عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


الثلاثاء، ٢٨ شباط ٢٠١٢

متابعات
عدنانُ مَنْ فَلَّ الحديدَ بعزمهِ
أ/ عدنان السمان
www.samman.co.nr
   لم أكن، ولم يكن غيري ممن كتبوا إليك وعنك ويكتبون، بحاجةٍ لطويل وقتٍ، أو جهدٍ، أو تفكيرٍ لاختيار العناوين، والكلمات التي تسمو سموَّك، وترقى رقيَّك، وتصف ما أنت عليه من خُلقٍ رفيع، وتواضعٍ وأدبٍ في عزةٍ قل نظيرها، وثقة بالنفس عزَّ مثيلها، فكنتَ، كما قالوا، شموخًا وسموًّا وارتفاعًا وتحليقًا لامس جنان الفردوس، وتواضعًا واقترابًا من الناس على أرض الواقع جسدًا مسجًّى، ومشروع شهادةٍ مكتملٍ توافرت فيه كافة أركانها النفسية والمعنوية والمادية في إرادةٍ حديديةٍ، وعزيمةٍ فولاذيةٍ فلت الحديد وصهرته وقهرت صلابته.. فلله درك يا عدنانُ!! وسلامٌ عليك يا خِضرُ يوم وُلدتَ، ويوم تموتُ، ويوم تُبعث حيًّا.. سلامٌ عليك عزيزًا أبيًّا شريفًا رضيًّا كريمًا عصيًّا شهيدًا بيننا يحيا، نراه رأي العين، وشاهدًا علينا يتبع خطونا، ويرقُب ظلنا، ثم لا يكون مثلنا: لم تُغْرِهِ الفانية، ولم يستهوه طعامها وشرابها وشواؤها، ولم يصرفه عن نداء الكرامة والرجولة والإباء وقبول التحدي خرير مائها، وعليل هوائها، وطيب غذائها، ولم يثنهِ عن عزمه وإصراره على انتزاع النصر في معارك الجوع والعطش والإرادة والإصرار على الموت فتاوى القاعدين، وهرطقات الضالين المضلين المُيئسين المحبَطين المحبِطين، بل ظل على ظهر هذا السابح يسابق الريح، ونداءٌ عُلويٌّ يملأ الكون من حوله، ويتردد صداه في أعماق نفسه، وسويداء قلبه: يا حبذا الجنةُ واقترابها// طيبةً وباردًا شرابُها!! وعلى أبواب الجنان ساميًا عاليًا سامقًا شاهقًا يغني للشهادة والمجد والحرية، ومع الناس والزوار والمحامي والسجان والقاضي تهبط من عليائك، فكنت كما قال شاعرنا: دنوت تواضعًا وسموت مجدًا// فشأناك ارتفاعٌ وانخفاضُ.
 
   لم يكن ذلك الخيط الرفيع الذي يربطك بهذه الحياة طعامٌ أو شرابٌ أو متعة من متع هذه الحياة، وإنما كان الرابط رغبةً صادقةً في إحراز النصر على النفس وشهواتها أولاً، ليتسنى لك إحراز النصر الأكبر في المواجهة، وليتسنى لك أن تكون رائد التضحية بالنفس في سبيل إلغاء الاعتقال الإداري، والاعتقال السياسي، وكافة أشكال الاعتداء على الإنسان، وعلى حقه المقدس في العيش بكرامةٍ وأمانٍ وأمنٍ واحترام.. ولقد صدق فيك قول شاعرنا: يجود بالنفس إذ ضن البخيل بها// والجود بالنفسِ أقصى غاية الجودِ... صحيحٌ أنك لم تنل الشهادة في مواجهاتك، ولكنك كنت مستعدًّا لذلك، ففزت بالحسنيين كلتيهما، وكنت جديرًا بهذا الفوز الذي لا تحققه إلا النفوس الكبيرة الأبية المؤمنة الصادقة المستعدة أبدًا للتضحية والفداء.
 
   لست أدري لماذا يصر هؤلاء وأولئك على العدوان على الناس!! ولست أدري لماذا يخالفون كل ما يتبجحون به من أحاديث لا حصر لها عن القيم والمبادئ والأخلاق والحرية وحق تقرير المصير وحق الإنسان الذي لا يُناقش في العيش والمأكل والمشرب والمسكن والعلم والعلاج والدواء، وحقه المقدس في القول والتفكير والتعبير والمعتقد!! ولست أدري لماذا يصر هؤلاء وأولئك على إذلال الناس والتنكيل بهم، ونشر الرذيلة والفساد بينهم، وتجويعهم ليسهل قيادهم، وليسهل التحكم بهم وسَوقهم كالقطيع!! وما علموا أن هذا كله، وأن هذه المخالفات كلها، وأن التحكم بالناس والعمل على إذلالهم وقهرهم وسلب حريتهم وإرادتهم سلاحٌ ذو حدين، وما علموا أن الشعوب إذا هبت ستنتصر، وما علموا أن الموتى يهبون الحياة للأجيال، وأن الأسرى يهبونها الحرية، ولا أظن أن أحدًا من هؤلاء وأولئك قد سمع بقول شاعرنا: ويا رُبَّ فردٍ قد أتى بجهاده// بما لم يكن يأتي الخميس العرمرمُ. وسلامٌ عليك يا عدنان، وسلامٌ عليكم يا كل أسرى الحرية، وسلامٌ عليكِ يا فلسطين، وسلامٌ عليك يا شعب البطولات والتضحيات.
28/2/2012
 

الأحد، ٢٦ شباط ٢٠١٢

ماذا سيقول الشعب السوري في هذا الدستور؟؟

 
متابعات
ماذا سيقول الشعب السوري في هذا الدستور؟؟
www.samman.co.nr 
      أ/ عدنان السمان
     في هذا اليوم السادس والعشرين من شباط يُفترض أن يتوجه السوريون للتصويت على الدستور الجديد الذي يُطرح على الشعب العربي السوري من أجل إقراره ، ووضع الآليات بعد ذلك لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وغيرها من الانتخابات التي من شأنها أن تُدخل سوريا والسوريين في عهد جديد بعد عقود من التجارب والاجتهادات والمحاولات التي أسماها بعضهم حكمًا فرديًّا استبداديًّا ، أو حكمًا فئويًّا طائفيًّا ، أو حكمًا قمعيًّا علويًّأ جمع من حوله الأقليات في محاولة لخطف السلطة وانتزاعها من أيدي الأغلبية السنيّة في سوريا .. وأسماها بعضهم الآخر محاولات طبيعيةً ، ومقدمات ضروريةً لإحداث التغيير المطلوب سياسيًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا ونفسيًّا وفكريًّا في قطر عربي صغير نسبيًّا يخضع لحصار إقليميٍّ، وتهديد مستمر منذ أكثر من ستين عامًا ، كما يخضع لأشكال من مقاطعة غربيةٍ شرسةٍ ( لا تخفي أطماعها فيه ) منذأكثر من ثلاثين عامًا .. وأسماها كثيرٌ من المثقفين العرب ، والمفكرين العرب ، والوحدويين العرب ،في سائر أقطار العروبة إصرارًا عربيًّا سوريًّا على وحدة بلاد الشام ،وإصرارًا عربيًّا سوريًّا على وحدة سوريا ومصر والعراق تمهيدًا لوحدةٍ عربيةٍ شاملةٍ تبني مشروعًا عربيًّا وحدويًّا تقدميًّا قويًّا على كل أرض العرب ، وإصرارًا عربيًّا سوريًّا على احتفاظ سوريا بدورٍ قياديٍّ رياديٍّ عربيٍّ قوميٍّ في صياغة مستقبل هذه الأمة العربية الواحدة من المحيط إلى الخليج ، وإصرارًا عربيًّا سوريًّا على اتّباع سياسةٍ عربيةٍ متوازنةٍ في المحافل الدولية تناصر قضايا الشعوب ، ومطالبها العادلة ، بعيدًا عن التبعية والخضوع والاستكانة والاستسلام لأطماع الغرب في كل ديار العروبة والإسلام .
    وفي هذا اليوم السادس والعشرين من شباط ، وبعد مرور نحو عام على هذه الفتنة الكبرى التي هزت سوريا ، وأشعلت فيها الحرائق ، وأراقت فيها الدماء ، ونثرت في فضائها الأشلاء ، وبعد مرور  نحو عام على تدفق المال والسلاح والرجال من كل جانب مصحوبًا بهذه الحملات الإعلامية المكثفة التي حرصت على قلب الحقائق ، وإشعال الحرائق ، وحرصت على التحريض  العلنيّ المكشوف ضد النظام ، وحرصت كل الحرص على الوقوف إلى جانب التوجيهات الغربية ، والمطالب الغربية ، والخطط الغربية التي تستهدف وحدة سوريا ، وتستهدف كل مواقف سوريا الوطنية والقومية والتحررية والتقدمية ، وبعد كل هذا الإصرار الروسيّ الصيني على الوقوف إلى جانب سوريا ، وبعد كل هذا الإصرار السوري على المواجهة والتصدي لكل محاولات التحريض والعدوان والتدخل الصريح وغير الصريح في الشأن الداخلي السوري .. بعد كل ما حدث ويحدث في سوريا يأتي الاستفتاء على الدستور السوري الجديد الذي اطلع عليه السوريون ، ووقفوا على كل تفصيلاته ، وعلى كل ما تضمنه من إيجابيات ومكاسب لكافة المواطنين في سوريا ، فماذا سيقول الشعب السوري في هذا الدستور ؟ نعم هذا الاستفتاء الذي من المفترض أن يقول فيه نحو خمسة عشر مليونًا من المواطنين كلمتهم : فإمّا قبولاً واستجابةً وخروجًا بعد ذلك إلى الانتخابات ، وحياة البناء والإعمار والاستقرار ، وإمّا رفضًا واصرارًا على مواصلة الخوض في هذه الفتنة ، وخروجًا بعد ذلك إلى حرب أهلية مدمرة ، ومحاولاتٍ محمومةٍ للسير بالبلد نحو العرقنة أو البلقنة ، لتغرق هذه المنطقة من العالم في بحرٍ من الدماء ، ولتعصف بهذه المنطقة من العالم حروبٌ مدمرةٌ قد لا تبقي ، وقد لا تذر.
    وفي هذا اليوم يبدي كثيرٌ من المراقبين والمحللين السياسيين قدرًا كبيرًا من التفاؤل ، وهم يستعرضون هذه القطاعات الواسعة ، والشرائح المختلفة من المواطنين على اختلاف توجهاتهم  ومستوياتهم التي تؤيد هذا الدستور الجديد ، وهم يشيرون بذلك إلى الغالبية الساحقة من المواطنين على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم وانتماءاتهم وثقافاتهم وألسنتهم .. إنها الغالبية الساحقة من المواطنين المؤمنين بوحدة سوريا وعزتها واستقلالها واستقرارها وثباتها على مبادئها وأهدافها..  كثيرٌ من المراقبين والمحللين السياسيين يؤكدون على أن الغالبية الساحقة من السوريين ستقف إلى جانب الدستور الجديد ، في الوقت الذي سيرفض فيه آخرون هذا الدستور ، وفي الوقت الذي سيعمل فيه هؤلاء على إفشال التصويت عليه بكل الوسائل والأساليب ، لا لنقصٍ في هذا الدستور ، ولا لعيوبٍ فيه ، ولا لأنهم يطالبون ببديلٍ أفضل ، ولا رغبةً منهم في خروجٍ مشرف من هذه الأزمة التي تعصفُ بالبلاد والعباد منذ نحو عام ، وإنما رغبةً في استمرار الفتنة ، ورغبةً في تخريب سوريا ، ورغبة في ضرب وحدة الشعب العربيّ السوري ، ورغبةً في تقسيم البلاد بعد تقسيمها في القرن الماضي .. فلا يكفي انتزاع مامساحته (10400 كم مربع )من خاصرة سوريا اليمنى هي لبنان ، ولا يكفي انتزاع ما مساحته (27009 كم مربع ) من جنوب سوريا هي فلسطين ، لتكون لبلفور الذي منحها للحركة الصهيونية ، ولا يكفي انتزاع ما مساحته ( 98000 كم مربع ) من جنوب شرق سوريا هي الأردن ..وإنما يُراد لما تبقى من بلاد الشام ومساحته ( 180000 كم مربع ) هي سوريا اليوم ، أن تصبح أربع دويلات تضاف إلى ما حدث ذات يوم !! وكثيرٌ من المراقبين والمحللين السياسيين والعسكريين أيضًا يكادون يؤكدون على أن رغبة هؤلاء في استمرار الفتنة ، وفي تخريب البلاد ،وفي تقسيمها لن تتحقق لسبب بسيط هو إصرار الغالبية الساحقة من السوريين ، وإصرار الغالبية الساحقة من اللبنانيين ، وإصرار الغالبية الساحقة من الفلسطينيين ، وإصرار الغالبية الساحقة من الأردنيين على وحدة سوريا ، وعلى تأييد هذا الدستور الجديد الذي أزال كثيرًا من الخلافات والإشكاليات التي كانت تثير الجدل في البلاد في الماضي الذي كان .. إن الغالبية الساحقة من المواطنين في كل هذه الديار تقف إلى جانب هذا الدستور السوري الجديد الذي تفتقر إلى عشر معشاره دولٌ كثيرةٌ في هذا العالم العربيّ ممن تدعي الحرص على الشعوب ، وعلى أمنها وأمانها وحريتها ، وممن تدعي مناصرة هذا الشعب العربيّ السوري ، وهي في الواقع ، ( وعلى حد قول كثيرٍ من المراقبين العرب الذين عايشوا الأحداث في سوريا على الطبيعة ) ألد أعدائه ، ولا تريد له شيئًا من خير ، أو استقرار ، أو هدوء ، وإنما تريد له الموت الزؤام ، والخراب الذي تنعق فيه الغربان.
     إن ما سيقوله المواطنون السوريون في اليوم السادس والعشرين من هذا الشهر سيكون مخيبًا لكل آمال الطامعين في سوريا ، والمراهنين على وحدة شعبها ، الحالمين في إذلاله والسير به إلى الهاوية ، وإن ما سيقوله السوريون سيكون حافزًا لكثيرٍ من شعوب العرب أن تقف مطالبةً بدساتير حديثة تحترم الإنسان ، وتحافظ على كرامته ، وتحمي الأوطان ، وتحافظ على عزتها وقوتها واستقلالها واستقرارها وسلامة بنيانها .. وإن ما سيقوله المواطنون السوريون في هذا الاستفتاء سيكون فاتحة عهدٍ جديد لكثيرٍ من شعوب العرب كي تطالب بحقوقها في العيش بكرامةٍ وحريةٍ وسيادةٍ على أرضٍ عربيّةٍ حرّةٍ ترفض الضيم والتبعية والاستسلام لمصاصي الدماء أعداء الشعوب.
26/2/2012
   

