عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


السبت، ٣١ كانون الأول ٢٠١١

متابعات
 
في مطلع هذا العام الميلادي الجديد!!
                                     
   
أ.عدنان السمان
                                                                                                 www.samman.co.nr
 
     تحتفل فلسطين,كما تحتفل الدنيا كلها بإشراقة شمس عام ميلادي جديد.. بعد أن ودعت الدنيا عامًا مضى وانقضى من عمرها,ليضاف إلى هذه الدهور التي أعقبت ميلاد السيد المسيح,رسول المحبة والتآخي والسلام,في ضاحية من ضواحي القدس,وبقعة عزيزة غالية من أرض فلسطين هي بيت لحم الأمجاد:يا بيت لحمٍ أنت مهدُ مسيحنا// نورُ الهدايةِ أنتِ للأجيالِ.
  وتستقبل فلسطين اليوم,كما تستقبل الدنيا كلها عامًا جديدًا تقيم فيه الصلوات,وتدعو فيه من الأعماق أن يكون عام خير وبركة وأمان واطمئنان..ويدعو فيه الجياع والمضطهدون والمقموعون والمعذبون في الأرض أن لا يكون كغيره من أعوام البؤس والمذلة والهوان..آملين أن يشهد هذا العام الجديد نهاية معاناتهم وآلامهم,وأن يكون عام سلام على الأرض,وخير ورخاء على سائر الأمم والشعوب.
    ولئن احتفلت فلسطين,واحتفل معها سائر العرب والمسلمين منذ أيام بهجرة رسول الهدى(محمد عليه السلام)من مكة مسقط رأسه إلى المدينة التي أحبه أهلها,وأيدوه ونصروه ليقيم فيها دولته,وينشر من خلالها رسالته,ويرفع رايته,فإن فلسطين أيضًا,ومعها كل هذه الدنيا تحتفل في هذه الأيام بميلاد السيد المسيح (عليه السلام) وتنقّله بين بيت لحم والناصرة,وطوافه في كل أرض فلسطين مبشرًا بالسلام,وداعيًا إلى السلام,ومناديًا بالعدل والعدالة والمحبة والتسامح والوئام ..ولئن احتفلت فلسطين منذ أيام,واحتفل العرب والمسلمون أيضًا بعام هجري جديد,فإن فلسطين,ومعها الدنيا كلها أيضًا تحتفل اليوم بعام ميلادي جديد..آملين أن يكون فاتحة خير وأمن وأمان وسلام على فلسطين,وعلى العرب والمسلمين,وعلى البشرية جمعاء.
    فلسطين في هذا كله هي المحور..هي الحقيقة والجوهر..هي الديار المقدسة..هي القيامة,والأقصى,والحرم الإبراهيمي,والمهد والبشارة..هي التاريخ والثقافة والحضارة..هي جوهر الأديان,وكرامة الإنسان..فلسطين في هذا كله هي خليل الرحمن,هي الناصرة,هي حيفا, هي غزة..هي ديار السلام:ديارَ السلامِِ وأرضَ الهنا// يشقُّ على المرء أن تحزنا.
     في هذا اليوم نذكر كل هؤلاء الأسرى,ونذكر كل عذاباتهم وآلامهم ومعاناتهم..ونطالب بضرورة الإفراج الفوري عنهم,ليعودوا إلى أُسرهم وعائلاتهم وأحبابهم..وفي هذا اليوم نذكر كل هؤلاء الجياع والمقموعين والمشردين..ونطالب بتوفير العيش الكريم لهم..وفي هذا اليوم نذكر كل هؤلاء المهاجرين والمهجرين ..ونطالب باحترام حقهم المقدس في العودة إلى أوطانهم وديارهم التي تحبهم ويحبونها..وفي هذا اليوم نذكر كل هؤلاء الأطفال الذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم..ونطالب بضرورة أن يجدوا الرعاية والعناية والاهتمام الكافي,وبضرورة أن يجدوا الأيدي التي تمسح دموعهم,والابتسامة التي تحيي في نفوسهم الأمل,وتغرس في قلوبهم الصغيرة التفاؤل والجذَل,وحب الحياة والعمل.
    وفي هذا اليوم لا يسعنا إلا أن نطالب أصحاب الضمائر الحية في هذا العالم بمزيد من التعاطف مع المظلومين المضطهدين من الناس الذين يتعرضون منذ أمد بعيد لألوان شتى من العسف والإذلال والجور والتنكيل..ولا يسعنا إلا أن نطالب هذا المجتمع الدولي بمزيد من العمل الجاد من أجل إنصاف هذا الشعب الأعزل الطيب المسالم مما يحيق به من خسف وتسلط وعدوان.
    وفي هذا العام الجديد نتوجه إلى كل المؤمنين برسالات الحق والهدى,وإلى كل محبي السيد المسيح ووالدته القدّيسة العذراء مريم,وإلى كل من تهفو نفوسهم,وتذوب قلوبهم شوقًا للقدس,وهيامًا بها, وبكل أرض فلسطين أن يعملوا بتعاليم السيد المسيح..تعاليم المحبة والتسامح والرحمة والعدل والإنصاف..وأن يلبوا نداء السيد المسيح بضرورة رفع الظلم عن المظلومين,وبضرورة وقف نزيف الدم في هذا الكون..وأن يعملوا جميعًا من أجل خير البشرية دون تمييز,ودون تعصّب أو تعنصر أو محاباة.
     إننا,ونحن نقف على عتبة عام جديد,لَندعو بالرحمة لكل شهداء هذا الوطن,وغير هذا الوطن,مطالبين الدنيا كلها أن تعمل في الحال من أجل وقفِ نزيف الدم في هذه الديار,وفي كل ديار العروبة والإسلام,وأن تعمل في الحال من أجل رفع الحصار عن غزة,وعن القدس,وعن نابلس,وعن كل المحاصرين الصابرين في الخليل,وفي كل فلسطين..وإننا في هذا اليوم لَندعو المجتمع الدولي من أجل وقفة صادقة مع كل هؤلاء المضطهدين في هذه الديار,وفي كل ديار العروبة والإسلام,وفي كل هذا الكون دون تمييز أو استثناء..
 
 
    على عتبة عام جديد نقف لنقول في ضراعة ،  وفي عزم وإصرار:يا أيها العام الجديد..كن عام خير وبركة..كن عام أمن وأمان وسلام على فلسطين,وشعب فلسطين.. كن عام أمن وأمان وسلام على سوريا ، وعلى لبنان ، وعلى كل أرض العرب ..كن عام سلام على الأرض,ومسرة في الناس.
 (31/12/2011)
 

السبت، ٢٤ كانون الأول ٢٠١١

الاقتصادي حسام حجاوي: أومن بضرورة بناء هذا الوطن والاستثمار فيه..

