عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


الاثنين، ٣١ تشرين الأول ٢٠١١

عزيزي المحرر

 
عزيزي المحرر
أ.عدنان السمان
www.samman.co.nr
    رأيت من حقي  أن أخاطب محرري الصحف والمطبوعات ، بعد أن كان الخطاب حكرًا على القارئ العزيز – عزيزي القارئ – مذ كانت الصحافة في هذه الديار العربية الفلسطينية منذ أكثر من مئة عام ،عندما صدرت في يافا أول صحيفة عربية تُكتب بخط اليد في العام الثالث من القرن الماضي ، ثم تكرّر إصدار الصحف والنشرات المطبوعة بعد ذلك في يافا ، وحيفا ، والقدس ،وعكا ، والناصرة ، و طولكرم ، وفي غيرها من مدن فلسطين ..ولقد كانت الصحافة – كغيرها من موجودات تلك الأيام – بدائيةً ، ثم تطورت ، لتصبح على ماهي عليه اليوم، بفضل القائمين على شؤونها في هذه الديار ، وبفضل كل ثمار هذه الثورة الصناعية العالمية ،ومخترعاتها المذهلة في شتى مجالات وسائل الطباعة والكتابة الإلكترونية ، وألوان الاختراعات ، ووسائل الاتصالات والمواصلات ، وثورة المعلومات .. نعم عزيزي المحرر .. رأيت أن أخاطبك، فأفكاري بين يديك .. أولادي بين يديك .. وأنت المؤتمن – عزيزي المحرّر – على مقال أودعته خالص محبتي لك يا ابن هذا الوطن الساحر الآسر الجميل ، وضمّنته كل معاني الوداد لك يا ابن هذا الشعب الأبيّ البهيّ النقيّ النبيل ، لأقول لك بلسان عربيّ مبين غير ذي عوج: لمساتك الفنيةُ سرُّ بهجة هذا المقال ، وسرُّ روعته وحلاوته .. فإذا لامست روعةُ الشكل وجودةُ الإطار روعةَ المكان "على الصفحة" وعنصرَ الزمان حين النشر دون " إخفاء " أو " إبطاء " كان الكمال .. والكمال لله .. إذا كان صاحب المقال من المبدعين المميَّزين  فكرًا وأسلوبًا و رؤًى ، وإذا توافر للمقال ، سموُّ المضمون إلى جانب جمال الشكل من سلامة اللغة ، ورشاقة العبارة ، وقوة الخطاب ، ورصانة الألفاظ  ، وإشراقة الديباجة ، وتدفق الصور ، وصدق العاطفة وتوهجها وتأججها وتألقها ، إلى جانب نبل الأهداف ، وسمو المقاصد والغايات والتوجهات ، وتوجيه الجهات ، ورفض الخنوع والخضوع والتبعية والمذلة وتعّدد الولاءات  ، وكل ما هو آت آت .. فكن – عزيزي المحرر –كما ينبغي أن تكون :كن قطرة الماء ، ونسمة الهواء ، وبسمة الرجاء ، وحبة الدواء ، ولمسة الشفاء .. كن صيحة الإباء ، ورحمة السماء ، وموسم الشتاء ينزل فيه الغيث مدرارًا ، وتجري فيه المياه أنهارًا... "وبعد الليل يكون النور ، وبعد الغيم ربيع وزهور" ..  وقد يكون صاحب المقال رجل قانون، أو علم ، أو عمل ممن لا يحسنون صناعة الكلام ، فليس أقل من أن نشد على أياديهم ،وليس أقل من أن نُنزل ما خصّونا به ، وائتمنونا عليه منزله دون إفراط أو تفريط ، عملاً بمبدأ تكافؤ الفرص ، وعملاً بضرورة احترام كل فكر خلاّق ، وعملاً بحرية القول والتفكير والتعبير.
    واعلم – عزيزي المحرّر – أن جدلية العلاقة القائمة بين عناصر لمساتك الفنية مجتمعةً هي كجدلية العلاقة  بين الشكل والمضمون في العمل الأدبيّ سواءٌ بسواء .. وإذا كانت العلاقة بين الشكل والمضمون – أو بين الإطار والمحتوى في النص الأدبي هي من مسئوليات الأديب ، وهي أيضًا من أسرار نجاحه أو فشله ، فإن العلاقة القائمة بين عناصر لمساتكم الفنية شكلاً وإطارًا ومكانًا وزمانًا هي أولاً وقبل كل شيء قضيةٌ حقوقيةٌ من الدرجة الأولى يلتقي فيها الخاص بالعام ، فهي ليست شخصية فقط ، وليست قضيةً عامة فقط ، وإنما هي مزيجٌ من هذا وذاك .. إنها حقٌ لصاحبها ، وهي حقٌ من حقوق هذا الوطن ، ومن حقوق مواطنيه .. وهي أيضًا قضيةٌ أخلاقية من الدرجة الأولى ، وقضية عدل وعدالة ومساواة .. ثم هي بعد ذلك كله ، أو قبل ذلك كله وسيلةٌ للحكم على حقيقة المجتمع، وطبيعة العلائق الاجتماعية والأخلاقية والسياسية التي تنتظم حياة الناس فيه ،وتعكس مدى ثقة الإنسان بنفسه ، ومقدار إيمانه بمبادئ الحق والخير والجمال ..
     ولا أنسى " عزيزي المحرر " أن أقترح عليك العمل منذ اللحظة من أجل أن يكون لجماعة " المحررين " في البلد نقيب، بعد أن يشكلّوا نقابة ، لرعاية أمورهم أولاً ، ولتنظيم عمل هذه المهنة ثانيًا ، ولتوثيق حكاياتهم وطرائفهم مع الكتّاب .
31/10/2011
 
 
 
 

السبت، ٢٩ تشرين الأول ٢٠١١

حرب السويس في ذكراها الخامسة والخمسين

متابعات
حرب السويس في ذكراها الخامسة والخمسين
أ.عدنان السمان
www.samman.co.nr
    في عام ثمانية وأربعين وتسعمئة وألف تمكنت الحركة الصهيونية بمساعدة بريطانيا وغيرها من دول الغرب والشرق من إقامة الدولة اليهودية على قرابة ثمانين بالمئة من أرض فلسـطين ، وتشريد الغالبية العظمى من أهلها العرب.. لقد كان اليهود غاضبين لأن "بلفور" وعدهم "بوطن" في فلسطين، ولم يعدهم بفلسطين كلها كما جاء على لسان "بن غوريون" – أول رئيس وزراء في إسرائيل – حيث وجه نقدًا شديدًا لصيغة ذلك الوعد.. وعليه فقد ظل اليهود يعملون للاستيلاء على ما تبقى من أرض فلسطين..
    وبعد أن بذلت المملكة المتحدة كل هذه الجهود لإقامة هذه "الدولة" كان من الطبيعي أن تعمل على حمايتها، وتزويدها بكل أسباب القوة والتفوق العسكري على العرب مجتمعين.. بل لقد ذهبت بريطانيا – صاحبة الأيادي البيضاء على العرب – إلى ما هو أبعد من ذلك حيث خاضت الحروب إلى جانبها ومن أجلها .. فقامت مع فرنسا آنذاك بضرب المد القومي العربي المتصاعد في تلك الفترة..لا لشيء إلا لقيام الثورة المصرية (ثورة 23 تموز 1952)، بتخليص مصر من الاحتلال البريطاني الذي جثم على صدرها منذ عام 1882، وبعد معارك فدائية حقيقية في منطقة القناة تم توقيع اتفاقية الجلاء في تشرين الأول من عام 1954، ولقد خرج آخر جندي بريطاني من مصر طبقًا لهذه الاتفاقية في يوم 18/6/1956.. ومن (أسباب) ذلك أيضًا الدور الذي قامت به مصر في إنجاح كثير من المؤتمرات التي كان لها الأثر الكبير في محاربة الاستعمار مثل مؤتمر باندونغ عام 1955، ومؤتمر بريوني عام 1956، وكذلك كسر احتكار السلاح عام 1955، والاعتراف بالصين الشعبية في أيار 1956، ومساندة ثورة الجزائر (1954-1962) .. وفي 26/7/1956 أعلن جمال عبد الناصر القانون رقم (285) لسنة 1956 بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس شركة مساهمة مصرية، الأمر الذي أزعج الغرب، وأفقده صوابه.. فراح يعد العدة للانتقام، وراح يعد العدة للعدوان بهدف احتلال قناة السويس من جديد، وضمان مرور السفن الإسرائيلية، بل وحماية إسرائيل نفسها من الخطر الذي بات يشكّله نظام حكم الرئيس جمال عبد الناصر عليها...
    فقد قامت بريطانيا وفرنسا إلى جانب ربيبتهما وحليفتهما إسرائيل "بشن العدوان الثلاثي على مصر في يوم الثلاثاء الموافق للتاسع والعشرين من تشرين الأول من عام ستة وخمسين وتسعمئة وألف (29/10/1956).. عندما قامت إسرائيل قبيل غروب شمس ذلك اليوم ببدء عملياتها الحربية ضد مصر، حيث أذاع راديو إسرائيل بلاغًا حربيًّا أعلن فيه أن القوات الإسرائيلية قامت باحتلال ثلاثة مواقع مصرية هي "الكونتلا" و"رأس النقب" و"نخل" وكان معنى ذلك أن إسرائيل (بقيادة عساف سمحوني) قد بدأت عدوانها من جنوب سيناء على أن تستمر في هجومها غربًا حتى تصل إلى السويس.. ومن جهة أخرى تعزل القوات المصرية في المنطقة الشمالية من سيناء قريبًا من قطاع غزة.. لقد قامت إسرائيل بعملية إنزال جوي في سدر الحيطان، واجتازت تلك القوة الكونتلا مسوّغة هجومها على تلك المنطقة بأنها كانت "وكراً" لنشاط الفدائيين المصريين، وبالإضافة إلى هذه القوة الاستكشافية كانت قوة إسرائيلية ثانية تحاول الاستيلاء على "القسيمة"، فأم قطف، فأبو عجيلة.. ثم تتقدم غربًا على طريق(أبو عجيلة – الإسماعيلية) للوصول إلى ضفة القناة عند الإسماعيلية بينما تتحرك قوة ثالثة على محور رفح– العريش – القنطـرة بهـدف احتـلال رفـح والعريـش، وبـعد احتلالهما تتحرك قوة رابعة للاستيلاء على قطاع غزة.. وتقوم قوة خامسة بالتحرك من بئر السبع إلى "إيلات" للاستيلاء على "رأس نصراني" وشرم الشيخ.
    وفي الوقت الذي كانت فيه المعارك البرية والبحرية والجوية دائرة بين القوات المصرية والإسرائيلية المعتدية، وبعد مناورات سياسية غربية تمهد للتدخل العسكري، وفي 31/10 أعلنت وزارتا الدفاع في بريطانيا وفرنسا أن عملياتهما الحربية في منطقة قناة السويس قد بُدئت في ساعة متأخرة من ليلة أمس تحت قيادة بريطانية فرنسية مشتركة يتولاها الجنرال "كيتلي" القائد العام للقوات البريطانية في منطقة شرق البحر المتوسط بالاشتراك مع قائد فرنسي برتبة "أميرال"، كما أعلنت القيادة المشتركة لهذه القوات من مقرها في قبرص أن قاذفات القنابل بدأت منذ الساعة السادسة والنصف من مساء 31/10 بمهاجمة الأهداف العسكرية في مصر، وقالت وزارة الدفاع الفرنسية إن هذه الغارات الجوية هي بداية العمليات الحربية المشتركة في منطقة القناة.
    وأمر " أنتوني إيدن" رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، قواته بالنزول في مدن قناة السويس، وفي مدينة بور سعيد على ساحل البحر الأبيض المتوسط إلى الشرق من الإسكندرية.. وغير بعيد من العلمين.. بينما كانت القوات البرية البريطانية الفرنسية الإسرائيلية تتقدم في سيناء على الساحل الشرقي لخليج السويس.. لقد قررت القوات الغازية التي أرسلها البريطاني أنتوني إيدن، والفرنسي جي موليه لنصرة "بن غوريون" في تل أبيب إسقاط نظام حكم الرئيس جمال عبد الناصر في القاهرة الذي أصبح يقف على رأس نظام عربي قومي وحدوي تقدمي لا يهادن، ولا يساوم.. ويصرّ كل الإصرار على استعادة الحقوق كل الحقوق.. وتحرير الأوطان والإنسان.. وإقامة المشروع العربي الواحد الموحد على كل أرض العرب.
    ولا ينسى المواطنون في هذه الديار ما فعله الإسرائيليون في اليوم الأول للعدوان الثلاثي (29/10/1956) بأهالي بلدة كفر قاسم في المثلث الجنوبي، والمجزرة الرهيبة التي اقترفتها أيديهم هناك بهدف إرهاب الأهالي، وقمعهم لضمان عدم تحركهم في أثناء العدوان على مصر.
    ولا يمكن لمواطن في هذه الديار أيضًا أن ينسى ما قام به الإسرائيليون في قلقيلية قبل ذلك بأيام، وتحديدًا في ليل الخميس الموافق للعاشر من تشرين الأول من عام ستة وخمسين وتسعمئة وألف.. تلك الليلة التي دمر فيها الإسرائيليون مركز الشرطة ( حيث أقيمت على أرضه في وقت لاحق حديقة الحيوانات في المدينة ) وقتلوا من فيه، ومن كان حوله في الخنادق من أفراد "الحرس الوطني" آنذاك .. واجتاحوا البلدة.. وقتلوا كثيرًا من شبابها وشباب القرى المجاورة.. حيث بلغ عدد من قتلهم الإسرائيليون في تلك الليلة بقيادة "شارون" مئات الشهداء.. ولا يزال قبر الجندي المجهول الذي ضم كثيرًا من جثث الشهداء، وأشلائهم بعد معارك السلاح الأبيض في وادي عزّون، ماثلاً قائمًا أمام مصنع تشميع الحمضيات (المغلق) شرقي المدينة على جانب الشارع المؤدي إلى مدينة نابلس.. يضاف إلى هذا، وكثير غيره، ما فعله الإسرائيليون في تلك الفترة في قبية، وغرندل، وحوسان، ولاحقًا في السموع، وكثير غيرها منذ قيام "دولتهم".... وما يفعلونه اليوم من تمزيق وتقطيع لأوصال هذا الوطن بهدف السيطرة المطلقة عليه، وتشريد سكانه من جديد.. وما الأهداف "الحقيقية" من بناء جدار الفصل العازل بخافية على أحد: فمن ناحية ينهبون أكثر من نصف مساحة الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام سبعة وستين.. ومن ناحية ثانية يعزلون سائر المدن والقرى والمخيمات (أو ما يسميه المراقبون بالمعازل والكانتونات العربية ) عن بلاد العرب حيث يحيط هذا الجدار (وما يرافقه من مستوطنات يهودية داخلة فيه، وخارجة عنه في شتى الاتجاهات) بما تبقى للعرب الفلسطينيين – شكلاً – من هذه الديار.. ومن ناحية ثالثة سيُرغمون – بمرور الوقت – أكثر من سبعين ألفًا من الفلسطينيين (جعلهم الجدار في الجانب "الإسرائيلي ") على الهجرة من أراضيهم، وسيعزلون في الوقت نفسه نحو مئة ألف من العرب المقدسيين عن مدينتهم ممن جعلهم الجدار خارجها، وسوف يجرّدونهم لاحقًا من هوياتهم "الزرقاء" التي تثبت أنهم مقدسيون الأمر الذي سيلحق نكبة حقيقية بالقدس والمقدسيين في المستقبل القريب، وسيضع حدًّا لوهم الدولة الفلسطينية المنشودة التي تكون القدس عاصمة لها!!! ومن ناحية رابعة فقد ضمن الإسرائيليون تقطيع أوصال هذه المعازل والكانتونات الفلسطينية، وعدم وجود أي تواصل جغرافي بينها.. وهذا معناه القضاء المبرم على الحركة الزراعية، والصناعية، والتجارية، وهذا يعني باختصار إنهاء الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمستقبلية لهذا الشعب تمهيدًا لتهجيره إلى أي خارج!! ومن ناحية خامسة يضمن هذا الجدار ضم غالبية المستوطنين (600.000) ستمئة ألف مستوطن إلى إسرائيل أو على الأصح توسيع حدود إسرائيل لتضم إليها هؤلاء المستوطنين، ومعهم بالطبع ما غنموه من أراضي العرب الفلسطينيين وممتلكاتهم!!
    بعد مرور اربعة وتسعين عامًا على وعد بلفور ،وأكثر من ثلاثة وستين عامًا على قيام ( إسرائيل) يجد نصف الفلسطينيين أنفسهم لاجئين بعيدين عن وطنهم، ويجد نصفهم الآخر نفسه غريبًا مضطهدًا جائعًا على أرض وطنه!! بينما تمتد أنظار الإسرائيليين بعيدًا في أعماق الأرض العربية لأنهم يرون أنهم السادة الجدد لهذا " الشرق الأوسط" الجديد!!
    إن الأمة العربية  الماجدة في كل ديار العروبة والإسلام، ومعها كل الشرفاء الأحرار في هذا العالم، قد قالت كلمتها في كل أعدائها الذين ظلموا البشرية، وظلموا أنفسهم بجشعهم وطمعهم وكذبهم وافترائهم وعدوانهم .. وسيندم هؤلاء، ولكن لات حين مندم، ولن يكون مصيرهما بأفضل من مصير إيدن، وحليفه الفرنسي موليه قبل خمسة وخمسين عامًا عندما هُزما شر هزيمة في حرب السويس التي فرضاها على شعب مصر لإذلاله، والعودة به إلى عصور الإقطاع والتبعيّة والاستعمار.
وإن الأمة العربية ، وهي تعيش ذكرى حرب السويس في هذه الأيام ، لَتؤكّد بما لا يدع مجالاً لأدنى شك أنها قد عرفت طريقها ، وأنها قد قررت حماية أوطانها ، وتوحيد بلدانها ، وإعلاء بنيانها ... وما ذلك على الله بعزيز.
29/10/2011
 