الخميس، ٢٣ شباط ٢٠١٢

من هم أصدقاء سوريا؟؟

متابعات
من هم أصدقاء سوريا؟؟
أ/ عدنان السمان
www.samman.co.nr
   باختصارٍ شديد، وبدون مقدمات، فإنني أشعر في هذا النهار المشمس الجميل، برغبةٍ شديدةٍ في الكتابة إليك يا سوريا الحضارة والتاريخ والتراث،وبرغبةٍ أشد في الكتابة إليك يا سوريا العروبة والإسلام والثبات على الأهداف والمبادئ، وبرغبةٍ صادقةٍ خالصةٍ مخلصةٍ ليس عليها من مزيد في الكتابة إلى الشعب العربي السوري الذي أثبت بما لا يدع أدنى مجال للشك أنه شعبٌ جديرٌ بالحياة الحرة الكريمة في وطنٍ حرٍّ عزيزٍ كريمٍ سيدٍ مستقل، وأنه شعبٌ يعرف جيدًا ما يريد، ويعرف جيدًا أصدقاءه، فيبادلهم حبًّا بحب، ومودةً بمودةٍ، وإخلاصًا ووفاءً بإخلاصٍ ووفاء.. ويعرف جيدًا أعداءه، ويعرف جيدًا أهدافهم وغاياتهم، ويعرف بالتالي كيف يكون الرد، وكيف يكون التشبث بالأرض، وكيف تكون الاستماتة في الدفاع عن الوطن، ويعرف جيدًا كيف يرد كيدهم إلى نحورهم، وكيف يقذف بأطماعهم وأوهامهم وأحلامهم وأمانيهم إلى أعماق الجحيم.
   الشعب العربي السوري الذي يؤمن إيمانًا راسخًا عميقًا نفسيًّا وثيقًا أنه جزءٌ لا يمكن أن يتجزأ من هذه الأمة العربية الواحدة في هذا الوطن العربي الكبير، هو شعبٌ وحدويٌّ تقدميٌّ فخورٌ بإنجازاته، فخورٌ بمؤسساته، فخورٌ بتطلعاته وعلاقاته، مؤمنٌ بالمشروع العربي فوق كل أرض العرب،يُصادق من يُصادقه، ويقف إلى جانب حقوقه الثابتة في العيش بكرامةٍ واحترام، في وطنٍ حرٍّ متحررٍ يوفر لأبنائه كل ضروريات العيش، وأساسيات الحياة من مأكل ومشرب وملبس ومسكن وتعليم وعلاج ودواء.. والشعب العربي السوري الذي عركته الحياة وعركها منذ فجر التاريخ، وكان عصيًّا دائمًا على كل محاولات المعتدين وأطماعهم، وعلى كل ألوان الاعتداء والتدخل في شأنه الداخلي.. هذا الشعب يعرف من هم أصدقاؤه، فلا تغره الشعارات، ولا تخدعه صيحة من هنا، وصيحة من هناك، ولا تنطلي عليه أساليب الخداع والتضليل، ووسائل الالتفاف والكذب والتدليس والتهويل، وكل أشكال التزوير والدس الرخيص وقلب الحقائق، والاستخفاف بعقول الناس، والتلاعب بعواطفهم ومشاعرهم، وكل ألوان التجييش الإعلامي، والفبركات الإعلامية المكشوفة الرخيصة القائمة على التزوير والخداع لضرب وحدة البلد، ووحدة شعبه، في محاولات يائسة بائسة لاقتحام قلعة العروبة وحصنها الحصين، وصرحها الشامخ المتين مذ كانت سوريا، ومذ كانت العروبة، ومذ كان الإسلام، ومذ كان بنو أمية، ومذ كانت جيوش الفاتحين، ومذ كانت سوريا الحديثة، ومذ كانت مبادؤها وأهدافها وغاياتها في التحرر والتحرير والوحدة والحرية.
   والشعب العربي السوري الذي ما هان، ولا لانت له قناة مذ كان يعرف جيدًا أصدقاءه، فأريحو –أيها المدعون- واستريحوا، وثقوا أن محاولاتكم وأفلامكم هذه هي محاولات تعسة يائسة مكشوفة، وأفلام محروقة يعرفها شعب سوريا جيدًا، ولو كنتم أصدقاء لسوريا، ولو كنتم أصدقاء لهذا الشعب العربي السوري لوقفتم إلى جانبه في أزمته، ولما صببتم، وتصبون الزيت عليها، لتزيدوها اشتعالاً، ولتحرقوا بها وجه سوريا الجميل، ولو كنتم أصدقاء لهذا البلد، ولشعب هذا البلد لما وقفتم، وتقفون في خندق أعدائه الذين أصبحوا يراهنون عليكم في القيام بالدور الذي باتوا يتحفظون من القيام به بأنفسهم، وباتوا يخشون من التدخل المباشر في الشأن السوري الداخلي، لأسبابٍ يعرفونها ونعرفها ويعرفها العالم بأسره، فأوكلوا إليكم هذه المهمة، لتكونوا وسيلتهم في ضرب سوريا، ووسيلتهم في تخريب سوريا، ووسيلتهم في تقسيم سوريا، ووسيلتهم في القضاء على كل أمل للعروبة والعرب بتدمير هذه القلعة، وتدمير هذا الحصن، والقضاء على آخر معقلٍ للعروبة في دمشق عاصمة الأمويين، عاصمة سوريا الحديثة الحرة الأبية.
   لقد آن لكل المتكالبين على سوريا أن يستمعوا جيدًا لما يقوله قادة الغرب بشقيه، وأن يُصغوا جيدًا لتصريحاتهم، وأن يستخلصوا العبر والدروس من تلك التصريحات التي تشير بوضوح إلى تراجع هذا الغرب عن خططه ومخططاته بشأن سوريا بعد أن رأى صلابة السوريين، وصلابة اللبنانيين، والأردنيين، والفلسطينيين، وبعد أن رأى موقف الاتحاد الروسي، وموقف الصين الشعبية، وبعد أن بات على يقين من أن هذه القلعة عصيةٌ على الكسر، وأن هذا القطر العربي السوري غير قابل للقسمة، وأنه على مبادئه ثابتٌ لا يتزحزح قيد أُنملة، ولو كره الكارهون.
   إن أصدقاء الشعب السوري هم من يقفون إلى جانب سوريا، وهم من يحاولون جاهدين وقف نزيف الدماء في سوريا، وهم من يبحثون عن حلول للخروج من هذه الأزمات المفتعلة للإطاحة بقلعة العروبة، وهم من يقفون إلى جانب هذه الإصلاحات التي يحققها النظام سعيًا وراء مزيدٍ من القوة، ومزيدٍ من التلاحم، ومزيدٍ من الثبات على المبادئ، ومزيدٍ من الإصرار على التصدي والتحدي، ومزيدٍ من الإصرار على مواصلة الأهداف والغايات والأماني والطموحات الوطنية والقومية، ومزيدٍ من الإصرار على التزام جانب المقاومة والممانعة والوقوف بقوة وحزمٍ إلى جانب القوى والحركات التقدمية التحررية الشريفة في هذا العالم.
23/2/2012


الثلاثاء، ٢١ شباط ٢٠١٢

متابعات
في ذكرى الوحدة المصرية السورية!!
أ. عدنان السمان
 
   لا حاجة بنا في مثل هذا اليوم الثاني والعشرين من شباط/فبراير/ من كل عام أن نستعرض  سيرة الرئيس العربي المصري جمال عبد الناصر، وأن نقف على مزيد من مكونات شخصيته، وينابيع ثقافته، وأسرار وطنيته وعروبته وبلاغته، ومواقفه القومية العربية التي ملأت الدنيا، وشغلت الناس، ولا حاجة بنا لمزيد من النقد، والتحليل، والتعليق، والدراسة، والاستنتاج، وأخذ الدروس والعبر من حياة ذلك القائد الرائد الرئيس.. ولا حاجة بنا أيضًا لاستعراض مسيرة البناء الداخلي في مصر خلال فترة حكمه، ولا حاجة بنا كذلك للحديث عن دور مصر العربي في تلك الفترة، والحديث عن مشاعر العروبة والوحدة العربية التي فجرها، وأذكى أُوارها، وأشعل نيرانها في كل أرض العرب ذلك الرئيس العربي المصري العروبي الذي أصبح العرب كلهم خلال فترة حكمه أمةً واحدةً موحدةً متراصةً من المحيط إلى الخليج.. ولا حاجة بنا بالتالي أن نتحدث عن التحالفات الموالية لعبد الناصر في الوطن العربي، وفي الكون بأسره، أو أن نتحدث عن المؤتمرات والمشاركات والمساهمات المصرية والعربية الشعبية التي قادها جمال عبد الناصر لنصرة الشعوب، ولنصرة حركات التحرر في الوطن العربي، وفي آسيا، و إفريقيا، وأميركا اللاتينية.. ولا حاجة بنا كذلك أن نتوقف قليلاً أو كثيرًا عند تلك المحطات والمواقف المفصلية المشهودة التي برزت على امتداد مسيرة الثورة والثائر الذي أيقظ الأمة العربية، وأحيا فيها الأمل، أو أن نتوقف قليلاً أو كثيرًا عند تلك المعارك والحروب التي شنها الغرب عليه، وعلى قيادته، وعلى مصر، وعلى شعوب الأمة العربية التي صنعتها ثورة عبد الناصر، وأيقظتها مبادؤه وأفكاره.. لقد سجل التاريخ تفصيلات ذلك العدوان الثلاثي الذي استهدف مصر وقائدها الثائر، ولقد سجل التاريخ تفصيلات الهزائم التي مُني بها ذلك العدوان، وتفصيلات الانتصارات المؤزرة التي حققها جيش مصر، وشعب مصر، وشعوب أمة العرب المتضامنة مع شعب مصر، وثورة مصر، وقائد تلك الثورة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر.. ولقد سجل التاريخ أيضًا تفصيلات حرب عام سبعةٍ وستين، ونتائج تلك الحرب التي لا زالت أمة العرب تعاني من آثارها المدمرة على الرغم من كل الإيجابيات التي أعقبتها، والصحوة الشاملة التي تلتها.. نعم، لا حاجة بنا لاستعراض كل ما ذُكر، وكثيرٍ كثير غيره، خلال تلك الفترة التي لم تدم أكثر من ستة عشر عامًا (1954-1970) لأن المقام لا يتسع لذلك، ولأن ذلك كله وكثيرًا غيره مدون على الشبكة العنكبوتية التي يستطيع القارئ أن يعود إليها، ويغوص في تفصيلاتها متى شاء، وفي أي وقت يشاء، ولكننا –يقينًا- بحاجة ملحة لأخذ العبرة من كل صغيرة وكبيرة حدثت خلال تلك الفترة، وحدثت بعد تلك الفترة التي ودع فيها عبد الناصر هذه الدنيا في الثامن والعشرين من أيلول /سبتمبر/ 1970، ولا تزال تحدث في بلاد العروبة حتى يومنا هذا.
 
