عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


الاثنين، ٢٨ آذار ٢٠١١

أيها السوريون.. حذارِ من الفتنة!!

متابعات    

         أيها السوريون.. حذارِ من الفتنة!!             

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

    حذارِ من الفتنة أيها السوريون.. حذارِ من الانسياق وراء الضالين المضلين.. حذارِ من الاقتتال.. حذارِ من التصدعات والانقسامات.. حذارِ من الانقياد لأهواء هؤلاء الذين يحلمون منذ عقود بضرب سوريا العروبة، وبضرب سوريا الإسلام، وبضرب سوريا الحرية والتحرر والإباء والحرص على أمة العرب فوق كل أرض العرب.. حذارِ من الفتنة أيها السوريون.. حذارِ من الاستماع لهلوسات المندسين، ووسوسات الأعداء الذين لا يضمرون خيرًا لهذا القطر العربي السوري، ولهذا القطر العربي اللبناني، ولهذا القطر العربي الفلسطيني، ولهذه الأمة العربية الواحدة الموحدة فوق كل الأرض العربية من المحيط إلى الخليج.

   أيها السوريون! تعلمون أن الظرف عصيب، وأن الموقف جدّ رهيب، وأن الطامعين الذين يريدون فرض سيطرتهم على سوريا كُثْر، وأن الحاقدين على سوريا العروبة، ومَن وراءهم من دول البغي والعدوان، لا يمكن أن يهدأ لهم بال ما دامت سوريا العروبة بخير، وما دامت سوريا العروبة واقفة على قدميها تحارب وحدها التتار، وتحارب وحدها الغزاة الطامعين، وتحارب وحدها هؤلاء المخططين الحالمين بالسيطرة على كل ديار العروبة، وتحارب وحدها كل ألوان العنصرية والفئوية والطائفية، وكل أشكال التبعية والولاء لهذا التدخل الغربي، ولهذا الاستعمار الغربي بشقيه الأمريكي والأوروبي الذي استعبد كثيرًا من الناس في هذه الديار، وفي غير هذه الديار من بلاد العروبة والإسلام، واشترى كثيرًا من الناس بأمواله التي يتقاسمها مع أعوانه وأتباعه ممن فرضوا أنفسهم على هذه الأمة، وممن اصطنعهم الأعداء وفرضوهم عليها، فالأمر سِيّان.

   أيها السوريون! في هذه الأيام التي يفجّر فيها كثير من العرب ثوراتهم المجيدة ضد الطغاة والمنحرفين أعداء الشعوب من المتحالفين مع أعداء أمة العرب، وفي هذه الأيام التي يحرز فيها كثير من شعوب هذه الأمة مزيدًا من الانتصارات على أولئك الطغاة المنحرفين الفاسدين، وفي هذه الأيام التي تمكنت فيها أمة العرب من تصحيح الأوضاع في أكثر من قطر من أقطار العروبة، ولا تزال تخوض معارك ضارية ضد كثير من الطغاة المتحالفين مع أعداء أمة العرب، وبعد أن أفاق هؤلاء الأعداء من هول الصدمة التي زلزلت الأرض تحت أقدامهم في تونس، وعلى أرض الكنانة قرروا الانحراف بهذه الثورات العربية المجيدة عن أهدافها، وقرروا اللجوء إلى خلط الأوراق، واللجوء المكثف لتصعيد الثورة المضادة في بعض الأقطار المحررة، وخلق الفتنة والوقيعة بين الناس في محاولة منهم لإحباط ثورات العرب، والانحراف بها عن غاياتها وأهدافها، كما قرروا استهداف قطر عربي بعينه يعتبرونه مسئولاً عن كثير مما جرى، ويعتبرونه مسئولاً عن كثير مما يجري على أرض العرب من ثورة، ومن تمرد على المخططات الغربية للسيطرة على أرض العرب، ويعتبرونه مسئولاً عن بناء هذا التحالف الجديد الذي يتصدى لمخططاتهم، ويقدّم كل عون ممكن، وكل حماية ممكنة، لكافة حركات التحرر والممانعة والثبات على الحق، والوفاء للمبادئ والثوابت التي آمن بها كثير من العرب في أزمنة الردة والتراجع والعار التي يحياها كثير من العرب، وتحياها كثير من أقطارهم، وتروج لها كثير من أنظمتهم، وكيانات المسخ التي اصطنعها لهم الأعداء، وتدين بها كثير من مؤسساتهم وقياداتهم وأجهزة إعلامهم، ووسائل ذلك الإعلام المفضوح.. ذلكم القطر المستهدف هو قطركم العربي السوري.

    يا أيها السوريون في القطر العربي السوري! إن أعداء سوريا، وأعداء أمة العرب كافة قد قرروا العبث بسوريا، وقرروا ضرب الوحدة الوطنية للشعب العربي السوري، وقرروا ضرب مكتسبات شعب سوريا وإنجازاته، وقرروا توجيه أقسى الضربات لثبات سوريا وإصرارها على حماية استقلالها وحريتها، وإصرار سوريا على مد يد العون لكل أشقائها العرب في كل مكان.. لقد أزعجتهم سوريا دون شك في لبنان وغير لبنان، وأزعجهم دور سوريا دون شك في إيران، وأزعجهم دور سوريا أيضًا في تركيا، وأزعجتهم سياسة سوريا العربية، وممارساتها العروبية مذ كان هذا القطر العربي السوري، ومذ كانت سوريا الحديثة.. وعليه فقد حرّكوا كثيرًا من خلاياهم النائمة، وأصدروا إليها التعليمات بضرورة التحرك، وبضرورة الاحتجاج، وبضرورة التظاهر، وبضرورة إلحاق الأذى بالناس وبالممتلكات الخاصة والعامة لإحراج النظام، ودفعه للرد كي تكون هنالك الأسباب والمسوغات لهذا الغرب كي يتدخل، وكي يوجه الضربات لسوريا التي يحلم منذ أمد طويل بإذلالها، وفرض وصايته عليها، وتجريدها من عزتها القومية، ومشاعرها العربية، وانتصارها لكل أبناء العروبة وأحباب العروبة والمؤمنين بالعروبة في كافة أقطار العرب، وعلى كل أرض العرب، وتحويلها إلى محمية لهذا الغرب، ومحمية لكل أعداء هذه الأمة يفعلون بها ما يريدون، ويفعلون بكل العروبيين والأحرار في كل هذه الديار السورية الواحدة الموحدة ما يشاءون.

    يا أيها السوريون في القطر العربي السوري، وفي هذا العالم أجمع! إن المؤامرة الرهيبة التي تستهدف سوريا الآن ليست وليدة المصادفة، وإنما هي ذات جذور تاريخية تعود إلى هذا الموقف السوري الواضح من كافة المخططات المعادية، والممارسات المعادية، والتحالفات المعادية التي تستهدف هذه الديار العربية السورية، وتستهدف كافة أقطار العروبة دون استثناء.. ولئن فشل هؤلاء الأعداء في تركيع سوريا، ولئن فشلوا في ثني سوريا عن أهدافها المعلنة في الدفاع عن عزتها واستقلالها ووحدة أرضها، وفي الدفاع عن كل الأرض العربية بشتى الوسائل والطرق، ولئن فشلوا على امتداد العقود الماضية في إطفاء شعلة الحرية ومشعل التحرر والعروبة في سوريا، وإخماد جذوة الكفاح ضد الاستعمار وأعوان الاستعمار في كل هذه الديار؛ فقد رأوا في هذه الأيام (التي تخوض فيها أمة العرب معارك ضارية ضد الطغاة المتحالفين مع أعدائها من شرار أبنائها) فرصتهم الذهبية التي لا تعوض للانقضاض على سوريا، وذلك بتحريك عناصرهم وخلاياهم هناك، وإصدار التعليمات والأوامر كي يعيثوا فسادًا فيها، وكي ينشروا القتل والخراب والدمار، وكي يروعوا الناس، ويعملوا من أجل هدم وحدة شعبنا العربي في سوريا، ومن أجل هدم هذه الوحدة الوطنية في سوريا، ومن أجل هدم دولة المبادئ والثوابت والمثُل العربية الأصيلة، ومن أجل إلحاق سوريا بمجموعة الأقطار التي تسير في فلك الاستعمار والتبعية للغرب، ولكل أعداء العروبة والإسلام.

    يا أيها السوريون الأباة! إن دوركم التاريخي اليوم يتطلب منكم كثيرًا من الوعي والحكمة، وكثيرًا من الالتفاف حول مسيرة الإصلاح في بلدكم، وكثيرًا من اليقظة لتفويت الفرصة على كل هؤلاء المتآمرين المتربصين بسوريا، وكثيرًا من الإصرار على حماية البلد من شرور هؤلاء اللئام، ورد كيدهم إلى نحرهم، وتخليص سوريا العروبة والإسلام من أهدافهم الخبيثة.. ومما لا شك فيه أن لكم مطالب عادلة، وأن لكم حقوقًا على الدولة يجب أن تؤدّى كم، وأن كل مطالبكم العادلة هذه، وكل حقوقكم هي في طريقها إليكم.. إن الله مع الصابرين.. وثقوا أن كل هؤلاء الحاقدين المندسين المتآمرين لن يتمكنوا من النيل منكم، ولن ينالوا من سوريا، ولن ينالوا من وحدة سوريا أرضًا وشعبًا، ولن ينالوا من ثوابت سوريا، وسياسة سوريا، وطموحات سوريا وتطلعاتها، وأهدافها المعلَنة، ولن ينالوا من دمشق التي سترد كيدهم إلى نحرهم، وستكيل لهم الصاع ألف صاع.

    أيها السوريون! حذارِ من الفتنة، حذارِ من الاقتتال، حذارِ من هذه الحرب الأهلية التي يُراد لكم أن تنزلقوا إليها، وثقوا أن بإمكانكم أن تنتصروا على كل دسائس هؤلاء وأولئك بمزيد من التكاتف والتماسك والتضامن، ومزيد من الوعي والعمل والثبات في وجه هذه الفوضى التي افتعلها هؤلاء في قطرنا العربي السوري.. فمزيدًا من اليقظة التي نحاصر بها هؤلاء المندسين، ومزيدًا من الحب والولاء لهذه الأرض العربية التي أحبتنا وأحببناها مذ كانت وكنا، ومزيدًا من الالتفاف حول الثوابت، ومزيدًا من الوفاء لسوريا العروبة صانعة تاريخ العرب الحديث، وصانعة أمجاد العرب، وحامية حِمى المبادئ العربية، والثوابت العربية نصيرة لبنان وفلسطين، قلب العروبة النابض، وحِصنها الحصين.