الأربعاء، ٢٦ تشرين الأول ٢٠١١

في حل الدولة وحل الدولتين .. فلسطين .. ومبدأ القسمة على اثنين

 متابعات
في حل الدولة وحل الدولتين .. فلسطين .. ومبدأ القسمة على اثنين
أ.عدنان السمان
          هذه القضية الفلسطينية التي شغلت الرأي العام العالمي منذ البدايات الأولى للقرن الماضي ، ولا تزال .. وشهدت المنطقة بسببها كثيرًا من الحروب والتوترات ، ولا تزال النار تحت الرماد .. هي نفسها القضية الفلسطينية التي ما زالت المحافل الدولية تبحث لها عن حل ، وما زالت الولايات المتحدة الأمريكية ، ومعها كثيرٌ من دول أوروبا ، وكثيرٌ من دول العرب تبحث الوسائل الكفيلة بوضع حل الدولتين – الذي وضعته إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش – موضع التنفيذ بعد أن رفض الإسرائيليون ، ورفض معهم الغرب بشقيه فكرة الدولة العلمانية التي اقترحها الراحل ياسر عرفات منذ أربعة عقود .. وبعد أن رفض الإسرائيليون والعرب والمسلمون قرار التقسيم الصادر في التاسع والعشرين من تشرين الثاني عام سبعة وأربعين . أمّا رفض الإسرائيلين لمشروع قرار التقسيم فلأنهم كانوا يخططون لوضع اليد على أراضي الدولة العربية التي نص مشروع القرار على إقامتها إلى جانب الدولة العبرية ، الأمر الذي نفّذه الإسرائيليون عندما أقاموا دولتهم في الخامس عشر من أيار عام ثمانية وأربعين ، أي بعد ستة أشهر وأربعة عشر يومًا فقط من صدور ذلك القرار ، عندما ضموا ثلاثة عشر بالمئة من مساحة فلسطين في ذلك اليوم إلى دولتهم العبرية بزيادة قدرها ( 6210) ستة آلاف ومئتين وعشرة من الكيلومترات المربعة ، لتصبح مساحة " دولتهم " آنذاك ( 21060 ) إحدى وعشرين ألفًا وستين من الكيلومترات المربعة بدلاً من ( 14850 ) أربعة عشر ألفًا وثمانمئة وخمسين كيلو مترًا مربعًا من مساحة البلاد البالغة          ( 27009 ) سبعًة وعشرين ألفًا وتسعة من الكيلومترات المربعة . وقبل الانتقال إلى شق المعادلة الثاني لا بد من الإشارة إلى احتلال الإسرائيليين ما تبقى من أرض فلسطين في حرب حزيران عام سبعة وستين ، وهو ما كان بن غوريون قد أشار إليه وهو يعلن قيام ( إسرائيل ) عصر الرابع عشر من أيار من أن إسرائيل ستفرض على الأغيار فيما تبقى من أرض إسرائيل حلاًّ اقتصاديًّا... وعلى الرغم من مرور أكثر من ثلاثة وستين عامًا من قيام الدولة العبرية إلاّ أنّ ما يحدث عمليًّا على أرض فلسطين التاريخية هو ما رسمته الصهيونية العالمية ، وما قاله بن غوريون إضافةً إلى نحو ستمائة ألف مستوطن يعيشون في " يهودا والسامرة " ، ويضعون أيديهم على ثمانين بالمئة من مساحة هذه الضفة ، ويمنعون تواصل شعبها ومدنها وقراها ، ويحاصرون القدس والخليل ونابلس وغزة وغيرها حصارًا لم يشهد له تاريخ هذه البلاد مثيلاً من قبل ، ويهودون ما تبقى من أرض فلسطين بشكل غير مسبوق ... وأمّا رفض العرب والمسلمين لمشروع قرار التقسيم - الذي رفضه الإسرائيليون للأسباب التي مر ذكرها – فلأسباب خاصة بهم ، منها وعلى رأسها أن فلسطين أرض عربية إسلامية لا يمكن التفريط بشبر منها مهما كانت الأسباب ، ومهما كانت النتائج أيضًا ... وعلى الرغم من كل ما حصل بعد ذلك من توقيع المعاهدات والاتفاقات في كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة ، وعلى الرغم من كافة التطورات التي حصلت بعد ذلك إلاّ أن ما يمكن قوله بملء الثقة هو أن حل الدولتين انطلاقًا من مشروع قرار التقسيم ، وصدور القرار الدولي رقم ( 181 ) عام سبعة وأربعين مرورًا بكل محاولات المجتمع الدولي لوضع ذلك القرار موضع التنفيذ ، ومرورًا بفكرة حل الدولتين الذي تبناه بوش ، وتتبناه الولايات المتحدة وأوروربا وكثيرٌ من دول العرب ، وحتى يومنا هذا هو حلٌّ إلى الخيال أقرب منه إلى الواقع ، لأن الإسرائيليين قد فرضوا سيطرتهم على كل أرض فلسطين ، ولأن الإسرائيليين يعلنون في كل يوم أنهم ليسوا على استعداد للتخلي عن أي جزء من أرض إسرائيل للآخرين ، ولأن فلسطين وطنٌ يرى كثيرٌ من المراقبين والخبراء والمحللين السياسيين أنه لا يقبل القسمة على اثنين ، ولأن كثيرًا من الفلسطينيين داخل فلسطين وخارجها يرون ما يراه هؤلاء المراقبون والخبراء والمحللون ، ولأن الدنيا كلها لا تستطيع فرض هذا الحل على الإسرائيلي الذي يعتقد جازمًا أن من حقه المطلق أن يسكن في أي مكان من أرض إسرائيل .
    وإذا كان الأمر كذلك ، وإذا كان الفلسطينيون أيضًا يرون من حقهم ما يراه هؤلاء ، وإذا كان كافة الفلسطينيين خارج حدود فلسطين التاريخية مشمولين بالقرار ( 194 ) الذي يضمن لهم حق العودة إلى ديارهم ، وإذا كان كل طرف عاجزًا عن إبادة الطرف الآخر ، وإذا كان مبدأ الإبادة أيضًا مرفوضًا إنسانيًّا ودوليًّا وإذا كان لا بد من وضع شريعة الحق والعدل موضع التنفيذ في هذه الديار ، وإذا كان لا بد من حل هذه القضية الفلسطينية حلاًّ عادلاً يستطيع معه الناس كل الناس في هذه الديار أن يعيشوا بأمن وأمان ووئام وسلام ، ولمّا كان كل ذلك ممكنًا إذا تنازل المتطرفون عن تطرفهم ، والحالمون عن أحلامهم ، والواهمون عن أوهامهم ، والعنصريون عن عنصريتهم ، فلماذا لا يتنازلون ؟ أليس من الحكمة أن يعيش الناس في هذه الديار بأمن وأمان وسلام قبل أن تهب عليها العواصف والأنواء من كل جانب ، وقبل أن تجتاحها زوابع الخريف وأعاصير الشتاء ،  فلا يملك أحدٌ لأحد شيئًا ، وعند ذاك قد يندم المخطئون المستكبرون ولات حين مندم ؟.
 
26/10/2011

الخميس، ٢٠ تشرين الأول ٢٠١١

في هذا اليوم التاريخي رقصَ التاريخ !!