   ولئن كان هذا اليوم هو يوم إعلان الوحدة المصرية السورية، وقيام الجمهورية العربية المتحدة بإقليميها الجنوبي (مصر) والشمالي (سوريا) فإن هذا اليوم أيضًا هو من الأيام الدامية التي تُسفك فيها الدماء على أرض سوريا منذ نحو عام، فبعد ثلاثة أسابيع فقط "ستحتفل" سوريا بالذكرى السنوية الأولى لانطلاقة "الثورة" كما يسميها أصحابها من على المسجد العمري في درعا، ومن محيطه، أو انطلاقة الفتنة والأعمال التخريبية التي تقوم بها عصابات إرهابية مسلحة ضد سوريا شعبًا وجيشًا وأمنًا ونظامًا (كما تصفها وسائل إعلام النظام، وكثيرٌ من وسائل الإعلام المتعاطفة معها).. كلمة حقٍ يقولها المراقب المنصف هي أنه لو كان ما يحدث في سوريا ثورة لانتصرت بعد مضي نحو عام، ولو كان ما يحدث في سوريا ثورة لما استهدفت بنيرانها وتفجيراتها مؤسسات البلد ومنشآته، ولما استهدفت مواطنيه الآمنين، ولو كان ما يحدث في سوريا ثورة لما آزرها وناصرها ووقف إلى جانبها يرفدها بالمال والسلاح والرجال كل أعداء سوريا، وكل أعداء العروبة والإسلام، وكل أعداء الوحدة العربية التي نحتفل اليوم بذكرى قيامها بين القطرين العربي السوري والمصري !! ولو كان ما يحدث في سوريا ثورة لوقف إلى جانبها كافة الثوريين في هذا العالم، ولما وقف إلى جانبها أعداء الشعوب، وأعداء الشعوب فقط !! وكلمة حق أيضًا يقولها المراقب المنصف وهي أنه لو لم يكن لدى قطاعات واسعة من الشعب السوري استعداد للخوض في هذه الفتنة، ولو لم يكن لدى نسبة عالية من شعب سوريا رغبة في المشاركة بأي عمل ضد النظام، وبأي أسلوب –ربما- لإسقاطه لما استمرت هذه الأعمال عامًا كاملاً رغم تصدي "الجهات المختصة" لها.. ولو أحسن النظام لما أساء هؤلاء الناس، ولو أحسن النظام أيضًا لتصدى هؤلاء الناس لكل مرتزق يعبر الحدود السورية من كل أقطارها، ولو أحسن النظام لما وجد هؤلاء المتآمرون على سوريا استجابة من أي مواطن سوري مهما كان معاديًا للنظام!! ولماذا يعادي المواطن النظام الوطني الذي يطعمه ويسقيه ويُعلمه ويعالجه ويوفر له المسكن وفرصة العمل، ويعامله بكل الاحترام والمودة؟؟ لسنا بحاجة هنا للخوض في تفصيلات هذا الوضع المأساوي الكارثي الذي يعصف بسوريا العروبة والإسلام.. ولسنا هنا لندعي الحرص على البلد أكثر من حرص أهله عليه، ولكننا هنا لنقول: رويدكم أيها المقتتلون، رويدكم أيها المحتربون، رويدكم.. ثوبوا إلى رشدكم.. اتقوا الله في أوطانكم وإنسانكم وسلامة بنيانكم.. اذكروا في هذا اليوم أنكم جميعًا عرب سوريون، وأنكم جميعًا مواطنون سوريون مخلصون لوطنكم سوريا، وأنكم جميعًا عرب شرفاء يرفضون التبعية للأجنبي.. اذكروا في هذا اليوم أنكم عرب وحدويون يحتفلون بذكرى أول وحدة عربية مصرية سورية في تاريخ العرب الحديث!!
 
   اذكروا –أيها السوريون- أنكم الذين بادروا إلى الوحدة في مثل هذا اليوم الثاني والعشرين من شباط 1958 أي قبل أربعة وخمسين عامًا واذكروا أيها السوريون أن الشيشكلي قد تنازل عن الكرسي في سبيل وحدة العرب، واذكروا -أيها السوريون- أن سوريا هي عنوان عزة العروبة والإسلام، فحافظوا عليها، ولا تمكِّنوا أعداءها منها، واذكروا –أيها السوريون- أنه لا عزة للعرب بدون سوريا، ولا عروبة للبنان بدون سوريا، ولا عروبة لفلسطين ولا نصرة لقضيتها بدون سوريا ولا نصرة لتحالف عربي إسلامي ضد الغزاة الطامعين في كل أراضي العرب والمسلمين بدون سوريا، وبدون مصر، وبدون العراق العربي.. فاعملوا –رحمكم الله- من أجل وحدة عربية شاملة تكون سوريا ومصر نواتها، وحدة عربية شاملة تقيم المشروع العربي الواحد الموحد فوق كل أرض العرب.
 
   إننا في يوم الذكرى هذا ندعو العرب من رحاب المسجد الأقصى المبارك، ومن أفياء الحرم الإبراهيمي الشريف، ومن باحات مسجد بني أمية الكبير بدمشق، ومن ساحات القيامة والمهد وكافة الكنائس والمساجد في كل بلاد الشام والعراق ومصر ندعو العرب جميعًا إلى أن يتنبهوا وأن يستفيقوا، وأن يعملوا من أجل الوحدة العربية الشاملة فوق كل أرض العرب، لأنه لا عزة إلا بالوحدة، ولا كرامة إلا بالوحدة، ولا خلاص من التبعية للأجنبي إلا بالوحدة، ولا وجود لهذه الأمة العربية إلا بالوحدة.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
22/2/2012

الأحد، ١٩ شباط ٢٠١٢

في يوم الطلَبَة العَرَب.!!
 
أ.عدنان السمان
 
   كبار الحوادث والأحداث في وادي النيل، وتسلسل ثورة الشباب وتفاعلاتها ومضاعفاتها وأصداؤها وذيولها وملحقاتها، وثورة شاطئ الياسمين قبل ذلك، ومواكبة تطورات شمس العرب التي أشرقت من الغرب، واهتمام أمة العرب من محيطها إلى خليجها بأدق تفصيلات ثورتي الشعبين العربيين العظيمين في القطرين الشقيقين، يضاف إليه اهتمامهم بما يجري ويدور في كل أقطار العروبة المتأهبة للثورة، والمتحفّزة لاسترداد حقوقها وكرامتها المهدورة.. كل ذلك وكثير غيره صرف الناس في هذه الديار عن التفكير في قضايا كثيرة من قضايا الدرجة الثانية أو الثالثة كما يسمونها، وأبعدهم ولو مؤقتًا عن متابعتها ومعالجتها ومنحها ما هي جديرة به من عناية ورعاية واهتمام.
 
     على أن الأنظمة العربية جميعها مطالبة دون استثناء بوضع قضايا الطلبة العرب مثلاً على رأس سلم أولوياتها، لا فرق في ذلك بين نظام ثوري تقدّمي شرعي جاء ليحقَّ حقًّا ويزهقَ باطلاً، ونظامٍ قمعيٍّ تسلطي لا شرعي على استعداد لعمل المستحيل من أجل الاستمرار في الحكم، والبقاء في السلطة التي تستهوي كثيرًا من المهووسين بها، المتلهفين عليها، المتحرّقين شوقًا إليها، في هذه البلاد، وفي غير هذه البلاد لأهدافٍ وغاياتٍ أبعدَ ما تكون عن أهداف الجماهير وغاياتها، وأبعد ما تكون عن الصالح العام، ومصلحة الوطن والمواطن على السواء.. هذه الأنظمة الثورية، وتلك القمعيّة الاستبدادية التي تصارع اليوم من أجل البقاء، عليها ان تضع قضايا الطلبة العرب على رأس اهتماماتها في يومهم هذا الذي يصادف التاسع عشر من شباط، وعلى امتداد العام الدراسي هذا، والأعوام الدراسية التي تليه أيضًا، لأن للطلبة حقوقهم التي يجب أن تؤدّى، ولأن للطلبة مكانتهم في مجتمعاتهم، ولأن الطلبة هم ضمير الأمة، وهم في الغد القريب مسئولوها وقادتها ومفكروها وجنودها الذين يقاتلون في كل ميادينها وساحاتها ولأنه لا بد لهؤلاء الجنود أن يكونوا مزوّدين بكل وسائل القوة والمنعَة كي يحققوا الانتصار.. وهذا يعني باختصار أن يبذل كل من يعنيهم الأمر قصارى جهودهم لرفعة قطاع الطلبة، وضمان قوته وعزته، وأن يعطى الطلبة في كل بلاد العرب كامل حقوقهم في أثناء وجودهم على مقاعد الدراسة والتحصيل في مدارسهم ومعاهدهم وجامعاتهم، وأن يعطوا كامل حقوقهم في العمل والعيش الكريم بعد تخرجهم.
 
     أمة العرب، والثوار العرب، وقادة الفكر والرأي في بلاد العرب، والمسئولون العرب على اختلاف مستوياتهم وانتماءاتهم وثقافاتهم وتوجهاتهم ينبغي أن يعملوا من أجل مناهج دراسية متطورة تواكب هذه النهضة العلمية المذهلة التي يشهدها العالم من حولنا.. وينبغي أن يعملوا من أجل أن يستوعب الطلبة هذه المناهج، وينبغي أن يعملوا بالتزامن مع هذا من أجل توفير الحياة العلمية،والجو الدراسي المريح لجماهير الطلبة، وهذا الأمر لا يتأتّى إلا من منطلق الإيمان الشديد بالوطن والمواطن ومن منطلق الإيمان الراسخ بحق هذه الأمة العربية العظيمة في العيش باحترام بين أمم العالم أجمع، ومن منطلق أن هذا لا يمكن أن يتحقق إلا بثورة علمية تعليمية تطبيقية شاملة تطال كل جوانب الحياة، وكل مكوناتها ومقوماتها، ومن منطلق الحرص المطلق على المصلحة الوطنية العليا، والمصلحة القومية العليا، ومن منطلق التحلّي بروح المسئولية التي يقدّرها حق قدْرها الرجال الشرفاء الأكفياء الأوفياء من أبناء هذه الأمة، والنساء الشريفات الكفيّات الوفيّات من بناتها.
 
   هذا شيء مما يترتب علينا أن نقوله في مناسبة كهذه، وفي يوم كهذا هو يوم الطلبة العرب، وهذا هو شيء من حقوق هذا القطاع الطليعيّ على الآباء والأجداد، وموجّهي الرأي، وقادة الفكر العرب في كافة أقطارهم وأمصارهم، وهذا شيء من حقوق هذه الأمة العربية علينا في يوم الطلبة العرب، لأن الأمم لا تنهض إلا بالعلم، ولأن نهضة الأمم لا يحققها إلا أبناؤها المتعلمون العاملون من أجل رفعتها وعزتها.
 
