل نحن الفلسطينيين بهدم جزء من هذا الجدار الذي لم يبلغ جدار برلين –رغم بشاعته- شيئًا مذكورًا مما ينطوي عليه من بشاعة ومهانة وسوء.
    وفي مثل هذا اليوم الذي أعلن فيه الألمان رفضهم لتقسيم الوطن والشعب، وأعلنوا فيه رفضهم لكافة أشكال التدخل في استقلالهم، ومصادر قوتهم، ومستقبل أجيالهم، وقرروا أن يأخذوا فيه مكانتهم اللائقة بهم في مصاف الدول المتقدمة في هذا العالم حتى وجد المجتمع الدولي نفسه مضطرًا لاستحداث المصطلح السياسي (5+1) لأول مرة في تاريخه.. في مثل هذا اليوم.. هل نعمل نحن الفلسطينيين أيضًا من أجل توحيد فلسطين، ومن أجل حريتها واستقلالها، ومن أجل رفع الظلم والضَّيم عن هذا الشعب العربي الفلسطيني الذي آن له أن يعيش حياة كريمة بعد كل هذا العذاب، وبعد كل هذا التشرد والتشتت والحرمان؟؟
    وهل من حقنا أن نتفاءل فنطالب بتعميم ظاهرة نعلين وبلعين في كثير من المدن والقرى العربية الفلسطينية التي نكبها هذا الجدار، وأذاق أهلها سوء العذاب؟ هل من حقنا أن نرفع صوتنا عاليًا مطالبين شعبنا وشعوب العالم أجمع بالعمل الجاد من أجل الخلاص والحرية بإزالة هذا الجدار، وعودة الحقوق إلى أصحابها لنضع حدًّا لهذه المأساة التي تعصف بهذا الشعب، وبهذا الوطن منذ عقود؟؟
وتحية إلى ألمانيا في عيدها المجيد هذا، وتحية إلى نعلين وبلعين رائدتي النضال العربي الفلسطيني نحو الحرية والتحرر والخلاص من هذا الجدار الذي مزّق البلاد، وأهلك العباد.
8/11/2009

الخميس، ٥ تشرين الثاني ٢٠٠٩

حرب أشكنازي القادمة.. أهدافها وأطرافها

متابعات

حرب أشكنازي القادمة.. أهدافها وأطرافها

أ‌.        عدنان السمان

www.samman.co.nr

    هذه التصريحات.. بل هذه التلويحات بشن حرب جديدة على قطاع غزة قبل أقل من عام على سابقتها، وقبل ترميم، أو إعادة بناء ما هدّمته من بيوت الغزيين، وما خرّبته وأحرقته وأتلفته من ممتلكاتهم.. يُضاف إليها هذه الضجة الكبرى حول تدفق أسلحة سورية إيرانية على قطاع غزة! وحول صاروخ مطوَّر يحمل رؤوسًا زنتُها عشراتُ الكيلوغرامات من المواد شديدة الانفجار، ويبلغ مداه ستين كيلومترًا، بمعنى أن بإمكانه أن يصيب كبرى مستوطنات الإسرائيليين تل أبيب على حد قول الصحف العبرية الصادرة في هذه الأيام التي يعيش فيها الفلسطينيون الذكرى الثانية والتسعين لوعد بلفور.. كل ذلك وكثير غيره يشير إلى رغبة الإسرائيليين في شن حرب جديدة على القطاع، أو على الأصح رغبتهم في استئناف الحرب التي لم تتوقف عمليًّا على القطاع، والتي شنّوها في مطلع هذا العام الجاري (2009) وراح ضحيتَها آلافُ الأبرياء من أهل القطاع، ومن سكانه دون ذنب إلا أن يقولوا ربنا الله.

    يقول أشكنازي رئيس أركان الجيش الإسرائيلي:"إن معركة جيشه القادمة ستكون أيضًا في قطاع غزة" وبهذا يكون أشكنازي قد حدد وجهة جيشه في هذا الشتاء.. وأشكنازي بهذا يكون قد حدد مكان معركته القادمة وزمانها.. هذه المعركة التي قد تنقلب بعد ساعات، أو أيام، أو أسابيع، إلى حرب محدودة محصورة في هذا المكان الذي حدده أشكنازي وسط كثافة سكانية هي العليا في هذا العالم، أو حرب خارجة من حدود هذا المكان، إلى أماكن أخرى أكثر اتساعًا جغرافيًّا، وأقل اكتظاظًا سكانيًّا في هذه المنطقة أو تلك من أرض العرب.