28/3/2011


السبت، ٢٦ آذار ٢٠١١

سأظل أكتب لك.. وحدك!!

متابعات

سأظل أكتب لك.. وحدك!!

 

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

    عندما يقرر هؤلاء وأولئك تكميم الأفواه، وعندما يصارُ إلى إلغاء الوجود العربي فوق هذه الأرض التي تشهد كل هذا الصراع بين كثير من الأطراف، وكثير من القِوى والتيارات والاتجاهات والتوجهات والأحلاف.. وعندما يفرض هؤلاء وأولئك مزيدًا من قيودهم على حرية القول والتفكير والتعبير ، ومزيدًا من قيودهم على مفكري هذا البلد، وعلى صحافييه وكتّابه وإعلامييه وعلى صحافته ومطبوعاته المؤممة التابعة لأكثر من جهة، الخاضعة لأكثر من معلم ومعلمة.. وعندما يعتقد هؤلاء وأولئك أن أسلوب الكذب، والدجل، والتزوير، والتعهير، وقلب الحقائق، وبيع المراجل، وأكل الجوز الفارغ، وقلب الأمور في البلد رؤوسًا على أعقاب هو السبيل الأمثل لتحقيق أهدافهم في ممارسة لعبتهم المكشوفة التي فهمها الكبار، وفهمها الصغار في هذه الديار، وفي غير هذه الديار، وهو السبيل الأقوم لزرع اليأس في قلوب المؤمنين بحرية الكلمة، وبحرية أوطانهم وعروبة بلدانهم، وعزة إنسانهم، وهو الوسيلة لكسر كثير من الأقلام "الجامحة" التي لم تستوعب طبيعة المرحلة، ولم تفهم القيم الجديدة، والمثل الجديدة، والتوجهات الجديدة، والتعليمات الجديدة التي تتطلبها طبيعة العمل الجديد، والحياة الجديدة التي بشّر بها من بشّر من فلاسفة الحلول الحضارية للمشكلات المعقدة التي خلقها المتطرفون ضيقو الأفق، محدودو التفكير، بعد عقود من العمل كان فيها فلاسفة هذه الحلول الحضارية فلاسفة السلاح الذي أعزوا به من شاءوا، وأذلوا به من شاءوا في سالف الأزمان.. عندما يحدث كل هذا في بلد ما، أو مجتمع ما، أو وطن من الأوطان، فاعلم أنها الطامة الكبرى، واعلم أنها الداهية الشؤمى التي تهدد ذلك الوطن، وجميع عباد الله الصالحين وغير الصالحين في ذلك الوطن بالويل والثبور وعظائم الأمور، واعلم أن النهاية قد اقتربت، وأن ذلك الوطن قد أضحى على شفير الهاوية، وأنه قاب قوسين أو أدنى من الزلزال..

    وعندما يريد هؤلاء وأولئك أن يحاصروا الناس، وأن يحاصروا الأفكار، وأن يحاصروا الأحلام، وأن يحاصروا التطلعات التي كبرنا معها، وكبرت معنا، وتوارثناها جيلاً بعد جيل، وجرت سعيرًا هادرًا، وشواظًا لاهبًا في دمانا.. فاعلم أن الناس هم الذين يحاصرون هؤلاء وأولئك، واعلم أن الناس أقوى من كل هؤلاء وأولئك، واعلم أن الأفكار التي يريدون محاصرتها هي التي تحاصرهم، وهي التي تعرف طريقها دائمًا إلى عقول الناس وقلوبهم، وهي التي تنير لهم الدرب، وتضيء لهم الطريق، وهي زاد العاملين المخلصين الصابرين على مر العصور، وتعاقب الأزمان والدهور.. واعلم أن الأحلام تحاصِر، ولا تحاصَر، وأن التطلعات والتمنيات أقوى من الحصار، وأقوى من الإعصار، وأقوى من الطوفان الذي يريدون به إغراقَ هذه الأوطان، وإنسانَ هذه الأوطان، وأحلامَ الناس في هذه الأوطان.

    وعندما تصل الأمور إلى هذا المستوى، وتنحدر إلى هذا الدرْك، ويتحكم بالناس من هم ليسوا أهلاً، وليسوا سهلاً، وليسوا صحبًا، وليسوا الأوفياء الشرفاء الأكفياء أقرر بدوري أن أفكر، وأقرر أن أكتب، وأقرر أن أحلم، وأقرر أن أبني قصورًا وقصورًا، ولو كان ذلك في الهواء، لعلمي أن هذا كله من حقي، ولعلمي أن عليَّ أقاوم كل أولئك وهؤلاء، ولعلمي أن حقي في القول والتفكير والتعبير قضية غير قابلة للنقاش، أو خاضعة للمساومة، ولعلمي أن بناء القصور في الهواء هو المقدمة الأولى لإعادة بنائها على الأرض، وهو المقدمة الأولى للثورة على الوهم لوضعه موضع التنفيذ على أرض الواقع المُعاش.. ولعلمي أن هنالك من يسمع، وأن هنالك من يقرأ، وأنه في البدء كانت الكلمة.. سأظل أكتب.. وأكتب.. حتى ينضب الزيت، ويخبو الشهاب.. ولسوف أظل أكتب لك، ولك وحدك يا عزيزي، لقناعتي أنك تقرأ ما أكتب، لأكثر من سبب.. مع تحياتي.

26\3\2011


الأربعاء، ٢٣ آذار ٢٠١١

مــــا العمـــــــل؟؟

متابعات

مــــا العمـــــــل؟؟

أ.عدنان السمان

     www.samman.co.nr

    ما يجري على الأرض العربية بات واضحًا، ولم يعد بحاجة إلى مزيد من التكهنات والتوقعات والتحليلات، ولم يعد يستدعي مزيدًا من الحَيرة والارتباك والقلق والخوف من المجهول، أو الجري خلف السراب.. ما يجري على الأرض العربية بات واضحًا لكل ذي عينين قال محدثي، وهو يضغط على كل كلمة يقولها، وكأنه مصرٌّ على صحة ما يقول بعد معايشة لهذه الأحداث التي تشهدها أرض العرب.

  قلت لمحدثي هذا إنني في شوق لسماع رأيه في كل هذا الذي يجري على أرض العرب، وفي شوق شديد لسماع رأيه بعد ذلك فيما يترتب على أحرار العرب أن يفعلوه في هذه الأزمات العصيبة التي تجتاح هذا الوطن العربي، وفي شوق أشد لسماع إجابته عن سؤال بحجم هذا الوطن العربي، تطرحه كل هذه الجماهير العربية على امتداد هذا الوطن العربي من محيطه إلى خليجه: "ما العمل؟".

    قال محدثي: مما لا شك فيه أن شعوب الأمة العربية ليست راضية عن أوضاعها السياسية والمعيشية، وليست مقتنعة بكثير من هؤلاء الحكام الذين لم ينهضوا بهذه الشعوب، ولم يقدموا لهذه الأوطان العربية ما تطمح إليه من رفعة وتقدم وتطور وازدهار، وما ترنو إليه شعوبها من عدل وعدالة وحرية ومساواة واحترام.. شعوب الأمة العربية في مجملها غاضبة عاتبة تتساءل دائمًا عن أسباب هذا التخلف الذي يعصف بأوطانها، وعن أسباب هذه العلل والأمراض التي تفتك بإنسانها.. وشعوب الأمة العربية ترفض في قرارة نفسها هذا الظلم الصارخ الذي تلحقه هذه الأنظمة بها، وتستنكر هذه الطبقية البغيضة، وهذا التفرد بالقرار الذي غالبًا ما يُتَّخذ في غياب الشعوب، وفي غياب إرادتها، وفي غياب مصالحها وطموحاتها وتمنياتها في كثير من الأحيان.. وشعوب الأمة العربية في مجملها طيبةٌ شريفةٌ محبةٌ للعمل مسالمةٌ تبحث عن خبز يومها، وتأمين احتياجات أطفالها، ولكنها تعاني عللاً وآفات سياسية واجتماعية وطائفية وعرقية وفئوية كثيرة.. ومن هذه العلل والآفات ما هو قديم موروث يتناقله الخلف عن السلف.. ومنها ما هو حديث رماها به أعداؤها مستعينين في ذلك بكثير من أبنائها ممن أُعجبوا بثقافات هؤلاء الأعداء، وممن وجدوا في هؤلاء الأعداء ضالتهم المنشودة، وممن ربطوا مصائرهم بهؤلاء الأعداء لأكثر من سبب.

   ومما لا شك فيه أيضًا أن أعداء هذه الأمة العربية قد تسللوا إليها منذ أزمنة بعيدة، ولكنهم عرفوا كيف يتغلغلون في صفوفها، ويشترون أعدادًا من أبنائها وبناتها، ويقيمون علاقات استراتيجية مع كثير من مثقفيها وقياداتها، ومع كثير من تنظيماتها وأحزابها ومؤسساتها وقادة الفكر والرأي فيها.. وباختصار شديد فإن أعداء هذه الأمة العربية قد استغلوا تناقضاتها، كما استغلوا عللها وأمراضها من أجل بسط نفوذهم السياسي والثقافي في كثير من أوساطها، ومن أجل صنع الزعماء والقادة الذين يربيهم هؤلاء الأعداء، ويؤهلونهم لحكم هذه الأمة العربية.. ومن عجب أن كثيرًا من أبناء هذه الأمة ومن بناتها أيضًا قد أخذوا ينافسون هؤلاء، وأخذوا يعرضون خدماتهم على أولئك الأعداء، وبهذا وجد الغرب بشقيه الأمريكي والأوروبي الطريق معبّدًا لتحقيق أهدافه وطموحاته في بلاد العرب، والتي من الممكن اختزالها في امتصاص النفط العربي حتى الثمالة، والتحكم في الإنسان العربي، ومستقبل الأجيال العربية على كل أرض العرب حتى النخاع.