   في يوم الطلبة العرب لا نريد أن نقف مطوّلاً عند تلك السلبيات التي تقضّ مضاجعنا ومضاجعهم، بسبب النقص في المدارس، وبسبب النقص في المدّرسات والمدرسين، وبسبب انعدام هذه المدارس أحيانًا في كثير من التجمعات السكانية العربية على طول بلاد العرب،  وبسبب الإهمال الذي يكاد أن يودي بالعملية التربوية التعليمية في كثير من ديار العروبة،  وبسبب كل محاولات الاستزلام، وكل وسائل الضغط والإكراه، وكل صور التهميش التقزيم والإغراء والتهديد التي يمارسها هؤلاء وأولئك بهدف صرف جماهير الطلبة عن أهدافهم السامية، وغاياتهم النبيلة، ودورهم الطليعي الطبيعي في قيادة الجماهير نحو أهدافها في التحرر والتحرير، وإحقاق الحقوق الوطنية الثابتة لهذه الأمة العربية الماجدة في كل ديار العروبة، وفي كل أقطارها وأمصارها.   
 
     وفي يوم الطلبة العرب أيضًا لا بد من توجيه التحية لكل من يوقد شمعة تنير ليلهم، ولكل من يتقدم منهم بكلمة صادقة أمينة تشد أزرهم، ولا بد لكل شرفاء هذه الأمة ومسئوليها من الوقوف إلى جانبهم، كي يحققوا الأهداف التي تعلّقها هذه الأمة عليهم.
 
19\2\2012
 
 
                                                                  
   
 


الأربعاء، ١٥ شباط ٢٠١٢

صرخة عاشق.. في عيد الحب!!

متابعات
صرخة عاشق.. في عيد الحب!!

شعر: عدنان السمان

 

 
(1) في عيد الحب تحياتي
في عيد الحبّْ
أشواقي ترسلُ آهاتي
من هذا القلبْ
في الليل الساجي أُرسلُها
وأحمّلها
عبَقًًا ألَقًا حبًّا ورْدًا
وأردّدها
في هذا اليومِ أذوبُ هوًى
في هذا اليومْ
والقلبُ يغنّي في وجَلٍ
مني يا قَومْ
ويقول مقالةَ من بَرَعوا
في علمِ الغيبْ:
إني وَجِلٌ.. إني خَجِلٌ
من هذا الشيبْ.
(2) القلبُ يغنّي نشوانًا
في عيد الحبّْ
والروح تراقصُ أطيافًا
يهواها القلبْ
إني أحببتكِ ملهمتي
ومعذّبتي
إني أحببتُ مسهِّدتي
إني أحببتْ
(3) إني أحببتُكِ يا قدسُ
أحببتُ الطّورْ
من حولِ القدسِ وفي القدسِ
شعبٌ منصورْ
من خلفِ السورْ
من تحت السورْ
من فوق السورْ
أُسدٌ ونمورْ
في الفُلْكِ تدورْ
من هذا النورْ
هرب الدَّيجورْ
وتوارى الزُّورْ
(4) وتعالى اللهْ
في الأفْقِ بهاهْ
في الكوْنِ ضِياهْ
في القلب سناهْ
في عيد الحبِّ أحبُّ اللهْْ
في عيدِ الحبّْ
(5) هذي سلوانْ
ما أحلاها
والصوّانهْ
ما أغلاها
في باب الوادْ
ذكرى القسطلْ
والمصرارهْ
جبلَ الزيتونْ
إنّا آتونْ
كبّرْ كبّرْ
إنَّا آتونْ
(6) أشجارُ اللوزْ
في وادي الجوزْ
والشيخْ جرّاحْ
هذي شعفاطْ
هذي لفتا
هذي التّلهْ
هذي القبّهْ
هذا الأقصى
وقيامتُنا
هذي مريمْ
هذا عيسى
ومساجدُنا
وكنائسُنا
تَحكي حبًّا
تَروي مجدًا
تُعطي درسًا
لمدارسنا
في عيد الحبّْ
(7) إني أحببتُكَ يا وطني
هل هذا عيبْ؟
إني أحببتكَ إيمانًا
إني أحببتكَ تسليمًا
إني أحببتكَ تعظيمًا
بل تكريمًا
قلْ ترنيمًا
ومُعاهدةً
ومُبايعةً
ومُجاهدةً
ومُجالدةً
ومُنازَلةً
ومُغالبةً
ومُشاهدةً
(8) إني أحببتُكَ تاريخًا
ومُعايشةً
ومُعانَقةً
ومُشافهةً
ومُراسَلةً
ومُخاطبةً
ومُجادلةً
(9) إني أحببتُك فلسفةً
إني أحببتُك مدرسةً
ومُمارسةً
ومُجالسةً
إني أحببتْ
(10) إني أحببتُكَ يا وطني
أحببتُ الطّّيرْ
قسمًا لن تبقى يا وطني
في أيدي الغَيرْ
إني أقسمتُ بإنجيلي
وبقرآني
لن يهنأَ مغتصبٌ أبدًا
في أوطاني
(11) في عيد الحبّْ
أُهدي وردًا
للخِلاّنِ
أُهدي حبًّا
أُهدي نصرًا
أَروي شعرًا
للأوطانِ
(12) هذا قسَمٌ للأجيالِ:
بمحبتِنا وتآلفِنا
ومودتِنا وتعاطفِنا
نبني بيتًا.. نبني مشفًى
أو مدرسةً أو مكتبةً
للأطفالِ
هذا عهدي.. هذا ديني
هذا حُبي.. لِفِلَسطينِ
في عيدِ الحبّْ.

نابلس 14/2/2012

 