نسخة معدلة
متابعات
في هذا اليوم التاريخي رقصَ التاريخ !!
أ/ عدنان السمان
www.samman.co.nr
   كيف لا يكون هذا اليوم الذي تحرّرت فيه أسيراتٌ ، وتحرّر فيه أسرى يومًا تاريخيًّا ؟ وكيف لا يرقص التاريخ على وقع هذه الموسيقى الشجية ، ورنّات هذه الزغاريد التي تشقّ أجواز الفضاء ، وتصدح بها أفواه شقيقات الأسيرات والأسرى ، وأمهاتهم ، وزوجاتهم ، وبناتهم ؟ وكيف لا يكون مشهودًا هذا اليوم التاريخي الذي قال فيه  هذا الشعب كلمته ، وفرض فيه هذا الشعب إرادته ، ورقص فيه التاريخ رقصته ؟ هل من حقّي أن ألطم الخدود ، وأشق الجيوب ، وأذرف الدمع مدرارًا على مرأى  ومسمع من جيران فرحين محتفلين مبتهجين ؟ وهل من حقوق الجوار والقربى أن أفسد على الناس فرحتهم في يوم انتصرت فيه القلة على الكثرة ، و فرض فيه المستضعَفون رأيهم ، وقالوا فيه كلمتهم ، وأثبتوا فيه للدنيا كلها أنهم الصادقون الأوفياء الأكفياء المؤتمنون على الرغم من كل عوامل الضعف والتمزق والتشرذم والحصار ، وعلى الرغم من لعبة ليّ الأذرع في ظروف صعبة غير متكافئة ، وعلى الرغم من كل صيحات السخرية  والاستهزاء والاستخفاف والتشكيك ؟ وهل يليق بكائن من كان أن ينتقص من فضل أهل الفضل ، لأنه وحده الفاضل ، ولأنه وحده العامل ، ولأنه وحده المناضل ، ولأنه وحده المفوَّض بالحديث نيابةً عن المواطنين ، ونيابةً عن الأوطان ، ولأنه وحده القادر على الإتيان بما لم تستطعه الأوائل ؟!!.
    لا يليق بي كإنسان ، ولا يليق بي كمواطن ، ولا يليق بي كعامل من أجل إحقاق حقوق هذا الشعب في الخلاص والتحرر والعودة وتقرير المصير أن أفرض وصايتي على الناس ، وأن أنفرد باتخاذ القرار ، وأن أفرض رؤيتي على غيري ، وأن أمارس الضغط على كافة الاتجاهات والتوجهات والقوى الوطنية والإسلامية والقومية ، وأن أعمل على محاصرتها ،واتهامها ، وعلى تنفير الناس منها ، وعلى ممارسة التغرير والتضليل وشراء الذمم لا لشيء الاّ لتكون كلمتي  هي العليا !! ولتكون أفكاري  وتصوراتي هي السائدة في المدارس والمساجد والكنائس والمعاهد والجامعات والمؤسسات والجمعيات والاتحادات والنوادي ، وفي كافة الأوساط السياسية والاجتماعية والثقافية والنقابية !!. لا يليق بي أن أسلك هذا السلوك ، ولا يليق بي أن أفعل شيئًا من هذا إذا كان صنع الإنسان الحر غايتي ، وإذا كان تحرير  الوطن من الطغيان والعدوان والتبعية هدفي ، وإذا كان بناء الأوطان ، وإعلاء البنيان ، وكرامة الإنسان ، ووحدة كل أقطار العروبة والإسلام هي ما أطمح إليه ، وأصر عليه .
    صحيحٌ أن الفرحة لم تكتمل ، وصحيحٌ أن في القلب ألف غصة وغصة ، وصحيح أن ما حصل في هذا اليوم التاريخي لم يرتفع إلى مستوى طموحاتنا ، ولم يحقق كل أهدافنا في تحرير كافة الأسيرات والأسرى ، وصحيحٌ أن آلاف الأسرى ما زالوا في السجون والمعتقلات ينتظرون ساعة الخلاص ، وصحيح أنه بعد عملية العام خمسة وثمانين لم يبق في سجونهم إلا ثمانية عشر أسيرًا أصبحوا مئتي أسير – على ما أذكر – عام ثلاثة وتسعين عند توقيع اتفاق أوسلو ، ليرتفع العدد بالتدريج إلى نحو عشرة آلاف في أعقاب الانتفاضة الثانية .. ولكن صحيح أيضَا أنه لم يكن بالإمكان أفضل مما كان ، وصحيح أيضًا أن تحرير أسير واحد خير من لا شيء ، وصحيح كذلك أن على من لم تعجبه صفقة شاليط أن ينجز خيرًا منها ، وأن على من له تحفظات عليها أن يأتي مشكورًا بما لا يستطيع أحد أن يتحفظ عليه ، أو يقلل من شأنه.. علمًا بأن الكمال لله وحده ، وعلمًا بأن العمل في تلك الأحوال البالغة الصعوبة والتعقيد التي عمل فيها أصحاب هذا الإنجاز كان كافيًا للدلالة على أنهم رجال الإرادة والعزيمة والإصرار ، وكان في حد ذاته شهادةً تفخر بهم وتفاخر في هذا الزمان الذي راجت فيه هذه الشهادات التي فقدت مضامينها ، وكانت إلى شهادات الزور والخداع أقرب .
    ألا فليتق الله أولئك الواهمون الذين لا يريدون أن يعملوا ، ولا يريدون لغيرهم أن يعمل ، ظنًّا منهم أنهم قادرون على صنع عالم جديد ، وحياة جديدة باسمة رغدة لينة بالأمنيات والتمنيات والأحلام  والأوهام ، وظنًّا منهم أنهم قادرون على فرض هذه الثقافة على الناس .. وليتق الله في أنفسهم  ووطنهم أولئك الذين باتوا يعتقدون أنهم كل شيء ، وأن غيرهم لا شيء ، وأنهم هم الوطن الذي يصنعونه ويفصّلونه وفق هواهم ، وأن المواطن لن يكون إلا أداةً يحققون من خلالها أهدافهم وأمنياتهم وتطلعاتهم.. وليعلموا أن التاريخ لم يرحم جبانًا، ولم يغفر لمتخاذل ، والويل الويل لمن حلّت عليه لعنة التاريخ .
 