    كثير من الأنظمة العربية المتحالفة مع كل أعداء هذه الأمة، والتي أقامها هؤلاء الأعداء، وسلموها مقاليد الحكم بالغت في اضطهاد الإنسان العربي، وبالغت في قمعه، وبالغت في تبديد ثرواته، وتبذير أمواله، وبالغت في الاستخفاف بالعرب، وهضم حقوقهم حتى طفح الكيل، وبلغ السيل الزبى، وكانت هذه الثورات التي أشعل نارها وأذكى أُوارها أحرار تونس، وأحرار مصر، وكانت هذه الهبات الشعبية العربية في تونس ومصر، وبعد ذلك في ليبيا وغيرها ردًّا على كل ممارسات الطغاة، وردًّا على أوهام الغرب، وأوهام كل أعداء هذه الأمة، وكانت هذه الهبات والانتفاضات والثورات تحديًّا مرعبًا للطغاة، وتحديًّا لسادتهم الغربيين الذين ركبوا موجاتها، وتظاهروا بالتعاطف معها، وراحوا يساومون، ويناورون، ويعملون جاهدين من أجل الالتفاف عليها، ومن أجل إحباطها، وحرمان الشعوب من ثمارها الطيبة، واستبدالها بثمار مرة.

   البوعزيزي محمد في تونس لم يكن أداةً يا هؤلاء! ولم يكن صنيعةً غربية، بل كان ثائرًا، وكان مناضلاً، وكان مواطنًا عربيًّا تونسيًّا مقهورًا عبّر عن سُخطه الشديد وتمرده الأشد على قوانين القمع والتسلط والعدوان التي سنّها أولئك الطغاة لقهر الشعوب واستعبادها ونهب خيراتها... وكان هذا الثائر التونسي وراء شرارة الثورة في تونس، وفي مصر، وفي ليبيا أيضًا.. ولكن المحبَطين المهزومين اليائسين من العرب في كثير من مدنهم وقراهم راحوا في أعقاب ما جرى في تونس، ومع بدء ثورة مصر يشككون في صدق ما يجري، كما راحوا ينفثون سموم انهزاميتهم في هذا الشارع العربي، وراحوا يدّعون أن كل ما يحدث من تدبير أمريكا كي تفرض سيطرتها على العرب، وكي تقيم الشرق الأوسط الجديد الذي حلمت بهم كوندوليسا رايس عن طريق هذه الفوضى الخلاقة التي بشّرت بها، ولم يسأل هؤلاء اليائسون المُيئِّسون أنفسهم، ولم يحاسبوها على إساءتها لهؤلاء الثوار الأحرار الذين غيروا وجه التاريخ الحديث في تونس، والذين ظلوا يعملون حتى أرغموا طاغية مصر على التنحي، وما زالوا يعملون حتى إسقاط آخر صنم من أصنام العهد البائد في قاهرة المعز، وقاهرة عبد الناصر أيضًا.

   لا أريد أن أتوقف عند ما يجري اليوم في مصر، وعند هذا السجال الذي يجري على أرض الكنانة، بسبب صحوة الغرب من صدمته، وإصراره على استعادة زمام المبادرة، وفشله الذريع في ذلك، لأن المصريين قد عرفوا طريقهم، ولأن المصريين متعطشون للحرية والمجد والقوة التي سُلِبوها مدة تجاوزت نصف قرن من الزمان!! بل أريد أن أُشير بسرعة غلى ما يجري في ليبيا، لأقول إن نتيجته المؤكدة هي سقوط الطاغية هناك، وإن نتيجته المؤكدة أيضًا هي فشل أولئك المعتدين الذين يتظاهرون بالتعاطف مع شعب ليبيا في وضع أيديهم على البلد، وفي السيطرة على النفط الليبي والأرض الليبية الحرة، وإن نتيجته المؤكدة أيضًا هي أن يندم أولئك الذين ظنوا أن النوم في حِضن العروبة سيجلب لهم الحظ، ولكنهم ندِموا، وباءوا بالخسران المبين.

 

    في غمرة ما يجري في ليبيا، وفي خضمّ هذا الغضب الذي يعصف بكثير من المجتمعات والتجمعات والفئات على كل أرض العرب، رأى الغرب  أن ينوء بكلكله على سوريا، كي يفعل بها ما فعله في ليبيا، وكي يفعل بها ما فعله في العراق من قبل، أما لماذا سوريا الآن؟ فإن الغرب، وإن من يصرّون على نزع سلاح المقاومة في لبنان، وغير لبنان من بلاد العرب، وإن من يرغبون في تصفية هذه القضية التي طال عليها الأمد، وإن من تزعجهم بلاد فارس بأحلامها ومشاريعها وطموحاتها وتوجهاتها، وإن من يرعبهم هذا التحول الزاحف في بلاد الترك، وإن الحالمين بدخول دمشق منذ عقود لإحكام سيطرتهم على بلاد الشام.. كل هؤلاء وكثير غيرهم من المتسكعين الذين فقدوا صوابهم يعرفون لماذا سوريا الآن! فعلى الرغم من كل ما قيل، ومن كل ما يقال، وما سيُقال، وعلى الرغم من كل حملات التشهير والتشكيك والنقد والتجريح، وعلى الرغم من كل المحاولات التي استهدفت سوريا، وعلى الرغم من العزلة التي فرضها عليها كل أولئك وهؤلاء على امتداد العقود الماضية، إلا أن هذا الشعب العربي الأصيل في سوريا العروبة قد عرف كيف يخرج من كل تلك الأزمات والمؤامرات ومحاولات الحصار والتركيع والتجويع والتطبيع مرفوع الرأس موفور الكرامة.. وهذا يقينًا ما يقضّ مضاجع الغرب بشقيه، وهذا يقينًا ما يزعج كل أعداء العرب والعروبة في هذا الوطن العربي الكبير الذي سيبقى كبيرًا كبيرًا شاء من شاء، وأبى من أبى، وستبقى سوريا حصن العروبة الحصين، وستبقى سوريا راديوم العروبة المشعّ، ورائدة الأمة العربية نحو الوحدة والتحرر والتحرير.

   وفي غمرة ما يجري على أرض العرب من ثورات وثورات مضادة، وفي غمرة هذه الحوادث والأحداث التي ترقى حينًا إلى مستوى الغزو العسكري، والتدخل العسكري، والعدوان على شعب مسالم أعزل، وترقى أحيانًا إلى مستوى الاقتتال الداخلي، والحرب الأهلية، والصراع المسلح بين الأحرار الشرفاء من أبناء هذه الأمة والفجّار الأشرار من بعض أبنائها الذين سلحهم الغرب، وكلفهم بالعدوان على هؤلاء الثوار نيابة عنه.. في غمرة هذا كله يفكر المعتدون بتوجيه ضربتهم لهذا البلد الذي يعتبرونه منذ عقود أعدى أعدائهم، ويعتبرونه منذ عقود نصير فلسطين، ونصير لبنان، ونصير أحرار الجولان، ونصير الثوار العرب على كل ارض العرب، ونصير العروبيين والوحدويين العرب في هذا الوطن العربي الكبير.. إنهم يعتقدون أن باستطاعتهم التخلص من كثير من المشكلات والأزمات والتحديات والتحالفات التي تؤرقهم وتقض مضاجعهم إذا هم فرضوا سيطرتهم على سوريا، وإذا هم فرضوا عليها من يشاءون من أتباعهم المتعاونين معهم، وبهذا تستقيم لهم الأمور، وبهذا يضربون "محور الشر" ضربةً قاضية، وبهذا أيضًا يقضون على آمال العروبيين الأحرار في بلاد الشام، وعلى آمال العروبيين الأحرار في هذا الوطن العربي الكبير، وعلى آمال كثير من الأحرار الثوريين في العالم الثالث، وكثير من الأحرار في هذا العالم.

   وفي غمرة هذه الأوهام التي تستبد بأحلام كل هؤلاء وأولئك، وفي غمرة حمّى التسابق على احتلال أوطان العروبة، وتركيعها، وإذلال إنسانها، وفرض المخططات الاستسلامية التركيعية على شعوبها.. في غمرة هذا كله، وفي حمأة هذا كله نسي هؤلاء ما قد يجرّه عدوانهم على كثير من أعوانهم وأتباعهم وأحلافهم، وعلى كثير من قواعدهم التي أقاموها في بلاد الشام، وفي غير بلاد الشام.. أقول: لقد نسي هؤلاء ما قد يسببه عدوانهم من نتائج قد يندمون عليها، ولاتَ حين مندَم.. إنني لا أدعوا هؤلاء إلى عدم التفكير بالعدوان، فهذا من شأنهم.. ولكنني أدعو سوريا، وأحرار سوريا، وشعبنا العربي كله في سوريا، إلى تفويت الفرصة على هؤلاء، والوقوف صفًّا واحدًا موحدًا في وجه المعتدين، وفي وجه كل عدوان محتمَل، وعدم الالتفات إلى كل محاولات التحريض والدَّس وإشاعة الفرقة بين صفوف شعبنا العربي السوري شِماله وجنوبه، شرقه وغربه.. كما أدعو الرئيس السوري بشار حافظ الأسد لمزيد من العدل والعدالة والبناء والتطوير، كما أدعوه إلى مزيد من التفاعل مع طلبات شعبه، وتحقيق مزيد من رغبته في العيش الكريم على الرغم من شح الموارد، وقلة الإمكانات، وعلى الرغم من هذا الحصار المفروض على البلد منذ سنوات وسنوات، وعلى الرغم من جسامة المسئوليات، وضخامة التبعات والتحديات.. إنني أدعو الرئيس إلى الاستجابة الفورية لكل المطالب العادلة التي يتقدم بها شعبنا العربي في سوريا، ولكل المطالب التي يتقدم بها مجلس الشعب السوري، ولكل المطالب التي يراها المحافظون والمسئولون الإداريون في البلد.. كما أدعو الرئيس إلى الإصغاء جيدًا لكل نداءات الأهل في لبنان، وفي فلسطين، وأن يستمع جيدًا لكل نداءات أحرار الجولان، وأحرار الوطن العربي في كل مكان..

   إن كثيرًا من الأحرار في هذه الديار، وإن كثيرًا من الأحرار في كل بلاد العرب يعلقون الآمال على سوريا.. فلنعمل جميعًا على سلامة هذا البلد، وعلى سلامِه، وعلى أمنه وأمانه.

   بعد الذي جرى في تونس ومصر استوعب الغرب الدرس، فأخذ يحرك خلاياه التي كانت نائمة، وأخذ يصدر التعليمات إلى أعوانه بضرورة التحرك، بهدف خلط الأوراق، والاستفادة من حالة الثورة والغليان والاحتجاج التي تجتاح الوطن العربي.. وأصبح مسئولوه بعد ذلك يصرّحون بأن استعمال القوة ضد المتظاهرين أمر غير مقبول.. فإن استسلم النظام فبها ونِعمَ، وإن لم يستسلم، فإن دول الغرب تتدخل لإسقاطه بعد تهديده وقصفه وفرض العقوبات عليه بموجب قرار تقرض على مجلس الأمن أن يتخذه لصالح تدخلها.. هذه هي المعادلة، وهذا هو أسلوب الغرب الجديد في تسويغ عدوانه على الشعوب.