الاثنين، ١٣ شباط ٢٠١٢

الفيتو الروسي الصيني ... استراتيجية أم تكتيك ؟؟

متابعات
الفيتو الروسي الصيني ... استراتيجية أم تكتيك ؟؟
أ.عدنان السمان
www.samman.co.nr
   شهد مجلس الأمن على امتداد العقود الستة الماضية عشرات المرات التي استُخدم فيها حق النقض "الفيتو" عند التصويت في هذا المجلس على كثير من القضايات الساخنة التي كانت تقضّ مضاجع كثيرٍ من الناس في هذا العالم، ولا تزال.
   ومن الغريب أن غالبية تلك المرات التي استُعمل فيها حق النقض في هذا المجلس كانت بشأن القضية الفلسطينية، وبشأن الحقوق العربية الفلسطينية للعرب الفلسطينيين في بلادهم فلسطين، ومن الغريب أيضًا أن أحدًا ممن يعنيهم الأمر في بلاد العرب لم يغضب بسبب ذلك، بل إن استعمال "الفيتو" ضد هذه الحقوق كان وسيلةً لمزيد من الرضوخ والاستكانة، ولمزيد من التبعية والولاء لتلك الدولة المتنفذة التي تستعمل ذلك "الفيتو" .. ربما لاعتقاد من يعنيهم الأمر أنهم عاجزون عن فعل أي شيء أمام تلك الدولة، وربما لتسابق بعضهم لنيل رضاها، والفوز ببمساعداتها وأعطياتها، والفوز أيضًا بدعمها المادي والمعنوي لأنظمتهم التي من الصعب أن تستمر إن غضبت تلك الدولة... ولله در من قال: إذا غَضبتْ عليكَ بنو تميمٍ // حسبتَ الناسَ كلَّهمُ غِضابا!!          
   ومن الغريب أيضًا أن ينجح كثيرٌ من تلك الأنظمة الموالية لتلك الدولة في تجنيد الأتباع والأنصار والموالين من حملة السيف والقلم من أبناء هذه الأمة العربية، ومن أبناء هذه القضية الذين تناصبهم تلك الدولة العداء منذ أكثر من ستة عقود، وتتخذ ضدهم وحدها في كثير من الأحيان ما يسمونه بحق النقض، أو "الفيتو" الذي حال بينهم وبين أدنى حقٍّ من حقوقهم الوطنية، أو التاريخية، أو الثقافية، أو الإنسانية.. نعم.. إنه أكثر من غريب أن تنجح تلك الأنظمة في تجنيد قطاعات واسعة من شعوبها، وشرائح كثيرة من أبنائها على اختلاف أسمائهم ومسمياتهم لخدمة هذه الدولة، ولخدمة أهدافها وغاياتها وتوجهاتها للسيطرة مع حلفائها وشركائها على كل بلاد العرب، وعلى كل ديار المسلمين.. ليس هذا تحريضًا ضد أيٍّ من حكام هذه الأمة، وليس هذا تحريضًا ضد تلك الدولة المتنفذة، وليس هذا تحريضًا ضد من وضع يده على هذا البلد أو ذاك من بلدان هذا الوطن العربي، وليس هذا تحريضًا ضد من وضع يده على هذه المؤسسة أو تلك من مؤسسات هذا الوطن، وغير هذا الوطن من أوطان العروبة، وليس هذا تحريضًا ضد الاسستلام ، وضد المستسلمين، وضد المتخاذلين، وضد المستفيدين،  وليس هذا –والله- تطرفًا أو تعصبًا!! وإننا –والله- لا نحب التطرف، أو التعصب، ولا وجودَ في قلوبنا لغير المحبة والود والتسامح... ولكنها الحقيقة المرة التي فرضت نفسها، وتفرض نفسها، وستظل تفرض نفسها كلما رأى الرائي في هذه الديار، وفي غير هذه الديار (على امتداد بلاد العروبة والإسلام) ظلمًا، وكلما رأى الرائي عدوانًا، وكلما رأى الرائي اغتصابًا وعريًا وجوعًا واضطهادًا وعنصريةً وإقليميةً وفئويةً وشللية وتخلفًا وانهيارًا للقيم والفضائل والأخلاق، وكلما رأى الرائي أجيال هذه الأمة وهي تساق إلى المهالك، وكلما رأى الرائي أعداء هذه الأمة وهم يحكمون قبضتهم عليها، وينهبون كل ثرواتها، ويضعون أيديهم على كل إمكاناتها ومقدّراتها، ويجردون إنسانها من أبسط حقوقه، ويجردونه من أبسط معاني الحياة الحرة الكريمة.
   ولعل من حق المراقب المتتبع لسير الحوادث والأحداث في هذه المنطقة من العالم أن يسأل: هل أدى استعمال حق النقض في مجلس الأمن على امتداد عشرات السنين التي خلت إلى هدوء، أو استقرار، أو سلام، أو عدل، أو اطمئنان؟ وهل أدى ذلك "الفيتو" وسياسة تلك الدولة الشهيرة باستعمال "الفيتو" إلى إشاعة الحرية والكرامة والعدالة والرخاء والبناء في هذه المنطقة من العالم، أم أنه لم يؤدِّ إلاّ إلى مزيد من القهر، ومزيد من التمزق، والظلم، والتخلف، والاستسلام، والتبعية، والركوع، والتشرد، والإذلال، والمهانة للغالبية الساحقة من الشعوب اللاهثة خلف الرغيف، اللاهثة خلف حبة الدواء، اللاهثة خلف شربة الماء؟؟
   وإذا كان ذلك "الفيتو" المتكرر قد أدى فيما أدى إليه (إضافة لعدد من العوامل الأخرى التي يعرفها المراقبون والمحللون السياسيون والاقتصاديون والاجتماعيون) إلى استكانة كثير من الناس، فإنه قد أدى في الوقت نفسه إلى تمرد كثير منهم، وقد أدى في الوقت نفسه إلى خروج كثير منهم على طاعة تلك الدولة، وإلى مناصبة تلك الدولة وحلفائها العداء الصريح تارة، والمخفي المبطن الكامن المستتر تارات أخرى، حتى إذا ما كانت المواجهة الصريحة، والحسم في قضية معينة، كان لا بد من المجاهرة بالمواقف، وكان لا بد من التحدي، ومن قبول التحدي، وكان لا بد من وضع النقاط على الحروف، وكان لا بد لكل طرف أن يتمترس خلف قناعاته وأفكاره ومعتقداته وثوابته واستراتيجيته التي عمل على تجذيرها وتعميقها في النفوس والقلوب والعقول سنوات طوالاً، وعمل على زراعتها في الأرض الطيبة المعطاء حتى إذا ما أثمرت وآتت أكلها، وحان موعد الحصاد رأى أولئك الذين فاجأتهم الحوادث والأحداث، وفجأتهم صلابة المواقف وأربتكتهم أن يعملوا على إحراق الأرض، وإحراق الإنسان، وإحراق الوطن والمواطن والإنجازات، وهدم كل ما بناه الناس خلال مسيرة العمل والإصرار على البناء.. لقد أقدموا على إحراق البلد، لأنهم لم يتقنوا سوى التبعية للأجنبي، ولأنهم لم يعرفوا في حياتهم سوى العمالة لهذه الجهة أو تلك!! وكان لا بدّ مما ليس منه بد، كان لا بدّ أن يتصدى الناس لهؤلاء المدفوعين المأجورين المأفونين، وكان لا بدّ من الضرب على أيدي هؤلاء الفاسدين المفسدين الضالين العابثين بالبلد والوطن والمواطن، وكان لا بد مما ليس منه بد.. وكان لا بد مما كان.. وكان لا بد بالتالي من الفيتو الروسي، والفيتو الصيني، وكان لا بد من الوقوف إلى جانب ذلك النظام الذي أثبت بما لا يدع أدنى مجال للشك أنه على مستوى الحدث، وأنه لن يسمح لتك العناصر بتنفيذ مؤامراتها على البلد.... لقد كان الفيتو الروسي، وكذلك الصيني وقفة جريئة شجاعة إلى جانب النظام الذي التزم بقضايا الوطن والمواطن، كما التزم جانب المقاومة والممانعة على الرغم من الأخطاء، وعلى الرغم من التجاوزات، وعلى الرغم مما حدث في الماضي، ويحدث في الحاضر، وعلى الرغم مما قد يحدث في المستقبل أيضًا.. ذلك أن المسئولية في كل ما ذكر هي مسئولية أطراف كثيرة لا مسئولية طرف واحد، ولأن عودة المياه إلى مجاريها، ووقف نزيف الدماء هي مسئولية مشتركة، ولأن من يقول إنني جاهز للحوار، مستعد للعمل من أجل وأد هذه الفتنة الكبرى هو –في نظر كافة المراقبين المنصفين- خير ممن يرفض الحوار، ويرفض العمل من أجل وأد الفتنة، ويرفض إلقاء سلاحه، ويصر على التصعيد، ويصر أيضًا على الاستعانة بالأجنبي، والائتمار بأمره، والاستقواء به على بني قومه، وعلى بني وطنه، وعلى مستقبل الأجيال على أرض هذا الوطن، ويصر أيضًا على تخريب البلد، والقضاء على عروبته وإسلامه وحريته ووحدة أرضه وشعبه!! والقضاء أيضًا على شعب فلسطين، وقضية فلسطين، لأن المطلوب في نهاية المطاف رأس شعب فلسطين.
   لقد حال الفيتو الروسي الصيني دون دمار هذه المنطقة من العالم، وحال دون حرب إقليمية لا تبقي ولا تذر، وحال –ربما- دون حرب كونية مدمرة تضرب العالم كله بأرزائها، وشتان ما بين "فيتو" يتخذه شرقيون لوقف عدوان ظالم على دولة شرقية، وعلى شعوب شرقية، وبين "فيتو" يتخذه غرب ضد حقوق عرب شرقيين، في بلادهم التي يتحكم بها، ويسيطر عليها، ويحرمهم منها، ويحرّمها عليهم غربيون لاصلة لهم بها، ولا علاقة لهم بشعوبها من قريب أو بعيد، إلاّ أنْ تحركهم المطامع والمصالح والعداوة الدفينة لشعوب هذه المنطقة، والرغبة الجامحة في امتصاص دمائها، ونهب خيراتها وثرواتها، والعيش على دماء أبنائها كما تعيش على الدماء ديدان العلق!!
   الفيتو  الروسي، والفيو الصيني، منعا تصعيدًا ، ومنعا حربًا قد تكون شاملة مدمرة بشكل غير مسبوق، لقد صدرا عن رؤية صائبة، وتقييم شامل دقيق للمواقف في هذه المنطقة المتفجرة من العالم، كما صدرا عن قناعة كاملة بحق هذه الدولة في ممارسة سيادتها على كامل أرضها، وممارسة علاقات طبيعية متكافئة مع كل الأقطار والشعوب من حولها، ومع كل دول العالم بندِّيَّة، وعلى قدم المساواة.. ومن هنا كانت وقفة كافة الشعوب الحرة، وكافة الأنظمة المتزنة المتوازنة مع هذه الدولة، ومن هنا أيضًا أسقط في أيدي الغزاة الطامعين، وأسقط في أيدي تابعيهم وأدواتهم وأعوانهم من المارقين المأجورين، وأسقط في أيدي الطامعين في حكم هذه الأمة، والتحكم بإنسانها وأوطانها، والسير بها في فلك أولئك الذين يريدون أن يفرضوا سيطرتهم على كل أرض العرب، وعلى كل بلاد المسلمين في هذا العالم.
   شتان ما بين "فيتو" تتخذه تلك الدولة ضد شعب مشرد أجلي عن وطنه، وضد حق هذا الشعب في استرداد بعض حقوقه، والعيش بكرامة فوق ترابه الوطني، و"فيتو" تتخذه دولة أو كتلة أو استراتيجية أممية ترى من واجبها الوقوف إلى جانب الشعوب كي تنقذها من مصاصي الدماء، وكي تنقذها من الغزاة الذين لا يفكرون إلاّ في السيطرة على الشعوب، وقهرها، وإذلالها ونهب ثرواتها وخيراتها... شتان ما بين قوةٍٍ هذه صفاتها ومواصفاتها، وصفات اللاهثين خلفها المتعاونين معها ومواصفاتهم ، وقوةٍ هذه أهدافها، وهذه استراتيجيتها، وهذه مبادؤها التي لا تحابي، ولا ترائي، ولا تتنهج "تكتيكًا"، ولا تمارس مناورة، أو مراوغة لتحقيق مكاسب معينة... صحيحٌ أن لتلك الدولتين مصالح مشتركة مع شعوب هذه المنطقة، ومع الأنظمة المتحررة فيها، ولكن صحيح أيضًا ان الأهداف المشتركة هذه تخدم قضايا الشعوب في شرق الدنيا وغربها أيضًا، وتخدم قضايا الناس جميعًا في هذا العالم دون استثناء.  
                13/2/2001م

الثلاثاء، ٧ شباط ٢٠١٢

إلى قادة الأمة.. قبل انعقاد القمة

متابعات
إلى قادة الأمة.. قبل انعقاد القمة
أ.عدنان السمان
www.samman.co.nr
   يعلم الناس في كل بلاد العرب، وتعلمون كما يعلمون، أنه لا فائدة تُرجى من قمةٍ، أو حتى من اجتماعٍ على أي مسوًى إن لم يسبقه الإعداد الكافي، والرغبة الصادقة في تحقيق الهدف، أو الأهداف المتوخاة منه.. فهل أعددتم لهذه القمة التي يقال إنها ستُعقد في بغداد عدتها؟ وهل اتفقتم –قبل انعقادها- على تحقيق الهدف، أو الأهداف من انعقادها؟ وإذا كنا نعلم –يقينًا- أن من الصعب أن يتم اتفاقٌ حول قضيٍ أو قضايا خلال ساعات، فما بالكم بكل هذه القضايا الشائكة القاتلة التي تواجه قمتكم؟ وما بالكم بكل هذه القضايا الشائكة القاتلة التي تواجه أمة العرب في كل أقطارها وأمصارها، وتشكل تحدِّيًا لفلاحي هذه الأمة، ولعمالها، ومثقفيها، وطلبتها، ومناضليها، ولكل رجالها ونسائها وأطفالها، ولكل فقرائها ومعدميها ومتشرديها ومتسوليها، ولكل أسراها وأسيراتها ومقموعيها؟ ماذا أعددتم لفلسطين والفلسطينيين، ولغزة والغزيين، وللقدس والمقدسيين؟ وماذا أعددتم لمصر والمصريين، والليبيين، والبحرانيين، واليمينيين، والتونسيين، والسودانيين، والصوماليين؟؟ ماذا أعددتم لكل الأفارقة، ولكل الآسيويين المحسوبين علينا، المستجيرين بنا، ممن تربطنا بهم وتربطهم بنا أواصر القربى والجوار والعيش المشترك، والمصير، والمشاعر، والآلام والآمال؟؟ بل ماذا أعددتم للعراق الذي ستعقدون قمتكم فوق ترابه المجبول بالدم، وفي عاصمته التي تهز أركانها، وتزلزل بنيانها، وتفتك بإنسانها هذه الانفجارات العنيفة المرعبة المدمرة التي باتت قدر العراق والعراقيين؟ هل ستكتفون بتقديم التهاني لشعب العراق بخلاصه من الاحتلال والمحتلين أم ستعملون بإصرار على وحدة أرضه وشعبه، وإطفاء لهيب هذه النيران المستعرة التي يحترق بها وجه العراق العربي في كل يوم؟؟ وسوريا –أيها الكرام- وأنتم على بُعد أميال من ثراها المضمخ بدماء الفاتحين، وجراح أهلها النازفة بالملح والباردو والموت اللعين، سوريا –أيها الكرام- وأنتم على مرمى قذيفةٍ من عاصمة الأمويين ماذا أعددتم لها؟ وهذا الساحل السوري الذي شهد ميلاد الأسطول السوري المصري الذي جعل من المتوسط بحيرة عربية ذات يوم.. هل ترون هذا الساحل السوري، وهل تعرفونه؟ وهل ترون ذلك الأسطول العربي؟ وهل تسمعون صهيل الخيول، وصليل السيوف، وصيحات الرجال الرجال في "ذات الصواري" ؟ سوريا – أيها الكرام- ماذا بشأنها؟ وكيف ستعيدون الأمن والأمان إلى ربوعها الجميلة، وسهولها الخضراء، وجنانها الغناء، وجبالها الشماء، وظبائها اللواتي ينهضن من كل مجثم؟ وهل تعلمون –أيها الكرام- أن العبث بأي شبر من أرض سوريا العربية هو عبثٌ بسوريا كلها، بل عبثٌ بكل بلاد الشام؟ وهل تعلمون أن وحدة الشعب العربي السوري هي سر قوة سوريا، وسر ثباتها على مبادئها، وعلى مواقفها الوطنية والقومية والدولية؟ وهل تعلمون أن التفاف الغالبية الساحقة من السوريين خارج سوريا وداخلها، والغالبية الساحقة من اللبنانيين والفلسطينيين والأردنيين حول قلعة العروبة دمشق عاصمة سوريا، بل عاصمة بلاد الشام، هو أيضًا من أسرار قوة سوريا وثباتها في وجه كل التحديات والأعاصير؟ وهل تعلمون –أيها الكرام- أن علاقات سوريا في شرق الدنيا وغربها أيضًا هي من أسرار قوتها، ومن أسرار ثباتها على مبادئها؟؟ وهل تعلمون –أيها الكرام- أنه بدون سوريا هذه لا حياة للبنانيين، ولا حياة للفلسطينيين، ولا حياة للأردنيين، ولا حياة لكثيرٍ من العراقيين، بل لا حياة للعراق العربي الواحد المُوحد السيد العزيز الأبي القوي؟؟ وهل تعلمون –أيها الكرام- أن حياة هذه الأمة العربية في وحدتها؟ وهل تعلمون أن الفُرقة والقطيعة والتنابذ والتناحر والخصام هي أقصر الطرق لضعف هذه الأمة وهوانها وتمزقها وانهيارها ووقوعها في براثم أعدائها؟وهل تعلمون أنكم المسئولون أمام الله، وأمام شعوبكم عن كل ما تفعلون بحق هذه الأمة أرضًا وهُويةً واستقلالاً واستقرارًا وإباءً وعزةً وتقدمًا وتطورًا وحضارةً وكرامة؟ فلماذا لا تتوحدون؟ فلماذا لا تتوحدون ولماذا لا تقيمون المشروع العربي الواحد المُوحد على كل أرض العرب؟ ولماذا لا تكون أرض العرب للعرب؟ ولماذا لا تبنون الأمة العربية العظيمة الواحدة الموحدة في كل أقطارها؟ ولماذا لا تقضون على الجهل والفقر والمرض والتخلف والفساد والطُغيان والتبعية وأنتم الأحرار الأبطال الفرسان الشجعان المثقفون اليعربيون المؤتمنون على كل أرض العرب من المحيط إلى الخليج؟؟ أزيلو هذه السدود والحدود والحواجز التي تفصل بين العربي وأخيه العربي.. اضربوا على يد من يُشعلون الحرائق ليقومو بدور رجال الإطفاء، ألا ساء ما يصنعون!! إزرعوا أرض العرب –أيها الكرام- صنّعوا بلاد العرب.. ابنوا بيتًا لكل عربي.. انهضوا بالمستوى الصحي والعلمي والثقافي والمعرفي في كل بلاد العرب.. شجعوا الرحلات بين أقطار العرب كي يتعرف العربي على بلاده كما يفعل الغربيون!! كم يؤلم النفس حقًّا أن لا يسمع المواطن العربي بكثيرٍ من المدن والبلدات والقرى والمناطق الجغرافية والسهول والجبال والمقاطعات في اليمن ومصر وتونس والمغرب والجزائر والعراق وسوريا ولبنان وليبيا والسودان وفي كل ديار العروبة إلا عندما تتعرض هذه الأقطار لغزو أجنبي، أو كارثةٍ طبيعية، أو اشتباكاتٍ طائفية أو عرقية، أو فتنٍ داخليةٍ!! وكم يؤلم النفس حقًا أن لا يعرف العربي شيئًا مذكورًا أو غير مذكور عن جغرافية الوطن العربي وأنهاره وجباله وثرواته وتضاريسه الطبيعية وبحاره ومحيطاته وعادات أهله وتقاليدهم!! وكم يؤلم النفس حقًًّا أن لا يعرف العربي شيئًا مذكورًا عن مشكلات الوطن العربي، وعن آلامه، وهمومه، وتطلعاته، وأقلياته!! وكم هو أكثر من مؤلم أن تزداد هذه الحواجز والحدود والسدود بين أقطار الوطن الواحد يومًا بعد يوم، لتتعمق بذلك الحواجز النفسية بين أبناء الأمة الواحدة، وتتقطع أواصر القربى بين أبناء الأمة الواحدة، بل بين أبناء الشعب الواحد في كثيرٍ من الأحيان!! ألا فاتقوا الله –أيها الكرام- في أمتكم!! ألا فاعملوا من أجل وحدتها وعزتها وكرامتها واستقلالها واستقرارها وتطورها!! ألا فصونوها تصنكم، وحافظا عليها تحافظ عليكم، وامنحوها من جهدكم وتعبكم وسهركم وعرق جبينكم تمنحكم من خيراتها.. وصونوها من العُدوان والمعتدين تصُن أبناءكم وأحفادكم وذراريكم وأجيالكم القادمة من عُدوان المعتدين وطمع الطامعين، وكيد الأعداء الحاقدين.. ألا فاتقوا الله في هذه الأمة، واعملوا من أجل عزتها ورفعتها لتفوزوا بسعادة الدارين، وتكونو من الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه.. واعلموا –أيها الكرام- أن كل هذا ممكن، وأنكم قادرون على تحقيقه.. قادرون على بناء هذا المشروع العربي الواحد الموحد على كل أرض العرب.. قادرون على صنع الحياة الحرة الكريمة لأمة العرب دون استثناء إن أردتم.
6/2/2012