    إن أشكنازي الذي بدأ يومَه الثالث من هذا الشهر الحادي عشر من هذا العام بهذا التصريح المشتعل الذي حدد فيه مكان معركته وزمانها.. أشكنازي هذا لم يُطلع وسائل إعلامه التي راحت تتناول تصريحه هذا، وتنشره، وتعلق عليه، أو تروّج له، لم يُطلعها على أهداف تلك الحرب التي سيفجّرها في قطاع غزة، ولم يُشر إلى أطرافها التي قد تشارك فيها رغبةً منها في خوضها لأسبابها الخاصة بها، أو لأنها قد فُرضت عليها، وليس إلى تجنّب الردّ، والمشاركة في وقائعها، وخوض غمراتها من سبيل.. أشكنازي لم يُشر إلى أطراف أخرى قد تخوض هذه الحرب التي يتحدث عنها، وإن كانت الإشارات التي تتحدث عن أسلحة سورية وإيرانية، وصواريخ مطوّرة تستطيع ضرب العمق في تل أبيب قد ملأت الصحف العبرية في هذا النهار.. فهل معنى ذلك أن هذين البلدين سيكونان مشمولين بهذه الحرب؟ وكيف سيتصرف حزب الله حليف هذين البلدين الاستراتيجي على أرض لبنان؟ وكيف من الممكن أن تتصرف الولايات المتحدة أكبر حلفاء إسرائيل ومناصريها في هذا العالم، ولا سيما بعد أن نجح اللوبي اليهودي في إعادة العلاقات بينهما إلى سابق عهدها؟ وكيف من الممكن أن تتصرف روسيا والصين والهند والاتحاد الأوروبي وباقي القوى والدول والتكتلات الإقليمية والدولية في حال اندلاع حرب أشكنازي وجيشه على قطاع غزة.

    أغلب الظن أن من أهداف هذه الحرب التي يعلنها أشكنازي اليوم على القطاع إخضاع غزة بقوة السلاح، مهما كلف ذلك من ضحايا بين صفوف المدنيين الفلسطينيين حجته في ذلك ملاحقة المسلحين الفلسطينيين، والعمل على اجتثاث الإرهاب والإرهابيين الذين باتوا يهددون أمن الإسرائيليين وأمانهم، وبالتالي محاولة فرض الاستسلام على الفلسطينيين، وإرغامهم على توقيع معاهدة سلام بالشروط والمواصفات التي يريدها الإسرائيليون.

    أما أطراف هذه الحرب بالإضافة إلى أهل القطاع المحاصَر فقد تكون إيران التي يتهمها الإسرائيليون بالعمل ضدهم بمختلف الوسائل والأساليب، وقد تكون سوريا التي يبيت لها الإسرائيليون ما  يبيتونه مذ أقاموا كيانهم في هذه الديار، وقد يكون لبنان الذي يتهمه الإسرائيليون بإيواء الإرهاب ممَّثلاً في حزب الله اللبناني، وبعض فصائل المقاومة الفلسطينية المؤيدة لحزب الله، وقد تكون هذه القوى والأطراف مجتمعة.. قد يفاجئ الإسرائيليون لبنان، أو سوريا، أو إيران لدى بدء هجومهم على غزة، وقد يفاجئونها مجتمعة كما حدث في حرب حزيران عام سبعة وستين عندما شنّوا حربهم تلك على مصر وسوريا والأردن في وقت واحد، وربما بفارق ساعات فقط بين قصفهم مطارات مصر، وبدء العمليات العسكرية ضدها، وتوجه طيرانهم بعد ذلك لقصف مواقع محددة في الأردن، وبدء عملياتهم لاحتلال الضفة الغربية، ثم التوجه بعد حسم الموقف إلى الجبهة السورية بكل ثقلهم... وقد يفاجئهم لبنان وحده، أو سوريا وحدها، أو إيران وحده.. وقد تفاجئهم مجتمعة.. أما نتائج هذه الحرب فلا يعلم الغيب إلا الله، وإن كان المراقبون والمحللون يعتقدون أنها ستكون مدمرة، وأنها ستكون حاسمة، وأنها ستكون مؤلمة إلى أبعد الحدود.

    وأغلب الظن أيضًا أن الولايات المتحدة، ومعها دول غربية وأوروبية ستقف إلى جانب إسرائيل، بينما ستقف روسيا والصين والهند ومعظم أقطار العالم الإسلامي والعربي وأقطار أمريكا اللاتينية إلى جانب الفلسطينيين.. في الوقت الذي ستشهد فيه المنظمة الدولية خلافات دراماتيكية، وانقسامات تؤدي إلى عدم اتخاذ قرار حاسم ضد العدوان، والخروج بقرار معتدل صادر عن مجلس الأمن يدعو الأطراف المتحاربة إلى الاحتكام لمفاوضات عاجلة وقد يعقد مؤتمر دولي للسلام وصولاً لاتفاق يضمن أمن إسرائيل، ويدعو إلى احترام رغبة الفلسطينيين في العيش بهدوء إلى جانب إسرائيل.