متابعات
الاقتصادي حسام حجاوي: أومن بضرورة بناء هذا الوطن والاستثمار فيه..
أ.عدنان السمان
www.samman.co.nr
    لقد تعلمنا من تجاربنا وتجارب الشعوب في هذا العالم أن قوة الأمم اليوم تكمن في قوة اقتصادها، وأن قوة الاقتصاد لا يمكن أن تأتي من فراغ، بل هي نتيجة طبيعية لرغبة الأمة –أية أمة_ في أن تكون أمة منتجة، وفي أن تعتمد على نفسها في بناء أوطانها، وبناء إنسانها الذي يبني بجده واجتهاده هذه الأوطان.. ولعل أول خطوة من الممكن أن تخطوها الأمة في هذا الاتجاه أن تعلّم أبناءها كيف يكونون منتجين، وأن تفتح أمامهم سبل العمل والبناء، وان تغرس فيهم حب العلم والعمل، والإصرار على النجاح.. إن الأمة العظيمة هي الأمة التي تملك الإرادة والعزيمة والإصرار على مواجهة الصعاب، وتذليل العقبات، ودخول معركة الحياة بهمة وعزيمة وإرادة يلين أمامها الحديد.. الأمة العظيمة هي الأمة التي يعرف كل فرد من أفرادها مكانته، ويعرف ما له وما عليه، ويضع نهضة بلده وتطورها واستقلالها وعزتها وسمو مكانتها على رأس سلم أولوياته، وعلى رأس اهتماماته، والأمة العظيمة هي الأمة التي تربي أبناءها على العمل بكل ما أوتوا من قوة لبناء وطن قوي سيد مستقل عزيز لا مكان فيه لخامل، ولا وجود فيه لمتكاسل..وطن قوي مستقل مستقر تحقق سواعد عماله وفلاحيه ومثقفيه ومفكريه نهضته العمرانية والصناعية والزراعية والثقافية.. وطن قوي بشبابه ورجاله ونسائه وشيوخه العاملين الذين لا يأكلون إلا مما يزرعون، ولا يلبسون إلا مما يصنعون.. وطن قوي باقتصاده القوي الذي تبنيه وتعلي صروحه سواعد أبنائه وبناته.. وطن قوي لأن كل مواطنيه ومواطناته قرروا أن يكونوا منتجين عاملين بنائين واثقين من أنفسهم، مؤمنين بعدالة قضاياهم، موقنين أنهم إن لم يبنوا أوطانهم بعلمهم وعملهم وإنتاجهم وتضحياتهم فلن يبنيه أحد نيابة عنهم، ولن يكونوا عندها إلا في أسفل درجات السلم، ولن يكونوا إلا في ذيل قائمة الأمم والشعوب.
   عجبت لمن ارتضوا لأنفسهم أن يعيشوا على ما يقدمه لهم الآخرون، ولو كان ذلك بالطبع على حساب حرية أوطانهم، وعلى حساب استقلالها السياسي والاقتصادي والثقافي، وعلى حساب كرامة أبنائها ومستقبل أجيالها وحرية مواطنيها.. عجبت لهم وقد ارتضوا لأنفسهم عيش العبيد، وبإمكانهم أن يعيشوا سادة كرامًا بين أمم هذا العالم وشعوبه!! عجبت لهم كيف لم يقرأوا تاريخ كثير من الشعوب التي لا تكاد تملك شيئًا من ثروات هذا العالم العربي، ولا تكاد تملك شيئًا من ثروات هذا العالم الإسلامي، ولكنها –مع ذلك- تقف في مقدمة الأمم الصناعية في هذا العالم بعزيمة أبنائها وإصرارهم على التقدم والتطور والنهوض.. لست بحاجة لضرب الأمثلة، فهي كثيرة، ولكنني أوجه كل هؤلاء وأولئك لأخذ العبرة من بلد أوروبي هزم شر هزيمة في الحرب العالمية الثانية، ولكنه بعد أقل من عشرين عامًا من تلك الهزيمة كان عملاقًا اقتصاديًّا يقف على قدميه بقوة وثبات في وجه من ألحقوا به الهزيمة العسكرية.. هذا البلد هو ألمانيا، وكفى!! كما أوجه كل هؤلاء وأولئك لأخذ العبرة أيضًا من بلد آسيوي هو اليابان.. وما أدراك ما اليابان؟؟ والأمثلة على الإرادة والعزيمة في هذا العالم كثيرة.
   لقد علمتني الحياة منذ أنت كنت شابًّا صغيرًا أقف إلى جوار والدي في تلك المطبعة (التي أنشأها قبل ستة وسبعين عامًا بالكمال والتمام) أن الحياة تصبح عبئًا على الإنسان، وعبثًا لا طائل تحته إن كانت تخلو من عمل نافع منتج، وجهد وتعب وعرق ودموع وسهر من أجل تحقيق الأهداف السامية التي يطمح الإنسان إلى تحقيقها.. لقد عشت إلى جانب والدي –قبل أن أستقل بالعمل- فتعلمت منه الإصرار على النجاح، كما تعلمت منه الصدق والأمانة والتضحية، إنني أقول بكل صدق: إن هذه المطبعة المؤسسة التي أقف على رأسها منذ صيف العام الستين من القرن الماضي، والتي تعتبر من أكبر مطابع هذه البلاد هي في الحقيقة من إنجازات والدي الذي علمني كيف أعمل، وكيف أنجح، وكيف أواجه الصعاب، وكيف أكون مواطنًا يحترم عمله، وعماله، ومواطنيه، وقيم هذه الأمة العظيمة التي ينتمي إليها.
   لقد علمتني الحياة أن أقدم لبلدي كل ما أستطيع تقديمه.. لقد آمنت منذ طفولتي بأن قيمة الإنسان تنبع من طبيعة العمل الذي يمارسه، ومن طبيعة المواقف التي يقفها من إخوانه وزملائه ومواطنيه.. آمنت بالعمل التطوعي منذ شققت طريقي في هذه الحياة، ولقد أفنيت من عمري حتى الآن إحدى وخمسين عامًا عملت من خلالها على تطوير المطبعة، وعملت خلالها على تمتين علاقاتي التجارية مع كل الناجحين في هذا الوطن، ولا سيما في مدينة الخليل، وأعتقد أنني قمت بواجبي بشكل يرضى معه ضميري في لجنة إغاثة المتضررين في حينه، وأمينًا لسر الهلال الأحمر لأكثر من خمسة وعشرين عامًا، وأمينًا لسر جمعية التضامن حتى دخولي الغرفة التجارية، وعضوًا فاعلاً في الغرفة التجارية الصناعية بنابلس، وممثلاً عن اتحاد الغرف التجارية الصناعية أكثر من مرة في منظمة العمل العربية، وممثلاً للقطاع الخاص الفلسطيني في مؤتمرات هذه المنظمة، ونتيجة لهذا فقد قررت منظمة العمل تكريمي في مؤتمرها المنعقد في البحرين قبل ثلاث سنوات (2008)، كما أنني عضو لجنة السياسات العمالية، ولقد شاركت في مناقشة قانون العمل الفلسطيني، وكذلك في وضع مسودة مشروع الصناعة، كما شاركت في أوراق عمل كثيرة في قضايا اقتصادية متعددة.
   إنني أومن إيمانًا لا يأتيه الشك من بين يديه ولا من خلفه بضرورة بناء هذا الوطن، وبضرورة الاستثمار فيه، وبضرورة تطويره، وإقامة المشاريع على أرضه بهدف إيجاد الأعمال اللائقة لأفراد المجتمع دون استثناء، وللخريجين منهم بخاصة، كي يعيش الناس في هذا الوطن بأمنٍ وأمان واحترام، وكي نوفر لهم الحياة الكريمة على أرض وطنهم.
24/12/2011


الأربعاء، ٢١ كانون الأول ٢٠١١

الوحدة السورية العراقية .. هل تكون الرد ؟؟

متابعات 
الوحدة السورية العراقية .. هل تكون الرد ؟؟ 
    أ.عدنان السمان
www.samman.co.nr
    القطران العربيان الشقيقان سوريا والعراق يشكّلان مع القطر المصري ما اصطٌلح على تسميته في الماضي بمثلّث الحضارات في هذا الشرق الواسع المنتشر على خارطة الدنيا منذ فجر التاريخ ، بل على خارطة العالم القديم بقاراته الثلاث إن تخلينا  عن شيء من التواضع ، وإن نحن استندنا فقط إلى نتائج هذه البحوث والدراسات الموثّقة التي توصل إليها الباحثون في شرق الدنيا وغربها ، وإن نحن اعتمدنا هذه الدراسات ونتائجها الموثقة أساسًا لما نقوله  هنا بحق هذين القطرين السوري والعراقي ، وبحق هذا القطر المصري ، وبحق شعوب هذه الأقطار ، وبحق الحضارات القديمة فيها ، وبحق الحضارة العربية الاسلامية التي ورثت كافة الحضارات القديمة في هذه الأقطار ، وفي غير هذه الأقطار من ديار العروبة والإسلام ، ثم اعتمدتها أساسًا لحضارة عربية إسلامية شاملة بعد أن  هذّبتها وأدخلت التعديلات عليها ، وبعد ان أخضعتها لذوقها ومزاجها ونظرتها إلى الإنسان والكون والحياة ، وبعد أن أضافت إليها ما أضافت من فكرها وثقافتها وإبداعها ، لتقدم للبشرية  في كل أقطارها وأمصارها ، وفي كل جهاتها  ووجهاتها حضاة عربية اسلامية زاهرة متزنة متوازنة ، كانت النور ، وكانت النار ، وكانت المشاعل والشموع والشموس التي أنارت للبشرية جنبات هذا الكون ، وكل منعطفاته وطرقاته وجوانبه ومنحنياته ومنعطفاته وزواياه ،  وكانت هدًى وهداية وسلامًا على الأرض ، ورحمة للعالمين .
   ولئن كانت هذه الأقطار الثلاثة  صاحبة هذه الإنجازات الحضارية المذهلة التي قدمتها للبشرية عبر العصور ، فقد كانت هذه الأقطار صاحبة حضور ثقافي اجتماعي اقتصادي سياسي في عهد الخلافة الراشدة  ، وكانت بعد ذلك المنائر والمنابر وكانت أيضًا الحواضر التي شهدت ميلاد النظم السياسية ، والأحزاب السياسية  ،وما أفرزته  من تحولات اجتماعية ثقافية اقتصادية في كل ديار العروبة والإسلام في هذا المشرق العربي ، وفي ذلك المغرب العربي الذي نشر سلطانه ، ووطّد أركانه ، وأقام بنيانه ونشر عدالته  في قلب أوروبا ... لقد كانت دمشق عاصمة الدنيا آنذاك على مدى تسعة عقود ،قبل أن ترتفع رايات بني أمية  في الأندلس على امتداد حكم نحو أربعين  أميرًا وقائدًا عربيًّا أمويًّا ، وعلى  مدى ثمانية قرون هي حصيلة ذلك الحكم العربي في تلك الديار .. ولقد كانت بغداد عاصمة هذا المشرق العربي بعد نجاح النظام السياسي الأموي في بناء تلك الدولة العربية الأموية في أوروبا .. ولقد كان للقاهرة بعد ذلك ،وبالتزامن معه ، شأن كبير في الحياة  السياسة العربية ، وفي  تجربة الحكم العربي ، وتجربة الإسلام السياسي في كل ديار العروبة والإسلام .
    بعد هذه الجولة السريعة التي كان لا بد منها ، ولا غنًى عنها قبل الانتقال إلى هذا الواقع العربي المؤلم ، وبعد هذه المقدمة التاريخية  الموجزة  ينبغي لنا أن نتوقف قليلاً أو كثيرًا في دمشق ، وفي بغداد ، كي نستخلص العبر  والدروس ، وكي نقدم صورةً أمينة للأوضاع في هذين القطرين ، وتصورًا لما ينبغي أن تكون عليه العلاقة بينهما في هذه المرحلة المفصلية  الحاسمة من تاريخنا العربي الحديث الحافل بالأخطار والتهديدات ، ولنتوقف بعد ذلك في القاهرة ، كي نعيد إلى الأذهان  حكاية مثلث الحضارات العراقية الشامية المصرية ، وحكاية النظام السياسي العربي في المشرق والمغرب ، وكي تقرر بعد ذلك أو قبله أن الوحدة السورية العراقية قد تكون  الرد ، وأن هذه الوحدة قد تكون المقدمة الطبيعية لوحدتهما مع مصر ، وأن هذه الدولة العربية السورية المصرية قد تكون المقدمة الطبيعية  لوحدة عربية شاملة على كل أرض العرب ، ووحدة عربية إسلامية كبرى تعيد الاعتبار إلى هذه الأمة الواحدة في كل ديار العروبة والإسلام ، وتعيد العقل إلى تلك الروؤس التي ما زالت  تحلم بالسيطرة على هذا العالم العربي الإسلامي عن طريق تفتيت المفتّت ، وتجزئة المجزّأ عندما ترى بأم عينها هذه الوحدة العربية الشاملة ، وعندما ترى هذا التوجه الوحدوي في كل هذا العالم العربي الإسلامي ، وعندما ترى كل هذا الإصرار على الوحدة وسيلة للرد على أحلامها في التجزئة والتفتيت ، ووسيلة لتحقيق القوة اللازمة لإحقاق الحقوق في كل ديارالعروبة والإسلام .
   وباختصار ، فإن بإمكان بغداد ودمشق أن تٌسقطا كل حسابات أعدائهما التي راهنت في الماضي ، ولا تزال تٌراهن ، على الخلافات بينهما : بغداد – التي خرجت من حربها مع الغزاة –منتصرة –بإمكانها أن تحمي انتصارها وتصونه وتعززه ، وأن تٌعيد إلى العراق وحدة شعبه ، ووحدة أرضه ، وبإمكانها أن تٌنقذ العراق العربي من مخاطر الاقليمية والتجزئة ، وبإمكانها أن تٌعيد إلى العرب في العراق وفي سوريا كل أمجاد الماضي العريق ، وبإمكان بغداد أن تشد أزر سوريا التي قاومت الغزاة بكل قوتها حتى تحرر العراق من رجسهم وطغيانهم : وبإمكان بغداد أن تقلب الطاولة على رؤوس كافة المراهنين على اجتياح هذا الشرق العربي ، وإقامة مشاريعهم على كل أرض العرب : دمشق اليوم في أمس الحاجة لنصرة بغداد، سوريا اليوم في أمس الحاجة لنصرة الأشقاء في العراق العربي ..سوريا والعراق بإمكانهما أن يحققا الحماية للأرض العربية في العراق وسوريا ، وأن يحققا الحماية للشعب العربي الواحد في العراق وسوريا .. سوريا والعراق بإمكانهما أن يصنعا دولًة قوية ذات خصائص ومزايا ثقافية وحضارية وجغرافية وتاريخية واقتصادية وسياسية وعسكرية ، وهما يصنعان نصرًا مؤزرًا لأمة العرب بدخول مصر العروبة في رحاب هذه الوحدة العربية التي تٌرحب بها شعوب الأمة العربية في كل أقطارها ، وتحميها بسواعدها ، وبكل إمكاناتها المادية والمعنوية .
     وباختصار أيضًا فإن وحدة سوريا والعراق هي أكثر من ضرورية لحماية الحقوق العربية الثابتة في فلسطين ،  وهي أكثر من ضرورية للحفاظ على قضية العرب الأولى والمركزية ، وللحفاظ على الثوابت العربية في فلسطين ، ولوضع كافة المحاولات الوحدوية المصرية العراقية السورية التي شهدتها تلك الفترة من القرن الماضي موضع التنفيذ .
21/12/2011  
 