الأحد، ٥ شباط ٢٠١٢

الفلسطيني خليل حمد .. كاتبًا وباحثًا

الفلسطيني خليل حمد .. كاتبًا وباحثًا
 
( رأيت من حق خليل أن يقدم نفسه إلى قرائنا ، ورأيت أن يكون ذلك بالطريقة التي أرادها ، وبأسلوب الحوار الهادئ الذي آمن به وسيلة لنشر الفكر ، والوصول إلى الحقيقة، وكسب الأنصار والمؤيدين لفكرته ، بعيدًا عن الانفعال والتوتر ، ومحاولة فرض الآراء على الآخرين ، فكان له ما أراد) .
]عدنان السمان [
 
*   لقد صدر لك كتاب قبل أيام بعنوان " الأيتام مشاريع العظماء " ، وسبقه كتاب آخر بعنوان" فلنهدم أصنام القرن الحادي والعشرين: فما هي طبيعة هذين الكتابين؟ وكيف يكون الأيتام مشاريع العظماء؟
نعم.. الكتاب الثاني يَبحث في موضوع مرتبط بدراستي الجامعية ، حيث كنت قد وضعت رسالة ماجستير حول العلاقة بين الإبداع واليتم، وقد لقي الطرح في رسالة الماجستير القبول على الأقل من قبل اللجنة المشرفة في حينه ، فأصبحت صاحب نظرية تقول بأن هناك علاقة بين اليتم والإبداع في أعلى حالاته  العبقرية ، بالدليل التحليلي... وفي محاولة مني لإثبات صحة هذه النظرية إحصائيًّا، قمت بإجراء دراسة بحثية على عينة بحث محددة ومحايدة وهم " الخالدون المائة " الواردة أسماؤهم في كتاب الأمريكي مايكل هارت ، وعددهم مائة طبعًا، وقد أكدت نتائج الدراسة على تلك العلاقة المفترضة بين اليتم والعبقرية والخلود، وبنسبة تتعدى عامل المصادفة وهي 53%...وعليه ومن واقع تلك النتائج، خرجت باستنتاج أن كل يتيم هو مشروع عظيم! ومن هنا جاء هذا الكتاب "الأيتام مشاريع العظماء" الذي يعالج الأمر بكافة تفصيلاته : كيف؟ وأين؟ ومتى؟ وماذا؟ وما إلى ذلك.
 
أما الكتاب الأول فهو عبارة عن مجموعة مقالات ومقولات تشكل في مجملها ما أطلقت عليه إعادة كتابة للتاريخ ، حيث بدا لي بأن هناك حاجة لإعادة كتابة التاريخ بناءً على معطيات نظريتي في تفسير الطاقة الإبداعية...فمثلاً تشرح إحدى المقالات في الكتاب سر بقاء المتنبي وخلوده بناءً على معطيات نظرية تفسير الطاقة الإبداعية. ومقال آخر يوضح بأن الأيتام يكتسبون أحيانًا قداسة تجعلهم أقرب إلى الأصنام في عيون مريديهم وأتباعهم ، ومن هنا جاءت التسمية.
·    متى نشأت فكرة أطروحتكم حول اليتم وعلاقته بالإبداع .. وكيف تطورت ؟ وهل عشتم أنتم ، اليتم ؟
 
 في الواقع عندما كنت في السادسة عشرة من العمر تقريبًا، كنت أقرأ عن سيرة حياة الروائي الروسي الكبير توليستوي، فوجدت أنه يتيم الأم ، وأنه فقدها وعمره سنتان، ولم يشاهد صورة لها، ووجدت أن تجربته في الفقد هي تجربتي نفسها ، فأنا فقدت أمي وعمري سنتان ، ولم أشاهد صورةً لها..وحيث أنني كنت في تلك السن أخط بعض المحاولات الشعرية، ومنكبًّأ على المطالعة ، ومندفعًا إلى الثقافة والمعرفة والبحث عن الحقيقة، أحسست أن هناك علاقة بين اليتم والإبداع، ومن يومها وأنا أبحث في الموضوع ، منقّّبًا في سير حياة العظماء بشكل عام ، والأدباء بشكل خاص ، محاولاً استكشاف تلك العلاقة ، وتقديم أدلة مقنعة ومقبولة علميًّا وبحثيًّا لدعم الافتراض. وقد ساعدتني  دراستي الجامعية في مجال الأدب الإنجليزي على الاستمرار في البحث والتنقيب والاستقصاء ، بل والتوسع في ذلك، وحينما وصلت إلى مرحلة الماجستير ترسخت القناعة لدي بصحة الافتراض كنتيجة لما توافر لدي من معلومات وانطباع، وقد جازفت حينما اخترت أن أكتب رسالة ماجستير حول الموضوع، فلم أكن أعرف إن كنت سأنجح في إظهار تلك العلاقة أم لا بشكل مقنع طبعًا، لكنني فعلت حيث أنجزت رسالة ماجستير بعنوان "الإبداع والبحث عن الاكتمال" creativity and the search for fulfillment  عالجت الموضوع بصورة تحليلية، وقد تم اعتمادها عام 1983 في جامعة San Diego  في كاليفورنيا، ولكنني لم أتوقف عن البحث عن مزيدٍ من الأدلة ، وبخاصة الإحصائية منها حتى هذا التاريخ.
·    هل سبقكم أحد إلى دراسة هذه الظاهرة من خلال بحث أو مقال أو إشارة ؟
 
     منذ فجر التاريخ كانت هناك محاولات لتقديم تفسير لسر الطاقة الإبداعية ، وتحديد مصدرها،  ونجد أن الفلاسفة الإغريق حاولوا تقديم تفسير للإبداع، ولكن النظريات المهمة حول مصدر الإبداع جاءت بعد التطور الذي حدث على علم الفيزياء ، وولادة قانون الطاقة. سيجموند فرويد كان أول من قدم نظرية تعتبر أن الإبداع طاقة لا تفنى ، ولا تُستحدَث ، ولكنها تتحول من حالة إلى أخرى. ولكن فرويد اعتبر أن الإبداع ناتج عن إحباط جنسي، وكبت لمواقف مؤلمة يخرج لاحقًا على شكل طاقات إبداعية ، وأحيانًا يظهر على شكل جنون، ولذلك اعتبر فرويد أن الإبداع والجنون يولدان من المصدر نفسه . بمعنى أن موت الأب أو الأم لم يكن له قيمة عند فرويد إلا من المنظور الجنسي .
 
   جاء بعده تلميذه أدلر Adler الذي اعتبر أن الإبداع عبارة عن تعويض ، حيث وضع نظرية بذلك، أسماها نظرية التعويض   compensation theoryونالت نظريته شعبية كبيرة، لكنه ركز في نظريته على فقدان الحواس كمسبب للإبداع ، ولم يتحدث عن اليتم. أيضًا طرح كارل يونغ نظريته التي أسماها أركيتابس Archtypes بتزامن مع نظرية أدلر، وافترض فيها أن الإبداع يتم توارثه عبر حجرات وراثية تحتوي التجربة الإنسانية، وهي مصدر الإبداع...فقد كان الرأي السائد أن الإبداع أمر وراثي.
     
