عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


الأحد، ٣١ أيار ٢٠٠٩

الأردن للأردنيين.. وللفِلَسطينيين وطنُهم!!

متابعات

الأردن للأردنيين.. وللفِلَسطينيين وطنُهم!!

أ‌.      عدنان السمان

www.samman.co.nr

    حتى لا يصل كثير مما يُكتب أو يُقال في الشتاء وبرده القارس في فصل الصيف وحرّه اللافح اللاهب إن وصل.. وحتى لا يتبخر كثير مما يُكتب أو يُقال في الصيف ليصبح مثل ذكرى حزينة وطيف.. وحتى لا يختلط الحابل بالنابل، والنابل بالحابل، والقادم بالراحل، والراحل بالقادم، والآجل بالعاجل، والعاجل بالآجل..  وحتى لا يحدث كل هذا الغمّ والهمّ، وكل هذه الجَلَبَةِ والحركةِ والإرباك... وأنا هنا لا انقد فردًا، أو مجموعة من الأفراد، أو مؤسسة، أو نظامًا متَّبعًا في مؤسسة.. ولا انتقد حتى هذه النُّخب التي ألفَتْ نفسها في مواجهة مستمرة لا يمكن أن تتوقف أو تهدأ مع كل صوت جادٍّ جريء يطالب (فيما يطالب) بتحريرها مما هي فيه من تخبّط واضطراب ، ومما هي عليه من تشنّج وتوتّر، وتناجش، وما تؤول إليه حالها من تنابذ وتخاصم وتدابر واغتراب.. نعم والله، إنني لا انتقد هنا أحدًا، وإنما أطلقها زفرةً تعبّر عما في النفس من ألم مُمِضٍّ سببه ومصدره على حد قول الشاعر العربي: وظلم ذوي القربي...  نعم والله، إنه لأشدّ مضاضةً على النفس من وقع الحسام المهنّد، ومن الحكم على الأبرياء بالسجن المؤبّد، بل إنه لأشد مضاضةً على النفس من وقع القذائف المدمرة التي تحرق كل شيء بنيرانها، وتضع نهاية لكل شيء بأحقادها وسمومها وقدرتها على الإحراق والتقتيل والترويع والتدمير.

    وحتى لا يكون الأمر مثل صرخة في واد، وحتى نجنّب البلاد والعباد كل شرور أنفسنا، وكل سيئات أعمالنا، وكل أنواع الدسائس والمكائد والمؤامرات التي تحاك خيوطها هنا وهناك وهنالك بدهاء، ومقدرة على الانتقال من هذه المرحلة إلى تلك؛ فإن علينا جميعًا على كل أرض الوطن، وفي كل ديار الغربة والشتات واللجوء أن نعلن للدنيا كلها موقفنا الواضح الصريح من كل ما يُطرح اليوم من أفكار تحمل في أنيابها السم الزعاف لشعبنا العربي الفلسطيني، ولقضيته العادلة.. نعم إن علينا جميعًا أن نعلن رفضنا القاطع لفكرة الأوطان البديلة، ورفضنا القاطع لفكرة التوطين، ورفضنا القاطع لفكرة التعويض، ورفضنا القاطع لفكرة التنازل عن المواقف، والثوابت، والحقوق الوطنية، والتاريخية التي يعرفها الناس جميعًا في هذه الديار، وفي غير هذه الديار من ديار العروبة والإسلام، وفي هذا العالم أجمع.

    نعم.. علينا أن نرفض كل اقتراح من شانه أن يزيد من متاعبنا، ومن معاناتنا، ومن ضياع حقوقنا الثابتة في بلادنا فلسطين… إن ما نسمعه اليوم من أن الأردن هو وطن الفلسطينيين ، وأنه هو الدولة الفلسطينية التي من الممكن أن تقام إلى جانب الدولة العبرية هو كلام لا يبغي قائلوه منه سوى الفتنة، وجرّ كل أهل هذه الديار إلى معارك جانبية لا تفيد إلا أصحاب هذه الأفكار الغريبة الشاذة التي لن تخرج بأي حال من الأحوال إلى حيز التنفيذ… إن هذه الأفكار الغريبة يجب أن تُرفَض جهارًا نهارًا وعلى رؤوس الأشهاد، ومن كل الفئات والجهات والمستويات في هذا الوطن.. إننا نرفض أن يكون الأردن دولة للفلسطينيين، ونرفض أن نحمل الجنسية الأردنية إلا بمقدار ما يساعدنا ذلك على تحقيق أهدافنا وتطلعاتنا الوطنية والقومية، ويخدم قضايانا، وأهدافنا في التحرير، والتحرر، وتقرير المصير، وبناء دولة الوحدة العربية الكبرى على كل أرض العرب…

    الأردن للأردنيين.. والفلسطينيون فيه أشقاء يقيمون على أرضه بين أشقائهم، لا فرق بينهم في الحقوق والواجبات، يتعاونون على إعماره وبنائه ويتعاونون على حمايته من أي عدوان، ويتعاونون جميعًا على المحافظة عليه بلدًا عربيًّا إسلاميًّا مثل غيره من كل أقطار العروبة، وفي كل ديار الإسلام… أما أن يكون وطنًا بديلاً، فأمر مرفوض فلسطينيًّا، وأردنيًّا، وعربيًّا، وإسلاميًّا، ودوليًّا،.. إنه دعوة لفتنة سيقضي عليها الشعبان في مهدها.