     قلت لمحدثي: لا فُض فوك.. رأيكَ هذا قد أسعدنا، وأعاد لنا الثقة بأنفسنا، وأنار لنا الطريق، وبيّن لنا طبيعة العمل، وطريق العمل إذا قال قائلٌ: ما العمل؟.

23\3\2011

 

 

 

 

 

 

 


الثلاثاء، ٢٢ آذار ٢٠١١

بعد ستة وستين عامًا على تأسيس الجامعة العربية !!

 

متابعات

بعد ستة وستين عامًا على تأسيس الجامعة العربية !!

أ‌.      عدنان السمان

    www.samman.co.nr

    في الوقت الذي تبحث فيه الأمم والشعوب في هذا العالم عن وسائل تحقق بها وبوساطتها أهدافها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفي الوقت الذي تقوم فيه التكتلات والتحالفات سرًّا وعلانية بين كثير من الدول في هذا العالم، وفي الوقت الذي تُعقد فيه الاتفاقات بين هذه الدول لتحقيق مزيد من الأهداف المادية والمعنوية لشعوبها ورعاياها على المستويات المحلية والإقليمية والدَّولية، وفي الوقت الذي أصبحت فيه كل دول العالم تبحث عن مصالحها وأهداف شعوبها في التقدم، والرِّفاء، والازدهار، والخلاص، من المشكلات والأزمات والتحديات، نجد كثيرًا من الدول في هذا العالم تعيش أحوالاً سياسية واقتصادية واجتماعية وعلمية متردية.. في الوقت الذي تعاني فيه الغالبية العظمى من شعوب هذه الدول صنوفًا من الفقر والجهل والمرض والتخلف والضَّياع، وفي الوقت الذي تخضع فيه تلك الشعوب لألوان شتى من التعسف والظلم والاضطهاد، وصور لا تكاد تُحصى من التحكم والاستعباد والاستبداد.

    ليس من السهل أن تلمّ مراكز الدراسات والبحوث بآلام الأمة العربية، ومشكلات شعوبها، على الرغم من كل هذه الثروات الطائلة التي تحظى بها كل أرض العرب.. والسبب أولاً وقبل كل شيء يكمن في تمزق العرب وانقساماتهم وتشرذمهم وخصوماتهم وتبعيتهم للأجنبي الذي ينهب ثرواتهم، ويتحكم في اقتصادياتهم، الأمر الذي انعكس سلبًا على العرب والعروبة والشعوب العربية ودول العرب، بل وعلى المسلمين والعرب الذين يبلغ تعداد دولهم نحو ستين دولة! وتبلغ مساحة أرضهم أكثر من عشرين مليون ميل مربع يعيش عليها نحو مليار ونصف المليار من البشر، ولكن هذا كله لم يشفع لشعوب هذه الأمة، وَلم يَحُلْ دون تبعيتها للغرب بطرق مختلفة منها الاحتلال، ومنها هذه المنظمات والجمعيات والتنظيمات التي أقامها الاستعمار الغربي ليحكم بها وعن طريقها شعوب هذه الأمة ودولها... ومن  هذا على سبيل المثال لا الحصر هذه الجامعة العربية التي تأسست في الثاني والعشرين من آذار من عام خمسة وأربعين وتسعمئة وألف، وهي - كما جاء في ميثاقها – منظمة دولية مقرها القاهرة، وغايتها: " توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيها، وتنسيق خططها السياسية تحقيقًا للتعاون فيما بينها، وصيانةً لاستقلالها وسيادتها، والنظر بصفة عامة في شؤون البلاد ومصالحها" و" التعاون في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية"، والتي وقعت ميثاقها  كل من مصر والعراق والأردن واليمن وسوريا ولبنان والسعودية، وانضمت إليها ليبيا عام ثلاثة وخمسين وتسعمئة وألف، كما انضم إليها السودان عام ستة وخمسين، أما المغرب وتونس فقد انضما عام ثمانية وخمسين ، وانضم إليها الكويت عام واحد وستين، والجزائر عام اثنين وستين، وجمهورية جنوب اليمن الشعبية (التي توحدت مع اليمن لاحقًا) عام ثمانية وستين ، والبحرين (مملكة البحرين) وقطر وعُمان واتحاد الإمارات العربية عام واحد وسبعين.

    ولهذه الجامعة ميثاق يشتمل على عشرين مادة، وثلاثة ملاحق يتعلق أولها بفلسطين، والثاني بالدول غير المشتركة في هذه المنظمة، والثالث بالأمين العام وتعيينه.. وتتكون الجامعة من "مجلس الجامعة" المؤلف من جميع البلدان العربية المشتركة، و"اللجان الدائمة"، و"الأمانة العامة".. ولقد ساعدت الجامعة بلدانًا عربية كثيرة لنيل "استقلالها" مثل ليبيا، ومراكش، وتونس والجزائر. ولا أدري يقينًا كم يبلغ عدد الدول الأعضاء في هذه الجامعة العربية، وإن كنت أسمع ممن يعنيهم الأمر أن عددها اليوم هو اثنتان وعشرون دولة.

    لا بد – ونحن نستعرض تاريخ الجامعة العربية – من القول إن هذه الجامعة التي تأسست في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والتي كان لبريطانيا، وللسير أنتوني إيدن بالذات الدور الأكبر في تشكيلها، إنما أقيمت لضرب الوحدة العربية، وتكريس القطيعة والانقسام على الساحة العربية، وتعميق الانقسامات والخلافات بين العرب في مختلف أقطارهم وأمصارهم.

    إن اسم هذه الجامعة – جامعة الدول العربية – يدل دلالة قاطعة على افتراض وجود دول كثيرة على الأرض العربية في الوقت الذي كانت فيه بلاد العرب لا تشكّل أكثر من بضع ولايات في دولة الخلافة العثمانية، ولم تكن أكثر من جزء من دولة الإسلام في زمن الخلافة العباسية التي اتخذت من بغداد عاصمة لها، وكذلك في زمن بني أمية عندما كانت دمشق عاصمة الدنيا بأسرها... هذه الجامعة العربية التي تضم اليوم اثنتين وعشرين دولة إنما أقيمت عام خمسة وأربعين من القرن الماضي لتمزيق البلاد العربية، وإقامة كيانات سياسية كثيرة في بلاد العرب يجمع بينها أنها تابعة للغرب، وأنها كيانات هزيلة لا تملك من أمر نفسها شيئًا إلا بمقدار ما يسمح به السادة الكبار في عواصم الغرب... وإن اسم  هذه الجامعة – جامعة الدول العربية- يشير صراحة إلى أن عدد هذه الدول المشتركة فيها قابل للزيادة مع الأيام، فدول العرب يمكن أن يزداد عددها بالفوضى الخلاّقة والاحتلال والانقسامات التي تشهدها الأرض العربية، والمنطقة العربية.. وهذا منوط برغبة الدول الأعضاء فيها، وهو عائد إلى طبيعة اتخاذ القرار فيها وهو الإجماع، هذا القرار الذي تحاول دول عربية كثيرة استبداله بالأكثرية بعد أن فشلت في تحقيق الإجماع على بعض مطالب الغرب، ثم سكتت تلك الأصوات المطالبة باعتماد الأكثرية بعد أن أوجد الغرب حلاًّ لهذه المشكلة باللجوء إلى احتلال هذا البلد أو ذاك، وتشكيل حكومة أو حكومات موالية لسياسته فيه، وبهذه الطريقة يمكن حل المشكلة، ويمكن توفير غطاء قانوني لمطالب الغرب في ديار العرب، ويمكن اعتبار جامعة الدول العربية في نهاية المطاف جامعة لكل دول المنطقة التي لا بد من توحيدها باسم دول الغرب، ولا بد من تجنيدها لخدمة أهداف تلك الدول ومصالحها.

    ولئن فعل الغرب ما فعله بهذه الديار انطلاقًا من مصالحه في بلاد العرب، وبعد مؤتمرات واتفاقات منها مؤتمر سان ريمو الذي عُقد في هذا المرفأ الإيطالي في الخامس من أيار من عام عشرين وتسعمئة وألف لدرس قضايا الانتداب والبترول في الشرق الأوسط، وتقرر فيه تقسيم البلاد العربية، ووضعها تحت الانتداب على أن يكون لبنان وسوريا لفرنسا،  والعراق وفلسطين لبريطانيا... ومنها اتفاق سايكس بيكو سيء الصيت؛ فإن الغرب مستمر في سياساته الرامية إلى الإمعان في فرض السيطرة على الوطن العربي، والإمعان في تقسيمه، وتفتيته، وتجزئته بقدر المستطاع، والإمعان في إخضاع جامعة الدول العربية لرغبة الغرب ومخططاته الرامية إلى مزيد من السيطرة على أرض العرب...

   إننا في هذه الأيام التي تصادف ذكرى تأسيس الجامعة العربية لنسأل: إلى متى ستبقى هذه الجامعة أداة في يد الغرب؟ وإلى متى ستبقى رمز قطيعة وتفكك؟ وعنوان تبعية وتمزّق وانهيار؟ وإلى متى ستبقى الدعوة إلى وحدة العرب، وقيام الدولة العربية الكبرى على كل الأرض العربية دعوة يحاسب عليها القانون؟؟ إلى متى ستبقى هذه الجامعة وسيلة من وسائل خضوع هذه الأمة العربية للأجنبي في الوقت الذي يستطيع فيه العرب أن يتخذوا من هذه الجامعة نفسها وسيلة قوة، ووسيلة عزة، ووسيلة وحدة، ووسيلة تقدم وازدهار وبناء لكافة شعوب الأمة العربية؟؟

    وإننا في هذه الأيام التي تصادف الذكرى السادسة والستين لميلاد هذه الجامعة العربية لنؤكد أن العرب قادرون على تحويل هذه الجامعة العربية إلى جامعة حقيقية للعرب، توحّد ولا تفرّق، تبني ولا تهدم.. جامعة تعمل من أجل إعمار الوطن العربي وازدهاره ورفعته وتقدمه واستقلاله وتطويره .. جامعة حقيقية فاعلة تصنع الإنسان العربي الجديد، والنظام العربي السياسي الجديد الذي يحترم نفسه، ويحترم الإنسان، ويحترم حق هذه الأمة العربية العظيمة في العيش باحترام، وكرامة، وعلى قدم المساواة بين أمم هذا العالم.