20/10/2011
 

الأحد، ١٦ تشرين الأول ٢٠١١

في تمزيق الممزَّق .. وتفتيت المفتّت

متابعات
في تمزيق الممزَّق .. وتفتيت المفتّت
أ.عدنان السمان
www.samman.co.nr
    لم يكتف الغرب بما فعله في كل ديار العروبة والإسلام، منذ عهد الثورة الصناعية في أوروبا، واختلال موازين القوى بين الغرب والشرق العربي الإسلامي  من غزو مسلح لكثير من أقطار العروبة ، ولكثير من بلدان المسلمين ، ولم يكتف بتجريد الدولة العثمانية من كثير من أملاكها وممتلكاتها في أوروبا وإفريقيا وآسيا ، ولم يكتف بالسيطرة المسلحة على كل هذه الأقطار التي سيطر عليها حتى راح يغزوها فكريًّا وثقافيًّا ، ويعبث بعقائدها ومعتقداتها ومناهجها المدرسية ، بل راح يعد العدة لإعلان حرب عالمية شاملة على الدولة العثمانية ، بهدف تقاسم ما تبقى من ممتلكاتها بين تلك الدول الغازية من غرب الدنيا وشرقها ، وبهدف إسقاط نظام الخلافة الإسلامية ، وغزو تركيا العثمانية في عقر دارها ، حتى إذا ما تم له ذلك ، راح يحكم سيطرته على تركيا العلمانية الجديدة التي ربطها بعجلته ، وجعل منها بلدًا تابعًا يسير في فلكه ، وراح يحكم سيطرته على ماجاورها من أقطار، ويقيم فيها كثيرًا من الدول والدويلات وأشباه الدول ليسهل عليه حكمها ، وليسهل عليه التحكم بمواطنيها ، بعد أن تقاسمتها دول الغرب فيما بينها بحسب ما جاء في اتفاق سايكس- بيكو .. لقد أصبح كثيرٌ من أقطار العالم العربي الإسلامي مستعمرات غربيًّة منذ البدايات الأولى للقرن الثامن عشر ، ثم  تبعتها أقطارٌ عربية وإسلامية أخرى على امتداد القرن التاسع عشر ، وبحلول القرن العشرين وسّع الغرب من دائرة سيطرته وعدوانه ، فكان احتلال العراق وبلاد الشام وغيرهما من أقطار العروبة ، وكانت المقدمات الأولى التي مهدت لوضع وعد بلفور موضع التنفيذ ، وإقامة الدولة العبرية على الجزء الأكبر من أرض فلسطين بعد انتداب بريطاني دام أكثر من ثمانية وعشرين عامًا على هذه الديار.
   ولئن تكمن الغرب من إخضاع الوطن العربي لسيطرته، على الرغم من الثورات الكثيرة التي فجرتها الشعوب ضده في كل أقطار العروبة والإسلام ، وعلى الرغم من أعمال العنف والعنف المضاد التي طبعت الحياة اليومية بطابعها في كثير من الأقطار .. ولئن تمكن الغرب من تمزيق هذا العالم العربي الإسلامي شر ممزّق على امتداد القرن الماضي ، ولئن تمكن الغرب على امتداد العقود الكثيرة الماضية من نهب ثروات هذا العالم العربي الإسلامي أيضًا ، وبسط سيطرته المطلقة ، أو شبه المطلقة على الغالبية الساحقة من الأقطار في ديار العروبة والإسلام ، ولئن تمكن من إقامة أنظمة حكم موالية له في معظم هذه الأقطار إلا أن المحاولات للانقضاض على أتباعه وأزلامه في كثير من ديار العروبه لم تتوقف ، والمحاولات الجادة للخلاص من نفوذه وسيطرته وتحكمه وعبثه ونهبه وسلبه وعدوانه على البلاد والعباد في كثير من هذه البلاد لم تتوقف هي الأخرى ، والمحاولات الجادة لتشكيل الأحزاب والجمعيات والجماعات والحركات والاتحادات واللجان والهياكل والأجسام الشعبية ، وكافة الأسماء والمسميات والعناوين الكبيرة والصغيرة ، والفلسفات والأفكار المتمردة على كل أشكال العدوان والاستعمار والامبريالية قد استمرت في عناد وإصرار منذ أن وضع الغربيون أرجلهم على ثرى العروبة ، ولقد أتيح لبعضها أن ينجح ، ولقد أتيح لبعضها أن يقيم دولاً حرّة في بعض أقطار العروبة ، ولقد أتيح لبعضها الآخر أن يعلن هذا الشكل أو ذاك من أشكال الوحدة بين بعض أقطار العروبة قبل أن يتحرك الغرب لإحباط مثل هذه المشاريع العربية لإقامة دولة العرب الواحدة الموحدة على كل أرض العرب.
   ولئن تناوب الغرب على غزو هذا العالم العربي الإسلامي منذ عهد الثورة الصناعية في أوروبا بعد موجات الحروب الصليبية التي غزت ديارنا في القرون الوسطى ، ولئن لعبت جمهورية نابليون بونابرت دورًا لا يمكن لآثاره أن تمحى في مصر ولبنان وسوريا والجزائر والمغرب وتونس ، وفي كثير ن أقطار إفريقيا ، ولئن كانت فرنسا حتى اليوم تحاول استعادة شيء من " أمجاد" الامبراطورية الفرنسية تلك .. ولئن كانت بريطانيا هي سيدة الموقف في معظم أقطار العالم العربي الإسلامي ، والامبراطورية التي لا تغيب الشمس عن ممتلكاتها على امتداد قرنين متتاليين من الزمان ، فإن خروج الولايات المتحدة الأمريكية منتصرة من الحرب العالمية الثانية بُعيد إلقائها القنبلتين الذريتين على هيروشيما ونجازاكي في السادس والتاسع من آب  خمسة  وأربعين قد شكل بداية وجودها الثقافي والسياسي الفاعل ، ثم وجودها العسكري في كثير من أقطار العروبة .. لقد تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية  من تعقب بريطانيا في كثير من أقطار هذا الشرق العربي الإسلامي ، وتمكنت من هزيمتها في كثير من هذه الأقطار ، الأمر الذي أقنع بريطانيا ومعها فرنسا وبعض دول أوروبا بضرورة العمل تحت لواء الولايات المتحدة الأمريكية في هذا العالم العربي ، لأن شيئًا خيرٌ من لا شيء ، ولأن هذه هي طبيعة المعسكر الراسمالي الغربي منذ أن كان ، وحتى يومنا هذا .
   الولايات المتحدة الأمريكية التي تقربت من الشعوب ، وحاولت إرضاءها  وهي تدخل هذه المنطقة من العالم في منتصف القرن الماضي، والولايات المتحدة الأمريكية التي حاولت جاهدًة أن تقف موقفُا وسطًا من الصراع العربي الإسرائيلي عند قيام الدولة العبرية، وبُعيد قيامها، والولايات المتحدة الأمريكية التي حاولت التقرب من الشعب العربي الفلسطيني في أثناء نكبته ، وخلال الأعوام التي تلت عام النكبة ، وقدمت له كثيرًا من المساعدات التموينية والغذائية والدوائية والصحية والمالية ، وقدمت كثيرًا من هذه  المساعدات أيضًا لكثير من شعوب هذه المنطقة هي نفسها الولايات المتحدة التي أدركت أن عليها أن تستبدل الجزرة بالعصا في مرحلة لاحقة ، وأن عليها أن تثبت وجودها - كما ينبغي – في هذه المنطقة ، وهي تتصدى للاتحاد السوفياتي ، ولليسار العربي المتحالف معه ، وللمد الإسلامي المتصاعد بعد ذلك في كثير من ديار العروبة والإسلام .. ولئن تمكنت الولايات المتحدة من احتواء هذا المد الإسلامي في البدايات الأولى لتناميه في هذه المنطقة من العالم ، ولئن تمكنت من تسخير المشاعر الدينية لخدمة أهدافها وغاياتها في حربها ضد الاتحاد السوفياتي ، وفي حربها على اليسار العربي منذ منتصف القرن الماضي ، وضد المد الشيوعي في بعض ديار الإسلام ، وفي حربها على الحكم الشيوعي في بعض ديار المسلمين ، إلا أن الولايات المتحدة قد ألفت نفسها أمام قوًى  وتيارات فكرية عربية إسلامية أنضجتها التجارب ، وعركتها الأيام بعد تمرسها بالعمل العسكري ، وممارساتها السياسية الثقافية النقابية الفكرية التي ارتفعت بها إلى مصافّ كثير من الأنظمة الحاكمة في شرق الدنيا ، وإلى مصافّ كثير  من الأنظمة في هذا العالم ، لقد أدركت الولايات المتحدة عندها أن السحر قد انقلب على الساحر ، وكان عليها آنذاك أن تكتفي بانهيار الاتحاد السوفياتي ، وانحسار مد اليسار العربي ، وأن تاخد العبر والدروس المستفادة من التاريخ ، وأن تدرس الوقائع والأحداث والتطورات  في العالم العربي الإسلامي على ضوء الواقع ، وعلى ضوء الرؤية التاريخية ، وضوء مصباحها  الذي لا ينطفئ ، وعلى ضوء فلسفة الرئيس الأمريكي الأسبق آيزنهاور وهو يشرح نظريته في ملء الفراغ .. وبدلاً من ذلك ، وبدلاً من استخلاص الدروس والعبر ، وبدلاً من التوجّه إلى هذا العالم العربي الإسلامي الواسع بروح جديدة ، ورغبة صادقة في بناء علاقات استراتيجية مع شعوبه وأممه ودوله تقوم على التعاون المثمر ، وتبادل المنافع والخبرات ، وتنمية الأوطان والإنسان ، والعمل على التطوير وتحقيق الرِّفاء والتقدم ومكافحة الفقر والجهل والمرض ،  ومحاربة اليأس والقنوط والتخلف والكسل ، ونشر ثقافة العمل والأمل ، وبدلاً من الجهود المشتركة لبناء عالم جديد خال من كل أسباب التوتر والحروب والخلافات والمنازعات ، وبدلاً من العمل المشترك لمكافحة الظلم والتشرد والجريمة ، ومناصرة الحق والعدل ، ونشر رايات السلام العادل الدائم الشريف المقنع فوق ربوع هذا العالم .. إنه ، وبدلاً من هذا ، وكثير غيره مما يمكن فعله من أجل خير البشرية وسعادتها وهدوئها وأمنها وأمانها واستقرارها ، وبدلا من التوجه لصنع مستقبل مشرق سعيد لكل الناس في هذا العالم رأينا الولايات المتحدة تعرض عن هذا كله لتعيد إلى الأذهان " أمجاد " الامبراطورية الفرنسية ، وأمجاد الامبراطورية التي لا تغرب الشمس عن ممتلكاتها ، وأمجاد الغرب الأوروبي الذي لم يرحم في يوم من الأيام حجرًا أو شجرًا أو بشرًا ، ولم يتورع عن ممارسة أبشع ألوان القصف الجويّ والبريّ والبحريّ ، وعن ممارسة أبشع أنواع المجازر ضد الناس في كثير من ديار العروبة والإسلام ، ولم يتورع عن قتل المدنيين من نساء وأطفال وشيوخ ومرضى في سبيل تحقيق أهدافه وغاياته في فرض سيطرته ، ورفع راياته على أشلاء رايات العروبة ، وعلى أشلاء رايات الإسلام .. وعلى أشلاء رايات الحق والعدل والسلام ، مزهوًّا بقوته العسكرية ، وامتلاكه آلات القتل والدمار التي مكنته من امتلاكها ثورته الصناعية التي كانت في كثير من أشكالها وصورها وتطبيقاتها العملية على الأرض وبالاً على البشرية ، ودمارًا شاملاً حل بكثير من أقطار هذا الكون .
    رأينا الولايات المتحدة الأمريكية - مع  بالغ الأسف – تجتاح أفغانستان .. وتجتاح العراق .. ورأينا الولايات المتحدة الأمريكية تناصب العرب العداء ، وتقلب ظهر المجن لكل قضاياهم العادلة ، وتتنكر بشكل غير مسبوق لكل آمالهم وتطلعاتهم في الحرية والتحرر والتقدم والنهوض ، وتحكم السيطرة على أوطانهم وثروات بلادهم .. ولم يقف الأمر عند هذا الحد ، ولم تكتف الولايات المتحده بكل هذا ، ولم تكتف بالخروج على كثير من مبادئ العدل والحق التي تضمنها الدستور الأمريكي ، ولم تكتف بكل هذه المخالفات الصريحة  لمبادئها  ، ولكل هذه المخالفات الصريحة لكثير من القيم والمثاليات والجماليات التي حاولت إبرازها في أدبياتها ، وفي خطابها للشعوب منذ منتصف القرن الماضي ، وفي مسلكياتها وتظاهرها بالحرص الشديد على  مشاعر الشعوب ، وهي تدخل بلادها كي " تساعدها " على الخلاص من وحشية الاستعمار القديم ، والدخول  في عهد السلام والأمن الدوليين برعاية الولايات المتحدة الأمريكية " صديقة  " الشعوب ، وضمانتها لتحقيق غد أفضل، وحياة  مثلى ، واستقرار يمكنها من تحقيق أهدافها وطموحاتها وعيشها الكريم ! ! ولو أن الولايات المتحدة اكتفت بما فعلته في بلاد الأفغان ، وبما فعلته في العراق العربي ، ولو أنها اعترفت بخطئها ، ولو أنها حاولت إصلاح هذا الخطأ ، بل هذه الأخطاء ، ولو أنها اعتذرت وخرجت ، ودفعت التعويضات ، وتركت الناس وشأنهم ، وتفرغت لحل مشكلاتها ، وانصرفت لشأنها الداخلي ، ومدت يد العون والمساعدة للناس الراغبين في ذلك ، وللشعوب التي تطلب العون والمساعدة ، ولو أنها غيرت نهج العدوان ، واستبدلته بنهج  قائم على المحبة والتعاون والشراكة الحقيقية القائمة على خير الشعوب في علاقاتها الخارجية مع شعوب هذا العالم ودوله ، لو أنها فعلت هذا لقال كثير من الناس إن أمريكا  قد أخطأت ، وإنها قد اعتذرت ، وإن خير الخطائين التوابون !! وقد يعفو الله عما سلف ... ولكن أمريكا لم تفعل ذلك  ، ولم تفكر بفعل ذلك ، بما إنها على العكس من ذلك راحت تمعن في سياستها العدوانية التي تثبت بما لا يدع أدنى مجال للشك أنها أسوأ سياسة  قد تتبعُ ، وأنها أسوأ خلف لأسوأ سلف ، فإذا كانت السياسة البريطانية قد احتلت العراق ، ثم خرجت منه راغمةً بعد نيّف وثلاثين عامًا فإن الولايات المتحدة قد احتلت العراق ، ودمرت العراق ، وهجّرت كفاءات العراق ، ونهبت نفط العراق ، وهدمت حضارة العراق ، وقتلت علماء العراق ، ونهبت آثار العراق ، ونسفت جسور العراق ، وخربت مزارع العراق ، وهدمت مساجد العراق ومدارسه وجامعاته وداراته الجميلة ، وقسّمت العراق ، ومزّقت وحدته الوطنية ، وأبادت من شعبه كثيرًا من الأبرياء ، وأذلت العراقيين والعراقيات بشكل غير مسبوق ، وعليه فإن أمريكا قد فعلت ما لم تفعله سابقتها ، بل سابقوها ، وإن أمريكا قد فعلت  في بلاد الأفغان مالم يفعله سابقوها ، ولو أن أمريكا قد أخذت العبرة لما كررت ما كرروه ، ولو أنها رأت بعين اليقين هزيمة بريطانيا وهي تتجرع كوؤس الهزيمة والمذلة والهوان هناك في بلاد الأفغان بعد تسعة وتسعين عامًا من القتال لما كررت أخطاء غيرها ، وحماقات غيرها ، ولما تمادت في عدوانها ، ولما فعلت مافعلته في بلاد الأفغان .
   لم يتوقف الأمر  عند ذلك،  ولم تتوقف أمريكا عند هذا كله ، بل إنها على العكس من ذلك تمامًا تجري اليوم وراء مغامرات جديدة  ، وتبحث عن بلاد جديدة  تمارس فيها بطشها وعدوانها ، وتستعرض عليها عضلاتها ، وكأنها صاحبة الوصاية على هذا الكون ، وكأنها الذي يعز من يشاء ، ويذل من يشاء  ، وكأنها الذي ينصّب الملوك  ، ويعين الرؤساء ، وكانها صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في كل بلدان هذا الكون ، فهي التي صنعت صندوق الانتخاب ، وهي التي فرضته على الأمم ، وهي التي فرضت على هذه الأمم والشعوب أن تاتي عن طريقه بمن تريد هي ، لا بمن تريد الأمم والشعوب أن تاتي بهم .. صندوق الانتخاب يجب أن يأتي بمن تريدهم الولايات المتحدة ، لا بمن تريد الشعوب أن تأتي بهم .. فإن جاء صندوق  الانتخاب  بمن لا تريدهم أمريكا فالانتخابات باطلة ، وإن صندوق الانتخاب قد أصبح أداةً في يد الإرهاب و الإرهابيين !! وعلى صندوق الانتخاب أن يتراجع عن ذلك ، وأن يأتي بمن تريدهم أمريكا حتى تأكل الشعوب لقمة الخبز ، وحتى تحصل الشعوب على حبة الدواء !! وإن من لا يمتثل لرغبة أمريكا ومشيئتها فسوف يدفع الثمن .. سوف تغري به أمريكا أتباعها وسفهاءها ومؤيدي سياستها ، ومحبي ثقافتها ، وأعوانها ، وأدواتها من أهل البلد ، وسوف ترغمه -عن كل هذه الطرق - على تنفيذ ما تريد ، وسوف تغري به أمريكا كافة المتحالفين معها من جيرانه  وأقربائه  وبني جلدته  وسوف تفتح عليه أمريكا أبواب الجحيم ، وعليه أن يدافع عن نفسه ، وعليه أن يدفع هذا العدوان الأمريكي الأوروبي، وعدوان المتحالفين معه من كل أعداء العروبة ،إن استطاع !! .
    فبلاد الشام التي كانت ولايةً في جسد دولة الخلافة العثمانية ، وتبلغ مساحتها إن لم تخني الذاكرة  (315409) كم مربع قد انتُزعت من خاصرتها اليمنى ( 10400) كم مربع هي مساحة لبنان ،    و( 27009) كم مربع هي مساحة فلسطين التاريخية ، و( 98000) كم مربع هي مساحة الأردن ، والباقي وهو( 180000) كم مربع وهو سوريا ، أو الجمهورية العربية السورية ، مرشح اليوم ليصبح أربع دول بعد حرب أهلية ضروس نُسجت خيوطها خارج هذا البلد ، لأن أمريكا تريد ذلك ، ولأن أمريكا تريد اليوم أن تمزّق الممزَّق وتفتّت المفتّت ، ولأن أمريكا اليوم تريد لهذا البلد أن يوافق على الحل الأمريكي ، وأن ينحّي جانبًا سياسة الممانعة والمقاومة ، ووضع العصي في الدواليب ، والتحريض على الحلول الأمريكية لكل قضايا العروبة ، وعلى رأسها قضية فلسطين التي كانت قضية العرب الأولى .. فإن لم تفعل سوريا ذلك ، وإن لم تتنازل عن هذه السياسة التي تتبناها ، وإن لم تنقد لمشيئة الولايات المتحدة ، فإن على الرئيس أن يتنازل عن الرئاسة ، وإن عليه أن يترك المجال واسعًا أمام " الثوار "  كي يُحكموا قبضتهم على البلد ، ولكي ينفذوا السياسات التي تجعل البلد أكثر انسجامًا مع محيطه ، وأكثر انسجامًا مع أصدقاء الغرب وأتباعه وأعوانه من حوله .. وكأن أمريكا لا تعلم أن الوضع في سوريا مختلف ، لأن الحكم فيها ليس بيد فرد أو أسرة ، بل هو حكم حزب  عمره أكثر من خمسة وستين عامًا ، يشاركه في الحكم ستة أحزاب سورية ، وتؤازره كل المؤازرة قوًى كثيرة ، وفلسطينيون كثر داخل سوريا وخارجها ، ولبنانيون عروبيون داخل سوريا وخارجها ، وأردنيون نشامى داخل سوريا وخارجها ، وعراقيون شرفاء داخل سوريا وخارجها ، ومسيحيون عرب داخل سوريا وخارجها ، وباختصار فإن الحكم في سوريا قويٌّ بشكل يكفي لاستمراره ، ثم إن ما يحلم به الغرب بشقيه من استصدار قرار من مجلس الأمن للتدخل المباشر فيه ، أو للقيام بأعمال عسكرية غربية مباشرة ضده ، أو لفرض منطقة حظر جوي عليه هو أمر غير ممكن ، لأنه يصطدم بالفيتو الروسي ، وبالفيتو الصيني ، وبإرادة الشعب السوري صاحب المصلحة الحقيقية في الاستقرار ، وصاحب المصلحة الحقيقية في استمرار سوريا بهذا الدور القيادي الريادي في الوطن العربي .. ثم إن النظام السوري المدعم بكثير من القوى والقبائل والطوائف والعائلات والتوجهات السياسية والحزبية والشعبية والثقافية قادرٌ على التصدي لكل هذه المحاولات التي تستهدفه ، أما في حال إقدام الغرب على مغامرة عسكرية فإن ما رشح عبر وسائل الاعلام حول ما قاله الرئيس السوري لوزير الخارجية التركي يكفي أن يكون ردًّا مقنعًا لكل من يفكر بالإقدام على مغامرة كهذه .
      إن ما تحلم به الولايات المتحدة ، وبعض المتحالفين معها من إمكانية إقامة أربع دول داخل الجمهورية العربية السورية لطوائف وقوًى واتجاهات يعرفونها داخل البلد إن لم تمكن السيطرة على سوريا كلها فهذه أيضًا مغامرةً من الصعب أن تنجح ، لأن السوريين ليسوا كما يتوهم بعض الغربيين ، ولأن السوريين لا يمكن أن يضحوا ببلادهم بهذه البساطة ، وعليه فإن كافة الاحتمالات المشار إليها خيالية ، وصعبة التنفيذ ،  وكل ما في الأمر أن هذه الفتنة الكبرى التي أريدَ لها أن تسقط النظام ، وأن تحدث التغيير المطلوب غربيًّا ،قد يكون لها دورٌ تدميريّ، وأثر تخريبيّ على الوطن السوري الذي سرعان ما يعيد بناء ما خربته هذه الحرب الأهلية عندما يتمكن البلد من الخروج منتصرًا على كل عناصر الفتنة ، وعندما يتمكن البلد من الخروج منتصرًا على كل عوامل الضعف الذاتي الذي واكب مسيرته منذ عشرات السنين ، وعندما يتمكن البلد من بناء نفسه بشكل يستعصي على إثارة الفتن ، ويستعصي على كل محاولات  الاختراق ، وصنع الخلايا النائمة داخل البلد ، وهذا أمر ممكن بمزيد من الصبر والثبات ، ومزيد من النجاحات الاقتصادية ، ومزيد من التخطيط السليم ، والحكم النزيه الرشيد القويم .
    أما ما تحلم به أمريكا من توجيه ضربة عسكرية لإيران لتدمير مفاعلاته النووية  والقضاء على كثير من منشآته ومصادر قوته بهدف إرهابه وإضعافه ، فإن عزل سوريا هو الهدف الحقيقي من مغامرة عسكرية أمريكية كهذه ،وإنه حلم قد تستفيق منه أمريكا مذعورة فزعة لأن إيران ليست هدفًا بهذه السهولة ، ولأن كثيرًا من الدول في هذا العالم لن تسمح بذلك ، ولأن شعب الولايات المتحدة الذي يكاد أن يكون خليطًا من شعوب العالم كله  لن يسمح هو الآخر بذلك ، إلاّ أن تكون مثل هذه الضربة المفترضة مفروضة على أمريكا فرضًا لأسباب لا تخفى على فهم مراقب ، أو حكمة خبير متتبع لسير الحوادث والأحداث في هذه المنطقة المشحونة المتوترة من هذا العالم ، وهنا ستجري الرياح " يقينًا " بغير ما تشتهي تلك السفن .
    إن بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية أن تكون صديقًا حقيقيًّا للشعوب ، وبإمكانها أن تحقق كثيرًا من الأهداف السامية ، والغايات النبيلة ، وإن بإمكانها أن تكون عونًا للشعوب ، وعونًا لأنظمة الحكم ، وعونًا للحق والعدل والتقدم والرّفاء والسلام إن هي أرادت ، وإن هي تخلت عن سياسة الهيمنة والغطرسة ، وعن سياسة الأحلاف ، وعن مؤازرة الظلم والتسلط  والطغيان والعدوان على الناس ، وإن هي رفضت أن تكون كما كانت منذ عقود  عصًا في يد قوة طامعة في السيطرة على هذا العالم من خلالها ، وإن هي أرادت  أن تمتلك قلوب الشعوب ، وقلوب كل الفقراء في هذا العالم ، وقلوب مواطنيها أيضًا بالمعروف .
 