    إن هذه السياسة الإسرائيلية القائمة على التوسع، والتدخل والنفوذ، والتنكر لحقوق الآخرين، ومحاولة احتوائهم، ومواصلة العمل من أجل تحقيق الأحلام والأوهام بالعدوان على العرب الفلسطينيين، وبمواصلة العدوان على القدس والمقدسيين، وعلى الحرم القدسي، وعلى كل ما هو فلسطيني.. وإن هذه السياسة الإسرائيلية القائمة على الخداع، وكسب الوقت، وفرض الأمر الواقع، والإصرار على تنفيذ الخطط والمخططات الرامية لاحتواء الأمة العربية، والتحكم بأوطانها وإنسانها.. كل هذا وكثير غيره قد كان سببًا كافيًا لخلق جبهة عربية إسلامية موحدة استفادت من كل تجارب الماضي، وأصرت على معاملة هؤلاء بالمثل، مستعملةً أسلوب النَّفَس الطويل، واستنهاض القوى والطاقات والإمكانات لهذه الأمة العربية الإسلامية الواحدة الموحدة في كل ديار العروبة والإسلام، وعليه، فقد باتت المعادلات واضحة، كما بات الوضع السياسي والعسكري هو الآخر واضحًا، وأصبح بالإمكان فهم تصريح أشكنازي الجديد، وتلويحه بشن حرب جديدة على غزة، كما أصبح بالإمكان معرفة الأهداف، والأطراف، ومعرفة المواقف المختلفة  لكثير من الدول والقوى في هذا العالم، وبعد ذلك معرفة العوامل التي قد تحول دون نشوب مثل هذه الحرب التي لا يرغب أهل هذه الديار في نشوبها، وهذا هو بيت القصيد في هذا المقال.

    بإمكان أشكنازي أن يعيد النظر في حربه التي سيشنها على قطاع غزة ظنًّا منه انه بحرب كهذه يستطيع تخليص إسرائيل من مشكلاتها، ومن أزماتها الداخلية المركّبة، وبإمكانه أن يعيش بأمن وأمان بعيدًا عن الحروب التي من الطبيعي أن تشارك فيها أطراف أخرى غير أهل قطاع غزة، وهذه الأطراف كما يعلم أشكنازي جيدًا هي إيران، وكذلك سوريا، ومعهما حزب الله الذي يمتلك ترسانة مذهلة من الصواريخ التي تصل إلى كل نقطة في إسرائيل، كما تقول الصحافة الإسرائيلية، وكما يقول الخبراء والمعلقون الإسرائيليون، وكما يعرف أشكنازي نفسه هذه الحقائق وكثيرًا غيرها.

        وبعد

    فإن إرادة السلام والمحبة والتسامح والعيش الكريم أقوى من إرادة الحرب والكراهية والأحقاد والموت والدمار.. وإن دعاة السلام والعدل والحرية أقوى من دعاة الحروب، ودعاة الكوارث والنوازل وإحلال المصائب بالشعوب.. وإن بإمكان الإنسان أن يختار، ولا أظن أن هنالك عاقلاً يفضّل الحروب والتلويح بها على السلام العادل الدائم الشريف الذي يضمن الأمن والأمان والحرية للشعوب كافة في هذا العالم.

 5/11/2009


الاثنين، ٢ تشرين الثاني ٢٠٠٩

ماذا لو رُفضت مقترحات هيلاري ونصائح نتانياهو؟؟

متابعات

ماذا لو رُفضت مقترحات هيلاري ونصائح نتانياهو؟؟

أ‌.       عدنان السمان

www.samman.co.nr

    هل تعني هذه الضغوط التي يمارسها الجانبان الإسرائيلي والأمريكي على الجانب الفلسطيني أنهما يريدان من الفلسطينيين أن يُساقوا إلى مائدة المفاوضات ليوقّعوا على شرعية المستوطنات، وليعترفوا بالقدس عاصمةً لهذه الدولة العبرية، وليعترفوا أيضًا بأن هذه الدولة التي أقيمت في العام الثامن  والأربعين من القرن الماضي هي دولة لليهود فقط لا لكل مواطنيها، وليعترفوا كذلك بسيادة الإسرائيليين على الأرض والمعابر والحدود والمياه والثروة المعدنية والفضاء الداخلي والخارجي أيضًا؟

    وهل تعني هذه الضغوط أن المطلوب من الفلسطينيين التسليم للإسرائيليين بكافة قضايا الحل النهائي يتصرفون بها كما يشاءون، وكما يشاء لهم الهوى والتعنصر والمزاج، وأن المطلوب منهم أيضًا أن يحتفلوا في ذكرى إقامة الدولة العبرية في الخامس عشر من أيار، وربما في ذكرى انتصار هذه الدولة على أمة العرب في حرب سبعة وستين أيضًا؟ وهل تعني هذه الضغوط أن على الفلسطينيين إلى جانب هذا كله أن يكونوا مستعدين دائمًا لفعل كل ما يُطلب منهم للحفاظ على أمن هذه الدولة العبرية وأمان مواطنيها؟؟