الأحد، ١٨ كانون الأول ٢٠١١

في اليوم العالمي للمهاجرين..!!

متابعات
في اليوم العالمي للمهاجرين..!!
 
أ‌.       عدنان السمان
 
    لئن قرر المجتمع الدولي اعتبار هذا اليوم الثامن عشر من شهر كانون الأول من كل عام يومًا عالميًّا للمهاجرين والمهجَّرين؛ فما ذلك إلا للتّنبيه على خطورة هذه الظاهرة، والتحذير من آثارها النفسية والاجتماعية والسياسية المدمرة.. في محاولة لمعالجة أسبابها ومسبباتها، وبالتالي وضع الحلول العملية المناسبة لتخليص المجتمعات البشرية من أضرارها ومخاطرها وسلبياتها.
    لقد عرفت المجتمعات والتجمعات البشرية الحروب منذ أقدم العصور، واكتوت بنيرانها، وكانت تلك الحروب سببًا من أسباب التشرد والهروب واللجوء والهجرات الفردية والجماعية.. كما عرفت المجتمعات ظاهرة المحل والقحط وشحّ المياه، وما يترتب على ذلك  من رحلة في الأرض بحثًا عن الكلأ والماء.. وعرفت المجتمعات والتجمعات الأوبئة على مر العصور، وعرفت فيها سببًا من أسباب الهجرة والهروب من مكان إلى مكان طلبًا للنجاة.. ويُضاف إلى هذه الأسباب، وكثير غيرها أسباب منها الكوارث الطبيعية من زلازل، وبراكين، وفيضانات، وعواصف عاتية، وأعاصير مدمرة، ومنها أيضًا الكوارث البيئية، وسطوة الحيوانات الكاسرة.. ومنها ظلم الإنسان للإنسان، وتجارة الرقيق، والرحلة في طلب العلم، أو طلب الرزق، ومنها السياحة الداخلية، والخارجية، والرحلات العلمية، والاستكشافية.. فإذا عجز هؤلاء أو أولئك عن العودة إلى أوطانهم بفعل مرض، أو وباء، أو  حرب، أو نحو ذلك أصبحوا لاجئين مهاجرين، أو تائهين بائسين مهجرين، ثم تحولوا إلى مواطنين أو شبه مواطنين بمرور الزمن، طائعين مختارين، أو مضطرين مجبرين تحت وطأة الحوادث، وضغط الأحداث، ومستلزمات الحصول على الرغيف، ومتطلبات الحياة التي لا بد منها، ولا غنًى عنها!!
    وإذا كانت المجتمعات والتجمعات البشرية الحديثة قد تخلصت من معظم أسباب الهجرة ومسبباتها في الماضي السحيق والوسيط، إلا أن كثيرًا من هذه الأسباب والمسببات ما زال موجودًا وإن اختلفت الأسماء والمسمَّيات والصور والأشكال في هذا البلد أو ذاك، وفي هذه المنطقة أو تلك.
    فالفقر الذي يعصف اليوم بكثير من البلدان، ويفتك بأكثر من  مليار إنسان ما زال سببًا، وأيّ سبب، من أسباب التشرد والهجرة واللجوء، وما زال سببًا رئيسًا من أسباب معاناة البشرية واضطرابها.. ولدى البحث في أسباب هذا الفقر نجد أنه ناجم في معظم الأحوال عن عدوان الأقوياء، واستبدادهم بالضعفاء، ووضع يدهم على مقدّراتهم وثرواتهم وخيرات بلادهم.. وإن تظاهر هؤلاء الأقوياء أحيانًا بالإنسانية ومساعدة بعض الفقراء أو الضعفاء فإن ذلك لا يعني شيئًا، ولا يثبت براءتهم من هذه التهمة الدامغة، والمسئولية عما نحن بصدده، وما كل هذا الإحسان المُفتعل، والتظاهر بالإنسانية أحيانًا إلا نوع مما يمكن تسميته بالعلاقات العامة، وما يمكن تسميته على الأصح بالنفاق السياسي والاجتماعي والخداع والرياء والتمادي في الضحك على الناس، والتمادي في استغفالهم واستغلالهم بهذا الشكل أو ذاك.
    وما يقال في الفقر يقال في القمع  السياسي، والاضطهاد الديني، والعرقي، والاجتماعي، والاستبداد الفئوي في كثير من البلدان، مما يؤدي في النهاية والمحصِّلة إلى الهجرة، إن لم يؤدِّ إلى الموت والتشوهات الجسدية والنفسية، والعيش إلى ما شاء الله في السجون والمعتقلات.. ولا يستطيع أحد إنكار مسئولية أولئك الأقوياء وتلك الدول المتنِّفذة في هذا العالم عن كل هذا الذي يحدث في كثير من أقطار هذا الكون!!
    على أن هنالك سببًا من الصعب تجاهله لهذا اللجوء الذي يحاول الناس اليوم وضع حد له في هذا اليوم العالمي للمهاجرين.. أعني هجرة الأدمغة والعقول من أوطانها إلى عدد محدود جدًّا من الدول القوية المتنِّفذة في هذا العالم لأسباب تعلمها الشعوب، وتعلمها الحكومات، وتعلمها الأدمغة المهاجرة أيضًا.. ولكن لا أحد يعمل من أجل وقفها!! إن الدول القوية معنيَّة باستمرار هذه الهجرة، وإن غالبية الأنظمة في أقطار العالم الثالث معنيّة هي الأخرى بذلك، وإن أصحاب الأدمغة والكفاءات والمهارات هم أيضًا يدركون خطورة ما يفعلون، ولكنهم يريدون أن يعملوا.. ويريدون أن يمارسوا اختصاصاتهم، ويريدون أن يعيشوا حياة لائقة بهم.. ولا يجدون ذلك في بلدانهم، فيضطرون إلى اللجوء، ويضطرون إلى العيش في تلك الدول.. وبذلك تخسرهم أوطانهم، وتخسرهم شعوبهم.. ولا يستفيد من ذلك كله ومن  مضاعفاته وتراكماته، وتفاعلاته إلا أولئك الأقوياء!!
    في اليوم العالمي للمهاجرين لا يسعنا إلا أن نتوجه بالشكر إلى كل الأحرار الغيورين على أمن الشعوب وأمانها واستقرارها وتطورها وخلاصها من السلبيات والعلل والأمراض.. ولا يسعنا إلا أن نشد على كل الأيدي العاملة من أجل خير الشعوب، ونشر العدل والعدالة في الأرض، مطالبين كافة الشعوب بالعمل الجاد من أجل وضع حد للهجرة واللجوء، ومن أجل استصلاح أراضيها، لتأكل مما تزرع، وتلبس مما تصنع..
   وفي هذا اليوم العالمي للمهاجرين نقول: كفى تشردًا، وكفى هجرةً واغترابًا ولجوءًا، وكفى تشتتًا وطوافًا على غير هدًى؛ فلقد آن الأوان لكل لاجئ ومهاجر ومهجَّر أن يعود إلى وطنه، وقد آن الأوان لشريعة العدل أن تسود هذا المجتمع الدولي، ولقوانين الأخلاق أن تنتظم العلائق والعلاقات بين أممه وشعوبه دون استثناء!!
 