     ونجد أن هناك كثيرًا من الأبحاث ، وبخاصة الأجنبية منها، التي حاولت تقديم تفسير لسمة الإبداع منذ أواخر القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، وبعضها اعتبر أن اليتم له أهمية العامل الوراثي بناءً على تحليل عينات من المبدعين كان يتمّ اختيارها بصورة عشوائية، لكن لم يتوصل أحد لنتائج تربط بين اليتم والإبداع في أعلى حالاته بشكل حاسم ، وذلك لسبب بسيط وهو الخطأ الذي كان يحدث دائمًا في اختيار العينة البحثية. لذلك أستطيع أن أقول بأن طرحي الذي يشير إلى العلاقة بين اليتم والإبداع في أعلى حالاته هو غير مسبوق من حيث النتائج ، لأنه تعامل مع الشريحة البحثية ( عينة البحث ) بطريقة غير مسبوقة أيضًا ، وتوصل إلى نتائج حاسمة.
  وأذكر أنني خلال دراستي الماجستير كنت قد أجريت بحثًا مسهبًا من خلال وسائل البحث الحديثة في حينه في جامعة ساندياغو، وعبر الشبكة المحوسبة التي كانت تربط المكتبات في كل أنحاء الولايات المتحدة، ولم أجد أبدًا من سبقني إلى طرح الموضوع، فلذلك أستطيع أن أقول بكل بثقة إنني أول من وضع نظرية تربط بين اليتم والطاقة الإبداعية في أعلى حالاتها ، وقدم نظرية متكاملة لشرح ذلك، وكان ذلك في العام 1983.
·    كيف تلافيت أنت الخطأ في اختيار العينة البحثية كما تقول؟
 
             الأمر كان مصادفةً ...كنت دائمًا غير قادر على تحديد أو اختيار عينة بحثية محايدة ومقبولة، وفي أحد الأيام وقع بين يدي كتاب مايكل هارت الذي ترجمه إلى العربية الكاتب الكبير المرحوم أنيس منصور، فشعرت أن الأسماء المشمولة في الكتاب تمثل عينة بحثية مناسبة كونها متجانسة ، ويربط بين أفرادها صفات مهمة هي صفات العبقرية والشهرة والخلود، ومن هنا جاء وصفهم بـ "الخالدون المائة"، وهي حتمًا محايدة وضعها شخصٌ محايد، ولقد وضع الكتاب لأغراض أخرى غير البحث في سر الإبداع لديهم. وعندما قمت على دراسة هذه العينة تبين لي أن عدد الأيتام من بين أفرادها وصل إلى 53%، وأما الباقون فطفولتهم غير معروفة، مما يشير إلى احتمال أنهم قد جربوا اليتم، ، فيما عدا اثنين فقط .
     بينما كانت مشكلة من حاول قبلي تحديد أهمية اليتم كعامل مسبب للإبداع أنهم كانوا يختارون عينة البحث بصورة عشوائية غير متجانسة، أي يتمّ اختيار 600 مبدع من مختلف المستويات الإبداعية، ولذلك لم تكن نسبة عامل اليتم حاسمة، ولو أنها كانت تتعدى عامل المصادفة عند بعض تلك الدراسات...وهو ما يشير إلى أن للإبداع والطاقة الإبداعية مصادر متعددة، ولا يمكن الحديث عن سبب واحد، لكن ما بين يدينا من دراسة، يؤكد على أن اليتم يؤدي إلى العبقرية، أي الإبداع في أعلى حالاته...وهو ما أدى إلى استنتاج آخر مهم هو أن السر يكمن في الألم والصدمة والفجيعة التي تؤدي إلى دفق الكيماوي في الدماغ، وهو المسبب لولادة الطاقة الإبداعية..ولما كان اليتم هو أعظم مسبب لمثل ذلك الألم فإنه يؤدي إلى أعلى نشاط ذهني، وبالتالي إلى أعظم إنتاج إبداعي، يكون عبقريًّا وخالدًا، إذا ما توافرت الظروف المناسبة طبعًا لليتيم حامل ذلك الألم.
 
·    تقول إنك بدأت هذا البحث في سن ّ السادسة عشرة ... هل نستطيع أن نعرف أولى نجاحاتك في هذه الدراسة ؟  وكيف استرسلت بـعـُمق؟
     أول نجاحٍ جاء بعد أن تمكنت من إقناع لجنة الماجستير في جامعة ساندياغو بأطروحتي حول العلاقة بين يتم كل من الأدباء سلفيا بلاث، ورالف ألسون، وبابلونيرودا وإبداعاتهم، وقد استخدمت  لذلك تحليل بعض ما قالوه ، وما كتبوه من خلال إنتاجهم الأدبي للتدليل على تلك العلاقة، والتي غالبًا ما تكون غير واعية، لكن يمكن للدارس ملاحظة أثرها في المخرجات الإبداعية، أحيانًا بوضوح، وأحيانًا من خلال تعابير رمزية، وإشارات ضبابيّة.
     أما كيف استرسلت، فأنا لم أتوقف أبدًا عن البحث في سير حياة العظماء والمبدعين، وقد جمعت أسماء ما يزيد على ألف مبدع يتيم حتى الآن، أصبحت تشكل نواة موسوعة للأيتام أعمل على إطلاقها ضمن كتاب، وموقع إلكتروني.. كما عملت على إجراء بعض الدراسات بهدف دعم نظريتي بأدلة إحصائية ، ومن خلال استخدام هذه البيانات الإحصائية في دراسات تحليلية إضافية تؤكد على صحة الطرح أو نفيه ، وكل النتائج حتى الآن تشير إلى أن اليتم هو حتمًا أهم العوامل أثرًا في التغير الذي يمكن أن يحصل على كيمياء الدماغ ، فيؤدي إلى ولادة الطاقة التي تنهل منها المخرجات الإبداعية، لكنه ليس الوحيد حتمًا.
·    لماذا نعزو النجاح إلى اليتم في حد ذاته؟ لماذا لا نرى جانبًا آخر، وهو أن من يقوم برعاية اليتيم فيما بعد هو من يصنع جزءًا من نجاحه على الأقل؟
 
    يبدو أن صدمة اليتم، وما يرتبط بها من ألم يؤدي إلى تولد طاقة هائلة في دماغ اليتيم ، وربما أن ذلك يحدث من خلال تغير في كيمياء الدماغ، حيث يؤدي ذلك التغير الكيماوي -كما أتصور- إلى تولد طاقة البوزييترون positron، وإذا ما استثمرت هذه الطاقة بشكل إيجابي، فأنها تخرج على شكل مخرجات إبداعية فذة وعبقرية، وهنا يأتي دور رعاية اليتيم وكفالته، فهو حتمًا بالغ الأهمية، وإن غابت الرعاية والتأهيل والاهتمام فالأغلب أن ذلك سيؤدي إلى مخرجات سلبية، فيتحول مشروع المبدع العبقري إلى مجرم، أو مجنون ، أو منتحر، وهو ما يؤكد في تقديري على أهمية دور من يقوم بالرعاية والكفالة والتأهيل. صحيح أن الطاقة المتفجرة في ذهن اليتيم والتي تؤدي على - ما يبدو- إلى زيادة في نشاط الدماغ هي الأساس ، لكن لا بد من توافر البيئة الداعمة والمساندة حتى تخرج هذه الطاقة بصورة إيجابية.
·    هل يقتصر الأثر على اليتم الفعلي ، أو الحقيقي (فقدان الأم أو الأب)، أم يشاركه اليتم الشعوري والمعنوي؟
     لطالما قلت إن السر في اليتم ليس في الفجيعة بحد ذاتها، وإنما في الأثر الذي يحدثه اليتم على كيمياء الدماغ على ما يبدو! ولذلك لا يمكن حصر الإبداع باليتم الحقيقي فقط ، وربما أن هناك من عاش ( يتيمًا) وأبواه إلى جانبه، وربما أن أبًا مدمنًا، عنيفًا على شاكلة والد ستالين مثلاً يكون وجوده أشد قسوة وأثرًا على كيمياء الدماغ من موته الجسدي... حتى أن أحداثًا أخرى ( بعيدة عن الموت) يمكن أن تقع فيكون لها تأثيرٌ مهولٌ على كيمياء دماغ الطفل، وهو في طور النمو، وتحدث أثرًا مشابهًا، ولكنني أربط العبقرية والخلود باليتم في حديثي، لأنني وبعد دراسة عينات من العباقرة الخالدين وجدت أنهم أيتام (يتم واقعي في سن أقل من 21 عامًا دائمًا،  وهنا أشير إلى عينة (الخالدون المائة) حيث كان اليتم قد وقع حقيقةً. وقد يكون لوقوع اليتم فعلاً أثرٌ أعظم بكثير من الحالات التي تشبه اليتم في الأثر، وهي حتمًا فجائع ، أو مآسٍ ، قد تحدث تغيرًا في كيمياء الدماغ هي أيضًا.
    وقد وجدت أن خلود العمل الإبداعي ، وطول بقائه هو انعكاس لوزن الأثر الناتج عن الفجائع...ولا شك في أن مئات الشعراء مثلاً عاشوا في زمن المتنبي ، لكنهم بادوا ، ولم يبق لهم أثر مع مرور الزمن ليظل المتنبي بيننا، وهو ما يشير إلى عبقرية ما كان يقوله ، وتلك العبقرية هي في الواقع ما تحتويه أشعار المتنبي من طاقة تدفقت في ثنايا دماغه على أثر حدّة فجائعه وكثافتها في الطفولة المبكرة ، وذلك لا ينفي أن أشعار الآخرين قد تكون عبقرية هي أيضًا ، لكنها أقل ديمومةً ، لأنها نتاج أحداث أقل أثرًا في النفس .
 
 
·    هل هذا يعني أن اليتم والموت والمآسي هي المسبب الوحيد للإبداع؟
      ربما كنت في بدايات بحثي أطرح أن اليتم هو السبب الوحيد للإبداع، وذلك كنتيجة لملاحظة أن عددًا كبيرًا من المبدعين العباقرة والقادة الأفذاذ الخالدين هم أيتام، ولكن مع تعمقي في البحث، اتضح أن اليتم ليس السبب الوحيد حتمًا ، وإنما يمثل أهم سبب على الإطلاق لحدوث دفق هائل في كيمياء الدماغ ينتج عنه طاقة هائلة، (أتصور أنها طاقة البوزيترون)، وتكون في أعلى حالاتها عند الأيتام ، وهي الفئة التي أمكن رصدها إحصائيًّا من خلال عينة " الخالدون المائة" ، ولذلك يمكن القول إن أعظم المبدعين والعباقرة والقادة الخالدين هم من الأيتام حصرًا. لكنْ هناك حتمًا عدد هائل من الأسباب الأخرى التي لها أثر ووقع مشابه على الدماغ، وتتسبب في حدوث دفق في كيميائه ، وبالتالي تتولد الطاقة البوزيترونية، والتي تجعل الدماغ يعمل بصورة فوق عادية ، فتتشكل المخرجات الإبداعية، وتقل كمية الطاقة المتولدة كلما قل وزن الحدث أو الصدمة أو الفجيعة المسببة لدفق الطاقة في الدماغ. بمعنى لو أننا لو تخيلنا أن لدينا سلّمًا مكونًا من عشر درجات لقياس وزن الأثر الناتج ، فإننا سوف نجد أن اليتم يقع في أعلى السلم من حيث الوزن، ويؤدي إلى أعلى نسبة من الطاقة ، أي أن العلاقة طردية هنا، لكن موت الجد مثلاً ربما يأتي في النقطة 9 ، وموت الأخ أو الأخت في النقطة 8 ، وموت رفيق الصف في المدرسة في النقطة 7 ، ومشاهدة الموت في النقطة 6،  وموت الهرة في النقطة 5 ، والإعاقة الجسدية (نظرية التعويض في النقطة 4) وهكذا، إلا أن يكون ذلك ما مر به مبدع كعنتره مدفوعا بما يمكن  أن نسميه ( مركب النقص ) حيث كان سواده واسترقاقه لأبيه وراء تفجر عبقريته، لقد كان هذا في قوة اليتم بل قد أدى إلى ما لم يودِّ إليه اليتم في بعض الأحيان، ولكن هذا لا يعتبر تعميما أو شبه تعميم، وإنما هو حالة خاصة لا يقاس عليها، ولا تتعارض مع طبيعة البحث المطروح.
    وربما أن الوعي بذاته، وقدرة الإنسان على التخيل والتفكير، وما ينتج عن الإدراك من قلق يقع في أدنى درجات سلم الأوزان الافتراضي هذا، فالقلق مثلاً هو السبب الذي يعتقد أصحاب الفلسفة الوجودية بأنه محرك الطاقة الإبداعية ومفجرها، ولكنني عندما درست سيرة حياة نيتشه وسارتر وجدت أنهما يتيمان أيضًا، وفي ذلك ما يشير إلى أن أصحاب الفلسفة الوجودية قد أقاموا فلسفتهم على افتراضات خاطئة، فالقلق نتيجةٌ، وليس سببًا. لذلك أقول إن اليتم هو أهم الأسباب، وليس السبب الوحيد..وقد يكون لأحداث وتراكمات مأساوية مثل: الفقر، وبيوت الصفيح، والتشرد، والفيضان وقع عظيم مشابه في توليد تلك الطاقة البوزيترونية المفترضة، والتي تتولد في ثنايا الدماغ، وينهل منها الإبداع، وتكون سبب المخرجات الإبداعية العبقرية.
* هل تفترض بناءً على ذلك أن كل يتيم مبدع ؟ وأن كل مبدع يتيم ؟
    ربما يكون هناك كثير من المبدعين الذين لم يمروا بتجربة اليتم ، لكن ذلك لا يعني أنهم لم يمروا حتمًا بصدمات ومآسٍ تركت أثرًا مهولاً على أدمغتهم في طفولتهم وقبل سن البلوغ.
     إن مقولة "ليس كل مبدع يتيمًا " هي مقولة صحيحة، لكن ذلك أيضًا لا يدحض أن العباقرة من المبدعين والذين خَلُدتْ أعمالهم هم أيتام حتمًا ، وذلك بالدليل الإحصائي، هذا من ناحية. ومن الناحية الأخرى، من الطبيعي القول بأنه لا يمكن حصر المسبب في دفق كيمياء الدماغ في تجربة اليتم فقط، فقد يكون المبدع قد مر بتجربة موت قريب مثلاً (جد أو أخ أو زميل دراسة أو حتى فقد حيوان أليف)، وقد يكون فقد أحد الحواس، وقد تفعل زيارة لمستشفى فعلها في تشكل ذلك الدفق الكيماوي في الدماغ، وقد يحدث الخلل الكيماوي في الدماغ لأسباب طبيعية وبيولوجية أخرى ليس لها علاقة بالصدمات أو المآسي. 
 