    وماذا لو رفض الجانب الفلسطيني كل هذا؟ ماذا لو أصر على رفضه استئناف المفاوضات قبل وقف الاستيطان وقفًا كاملاً في سائر المستوطنات، وفي مدينة القدس أولاً وقبل كل شيء؟ ماذا لو رفض أي حل لا يضمن إقامة دولة فلسطينية حقيقية كاملة السيادة على كامل الأرض المحتلة منذ العام سبعة وستين وعاصمتها القدس الشرقية وفق حدود الرابع من حزيران من ذلك العام؟ وماذا لو رفض هذا الجانب أن يتنازل عن حق العودة، وعن كافة الحقوق الوطنية الثابتة للعرب الفلسطينيين في بلادهم كما نصت عليها كافة الوثائق والقوانين والمبادئ والقرارات الصادرة عن المجتمع الدولي؟ ما الذي من الممكن أن يحدث لو رفض الفلسطينيون أي تنازل عن أي حق من حقوقهم الوطنية والقومية والتاريخية والدينية الثابتة في هذه الديار؟

    أغلب الظن أن الطرفين الإسرائيلي والأمريكي لن يقبلا بهذا من الجانب الفلسطيني، ولن يكونا سعيدين به، وأغلب الظن أن اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة سيمارس مزيدًا من الضغوط لإرغام الفلسطينيين والعرب والمسلمين على قبول التصورات الإسرائيلية، والأفكار الإسرائيلية، والرؤى الإسرائيلية، والمقترحات الإسرائيلية، والحلول الإسرائيلية لكل قضايا المنطقة.. أغلب الظن إذن أن الأيام القادمة ستشهد تطوراتٍ دراماتيكيّةً حادّة، وأن هذه المنطقة مرشحة لمزيد من التوتر والتسخين، ولمزيد من الضغوط متعددة الرؤوس والزوايا والمحاور التي قد تسفر عن تفجر الموقف في هذه المنطقة من العالم من جديد، وبالتالي انهيار هذه الأوضاع الهشة التي شهدتها هذه الديار في أعقاب احتواء انتفاضة الأقصى.. وأغلب الظن أيضًا أن دائرة الصراع الحادّ المتوقع ستتسع بشكل قد يفوق تصورات الأطراف التي قد تطلق الشرارة التي تفجّر هذا الصراع، وتشعل نيرانه في هذه المنطقة المتفجّرة من جديد.

    لقد وقفت هيلاري كلينتون في القدس تخاطب الفلسطينيين، وتقترح عليهم أن يتوجهوا إلى مائدة المفاوضات مع الإسرائيليين دون شروط، ودون وقفٍ أو تجميدٍ أو تعليقٍ للاستيطان.. كما وقف نتانياهو إلى جانبها ووجّه نُصحه للفلسطينيين باستئناف هذه المفاوضات!! لقد نصحهم ومعه كل غلاة اليمين المتطرف بعدم إضاعة الفرصة التي لن يستفيد من إضاعتها سوى حماس!! غلاة اليمين المتطرف وجهوا النصح للجانب الفلسطيني، والفرحة تشع من وجوههم، وهم يقفون إلى جانب هيلاري وزيرة خارجية أوباما وهي تعلن حالة الانسجام والتطابق بين سياسة بلادها وسياسة هؤلاء اليمينيين ، لتزيل بذلك فترة من التوتر ظنّها كثير من المراقبين تحولاً في السياسة الأمريكية، كما ظنها كثير منهم قبل ذلك انقلابًا سلميًّا أبيض قام به رئيس أمريكي أسود على سياسات بوش وماكين وكوندوليزا رايس في هذا الشرق الأوسط الكبير كما أسمته وزيرة الخارجية تلك.. فإذا هذه كتلك، وإذا هذا كذاك.. وإن اختلف اللون.. فاختلاف الألوان هناك في البيت الأبيض لا يفسد للودّ الذي تريده اللوبيات قضية!!

