عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


الخميس، ٢٧ تشرين الثاني ٢٠٠٨

ليفني .... والحديث عن المصالحة التاريخية!!!

متابعات

ليفني .... والحديث عن المصالحة التاريخية!!!

أ. عدنان السمان    

www.samman.co.nr

جاء في "القدس" أن ليفني لا تريد تدخل أوباما في محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية، وأن إسرائيل لن تسمح بعودة لاجئ فلسطيني واحد، وجاء قولها (في كلمة ألقتها خلال اجتماع لإحدى المنظمات اليهودية في نيويورك قبل أيام) : إن السبيل الوحيد أمام إسرائيل للعيش كدولة يهودية ديمقراطية في أمن وسلام هو أن تتخلى عن بعض الأراضي من أجل إقامة دولة فلسطينية في مقابل أن يتخلى الفلسطينيون عن إصرارهم على حق العودة للاجئين" وقولها في كلمتها تلك: "إن حل قضية اللاجئين ليس هو السماح بعودتهم إلى إسرائيل، ولا حتى لواحد منهم" وقولها أيضًا: "إذا كانت هناك مشكلة لاجئين غادروا عام 1948 فهذه لم تعد مشكلة إسرائيلية" وقولها: "أنا مستعدة للقيام بهذه المصالحة التاريخية ما دمت أعرف أن إقامة دولة فلسطينية هو السبيل لتحقيق طموحاتهم الوطنية".

وزيرة الخارجية الإسرائيلية تريد أن "تتخلى" عن بعض الأراضي من أجل إقامة دولة فلسطينية عليها مقابل أن يتخلى الفلسطينيون عن حق العودة، وهذا يعني أن ليفني تعتبر الأرض الفلسطينية كلها أرضًا إسرائيلية، بدليل أنها تريد أن "تتخلى" عن بعض هذه الأراضي من أجل إقامة دولة للفلسطينيين عليها.. فالإنسان يتخلى عن شيء يملكه مقابل الحصول على شيء ما مقابل هذا التخلّي.. وهذه مغالطة واضحة أوقعت ليفني نفسها فيها.. ثم إن وزيرة الخارجية الإسرائيلية (التي ترئس وفد التفاوض الإسرائيلي مع الفلسطينيين) لم تشر، ولم يسبق لها أن أشارت إلى مساحة هذه الدولة التي تتحدث عنها، وإلى شكلها، وطبيعتها.. ففي أوروبا، وأمريكا الجنوبية والوسطى وأوقيانوسيا، وآسيا دول وإمارات وكيانات كثيرة بعضها قائم على جزء أو أجزاء من الكيلومتر المربع !! وبعضها الآخر قائم على بضعة كيلومترات مربعة.. بعضها تابع، وبعضها محكوم، وبعضها مجرد شكل، وبعضها اقتضته الضرورة، وبعضها أصبح نسيًا منسيًّا بعد أن أدى دوره ومضى!! هناك موناكو، وسان مارينو، ولكتنشتاين، ومالطة... وهناك برمودا، وترينيداد وتوباغو.. وهناك جزر تونفا، وساموا الغربية.. وهناك مكاو، وهونج كونج، وموربش، وجزر القمر... ولعل أصغر هذه الأسماء مساحة هي موناكو البالغة مساحتها 0.002 كم2، بينما تبلغ مساحة أكبرها وهي ترينيداد وتوباغو خمسة كيلومترات مربعة... فلماذا لا تعلن ليفني مساحة هذه الدولة التي تتحدث عنها، ولماذا لا تحدد شكلها ومضمونها، وطبيعتها وصلاحياتها كي يكون الفلسطينيون على بيّنة من أمرهم؟

ثم إن وزيرة الخارجية الإسرائيلية لم تقل – صراحةً- ما الذي يمكن أن يحدث إذا رفض الفلسطينيون التخلي عن حق العودة.. المفهوم ضمنًا – كما يقولون- أن ليفني لن توافق على قيام هذه الدولة التي تتحدث عنها إذا لم يوافق الفلسطينيون على التخلي عن حق العودة.. فهل تعلن ليفني هذا الاستنتاج على الملأ كي يكون الناس على بيّنة من أمرهم أيضًا تجاه هذا الشق من المعادلة؟ وهل تتوجه ليفني إلى المنظمة الدولية التي أصدرت القرار رقم (194) في 11/12/1948 طالبةً إلغاءه لأن مشكلة هؤلاء اللاجئين الفلسطينيين الذين (غادروا) عام 1948 لم تعد مشكلة إسرائيلية؟ لماذا لا تبين ليفني كيف غادر هؤلاء اللاجئون بلادهم وبيوتهم ولماذا؟ ولماذا لم توافق ليفني على اقتراح رايس في شرم الشيخ بتفويض مجلس الأمن بمتابعة قيام الدولة الفلسطينية المقترحة؟ ولماذا تطلب ليفني من برّاك حسين أن لا يتدخل في محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية؟ ولماذا تطالبه بالتفرغ لمعالجة الشأن الداخلي الأمريكي، وأن يترك هذه المفاوضات "الثنائية" التي تجري "بهدوء" للإسرائيليين؟ ولماذا لا تتحدث ليفني صراحةً عما أسفرت عنه هذه المفاوضات منذ خمسة عشر عامًا؟ ولماذا لا تعترف صراحةً أن الاستيطان قد بلغ ذروته خلال أعوام المفاوضات هذه؟ ولما لا تبيّن للناس متى ستنتهي هذه المفاوضات التي أدت إلى كل هذه النتائج التي نراها؟ ولماذا لا تتحدث – ولو بإيجاز- عما أسفرت عنه هذه المفاوضات حتى الآن، وما الذي يمكن أن تؤدي إليه إذا استمرت على هذا النحو بضع سنوات أخرى؟؟؟

وأخيرًا فإن ليفني تعلن استعدادها للقيام بهذه المصالحة التاريخية من منطلق معرفتها "أن إقامة دولة فلسطينية هو السبيل لتحقيق طموحاتهم الوطنية" أي أن المصالحة التاريخية –كما تفهمها ليفني- تتمثّل في إقامة هذه الدولة على بعض الأراضي التي "يتخلى" عنها الإسرائيليون مقابل تخلي الفلسطينيين عن حق العودة.. ولكي لا أطيل، وحتى لا أقع في آفة التكرار أيضًا فإنني أقول بإيجاز شديد  ليس هذا هو السبيل إلى المصالحة التاريخية التي تؤدي إلى سلام حقيقي في هذه المنطقة من العالم.. المصالحة التاريخية تعني عودة الحقوق إلى أصحابها، والمصالحة التاريخية تعني أن يعود اللاجئون والمهجَّرون إلى ديارهم التي أخرجوا منها قسرًا، والمصالحة التاريخية تعني أن يقف المحتلون عند حدود الرابع من حزيران أولاً وقبل كل شيء، وأن يدعوا أهل هذه الديار وشأنهم، كي يقرروا مصيرهم بأنفسهم دون وصاية أو تدخل من أحد، والمصالحة التاريخية تعني أن تعود القدس كما كانت هي الأخرى قبل يوم الرابع من حزيران من عام سبعة وستين..

هذه هي المصالحة التاريخية كما يفهمها الفلسطينيون، وكما يفهمها العرب، وكما يفهمها الناس في هذا العالم... المصالحة التاريخية عدل، ومساواة، وحرية، وحقوق، وهي محبة، وتسامح، وعيش كريم في ظلال سلام دائم شامل تتحقق فيه الأماني، وتزهر فيه الآمال، وتشرق فيه شمس الحرية، وتزول ظلمة القهر، والعنصرية، والظلم، والعدوان.

24/11/2008

 

الاثنين، ٢٤ تشرين الثاني ٢٠٠٨

على هامش اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة

السلام مع النفس أولاً ...

                                       أ. عدنان السمان

                                                           www.samman.co.nr

أيها السادة.. السلام عليكم ورحمة الله

    لا نطالبكم بالمستحيل لأننا نعرف حدودكم وإمكاناتكم والتزامات دولكم.. شعوب الأمة العربية من المحيط إلى الخليج لا تطالبكم بوحدة هذه الأمة في كافة أقطارها وأمصارها لأنها تعلم يقينًا أن الحديث عن وحدة العرب يزعج السادة الكبار في كثير من العواصم الكبيرة والصغيرة أيضًا, ولأنها تعلم يقينًا أن تلك العواصم باتت معنيةً اليوم بتقسيم المقسَّم , وتجزئة المجزأ في بلاد العرب, وباتت معنيةً أكثر من أي وقت مضى بإشاعة الفتن والخلافات والعداوات والصدامات المسلحة وغير المسلحة بين صفوف الأمة العربية, لتحقق بذلك مزيدًا من السيطرة على هذه الأمة, ومزيدًا من السيطرة على ثرواتها ومقدراتها, ومزيدًا من التنكيل بشرفائها وأحرارها, ومزيدًا من الإذلال والتجهيل والتركيع والتجويع لأجيالها الصاعدة بهدف إجهاض هذه الأجيال وجرها إلى مهامه اليأس والإحباط والقنوط والانحراف والولاء لتلك العواصم التي فعلت بهذه الأمة الأفاعيل منذ مئة عام أو يزيد.