  بعد ستة وستين عامًا على تأسيس هذه الجامعة العربية نجدُ أنها قد أخذت تُسفر عن وجهها، ولا تكاد تخفي تبعيتها للغرب بعد أن تمكّنت هذه الأنظمة المتخلفة التابعة صراحةً للغرب من حسم الأمور لصالحها، وبعد أن سيطرت هذه الأنظمة على مجلس هذه الجامعة.

   وبعد ستة وستين عامًا على تأسيسها نقول: بإمكان هذه الجامعة أن تكون عامل وحدة وبناء وإعمار وتقدم لأمة العرب على كل أرض العرب إذا هي أخذت العبرة والدرس المستفاد من هذه الهبّات الشعبية، وموجات الغضب والاستنكار التي تجتاح كثيرًا من أوطان العروبة، وإذا استوعب من يعنيهم الأمر فيها أن الاستجابة لرغبات الشعوب في التحرر والوحدة والعيش الكريم خيرٌ من التمادي في الباطل، وخير من الاستمرار في سياسة الغش والخداع، وركوب الأمواج، وخلط الأوراق، ودفن الرؤوس في الرمال، وإغراق هذا الوطن العربي _راغمًا_ في بحور من الدم،  والقذف به وبالعرب أجمعين في غياهب المجهول، وظلمات تجارب رهيبة قد لا تُبقي وقد لا تذَر.

22\3\2011

 


الاثنين، ٢١ آذار ٢٠١١

في يوم النوم.. هل يصحو القوم؟؟

متابعات

في يوم النوم.. هل يصحو القوم؟؟

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

        يوم النوم العالمي ليس يومًا عاديًّا كغيره من الأيام؛ فالنائم في هذا اليوم يريد أن يشبع نومًا، ولهذا قال كثير من القائمين على أمر هذا اليوم، والمشرفين على راحة النِّيام وهدوئهم، وإطفاء شموعهم وأنوارهم، والحريصين على لذيذ منامهم وأحلامهم إنه يوم من ثلاثة أيام، كي تستقيم أمور النائمين في هذا اليوم المطوَّل الذي ضُمَّ فيه إلى هذا اليوم الحادي والعشرين من شهرنا هذا آذار أخواه الثاني والعشرين والثالث والعشرين، فيومُ نومٍ هانئٍ سعيد، ويومُ نومٍ هادئٍ مجيد يرجوه لكم منظِّموه، والمشرفون على راحة النائمين فيه.

        يوم النوم العالمي هذا يأتي في يوم الانقلاب الربيعي، وفي يوم عيد الأم، ومعركة الكرامة، وغيرها من المعارك الكثيرة التي خلّدها التاريخ.. ويوم النوم العالمي هذا يأتي في خضمّ هذه التحركات والمؤتمرات والاجتماعات والتجمعات والتظاهرات والزيارات المكثَّفة التي تستهدف حل هذه القضية المستعصية، بل حل هذه القضايا التي باتت تعصف بوطن العرب من أقصاه إلى أقصاه.. يوم النوم هذا يأتي في هذه الأيام التي تسيل فيها دماء العرب على أرض العرب برصاص العرب ومدافع العرب وطائرات العرب وأسلحة كل أعداء العرب.. وفي هذه الأيام التي يحاول فيها الطغاة إذلال هذه الأمة بنيران أسلحتهم بعد أن أذلوها أزمانًا بنيران عداوتهم وتآمرهم وتحالفهم مع أعدى أعدائها، وفي هذه الأيام التي يخطف فيها المتاجرون المأفونون من المتسلقين المستفيدين ومرتزقة الطغاة فرحةَ هذه الشعوب بما حققته من انتصارات على أولئك وهؤلاء في هذا البلد العربي وذاك.

        على الرغم من أنني لست من محبي النوم، وعلى الرغم من تعلقي الشديد بالأدب، وولعي بالصحافة والسياسة وحب الاطلاع منذ أيام الطفولة إلا أن حكاية النوم، والكتابة في يوم النوم، وهل يصحو القوم في هذا اليوم هي ما تشدّني إليها هنا، وهي ما تفرض نفسها عليّ فرضًا الآن، ربما لطرافة هذا الموضوع، وحداثة هذه الفكرة وجِدَّتها بعد انتشار ثقافة التسكّع والتخمّع والكسل في بلاد السمن والعسل، وربما لتمكّن حب النوم بعد ذلك من كثير من الناس الذين تُجرى عليهم الأعطيات والمنح والمساعدات، فأصبح شعارهم: ناموا ولا تستيقظوا ما فازَ إلا النُّوَّمُ !!

    في يوم النوم العالمي نقول: ربما كان على حقٍّ في هذا النوم عاملٌ يصِلُ الليل بالنهار في سبيل إتقان عمله، وصولاً إلى تحقيق أمله.. وربما كان صاحبَ حقٍّ في هذا اليوم طالبٌ يهوى العلا، ويسعى إلى المعالي، فأعياه السهر وأضناه.. وربما كان ذلك من حق فلاّح أعطى أرضه من جهده وعرقه ومحبته فأعطته من خيرها وثمارها وغلالها التي نضجت قبل أوانها.. وربما كان من حق أمٍّ أنجبت وسهرت وتعبت في تربية أبنائها وتعليمهم وإعدادهم للحياة.. أما أن يزداد النائمون نومًا، والكُسالى الكَسالى الكَسلى الكَسالي والكسِلاتُ الكسلاناتُ الكسلاواتُ كسلاً، فهذا أمرٌ جلل، وتلك لَعمري كارثة تنذر هذه المجتمعات التي ابُتليت بها بشرٍّ مستطير، وتهددها الآن وغدًا وبعد غد بالويل والثبور وعظائم الأمور.. فلتكفَّ هذه الشعوب النائمة عن نومها، ولتنظر في صلاح أمرها، ورفعة أوطانها، وعزة إنسانها، وخير معاشها ومعادها.. ولتعلم هذه الشعوب أن الثقة بالنفس تفجّر الطاقات، وتصنع المعجزات، وتحقق الأهداف والغايات والأمنيات، وترفع من سقف التوقعات.

        في يوم النوم.. هل يصحو القوم؟ ولا أقصد بالقوم هنا الرجال دون النساء كما تعني هذه الكلمة.. وإنما أَخرج بها من معناها الجزئي النصفي إلى الكلّي الشامل المتكامل المعاصر لتشمل الأسرة كل الأسرة، والمجتمع كل المجتمع، والشعب كله، والأمة كلها رجالاً ونساءً.. شيبًا وشبانًا.. ذكورًا وإناثًا.. كبارًا وصغارًا.. نعم، هل يصحو القوم؟ وهل تصحو الأمة؟ وهل يترك هؤلاء الكبار جهل الصِّبا والباطل؟ وهل يفيقون من غفلتهم، ومن نومهم الذي طال أمده؟

        انظروا إلى الأمم والشعوب من حولكم تجدوا أن أعظمها شأنًا وأعزها مكانةً هي تلك التي اتخذت من العلم والعمل وسيلة لبلوغ القوة بمعناها الواسع الجامع لكل صورها وأشكالها ومضامينها ومعانيها، وبكل أسبابها ومسبباتها، وليس غريبًا أن تجدوا كثيرًا من التناقضات في كثير من المجتمعات، وعند كثير من الأمم والشعوب، وليس عجيبًا أن تجدوا قوة عسكرية هائلة في بلد يعاني من الفقر والفاقة: إما لانعدام الموارد أو قلّتها، وإما بسبب الضغوط والحصار الذي تفرضه القوى الكبرى لأسبابها الخاصة بها.. وليس عجيبًا أن تجدوا قوًى اقتصادية هائلة في بلدان لا تكاد تملك شيئًا من القوة العسكرية بسبب تحكم هذه القوى الكبرى أيضًا.. بمعنى أن هذه القوى الكبرى، أو الدول الكبرى، أو الدولة القوية المتنفّذة هي غالبًا ما تكون وراء هذه التناقضات، وهي التي تقف من خلف هذه الأزمات والتوتّرات والمشكلات التي تئن تحت وقعها كثير من الأمم والشعوب والمجتمعات.. الدولة القوية تحارب هنا وهناك، وتسطو على الثروات والخيرات هنا وهناك، وتضع يدها على مقدّرات الشعوب وممتلكاتها، وترغمها على السير في فلكها، والتبعيّة لها.

        ما الذي يحدث عندما تقع هذه الدولة القوية المتنفذة تحت تأثير جماعات الضغط المؤيدة لدولة أخرى؟ الذي يحدث يقينًا هو أن إمكانات تلك الدولة كافة، وإنجازاتها العلمية والعسكرية تصبح في متناول الدولة التي تؤيدها جماعات الضغط هذه!! يا لها من لعبة بارعة! ويا لها من وسيلة رائعة! ويا له من أسلوب لحكم الآخرين، والتحكم بهم (من حيث يعلمون أو لا يعلمون) من خلال هذه الدولة الكبرى القوية المتنفذة.. ومن عجب أن الغالبية الساحقة من الدول في هذا العالم تخضع بشكل أو بآخر لهذه الدولة الكبرى، وبالتالي فهي تخضع لتلك الدولة الثانية التي تحكمها من الداخل أو تكاد.. قد لا يكون الأمر على هذا النحو تمامًا، ولكنه قريب منه إلى حد بعيد، وربما كان أيضًا على هذا النحو بدليل أن رئيس تلك الدولة العظمى الكبرى المتنفذة لا يستطيع فعل شيء أمام أزمة تفجّرها في وجهه تلك الدولة التي تؤيدها جماعات الضغط هذه!! ومن عجب أيضًا أن كثيرًا من المشتغلين بالسياسة في هذا البلد أو ذاك يعتقدون أنهم كلما اقتربوا أكثر من تلك الدولة القوية المتنفذة، وكلما التصقوا بها أكثر كانوا أقرب إلى تحقيق الأهداف والطموحات!! وما من شك في أن الوضع يختلف بحسب مفهوم الهدف والغاية والطموح: فأما المستثمرون والمقاولون منهم فهم ماضون في هذا الشوط إلى غايته ومنتهاه، وأما من آثروا العامَّ على الخاص فيبحثون عن الوسائل والبدائل التي من شأنها أن تحقق لهم أهدافهم وغاياتهم وطموحاتهم.