16/10/2011
 

الأربعاء، ١٢ تشرين الأول ٢٠١١

وثيقة شرف فورية .. ومسيرة مليونّيّة

متابعات
وثيقة شرف فورية .. ومسيرة مليونّيّة        
أ: عدنان السمان
www.samman.co.nr
        قضيتنا الفلسطينية لم تعد - على ما يبدو - قضية واحدةً ، وشعبنا العربي الفلسطيني  الذي كان في الزمن الجميل الذي كان ( كأمتنا العربية الواحدة الموحدة ) شعبًا واحدًا موحدًا في كافة مدنه وبلدانه وقراه ومضارب خيامه أصبح اليوم شعبأ مختلفاً تتقاذفهُ الأهواء والأنواء ، وتستبد به التيارات الفكرية ، وتعصف بساحته الفتن والخلافات والصراعات السياسية والثقافية والفكرية  والطائفية والمذهبية ، وتفتك بوحدته الوطنية هذه الفوارق الطبقية الرهيبة ، والولاءاتُ والانقسامات الغريبة المريبة ، وتقطّع أوصاله ، وتقضي على كثير من أصالته ومورّثات شخصيتة ومقوّماتها هذه الأطماع ، وذاك التسابق المحموم على المناصب والرواتب والرتب ، وهذا التراجع المريع في كافة مستويات الحياة النفسية والثقافية والسياسية والإقتصادية والتربوية والأخلاقية والفكرية .. قضيتنا لم تعد قضية واحدة ، بل أصبحت قضايا كثيرة مختلفة متعددتًا .. وشعبنا لم يعد شعبًا واحدًا موحدًا ، بل شعوبًأ وقبائل و تيارات وشيعًا وأحزابًا ومللاً ونحلاً  وكسفاُ ونتفاً  يلّون حياتها الفشل والتراجع والأنهيار ، ويضع مبادئها وعقائدها وثوابتها وكل معاني وجودها في مهب الريح .
    وحتى لا ينجح المخططون المبرمجون في وضع مخططاتهم وبرامجهم موضع التنفيذ ، وحتى لا تنفرد فئة أو طائفة أوقبيلة بتقرير مصائر البلاد والعباد ، وحتى لا يقول قائل إننا قد خُدعنا رغم أننا قد اجتهدنا ، وللمجتهد حسنتان ، وحتى لا يلقي أحدٌ على أحد باللائمة ، وحتى لا يتهم أحدٌ أحداً ، أو يتحامل أحدٌ على أحد ، وحتى لا يضيع كل شيء ، وحتى لا يضيع أيُّ شيء ، وحتى لا تقول كلمة لصاحبها دعني ، وحتى لا يقول أحدٌ على لأحد مهدداً متوعداً إن مصرع الرجل بين فكيه ، وحتى لا يتفرق جمعنا أيدي سبأ ، وحتى لا يخدعنا احد لمحاولة إجراء إستفتاءات محسوبة محوسبة على الثوابت ، أو على بعضها ، في الوقت الذي لا يجوز فيه ان تجرى إستفتاءات على الثوابت ، وحتى لا يقول أحد لقد أخطأنا ، ولقد دفعنا ثمن تقصيرنا ، ولقد دفعنا الثمن غالياً لأننا لم  "نحسبها" جيداً ، ولأننا لم " نلعبها " جيدًا ، ولكي يكون الكلام هنا ، والنصح هنا تذكرةً للغافل ، ومعونةً للعاقل ، فأنني أقترح أن يصار في الحال إلى جمع تواقيع الناس جميعًا في هذه الديار على وثيقة شرف فلسطينية تحرّم التنازل عن الثوابت ، وتحرّم كل أشكال التلاعب أو التصرف بمصائر البلاد والعباد ، وتحرّم كل التحريم كافة أشكال التوطين ، وكافة أشكال الأوطان البديلة ، وكافة أشكال التدخل بشؤون الآخرين ، وفي شؤون أوطانهم ، لأن لنا وطنًا ليس لنا سواه يتوجب علينا أن نحميه وأن نبنيه وأن نعيش فيه جيلاً بعد جيل بعزة وكرامة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .. على أن  تٌبرز صورٌ  من هذه الوثيقة التاريخية أمام المساجد والكنائس والمدارس ، وفي كل الساحات والميادين العامة ، والأماكن البارزة في كل مدية وقرية ومخيم من مدن هذا الوطن وقراه ومخيماته، وعلى أن تقسم مسيرة مليونية بالله العظيم على حماية ما جاء في هذه الوثيقة ، وعدم التنازل عن أي جزء مما تضمنته مهما كانت النتائج .
     ينبغي أن يدرك الناس جميعًا في هذه الديار ، وفي كل ديار العروبة والإسلام خطورة المرحلة التي تمر بها ديارنا ، وخطورة المرحلة التي تمر بها ديارهم ، وينبغي أن يسارعوا إلى جمع التواقيع على هذه الوثيقة التي من الممكن أن تكون " دستوراً "  شعبيًّا لا يحق لأحد الخروج عليه تحت اي ظرف من الظروف ، أو تحت أية حجة من الحجج ، ولا يجوز لكائن من كان أن يخرج عن شيء مما جاء فيه .. وينبغي أن تدرك كافة النخب السياسية والاجتماعية وكافة من يعنيهم الأمر في هذه الديار ، وفي غيرها من ديار العروبة والإسلام أن هذا الإجراء الشعبي غير المسبوق إنما جاء ليعزز من ثباتهم على المبادئ والثوابت ، وإنما جاء ليشد أزرهم ، ويعينهم على تحمل تبعاتهم ومسؤولياتهم ، ولقطع الطريق على خصم طامع وعدو متربص ، وأنه أولاً وأخيراً ينطوي على مصلحة الوطن والمواطن ، وحماية كل ثوابت الوطن والمواطن ، وكل ثوابت الأمة في كل أوطان العروبة من محيطها إلى خليجها .
 