     شعوب هذه الأمة لا تطالبكم بتحرير أوطانها, وإنصاف إنسانها؛ فلستم وزراء حرب, ولستم قادة جيوش.. وهي لا تطالبكم بزراعة أرض العرب, فلستم وزراء زراعة.. ولا تطالبكم بضرورة أن يتعلم الأميون البالغ تعدادهم مئة مليون انسان في بلاد العرب!! وبضرورة أن يصبح التعليم حتى إنهاء الدراسة الثانوية تعليمًا إلزاميًّا إجباريًّا باسم القانون !! وبضرورة أن يصبح التعليم الجامعي مّجانيًّا في كل بلاد العرب !! وبضرورة أن تصبح اللغة العربية لغة التدريس الرسمية في كل جامعات العرب !! وبضرورة الاهتمام – كما يجب – بهذه اللغة في المدارس العامة والخاصة قبل الجامعات !! فلستم وزراء تربية وتعليم .. وشعوب هذه الأمة لا تطالبكم برصد الموازنات اللازمة لتطوير البحث العلمي والنهوض به, إن بلدًا محدود المساحة مثل ألمانيا ينفق على البحث العلمي ثمانين مليار يورو في العام, في الوقت الذي لا ينفق فيه العرب مجتمعين جزءًا يسيرًا من هذا المبلغ على البحث العلمي, وفي الوقت الذي لا يوجد فيه مثل هذا البحث في كثير من جامعات العرب !! لا يطالبكم أحد بتخصيص الموازنات لهذه الغاية؛ فلستم وزراء مالية.. وشعوب الأمة العربية لا تطالبكم برفع هذه الرقابة الصارمة على المطبوعات ووسائل الإعلام المختلفة ؛فلستم وزراء إعلام.. وهي لا تطالبكم بإطلاق الحريات العامة, وبالكف عن ملاحقة الناس؛ فلستم وزراء داخلية.. وهي لا تطالبكم بنشر العدالة والعدل والمساواة بين الناس والابتعاد عن الوساطة والمحسوبية والشلليّة والفساد بكل أشكاله القبيحة, وصوره البغيضة المقيتة؛  فلستم وزراء عدل.. وهي لا تطالبكم بضرورة أن يكون لكل مواطن بيت يأوي إليه, لنضع حدًّا لحياة التشرد, والنوم في الطرقات والمقابر , وعلى الأرصفة؛ فلستم وزراء إسكان.. وهي لا تطالبكم أن يكون كل عربي مؤمّنًا تأمينًا صحّيًًّا , وأن تقام المشافي والمراكز الصحية والعيادات, وأن تتوافر الأدوية والتجهيزات الطبية, والطواقم الكفيّة المدربة المتخصصة, الملتزمة من الأطباء والممرضين والممرضات والعاملين في مجال الخدمات الصحية؛ فلستم وزراء صحة.. وشعوب الأمة العربية لا تطالبكم بضرورة أن يرتدي العرب جميعًا من محيطهم إلى خليجهم أرديةً مناسبةً تليق بالإنسان المحترم في كافة فصول السنة؛ فلستم وزراء شؤون اجتماعية، ولستم وزراء سياحة .. وشعوب الأمة العربية لا تطالبكم بحقها كاملاً في النفط والغاز لغايات الطبخ والتدفئة ,ولا سيّما في المدارس والجامعات والمشافي ودور المسنين والعجزة؛ فلستم وزراء " بترول ".. وشعوب الأمة العربية لا تطالبكم بضرورة أن يكون لكل مواطن حقه في فرصة عمل محترمة تناسب امكاناته وتجربته واختصاصه؛ فلستم وزراء عمل.. وهي لا تطالبكم بضرورة أن يجد كل من يريد الزواج زوجة صالحة إلى جانبه في عش الزوجية الجميل ؛ فلستم وزراء أوقاف.. وهي لا تطالبكم بضرورة أن تنتشر الشوارع الواسعة, والطرق الزراعية المناسبة في كل بلاد العرب , وأن تنتشر تبعًا لذلك السيارات على اختلافها, ووسائط النقل العام المحترمة على امتداد الوطن العربي دون أدنى استثناء؛ فلستم وزراء مواصلات.. وهي لا تطالبكم بضرورة تطوير التصنيع في بلاد العرب , ليشمل الصناعات الثقيلة , والتصنيع الزراعي, ولتعم النهضة الصناعية أرض العرب, وتقام المدن الصناعية ومدن العمال إلى جانبها على كل الأرض العربية البالغة مساحتها أكثر من ستة عشر ألف كيلو متر مربع, والبالغ تعداد سكانها أكثر من ثلاثمئة مليون إنسان , هذه الأرض العربية التي تحتوي على كنوز وثرواتٍ لا نجد جزءًا يسيرًا منها في كثير من الدول الصناعية الكبرى في هذا العالم؛ فلستم وزراء صناعة.. وشعوب الأمة العربية لا تطالبكم بضرورة أن يتوقف في الحال استيراد كثير من البضائع والسلع التي لا حاجة بنا إليها , ولا تطالبكم بضرورة تنظيم حركة الاستيراد والتصدير, وحركة التجارة بعامة؛ فلستم وزراء تجارة.. وهذه الشعوب لا تطالبكم بضرورة أن تصل المياه والكهرباء وسائر الخدمات كل القرى النائية حتى لا تبقى قرية نائية في أرض العرب؛ فلستم وزراء شؤون قروية, ولستم وزراء كهرباء, أو وزراء طاقة .. أنتم فقط وزراء خارجية يجتمعون اليوم من أجل غرض نبيل , وغاية سامية... وهل هنالك ما هو أسمى من الأخوّة والتسامح والوئام ؟وهل هنالك ما هو أجمل من السلام والمحبة يا كرام ؟ كل الاحترام والتقدير لمساعيكم الخيرة, ولكننا – أيها الأعزاء – قد لا نكون بحاجة إلى سلام لا نقوى على تحقيقه.. لأنه – أيها الأعزاء – بدون السلام مع النفس أولاً لا يمكن صنعه مع الآخرين.

                                                                      22/11/2008م


السبت، ٢٢ تشرين الثاني ٢٠٠٨

في انتخابات التِّيه

في انتخابات التِّيه

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

1) انتخابات 95.. كيف أُجريت؟

    شهدت الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 أول انتخابات من نوعها في العشرين من كانون الثاني 1995 بعد أن أعادت القوات الإسرائيلية انتشارها بشكل يسمح بإجراء هذه الانتخابات في معظم المدن الفلسطينية في هذه الأراضي موضوع الحديث.

    ولقد أسفرت تلك الانتخابات عن فوز الرئيس ياسر عرفات بمنصب الرئاسة، كما أسفرت عن انتخاب مجلس تشريعي مكون من ثمانية وثمانين عضوًا هو الأول من نوعه في تاريخ هذه الديار.

    وما من شك في أن فوز الرئيس عرفات لم يكن مفاجئًًا لأحد، بل إن النسبة التي حصل عليها (88,1%) هي أقل بكثير من النسب التي عهدناها في العالم العربي على امتداد العقود الأربعة الماضية (99.9999%) وهي أعلى من النسب التي يحصل عليها الرؤساء المنتخبون حقيقة في سائر أرجاء المعمورة بشكل ديمقراطي نزيه.

    إن على رأس دلالات هذه النسبة أن الرئيس عرفات يحظى بتأييد "جماهيري" منقطع النظير هنا على أرض الوطن، وهناك في أوساط شعبنا العربي الفلسطيني أينما وجد.. بل إن الرئيس عرفات يحظى دون أدنى شك بمكانة مرموقة، وتقدير واحترام شديدين بين شعوب العالم أجمع.. وهذا في حد ذاته مكسب كبير لشعبنا العربي الفلسطيني، ولقضيته العادلة.

    لقد شاءت حكمة الناخبين الفلسطينيين أن  يحظى الرئيس عرفات بهذه النسبة المميزة، وأن تحظى منافسته على الرئاسة بنسبة لا باس بها أيضًا، وهذه هي الديمقراطية الفلسطينية التي بدأت تأخذ مكانتها المتميزة بين الديمقراطيات في هذا العالم بعد هذه التجربة الفلسطينية الفريدة الممتدة على صعيدي الحرب والسلم منذ مطلع هذا القرن.. ولا تزال.. وفي تقديرنا فإن معركة شعبنا ستستمر بكل قوة وضراوة وعنفوان على امتداد سني القرن القادم أيضًا.

هذا العدوان الصارخ:

    على أن ما ينبغي ذكره هنا هو أن ما قيل في انتخابات الرئاسة لا ينسحب على ما يمكن أن يقال في انتخابات المجلس التشريعي، هذه الانتخابات التي رافقها وصاحبها كثير من الثغرات والمآخذ والعيوب... وعلى الرغم من أن انتخابات المجلس قد جاءت بكثير من النواب الممتازين الذين لا يشق لهم غبار إلا أن كثيرًا من الممارسات الخاطئة البعيدة كل البعد عن العدالة والنزاهة والديمقراطية واحترام إرادة الناخبين قد ظهرت جلية في فترة الإعداد للانتخابات، وخلال عملية الاقتراع، وبعد الانتهاء من هذه العملية أيضًا الأمر الذي أثر سلبًا على نتائج هذه الانتخابات، وحرم كثيرًا من المرشـحين من حقهـم المؤكد في الفوز ليحتل أمـاكنهم في المجـلس من هم أقل كفاءة ومقدرة على العمل وخدمة الوطن والمواطن.

    هنالك من يدافع عن هذا العدوان الصارخ محتجًّا بأن من أتى بهم هذا الشكل أو ذاك من التدخل هم أفضل من غيرهم!! وهذه حجة مرفوضة أقل ما يمكن أن يقال فيها إنها تدخل سافر، واعتداء صارخ على حق الناخب، واستخفاف بإرادته وحقه الطبيعي المشروع في اختيار ممثله.. وهنالك من ينكر إنكارًا قاطعًا أن يكون قد حصل أي تلاعب في هذه الانتخابات!! وليست هذه المواقف جديدة على مثل هؤلاء.. ومهما يكن من أمر فإن كثيرًا من المرشحين قد رفعوا أمر هذا العدوان الصارخ إلى لجنة الانتخابات المركزية لتقول رأيها فيه.

الرقم

اسم الدائرة

عدد  المقاعد

عدد المقترعين

1.

القدس

7

76400

2.

أريحا

1

12737

3.

بيت لحم

4

54534

4.

جنين

6

82850

5.

الخليل

10

131983

6.

رام الله

7

78076

7.

سلفيت

1

18890

8.

طوباس

1

15762

9.

طولكرم

4

56101

10.

قلقيلية

2

27220

11.

نابلس

8

111020

12.

شمال غزة

7

60436

13.

مدينة غزة

12

120483

14.

دير البلح

5

54538

15.

خانيونس

8

69472

16.

رفح

5

42703

 

المجموع

88

1013235

جدول يبين عدد المقاعد وعدد المقترعين المسجلين في الدوائر الانتخابية

(كما نشرته اللجنة المركزية للانتخابات)

(الجدول رقم 1)

الرقم

اسم الدائرة

حقها من  المقاعد

عدد المقترعين

1.

القدس

7

76400

2.

أريحا

1

12737

3.

بيت لحم

5

54534

4.

جنين

7

82850

5.

الخليل

11

131983

6.

رام الله

7

78076

7.

سلفيت

2

18890

8.

طوباس

1

15762

9.

طولكرم

5

56101

10.

قلقيلية

2

27220

11.

نابلس

10

111020

12.

شمال غزة

5

60436

13.

مدينة غزة

10

120483

14.

دير البلح

5

54538

15.

خانيونس

6

69472

16.

رفح

4

42703

 

المجموع

88

1013235

جدول يبين حق كل دائرة من المقاعد بحسب عدد المقترعين المسجلين فيها.

(الجدول رقم 2)

توزيع المقاعد لم يكن عادلاً:

    يشير سجل الناخبين العام إلى أن عدد الناخبين المسجلين في الضفة الغربية وقطاع غزة هو (1.013.235) ناخبًا وناخبة، منهم (347.632) ناخبًا وناخبة في قطاع غزة، و (311.873) ناخبًا وناخبة في شمال الضفة و(353.730) ناخبًا وناخبة  في وسط الضفة وجنوبها... وهذا يعني أن يكون لشمال الضفة (27) مقعدًا في المجلس التشريعي بدلاً من (22)، (311.873 على 1013235 ×88 ) ولوسط الضفة وجنوبها (31) مقعدًا بدلاً من (29) ولقطاع غزة (30) مقعدًا بدلاً من (37).