        إن العمل مفتوحٌ بابه أمام الناس جميعًا في هذا العالم.. وإن العلم كذلك.. وإن كل مصادر القوة متاحةٌ للناس جميعًا.. وإن كل الأبواب مفتوحة أمام الناس.. فليعرف كل إنسان ما يريد.. وليعمل كل إنسان من أجل تحقيق أهدافه وأحلامه.. ولينظر كل إنسان من أي الأبواب سيدخل.. ولْيأخذ قراره بعد روية وتفكير، لأن القرار بطبيعته ملزم، ولأن الرجال الرجال لا ينامون في يوم النوم.. فهل من حقنا أن نتفاءل بعد كل هذا ونقول إنه في هذا اليوم قد يصحو القوم، فيوحدون جهودهم لما فيه خيرهم وخير البشرية جمعاء، وخير الناس في هذا العالم بدون استثناء؟؟ نرجو ذلك.

21/3/2011


الخميس، ١٧ آذار ٢٠١١

ما هكذا يُصنع السلام يا نتانياهو!!

 

ما هكذا يُصنع السلام يا نتانياهو!!

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

 

   تقول إنك تريد السلام مع الفلسطينيين، ومع كل العرب والمسلمين في هذا العالم، وتقول اليوم "صراحةً لا ضمنًا" إنك تريد الأغوار، بعد أن قلت مرارًا وتكرارًا بملء فيكَ إن القدس الموحدة لن تكون إلا عاصمة الدولة العبرية، ولن يكون لأحد فيها موطئ قدم إلا بالكيفيّة التي يحددها الإسرائيليون، وبعد أن قلتَ إن الاستيطان في الضفة الغربية لن يتوقف، وإن من حق الإسرائيلي أن يعيش في أي مكان من أرض إسرائيل، وبعد أن قلت غير مرة، ولا تزال تقول، إن البناء في القدس التي تسمونها "أورشليم" ليس استيطانًا، بمعنى أنه لن يكون خاضعًا في يوم من الأيام لأي كلام، أو نقاش، أو حوار، أو مساومة، أو تفاوض! وبمعنى أن هذه القدس الكبرى التي تزيد مساحتها عن مساحة "تل أبيب"، والتي تنتشر جنوبًا وشرقًا وشمالاً، وتلتهم في كل يوم مزيدًا من أراضي الفلسطينيين المحتلة، وتمنع تواصلها، وتحوّلها _ مع ما يرافقها ويصاحبها من أشكال الاستيطان الأخرى_ إلى جيوب ومعازل قد لا تكون قابلة للحياة، أو صالحة للعيش إلا لفترات زمنية يحددها الإسرائيليون (فيما يحددون للناس من أرزاق وأعمال وأشغال، وفيما يصطنعون لهم من تقسيمات وتصنيفات ومستويات، وفيما يحددون لهذا الوطن المضيَّع والمكبَّل من ملامح) ويخضعونها لحساباتهم، ولمراحلهم التي يعملون بموجبها لإحكام سيطرتهم في نهاية المطاف على كل شيء!!

   نتانياهو يقول إنه يريد السلام، وهو يعرف في قرارة نفسه أنه لا يريد السلام، والعالم كله يعرف أنه لا يريد السلام، والعرب كلهم ومعهم المسلمون يعرفون أنه لا يريد السلام، والفلسطينيون بقضهم وقضيضهم، هنا على أرض وطنهم، وهناك في كل ديار الغربة واللجوء والشتات يعرفون يقينًا أنه لا يريد السلام.. لأن من يريد السلام لا يضم القدس الشرقية إلى دولته التي يقول إنها دولة يهودية، ولا يطالب بضم الأغوار إلى دولته العبرية، ولا يغيّر معالم هذه الأرض التي يقال إنه ستقام عليها دولة أخرى غير دولته، ولا يقوم بأعمال البناء على هذه الأرض التي يقول هو نفسه إنها مخصصة لإقامة دولة الشعب الآخر الذي لا يرغب الإسرائيليون في حكمه، والسيطرة عليه!! ولا يقوم بمصادرة مزيد من هذه الأرض في كل يوم، ولا يضع يده على كل خيراتها وثرواتها، ولا يفرض سيطرته على أعماقها وفضائها وسمائها ومياهها، ولأن من يريد السلام مع الفلسطينيين لا يهدم بيوتهم، ولا يصادر أرضهم، ولا يزرع أرضهم هذه بمستوطنيه كما زرع تلك من قبل، ولا يضيّق عليهم الخناق في معازلهم، ويحرمهم من حقهم المقدس في العيش على أرضهم باحترام، ولا يلفّق لهم التُّهم الباطلة، ليقتلعهم من أرض الآباء والأجداد، ولا يسعى جاهدًا لتمزيق صفهم، وتفريق جمعهم، وبعثرة جهدهم، وزرع الفتنة والوقيعة والعداوة فيما بينهم، وإحالتهم إلى مجموعات وتجمعات ومجتمعات صغيرة متباينة متخاصمة لا تجمع بينها رابطة، وشراذم تقاتل شراذم، كأنها لم تقرأ يومًا كتاب الله، ولم تقرأ يومًا فقه العروبة، ولم تكن ذات يوم خير أمة أخرِجت للناس!!

  قد لا يكون مثل هذا القول مناسبًا في موقف كهذا، وقد لا يكون من المناسب أن يفخر الإنسان بأعظُمٍ مدفونةٍ مقبورةٍ للرد على واقع مرير، ولكنه "يقينًا" ردٌّ _وأيُّ ردٍّ_ على من يتنكّر لهذه الأمة، وعلى من يعبث بحاضرها، ويستخف بماضيها، إنه الرد الذي ينطوي على القناعة الكاملة بأن هذه الأمة قد عرفت طريقها نحو الحرية والتحرر، وأنها قد قررت إصلاح أمرها، وتوحيد صفها، والعودة كما كانت ذات يوم عربية الوجه واليد واللسان والملامح والبيان، وعندها قد لا ينفع كلَّ أولئك وهؤلاء ما جُبلوا عليه من عِداء لهذه الأمة، وما فُطروا عليه من مكر وحيلة ودهاء، وقد لا ينفعهم أيضًا شفاعة أو توسُّل أو اعتذار أو مراوغة أو تقلّب أو نفاق.. لأنه إذ ذاك يكون قد سبق السيف العذَل، ويكون الندم حين لات مندم، ولأن الجزاء _بموجب شرائع الأرض وشريعة السماء_ من جنس العمل، ولأن من يزرع الشوك لا يحصد به العنب، ولأنه على الباغي تدور الدوائر.

   إن من يريد السلام ينبغي أن يكون صادقًا مع نفسه، وصادقًا مع الآخرين، وينبغي أن يكون عادلاً منصفًا محبًّا للحق والخير والجمال، مؤمنًا بالقيم والمُثل العليا، وبكل المبادئ السامية التي نصّت عليها الشرائع والقوانين والأعراف والمواثيق الدَّولية، وينبغي أن يكون مؤمنًا بحق الإنسان في الحياة، وبحقه في الحرية، وبكافة حقوقه في العمل والتفكير والتعبير وتقرير المصير والعيش باحترام على أرض وطنه الذي لا ينازعه فيه منازع، ولا يعتدي عليه فيه أحد.. وإن من يريد السلام ينبغي أن يكون أبعد ما يكون عن المراوغة، والتلاعب، والحركات المسرحية، والاستعلاء على الآخرين، والاستخفاف بهم، والتنكّر لحقوقهم، والتحكم بأرزاقهم ومصائرهم، وينبغي أن يكون أبعد ما يكون عن الاستكبار والغرور والتعصب والتعنصر والبغي.. وإن من يريد السلام ينبغي أن يكون على خُلق عظيم يأبى الظلم، ويأبى الضيم، وينتصر للمظلوم، ويقف إلى جانبه حتى لو كان بينه وبين ذلك المظلوم عداوة.. وإن من يريد السلام ينبغي أن يؤسس له، لا أن يجدّف ضد التيار، ليقنع نفسه، وبعض من هم حوله أنه الذي أتى بما لم يستطعه الأوائل، وحقق ما لم يحققه سابقوه، وفرض على الآخر ما كان يرفضه طوال الوقت، وبنى الدولة التي لم تكن فيما مضى أكثر من أوهام.

17\3\2011

                    


الاثنين، ١٤ آذار ٢٠١١

إن السلام والاستيطان ضدان لا يلتقيان !!

متابعات

إن السلام والاستيطان ضدان لا يلتقيان !!

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

      يريد نتانياهو، وكل غلاة اليمين الإسرائيلي المتطرف، أن يقولوا للناس جميعًا في هذا العالم بمن فيهم العرب والفلسطينيون، إنهم يهدمون بيوتًا للإسرائيليين تمامًا مثلما يهدمون بيوتًا للعرب الفلسطينيين، وإنهم في هذا لا يميزون كثيرًا بين هؤلاء وأولئك؛ فالبناء يُهدم عندما لا يكون شرعيًّا، سواء كان في هذه المستوطنة "العشوائية" التي أُزيلت فيها بعض البيوت مؤخرًا، أو في سلوان، أو الشيخ جراح، وفي غيرهما من ضواحي القدس، أو نابلس، أو الخليل، أو النقب، أو الجليل، وفي كل الأرض العربية المحتلة في هذه الديار.

   ويريد نتانياهو أيضًا أن يُضفي على نفسه، وعلى تصرفاته وإجراءاته هذه صفة الشرعية، وصفة العدالة، وصفة النزاهة في الحكم أيضًا، ويريد أن يظهر بمظهر القاضي الذي لا يحابي، ولا يخشى في الحق لومة لائم؛ فقد هدم نتانياهو بيوتًا عشوائية لمستوطنين في مستوطنة عشوائية، وأمر قضاء نتانياهو أن يحبسَ جنديًّا مكلفًا مدة ثلاثين يومًا بعد أن أزال بيته في تلك المستوطنة، وإن كان ذلك الجندي مصرًّا على إعادة البيت إلى مكانه، وإن كان أصحاب البيوت التي أُزيلت في الماضي قد أعادوا بناءها من جديد.