(18/12/2010)


السبت، ١٧ كانون الأول ٢٠١١

في اليوم العالمي للطفولة..!!

 
متابعات
في اليوم العالمي للطفولة..!!
 
أ.عدنان السمان
www.samman.co.nr
   لسنا بحاجة في اليوم العالمي للطفولة (الذي يصادف السابع عشر من كانون الأول من كل عام) لمن يذكّرنا بأن الأطفال دون سن الثامنة عشرة في كثير من أقطار هذا العالم يشكّلون أكثر من نصف السكان, وأنهم -مع أمهاتهم- يشكّلون أغلبية مريحة من حقها أن تستأثر بنصيب الأسد من ثروات تلك الأقطار،ومن اهتمام الكبار,والمثقفين,والمفكرين,وأولياء الأمور فيها..ولسنا بحاجة لمن يذكّرنا بأهمية الأطفال في قانون تعاقب الأجيال، وتغيّر الأوضاع والأحوال..ولمن يذكّرنا بأهمية الأطفال في الثورة على ثقافة النوم، والخمول، والكسل، في بلاد السمن والعسل, وإحياء ثقافة اليقظة والنشاط والتفاؤل والأمل وحب العمل في كل ديار العروبة من محيطها إلى خليجها..وبأهمية الأطفال في التقريب ما بين المسافات, واختصار الزمن بين الثقافات والحضارات..وبدورهم في بيان فضائل التحدي, ومنازل الإصرار والتصدي، ولسنا بحاجة لمن يذكرنا أيضًا بأن من حق الأطفال أن يعيشوا بحرية وكرامة ورعاية في كل أقطار هذا العالم.
   لسنا بحاجة لمن يذكرنا بهذا, لأننا نعرفه حق المعرفة, ولأننا نعرف يقينًا أن هؤلاء الأطفال هم الأمة كلها اليوم وغدًا وبعد غد, وأنهم روحها, وجسدها ومعناها,ومبناها,وحقيقة وجودها وقيمتها الفعلية هنا على أرض وطنها, وهنالك بين الأمم والشعوب في هذا العالم..فأي معنًى للأمة بدون أطفالها؟ وأي معنًى لها إذا كان أطفالها مقموعين مضطهدين خائفين أميين مجردين من كافة حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية؟ وأي معنًى لها ولهم إذا كانوا مسلوبي الإرادة, مهزوزي الشخصية, فاقدي الثقة بالنفس, يشبّون على المهانة والكذب والنفاق والخداع, ويشيبون على التبعية والمذلة والفساد والتزوير والتفريط بالأوطان والأديان والإنسان؟ وأي معنًى لأمة يربي كبارُها صغارَها على التنكَّر للفضائل,والقيم,والمبادئ السامية, والأخلاق الحميدة, وعلى عبادة الذات, والكفر بكل ما فيه خير البلاد والعباد, وبكل ما فيه مصلحة هذه الأجيال في حياة حرة عزيزة كريمة في وطن حر عزيز سيد مستقل لا يهادن فسادًا وانحرافًا واستغلالا وتغافلاً, ولا يسالم طاغية معتديًا مستهترًا مستخفًًّا بالناس مستعليًا عليهم مستكبرًا في الأرض,مغتصبًا لحق الناس في الحياة الحرة, ولحقهم في البناء والإعمار والسيادة على أرضهم, ولحقهم في العيش الآمن الكريم في أوطانهم؟
   إن خير ما يمكن أن تفعله الأمة هو أن تحسن تربية أطفالها,وأن تحسن تعليمهم,وأن تحيي في نفوسهم ثقافة العمل والأمل والعزة والكرامة والتضحية والمثابرة والإخلاص..وإن خير ما يمكن أن يقدمه الكبار للصغار مدارس يعيشون فيها أجمل أيام حياتهم, ويحبونها الحب كله..مدارس تلبي احتياجاتهم, وتنمّي شخصياتهم,وتغرس فيهم الولاء والوفاء لثقافتهم, ولغتهم, وأمتهم, وتاريخهم, ومبادئهم, ومعتقداتهم..مدارس تعلمهم الصدق, والأمانة, والإخلاص, والاستقامة, وحب الوطن, والتضحية من أجله, والإخلاص للأمة, والعمل من أجل وحدتها, ونصرتها, وعزتها, والوفاء لقيمها, وتقاليدها, وأعرافها, ومقدساتها..وإن خير ما يمكن أن يقدمه الكبار للصغار مناهج تلبي احتياجات هؤلاء الصغار,وتكفل حقهم في بناء أجسادهم وأرواحهم, وصنع المستقبل اللائق بهم وبالأمة التي ينتمون إليها..مناهج يستوعبها الطلبة,ويفهمونها,وتشهد على ذلك نتائجهم,وشهادات لجان المتابعة المكلفة بالإشراف على المدارس والمناهج من غير العاملين فيها,ومن غير المستفيدين منها..لجان متابعة من المختصين المستقلين المحايدين أصحاب التجربة والخبرة والمهارة..وإن خير ما يمكن أن يقدمه الكبار للصغار رعاية صحية تجنّبهم العلل والأمراض, وتكفل لهم نموًّا جسديًّا ونفسيًّا سليمًا, ورعاية اجتماعية,وتوجيهًا للأمهات, وعناية بهنّ, وبأطفالهنّ, ورعاية اقتصادية, وثقافية, وفكرية, ولُغوية تبني ولا تهدم, تجمع ولا تفرّق, تكتشف المواهب, وتصقلها, وتهذبها, وتكتشف المبدعين والموهوبين وترعاهم!!
   ما أحوجنا إلى كل هذا, وإلى كثير غيره! ما أحوجنا إلى جيل يحترم نفسه, وينشأ على الكرامة والخلق والعزة, ويغتذي لبان العروبة, ويؤمن بوحدة الأرض العربية, وبالدولة العربية, فوق كل أرض العرب, ويؤمن بالعلم والعمل وسيلة لبناء أمة عربية واحدة موحدة متكاملة في سائر أقطارها وأمصارها..ما أحوجنا لجيوش من الأطباء, وجيوش من المهندسين، وجيوش من الصيادلة، والتقنيين، والمثقفين، والمفكرين، والكتّاب، والمؤلفين، والأكاديميين، والمخترعين..وما أحوجنا قبل هذا كله، أو بعد هذا كله للسياسيين المؤمنين بحق أمتهم في الحياة الحرة الكريمة، وبحقها في السيادة والعزة والاستقلال، وبحقها في العيش الآمن الكريم.
   وإذا كنا نحتفل في هذا اليوم السابع عشر من كانون الأول باليوم العالمي للطفولة, فإنه يحسن بنا أن نشير إلى أن الأمم المتحدة قد ضمنت في إعلانها العالمي لحقوق الإنسان كثيرًا من حقوق الطفولة في المساعدة والمساندة والرعاية, بل إن المبادئ المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة قد ضمنت الاعتراف بكرامة أعضاء الأسرة, وبحقوقهم المتساوية, وغير القابلة للتصرف, واعتبرت ذلك أساسًا للحرية والعدالة والسلم في العالم كله. يحسن بنا أن نشير إلى أن الحاجة لتوفير الرعاية الصحية الخاصة للطفل قد ذكرت في إعلان جنيف لحقوق الطفل عام (1934) , وفي إعلان حقوق الطفل الذي اعتمدته الجمعية العامة في الثلاثين من تشرين الثاني من العام (1959) والمعترف به في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
   في اليوم العالمي للطفولة لابد من القول إن الاهتمام بالأطفال هو اهتمام بالوطن والمواطن ومستقبل الأجيال في أوطانها وأقطارها وأمصارها، وإن إهمال الأطفال هو إهمال للوطن والمواطن؛ فمن أراد خيرًا بهذا الوطن, فليبدأ بأطفاله, فهم عدته, وعتاده, وهم بُناته وحُماته، وفي هذا اليوم العالمي للطفولة نطالب بحياة كريمة للطفل العربي, وبحياة كريمة للأسرة العربية, وبالكف عن كل مظاهر الاستهتار والاستخفاف بالمواطن..كما نطالب بسيادة القانون, وبقضاء حر نزيه مستقل لا يحابي ولا يرائي ولا يحني رأسه لكان من كان.. لأنه لا احد فوق القانون!!
وفي هذا اليوم العالمي الطفولة لا بد من القول إن من حق الطفل العربي الفلسطيني أن يحيا حياة حرة سليمة على أرض وطنه فلسطين، ولا بد أن يعيش حياةً آمنة مطمئنة بعيدًا عن كل أسباب الرعب والخوف والجوع والأميّة والتوتر والتشرد، وبعيدًا عن كل أشكال التبعية والضَّياع والفساد والانحراف؛ لأن هذا من أبسط حقوقه، ولأن هذا هو ما يجب أن يقف على رأس اهتمام أبيه وأمه وأولياء الأمور كل في موقعه، وعلى رأس اهتمام كافة شرائح المجتمع ومؤسساته دون أدنى استثناء.
17/12/2011
 