    وقبل هذا كله، أو بعد هذا كله، وبعد كثير غيره مما قد يُقال، وقد لا يقال.. أليس من حق الناس في هذا الكون أن يتساءلوا بمزيد من الدهشة، ومزيد من الاستغراب، ومزيد من الاستهجان أيضًا عن الجهة المسئولة عن وقف هذه المفاوضات أو تجميدها، أو إلغائها؟ أليس من حق الناس أن يضحكوا كثيرًا أو قيلاً، أو أن يبكوا قليلاً أو كثيرًا وهم يقفون واجمين مشدوهين أمام سيل من هذه التصريحات العجيبة الغريبة المريبة التي تقلب الباطل حقًّا، وتقلب الحق باطلاً، وتدعي أن من حق مَن وضع يده على هذه الأرض بقوة السلاح، وأن من حق من احتلها واغتصبها بقوة الحديد والنار أن يتصرف بها الآن كما يشاء تصرف المالك في ملكه، وأن هذا المعتدي على حق فيما يقول، وعلى حق فيما يفعل، وعلى حق وهو يتهم أصحاب الحق بأنهم المسئولون عن وقف المفاوضات، لأنهم يشترطون وقف الاستيطان قبل استئنافها!! سجِّل يا تاريخ، واشهد يا زمان، واسمعي أيتها الدنيا تصريحات السيدة كلينتون وزيرة خارجية الرئيس الأممي التقدمي التحرري أوباما التي تقول إن الاستيطان ليس عقبةً في وجه استئناف مفاوضات السلام، وإنما المطالبة بوقفه هي العقبة، والمطالِبون بوقفه هم المسئولون عن وقف عملية السلام بِرُمَّتها، وبالتالي فإنهم المسئولون عن كل ما يترتب على ذلك من نتائج!! وإذا كان هذا ما حدث مع انتهاء العام الأول من عهد أوباما، فما الذي من الممكن أن يحدث في قادم الأعوام؟ وما الذي من الممكن أن تأتي به الليالي والأيام؟؟

2/11/2009


الأحد، ١ تشرين الثاني ٢٠٠٩

في ذكراه الثانية والتسعين:

متابعات

        في ذكراه الثانية والتسعين:

وعد بلفور..والتطابق في المصالح والرؤى والغايات.

أ‌.       عدنان السمان

www.samman.com

    من الثابت تاريخيًّا أن آرثر جيمس بلفور صاحب الوعد الشهير في التاريخ باسم "وعد بلفور" كان معجبًا بشخصية الزعيم الصهيوني ثيودور هرتزل، وكان يتعامل مع الصهيونية باعتبارها قوة تستطيع التأثير في السياسة الدولية، وتستطيع إقناع الرئيس الأمريكي (ويلسون) بدخول الحرب العالمية الأولى إلى جانب بريطانيا.. ومن الثابت تاريخيًّا أن إنجلترا كانت قد تبنّت منذ بداية القرن الماضي إيجاد كيان يهودي سياسي في فلسطين يظل خاضعًا لنفوذها، وسائرًا بفلكها، ومحتاجًا لحمايتها، وفي الوقت نفسه يكون مشغلةً للعرب: يُنهك قواهم، ويورثهم الهمّ الدائم، ويعرقل كل محاولة للوحدة فيما بينهم.. ومن الثابت تاريخيًّا أيضًا أن تطابقًا استراتيجيًّا جمع بين توجهات الحركة الصهيونية، وأهداف الدولة البريطانية منذ مطلع القرن العشرين، ومن ذلك ما جاء في صحيفة مانشستر جارديان بقلم رئيس تحريرها آنذاك (تشارلز سكوت) في العام السادس عشر منه، ما ترجَمَته:" كانت بلاد ما بين النهرين مهد الشعب اليهودي، ومكان منفاه، وجاء من مصر موسى مؤسس الدولة اليهودية، وإذا ما انتهت هذه الحرب العالمية الأولى بالقضاء على الامبراطورية التركية في بلاد ما بين النهرين، واقتضت الحاجة لتأمين جبهة دفاعية في مصر تأسيس دولة يهودية في فلسطين فسيكون القدر قد دار دورة كاملة".. وأضافت تلك الصحيفة في مقالها المشار إليه:" ليس لفلسطين في الواقع وجود قومي، أو جغرافي مستقل إلا ما كان لها من تاريخ اليهود القديم الذي اختفى مع استقلالهم.. إنها روح الماضي التي لم يستطع ألفا عامٍ دفنها، والتي من الممكن أن يكون لها وجود فعلي من خلال اليهود فقط.. لقد كانت فلسطين تابعة لمصر، أو سوريا، أو الجزيرة العربية، ولكنها تُعدّ وطنًا قائمًا بذاته بالنسبة لليهود فقط"!!

    وعندما تشكلت اللجنة الملكية لهجرة الغرباء في العام الثاني من القرن الماضي، واستدعي (هرتزل) إلى لندن للإدلاء بشهادته أمامها قال:" لا شيء يحل المشكلة سوى تحويل تيار الهجرة الذي سيستمر بقوة من أوروبا الشرقية. إن يهود أوروبا الشرقية لا يستطيعون البقاء حيث هم ، أين يذهبون؟ إذا كنتم ترون أن بقاءهم هنا – أي في بريطانيا-  غير مرغوب فيه، فلا بد من إيجاد مكان آخر يهاجرون إليه دون أن تثير هجرتهم هذه المشكلات التي تواجههم هنا.. لن تبرز هذه المشكلات إذا وُجد وطنٌ لهم يتم الاعتراف به قانونيًّا وطنًا يهوديًّا".