12/10/2011
                      
 

السبت، ٨ تشرين الأول ٢٠١١

من مشكلات التعليم العالي الفلسطيني

متابعات
من مشكلات التعليم العالي الفلسطيني
(لغة التدريس)
أ. عدنان السمان
www.samman.co.nr
   سأحاول منذ اليوم، أو على الأقل في هذه السلسلة من المقالات التي سأخصصها للخوض في قضايا التعليم العالي الفلسطيني ومشكلاته، أن لا أصرخ ما استطعت، على الرغم مما تنطوي عليه هذه المحاولة من صعوبة، إذ كيف يمكن أن يكف عن الصراخ من جاء إلى هذا الوجود صارخًا ولا يزال؟ ولكنها محاولة جديرة بالمحاولة، لما تنطوي عليه من ثورة على النمطية والجمود في خضم هذه الثورات العربية التي يسميها بعضهم الربيع العربي، على الرغم مما بين ثورتي هذه، وكثير من الثورات العربية تلك من فوارق في الشكل والأسلوب والمضمون والهدف، وعلى الرغم مما تتسم به تلك الثورات من صراخ، في الوقت الذي أعد فيه بالكف عن الصراخ ما استطعت، بل في الوقت الذي أعلن فيه الثورة على الصراخ الذي طبع كثيرًا من مقالاتي خلال الأشهر القليلة الماضية، وما سبقها من شهور، وأعوام، وعقود، وإن اختلفت الأسباب بين هذه المراحل التي ينتظمها، ويجمع بينها شعوري أنني كنت خلالها على حق، ومن كان على حق فليمض له، على حد قول بنت أبي بكر لولدها، وهي تدفع به دفعًا إلى معركة خاسرة تكون فيها نهايته، وتكون فيها نهايتها، وتكون فيها نهاية مرحلة من تاريخ أمة، ونهاية أم علّمت ولدها كيف يعيش رجلاً، وكيف يقضي رجلاً، وكيف أن سلخ الشاة بعد ذبحها لا يضيرها، كما لا يضير أصحابَ المبادئ والأفكار تقولاتُ المتقولين، واتهاماتهم، وحملاتهم الكلامية على الرغم من أن كلم اللسان أنكى من كلم السنان كما قالت أمة العرب، ولكن على المرء أن يتحمل، لأن الصبر بالحر أولى، ولأن الشجاعة صبر ساعة، ولأن العمر ساعة، فاجعلها طاعة.
   وإذا كان الصراخ ضروريًّا في بعض الأحيان للتعبير عما في النفس من ثورة وثوران واضطراب، وإذا كان ضروريًّا بين الحين والآخر للتخفيف من درجة حرارة النفس والجسد، وللتخلص من مخاطر الاحتقان السياسي والاجتماعي، وللتخلص من مخاطر الضغط الاقتصادي وآثاره المدمرة عندما يبلغ حد الحصار الكامل أو شبه الكامل، وما ينطوي عليه ذلك من حرمان قاتل أو شبه قاتل، وإذا كان ضروريًّا في بعض الأحيان للتمويه، وممارسة المناورات التكتيكية، أو لإسماع الأحباب خلف تلة الصراخ أصواتًا بالذخيرة الحية يرغبون في سماعها إلى أن تحين ساعة اللقاء، وإذا كان على حد تعبير اللندنيين وسيلة من وسائل ممارسة الحرية المفتوحة ولو في ساحة محدودة من ساحات الوطن، أو طرف من أطرافه.. إذا كان هذا هو شأن الصراخ، وإذا كانت هذه هي بعض ضروراته وأحواله، فإنني أستبعد أن يكون ذلك ضروريًّا في مخاطبة أساتذة جامعيين، وفي مخاطبة طلبة جامعيين أيضًا، وأنت تناقش معهم جوانب من مشكلات التعليم العالي في البلد بدءًا بمشكلة لغة التدريس التي كثيرًا ما كانت العائق أمام كثير من الطلبة كي يحصلوا على الدرجة العلمية الثالثة، أو الثانية، بل إنها كثيرًا ما حرمتهم الحصول على الدرجة العلمية الأولى، فاضطروا تحت وطأتها للتأجيل، ثم التأجيل، ثم اضطروا للانسحاب أدراجهم، على الرغم من رغبتهم الشديدة في دراسة الهندسة، أو الفيزياء، أو الكيمياء، أو الطب، أو الاقتصاد، وعلى الرغم من حبهم الشديد لهذه الدراسات، ولكن ضعفهم، أو ضعفهم الشديد في اللغة الإنجليزية قد حال دون ذلك، لأنها غالبًا ما تكون لغة التدريس، وغالبًا ما يكون إتقانها شرطًا للتحصيل والاستيعاب والنجاح، وشرطًا للتخرج، وشرطًا لمواصلة التحصيل حتى أعلى درجاته ومستوياته، ما لم يكن الدارس مطلوبًا على ذمة قضية أخرى أو مشكلة أخرى من قضايا التعليم العالي الفلسطيني ومشكلاته.
   في هذه الجامعة الفلسطينية التي يعتبرها كثير من الناس جامعة الوطن الأولى تكون الإنجليزية لغة تدريس الدراسات والتخصصات العلمية، والعربية لما تبقى من دراسات وتخصصات.. أما الطلبة الذين أجادوا هاتين اللغتين في مدارسهم فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.. وأما الطلبة الذين أجادوا العربية في مدارسهم، وتابعوا الدراسة الجامعية بالعربية، فإن ضعفهم في اللغة الإنجليزية لا يؤثر كثيرًا على سير دراستهم الجامعية، لأن بإمكانهم أن يتغلبوا على ضعفهم بأكثر من وسيلة، ولأن هنالك بدائل أخرى لهذه اللغة في مكتبة الجامعة، أو المكتبة العامة، أو المكتبة البيتية أحيانًا، ولأن بإمكانهم التغلب على الموقف باللجوء إلى الكتب والمقالات، والشروح المترجمة التي تساعدهم كثيرًا في تحقيق الهدف.. صحيح أن إجادة الإنجليزية هنا إلى جانب العربية أمر رائع يضمن التفوق لهؤلاء الطلبة، ويضمن لهم مواصلة الدراسة الجامعية حتى أعلى مستوياتها في سهولة ويسر، ولكن صحيح أيضًا أن إجادة العربية –لغة التدريس- إضافة إلى البدائل المشار إليها آنفًا يكفي لسير الدراسة الجامعية سيرًا حسنًا دون عقبات تذكر.. وأما الطلبة الذين لم يجيدوا لغتهم العربية، أو غيرها من اللغات، ويدرسون الآن بالعربية فهم كثر، إنهم يشكلون نسبة عالية من طلبة الآداب، فإن المجال مفتوح أما كثير منهم للتفوق إذا هم كثفوا جهودهم وضاعفوها، وحسَّنوا من مستوى لغتهم العربية خلال السنوات الأربع من داستهم الجامعية، إنني مقتنع أن الطالب الذي كان متوسطًا، أو حتى ضعيفًا في مدرسته، ثم حالفه الحظ، وحصل على الثانوية العامة التي أهلته لدخول الجامعة، ليدرس مادة أحبها، أو مادة ليس بينه وبينها عداء أو جفاء، أقول إنني مقتنع أن بإمكان هذا الطالب أن يكون طالبًا ممتازًا في نهاية المطاف إن هو أراد، سيكون طالبًا جامعيًّا ممتازًا، وسوف يتخرج في الجامعة بتقدير يؤهله لمواصلة دراسته الجامعية العليا إذا هو قرر أن يتخلص من ضعفه، وإذا هو كثف دراسته، وإذا هو ضاعف جهوده، وإذا هو تسلح بالعزيمة والإرادة والإصرار على أن يكون طالبًا جامعيًّا متفوقًا، وخريجًا متفوقًا.. إنني أقول هذا مؤمنًا به كل الإيمان، ولديّ من الشواهد على هذا ما يعجز القلم عن الإحاطة به.. وهنا قد تسألون –أيها الكرام- عن المشكلة، وقد تقولون: إذا كانت الأمور –حتى الآن- تسير سيرًا حسنًا فأين المشكلة؟ ومتى تصبح لغة التدريس مشكلة نبحث لها عن حل أو حلول؟
   لا بد من الاتفاق أولاً على كل ما سبق، ولا بد من التسليم بأن مشكلة الدارسين بلغتهم العربية الأم يمكن حلها ذاتيًّا، وبشيء من المساعدة الخارجية إذا توافرت الرغبة الذاتية التي قد لا يوجد حل بدونها.. فإذا اتفقنا على هذا كان انتقالي إلى الجزء الأخير من هذا المقال وهو الإجابة عن سؤالكم: أين المشكلة؟ فأقول إنها مشكلة طلبة طموحين يعانون من ضعف شديد في اللغة الإنجليزية، وقد وجدوا أنفسهم الآن معها وجهًا لوجه في دراستهم الجديدة هذه، وباختصار فإن ظروف كثير منهم قد حالت دون فهمها في مدارسهم لأسباب كثيرة مختلفة.. منها الإهمال، ومنها غير ذلك.. كيف يستطيع طالب أن يدرس بلغة أجنبية لا يفهمها؟ وإذا كان معظم طلبتنا لا يحسنون هذه اللغة لأسباب كثيرة –نحن في غنًى الآن عن الخوض فيها- فما العمل؟ وإذا كنا عاجزين عن تعريبها، أو غير راغبين فيه فما الحل؟ ما العمل وكثير من أبنائنا الطلبة يعانون ويصرخون ويطلبون النجدة؟ أنتحرك لنجدتهم أم نتجاهل نداءاتهم واستغاثاتهم؟ أليس من الواجب أن نسمع أقوالهم، وأن نصغي لطلباتهم؟ هم لا يطالبون الآن بتعريب المقررات الجامعية كما تفعل الجامعات السورية جميعها منذ عشرات السنين، وإن كانوا يطالبون بوضع خطة وطنية لذلك، إنهم يطالبون الآن بمساعدتهم على الاستيعاب والتحصيل العلمي ضمن خطط وبرامج تضعها الجامعة لمساعدتهم ومساندتهم والأخذ بأيديهم، وهذا من أبسط حقوقهم.. صحيح أن ما يطالبون به، أو ما نطالب به ليس من مسئولية الجامعة تحديدًا، بل هو من مسئولية المدرسة، ولكن صحيح أيضًا أن هذه المشكلة بحاجة إلى حل، وصحيح أيضًا أن من واجبنا جميعًا أن نعمل على حلها.. وصحيح أيضًا أن من حق الطلبة أن يتعلموا، وأن من حقهم أن يتعلموا بلغتهم العربية التي تتراجع هي الأخرى بشكل ملحوظ في هذه الديار!! فما العمل؟ هل ندع هؤلاء الطلبة وشأنهم أم نخف لمساعدتهم؟ سؤال يفرض نفسه على كل من يعنيهم الأمر في هذه الديار.
8/10/2011
  
 
 