 
 

الاثنين، ١٢ كانون الأول ٢٠١١

الفلسطينيون ليسوا إرهابيين.. إنهم دعاة سلام عادل شريف

متابعات
الفلسطينيون ليسوا إرهابيين.. إنهم دعاة سلام عادل شريف
أ. عدنان السمان
www.samman.co.nr
   يتسابق مرشحو الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة على التفوه بالتصريحات المسيئة للإسلام والمسلمين حينًا، وللفلسطينيين وحقوقهم الثابتة في وطنهم فلسطين حينًا آخر، في محاولة منهم للفوز بمنصب الرئاسة على حساب الجالية المسلمة في الولايات المتحدة، وعلى حساب أمة الإسلام في هذا العالم، وعلى حساب الشعب العربي الفلسطيني وحقوقه الثابتة في بلاده فلسطين، وعلى حساب الحق والحقيقة والقيم والمثل العليا ومبادئ الأخلاق، وكل عبر التاريخ ودروسه، وعلى حساب كل مبادئ الحق والخير والجمال، وحقوق الإنسان في هذا الزمان الذي يشهد أسوأ تحالف بين كل القوى المعادية لكل العرب، ولكل المسلمين، ولكل الفلسطينيين، ولكل قضاياهم العادلة.
   رجل البيتزا الأمريكي هيرمن كين الذي يسعى للحصول على ترشيح الحزب الجمهوري لخوض معركة الرئاسة القادمة يدلي بتصريحاتٍ تقطر عنصرية وتطرفًا وانحيازًا ومخالفةً صريحةً للدستور الأمريكي نفسه، منها أنه سيُصر على إرغام كل مسلم راغب في العمل ضمن إدارته على أداء قسم الولاء للدستور الأمريكي، ومنها أنه لن يشعر بالراحة مطلقًا لوجود مسلم في البيت الأبيض تحت إدارته، أو حتى في منصب قاضٍ فيدرالي، هذا العنصري الذي يضيق المقام هنا عن استعراض أبرز خطوط فكره السياسي الغريب هذا، تُظهر استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة أنه قد بات الشخصية الثالثة في الحزب الجمهوري بعد النائب ميت رومني، والحاكمة السابقة لولاية ألاسكا سارة بالين.. هؤلاء جميعًا يجمع بينهم أنهم يصرون على المجاهرة بالعداوة للإسلام والمسلمين، وبكراهيتهم الشديدة لهذا الإسلام، ولكل المسلمين.
   نيوت غينغريتش رئيس مجلس النواب الأمريكي السابق الذي لم يكن في مرتبة متقدمة كهؤلاء الثلاثة منذ أشهر، كان قد أعلن هو الآخر أنه "يجب أن يكون لدينا قانون فيدرالي ينص على أن الشريعة الإسلامية لن يُعترف بها من جانب أية محكمة في الولايات المتحدة الأمريكية"!! ويعلن بأن الشريعة الإسلامية "تهديد وجودي لاستمرار الحرية في أميركا والعالم، وتنطوي على مبادئ (بغيضة) بالنسبة إلى العالم الغربي"، وهو يرى ضرورة منع الشريعة الإسلامية من التسلل إلى داخل أميركا، ورفض محاولة فرضها على المجتمع الأمريكي، وضرورة إيقاظ الجبهة الأوروبية وتحذيرها من هذه الشريعة، ثم مواجهة الإسلاميين في سبع دول في الشرق الأوسط.. وهو يعلن صراحة أن هذه هي استراتيجيته لمكافحة الإرهاب الإسلامي!!
   سارة بالين دعت في أيلول من العام الماضي المجلس المحلي في نيويورك إلى عدم الموافقة على الطلب الذي قدمته منظمة إسلامية أميركية لبناء مسجد مجاور للموقع المعروف باسم "غراوند زيرو"، وفي زيارتها الأخيرة لإسرائيل في آذار الماضي وقفت عند حائط البراق في القدس معلنةً أن القدس جزء لا يتجزأ من إسرائيل، وأن القدس وكل شبر فيها من حق اليهود.
   المورموني ميت رومني يدعي أن نسبة المسلمين إلى عدد السكان داخل أميركا لا تسمح بتعيين مسلم في إدارته في حال فوزه، ناسيًا أن عدد المسلمين في أميركا هو أكثر من سبعة ملايين مسلم، في حين أن عدد أتباع طائفته "المورونية" لا يتجاوز خمسة ملايين تابع!!.
   واليوم يعود نيوت غينغريتش بعد أن أصبح المرشح الأوفر حظًّا للفوز بترشيح الجمهوريين لانتخابات الرئاسة الأمريكية بعد كل مواقفه المعلنة من الإسلام والإسلاميين، غينغريتش هذا يعود اليوم ليلصق أبشع الصفات بالشعب العربي الفلسطيني، زاعمًا أن الفلسطينيين مجموعة إرهابيين، وأنهم شعب تم اختراعه، نافيًا وجودهم في هذه الديار منذ فجر التاريخ، ومنكرًا أنهم أهل هذه الديار منذ عهد يبوس، وكنعان، ومنكرًا أنهم صُناع حضارة وبُناة أمجاد، وأنهم شعب أصيل تعرف الدنيا كلها مكانته عبر تاريخ هذه المنطقة من العالم، ومن عجب أن غينغريتش يجهل كل هذه الحقائق عن الشعب الفلسطيني رغم أنه قد درس التاريخ دراسة متخصصة، ومن عجب أيضًا أنه قد اتهم هذا الشعب بالإرهاب وهو يعلم أنه الضحية، وأنه قد اعتدي عليه، وشُرد من وطنه، وصودرت ممتلكاته، ولا تزال المحاولات مستمرة للتخلص ممن بقي منزرعًا منه في هذا الوطن رغم كل المضايقات، ورغم كل المحاولات الجارية على قدم وساق منذ عام ثمانية وأربعين لاستئصاله وإخراجه منه... إن كان غينغريتش لا يعلم هذا وهو يحمل شهادة عليا في التاريخ، وإن كان لا يعلم هذا وقد بلغ من العمر ما بلغ فتلك مصيبة، وإن كان يعلم حقيقة هذا الشعب، ويعلم أنه صاحب حق في بلاده فلسطين، ثم يتنكر له، ويتهمه عن قصد وسبق إصرار فإن المصيبة أعظم كما قالوا.. ولهذا المرشح الجمهوري أقول إن الفلسطينيين ليسوا إرهابيين، وإنما هم ضحايا الإرهاب، وإنهم ليسوا شعبًا تم اختراعه، بل إنهم على رأس شعوب هذه المنطقة من العالم منذ فجر التاريخ.. وأقول لهذا المرشح الجمهوري أيضًا إن الفلسطينيين الذين هم جزء لا يتجزأ من أمة العروبة والإسلام، وشعب من شعوب هذه الأمة العظيمة، هؤلاء الفلسطينيون سيحصلون على حقوقهم كاملة في وطنهم فلسطين شاء من شار وأبى من أبى، وإنهم (لمن يجهلهم أو يتجاهلهم) تمامًا كما قلت فيهم من قصيدة مطولة: تاريخُنا يروي بأنا معشرٌ// نُجُبٌ وأهل مودةٍ ومعالِ. فينا السماحة والمروءة والندى// والناس تعرفنا بحسن فعالِ. ومن الممكن أن أرسل هذه القصيدة كاملةً مع الترجمة إلى غينغريتش إن هو أراد.
   هؤلاء هم مرشحو الحزب الجمهوري، وهذه هي تصريحاتهم وأفكارهم وتوجهاتهم التي تقطر عنصرية وعدوانية، وهذا هو الحزب الجمهوري صاحب الأيادي البيضاء على كثير من العرب، وكثير من المسلمين، وهذه هي نواياه، ومخططاته، واستراتيجيته تجاه هذه المنطقة البالغة الحساسية والخطورة، وتجاه كل قضايا العرب والمسلمين، وتجاه قضيتهم الأولى والمركزية قضية فلسطين.. فماذا أنتم فاعلون يا كل العرب، ويا كل المسلمين، ويا كل الفلسطينيين؟ ماذا أنتم فاعلون أيها الفلسطينيون إزاء تصريحات هذه العنصري الذي لا يعترف بحق شعب فلسطين في بلاده فلسطين؟؟
12/12/2011
 