    لقد كان بإمكان بريطانيا التدخل لمنع تهجير اليهود من أوروبا الشرقية، إلا أنها وجدت أن من مصلحتها توظيف هذه العملية في برنامج توسعها في الشرق الأوسط، فحولت قوافل المهاجرين إلى فلسطين بعد صدور الوعد، وقامت بتوفير الحماية، وتقديم المساعدة اللازمة لأولئك المهاجرين، وهذا في حد ذاته دليل قاطع على تطابق المصالح والرؤى الاستراتيجية بين الحركة الصهيونية، والدولة البريطانية منذ أكثر من مئة عام.

    واستكمالاً لهذا التطابق في المصالح والرؤى والأهداف، فقد أصدر آرثر جيمس بلفور السياسي البريطاني اليهودي (المولود في الخامس والعشرين من تموز 1848 في اسكتلندا، والذي انتُخب لأول مرة في البرلمان البريطاني سنة 1874، وعمل وزيرًا أول لاسكتلندا سنة 1887، ثم وزيرًا رئيسًا لشؤون إيرلندا من عام 1887-1891، ثم أول رئيس للخزانة من عام 1895-1902، ورئيسًا لوزراء بريطانيا من عام 1902-1905) وعدًا لليهود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين، رغبة منه في تقديم "خدمة" للحركة الصهيونية الراغبة في إقامة دولة لليهود، ورغبة منه في تحقيق أهداف الدولة البريطانية الاستعمارية المنسجمة كل الانسجام مع تلك الرغبة، ولقد كان ذلك خلال الفترة التي تولى فيها منصب وزارة الخارجية في حكومة (ديفيد لويد جورج) في الفترة من 1916-1919، وهو الوعد الشهير تاريخيًّا باسم وعد بلفور، والذي وجهه إلى اللورد (ليونيل وولتر دي روتشيلد) في الثاني من تشرين الثاني سنة 1917، وقد جاء فيه: عزيزي اللورد روتشيلد، يسرني جدًّا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عُرض على الوزارة، وأقرته: "إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يُفهم جليًّا أنه لن يُؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق، أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى" وسأكون ممتنًّا إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علمًا بهذا التصريح!!

    ولعل من الثابت تاريخيًّا أن الحركة الصهيونية التي عقدت أول مؤتمر لها في بازل بسويسرا عام(1897) لم تفكر بإقامة هذه الدولة في فلسطين، إلا أن رأيها قد استقر على ذلك بعد موت (ثيودور هرتزل) وهذا وحده ينفي المزاعم القائلة بأن ما فعلته النازية باليهود خلال الحرب العالمية الثانية كان السبب في توجُّههم إلى فلسطين لإقامة دولة لهم فيها هربًا من بطش النازية!! فاليهود –بالتنسيق مع بريطانيا- كانوا قد قرروا إقامة دولة لهم في فلسطين قبل الحرب العالمية الثانية، وقبل المحرقة النازية (الهولوكوست) بزمن طويل!!

    إنه، وفي التاسع من كانون الأول من عام سبعة عشر وتسعمائة وألف دخل الإنجليز مدينة القدس بعد انتصارهم على دولة الخلافة العثمانية، واتفاق الدول التي شاركت في تلك الحرب على اقتسام ممتلكاتها فيما بينها.. ولقد تسلمت القوات البريطانية مدينة القدس من حاكمها التركي (عزت بيك) الذي رأى أن يسلمها لتلك القوات بدون قتال حفاظًا على قدسيتها من جهة، وعلى حياة أهلها العرب مسلمين ومسيحيين من جهة ثانية..

    إن من يُحسن قراءة ما بين السطور، ويحسن قراءة التاريخ أيضًا يدرك أن الإنجليز قد دخلوا فلسطين بعد خمسة أسابيع فقط من وعد بلفور!! وإن من يحسن قراءة التاريخ يدرك أيضًا أن بريطانيا قد أنهت انتدابها على فلسطين في الرابع عشر من أيار من العام ثمانية وأربعين وتسعمائة وألف، وفي مساء ذلك اليوم أعلن دافيد بن غوريون، ومناحيم بيغن قيام دولة "إسرائيل"!!

    وباختصار شديد، فإن الانتداب البريطاني، أو الاحتلال البريطاني قد جثم على صدور الفلسطينيين قرابة واحد وثلاثين عامًا ممهدًا بشتى الوسائل والأساليب لقيام إسرائيل، وأنه لم يخرج إلا بعد قيام هذه الدولة بالفعل على الجزء الأكبر من أرض فلسطين، وهو ما نسبته (78%) ثمان وسبعون بالمئة من مساحتها، مع بقاء الباب مفتوحًا على مصراعيه أمام الإسرائيليين للسيطرة على ما تبقى منها بمرور الوقت، وبالطرق والأساليب التي تقتضيها الظروف والأحوال، وتفرضها طبيعة الصراع، وتطوراته الميدانية على الأرض، وتتطلبها المصالح والأهداف والغايات والرؤى الغربية الصهيونية المشتركة التي قامت بين هذه الحركة ودول الغرب منذ نشأتها وحتى يومنا هذا.