    لقد انتزعت اللجنة المركزية للانتخابات خمسة مقاعد من الشمال، ومقعدين من الجنوب والوسط لتضيفها إلى مقاعد قطاع غزة.. وهكذا فقد خصصت اللجنة المركزية مقعدًا لكل (9395) صوتًا في قطاع غزة، ( 347.632 على 37) وخصصت مقعدًا لكل (12197) صوتًا في جنوب الضفة ووسطها (353.730 على 29) وخصصت مقعدًا لكل (14.176) صوتًا في شمال الضفة! وإذا استثنينا المقعد الذي منحته اللجنة للطائفة السامرية في نابلس من مقاعد الشمال فإن اللجنة تكون قد خصصت مقعدًا لكل (14851)  صوتًا (311.873 على 27)... فإذا قال الناس إن القسمة العادلة لتوزيع المقاعد تؤكد أنه يجب أن يكون مقعد لكل (11514) صوتًا (1,013.235 على 88) قال أحدهم إن نواب الأمة لا يمثلون الناخبين فقط، وإنما يمثلون الأولاد والنساء اللواتي منعهن أزواجهن من ممارسة حق الانتخاب!!! فإذا قال قائل إن المدينة التي بلغ عدد ناخبيها مئة ألف مثلاً هي أكبر بكثير من المدينة التي بلغ عدد ناخبيها عشرين ألفًا لم يكن هنالك جواب!! وإذا قال قائل إن عدد الناخبين في نابلس قد بلغ (111.020) ناخبًا، وبلغ في خانيونس ( 69.472) ناخبًا، وإن مدينة نابلس أكبر من مدينة خانيونس، وإن اللجنة قد خصصت لنابلس سبعة مقاعد + مقعد السامريين، وإنها خصصت لخانيونس ثمانية مقاعد... قالوا هذا ما حصل، وقانون الانتخاب هو الذي أعطى وهو الذي أخذ... وكلنا شعب واحد لا فرق بين هذه المدينة وتلك!! وكأننا نحن الذين نفرق بين هذه المدينة وتلك!!!! فإذا لاحقتهم بالسؤال تريد معرفة حقيقة ما يحدث تنصلوا جميعًا "كالمعتاد"، وقال كل منهم إنه غير مسئول عما حدث! وغير مسئول عن هذه القسمة غير العادلة.

نظام الدوائر الانتخابية عمّق الإقليمية وأضاع كثيرًا من الأصوات

    صحيح أن كثيرًا من الدول والأقطار تعتمد نظام الدوائر في انتخاباتها العامة، ولكن هذا لا ينفي أن هذا النظام ينطوي على مساوىء، أقل ما يمكن أن يقال فيها إنه يربك العملية الانتخابية، ويهدر كثيرًا من الأصوات، وقد يأتي إلى المجلس المنتخب بأشخاص لا علاقة لهم أبدًا بالعمل السياسي أو الاقتصادي أو الفكري، وهو إلى جانب ذلك يكرس الإقليمية ويعمقها، ويعطي هذه الدائرة الانتخابية أكثر من حقها على حساب الدوائر الأخرى.. ويقوي فرص الشخصيات المحدودة على حساب فرص الشخصيات العامة التي من المفترض أن تأخذ دورها في مجال العمل العام.

    لقد أثبتت التجربة الانتخابية الفلسطينية أن كثرة المرشحين قد بعثرت الأصوات وبددتها، وأربكت

الناخبين، وقذفت بهم في دائرة الحرج والتيه.. قال لي أحد الناخبين، سأنتخب مرشحي حارتنا! وقال آخر: سأنتخب مرشح العائلة، وقال ثالث: سأنتخب مرشح قريتنا،  وقال رابع: سأنتخب من خدمني، وقال خامس: سأنتخب مرشح التنظيم، وقال سادس: سأنتخب المقاتلين الشرفاء، وقال سابع: سأنتخب من عمل من أجل الصالح العام على امتداد السنوات الماضية.. وقال عشرات من الناخبين بعد أن مارسوا حقهم في الاقتراع إنهم لم يعرفوا بالضبط كيف اختاروا!!! وهذا يفسر حصول بعض الناجحين على نسب هزيلة لا تتعدى 10% من أصوات الدائرة الانتخابية في كثير من الحالات! لا أقول هذا من باب السخرية والاستهزاء، بل أقوله واثقًا بأن كثيرًا من الأصوات الانتخابية قد تبددت لأكثر من سبب وعلى رأسها نظام الدوائر، وغياب الفكر السياسي الواضح المتبلور الذي تحتكم إليه الشعوب المتقدمة الواعية وهي تمارس حقها في العملية الانتخابية.

    كنا نأمل أن يكون الوطن كله دائرة انتخابية واحدة.. كم كنت أتمنى أن أنتخب إلى جانب من أثق بهم من مرشحي نابلس مرشحًا أو أكثر من مرشحي القدس، والخليل، وغزة، وخانيونس، ورفح، وجنين، وقلقيلية، وطولكرم، ورام الله والبيرة ... كم كنت أتمنى أن تتلاشى الفوارق الوهمية بين سائر مدن وطننا وقراه ومخيماته كي يشعر الإنسان أنه فلسطيني الوجه واليد واللسان.. ولكن هذه الانتخابات، وما سبقها من اعتبارات وفلسفات وحذلقات، وما سيعقبها من ممارسات لن تزيد كثيرًا من الناس إلا تقوقعًا ويأسًا وشعورًا ممضًّا بالغربة فوق أرض الوطن!.

    وكنا نأمل أن ينتخب الناخبون قوائم انتخابية محددة من خلال برامج انتخابية واضحة ثابتة لا تعيدنا إلى يافا، وتضعنا على حدود قبرص استعدادًا لدخولها فاتحين كما قال بعض المرشحين، بل تثبّت أقدامنا هنا في نابلس والقدس وغزة والخليل.. كنا نأمل أن ننتخب خطط عمل ناضجة مدروسة بعيدًا عن هذا السيل العرم من صور المرشحين، ووعودهم، واجتماعاتهم، وتصريحاتهم.. وبعيدًا عن الإشاعات التي استهدفت بعضهم من سحب ترشيح، أو وفاة، أو طلب للحضور إلى مركز الشرطة بدعوى الاعتداء على فلانة أو فلان!!

كانت النزاهة نسبية.. والخلل في المسافة الفاصلة بين مراكز الاقتراع ولجان الانتخابات المركزية

    لقد كانت الغالبية العظمى من الناخبين والمرشحين ومسئولي العملية الانتخابية حريصة كل الحرص على نزاهة الانتخابات.. يشهد بهذا معظم من مارسوا حقهم في عملية الانتخاب، ويشهد به مندوبو المرشحين، ويشهد به المراقبون المحليون، والعرب، والأجانب.. وهذا في حد ذاته يعتبر إنجازًا رائعًا لشعبنا العربي الفلسطيني، وخطوة عملاقة على طريق إرساء قواعد الديمقراطية الفلسطينية التي نحرص عليها جميعًا كل الحرص...

    ومما لا شك فيه أن عملية الانتخاب قد سارت سيرًا حسنًا في معظم مراكز الاقتراع البالغ عددها (1696) مركزًا، ولكن الذي لا شك فيه أيضًا أن بعض الناس لا يحلو لهم إلا أن يتصرفوا وفق هواهم ضاربين عرض الحائط بكل القيم، والمفاهيم الاجتماعية، والأخلاقية، والوطنية، والإنسانية الراقية، ليثبتوا دائمًا أنهم الانتهازيون، وأنهم الكاذبون المراوغون، وأنهم رافعو الشعارات الكبيرة الطنانة الرنانة الخالية من أي مضمون حضاري إنساني، أو وطني قومي سليم...

    لقد حرصت بعض الفئات – جريًا على مألوف عادتها – على تشويه كل المعاني السامية التي ينطوي عليها مبدأ المنافسة الشريفة: فإذا الحليف يخون حليفه، والصديق يتنكر لصديقه، والكذب والخداع يقفان على رأس الفضائل... ويصبح الفوز بأي طريقة، وبأي ثمن هو الهدف حتى لو كان ذلك على حساب كل المبادئ والقيم والمثل العليا، والأيمان المشددة التي أقسمها الحليف لحليفه، والصديق لصديقه..

    لقد مارس بعض المرشحين، ومعهم بعض مؤيديهم، وقادة حملاتهم الانتخابية ما يسمى في قاموس السياسة باللعبة الانتخابية القذرة التي ربما خدمت أطماعهم، ولا أقول طموحاتهم، وأوصلتهم إلى رحاب المجلس التشريعي، ولكن بعد أن خسروا أنفسهم وكثيرًا من مؤيديهم.. وأي معنى لهذا الإنسان الذي ربح موقعًا، أو منصبًا، أو ثروة وخسر نفسه؟ أي معنى لهذا الإنسان الذي فقد كل انسجام مع نفسه في سبيل عرض زائل ومنصب لا يدوم؟ ماذا يقول هذا الحليف لحليفه؟ وبأي لسان سيتحدث إليه؟ الشرفاء من الناس فقط هم الذين يحافظون على أنفسهم وقيمهم وأخلاقهم وعهودهم وأيمانهم عند الشدائد.. وصدق من قال: (الشدائد محك الرجال).. وصدق المثل القائل: "تسلمي يا شدة يا صانعة الرجال".. وبهذا المفهوم فإن الناس يعتبرون كثيرًا ممن لم يحالفهم الحظ من الفائزين، ويعتبرون بعض من مارسوا اللعبة القذرة ونجحوا من الخاسرين... نعم من الخاسرين لأنهم خسروا أنفسهم، ولأنهم لن يكونوا الأمناء على قضايا شعبنا... ولن يكونوا الأوفياء لفقرائه، وعماله، وطلابه، وفلاحيه، ومثقفيه، وخريجيه العاطلين عن العمل.. ولن يكونوا الأوفياء لدماء شهدائه، وجراحه النازفة... لن يكونوا المؤتمنين على مقدساته، ومقدراته، وبناء مؤسساته.. لن يكونوا المؤتمنين على طموحات شعبنا وآماله وتطلعاته في بناء الدولة المستقلة، ولن يكونوا الأمناء على حقوق اللاجئين والنازحين في العودة... ولن يكونوا الأمناء على الثوابت الفلسطينية وعلى رأسها حق شعبنا في التحرر والعودة وتقرير المصير وبناء الدولة المستقلة.

    وإذا كانت ممارسات هذا النفر قد أوصلت بعضهم إلى مجلس الأمة على حساب غيرهم فعزاؤنا أن في هذا المجلس من الشرفاء، والكفاءات، ورجال المواقف، والكلمة الصادقة الأمينة الشجاعة ما يجعل لنا منهم قرة أعين، وأكبر ضمانة على أن الأمور سوف تسير كما نريد، وكما يريد لها شعبنا أن تكون.

    على أن هذه الممارسات رغم استنكار الناس لها، واستيائهم الشديد من  حدوثها، ورغم أنها لعبت دورًا سلبيًّا في نتائج الانتخابات إلا أنها في تقدير كثير من المراقبين كانت محدودة ومحصورة في مراكز انتخابية معدودة، ولم يكن لها ذلك التأثير الكبير على نتائج العملية الانتخابية.

    ولكن الأمر الذي أثار كثيرًا من الناس، وكان حديثهم ولا يزال هو ذلك التلاعب الذي تعرضت له بعض الصناديق في كثير من الدوائر الانتخابية بعد الانتهاء من عملية الانتخاب، وبعد الانتهاء من عملية فرز الأصوات أيضًا.. وتحديدًا خلال المدة المحددة لنقل هذه الصناديق من مراكز الاقتـراع إلى مـقارِّ لجان

الانتخابات المركزية في الدوائر الانتخابية حيث يتم تجميع الأصوات التي حصل عليها كل مرشح.