   ولا شك في أن هناك قائمة طويلة من المسببات لحدوث دفق كيمياء الدماغ، وبالتالي تَشكّل القدرة على الإبداع، لكن الأدلة التي بين يدينا تشير إلى أن موت الأقارب من الدرجة الأولى هو أهم عامل من العوامل التي تؤدي إلى أعلى نسبة من دفق كيمياء الدماغ، وينتج عن ذلك عظماء وعباقرة في الحد الأعلى من العبقرية والخلود، وقد نجد من بين كل مئة ، أو ربما ألف ، أو حتى عشرة آلاف شاعر، نجد أن من بينهم شاعرًا واحدًا يكتب قصائد على شاكلة المتنبي مثلاً...وذلك لا يعني أن الآخرين ليسوا مبدعين، ولكن مستوى المخرجات الإبداعية وقيمتها ووزنها تكون أقل عندهم ، ويبدو أن العلاقة بين الأمرين هي علاقة طردية، بمعنى أنه كلما زادت المآسي والفجائع كثافةً، وتكرارًا، زاد دفق كيمياء الدماغ وأصبحت الاحتمالات بأن يصبح المصاب بمثل تلك الفجائع عبقريًّا فذًّا أكثر احتمالاً.
 
   وقد يكون لتوقيت وقوع المآسي والبيئة، والتعليم والقدوة، وأحيانًا المصادفة دور مهم في بروز طاقات عند هذا الفرد او ذاك ، لكن ذلك لا يعني بأن الآخرين من العائلة نفسها لا يمتلكون طاقات مهولة ، وتكون ربما معادِلة لتلك التي امتلكها الشاعر المذكور، لكنها قد تكون مكبوتة ، أو أنها تخرج على أشكال وأنماط أخرى.
·     يبدو أن كل ما هو مطروح هنا يقوم على افتراضات نظرية! فهل هناك أية أدلة علمية تؤكد على هذا الطرح ، وبخاصة فيما يتعلق بما يجري في ثنايا الدماغ ، وما تسميه طاقة البوزيترون؟
     نعم هي نظرية تقوم على افتراضات ، ثم تأتي الجهود لمحاولة تقديم أدلة علمية. حتى الآن ما لدينا هو ملاحظات وأدلة إحصائية وتحليلية ، وهي في مجال البحث العلمي أمر مقبول. 
   لكن من الطبيعي أن يتم السعي من أجل التأكد من صحة هذه الافتراضات في المختبر. صحيح أن هناك بعض الأدلة العلمية التي تشير مثلاً إلى أن دماغ الطفل الجنين يتأثر بالعوامل الخارجية وبخاصة الصدمات ، أو الفجائع ، حتى وهو في رحم أمه ، وذلك كما جاء في فيلم وثائقي بثته البي بي سي قبل أشهر، وقد تم تسجيل ذلك الأثر على الأجهزة المعدة لمثل تلك المهمة. لكن هناك حاجة للتأكد مما هو مطروح هنا علميًّا ومخبريًّا، وبخاصة في مجال طبيعة تلك الطاقة التي تتولد في الدماغ ، فالمطروح هنا ثوري وجديد وغير مسبوق ، ولا بد من التأكد منه علميًّا ، ولا أستبعد أن يكون ما يحدث في الدماغ أمر آخر تمامًا، لكن ما يهمني كباحث هو أن العلاقة بين اليتم والعبقرية في أعلى حالاتها أصبح مؤكدًا ،وبالدليل الإحصائي.
·    هل لك أن تحدثنا عن الآلية الافتراضية التي تتولد فيها تلك الطاقة التي تسميها البوزيترونية؟
    أمّا بخصوص آلية ما يحدث في الدماغ، فيمكن وصفه بالشكل التالي: عندما يقع السبب الذي يؤدي إلى صدمة مثلاً ( اليتم ) يتشكل في الدماغ دفق هائل من كيمياء الدماغ، ولكنه نسبي، وتكون علاقته طردية مع وزن المسبب، هذه الوفرة في كيمياء الدماغ توفر الإمكانية، وتؤدي إلى حدوث ارتطام بين المادة ونقيضها (قرينها) في فضاء الدماغ، فيما يشبه الانفجار البوزيتروني الذي يتحدث عنه الفيزيائيون في المختبر استنادًا إلى معادلة الإلكترون التي جاء بها عالم الفيزياء بول ديراك ، والتي أكدها عالم فيزياء آخر اسمه كارل ديفيد اندرسون، والتي أثبتت أن الكون مكون من عالم المادة (الإلكترون) وعالم نظير المادة              ( البوزيترون) أي أن التناظر يرجع إلى البناء المقلوب للذرة.  طبعًا لا بد من التأكيد هنا بأن افتراضي أن انفجار بوزيتروني هو الذي يحدث في الدماغ، ويولد تلك الطاقة المهولة واللامحدودة، هو طرح افتراضي، ويحتاج أن يتم تأكيده مخبريًّا، لكن لا شك في أن لدينا ما يكفي من الأدلة الظرفية التي تشير إلى أن ذلك ما يحدث فعلاً، وذلك بناء على ما يطرحه الدكتور خالص جلبي في وصفه لأحدث تكنيك يستخدمه الأطباء في الكشف عن الأمراض الخبيثة، ومقدرات الدماغ، والجملة العصبية ككل في كتابه "الثورة العلمية الحديثة والإيمان"، حيث يقول" إن الأطباء يستخدمون تكنولوجيا البوزيترون في هذا المضمار، حيث يقوم الطبيب بحقن السكر الذي يحمل ذرة الكربون المشعة، فيتعرض نظير المادة إلى التحلل وإطلاق  ( البوزيترون ) الإلكترون الموجب، الذي يفاجأ بغريمه وظله المقابل الذي يتربص به الدوائر، فيحدث ارتطام يندثر على أثره الاثنان في صدام موحش، ومن تألق هذا الاصطدام يمكن تحديد أمكنة الأورام والاضطرابات المرضية".
     إنني أرى في هذا الحديث ما يشير إلى أن طاقة لامحدودة تنتج عن اصطدام المادة بقرينها في ثنايا الدماغ ...فلماذا لا يكون ذلك ما يحدث في حالة تشكل دفق هائل من كيمياء الدماغ؟
    وبالطبع فأن ما يحدد نسبة الطاقة المتولدة هو قوة الارتطام بين المادة ونظيرها ( قرينها ) والناتج أيضا عن وفرة كيمياء الدماغ ، وتكون مهولة لا محدودة عند الأيتام.  ويمكن لنا أن نتخيل هذه القوة البوزيترونية إذا ما قارناها بقوة الانفجار الذي يحصل كنتيجة لارتطام 0.147 من المادة مع قرينها من عالم اللامادة كما يصفها د. خالص جلبي في كتابه المذكور آنفًا، فيقول إن مثل ذلك الانفجار يعادل انفجار 100 قنبلة هيدروجينية.
 
    ولا بد من التشديد هنا على أن هذا الطرح يظل نظريًّا إلى أن يتم إثباته في المختبر، ولكن يظل هذا التفسير هو التفسير الأكثر إقناعًا لما يتوصل إليه العقل البشري في محاولته لتفسير سر العبقرية في ظل هذا التقدم التكنولوجي والعلمي المهول.
·     من هو خيل حمد ؟
    ولدت  في بلدة كفل حارس في العام 1954، في السنة الثانية بعد ولادتي تيتمت ، حيث فقدت أمي ، لكنني لم أعرف أنني يتيم الأم إلا في سن السابعة تقريبًا، حيث عرفت فجأة أن المرأة التي كنت أناديها "أمي" هي في الواقع خالتي، وهي أخت أمي، وزوجة أبي بعد وفاة أمي التي لم أعرف لها أية ملامح ، لأنها انتقلت إلى رحمة الله دون أن تترك صورة، ولا شك في أنها كانت طفولة صعبة للغاية ، فلك أن تتخيل ما كانت عليه الحياة في الريف الفلسطيني في ذلك الزمن.
 
   وفي سن الثالثة عشرة كان الاحتلال، وشاهدت حينها أول طبق طائر يحوم في سماء القرية، حيث كانت تلك طائرة "هيلوكبتر" ضخمة تطير على ارتفاع منخفض تبث الرعب في المكان. أكملت دراستي الثانوية في مدرسة القرية ، وفي ظل الحراب والخوف، ثم انتقلت إلى مدينة بيت لحم، حيث درست في جامعتها الأدب الإنجليزي، وبعد تخرجي عام 1978 سافرت إلى الكويت للعمل هناك ، وعملت فعلاً لمدة عام في بنك برقان، ثم سافرت إلى الولايات المتحدة لاستكمال دراستي، حيث حصلت على درجة الماجستير في الأدب المقارن. وهناك في جامعة San Diego State University أنجزت رسالة الماجستير التي ضمنتها نظريتي حول "تفسير الطاقة الإبداعية" والعلاقة بين اليتم والإبداع،  وكانت بعنوان"الإبداع والبحث عن الاكتمال" . عدت بعدها للعمل في الكويت ، ثم إلى الأردن بعد أزمة الخليج ، وعدت في العام 1996 إلى فلسطين ، ومازلت ، حيث أعمل موظفًأ في كبرى شركات البلاد.
·    ما الذي تأمُل أن يحققه كتابك " الأيتام مشاريع العظماء"؟
   أقول كما جاء في مقدمة الكتاب...لعل هذا الكتاب يكون صرخة تدوي في أرجاء الكون تنبه إلى هذا الكشف، وتلفت الانتباه إلى الإمكانات الضخمة والمهولة واللامحدودة الكامنة في أذهان الأيتام وعقولهم، وإن مثل هذه العقول هي في الواقع مناجم غنية لأجمل اللآليء، وأثمنها على الإطلاق. وعليه أملي أن تتم إعادة النظر في كل ما يتعلق بموضوع الأيتام من ناحية النظرة لهذه الشريحة المجتمعية، ومن نواحي المعاملة والعناية والتربية والتعليم والصحة والكفالة والرعاية ، وما إلى ذلك..فلا يجوز أبدًا التعامل مع الأيتام بداعي الشفقة ، وعلى أساس أنهم أيتام بالمعنى التقليدي للكلمة، أو أنهم عالة على المجتمع ، أو أن يكون أساس التعامل معهم الإحسان أو المسايرة أو القهر أو الاستغلال ، ولا بد من إدراك أهمية هذه الشريحة في المجتمع، وأهمية الدور الذي لعبته ،وما تزال، وسوف تظل تلعبه في التطور الحضاري الإنساني ككل، لأن عقول الأيتام أرض خصبة تحتاج لمن يرعاها ،ويستثمر فيها، حتى تؤتي أكلها. لا بد من البدء بالتعامل مع الأيتام على أساس أنهم مشاريع عظماء، وعلى أساس أن من بينهم يأتي القادة الأفذاذ والمفكرون، والفلاسفة، والعلماء،  والأدباء، والمكتشفون، والمخترعون العباقرة. لا بد من البدء بالتعامل معهم انطلاقًا من الوعي بما يمتلكونه من إمكانات وطاقات، والتي من الممكن إذا ما أحسن استثمارها وتوجيهها أن تحقق إنجازات إبداعية إعجازية لا مجال لتخيلها.
 
5/2/2012