    وبعد

    فلقد تمكنت هذه الحركة بالتنسيق مع تلك الدول من وضع يدها على فلسطين التاريخية، وعلى مساحات واسعة من الأرض العربية، كما تمكنت هذه الحركة ممثَّلةً في هذه الدولة العبرية التي أقيمت على أرض فلسطين من بسط سيطرتها، وتكريس نفوذها في كثير من الأقطار العربية، ولكنها لم تتمكن من تحقيق الأمن لمستوطنيها، ولم تتمكن من تحقيق السلام مع أمة العرب، ولم تتمكن من تحقيق السلام الداخلي والانسجام الاجتماعي والسياسي داخل الكيان الذي أقامته على الأرض العربية، ولم تتمكن من إخضاع عرب هذه الديار، ويبدو أنه من الصعب جدًّا أن تحقق ذلك.. فما الذي جنته هذه الحركة، وما الذي جنته دول الغرب أيضًا من هذا الوعد الذي لا نحتفل اليوم بذكراه الثانية والتسعين، وإنما نذكره بما هو جدير به من النعوت والصفات.. كيف لا؟ وقد كان بداية آلام هذه الأمة، وبداية كوارثها ومعاناتها.. تمامًا كما أرادت بريطانيا وقررت قبل أكثر من مئة عام.

2/11/2009


أوباما.. و الحديث عن نصف الرغيف!!

متابعات

أوباما.. و الحديث عن نصف الرغيف!!

أ‌.       عدنان السمان

www.samman.co.nr

    لا حاجة بنا للتذكير هنا بفرحة مئات الملايين من البشر في هذا العالم عندما فاز براك أوباما برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.. بل لا حاجة بنا للتذكير بفرحة كثير من الناس وتفاؤلهم عندما كانوا يشاهدون أوباما خلال حملته الانتخابية، وما يلقيه فيها من خطابات، وما يطرحه فيها من شعارات يؤكد فيها وقوفه إلى جانب المستضعفين والمظلومين والمضطهدين والجياع، ويؤكد فيها إصراره على إجراء التحول والتغيير، ويتحدث فيها عن ضرورة إعادة الحقوق إلى أصحابها، وضرورة إحلال السلام العادل الذي لا غالب فيه ولا مغلوب، والذي يكفُل العيش الكريم للناس جميعًا في هذا العالم. 

    لا حاجة بنا –في هذا المقام- للخوض في هذا كله، ولا حاجة بنا في هذا المقام لاجترار ذكريات أصبحت من الماضي الذي كان، ولا يسبب اجترارها والخوض فيها إلا مزيدًا من الألم، ومزيدًا من الإحباط لكثير من الناس الذين كانوا يتوقعون أن يكون التحول على يدي أوباما شاملاً يحقق الرِّفاء والازدهار والاستقرار والتقدم للناس جميعًا في الولايات المتحدة الأمريكية، ويحقق العدل والعدالة والأمان والعيش الكريم للشعوب المضطهدة البائسة المنكوبة في هذا الوجود.

    وبدلاً من أن يتابع أوباما سيره على الطريق الذي اختطه لنفسه، وشقَّه بهمته العالية، وثقافته التي ميّزته، وسَمَتْ به على كثير من سياسيّي الغرب وقادته وحكامه، وتجاربه التي تقرّبه من الشعوب المضطهدة، وجذورِه الضاربة في عمق القارة السمراء، وأفكاره الثورية التي ارتفعت به وارتفع بها إلى مصاف القادة الشعبيين الذين عُرفوا عبر التاريخ بحبهم للشعوب، وحرصهم على أمنها وأمانها، واستعدادهم للتضحية في سبيل تقدمها وازدهارها، واستعادة حقوقها، والعيش بكرامة في أوطانها...بدلاً من هذا كله، أو بعضه، وبدلاً من مواصلة السير في هذا الاتجاه الشعبي الأممي لتحقيق العدل والعدالة رأينا أوباما يسير في كثير من الأحيان على خطى سلفه، ورأيناه وهو يصغي لطلبات منافسه الجمهوري، ورأيناه وهو يتورط أكثر في بلاد الأفغان، ورأيناه وهو يقف في العراق أكثر حَيْرةً واضطرابًا، ورأيناه وهو يتراجع تراجعًا مذهلاً في سياسته تجاه القضية الفلسطينية التي فَقِهَها، وحفظ أحداثها وحوادثَها وتفصيلاتها عن ظهر قلب، وشاهد ما لم يشاهدْه غيرُه من صور المآسي والتشرد والضَّياع التي عصفت وتعصف بشعب فلسطين العربي منذ النكبة وحتى يومنا هذا دون أن يتمكن أحد في هذا العالم من وضع حدٍّ لتداعياتها المدمرة، وتراجعاتها الأليمة المذهلة التي جرّدت شعبًا من حقوقه الوطنية والتاريخية والدينية والتراثية والإنسانية في بلاده، في محاولات محمومة لمواصلة اقتلاعه من جذوره، وتهجيره من مواطن طفولته، وملاعب أحلامه، ومرابع صباه وشبابه وذكرياته..