    ويقول كثير من المرشحين إن الصناديق قد تعرضت للتلاعب في كثير من مراكز الانتخاب، ولا سيما في الدوائر الانتخابية الواسعة – حيث تأخر تسليم بعض هذه الصناديق إلى مقار لجان الانتخابات المركزية بحيث تم تسليم بعضها بعد يوم أو يومين من إغلاق الصناديق!!! ويقول بعض المرشحين إن المحاضر الخاصة بهذه الصناديق هي الأخرى قد تعرضت للعبث، ولم تسلّم في موعدها الأمر الذي يشكل دلالة قاطعة على أن الخلل الكبير الذي أصاب عملية الانتخاب كان بعد فرز الأصوات حيث تم التلاعب بكثير من الصناديق وبمحاضرها، ولم يكن خلال العملية الانتخابية التي كانت سليمة إلى حد كبير لولا بعض التجاوزات التي حصلت في بعض المراكز.

    ومهما يكن من أمر فإن لجنة الانتخابات المركزية لا تزال تنظر في عشرات الشكاوى والطعون التي قدمها كثير من المرشحين من دوائر البلاد المختلفة... ونحن في انتظار قرارات لجنة الانتخابات المركزية.. وإن كان مصدر مسئول في هذه اللجنة قد نفى إمكانية إعادة هذه الانتخابات.

مرشحو "فتح" يحتلون معظم مقاعد المجلس

    ومهما قيل ويقال في الانتخابات الفلسطينية فقد تمكن تنظيم "فتح" من تحقيق نصر كبير في هذه الانتخابات، حيث حصل مع عدد من مؤيديه وأنصاره على (65) مقعدًا من أصل (88)، وهذا يعني أن هذا التنظيم وأنصاره قد حصل على 74% من مقاعد المجلس... وعلى الرغم من أن هذه النسبة كانت متوقعة لأسباب كثيرة على رأسها غياب المعارضة عن ساحة المعركة الانتخابية إلا أن هذا الاستنتاج يظل متواضعًا إذا عرفنا أن معظم الأعضاء الناجحين من خارج تنظيم "فتح" وأنصاره هم في الحقيقة مؤيدون بشكل أو بآخر للرئيس عرفات، ومؤيدون بشكل أو بآخر للعملية السلمية.. ولا نعتقد أن هؤلاء المرشحين الـ (23) سيبتعدون كثيرًا في توجهاتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية عن توجهات سائر الأعضاء المنتخبين الأمر الذي يؤكد أن معظم أعضاء المجلس سيعملون بروح الفريق الواحد ضمن حدود الاجتهاد بالرأي، وأنه لن يكون هنالك محاور وتكتلات ونزاعات كما  نرى في "برلمانات" كثير من دول العالم.

    ولسنا ندري حقيقة إن كان ذلك هو الأفضل للوطن والمواطن.. ولسنا ندري حقيقة إن كان هذا المجلس التشريعي المنتخب سيعمل فعلاً بروح الفريق الواحد على معالجة الأوضاع الاقتصادية المتردية التي وصلت الحضيض في الأيام القليلة الماضية.. أم أن هذا المجلس لن يكون أكثر من رقم جديد يضاف إلى المجالس الكثيرة التي عرفها هذا الشعب على امتداد تاريخه الطويل ولا يزال.

    سؤال ستجيبنا عنه الأيام القليلة القادمة.. وإن كنا من المتفائلين الذين يبنون آمالاً كبيرة على هذا المجلس المنتخب الذي تقع على عاتقه مسئوليات اقتصادية  وسياسية واجتماعية جسيمة..


رسالة إلى المجلس التشريعي

 

    بعد ذلك، وبعد أن انقطعت عنا أخبار أولئك النواب فترة من الزمن.. كان لا بد من توجيه هذه الرسالة إلى ممثلي الشعب المحترمين:

    "لا بد من الإشارة في البداية إلى ذلك الشهر الذي قضيتموه مع الناخبين من خلال وسائل الإعلام المختلفة..حيث عقدتم فيه الندوات، وأجريتم اللقاءات والمناظرات،وألقيتم الدروس والمحاضرات..ذلك الشهر الذي قضيتموه مع الناس تقطعون الوعود والعهود، وتقسمون أن تكونوا صوت المواطن وضميره داخل المجلس التشريعي، وأن يكون عملكم كله خالصًا لوجه فلسطين أرضًا وشعبًا وقضية..ثم كانت الانتخابات..وانقطعت عنا أخباركم، ولم نعد نسمع لكم صوتًا، أو نشاهد لكم طلعة في بيت أو شارع أو مقر انتخابي..نعم، لقد انقطعت عنا أخباركم، فأصبحنا في غاية الشوق إليكم..لا نريد مصلحة خاصة، ولا نطلب خدمة شخصية، بل نريد أن نفهم يقينًا ما الذي فعلتموه،وتفعلونه في جلساتكم، واجتماعاتكم، ولقاءاتكم على امتداد الشهرين الماضيين..ونعتقد أن هذا من أبسط حقوقنا عليكم؛ فجسور الثقة يجب أن تبقى قوية بين الناخبين وممثليهم، والتواصل يجب أن يستمر ويتعمق بين الشعب ونوابه، والعلاقة يجب أن تقوى وتتوثق بالمصارحة والمكاشفة، ووضع الحقائق بين أيدي الناخبين بكل صدق وصراحة وموضوعية وجرأة.

    ولما طالت القطيعة رأيت من حقي بصفتي مواطنًا وناخبًا، وبدافع الشوق والمحبة أن أتوجه إليكم بهذه الرسالة من خلال "القدس" أولى صحف هذه البلاد، وأكثرها انتشارًا على الإطلاق كي أقول لكم جميعًا – وأنتم نواب شعب واحد، وولاية جغرافية واحدة- :

·        أيها النواب المحترمون نريد أن تكونوا على صلة بالناس، وأن تطلعوهم على مجريات الأمور والأحداث، لأن هذا من أبسط حقوقهم عليكم.

·   نريد أن نراكم وأنتم تعقدون اجتماعاتكم هناك في قلقيلية لتعززوا موقف شيبها وشبابها،وفعالياتها، وقياداتها الوطنية وهي تتصدى بصدورها العارية للجرافات التي تدمر الحياة فوق ما تبقى لهذه المدينة من أراض كانت في يوم من الأيام تمتد غربًا حتى تلامس أمواج البحر المتوسط..نريدكم أن تكونوا هناك لتروا بأعينكم كيف يقتلعون الأشجار والمزروعات الملاصقة لبيوت هذه المدينة،وكيف يدمرون البنى التحتية في هذه المنطقة ذات الكثافة السكانية العالية بهدف بناء جدار عرضه سبعون مترًا، وارتفاعه أربعة أمتار على امتداد المدينة من أقصى شمالها إلى أقصى جنوبها يحجب الهواء الغربي عنها بعد سنوات من هدم جدار برلين! ويمنع الناس من مجرد النظر غربًا ولو لمشاهدة الشمس عند المغيب!! بعد أن أحاطوها سابقًا بسلسلة من المستوطنات التي أقاموها على ما كان قد تبقى لها من أرض في الجنوب والشمال والشرق!! نريدكم أن تكونوا هناك لتروا ستين ألفًا من البشر يعيشون بدون عمل، أو مصدر دخل، ولا يربطهم بالعالم من حولهم سوى هذا الشارع المتجه شرقًا إلى الشقيقة الكبرى نابلس، والذي يغلقونه بالطبع متى أرادوا!! نريدكم أن تكونوا هناك لِترَوا المأساة المروعة على حقيقتها،ولـِترَوْا حقيقة ما حل بهذه المدينة من دمار على كل المستويات: النفسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والإنسانية، والحضارية بعد معاناة شرسة، وصراع دامٍ مرير مع كل قوى الضلال والعدوان منذ مطلع القرن الماضي.

·   نريدكم أن تكونوا هناك في بيت لحم، وعند قبة راحيل لتروا مأساة أخرى تضرب هذه المدينة السياحية التاريخية الأثرية المقدسة بهدف اجتثاثها، واقتلاع مواطنها من جذوره بعد أن أتت الطرق الالتفافية على مساحات شاسعة من أراضي المدينة..وبعد أن قيدت الحواجز العسكرية حركة المواطنين، وعزلتهم عن باقي مدن البلاد، ولا سيما مدينة القدس التي تعتبر بيت لحم واحدة من ضواحيها..والتي لم يكن أحد يصدق أن هذين التوأمين يمكن أن ينفصلا في يوم من الأيام، لأن انفصالهما يعني ببساطة أمرًا واحدًا هو الموت!! فكونوا أيها المحترمون هناك، لتروا الموت وهو يتسلل إلى أوصال هاتين المدينتين بأسلوب حضاري يثير الإعجاب! ويبعث النشوة والطرب في نفوس المتحضرين في هذا العالم شرقه وغربه!.

·   نريدكم أن تكونوا هناك في الخليل..وأن تزوروا حرم أبيكم إبراهيم، وأن تتحركوا قليلاً وسط هذه المدينة المهددة، وأن تزوروا بلديتها إن أعياكم التجوال، أو عزّت الحركة لتعلموا هناك ما يبيَّت لخليل الرحمن صنو القدس من أهوال وفواجع..فحرم أبيكم إبراهيم ليس لكم..والمناطق التي صودرت ذات يوم في قلب الخليل، وأُبدلت قومًا آخرين هي أيضًا ليست لكم، وكل منطقة أو حي يمكن أن يشكل تهديدًا لهؤلاء القوم الآخرين لن يكون لكم..وسيضمون بعض تجمعاتهم التي أقاموها على أراضي الخليل في فترات سابقة إلى مدينة الخليل كي يحققوا المعادلة السكانية..أليس هذا من حقهم؟! ألم يصبح أهل القدس العربية من قبل أقلية معزولة محاصرة في مدينتهم؟؟

·   نريدكم أن تحاولوا الوصول إلى القدس..ولن نثقل على أسماعكم، أو نطيل عليكم، فأنتم أدرى بالذي كان من مشكلة ضمها بعد أيام من تلك الحرب، حرب صبيحة يوم الإثنين الموافق للخامس من حزيران عام 1967.

·   نريدكم أن تتابعوا قضايا المستوطنات، واللاجئين والنازحين والمعتقلين والمبعدين وقضايا المياه، والثروات الطبيعية، وقضايا الأراضي المغلقة والمصادرة والأغوار..نريدكم أن تدرسوا جيّدًا كل قرارات الأمم المتحدة الصادرة بحق فلسطين والفلسطينيين، ولاسيما القرارين181و194، وأن تعلموا أن حق شعبنا في العودة حق طبيعي مشروع وليس قابلاً لنقاش أو مساومة..وأن حق شعبنا في تقرير مصيره، وإقامة دولته على كامل ترابه الوطني هو أيضًا حق ثابت لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه..وأن أرض فلسطين غير قابلة للتجزئة، فهي ولاية جغرافية واحدة منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها..وأن هذا الأمر الواقع الجديد الذي يفرضونه كل يوم لا يمكن أن يغير من حقيقة الأمر شيئًا.