الخميس، ٨ كانون الأول ٢٠١١

في اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. وذكرى حق العودة

متابعات
في اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. وذكرى حق العودة
أ.عدنان السمان
www.samman.co.nr
    يصادف هذا اليوم العاشر من كانون الأول (ديسمبر) ما اصطلح المجتمع  الدولي في أجندته السياسية والاجتماعية والإنسانية على تسميته باليوم العالمي لحقوق الإنسان.. ولعلّ من المناسب جدًّا هنا أن يُشار إلى أن هذا المجتمع الدولي كان موفقًا في اختيار هذا التوقيت قبل يوم واحد من ذكرى القرار (194) الصادر في الحادي عشر من شهرنا هذا، والقاضي بوجوب عودة اللاجئين والمهَّجرين الفلسطينيين الذين أُخرجوا من ديارهم في العام ثمانية وأربعين  وتسعمائة وألف ليبلغ تعدادهم اليوم وبعد أكثر من ثلاثة وستين عامًا على النكبة  ستة ملايين لاجئ ومهجَّر تعيش غالبيتهم العظمى هنا على أرض الوطن، وأقطار الجوار، في محيط لا يتجاوز مداه عن مدنهم وقراهم مئة ميل بلغة الأبعاد والمسافات، ولا يستغرق أكثر من ساعة في حساب الزمن بلغة الدقائق والساعات!!
    في اليوم العالمي لحقوق الإنسان يُنكَّل بالبشرية، وتُذَلّ وتُهان في كثير من الأقطار والأمصار والبلدان.. وفي اليوم العالمي لحقوق الإنسان تطفو على السطح قضايا  اللاجئين والمهجَّرين والأسرى والمعتقلين السياسيين والإداريين.. كما تطفو على هذا السطح الأسود قضايا الهيمنة والاحتلال والاضطهاد، والتمييز العنصري، والفقر، والجوع، والأمية، والمرض، والتخلف، والرق، والاستبداد، والتحكم برقاب الناس، وأرزاقهم، وضرب رقابهم، ومصادرة قرارهم وإرادتهم.. وفي اليوم العالمي لحقوق الإنسان تُحتلُّ كثير من الأوطان، وتُقمع شعوب، وتُضطهد أمم، وتسود الكون، وتنتشر فيه مع الأسف الشديد مجتمعات الأسياد والعبيد!!
    وفي اليوم العالمي لحقوق الإنسان يستبد الفساد بهذا الكون الذي يتكاثر فيه الفاسدون والمفسدون بشكل غير مسبوق.. وتصرخ على لوحات إعلانات الحوادث وكبار الأحداث فيه صورٌ رهيبة تقشعرّ لهولها الأبدان من شتى ألوان الجريمة المنظمة، وتلك العشوائية.. مئات الأعمدة في الصحف اليومية والأسبوعية في هذا العالم تروي آلافَ الحوادث والجرائم والموبقات التي اقتُرفتْ في هذا الكون بحق أطفال ونساء وشيوخ ومرضى وفقراء وضعفاء لا يملكون لأنفسهم ضَرًّا ولا نفعًا.. ومئات العناوين في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية تتحدث يوميًّا عن القتل، والسلب، والنهب، والإحراق، والإغراق، والاغتصاب، وقضايا  التشرد والتمرد والعقوق والجنوح والمخدرات.. وقصص وحكايات لا يكاد يصدّقها العقل عن ألوان من الظلم والاستبداد والقهر والعدوان ما أنزل الله بها من سلطان!!
    وإذا كان المجتمع  الدولي في هذا اليوم يَحتفل بالإنسان وحقوقه، فقد احتفل قبل ذلك بيوم الأسرة العربية، وبيوم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وباليوم العالمي للمعاقين، وباليوم العالمي لإلغاء الرق، وكان قد احتفل قبل ذلك باليوم الدَّولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وباليوم العالمي للطفل، وبيوم التصنيع في إفريقيا!! وسيحتفل بعد ذلك بكثير من المناسبات والعناوين المثيرة التي تشتمل عليها أجندته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية دون أن تحقق البشرية أدنى نفع من هذا كله!! بل إن الرياح قد جرت في تلك الأيام بما لا تشتهي السفن: ففي يوم الأسرة العربية تجري محاولات جادّة لتفكيكها، وإفقارها، ونشر المخدرات بين صفوف أبنائها... وفي يوم التنمية الاقتصادية والاجتماعية سجّلت شعوب هذا العالم مزيدًا من البِطالة والفقر والتناحر والخصام... وفي اليوم العالمي للمعاقين أسمعناهم أحلى الكلام، وأبقينا على أوضاعهم النفسية والاقتصادية والاجتماعية، كما أبقينا على معاناتهم وآلامهم وعذابهم دون أن نفعل شيئًا مذكورًا لتحسين أحوالهم على الرغم من أن الغالبية الساحقة منهم  هي من ضحايا الحروب والاعتداءات، ومن ضحايا التخلف والفقر والفساد، ومن ضحايا البيئة.. وفي هذه الحالات جميعها هم ضحايانا نحن بني البشر المخادعين المراوغين المعتدين.. ومع ذلك لم نفعل شيئًا من أجلهم!! وأغلب الظن أن  نصيب الشعوب المقموعة في هذا اليوم العالمي لحقوق الإنسان لن يكون أفضل من نصيبها فيما سبق من أيام!!
    وإذا كان هذا اليوم العالمي لحقوق الإنسان يأتي متزامنًا مع ذكرى القرار (194) أو بفارق يوم واحد، وإذا كان يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني قد حل محل ذكرى القرار (181) بشأن تقسيم فلسطين والذي صدر في (29/11/1947) قبل اربعة وستين عامًا، وإذا كان هذا القرار قد قضى بتقسيم فلسطين إلى دولتين: يهودية، وعربية؛ فإن يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني في أحسن أحواله سيؤدي إلى وقوف كثير   من الدول إلى جانب الفلسطينيين في إقامة دويلة متواضعة على أقل من  نصف المساحة التي ضمنها القرار (181) هذا إذا وافق الإسرائيليون على ذلك، ولن يوافقوا: فالقدس الموحدة بمساحتها البالغة عشرة بالمئة من مساحة الضفة الغربية هي عاصمتهم الأبدية، واللاجئون الفلسطينيون لن يعودوا بحال من الأحوال، والمستوطنات هي المستوطنات.... وهذا باختصار شديد يعني أن شيئًا مما يريده الفلسطينيون لن يتحقق، وأن شيئًا مما يطالب به المجتمع الدولي أيضًا لن يتحقق، فلماذا كل هذا اللف والدوران؟ ولماذا كل هذه الحركات والتحركات؟ ولماذا كل هذه الأسماء والمسميات والمناسبات التي ما أدت في الماضي، ولن تؤدي في المستقبل إلا لمزيد من الخسارة، ومزيد من التشرد، ومزيد من الخيبة والفشل والتراجع والهوان؟!!
    إن في فلسطين متسعًا لكل من فيها، ولكل أبنائها الذين أُبعدوا عنها قسرًا في عام النكبة، وإن في القدس أيضًا متسعًا لكل من فيها من أبنائها المقيمين، ومن أبنائها الذين أُجبروا على النزوح عنها والخروج منها، ولا زالوا يُجبرون!! وإن دولاً في هذا العالم فيها من السكان أكثر مما في فلسطين التاريخية على الرغم  من أن مساحتها قد تكون  أقل.. فلماذا يختلف الوضع هنا كل هذا الاختلاف؟؟
    إن وضع القرار (194) موضع التنفيذ هو أولاً وقبل كل شيء حق تاريخيٌّ سياسيٌّ فرديٌّ أبديٌّ (لكل فلسطيني) لا يسقط بالتقادم، وهو ثانيًا حقٌّ ضمنه المجتمع الدولي، وهو أيضًا حقٌّ أخلاقيٌّ، وهو حقٌّ إنساني، وهو إلى جانب هذا كله وكثير غيره حق لا يمكن تجاوزه والقفز عنه إذا أُريدَ لهذه القضية الفلسطينية أن تُحَلّ... ومع ذلك فإن وضع هذا القرار موضع التنفيذ، والاعتراف المطلق بحق اللاجئين والمهّجرين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم لا يعني بالضرورة أن يعود هؤلاء جميعًا في يوم وليلة إلى بلادهم، ولكنه يعني أن لهؤلاء الحق في هذه العودة، ومن الممكن أن يعود هذا المواطن أو ذاك اليوم، ثم يعود إلى مكان عمله خارج البلاد،  وقد يعود  بعد ذلك، وقد لا يعود تمامًا مثل كثير من اللبنانيين المنتشرين في كل أرجاء هذا العالم.
     في لبنان قرابة خمسة ملايين لبناني، وفي هذا الكون خمسة وعشرون مليونًا من اللبنانيين.. هؤلاء جميعًا لهم كل الحق في أن يعودوا إلى وطنهم في أي وقت، ولكنهم لا يعودون لأسباب متعلقة بهم، وليس لأن القانون في لبنان يمنعهم من ذلك!! فهل مثل هذا المثال من شأنه أن يُقنع هؤلاء الذين يريدونها دولة يهودية نقية بخطأ رأيهم؟ وهل مثل هذا الحديث الصريح الواضح من شأنه أن يبدد المخاوف والهواجس التي قد تنأى بأصحابها عن الامتثال لمبادئ الحق والعدل والعدالة؟ وهل في مثل هذا العرض حافز للمتطرفين المتعصبين للتخلي عن التطرف والتعصب والمغالاة ونظرة الاستكبار والاستعلاء على الآخرين، ولا سيما إن كانوا أصحاب الحق المبين الذي لا حلّ لكل قضايا المنطقة بدون رضاهم واقتناعهم وموافقتهم بعد حصولهم على حقوقهم التاريخية والوطنية والإنسانية في بلادهم فلسطين؟؟       
    أليس من الضروري جدًّا في هذا اليوم العالمي لحقوق الإنسان أن يعمل الناس جميعًا في هذا الكون من أجل احترام  إنسانية الإنسان، ومن أجل حصول البشر جميعًا على حقوقهم كاملة غير منقوصة، ليُصار بعد ذلك لبناء مجتمع إنساني متحضر متطور متعاون متسامح ترفرف عليه رايات السلام العادل الشريف، ولا مكان فيه لجائع أو خائف أو مضطهد أو مظلوم؟؟ نرجو ذلك!!
(9/12/2010)

الاثنين، ٥ كانون الأول ٢٠١١

في يوم الأسرة العربية:الشعب يريد إغلاق ملف الأسرى!!