    نتانياهو يعلم في قرارة نفسه أنه يحاول خداع الناس في هذا العالم، ويعلم أيضًا أن الاستيطان كله غير شرعي، سواء كان عشوائيًّا أو غير عشوائي، وسواء كانت هذه المستوطنات موضوع الحديث كبيرة أو صغيرة، وسواء كانت دينية أو مدنية، زراعية أو صناعية، على سفوح الجبال أو على قممها.. ونتانياهو _ومعه كل غلاة اليمين الإسرائيلي المتطرف_ يعلم جيدًا أن القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة هي أرض فلسطينية محتلة منذ عدوان حزيران عام سبعة وستين، ويعلم جيدًا أن هذه الأرض المحتلة البالغة مساحتها نحو (6257) من الكيلو مترات المربعة، بحسب كثير من المراجع ومصادر المعلومات، لم يكن فيها استيطان، ولم يكن فيها مستوطن واحد، وأن الاستيطان والمستوطنين كانوا فقط في المحتل عام ثمانية وأربعين، وأن جذور ذلك الاستيطان تعود إلى أكثر من مئة عام خلت، وأن ذلك الاستيطان قد ظل ينمو وينتشر على أرض الجليل والمثلث والنقب والسهل الساحلي، ويصادر مزيدًا من الأرض الفلسطينية آنذاك لغاياته وأهدافه تلك، وأنه كان يسابق الزمن في فرض هذا الواقع الديموغرافي الجغرافي الجديد الذي تبدو معه تلك المناطق من فلسطين وكأنها ملك لليهود الذين أخذت الوكالة اليهودية تستقدمهم من شتى أقطار العالم، ولاسيما أقطار أوروبا الشرقية، مستغلةً ظروف الحرب العالمية الثانية، ومن شتى أقطار العالم العربي قبل ذلك وبعده وبالتزامن معه، مستغلة تعاون الأنظمة العربية معها، في تسهيل مهمتها، وتهجير اليهود إلى تلك الأرض التي ستقام عليها دولتهم بموجب وعد بلفور، واستعدادًا لميلاد "الدولة اليهودية" التي ستقام بموجب أفكار ثيودور هرتزل وأحلامه وتطلعاته.

   ونتانياهو يعلم أكثر من غيره أن إسرائيل التي أقيمت في (15\5\1948) قد تجاوزت النسبة التي حددها قرار التقسيم الصادر في (29\11\1947) وأنها قد ضمَّت إليها (12%) من مساحة فلسطين التاريخية، لتقام على (78%) من مساحة هذه البلاد  بدلاً من (56%) كما نص على ذلك القرار رقم (181) وهو الشهير في التاريخ بقرار التقسيم، وأن اليهود قد وضعوا أيديهم على أربعة ملايين دونم من الأرض الفلسطينية بسبب ذلك، ويعلم نتانياهو أكثر من غيره أن المستوطنين اليهود الذين بلغت أعدادهم آنذاك نصف مليون مستوطن هم الذين وضعوا وعد بلفور موضع التنفيذ، وهم الذين أقاموا الدولة اليهودية التي حلم بها ثيودور هرتزل، وهم الذين أجبروا أكثر من ثمانين بالمئة من أهل فلسطين على الرحيل عنها، والخروج منها بالطرق التي يعرفها نتانياهو جيدًا، ويعلم نتانياهو أكثر من غيره أن دولته تلك قد وضعت يدها على كل أراضي العرب الفلسطينيين الذين هُجّروا آنذاك، وعلى كل ممتلكاتهم وبيوتهم ومنشآتهم الصناعية، ومحالّهم التجارية، وعلى كل مزارعهم، ومدارسهم، وكثير من مساجدهم وكنائسهم، وملاعب أطفالهم وطفولتهم، ونتانياهو يعلم أيضًا أن دولته تلك قد نسفت أكثر من خمسمائة قرية عربية فلسطينية في ذلك العام والأعوام القليلة التي تلته، ويعلم جيدًا أن ما يجري في "العراقيب" اليوم من هدم وتخريب ربما للمرة الخمسين، إن هو إلا امتداد لتلك السياسة التي انتهجتها دولته هذه التي يقف اليوم على رأس حكومتها.. وأخيرًا وليس آخرًا فإن نتانياهو يعلم كما يعلم معه كافة أقطاب اليمين الإسرائيلي المتطرف أن ما يجري في الضفة الغربية من تسريع لوتيرة الاستيطان، وتنظيم له، ومن محاولات مستميتة لإضفاء الشرعية عليه، وتجميل وجهه القبيح، ولاسيما في هذه الكتل الاستيطانية الكبيرة التي يجري الحديث منذ مدة طويلة عن إمكانية ضمها لدولة نتانياهو في ظروف معينة، وفي مراحل محددة من مراحل الحل، وإنهاء الصراع إن هو إلا محاولة مكشوفة لتكرار ما حصل عام ثمانية وأربعين: فالمستوطنون اليوم في الضفة الغربية أكثر من نصف مليون، والمستوطنات بالمئات، وفيها المدن الكبيرة، والمستوطنون يسيطرون على أكثر من نصف مساحة هذه الضفة، والمحاولات مستمرة في كل يوم لمصادرة مزيد من الأرض، وهدم مزيد من البيوت العربية، وعزل كثير من السكان العرب عن أراضيهم، وإبعادهم عنها تمهيدًا لضمها، ووضع اليد عليها.. والمحاولات أيضًا مستمرة لتمويت هذه القضية المزمنة بزرع اليأس في النفوس، وإيجاد البدائل الهزيلة التي لا ترضي أحدًا، ولا يمكن أن يقتنع بجدواها أحد، ولا تصلح أن تكون أساسًا لأي حل إلا أن يكون ركوعًا واستسلامًا وتنازلاً عن حق أهل هذه الديار في العيش فيها.. لقد آن لنتانياهو أن يعلم أن ما حدث سابقًا ليس بالضرورة أن يحدث لاحقًا، وآن له أن يعلم أنه وبمن معه من كل أقطاب اليمين المتطرف لا يستطيعون فرض رؤيتهم على أحد مهما أوتوا من قوة، ومن دهاء، ومن نفوذ في كثير من دول هذا العالم، وفي كثير من أنظمة العرب التي يرى نتانياهو بعينيه، ويسمع بأذنيه أنها قد بدأت تتهاوى أمام ضربات الشعوب وأحرارها وحرائرها، وأن نظامًا واحدًا يطمئن إليه نتانياهو، ويعلق عليه الآمال لن يبقى قائمًا في بلاد العرب، لسبب واحد بسيط هو أن هذه الشعوب قد عرفت طريقها، وأنها لن تكتفي بأقل من قيام دولة العرب على كل أرض العرب، طال الزمن أم قصُر، وأنه لا بد من روما وإن طال السفر!! ولن تسمح بعد اليوم لغربيّ أن يتحكم بها، مهما كلّفها ذلك من تضحيات.

 

    وإذا كانت الثورات التي يشهدها الوطن العربي اليوم هي التي دفعت نتانياهو لتغيير طريقة تعامله مع الفلسطينيين، ودفعته للتوجه نحو أمريكا طالبًا مساعدتها ومشورتها في الأمر، وجعلته على استعداد للموافقة الفورية على حل مؤقت تؤجَّل معه قضايا الحل النهائي إلى المفاوضات التي سيؤدي إليها هذا الحل المؤقت القائم على حدود مؤقتة لهذه الدولة الفلسطينية التي يتحدثون عنها منذ عقود، وإذا كان نتانياهو قد نسي في غمرة ما يحدث أن الفلسطينيين كانوا قد رفضوا أي حل مؤقت قائم على حدود مؤقتة، وأنهم مازالوا يرفضون ذلك، وإذا كان قد نسي أيضًا أن العرب اليوم هم أصحاب القرار في كل قضاياهم؛  فإن الثورات التي سيشهدها هذا الوطن العربي، وإن نتائج هذه الثورات، وما ستسفر عنه على كل الأرض العربية، قد تكون السبب الذي سيرغم نتانياهو وغير نتانياهو من قادة الدولة العبرية، على التخلي عن سياسة المراوغة والاستعلاء والاستكبار، وعن الاصطياد في المياه العكرة، وكل محاولات الاستغفال والاستغلال والضحك على الذقون، وقد تكون السبب في أن يتوجه هؤلاء نحو حلول عملية قد تعود معها الحقوق إلى أصحابها، وقد يعيش معها الناس جميعًا في هذه الديار، وفي غير هذه الديار، بأمن وأمان وسلام، وقد لا تكون.. إن غاية ما أريد  قوله لنتانياهو هنا هو أن الاستيطان كله غير شرعي، وأن السلام والاستيطان ضدان لا يلتقيان، وأنه لا سلام بدون عودة الحقوق إلى أصحابها.. وأن السلام العادل الدائم المقنِع المشرِّف هو السلام الذي ترضى عنه الشعوب، وهو السلام الذي يعود معه السيف إلى قرابه، ويعود معه الحق إلى نصابه، والأسد إلى عرين غابه، وهو السلام الحقيقي الذي ينبغي أن نسعى إليه جميعًا في هذه الديار.

14\3\2011

 

   

 

 

 

 


الخميس، ١٠ آذار ٢٠١١

في اليوم العربي للمكتبة..!!

متابعات

في اليوم العربي للمكتبة..!!

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

   كيف لا يخصص العرب يومًا للمكتبة، وهم من أوائل الأمم التي اشتغلت بالعلوم والآداب والفنون والفلسفات في هذا العالم؟ وكيف لا يخصصون أيامًا للكتاب والمعلم والطالب والمؤلف والمكتبة والبحث العلمي، وهم يقفون على رأس الأمم والشعوب التي شجعت هذا كله، وعملت على تكريمه وتعميمه واحترامه قبل أن تفطن إليه أمم كثيرة في هذا العالم؟ وكيف لا يعتني العرب اليوم بالكتب والمكتبات، وهم الذين اعتنوا بالكتب، وأقاموا المكتبات العامة في غرب الدنيا وشرقها على امتداد ذلك العالم الإسلامي؟ وكيف لا يحتفي العرب اليوم في نابلس والناصرة وغزة والقدس والخليل، وفي كل مدن العرب وحواضرهم ومراكز ثقافتهم وعلومهم بهذا اليوم العربي للمكتبة، وهم من احتفوا بالمكتبة والكتاب منذ قرون في إشبيلية وطليطلة وغرناطة وبرشلونة وخراسان وطشقند وبخارى وسمرقند وفي كل أقطار المشرق الإسلامي الذي كان ولا يزال؟ 

    وإذا كان العرب اليوم يتلمّسون طريقهم نحو نهضة شاملة في كل مناحي الحياة، ويغذون الخطى نحو نظام سياسي اقتصادي ثقافي عصري يحقق لهم طموحاتهم وأحلامهم وأمانيهم في حياة حرة كريمة، ومكانة تليق بهم بين أمم هذا العالم وشعوبه، فإن مما لا شك فيه أنهم في مسيس الحاجة للقراءة والاطلاع، وفي مسيس الحاجة للعلم والمعرفة واستيعاب تجارب الشعوب والاستفادة من خبراتها في كل مجالات الحياة، وهذا يعني أن يضاعفوا اهتمامهم بالكتاب وبالمكتبة، وبكل وسائل المعرفة الأخرى التي جعلت من الكون كله قرية صغيرة في خضمّ ثورة المعلومات التي تتردد أصداؤها اليوم في كل جنبات هذا الكون..