إننــا نعـلم أننا نحمّلكم بهذا فوق ما تطيقون..وأننا نطالبكم بمتابعة ما قد يصيبكم بأكثر من الدوار، فنحن نعلم أنكم لن تكونوا قادرين على التصدي لنتائج قرن كامل من الهزائم والمهازل والدسائس..ونعلم أنكم تصطدمون بجدر سميكة من الحقائق القائمة على الأرض والتي قد لا تستطيعون لها دفعًا.. ولكننا نعلم يقينًا أنكم ستبذلون كل جهد مستطاع لتحقيق كل ما فيه خير وطنكم وشعبكم وقضيتكم..وأنكم لن تتنازلوا على الإطلاق عن أبسط حقوق هذا الشعب في التحرر والعودة، وتقرير المصير، وإقامة الدولة المستقلة..كان الله في عونكم..فهذه المرحلة التي نعيشها بحاجة إلى رجال استثنائيين..ولا يشك أحد لحظة في أنكم الاستثنائيون الذين أفرزهم شعب فلسطين العظيم.

    على أنه – أيها النواب المحترمون- لا بد من الإشارة إلى هذه المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية التي يعاني منها شعبكم، والتي نعتقد أن بإمكانكم التحرك للسيطرة عليها كليًّا أو جزئيًّا على الأقل.

    ففي عهد مجلسكم الموقر، وتحت سمعكم وبصركم يباع الكيلوغرام من الخبز منذ أيام بدولار! وهو السعر الذي حدده مسؤولو التموين والاقتصاد والتجارة مطالبين التجار، وأصحاب المخابز بعدم تجاوزه..وكأنه سعر معقول، وكأنهم بهذا يخدمون المستهلك، ويقفون إلى جانبه!! إن المسافة الفاصلة بين الضفة الغربية والشرقية هي عشرات الأمتار، أو على الأصح لا مسافة فاصلة جغرافيًّا بين المنطقتين، ومع ذلك فإن سعر الكيلوغرام من الخبز هناك هو ثمانية قروش!! ومعنى ذلك أن سعره هنا هو تسعة أضعاف سعره هناك!! وهذا أمر لا يقبله عقل، ولا يرضى به إنسان..وليس قابلاً للتصديق..

    إن سعر الخبز وغيره هنا يجب أن يكون مشابهًا لسعره وسعر غيره هناك، نظرًا للتشابه الكبير بين حياة الناس هنا وهناك من كافة النواحي الاقتصادية والاجتماعية، وكل كلام غير ذلك هو مجاف للحقيقة، بعيد عنها كل البعد..إن متوسط دخل الفرد هنا هو مئة وأربعون(140) دولارًا في السنة، بينما يبلغ متوسط دخل "الإسرائيلي" عشرين ألف دولار (20,000) في السنة!! فلماذا هذا الإصرار على ربط اقتصادنا باقتصادهم؟ وأي مصلحة لنا في ذلك؟ وكيف نقوى على الوقوف أو المنافسة أو الاستمرار في الحياة واقتصادنا لا يشكل بالنسبة لاقتصادهم أكثر من 2%؟ وكيف يكون سعر السلعة في أسواقنا شبيهًا بسعرها في أسواقهم ومتوسط الراتب لديهم يبلغ عشرة أضعاف متوسطه لدينا؟ وكيف يكون ذلك والبطالة تعصف بأكثر من سبعين بالمئة من أهل هذه البلاد؟؟ لماذا لا نعمل بكل قوة من أجل تحقيق شيء من التكامل الاقتصادي مع أهلنا في الأردن، ولماذا لا ننسق مع شعبنا هناك وصولاً إلى تحقيق التشابه المنطقي في الأسعار نتيجة للتشابه الكبير في حياة الناس هنا وهناك في أوجه الحياة كافة؟؟.

    وفي عهد مجلسكم الموقر ارتفعت نسبة البطالة من أربعين بالمئة إلى سبعين بالمئة، وازداد الناس فقرًا وجوعًا..وظهرت الفوارق الطبقية بأبشع صورها، وازداد الخلل في المرافق كافة..وباتت معظم شرائح المجتمع مقهورة مضطهدة مهانة لا تقوى على شراء الخبز إلا بشق الأنفس!!.

    وفي عهد مجلسكم الموقر تراجعت الرواتب الهزيلة التي يحصل عليهــا الموظفــون في قيمتهـا الاسمية والشرائية.. إنكم تعلمون أن أعلى راتب يحصل عليه الموظف المحترم الذي أمضى في الخدمة ثلاثين عامًا لا يتجاوز ما قيمته ثلاثمئة دينار بينما تحتاج الأسرة المتوسطة إلى ألف دينار في الشهر كي تعيش حياة مستورة فما العمل؟ وماذا يقول مجلسكم الكريم في رواتب الموظفين المتقاعدين التي لا تبلغ في المتوسط مئة دينار في الشهر!!.

    وفي عهد مجلسكم الموقر وصلت الأوضاع الصحية حدًّا من السوء لم يسبق له مثيل من قبل..إننا ندعوكم لزيارة العيادات والمشافي لتروا بأنفسكم الحقائق التي نربأ بأنفسنا عن مجرد الإشارة إليها في هذه الرسالة الموجهة إلى مجلسكم الموقر!! وباختصار فإن التأمين الصحي الحكومي قد فقد معناه، والمواطن قد فقد ما تبقى له من كرامة وهو يركض خلف الدواء فلا يجد له أثرًا في العيادات الحكومية، ولا هو بقادر على شرائه من الصيدليات الخاصة!! وحتى الفحوصات والتحاليل العادية لم يعد بإمكان الموظف العادي أو حامل التأمين الصحي من عباد الله إجراءها إلا بعد سلسلة من الإجراءات والتعقيدات، وإعطاء الوعود، وتحديد المواعيد..ولن تتم إلا بعد أسابيع أو أشهر في أغلب الأحوال..أما الأدوية ذات المعنى فهي في مستودع الوزارة، ولا يمكن الحصول عليها إلا بحسب إجراءات معينة، وبموجب معاملات خاصة لم نعد نفهم لها أي معنى..إننا واثقون من صحة ما نقول، وندعو أعضاء المجلس التشريعي الكريم إلى الوقوف بالطرق التي يرونها مناسبة على هذه الحقيقة المرة.

    وفي عهد مجلسكم الموقر ارتفعت أسعار المواد الاستهلاكية بنسبة تتراوح بين 20-30% دون سبب!! وبالطبع فنحن لا نريد أن نستعرض في هذه العجالة كل شيء..ولا نطالبكم بإصلاح كل شيء..فقضايا التعليم، والزراعة، والإسكان، والتعيينات، وسوء الأداء والتصرف في كثير من الدوائر والمؤسسات وغير ذلك من الأمور التي نعدّ منها ولا نعدّدها كل ذلك بحاجة إلى كثير من العمل الجاد المخلص الدؤوب من أجل الإصلاح، وهو بحاجة إلى تضافر كل الجهود في هذا الوطن، وعلى رأس ذلك كله جهود المجلس التشريعي الذي يعقد عليه الناس آمالاً كبيرة..

    كل ما نريد قوله أن من حق المواطنين عليكم أن تعملوا، وأن تبذلوا كل جهد ممكن في سبيل إنصاف المواطن، وتوفير الغذاء والدواء، والمسكن، والتعليم لكل المواطنين. إن أملنا كبير في أن يبذل مجلسكم الموقر مزيدًا من الجهود من أجل إصلاح الخلل الذي أصاب كل أوجه الحياة في هذه الديار..وثقوا أن هذا الذي نكتبه هنا هو حديث الناس في الشارع الفلسطيني..لقد صدقتكم القول، فالدين النصيحة..نرجو أن نعمل شيئًا نوقف معه بعض مظاهر الخلل والفساد لنعيد الثقة إلى نفوس المواطنين قبل أن يأتي يوم نقرع فيه سن الندم، ولات حين مندم..وقبل أن يأتي يوم نجد فيه شبابنا وقد تفرقوا في هذا العالم أيدي سبأ، فتكون فاجعة الوطن بفقدهم كبيرة، وتكون الفجيعة بآمالنا وأحلامنا المنهارة أكبر".

 


 

محمود عباس.. رئيسًا للسلطة

 

 

    بعد فوزه برئاسة السلطة الوطنية في التاسع من كانون الثاني من عام 2005 أخذ محمود عباس (أبو مازن) يتحرك محليًّا وعربيًّا ودوليًّا وفق البرنامج الانتخابي الذي التزم به، والسياسة المعلنة التي انتهجها طوال سني حياته السياسية، وبخاصة في الفترة التي شغل فيها منصب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية خلفًا لرئيسها الراحل ياسر عرفات.

    على الصعيد المحلي أصبح الرئيس عباس مسئولاً عن تسيير حياة الفلسطينيين اليومية ، وتوفير فرص العمل لمئات الآلاف من الفلسطينيين العاطلين عن العمل .. ومد يد العون لكل الطلبة المحتاجين في كافة مراحل الدراسة .. وتقديم الدواء والرعاية الصحية الكاملة لكل الفقراء والمعوزين والمحرومين من أقصى الوطن إلى أقصاه.

    الرئيس محمود عباس أصبح بذلك مسئولاً عن تنفيذ برامج الإصلاح والتطوير الشامل في مجالات التعليم، والصحة، والإدارة، والقضاء، والعمل، إضافة إلى رعاية أسر الشهداء والأسرى والفقراء .. يضاف إلى هذا رفع المعاناة اليومية عن المواطنين .. وما أشد وطأة هذه المعاناة التي باتت الغالبية الساحقة من المواطنين تئن تحت كابوسها الخانق الثقيل.

    وعلى الصعيد العربي أصبح محمود عباس مسئولاً عن بناء علاقات فلسطينية عربية، وفلسطينية إسلامية متينة متوازنة تعود بالخير على الوطن والمواطن .. وتضع الأشقاء جميعًا أمام مسئولياتهم تجاه فلسطين والفلسطينيين وقضاياهم العادلة والمصيرية التي تتطلب تضافر كل الجهود الخيرة المخلصة من أجل إحقاقها ووضعها موضع التنفيذ.

    أما على الصعيد العالمي، فالرئيس عباس أضحى منذ ذلك اليوم مطالبًا ببذل جهود مضنية من أجل كسب مزيد من الأصدقاء والأنصار والمؤيدين للحق العربي الواضح الصريح في فلسطين ، ولاسيما في الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبة، وفي مختلف أنحاء العالم.. وكذلك من أجل تمتين العلاقات بين شعبنا العربي الفلسطيني وكافة الشعوب والأمم والقوى والتكتلات في هذا الكون من حولنا.