متابعات
في يوم الأسرة العربية:الشعب يريد إغلاق ملف الأسرى!!
أ.عدنان السمان
www.samman.co.nr
   لئن كان للناس أفرادًا وقبائل وشعوبًا في هذا العالم طلباتهم ومطالبهم،ولئن كان للعرب أيضًا طلباتهم ومطالبهم التي قد تعجز الأقلام عن حصرها، والإحاطة بها، فإن للفلسطينيين (بصفتهم عربًا، وبصفتهم جزءًا من هؤلاء الناس الذين يعج بهم هذا الكون) طلباتٍ ومطالب أعدّ منها ولا أعددها!! طلبات ومطالب منها وعلى رأسها حلمهم في العيش الآمن الكريم، وقد تحققت الآمال والأمنيات والتمنيات في عودة حقوقهم، وعودة فردوسهم السليب.. ومنها وعلى رأسها عودة لاجئي هذا الشعب ومهجريه إلى ديارهم، ومنها وعلى رأسها ضمان حقه المشروع في سعادة الأسرة واستقرارها، ومنها وعلى رأسها عودة هذا الشعب إلى سابق عهده في الحياة الحرة الكريمة الآمنة، عندما كان شعبًا واحدًا موحدًا في فكره ومعتقده وتوجهاته وأنماط معيشته التي تغلب عليها البساطة والطيبة والمودة والإخاء والشهامة والإباء ورفض المذلة والهوان، وعندما كان جزءًا لا يتجزأ من أمة واحدة موحدةٍ لا فرق فيها بين مواطن ومواطن، ولا فرق فيها بين أحمر وأبيض وأصفر، ولا فرق فيها بين إنسان وإنسان بصرف النظر عن لونه وشكله ولسانه وثقافته ومعتقداته الخاصة به ما دام مخلصًا للدولة التي يعيش في رحابها، وللأمة التي يعيش في كنفها، وللوطن الذي يؤويه، والنظام الذي يحميه، والإسلام العظيم الذي يصون كرامته، ويضمن له كامل حقوقه في حياة حرة آمنة كريمة، وعيشٍ رغيد آمن كريم.
   ولئن كان للفلسطينيين كل هذه الطلبات والمطالب التي قد يرى فيها الرائي كثيرًا من المبالغة، وكثيرًا من الإسراف والتهويل، وكثيرًا من الإصرار المغلف طورًا بالشكوى، وطورًا بالبكاء والأنين، وطورًا بالبندقية والحجر والسكين، وأطوارًا أخرى بالعناد والتصلب ونفاد الصبر والتطرف في التفكير والتدبير والتعبير، فليس مرد ذلك إلى طبيعةٍ في الفلسطيني تختلف عن طبيعة غيره من الناس، وليس مرد ذلك إلى مطامع، أو معتقدات أو انحرافات، أو ميول عدوانية رُكِّبت فيه دون سواه من الناس، وإنما لأسبابٍ على رأسها أنه استُهدف في وطنه الذي جرده منه الآخرون، وفي عيشه في هذا الوطن الذي أصبح فيه غريب الوجه واليد واللسان لا يملك من أمر نفسه شيئًا، وأنه اقتلع من هذا الوطن، وهُجّر منه، وأرغم على العيش بعيدًا عنه، محرومًا من العودة إليه، بل محرومًا من مجرد زيارته دون عباد الله!! هذه الأوضاع الغريبة الشاذة التي يحياها الفلسطينيون منذ عقود، وهذا الظلم التاريخي الصارخ الذي حل بمقيمهم وظاعنهم، وهذه النكبات المتلاحقة التي عصفت بأجيالهم المتعاقبة هنا على أرض الوطن، وهناك في المنافي والفيافي وديار الغربة والتشرد واللجوء هي التي جعلت من حياة هؤلاء الناس جحيمًا لا يطاق، وهي التي ضربت الأسرة العربية الفلسطينية، وقلبت حياتها رأسًا على عقب، وهي التي جعلت الفلسطينيين على هذه الصورة التي قد يراها الرائي فيستغرب ما يرى، وقد يستغرب ما يسمع، وقد يظن أن مطالب هؤلاء الناس كثيرةٌ مبالَغ فيها لا تقف عند حد!! ولو كان هذا الرائي منصفًا، ولو كان مطلعًا على الحقائق، ولو كان على علم بشيء من المآسي التي حلت بهذا الشعب، ولو جرب يومًا بعض ما حل بهذا الشعب من ظلم وتنكيل وتقتيل وتهجير وتدمير، ولو كان يعلم أن مليونًا من أبناء هذا الشعب الصغير المسالم المستهدَف في أرضه وممتلكاته ووجوده قد تعرضوا لتجربة الاعتقال والسجن والمضايقة والتجويع منذ احتلال عام سبعةٍ وستين فقط، ولو كان يعلم أن الآلاف من أبناء هذا الشعب الصغير المسالم الأعزل بأطفاله وشيوخه ونسائه ومرضاه لا يزالون يقبعون في السجون والمعتقلات ومراكز التوقيف والتحقيق دون ذنب اقترفوه، ولو كان يعلم أن معظم البيوت في هذه الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة تعيش الألم والأسى والتمزق والعذاب لوجود واحدٍ من أبنائها، وربما اثنين، أو ثلاثة، أو أكثر من ذلك أو أقل في السجون والمعتقلات!! وعندما نقول هذا فإننا نعني الاعتقال السياسي لا الجنائي، وإنما نعني الاعتقال الإداري الذي ما أنزل الله به من سلطان!! وإنما نعني التحكم بالناس، والضغط عليهم لإجبارهم على تغيير أفكارهم ومعتقداتهم بالقوة والإكراه والسجن والتعذيب، ولإرغامهم على التنازل قسرًا عن مكونات شخصيتهم، وعلى التنازل قسرًا عن مقومات وجودهم، وعلى التنازل قسرًا عن كثيرٍ من حقوقهم وثوابتهم للغرباء الطامعين فينا المجترئين علينا الذين يتربصون بنا الدوائر!!
   لو علم هؤلاء مقدار ما يعانيه أبٌ من شوق وحنين إلى بيته وأسرته، ولو علم هؤلاء مقدار ما يعانيه الأبناء الذين لم يرَوا آباءهم أو إخوانهم منذ عقود، ولو علم هؤلاء مقدار ما تعانيه الأسرة العربية الفلسطينية، والمجتمع العربي الفلسطيني، من أسًى وألم وحزن وتمزق وشوق وحنين ودموع وعذاب لما أساءوا الظن بهذا الشعب، ولما ظلموه وتحاملوا عليه، ولما اتهموه بأنه شعب شكّاء بكّاء يبالغ في تصوير واقعه، ويبالغ في مطالبه وطلباته، ويبالغ في التنكيد على الآخرين والأخريات، وفي تنغيص عيشهم!! ولو علم هؤلاء مقدار ما يعانيه أسرانا في سجونهم ومعتقلاتهم من عذاب وحرمان وتوقٍ إلى الحرية لوقفوا جميعًا إلى جانبهم، ولعملوا جميعًا من أجل الإفراج عنهم، ولعملوا جميعًا من أجل خروجهم من هذه السجون والمعتقلات إلى بيوتهم، وإلى أسرهم التي طال انتظارها لعودتهم، وطال تلهفها وشوقها للقائهم والعيش معهم مثل كل الناس في هذا العالم!! ولو كان مَن يعنيهم الأمر من الفلسطينيين يقدرون حقيقة هذا الواقع المأساوي الذي يعيشه الأسرى، وتعيشه أسرهم وعائلاتهم لاشترطوا الإفراج عنهم أولاً كشرطٍ مسبق لأية خطوة قد يعتبرونها الخطوة الأولى على طريق البحث عن حل لهذه القضية التي طال عليها الزمن!!
   في يوم الأسرة العربية نقول: إذا كانت الشعوب في هذه المنطقة العربية ترفع صوتها اليوم مطالبةً بالحرية، ومطالبةً بالعدل والعدالة الاجتماعية، ومطالبة بالتطوير والتقدم والتحديث والإصلاح والتغيير، فإن شعبنا العربي الفلسطيني في هذه الديار يريد إغلاق ملف الأسرى، ويريد وضع حد لهذا الفصل اللاأخلاقي واللاإنساني واللاقانوني الذي يعصف بحياة الناس في هذه الديار منذ أمدٍ بعيد.. شعبنا العربي الفلسطيني الذي يغني للحرية والتحرر والحياة الحرة الكريمة منذ عقود يهتف اليوم بملء فيه: الشعب يريد إغلاق ملف الأسرى!! فهل من مجيب؟ هل من يَسمع؟ هل هنالك من يلبي النداء؟ هل هناك من يستمع إلى صراخ هذا الشعب الذي لا يطالب اليوم إلا بما يمكن تحقيقه، لأنه من أبسط حقوق الناس في هذه الديار؟ وهل من حقنا بعد ذلك كله، أو قبل ذلك كله أن نتفاءل ونقول إن يوم الإفراج عن الأسرى قد بات قريبًا، وإن الشعب الذي قرر إغلاق ملف الأسرى لن يتراجع عن موقفه، ولن يتراجع عن هذا القرار؟
   وفي يوم الأسرة العربية الذي يصادف هذا اليوم السابع من شهرنا هذا، في وطننا هذا، في بلدنا هذا نقول: لقد آن الأوان لهذه الأسرة العربية في هذه الديار، وفي كل ديار العروبة، أن تعيش بأمنٍ وأمان ورِفاء وازدهار، وأن يُلغى من قاموسها كل أشكال التحكم والتدخل والاستبداد، وكل ألوان الاعتقال السياسي والإداري الذي ما أنزل الله به من سلطان.. فهل هذا كثير؟
5/12/2011

الخميس، ١ كانون الأول ٢٠١١

في اليومين العالميين للمعاقين وإلغاء الرق!!