    رأيناه وهو يكفّ عن الحديث في الاستيطان والمستوطنات، ورأيناه وهو يكف عن الحديث في القدس، ورأيناه وهو لا يذكر من فلسطين والقضية الفلسطينية إلا ما اصطُلح في عهد سلفه بتسميته "حلّ الدولتين".. وسمعناه وهو يتحدث عن دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل اليهودية!! ولكننا لم نسمع شيئًا من تفصيلات ذلك، ولم نسمع شيئًا عن أدنى ضمانة لتحقيق ذلك، ولم نسمع شيئًا عن هذا الموضوع بعد ذلك سوى ما جاء من أن أوباما يريد استئناف المفاوضات بدون شروط مسبقة، أي بدون أن يشترط الفلسطينيون ذلك بوقف الاستيطان في المحتل من أرض فلسطين عام سبعة وستين..

    ورأيناه وهو يقف حائرًا أو عاجزًا أمام إصرار الكونغرس على عدم ممارسة الضغوط على نتانياهو!! ورأيناه وهو يقف حائرًا أو عاجزًا أمام تلويح الكونغرس بإفشال مخططاته الإصلاحية في الولايات المتحدة الأمريكية، ولا سيما في مجال العلاج.. ورأيناه بعد ذلك مطالبًا باستئناف المفاوضات بدون شروط مسبقة، وبالكفّ عن المطالبة بوقف الاستيطان لاستئناف هذه المفاوضات!! بمعنى أن المفاوضات يجب أن تستأنف لذاتها! وأن المفوضات مطلب إسرائيلي يتهرب منه الفلسطينيون! وأن المفاوضات قد تستغرق جيلاً بل أجيالاً! وما علينا ما دمنا نفاوض لو فاوضنا مئة عام؟ وماذا لو جعلنا المفاوضات غاية همنا؟ ألا نعدد أيامًا ونقبض راتبًا؟ ألا نحقق مزيدًا من المكاسب الشخصية ويحققون وقائع جديدة على الأرض في كل يوم؟ ألا نتحدث في الاستيراد والتصدير والامتيازات والمعابر والحواجز والدواء والغذاء ويتحدثون عن يهودية الدولة، ومكافحة الإرهاب، وضمان أمن المستوطنين وأمانهم في يهودا والسامرة؟

    وأخيرًا فإن نصف الرغيف الذي تَحدَّث عنه أمر مبالَغٌ فيه جدًّا، فلا نصفَ رغيفٍ مع الاستيطان، ولا لقمةً من رغيفٍ مع الاستيطان الذي يمتد كل يوم، وينتشر ويتوسع كل يوم، ويسيطر على مزيد من الأرض في كل يوم، ويعرف جيّدًا كيف يجفّف منابع الحياة للفلسطينيين، ويقضي على أبسط مقومات حياتهم ووجودهم على أرضهم، والإمعان في عزلهم وحصارهم ومصادرة أراضيهم وممتلكاتهم بهدف تيئيسهم وتركيعهم وإذلالهم والقضاء على طموحاتهم وأحلامهم وآمالهم في العيش الكريم الآمن في بلادهم.. تمهيدًا لتهجيرهم إلى أي خارج، ووضع حد لوجودهم على هذه الأرض التي لا يرغب "أصحابها الجدد" في وجود أحد من الغرباء والأغيار عليها!!!

    وإن مقولة " نصف الرغيف خير من لاشيء" هي مقولة جوفاء مجردة من أي مضمون، لأن الهدف في نهاية المطاف هو "اللاشيء"، وحكاية نصف الرغيف هي اللاشيء الآتي بموجب الخطط والمخططات التي يضعها هؤلاء وأولئك لعرب هذه الديار... ومع ذلك فنحن لن نتشاءم، ولن نيأس لأننا أصحاب حق.. ولأننا طلاب حق.. ولأننا نؤمن إيمانًا عميقًا نفسيًّا وثيقًا أن الحق أبلج، وأن الباطل لجلج، ولا بد للباطل أن يضمحل ويتلاشى ولو بعد حين.

    لقد آن لأوباما أن يعلن عجزه عن فعل شيء لهذه القضية، ولشعب هذه القضية، وأن يكف بالتالي عن ممارسة ضغوطه على أصحاب الحق كي يتنازلوا عن شيء من حقهم، وكي يتنازلوا بعد ذلك عن كافة حقوقهم على مراحل.. فليس أوباما من يفعل ذلك، وليس أوباما هذا هو أوباما الذي راهنتْ عليه شعوب كثيرة مستضعَفةٌ ذات يوم!!

1/11/2009