    لقــد وضــع هــذا الشعب ثقته في الرئيس المنتخب محمود عباس فهل احترم العالم هذه الثقة؟ وهل

استمع العالم جيِّدًا إلى هذا الرئيس الذي أصبح يمثل – ديمقراطيًّا – هذا الشعب؟ وهل عمل المجتمع الدولي، ولاسيما الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية، من أجل إنصاف الفلسطينيين، ورفع المعاناة عنهم، وإحقاق الحقوق الوطنية المشروعة للشعب العربي الفلسطيني، وعلى رأسها حقه في إقامة دولته المستقلة ضمن حدود الرابع من حزيران من عام سبعة وستين وتسعمائة وألف وعاصمتها القدس العربية؟ وهل عمل المجتمع الدولي ولاسيما أمريكا وأوروبا من أجل حل قضية اللاجئين الفلسطينيين البالغ تعدادهم خمسة ملايين إنسان حلاًّ عادلاً ضمن قرار الشرعية الدولية رقم ( 194) والذي ينص صراحة على حق الفلسطينيين هؤلاء في العودة الحرة إلى ديارهم التي أُخرجوا منها عام ثمانية وأربعين؟ وهل عمل المجتمع الدولي من أجل إزالة هذه المستوطنات التي تهدد الوجود العربي الفلسطيني في هذه الديار؟ وهل انتهت حكاية أسوأ جدار فصل عنصري استيطاني سياسي توسعي عرفه تاريخ الإنسان، والذي مازال هؤلاء يواصلون العمل فيه دون إبطاء؟؟ وهل تدخل أحد  للإفراج عن الأسرى والمعتقلين من أبناء هذا الشعب والبالغ تعدادهم اليوم قرابة ثلاثة عشر ألف أسير؟وهل تحقق السلام المنشود الذي أبرموا اتفاقاته، واحتفلوا بإنجازه، وأعلنوا للدنيا كلها أن السلام (قد عمّ وطمّ) في هذه الديار منذ سنين؟

    لقد أبدى القادة الإسرائيليون ابتهاجهم بفوز محمود عباس في انتخابات الرئاسة الفلسطينية ، كما أبدى الرئيس الأمريكي بوش سروره بذلك الفوز، وكذلك فعل الأوروبيون فهل استجاب هؤلاء لرغبة الرئيس عباس في وضع حد لهذه المآسي التي تعصف بالناس في هذه الديار ؟ وهل استجابوا لرغبته الصادقة في توفير الأمن والأمان لكل الناس في هذه البلاد؟ وهل استجابوا لرغبته الصادقة في إحلال سلام حقيقي عادل دائم مشرّف لا غالب فيه ولا مغلوب يحفظ حقوق الناس في هذه الديار؟ وهل استجابوا لرغبة هذا الرجل في بناء الدولة الفلسطينية المستقلة التي تكون صمام الأمان في هذه المنطقة من العالم؟ لقد آن لهذه الأطراف جميعًا أن تفهم أن هذا الشعب العربي الفلسطيني هو مفتاح السلام والحرب في هذه المنطقة... وأن هذا الشعب قد اختار السلام منذ أمد بعيد .. فلماذا لا يتحقق هذا السلام؟ لماذا لا تعود الحقوق إلى أصحابها كي يتحقق السلام؟؟.

    قد يقولون إن على الرئيس أن ينفذ أوّلاً ما وعد به في برنامجه الانتخابي، وحملاته الانتخابية، وأحاديثه للصحافيين، وما أسمعه بشأن الانتفاضة وعسكرتها .. وبشأن الأمن والأمان، وتوحيد الأجهزة.. والسير في طريق السلام .. والحقيقة تقول: إن القوى جميعًا في هذه الديار تريد السلام ، وهو خيارها الاستراتيجي؛ فحركة " فتح " ومرشحها الذي فاز في معركة الرئاسة ، وأنصارها في كل مكان يعلنون أنهم يريدون السلام .. والمرشح المستقل د. مصطفى البرغوثي كان داعية سلام في برنامجه الانتخابي، وفي حملاته الانتخابية التي خاضها بثقة واقتدار وكفاءة عالية .

    الإسلاميون قاطعوا انتخابات الرئاسة .. وبهذا ساهموا مساهمة فعالة في نجاح الرئيس محمود عباس، ومعنى هذا كله، وباختصار شديد أنّ شعبنا يريد السلام ... الرئيس عباس وحركة فتح، والإسلاميون، والمستقلون، وكافة الفصائل التي خاض مرشحوها المعركة الانتخابية، والفصائل التي لم تخض هذه المعركة... هؤلاء جميعًا يريدون السلام ...... فلماذا لم يتحقق هذا السلام؟؟ ومن الذين يتحملون حقيقةً المسئولية الكاملة عن حالة الدمار التي تغشى البلاد .. وتعصف بالعباد .. في هذه البلاد؟؟.

    الإسرائيليون هم الذين لا يريدون السلام .. وهذا الأمر ليس جديدًا بل إنه يعود إلى الأيام التي صدر فيها قرار التقسيم عام سبعة وأربعين، وإلى العقود التي سبقت تلك الأيام ... ولكن الجديد هو أن الناس قد بدأوا يدركون هذه الحقيقة المرة في مرحلة متأخرة جدًّا من تاريخ القضية الفلسطينية. الإسرائيليون هم الذين لا يريدون السلام فهل نجح الرئيس عباس في إقناعهم بضرورة قبوله ؟ هل نجح هذا الرجل في استنهاض المجتمع الدولي، والقوى الفاعلة فيه، ودعاة السلام في إسرائيل من أجل إقناع قادة إسرائيل بضرورة التحرك الفعلي في طريق السلام الحقيقي؟

    لقد نفد صبر الشارع الفلسطيني، وكان رده الحاسم على تعنت الإسرائيليين، واستخفافهم بالجانب الفلسطيني، وتنكرهم للحقوق الفلسطينية، وإصرارهم على إذلال الفلسطينيين وتجويعهم،وفرض سياسة الأمر الواقع عليهم،ومطالبتهم بمزيد من التنازلات في كل يوم حتى لم يعد هنالك ما يتنازلون عنه... كان رد الشارع الفلسطيني على هذه الممارسات الإسرائيلية الرافضة لمبدأ السلام العادل أن نفَّذ انقلابه السلميّ الأبيض في الانتخابات التشريعية الثانية التي جاءت بعد عام من انتخابات الرئاسة احتجاجًا على كافة الممارسات الخاطئة بحق الوطن والمواطن ... ورفضًا لسياسة الإملاءات، وفرض الشروط المهينة، والتنكُّر لحقوق الفلسطينيين المشروعة .. لقد نفَّذ الشارع الفلسطيني انقلابه السياسي عن طريق صندوق الانتخابات، وهذا من أبسط حقوقه، لقد كانت انتخابات نزيهة شفافة بشهادة كل الشهود ... فماذا كانت النتيجة؟

    من المؤلم أن الولايات المتحدة الأمريكية التي طالبت بإجراء تلك الانتخابات هي التي شنت الحرب عليها،وحاربت من أتت بهم تلك الانتخابات، وهي التي فرضت هذا الحصار الرهيب على الفلسطينيين لأنهم انتخبوا ممثليهم في المجلس التشريعي بطريقة ديمقراطية نزيهة شفافة حرة تمامًا كما فعل الأمريكيون مؤخرًا عندما أتوا بالديمقراطيين إلى مجلس الشيوخ والنواب!!!، سجل يا تاريخ ... واشهد يا زمان على كل هذه التناقضات والافتراءات ... وعلى كل هذه العربدة والاستخفاف بأبسط مبادئ القيم والأخلاق وحقوق الإنسان! وعلى كل هذا الكذب والتزوير وقلب الحقائق والاعتداء السافر على الناس في أوطانهم دون وجه حق،ودون إبداء الأسباب!!.

    إننا، ومن هذا الواقع الأليم الذي فُرض على شعبنا العربي الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة لندعو كل من يعنيهم أمر الوطن والمواطن، وأمر شعبنا العربي الفلسطيني كله في مؤسستي الرئاسة والحكومة إلى العمل السريع من أجل وأد هذه الفتنة، وتفويت الفرصة على كل المستهترين بنا، المجترئين علينا، المراهنين على قوتهم وضعفنا، ندعوهم إلى العمل من أجل التوصل إلى اتفاق فوري يضع أهداف الأمة وطموحاتها وآمالها موضع التنفيذ ... الشارع الفلسطيني.. الشعب الفلسطيني .. الأسرى، والعمال، والفلاحون، والطلبة، والمثقفون، وكافة فئات هذا الشعب، وسائر شرائحه تدعو ممثلي هذا الشعب وقيادييه إلى تفويت الفرصة على أعدائنا المتربصين بنا الدوائر، فهل يكون هؤلاء عند حسن ظننا بهم؟ وهل يفعلون ما تمليه عليهم ضمائرهم تجاه شعبهم ووطنهم وقضيتهم؟ وهل يكفّون عن التناحر والتنابذ والتخاصم والاقتتال؟ وهل يعملون جميعًا من أجل علاقات فلسطينية فلسطينية سليمة قائمة على الاحترام والصدق مع النفس ومع الآخرين؟ وهل يتوقفون في الحال عن المماحكات والمناكفات والمطالبات والطلبات المضحكة المبكية التي ما أنزل الله بها من سلطان، والأحاديث الغريبة المثيرة لأكثر من الغضب والرثاء عن التزامات وتعهدات وتفاهمات لم يحترم أيًّا منها أحدٌ ممن وقّعها منهم؟؟ وهل يكفّ المتلاعبون عن تلاعبهم،والمتاجرون عن متاجرتهم بالوطن، والمواطن، والثوابت، والمقدسات، والقضية، وشعب القضية؟؟ وهل يُجمع من يعنيهم الأمر في مؤسستي الرئاسة والحكومة على الحد الأدنى الكافي من الأواصر، والثوابت، والقناعات، وشرف الانتماء، والخلق، والدين، والعروبة، والتاريخ، واللغة،  والمصير، والآلام، والآمال الكفيلة بنزع فتيل الأزمة، ونزع فتيل التجاوزات والاعتداءات، ونزع فتيل التبعية إلا لهذا الوطن وهذه القضية، ومستقبل الأجيال على أرض هذا الوطن؟وهل يقسم من يعنيهم الأمر في المؤسستين أمام الله، وأمام الناس جهارًا نهارًا أنه لا تنازل عن أيّ من الحقوق، ولا تفريط بأي منها، وأنه لا اجتهاد في مورد النص، وأنّ الوطن لكل أبنائه، فلا يجوز لأي منهم أن يتصرف بحبة تراب منه دون وجه حق؟ وهل يقسمون، ويقسم معهم كل أهل هذه الديار على نبذ الخلاف والخصام والاقتتال مهما كانت الأسباب، وأن لعنة الله والناس أجمعين على الكاذبين؟

    نريد من الرئيس محمود عباس بعد عامين من انتخابه أن يظل وفيًّا لقضيته وشعبه وأمته .. أمينًا على ثوابت هذا الشعب ... قادرًا على اتخاذ القرار التاريخي في زمن الهزائم والتراجع والانحسار والانكسار.


انتخـابات..بشـروط مسـبقة..!

    بعد عشر سنوات من الانتخابات الأولى كانت الانتخابات الثانية التي جاءت استجابةً لمطالب بعض الدول الأجنبيّة، والهيئات الدولية...