متابعات
في اليومين العالميين للمعاقين وإلغاء الرق!!
                          أ.عدنان السمان
        لئن قرر المجتمع الدولي أن يكون اليوم الثاني من هذا الشهر الثاني عشر من كل عام يومًا مخصَّصًا ومكرّسًا لإلغاء الرقّ، وتحرير الرقيق في هذا العالم، فإن هذه الأمة العربية الإسلامية التي تعتبر بدورها جزءًا لا يتجزأ من هذا المجتمع الدولي، قد مارست ذلك بمختلف الوسائل والسبل، وأنها قد تصدت لهذه الظاهرة منذ فجر الإسلام، حين أصرت الشريعة الإسلامية على تحرير الرقيق كلما كان ذلك ممكنًا، على أن تراعى في ذلك دائمًا مصلحة هذا "العبد المملوك" وعلى أن تراعى أيضًا ظروفه وأحواله، وأن تؤخذ في الاعتبار مقدرته على الاستقلال بشأنه الخاص؛ فإن كان مسنًّا مريضًا عاجزًا عن تدبير أموره، وتوفير متطلبات معيشته، وإن كان البقاء في كنف ذلك السيد (الذي جمعت بينه وبين مملوكه أخوةُ الإسلام) ولو مؤقتًا هو في صالح هذا "العبد" فلا بأس من استمرار الحال على ما هي عليه إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولاً، ويكفي أن يشار هنا إلى أنه يترتب على السيد أن يعامل هذا "العبد" معاملة حسنة تليق بإنسانيته وآدميته، وأنه يترتب عليه أن يطعمه مما يأكل، وأن يلبسه مما يلبس، وأن لا يكلفه من الأعمال فوق ما يطيق، وأن لا يحول بينه وبين حريته إذا هو طلبها وأصرّ عليها.. صحيح أن هذه الشريعة لم تحرم الرق، ولم تحرر الرقيق في نص صريح مباشَر، وكل ما فعلته –كما يقولون- أنها فتحت الآفاق أمام المجتمع للتخلص من هذه الظاهرة بالتدريج، ومع مرور الوقت، وأنها قد شجعت الناس وحثتهم على التخلص منها، وإن كانت قد أبقت عليها في بعض الأحيان للأسباب التي قد مرّ ذكرها.
        ومما لا شك فيه أن هذه الأمة، وأن هذه الشريعة قد حرصت كل الحرص على كرامة الإنسان، وعلى صيانة حقوقه واحترامها، وأن الإسلام لم يفرق بين الناس من حيث اللون والجنس والدين والمعتقد والوضع الاجتماعي والاقتصادي، وأنه لم يفرق بين "سيد" و "عبد"، وحاكم ومحكوم، ورئيس ومرءوس، إذ كثيرًا ما حضر خليفة الإسلام إلى مجلس القضاء، للنظر في قضية رُفعت ضده، وكثيرًا ما كان حكم القاضي النزيه لصالح المواطن ضد رأس الدولة، وضد كثيرٍ من أركانها، دون محاباة، ودون التفاف على القانون، ودون انحياز لصالح المنصب والسلطان!! كل هذا، وكثير كثير غيره، يؤكد بما لا يدع أدنى مجال للشك على أن هذه الأمة كانت السباقة لبناء المجتمع الإنساني السليم المعافى العامل القائم على أسس العدل والعدالة والمحبة والتسامح والمساواة بين جميع فئاته، وجميع مستوياته، وجميع ألوانه وأطيافه وأديانه وأعراقه.. لا فرق بين كبير وصغير، وغني وفقير، وطويل وقصير، وأبيض وأسود، وأحمر وأصفر، إلاّ بالتقوى، وإلا بالعمل الصالح، وإلا بما يقدم هذا أو ذاك من خدمة للناس؛ فأحب الناس إلى الله أنفعهم لعباده.
ولئن قرر المجتمع الدولي أيضًا أن يكون اليوم الثالث من هذا الشهر الثاني عشر من كل عام يومًا لإنصاف المعاقين، والاهتمام بهم، وتلبية طلباتهم، واحتياجاتهم، فإن هذه الأمة التي جبلت على التعاطف، والمواساة، والشعور مع المصابين، وعيادة المرضى والمنكوبين، وحب الخير للآخرين، قد ضربت المثل الأعلى في القيام بهذا الواجب المقدس تجاه كل المعاقين من أبنائها، وبناتها، وما أكثر هؤلاء المعاقين! وما أكثر هذه الإعاقات، وما أشد وطأتها على النفس والشعور والوجدان! وما أشد حاجتنا للعمل من أجل هؤلاء المعاقين الذين هم جزء لا يتجزأ من هذه المجتمعات البشرية التي يفترض أن تعمل من أجل سعادة أبنائها، ومن أجل هنائهم، وطيب عيشهم ورِفائهم.
ولعل من هؤلاء المعاقين من يولد معاقًا، ولعل منهم المعاق حركيًّا، أو سمعيًّا، أو بصريًّا، أو عقليًّا.. ولعل منهم من كانت إعاقته ناجمة عن مرض ألمّ به، أو حادث سير تعرض له.. ولعل منهم من نجمت إعاقته عن إصابة أو اعتداء همجي أفقده بصره، أو يده، أو رجله، أو رجليه كلتيهما، أو اعتداء وحشي أصابه بالشلل الجزئي، أو النصفي، أو الكلي.. وها نحن في مجتمعنا هذا نشهد آلافًا من هذه الحالات التي أصيب فيها شباب في عمر الورود بهذه الإعاقات.. وسواء كانت الإعاقة طبيعية ولدت مع المعاق عندما رأت عيناه النور، وعند بداية عهده بالحياة إن لم تتمكن عيناه من رؤية النور، أو كانت بفعل فاعل، أو لهذا السبب أو ذاك؛ فإن المجتمع الإسلامي قد حرص منذ أقدم العصور على علاج هؤلاء المعاقين علاجًا جسديًّا ونفسيًّا، عندما كان هذا المجتمع في يومٍ من الأيام أكثر مجتمعات العالم تقدمًا وتطورًا، وأكثرها سبقًا في ميادين الطب وغير الطب، وأكثرها رأفةً بالإنسان، وحرصًا على حياته ومشاعره وكرامته، وعندما كان الإحسان إلى الناس أصحائهم ومعاقيهم من أفضل الأعمال التي يتقرب بها صاحبها من الله.. وعندما كان هذا المجتمع أيضًا أكثر مجتمعات الأرض رفقًا بالحيوان، وأشدها حرصًا على راحته وسلامته، وأكثر مجتمعات الأرض رفقًا بالشجر والزرع، وحرصًا على الطبيعة وجمالها... نعم لقد حرص المجتمع الإسلامي، وحرصت شريعة الإسلام على هذا كله، وعلى كثير غيره مذ كانت هذه الشريعة، ومذ كان هذا المجتمع، والأمر ليس بحاجة لضرب الأمثلة، والإتيان بالشواهد، فكل ذلك من الأمور المعروفة في تاريخ هذه الأمة، ومن الأمور التي يشهد بها العدو قبل الصديق.
بقي أن نقول في اليوم العالمي لإلغاء الرقّ الذي يصادف اليوم الثاني من هذا الشهر، وفي اليوم العالمي للمعاقين الذي يصادف اليوم الثالث منه: إن على هؤلاء الذين ما زالوا يتجرون بالرقيق الأسود والأبيض، والذين ما زالوا يتاجرون بالشعوب ويسترقّونها وينهبون ثرواتها ومقدَّراتها ويقصفونها بوابل من حمم الموت والدمار والإبادة في كثير من أقطارها، ويتسببون في إعاقات ومصائب لا تعد ولا تحصى لشيبها وشبابها أن يتعلموا من تاريخ الإسلام، وثقافته، وعدالته، وتسامحه، وحرصه على سعادة البشرية وأمنها وأمانها، وأن يتعلموا من مبادئ الإسلام وتعاليمه كيف تكون الحياة، وتصان الحريات والكرامات، وتلغى العبودية، وتصان كرامة المعاق وحقوقه.
1/12/2011