    إن مما يدعو للأمل والثقة والارتياح والتفاؤل بغد مشرق لشعوب أمة العرب في كافة أقطارها هو هذه النهضة العلمية الشاملة التي يشهدها العرب في بلدانهم، وإن كنا نتوقع أن تشهد بلاد العرب مزيدًا من الاهتمام بالعلم والمعرفة، ومزيدًا من الاهتمام بالمدارس والجامعات، ومراكز البحوث والدراسات، ومزيدًا من الاهتمام بالدارسين والمدرسين والمؤلفين والباحثين والمفكرين والمبدعين من أبناء هذه الأمة، والمبدعات أيضًا من بناتها.. وإن كنا نتوقع أيضًا ثورات علمية ثقافية معرفية في كل بلاد العرب تواكب هذه الثورات الشعبية التي تعصف بأولئك الطغاة المستبدين الذين يذلّون العرب في كثير من ديار العروبة.. لأن الثورات الشعبية وحدها قد لا تكون كافية لتحقيق ما تصبو إليه الشعوب، ولأنه قد يكون بإمكان أعدائها خداعها، والانحراف بها عن غاياتها وأهدافها، ولأنه لا بد من الثقافة الثورية، ولا بد من الوعي واليقظة والتمرس بتجارب الشعوب وخبراتها في معاركها ضد التخلف والاستبداد والاستعباد الذي عاشته تلك الشعوب، ولأنه لا بد من الفكر السياسي المستنير هاديًا وسبيلاً لانتزاع النصر على كل التحديات، وتحقيق الأهداف والطموحات التي لا بد منها، ولا غنًى عنها لأمة تبحث عن ذاتها، وتبحث عن موطئ قدم لها بين الأمم المحترمة  في هذا العالم، بعد أن كانت لعهود وعقود أمة استعبدها أعداؤها، وجردوها من الفعل، وقذفوا بها من نافذة التاريخ لتستقر مِزَقًا وكسفًا من الليل على الأرصفة، وفي الطرقات تحت أقدام السابلة من المتسكعين والمتسكعات خارج حدوده، وتحت أسواره التي شادَها العرب فيما شادوا للبشرية، عندما كانوا يومًا أساتذة للتاريخ في هذه الدنيا، وقادةً وسادةً وهادة ومعلمين للناس.

      وإن ما يدعو لمزيد من الإصرار على هذا الذي ندين به، وندعو إليه، ونعتقد أنه الصواب هو ما حدث لكثير من الشعوب في الماضي السحيق والوسيط والحديث، عندما اندثرت شعوب، وانقرضت أمم، وبادت خلائق، وانهارت دول وممالك في شرق الدنيا وغربها، ومن بين كل ما ذكر، كان العرب الذين تحالف عليهم الشرق والغرب يومًا، وتكالبت عليهم الذئاب والكلاب وتقاطرت نحوهم السباع والضباع من كل حدب وصوب، وحطت فوق رؤوسهم طيور السماء.. ومع كل ذلك، وعلى الرغم من شراسة الزحف المغولي المتحالف مع المد الغربي الصليبي، وعلى الرغم من الترهل العربي الإسلامي آنذاك، وعلى الرغم من تلك الهزائم التي مني بها المسلمون والعرب على أيدي أولئك الغزاة المتحالفين ضد العرب والمسلمين من غرب الدنيا وشرقها، وعلى الرغم من وقوع كثير من أقطار المشرق الإسلامي العربي تحت احتلال مغولي صليبي همجيٍّ دمويٍّ لا يعرف الرحمة إلا أن هذه الأمة العربية الإسلامية في تلك الأقطار المحتلة وغير المحتلة لم تخضع، ولم تركع، ولم تهن ولم تستسلم، بل إن العرب والمسلمين الذين هُزموا عسكريًّا قد انتصروا على الغزاة ثقافيًّا، وإن كثيرًا من أولئك الغزاة قد دخلوا في دين الله أفواجًا، لأن المهزومين يومها كانوا أهل ثقافة، وكانوا أهل رسالة، وكانوا أهل عقيدةٍ، ورؤية شاملةٍ ومتكاملةٍ في الكون والإنسان والحياة؛ فلم يهنوا، ولم يضعفوا، ولم يستسلموا، ولم يخضعوا لأولئك الغزاة، بل راحوا يعملون جاهدين من أجل استعادة زمام المبادرة، وراحوا يشحذون الهمم والعزائم، ويستصرخون الآساد من كل مجثم، حتى انتصروا على الهزائم، وانتقموا من أعداء العروبة والإسلام شر انتقام، وحرروا كل ديار العروبة والإسلام من أولئك الغزاة الجناة الطغاة الجفاة اللئام.. ولو لم يكن العرب والمسلمون على جانب عظيم من الوعي والعلم والمعرفة، ولو لم يكونوا على حظ عظيم من الثقافة والفكر وسلامة المعتقد، ولو لم يكن العرب والمسلمون صنّاع أمجاد وحضارة عظيمة فاعلة في التاريخ، ولو لم يكونوا ذوي هوية واضحة ثابتة محددة المعالم والصفات والمواصفات لكان من الممكن أن يضعفوا، ولكان من الممكن أن يرضخوا وأن يستسلموا، ولكان من الجائز أن ينقرضوا، وأن يزولوا مثلما انقرضت شعوب، وكما زالت خلائق.. ولكنها سنن الحياة التي قضت أن يتأثر المغلوب بالغالب بعد هزيمة عسكرية عندما يكون هذا المغلوب مهزومًا ثقافيًّا وحضاريًّا وفكريًّا ونفسيًّا.. ولكن الغالب يتأثر بالمغلوب عندما يكون الأمر بخلاف ذلك، وعندما يكون هذا المغلوب على جانب من القوة التي يفتقر إليها الغالب، وهو ما حدث في تلك الحقبة من تاريخ العرب الوسيط، وهو ما نراه يحدث يقينًا في كثير من بقاع الأرض في عالمنا هذا، وفي زماننا هذا، وفي يومنا هذا، في وطننا هذا، وفي بلدنا هذا.

   في نابلس وفي غير نابلس من مدن هذه البلاد ، وقبل ذلك، أو بعده، وبالتزامن معه في تلك المرحلة المتقدمة من حياتنا ذات الارتباط الوثيق النفسي العميق بهذه الأرض الطيبة عرف الناس المكتبة العامة التي كانت تتويجًا لانتشار المدارس بكل مستوياتها ومراحلها، وكانت فتحًا مبينًا، ونصرًا مؤزرًا للكلمة الصادقة الأمينة، وللكتاب بكل ألوانه ومستوياته واتجاهاته وتوجهاته.. قبل أكثر من خمسين عامًا عرفت نابلس، وعرف الناس في نابلس مكتبة عامة كانت منارة علم وثقافة ومعرفة، وكانت قبلةً للأجيال، وتحفة للنظار، ولا تزال.. كما عرفت القدس، وعرف الناس في القدس أيضًا مكتبة عامة بل مكتبات عامة كهذه التي عرفتها نابلس، وفي غزة والخليل وغيرهما عرفت كل مدن هذا الوطن مكتبات عامة، وحركة ثقافية رائدة، واهتمامًا بالكتاب والكتّاب على الرغم من رقة الحال، وضعف الموارد، وقلة الإمكانات.. كما عرفت الناصرة وحيفا ويافا وغيرها قبل ذلك عددًا من المكتبات العامة وألوانًا من النشاط الثقافي والصحافي الذي كان له أبلغ الأثر في تنمية الشخصية العربية الفلسطينية، والحفاظ على الهوية العربية الفلسطينية، على الرغم من كل ما حدث بعد ذلك، وعلى الرغم من كل عوادي الزمن، وتقلبات الليالي والأيام، وعلى الرغم من كل محاولات الاقتلاع والتهجير التي شهدتها هذه الديار قبيل وقوع الزلزال، وبعد الزلزال، ولا تزال.

    هذه المكتبات.. وهذا الاهتمام بالكتاب، وهذا التشبث بالأرض وبالهوية، وهذا الوعي.. كل ذلك كان علامات فارقة في تاريخ هذه الديار، وكان نقاط قوة في رصيد الحركة الوطنية في بلادنا التي ما زالت قوية بوعي جماهيرها، قوية بقوة إيمانهم، وثباتهم، ونور يقينهم، قوية بقوة ثقافتهم العربية التي تجري في شرايينهم، قوية إلى الحد الذي ينبغي لها أن تكون عليه، وإلى الحد الذي يمكّنها من الوقوف بقوة في وجه هذه الأعاصير التي تهب على الناس من كل اتجاه.. لقد كانت الحركة الثقافية، ولا تزال، سر قوة هؤلاء الناس، وسر ثباتهم في وجه الأعاصير، وسر وقوفهم في وجه كل التحديات التي فُرضت عليهم، ولا تزال تُفرض، ولسوف تبقى الحال على هذا المنوال إلى أن يصدر التاريخ حكمه، وإلى أن يقول الحق كلمته في هذا الصراع الثقافي الحضاري بين كل هذه الأجيال، وإلى أن يأتي ذلك اليوم ستظل المكتبة، وسيظل الكتاب، وستظل الثقافة، وستظل كل مصادر الثقافة، وكل ينابيعها هي العامل الأكثر حسمًا في القضايا المصيرية التي ينتظر الناس في هذه الديار، وفي كل ديار العروبة حكم التاريخ بشأنها، وكلمة القضاء العادل بحقها.

في اليوم العربي للمكتبة نقول إن الشعوب لا يمكن أن تنهض، ولا يمكن أن تحقق أهدافها وغاياتها في التحرر والتحرير والبناء والإعمار والتقدم والرِّفاء إلا بالعلم والمعرفة وسعة الاطلاع والإبداع.. وفي اليوم العربي للمكتبة نرجو أن يكون الشباب في كل ديار العروبة أكثر اهتمامًا بالمطالعة، وأكثر اهتمامًا بالكتاب، وأكثر ترددًا على المكتبات العامة في مدنهم وقراهم.

8\3\2011