    وكان لا بد من الكتابة في تلك الانتخابات التي جاءت استجابة لمطالب بعض دول الغرب بهدف وضع حد لحالة الفساد الشامل التي عمت البلاد والعباد خلال تلك السنوات العشر... ومما كتبتُه في ذلك:

    في أثناء الحرب العربية الإسرائيلية في العام ثمانية وأربعين وتسعمئة وألف، وبعد قيام الدولة العبرية على الجزء الأكبر من مساحة فلسطين في أعقاب تلك الحرب كان الإعلام الإسرائيلي يركّز على رغبة الإسرائيليين في السلام مع "جيرانهم" العرب الذين فرضوا عليهم الحرب آنذاك ليمنعوهم من إقامة دولتهم بموجب القرار (181) الذي صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في التاسع والعشرين من تشرين الثاني من العام سبعة وأربعين وتسعمئة وألف، والقاضي بإقامة دولتين إحداهما عربية، والثانية يهودية على أرض فلسطين...وبحسب الإعلام الإسرائيلي فإن الفلسطينيين، ومعهم الدول العربية السبع – آنذاك- هم الذين فرضوا الحرب على اليهود الهاربين من جحيم النازية لأنهم يريدون تطبيق القرار المشار إليه، والعيش في (دولتهم) بأمان وهدوء...وهكذا تمكّن إعلامهم من كسب تعاطف المجتمع الدولي مع هذه الدولة اليهودية (الصغيرة) التي أقيمت على جزء من أرض إسرائيل التاريخية ليعيش فيها اليهود بأمن وأمان وسلام...كما تمكّن إعلامهم من إقناع المجتمع الدولي بأن العرب هم المعتدون، وأنهم هم الذين فرضوا الحرب على اليهود (لإبادتهم) فقط لأنهم يريدون العيش بحرِّيَّة على أرضهم!! وهكذا تمكنت هذه القلة التي كانت تملك قرابة سبعة بالمئة من أرض فلسطين من إقامة دولة على نحو ثمانين بالمئة من هذه الأرض....وبعد بضع سنوات من قيامها جرى تزويدها بالمفاعل النووي الذي جعل منها الدولة النووية الوحيدة في هذه المنطقة الواسعة الشاسعة من هذا العالم (العالم الإسلامي)...وأكثر من ذلك فقد حظيت بتعاطف المجتمع الدولي وحمايته ومؤازرته...وجرى رفدها بالمال والسلاح بشكل منقطع النظير...أما العرب الفلسطـينيون الذين شُرِّدوا من ديـارهم..وأما الدولة العربية التي نصَّ عليها القـرار (181) لتقوم على نحو نصف مساحة فلسطين جنبًا إلى جنب مع الدولة اليهودية...فقد أصبح كل هذا وذاك جزءًا من الماضي الذي نسيه المجتمع الدولي فيما نسي من أشياء.

    وفي أعقاب حرب حزيران من العام سبعة وستين تمكّن إعلامهم أيضًا من إقناع المجتمع الدولي بأن العرب هم المعتدون على الرغم من كل ما قيل عن الاستفزازات الإسرائيلية على الجبهة السورية..وعلى الرغم من كل ما قيل عن حق جمال عبد الناصر في طرد قوات الطوارئ الدولية من مضائق تيران المصرية، تلك القوات التي رابطت هناك في أعقاب حرب السويس "التي شنتها بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر في التاسع والعشرين من تشرين الأول من العام ستة وخمسين"....

    وعلى الرغم من أن الدنيا كلها كانت تعرف يقينًا أن الإسرائيليين هـم الذيـن بدأوا تـلــك الحرب في

صبيحة يوم الإثنين الخامس من حزيران من ذلك العام...وعلى الرغم من أن الإعلام الإسرائيلي نفسه كان يؤكد في أثناء تلك الحرب على أن إسرائيل تشنّ على العرب حربًا دفاعيّة وقائيّة هدفها كسر الحصار العربي، والرد على التهديد العربي السوري المصري المستمر لأمن إسرائيل ووجودها....وعلى الرغم من أن تلك الدولة (الصغيرة المسالمة) قد احتلت أضعاف المساحة التي أقيمت عليها عام ثمانية وأربعين إلا أن إعلامها قد تمكن أيضًا من إقناع المجتمع الدولي بأن إسرائيل على حق فيما فعلت...وأنها على استعداد لإعادة الأراضي العربية المحتلة إلى أصحابها عند اعترافهم بها، وإقامة علاقات ديبلوماسية معها....ولقد كثّف الإعلام الإسرائيلي آنذاك من مطالبته بضرورة إجراء مفاوضات عربية إسرائيلية لحل قضايا المنطقة دون شروط مسبقة..في محاولات مستميتة لإسقاط لاءات الخرطوم الثلاث (لا صلح، لا اعتراف، لا مفاوضات)..وفي محاولات محمومة لفرض الشروط الإسـرائيلية مقابل أي انسـحاب من أي أرض عربية....واستمرت هذه المطالبـة –مفاوضات بدون شروط مسبقة- إلى أن كانت مبادرة السادات في العام سبعة وسبعين...وما تلا تلك المبادرة من مفاوضات، واعتراف، وتبادل للسفراء، وإقامةٍ للعلاقات بين القاهرة وتل أبيب.

    وفي أعقاب اتفاقات "أوسلو"، وقيام السلطة الفلسطينية قرر من يعنيهم الأمر إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في العام ستة وتسعين...ثم أجريت انتخابات ثانية للرئاسة في التاسع من كانون الثاني من العام (2005) أما انتخابات المجلس التشريعي فقد تقرر أن تُجرى في الخامـس والعشرين من كانون الثاني (2006)، وهذا هو مربط الفرس –كما يقولون- في موضوعنا هذا.

    إنه لمن الغريب أوّلاً أن تأتي هذه الانتخابات (التي تُجرى بعد عشر سنوات من سابقتها) استجابةً لمطالَباتٍ وتوجيهات صادرة عن دول أجنبية، وهيئات دولية بضرورة محاربة الفساد في هذه البلاد...وبضرورة إجراء انتخابات تشريعية تتصف بالنزاهة والشفافية في هذه "المناطق" تكون حجر الأساس لحكم ديمقراطي سليم قائم على التعددية وحرية القول والتفكير والتعبير....وكان حريًّا بمن يعنيهم الأمر في هذه الديار أن يستجيبوا للنداءات الكثيرة المطالبة بالإصلاح والمساءلة والمحاسبة....هذه النداءات الكثيرة الصادرة عن أحرار البلاد، وكتّابها، وصحافييها، ومثقفيها، ومفكريها، وشرفائها.....كان حريًّا بمن يعنيهم الأمر في هذه الديار أن لا يدعوا مجالاً لتدخل الغرباء في الشأن الداخلي الفلسطيني..وذلك بتطبيق أحكام القانون..وفرض النظام..وإحقاق الحقوق..واعتماد النزاهة، والشفافية، والمساءلة، والمحاسبة....والتحلي بروح المسئولية، والعدل، واحترام المواطن، وصون كافة حقوقه السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والفكرية، والصحية، والتعليمية، والإنسانية....هذه الحقوق التي نصّت عليها كافة الشرائع والدساتير التي تحترم إنسانية الإنسان، وحقه المقدس في حياة حرة كريمة في وطن حر كريم عزيز سيد مستقل.....!!!.

    وإنه لمن الغريب ثانيًا أن يحاول "فلاسفة" الديمقراطية، "وأساتذة" العدالة والنزاهة والحرية والتعددية من رافعي شعار (المفاوضات بدون شروط مسبقة) أن يحاول هؤلاء اليوم فرض شروط مسبقة مهينة على آلية إجراء هذه الانتخابات وماهيّتها بحيث تضمن تحقيق أهدافهم وأطماعهم وتصوراتهم وتطلعاتهم بفرض من يريدون....وإقصاء من لا يريدون....ناهيك عن التدخل المهين السافر في الشأن الداخلي الفلسطيني بهذا الشكل الاستفزازي المكشوف الذي يريدون معه إضفاء الشرعية على وجودهم اللامشروع،وغير الشرعي في هذه الديار....نعم إن لتدخلاتهم السافرة هذه هدفًا واضحًا محدَّدًا هو التسليم، والاستسلام، والإقرار لهم بمبدأ السيادة على الأرض، والتصرف بالإنسان بما ينسجم وقناعاتهم..وبما يتفق مع مخططاتهم التي تستهدف السيطرة المطلقة على هذه الأرض..والتصرف بإنسانها بحسب ما تقتضيه هذه الأهداف....فأي تدخل هذا في شأننا؟؟ وأية أهداف هذه التي يريدونها من تمسّحهم برداء هذه الديمقراطية المزعومة التي جاءوا لتسويقها هنا في بلاد العرب؟؟

    وإنه لمن الغريب ثالثًا تسابق دول البغي والضلال والانحياز في تهديداتها وتوعّداتها بتجويع هذا الشعب، وقطع المساعدات "الإنسانية" عنه إن هو اختار في هذه الانتخابات من لا ترضى عنه تلك الدول!!! وكأن لسان حال تلك الدول يقول: إن شئتم أن تأكلوا لقمة الخبز في معازلكم فلتختاروا من نريد..ولتُعرضوا عمّن لا نريد...وإلا فإن مزيدًا من الحصار، والإغلاق، والهوان، والتجويع، والتركيع في انتظاركم....فأي انتخابات هذه التي يريدونها؟ وعن أي انتخابات تشريعية فلسطينية بنكهة غربية إسرائيلية يتحدثون؟؟!!.

    وإنه لمن الغريب رابعًا هذا التنافس الشديد على مقاعد المجلس التشريعي..وهذه المهرجانات الضخمة التي تشهدها "المعازل" الفلسطينية هذه الأيام الأمر الذي بات معه كثير من المواطنين يعتقدون أن المسألة جد لا هزل..وأنها ليست مجرد حركات وتحركات لا يبغي المخططون من ورائها أكثر من إلهاء الناس وتسليتهم بلعبة قديمة جديدة تكسر رتابة سنوات طويلة ماضية قاتلة، وتبعث شيئًا من الأمل في النفوس الفزعة المكروبة...(شيء من التغيير وكسر "الروتين" من باب لعل وعسى...!) ومن باب فتح المجال أمام وجوه جديدة لتحقيق المكاسب، والانضمام إلى قافلة الذين أثروا، وأصبحوا من الأغنياء على حساب هذا الشعب، وقضاياه التي يتلاعب بها المتلاعبون منذ النكبة، وقبل النكبة،..وبعدها....ومن باب خداع هذا الشعب..والسير به نحو هاوية سياسية سحيقة جديدة من الصعب بعدها أن تقوم له قائمة في المستقبل المنظور على أقل تقدير.

وبعد

    فهل من حق المواطن بعد ذلك كله أن يسأل: لماذا حدث كل ما حدث في هذه الديار، ولماذا سيحدث ما هو أمرّ منه وأدهى في الأيام القادمة؟ ولماذا يصر هؤلاء وأولئك على السير في طريق الانتحار الذاتي لتكون البلاد كل البلاد، والأرض كل الأرض في نهاية المطاف من نصيب أولئك الذين خططوا لهذا الأمر، وأعدوا له عدته منذ أمد بعيد؟ لماذا يصر هؤلاء على السير في هذا الشوط إلى منتهاه دون وقفة صادقة مع النفس لمحاسبتها ومصارحتها ومكاشفتها بالحقيقة المرة؟... لعل وعسى أن يستيقظ النيام، ويصحو الضمير...ويسير الناس كل الناس من أهل هذه الديار على دروب الحق والخير والرشاد والسداد، والعمل الجاد من أجل إنقاذ البلاد والعباد من كل أشكال الضياع والدمار والتخبط والفساد وصولاً إلى بناء وطن حر سيد مستقل..ومواطن عزيز قوي كريم يعيش بأمن وأمان فوق ثرى وطنه فلسطين...