الخميس، ٦ تشرين الأول ٢٠١١

في ذكراها الثامنة والثلاثين:حرب أكتوبر لم تكن آخر الحروب

متابعات
في ذكراها الثامنة والثلاثين:حرب أكتوبر لم تكن آخر الحروب
أ.عدنان السمان
www.samman.co.nr
    أسماها المصريون حرب أكتوبر، وأسماها السوريون حرب تشرين، وأسميناها مثل كثير من  الأشقاء في بلاد العرب حرب العاشر من رمضان، وأسماها الإسرائيليون حرب يوم الغفران... وصف السوريون تلك الحرب بأنها تحريرية، وقال كثير من العرب إنها تحريكية، وقالت غولدامائير إنها تدميرية، وطلبت من وزير حربها موشيه ديان في بدايتها أن يوقع صك الاستسلام للعرب حتى لا يُباد شعب إسرائيل.. أما الرئيس المصري محمد أنور السادات الذي أطلق رصاصتها الأولى فقد وصفها بأنها اختراق عربي لحاجز الخوف مؤكدًا على أنها آخر الحروب، وأن هذه المنطقة لن تشهد حربًا بعدها... فهل حسمت تلك الحرب هذا الصراع العربي الإسرائيلي؟ وهل كانت تلك الحرب آخر الحروب في هذه المنطقة؟
    لقد قامت القوات المصرية في الساعة الواحدة والنصف من بعد ظهر يوم السبت السادس من أكتوبر (1973) بالرد على أعمال عسكرية إسرائيلية.. ولقد تمكنت من عبور قناة السويس، وتدمير خط بارليف الحصين، ومباغتة القوات الإسرائيلية التي تحتل شبه جزيرة سيناء والضفة الشرقية من قناة السويس منذ حرب حزيران من العام سبعة وستين وتسعمائة وألف، وتمكنت هذه القوات من نقل المعركة إلى ضفة القناة الشرقية، ومواصلة التقدم شرقًا في سيناء... كما تمكنت القوات السورية في ذلك اليوم من احتلال المواقع الإسرائيلية في جبل الشيخ، والتقدم في الجولان... أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد وقفت – كالعادة – إلى جانب إسرائيل.. وأما الاتحاد السوفياتي فقد وقف إلى جانب العرب.. وأما الأقطار العربية المنتجة للنفط فقد أوقف بعضها تصديره إلى الولايات المتحدة، وخفّض بعضها الآخر حجم الكميات التي يصدّرها منه.. وأما جبهتا القتال فقد شهدتا منذ ظهيرة السبت الواقع في السادس من تشرين الأول من العام ثلاثة وسبعين وتسعمائة وألف للميلاد الموافق للعاشر من رمضان من العام ثلاثة وتسعين وثلاثمائة وألف للهجرة وحتى الساعة السادسة والدقيقة الثانية والخمسين من مساء الإثنين 22/10 الموافق 26/ رمضان حربًا ضروسًا قبل أن تعلن الأطراف جميعها قبولها بوقف إطلاق النار استجابة لقرار مجلس الأمن رقم 338.. وإن كان القتال عمليًّا قد توقف في اليوم التالي... إنه، وعلى امتداد سبعة عشر يومًا من القتال الشرس على الجبهتين كان تاريخ جديد يُكتب، وحقائق جديدة تفرض نفسها على أرض الواقع.. ومقدمات طبيعية لما نحن فيه اليوم تتكون في رحم الغيب.. وتصاغ حيثياتها وتفصيلاتها في أروقة السياسة الدولية.. وتجد تعبيرًا لها في  قرارات مجلس الأمن الخاضع للسيطرة الأمريكية المطلقة أو الفيتو الأمريكي المنحاز الذي يحلّل حرامًا، ويحرّم حلالاً مذ كان مجلس الأمن وحتى يومنا هذا... ويحسن بنا قبل الخوض في نتائج تلك الحرب التي لم تكن آخر الحروب كما أُريد لها.. وقبل الخوض في الصلة العضوية الوثيقة التي تربط في العادة بين ماضٍ من الزمان وآتٍ.. يحسن بنا من باب الوفاء للأجيال التي لم تعش تلك الحرب، ولم ترها، ولم تسمع عنها أيضًا.. ومن باب تكثيف التاريخ كي يسهل تقطيره.. وكي تسهل رؤيته، ويصبح التزود به أمرًا في متناول اليد أن نختزل التاريخ في هذه العناوين والمانشيتات الحمراء التي طلعت بها "القدس" علينا طوال أيام تلك الحرب المحصورة بين السادس والثالث والعشرين من أكتوبر أقدّمها – معونةً للعاقل، وتذكرةً للغافل – كما يلي: اندلاع الحرب على جبهتي السويس والجولان. قوات مصر تعبر السويس، وقوات سورية تتقدم في الجولان. معارك برية وجوية وبحرية ضارية. إسرائيل تتوقع القتال عدة أيام. أميركا تفشل في سعيها لوقف الحرب، وتجري اتصالات عاجلة مع روسيا. احتمال عقد مجلس الأمن.
    الطائرات والدبابات تخوض معارك ضارية في الجبهتين. مجلس الأمن يجتمع مساء اليوم بطلب من أميركا. نيكسون يقطع إجازته ويعود إلى واشنطن.
    تصاعد القتال في الجبهتين. المصريون يضربون آبار النفط في سيناء، ويستعيدون القنطرة. إسرائيل تقصف بور سعيد.
    الحرب تزداد ضراوة ويتسع نطاقها. شلل مجلس الأمن نتيجة اختلاف الدول الكبرى. الطائرات الإسرائيلية تقصف دمشق، وحمص، ومواقع مصرية. عسكريون إسرائيليون يعترفون بالانسحاب وراء خط بارليف. سورية تستخدم صواريخ جديدة في المعركة.
    جسر جوي روسي لنقل أسلحة لمصر وسوريا. الأسلحة الأمريكية والروسية تتدفق على المتحاربين. اشتداد الغارات والمعارك الجوية، واستمرار تصاعد الحرب البرية.
    كيسنجر يخشى تحول المعركة إلى حرب نووية بين الكبار. احتدام المعارك في الجولان، واشتراك القوات العراقية لأول مرة في القتال. مجلس النواب الأميركي يُسقط قرار مجلس الشيوخ الداعي إلى انسحاب القوات العربية. حالة تأهب في حلف وارسو. تخفيض شحنات البترول السعودية عبر خط التابلاين.
    أميركا تقرر تزويد إسرائيل ببعض الأسلحة. القوات المتحاربة تلقي بثقلها في سيناء والجولان. حلف الأطلسي يعتبر قطع النفط العربي عملاً عدوانيًّا. احتجاجات عربية إلى أميركا على تجسس طائراتها على مصر، وتزويد إسرائيل بالسلاح.
    أميركا تعلن رسميًّا شحن أسلحة إلى إسرائيل. سيناء تشهد أعنف معركة منذ بداية الحرب (الجمعة 19/10) الجانبان المصري والإسرائيلي يدفعان إلى القتال بقوات ضخمة من الطائرات والدبابات. سلاح النفط يدخل المعركة: أبو ظبي تقطع النفط عن أميركا، والسعودية تخفّضه. الأسلحة تواصل تدفقها إلى المنطقة. اتصالات أميركية وروسية لوقف الحرب.
    القتال يبلغ ذروته في سيناء. ليبيا تقطع النفط عن أميركا. نيكسون يطلب رصد 2000 مليون دولار لمساعدة إسرائيل.
    السعودية تقطع بترولها عن أميركا. محادثات أميركية روسية في موسكو لوقف القتال. معركة المدرعات في سيناء تدخل يومها الرابع، واستمرار القتال العنيف. ورئيس الأركان المصري الفريق سعد الدين الشاذلي يتعهد بتدمير سلاح المدرعات الإسرائيلي.
    مجلس الأمن يقرر وقف النار، وبدء مفاوضات فورية. الأطراف المتحاربة تعلن التزامها بوقف القتال في الساعة السادسة والدقيقة 52 من مساء الاثنين 22/10 الموافق 26/ رمضان استجابة لقرار مجلس الأمن رقم 338.
    إنذار روسي إلى إسرائيل بسحب قواتها إلى خط وقف النار. استمرار القتال على جبهة السويس والجولان رغم قرار مجلس الأمن رقم 338 ومجلس الأمن ينعقد بطلب من مصر.
    مئير: لا عودة لحدود 4/ حزيران/ 1967.
    الجمعة 26/ 10 الموافق 1/ شوال: مجلس الأمن يقرر تشكيل قوة طوارئ دولية. كيسنجر: نأمل في أن تبدأ المفاوضات بين العرب وإسرائيل خلال أسابيع.
    خطوط عريضة لاتفاق روسي أميركي للسلام: إنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة مركزها القدس العربية. انسحاب إسرائيل من سيناء والجولان. مناطق منزوعة السلاح، وقوات سلام دولية.
    ولقد نصّ قرار مجلس الأمن رقم 338 على البدء فورًا بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242 بجميع أجزائه، وبدء مفاوضات فورية بين الأطراف ذات العلاقة تحت رعاية ملائمة تستهدف إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط.
    أما ما أوردته "القدس" في عددها الصادر يوم الأربعاء 31/ 10 الموافق 1/ شوّال فهو: وجوب انسحاب إسرائيل من المناطق المحتلة، وحق تقرير المصير للفلسطينيين.
    فهل انسحبت إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة؟ وهل قرر الشعب العربي الفلسطيني مصيره؟
    من المؤلم أن شيئًا من هذا لم يحصل.. ومن المؤلم أن إسرائيل لم تنسحب من الأراضي العربية المحتلة، وإن كانت قد انسحبت من "أراضٍ"  محتلة كما نص على ذلك القرار (242) ومن المؤلم أن تلك البداية الرائعة لحرب أكتوبر لم تسفر عن أكثر من توقيع اتفاقات "كامب ديفيد"، وتبادل السفراء بين القاهرة وتل أبيب.. ثم بين عمان وتل أبيب في وقت لاحق.. وتوقيع اتفاقات أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية.. هذه الاتفاقات التي أسفرت عن قيام السلطة الفلسطينية في غزة وأريحا، ثم دخولها إلى كافة المدن، وما تبع ذلك من تردي العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، ثم انهيارها، وتفجر الانتفاضة الثانية، وما أعقب ذلك من اجتياحات وحواجز وسيطرة إسرائيلية على كل شيء، وما كان من أمر الجدار وتدمير الحياة الفلسطينية، وتوقف المفاوضات، ثم نشوب هذه المعارك الدبلوماسية التي يصر الفلسطينيون من خلالها على إقامة الدولة الفلسطينية في حدود سبعة وستين، ورفض الإسرائيليين، ومعهم كثير من دول الغرب لهذا المطلب الفلسطيني، الأمر الذي يؤكد بما لا يدع أدنى مجال للشك على أن الإسرائيليين ليسوا جادين في التوصل إلى حلٍّ للقضية الفلسطينيّة يضع حدًّا لآلام الفلسطينيين، ويعيد إليهم حقوقهم التي ضمنها المجتمع الدولي، ونصّت عليها قرارات الأمم المتحدة... الإسرائيليون لا يريدون أكثر من حلول مرحلية يؤدي سابقها إلى لاحقها بعد أن يكونوا قد حققوا شيئًا من المكاسب، وتغيير شيء من الحقائق على الأرض... وهكذا حتى يتم لهم التوصل إلى ما يريدون.. وعلى الرغم من أن معرفة ما يريدون ليست من الأمور السهلة لأنها – في نظرهم – قضية مفتوحة متروكة للزمن كي يبت فيها على ضوء القوة الإسرائيلية والضعف العربي، والتشرذم الفلسطيني، وخنوع المجتمع الدولي، وانقياده للرغبة الإسرائيلية.. أقول: على الرغم من أن معرفة ما يريده هؤلاء ليست أمرًا سهلاً إلاّ أن المراقب المتتبع لسير الأحداث يستطيع أن يستنتج بناء على كل هذه المقدمات أنهم يريدون كل شيء.. وأنهم لن "يتنازلوا" للفلسطينيين عن شيء أي شيء من "أرض إسرائيل".. إلا إذا كان ذلك مرحليًّا يستعيدونه منهم بمرور الزمن... القضية الفلسطينية إذن هي قضية منتهية - من وجهة نظرهم – استبدلوها منذ أمد بعيد بقضية أرض إسرائيل، وشعب إسرائيل، وهؤلاء الأغيار الذين تقضي الأصالة والنقاء أن يتخلصوا منهم بقدر المستطاع، وكلما كان ذلك ممكنًا، وبالطرق السلمية الأكثر إنسانيةً والأقل ضجّةً لا بد أن يأتي اليوم الذي يستطيعون فيه أن يجدوا حلاًّ لموضوعهم في دول الجوار.. فإن لم يكن ذلك ممكنًا ففي الدول الأكثر بُعدًا والأكثر تبعيّةً.. وفي الدول البعيدة النائية التي تنسيهم جذورهم، وتلغي تاريخهم وثقافتهم، وتغير ملامح شخصيتهم إن بقي لديهم شيء من شخصية، وشيء من وجود أو مقومات... القضية الفلسطينية محلولة على هذا الأساس وهذا التصور.. وحق العودة استُبدل منذ أمد بعيد بحق عودة آخر يعني عودة "اليهودي" من كل أنحاء الدنيا إلى أرض إسرائيل.. لا عودة العربي الفلسطيني الذي اقتلع من جذوره عام ثمانية وأربعين إلى بلاده وأرضه وبيته الذي لم يعد له حق فيه بعد أن عاد لمالكه القديم العائد إليه من آخر الدنيا!! الفلسطينيون إذن لم يعودوا أصحاب حق في هذه الديار.
    بخروج مصر من دائرة الصراع في أعقاب حرب أكتوبر، وبموجب اتفاقات كامب ديفيد.. وبتوقيع اتفاقات أوسلو، والزجّ بفلسطين، والفلسطينيين، والقضية الفلسطينية في هذا الوضع الجديد الذي يمكن تسميته بالحالة الفلسطينية قررت أمريكا خلق حالة شبيهة في العراق... إمعانًا منها في إذلال العالم العربي، وتقطيع أوصاله، ونهب خيراته، وضرب ما كان يسمى بالعمق العربي لفلسطين... ثم ما يقال اليوم عن تقسيم العراق.. وإلغاء شخصيته العربية، وضرب انتمائه العربي.. كما كان احتلال أفغانستان قبل ذلك شبيهًا بهذا ولكن في العمق الإسلامي... خروج مصر من دائرة الصراع إذن بعد حرب أكتوبر  عزلها تمامًا عن الصراع العربي الإسرائيلي، ولم يُعد لها السيطرة على سيناء.. التي أصبحت دولية.. وأصبحت منتجعاتها كذلك.. وكل ما يقع على عاتق مصر هو حماية هذا الوجود الأجنبي المكثّف على أرض سيناء، وملاحقة المصريين وغير المصريين الذين يشكّلون تهديدًا لهذا الوجود الأجنبي على أرض مصرية... ولقد أدى هذا الخروج إلى ما أدى إليه من ضعف عربي، وانقسامات عربية.. كما أفقد العرب، وأفقد المسلمين، وأفقد فلسطين والفلسطينيين كثيرًا من تضامنهم وكثيرًا من خصائصهم، وكثيرًا من مقومات وجودهم.. ولئن كانت حرب أكتوبر آخر الحروب (كما قال الرئيس المصري السادات آنذاك) فقد حصل هذا بالفعل، ولكن على الجبهة المصرية فقط بخروج مصر من دائرة الصراع، وتخلي مصر عن دورها التاريخي في بلاد العرب منذ العام اثنين وخمسين.. ودورها التاريخي في فلسطين والقضية الفلسطينية.. وإعادة الحقوق إلى أصحابها عرب فلسطين.. هذه الحقوق التي لم تعد تعني شيئًا في هذه الأيام الموغلة في السوء.. المفرطة في التراجع والانحسار.. المنذرة بشر مستطير يغشى هذه الديار، وكل من في هذه الديار، ولسوف يصيب بأذاه وأضراره كثيرًا من الأقطار والأمصار من دول الجوار وغير دول الجوار... لا نتمنى هذا.. بل نحذّر منه بعد أن طفح الكيل، ووصل السيل الزبى.
    وبخروج مصر من دائرة الصراع بقيت سوريا التي عكفت منذ أن وضعت حرب تشرين التحريرية أوزارها على تحقيق التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل.. ذلك أن السوريين قد باتوا على قناعة تامة بضرورة الاعتماد على النفس في المواجهات المقبلة.. ولقد استوعب السوريون درسًا كبيرًا من دروس حرب العاشر من رمضان من العام ثلاثة وتسعين وثلاثمائة وألف للهجرة.. فإن ما حدث على الأرض في الدفرسوار.. وما حدث في كامب ديفيد.. وما كتبه الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس الأركان المصري وأحد أكبر العسكريين في العالم كله آنذاك.. كل هذا وكثير غيره قد حدا بالسوريين لاتّباع نهج جديد في التعامل مع الحوادث والأحداث في هذه المنطقة من العالم.. لقد حرصت سوريا على تمتين علاقتها بروسيا.. كما طوّرت علاقتها بإيران.. وأقامت أقوى الصلات وأوثقها مع كل العرب الوحدويين في لبنان الذي لم يكن في الماضي، ولن يكون في الحاضر والمستقبل أكثر من الخاصرة اليمنى للقطر العربي السوري.. ولم يكن ولن يكون إلا أرضًا عربية سورية، وجزءًا لا يمكن أن يتجزّأ من بلاد الشام.. ولم يكن في يوم من الأيام إلا شقيقًا جميلاً وجارًا حبيبًا، ورديفًا شريفًا لفلسطين والفلسطينيين.
   إنه وفي الوقت الذي يعتقد فيه كثير من العرب، وكثير من المسلمين، وكثير من الفلسطينيين واللبنانيين والمصريين والسوريين بضرورة أن تنجح ثورة الخامس والعشرين في مصر، وبضرورة أن تنجح ثورة الياسمين في تونس، وبضرورة أن ينتصر النهج العربي العروبي التحرري في كل بلاد العروبة، وبخاصة في هذه المناطق البالغة الحساسية منها، وفي الوقت الذي يعتقد فيه كثير من المراقبين، وكثير من المحللين السياسيين والعسكريين بوجوب أن يعمل الناس جميعًا في هذه المناطق من أجل وحدة الصف، ووحدة الكلمة، ووحدة الهدف، ومن أجل حشد الطاقات والإمكانات وصولاً إلى تحقيق أهداف هذه الأمة في الوحدة والحرية والتحرر ووضع حد لكل هذه التعديات والتحديات، ولجم هؤلاء المعتدين علينا الطامعين في أوطاننا المجترئين على شعوبنا، وعلى حقها المقدس في العيش الحر الآمن الكريم في ديارها، وفي الوقت الذي ينبغي فيه أن تنتصر إرادة المجتمع الدولي في وضع حد لمعاناة الشعوب، وفي وضع حد لتشردها وضياع حقوقها، وفي الوقت الذي ينبغي فيه أن يستفيق الضمير، وأن يعود المشردون إلى ديارهم كي يختفي شبح الحروب ويسود السلام ربوع هذا الكون نجد أن ما يحدث هو عكس ذلك، ونجد أن ما يحدث هو إصرار كل قوى البغي في هذا العالم على الإمعان في قهر الشعوب، والعدوان عليها، ونهب خيراتها وثرواتها، ومصادرة حرياتها، وغزو أوطانها، وتشريد إنسانها، وتدمير بنيانها، ونجد أن هذه القوى تصر على مزيد من التدخل في الشأن العربي، ومزيد من إثارة الفتن في كثير من أقطار العروبة، وعلى مزيد من العدوان على العرب، وعلى مزيد من ممارسة كافة أشكال النهب والسلب، وفرض السيطرة على هذا الوطن العربي من المحيط إلى الخليج.. قوى البغي والطغيان هذه تصر اليوم على تجزئة المجزأ، وتفتيت المفتت، وفرض سيطرتها المطلقة على كل شعوب هذه المنطقة حتى لا تقوم لها قائمة في يوم من الأيام.
   إن هذه المنطقة من العالم، وهي تشهد هذه الأحداث الجسام التي ترقى إلى مستوى الحروب الأهلية في بعض أقطارها مرشحة لمزيد من الكوارث والحروب، لسبب بسيط هو أن قوى العدوان لن تتمكن من حسم الأمور لصالحها، ولن تتمكن من إخضاع شعوب هذه المنطقة، ولن تتمكن من فرض سيطرتها على أمة العرب على الرغم من امتلاكها كثيرًا من مصادر القوة، وكثيرًا من الأتباع والأعوان في هذا الوطن العربي.. وإن هذه المنطقة من العالم ستشهد مزيدًا من المعارك والحروب وأعمال العنف والعنف المضاد إلى أن تنتصر إرادة الحياة، وإلى أن تحقق الشعوب أهدافها وغاياتها في الاستقلال والحرية والخلاص، وإلى أن يهزم الطغاة المعتدون، ويعود السيف إلى قرابه، والحق إلى نصابه، والأسد إلى عرين غابه.
   إن عودة الشعب العربي الفلسطيني إلى دياره التي أُخرج منها.. وقيام الدولة الفلسطينية في كامل الأرض المحتلة منذ عام سبعة وستين وعاصمتها القدس العربية.. قد يكونان أساسًا صالحًا لصنع سلام ترضى عنه الأجيال في هذا الجزء من العالم.. وإن بناء نظام عربي سياسي تحرري متزنٍ متوازن يلبي احتياجات أمة العرب، ويلبي احتياجات أجيالها الصاعدة وطموحاتها في حياة عصرية متطورة، ويضع في اعتباره كافة حقوق المواطن، وكافة حقوق الإنسان في هذا الوطن العربي الكبير قد يجعل من حرب أكتوبر -موضوع الحديث- آخر الحروب.
6/10/2011
 