    وإلى أن نلتقـي في موسـم الانتخابـات القادمة أقول: إنْ كان ولا بد فلنحسن الاختيار..ولنضع قضيتي القدس واللاجئين فوق كل اعتبار .


 

فوز حماس ..

 

 

    في التاسع من شهر كانون الثاني من العام الماضي (2005) انتخب الناس في هذه الديار السيد محمود عباس ( أبو مازن ) رئيسًا للسلطة الفلسطينية خلفًا للرئيس الراحل ياسر عرفات...وقد كتبتُ كغيري آنذاك حول ذلك ، ومما كتبتُه:

    " الإسرائيليون هم الذين لا يريدون السلام...وهذا الأمر ليس جديدًا...الإسرائيليون هم الذين لا يريدون السلام، فهل يقوى الرئيس عباس على إقناعهم بضرورة قبوله؟ هل يقوى هذا الرجل على استنهاض المجتمع الدولي، والقوى الفاعلة فيه، ودعاة السلام في إسرائيل من أجل إقناع قادة إسرائيل بضرورة التحرك الفعلي في طريق السلام الحقيقي ؟؟ وحدها الأيام القليلة القادمة هي التي ستجيب عن هذه التساؤلات...ووحدها الأيام القليلة القادمة هي التي ستضع كل النقاط على كل الحروف ". 

    ولقد قالت الأيام كلمتها..لقد بات واضحًا لكل الناس في فلسطين أن جهود محمود عباس من أجل إحلال السلام قد ضاعت سدًى، كما ضاعت من قبل كل جهود سلفه ياسر عرفات...ولئن مات الرئيس عرفات مسمومًا فإن بإمكان الرئيس عباس أن يعيش، ولكن بدون أدنى فعل أو تأثير في سير الأحداث في بلاده..وبدون أدنى اعتراض عملي على مجمل الممارسات الإسرائيلية التي تستهدف الأرض والإنسان في هذه الديار!! بمعنى أن الإسرائيليين يريدون حسم الأمور وحل القضية بطريقتهم وبدون أي شريك قد يعترض على شيء من هذا!! ولقد تنبه الإسرائيليون والغربيون بعامة إلى حقيقة في غاية الأهمية هي أنهم بحاجة إلى مجلس تشريعي فلسطيني يضفي الشرعية على ممارساتهم، ويوافق على الحلول التي يرونها لإنهاء القضية الفلسطينية، وإغلاق هذا  الملف المزمن بوأد كافة الثوابت الفلسطينية، والقفز عن كل حقوق الفلسطينيين في بلادهم فلسطين.

    وعليه، فقد أخذوا يطالبون بوضع حد للفساد!! وبإجراء انتخابات تشريعية حرة نزيهة شفافة ... وكان لهم ما أرادوا...وكانت الانتخابات...وكان فوز "حماس" بالأغلبية الساحقة من مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني الجديد، وذلك لسببين اثنين: أما الأول فهو الفساد الذي كان هؤلاء المطالبون بإجراء الانتخابات أبرز أسباب انتشاره وتراكمه في هذه الديار..وأما الثاني فهو مواقف الإسرائيليين واستخفافهم بالجانب الفلسطيني .. وإصرارهم على الاستمرار في ممارساتهم الرامية إلى وضع يدهم على مزيد من الأرض في كل يوم..وصولاً إلى السيطرة المطلقة على كل أرض  فلسطين، واقتلاع أهلها الشرعيين وتهجيرهم، وإخضاعهم، والتخلص منهم بشتى الوسائل ومختلف الأساليب .

    لقد كانت صدمة إسرائيل وأمريكا وأتباعهما بفوز "حماس" صدمة قوية مزلزلة نتج عنها إعلان الحرب على هذا الشعب ، وفرض مزيد من القيود على تحركه، والمبالغة في حصاره، وتدمير ما تبقى من اقتصاده.. نعـــم، هذا هو الرد الإسرائيلي الأمريكي على نتائج هذه  الانتخابات التشريعية الفلسطينية النزيهة والديمقراطية.. لقد صدمتهم نتيجة هذه الانتخابات، وعصفت بأحلامهم وأوهامهم ورهاناتهم.. وما عليهم الآن إلا استخلاص العبر بدلاً من التمادي في ضلالهم وتهديداتهم واعتداءاتهم على هذا الشعب وممثليه الشرعيين المنتخبين...عليهم أن يعترفوا في الحال بحق هذا الشعب في إقامة دولته الحرة المستقلة ضمن حدود الرابع من حزيران من عام سبعة وستين... وعليهم أن يعترفوا في الحال أيضًا بحق اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم التي أُخرجوا منها عام ثمانية وأربعين...هذه العودة التي نص عليها القرار 194 دون أدنى تحريف أو مساومة أو تلاعب أو تزوير .

    إذا كان الإسرائيليون معنيين بالسلام ـ كما يقولون ـ فما عليهم إلا استخلاص النتائج والدروس، والاعتراف بأبسط حقوق هذا الشعب العربي الفلسطيني في بلاده فلسطين...والكفّ عن سياسة الغطرسة، والعدوان، والاعتقال، والمصادرة، والاجتياح، والضم، والتهويد، والتنكر للقرارات الدولية، والاستخفاف بشعبنا وبحقوقه المشروعة الثابتة في العودة، وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس العربية.  

    لقد أثبتت سياسة العدوان، والاجتياح والجدران والمصادرة عقمها وفشلها...فهل يفهم الإسرائيليون جيِّدًا دلالات هذا ومعانيه وأبعاده فتكون الحلول المنصفة المقنعة، ويكون السلام العادل الدائم المشرّف الذي تحلم به شعوب هذه المنطقة من العالم؟

    إن اعتقال كثير  من أعضاء المجلس التشريعي الذين أتت بهم هذه الانتخابات الحرة النزيهة الشفافة التي أجريت في الخامس والعشرين من كانون الثاني من العام 2006، واعتقال عدد من رؤساء البلديات وأعضائها المنتخبين، واعتقال أعداد كبيرة من قادة الاتجاه الإسلامي وغيرهم.. كل هذه الاعتقالات والممارسات بحق قيادات هذا الاتجاه وأعضائه، وبحق غيره من الاتجاهات الأخرى هيأت الجو، ومهدت الطريق لمزيد من التوتر والاحتقان والغليان.. وأسفرت بالتالي عما أسفرت عنه من صدامات مسلحة دامية مؤسفة كانت سببًا في هذا الشرخ الرهيب الذي أصاب العلاقات الفلسطينية الفلسطينية، وكرست القطيعة والخلاف بين الأهل في الوطن الواحد والبلد الواحد، وضربت الوحدة الوطنية الفلسطينية، وأصابتها في صميم نسيجها الداخلي، وأتت على اتفاق مكة، وأدخلت الفلسطينيين وقضيتهم الفلسطينية العادلة في متاهات لم تكن تخطر على بال أكثر الفلسطينيين تشاؤمًا، وصرفت كثيرًا من الفلسطينيين عن مقاومة الاحتلال الاستيطاني التوسعي الطامع في كل الأرض العربية، ودفعت كثيرًا منهم إلى الاستسلام لليأس والإحباط .. في الوقت الذي اتخذ فيه بعضهم من هذا الذي حدث ذريعة لتقوية صلته وارتباطه بأعداء الأمس أملاً في التوصل إلى الحلول التي كانت قد وُضعت قبل خمسة عشر عامًا، ولم توضع حتى الآن موضع التنفيذ لأسباب منها ما يتعلق بالجبهة الداخلية الفلسطينية، ومنها ما يتعلق بنوايا الطرف الآخر وأطماعه وتغيير أساليبه وخططه، ومنها ما يتعلق بمواقف بعض العرب... الجانبان الراغبان الآن في وضع الحلول النهائية موضع التنفيذ يريان أن هذه الأوضاع هي الأكثر ملاءمةً منذ نشأة القضية لحل كافة قضايا هذه القضية وتشعباتها وتفرعاتها وجزئياتها.. مستفيدين في ذلك من التهديدات الأمريكية للقوى المعارضة لهذه الحلول، ومن الضغوط الأمريكية على حلفائها في المنطقة لفرض هذه الحلول، ومستفيدين في ذلك أيضًا من الحالة النفسية المتردية لكثير من الفلسطينيين والعرب، ولكل من يعنيه أمر هذه البلاد وعدالة قضيتها في هذا العالم.

    فهل ينجح هذان الجانبان في التوصل إلى ما يريدانه من حلول نهائية؟ وهل ينجح هذان الجانبان في إغلاق ملف القضية الفلسطينية على هذا النحو الذي يراعي معظم المتطلبات والرؤى الأمريكية الإسرائيلية، ويضعها في اعتباره خلال هذه الحشود الهائلة من اللقاءات والاجتماعات والمؤتمرات التي تستهدف حل هذه القضية وفق هذه الرؤى؟

    أغلب الظن أن هذين الجانبين لن يتمكنا من تنفيذ ما يريدان تنفيذه في الخريف القادم من هذا العام 2007 في مؤتمرهم المزمع عقده في الولايات المتحدة .. وأغلب الظن أن أمريكا نفسها ليست قادرة على تنفيذ هذه الرؤى والمخططات، ووضعها موضع التنفيذ لسببين اثنين هما: أن اليمين الإسرائيلي المتطرف يرفض هذه الحلول التي لا تعطيه كل شيء.. هذا اليمين المتطرف الذي سيبذل كل جهوده من أجل إفشال هذه المساعي التي تستهدف التوصل إلى هذه الحلول.. أما السبب الثاني فهو رفض المعسكر الفلسطيني الرافض لتصفية القضية الفلسطينية على هذا النحو الذي لا يعطي الفلسطينيين شيئًا مذكورًا من حقوقهم.

    وأغلب الظن أيضًا أن الحلول المقنعة التي تعيد الحقوق إلى أصحابها، وتضع القرارات الدولية الصادرة بشأن هذه القضية موضع التنفيذ هي التي ستفرض نفسها في النهاية.. فهل يعتبر هؤلاء وأولئك؟ وهل يعملون من أجل التوصل إلى سلام حقيقي مقنع يضع النقاط على الحروف، ويعيد الحقوق إلى أصحابها؟ وهل يقيمون السلام العادل الشامل الدائم الذي تعيش معه وبه هذه المنطقة من العالم بأمن وأمان وتقدم وازدهار، ولا يؤسس لصراع دامٍ مريرٍ في المستقبل؟

(تيه4)

من كتاب زمن التيه

تأليف:عدنان السمان

يطلب من الناشر : مكتبة النصر التجارية

هاتف: 1700112112(أبو حسام)

نابلس

وبهذا يكون القسم الأول من كتاب

 زمن التيه قد انتهى ويليه القسم الثاني وهو :

"حكايات من التيه "