 
 
 
 
 

الأربعاء، ٥ تشرين الأول ٢٠١١

كل أسرى الحرية أبرياء: أليس كذلك يا حسام؟

متابعات
كل أسرى الحرية أبرياء: أليس كذلك يا حسام؟
أ.عدنان السمان
www.samman.co.nr
   على وقع هذه الأهازيج التي تشق أجواز الفضاء، وصدى هذه الأشعار التي تملأ الرحب، وعزف الآلات الموسيقية الشجي الذي تلين لوقعه القلوب القاسية، وهتافات الأمهات والشقيقات والأخوات والزوجات، وصراخ أبناء الأسرى وبناتهم، وجيرانهم وجاراتهم، وكل المتضامنين والمتضامنات من أبناء شعبنا وبناته معهم، ومن وحي كل هذا الإصرار والزخم الشعبي المتضامن مع أسرى الحرية الذين يخوضون معارك البطولة والإرادة الحرة التي لا تلين جياعًا عطاشًا مرضى رأيت أن أنتحي جانبًا، وأن ألتجئ كعادتي عندما تحاصرني الأفكار، وتستبد بي المشاعر، وتغلبني تباريح الشوق والحنين إلى رحاب الزميل فوزان، لأكتب لكم يا كل أسرى الحرية هذه الكلمات، أشد فيها على أياديكم، مؤيدًا فيها إصراركم على انتزاع حريتكم، وإصراركم على تحدي القيود والأصفاد وكل سياسات القمع والإذلال والتركيع والتحكم والقهر التي يمارسها هؤلاء جميعًا ضدكم، مؤكدًا فيها على أنكم قادرون على التحدي، قادرون على التصدي، قادرون على تحقيق المطالب، قادرون على انتزاع النصر بالإرادة والعزيمة والتضامن والتنسيق فيما بينكم.
   كنت بالأمس القريب أيها الأحبة كثيرًا ما أحاور أخًا كريمًا هو بينكم الآن،  وأسيرًا محررًا أعادوه إلى الأسر من جديد، وخبيرًا بحياة المعتقلات والسجون، وأساليب التحقيق والمحققين.. كنت كثيرًا ما أخوض معه في قضايا التحرر والحرية والتحرير، وفي قضايا الاستبداد والاستعباد والاضطهاد، وقضايا الظلم والفساد والإفساد والاغتصاب، وقضايا الجوع والتشرد والتمزق واليأس والخضوع، وكان يتكلم دائمًا بلغة شاعرية تغلفها رنة حزن دفين، وتنزف دائمًا بدماء جراحٍ كثيرةٍ لم تجف، وجراحٍ كثيرةٍ غارت وجفت فيها الدماء، ثم نكأتها الأيام، فتدفقت منها الدماء والدموع والصديد من جديد، وأخرى جديدة، وجراح أخرى تنتظر شعبنا في كل خطوة يخطوها هنا على أرض الوطن، وهناك في كل ديار الغربة والتشرد والنزوح واللجوء.. وكان أحيانًا يسهب في الحديث عن حق العودة، وعن الملايين من الفلسطينيين الذين سيعودون إلى بلادهم وبيوتهم وأراضيهم وممتلكاتهم ومدنهم وقراهم.. لقد كان دائمًا مؤمنًا بما يقول، واثقًا من دقة ما يقول، متفائلاً، يحسن الظن بالناس على الرغم من تقصير كثير منهم، وعدم ارتفاع كثير منهم إلى مستوى الحوادث والأحداث التي يعيشها شعبنا، وتحياها أمتنا، عربيًّا، عروبيًّا، وحدويًّا، يبحث عن الشرفاء المخلصين في كل بلاد العرب، سعيدًا بهم، مخلصًا لهم، ودودًا صادقًا في تعامله مع الناس.
   قال لي يومًا إن كل أسرى الحرية أبرياء.. وإن من الضروري أن يخرجوا من الأسر جميعًا، ولا أقول إلى حياة الحرية، لأننا نحن الآن، في مكاننا هذا، في بلدنا هذا، لا نعيش حياة حرة، وإنما أقول أن يخرجوا جميعًا من الأسر، ومن السجون والمعتقلات الصغيرة إلى هذه المعتقلات الكبيرة التي من الضروري أن نعمل جميعًا من أجل حريتها وتحررها وخلاصها من المحتلين الذين يصرون دائمًا على تصنيفنا، وإنزال العقوبات بنا بسبب تصرفاتنا وسلوكنا، وكأن من الطبيعي أن يكونوا موجودين في هذا الوطن يمارسون فيه الحكم والتحكم بالمواطن، وكأن من الطبيعي أن يسكت الناس، وأن يوافقوا على وجود هؤلاء هنا، وعلى حكمهم وتحكمهم بنا، وكأن من الطبيعي أن يرضى الناس بهذا، وأن يتصرفوا بناءً عليه!! وعليه فإنه ليس من العدل أن تبقى هذه السجون، وهذه المعتقلات مفتوحةًَ لإذلال هذا الشعب، وليس من العدل في شيء أن نرضى بهذا، وأن نتعامل معه على أنه أمر واقع، كوجود أولئك على أرضنا!! يجب أن نعمل جميعًا على تحرير الأسرى لأنهم أبرياء، ولأنهم يجب أن يخرجوا من معتقلاتهم، ولأنهم لم يفعلوا ما يوجب توقيفهم لحظة واحدة، ولأنه لا أساس قانونيًّا أو أخلاقيًّا لكل هذه الاعتقالات السياسية التي تمارس في كل هذه الديار، ليس من حق من يوقفوننا أن يفعلوا ذلك، لأن وجودهم هنا على أرضنا غير شرعي، ولأن من حق هذا الأسير أو ذاك أن يفعل ما فعل، وأن يقول ما قال، لأنه في موقف الدفاع عن النفس... ثم إن الغالبية العظمى من المعتقلين والأسرى هم من كبار السن، ومن المرضى، ومن الأطفال، ومن النساء، ومن المعتقلين إداريًّا، ومن المحكومين أحكامًا عاليةً لا تناسب التهم الموجهة إليهم، ولو لم يكونوا عربًا فلسطينيين لما سجنوا يومًا واحدًا، بمعنى أن غالبية المحاكمات هي محاكمات سياسية ينبغي أن يعاد النظر فيها، وينبغي أن تشرف على ملف الأسرى هنا في هذه الديار لجان دولية، ولجان من منظمات حقوق الإنسان، ولجان من المحامين الفلسطينيين والعرب والأجانب، وينبغي أن تتدخل الأمم المتحدة في هذه القضية البالغة الخطورة والحساسية لأن كل أسرى الحرية في بلادنا أبرياء يجب أن يفرج عنهم في الحال، ويجب أن يمتنع الفلسطينيون عن إجراء أي اتصال بالطرف الآخر إلا بعد أن يوافق على الإفراج الكامل غير المشروط عن هؤلاء الأسرى.. وتحيةً إلى أكرم منصور شيخ الأسرى.
   أتذكر يا صديقي تلك الساعات التي كنا نجري فيها كل هذه الأحاديث، وكنا نجري فيها كل هذه التقييمات الشاملة لكل هذه الأوضاع في فلسطين، وفي كل بلاد العرب؟ أتذكر أيها الصديق عندما كنت تحدثني عن عمالقة الأسرى من الفلسطينيين والعرب؟ لقد كنت محقًّا في أحكامك، صادقًا في أقوالك، عربيًّا فلسطينيًّا في مشاعرك وتوجهاتك.. حقًّا إن كل أسرى الحرية أبرياء.. أليس كذلك يا حسام؟!
5/10/2011