    أما العنوان الثاني في هذا المقال فهو أن للفلسطينيين  وطنهم الذي يعيش فيه نصفهم، وسيعود إليه نصفهم الذي يعيش في ديار الاغتراب واللجوء منذ عام النكبة الأولى، وبعضهم منذ النكبة الثانية… وما من شك في أن الفلسطينيين جميعًا تواقون للسلام العادل الدائم الشريف المتكافئ الذي يعيد الحقوق إلى أصحابها، والذي لا غالب فيه ولا مغلوب.. وقد بات معروفًا لدى المحافل الدولية أن الفلسطينيين يطالبون بدولة ضمن حدود الرابع من حزيران تكون قابلة للحياة، وذات تواصل جغرافي، خالية من المستوطنات والمستوطنين، عربية حرة ذات سيادة تبلغ مساحتها الإجمالية ستة آلاف ومئتين وسبعة وخمسين (6257) كيلومترًا مربعًا، حيث أن مساحة الضفة الغربية تبلغ خمسة آلاف وثمانمائة وتسعة وسبعين (5879) كيلومترًا مربعًا، وتبلغ مساحة قطاع غزة ثلاثمائة وثمانية وسبعين (378) كيلومترًا مربعًا.

    إن هذه الدولة الفلسطينية التي يطالب بها الفلسطينيون تصطدم بالممارسات الإسرائيلية، وبالنوايا الإسرائيلية التي تريد أن تجرّدها من كل مضامينها ومعانيها بالإبقاء عليها جيوبًا ومعازل ضمن الدولة العبرية القائمة على أرض الواقع من البحر إلى النهر… الإسرائيليون لا يريدون الانسحاب من القدس، ولا يريدون الانسحاب من الضفة الغربية، ولا يريدون رفع الحصار عن غزة، ولا يريدون إخلاء المستوطنات القائمة في الضفة الغربية، بل على العكس من ذلك، فإنهم يوسعون هذه المستوطنات كل يوم، ويضمون إليها أجزاء من أرض الضفة الغربية والقدس في كل يوم بحجة التكاثر والزيادة الطبيعية في عدد المستوطنين، فإذا قال لهم قائل: ولماذا تتكاثرون على أرضنا؟ قالوا: إنها أرضهم يفعلون بها ما يشاءون!!

    إن الإسرائيليين يرفضون عودة اللاجئين والمهجَّرين الفلسطينيين أيضًا، ويرفضون رفع أيديهم وأرجلهم عن مصادر الطاقة، والمياه الجوفية، والثروة المعدنية، والفضاء، والمعابر، والحدود… وباختصار فإن الإسرائيليين يريدون كل أرض فلسطين التاريخية البالغة مساحتها سبعة وعشرين ألفًا وتسعة (27009) من الكيلومترات المربعة، ويريدون السلام مع الفلسطينيين، ومع العرب، ومع المسلمين… فكيف كان ذلك؟؟

31/5/2009

     


السبت، ٣٠ أيار ٢٠٠٩

من أحاديث جَدّي...

أدبيات

من أحاديث جَدّي...

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

قال الفتى: هل قرأتَ يا جدي قول الشاعر:

أتته الخلافةُ متفـادةً        إليه تجرّرُ أذيــــالها

فلم تكُ تصلحُ إلا لهُ        ولم يك يَصْلُــحُ إلاّ لها

ولو رامها أحد غيرُهُ        لزلزلت الأرضُ زلزالَها!

قال الجد: نعم قرأتها، ولكنّ أبا العتاهية الشاعر كان مبالغًا فيها على عادة كثير من الشعراء   العرب، على الرغم من وجود استعارة مكنيّة جميلة في البيت الأول، حيث شبّه الخلافة بعروس تجرر أذيالها...

قال الفتى: أعرف هذا جيّدًا يا جدّي، فقد تمرستُ بقضايا البلاغة حتى أضحت لعبتي.. ولكنني أريد أن أسألك عن معنى الفعل"رامَ" في البيت الثالث بخاصة، وعن معاني هذا الفعل بعامة.. فهل هذا ممكن؟

قال الجد: رامها في البيت الثالث تعني أرادها وطلبها. جاء في لسان العرب، وفي المنجد الذي بنى عليه، وأخذ منه: رامَ رَوْمًا ومَرامًا الشيءَ: أراده، فهو رائم والجمع رُوَّمٌ ورُوّام. رَوَّمَ فلانًا، وروَّم به: جعله يروم. وَرَوَّمَ رأيَه: هَمَّ بشيء بعد شيء. والمَرام جمع مرامات: المطلب. رَوَّمَ: لَبِثَ. تَرَوَّم به: تَهزَّأَ. الرّام: نوع من الشجر. الرّامة: مستنقع يجتمع فيه الماء، موضع في البادية. الرَّوْم: شحمة الأذن. الأروام: الواحد"روميّ": جيل من الناس يسكنون شمالي البحر المتوسط، فرقة من النصرانية، بحر الرُّوم: البحر المتوسط، ويقال له أيضًا البحر الأبيض. الرُّومة:الغراء يُلصق به ريش السهم. رُومَة ورُومْيَة: مدينة في إيطاليا، والنسبة إليها رومانيّ. الرُّومنطيقيّة أو الرومانسيّة: مذهب أدبي يتغلب فيه الشعور والخيال على العقل، وتسيطر فيه الفردية، والكلمة فرنسية.

قال الفتى: وإذا قال قائل مخاطبًا عزيزًا لديه، أو أثيرًا عنده: "أنتَ قائمٌ بيننا لا تريم" فما الذي   يعنيه بذلك؟

قال الجد: يعني أنك مقيم بيننا ثابت لا تفارق ولا تزول.. وهي أيضًا من معاني الفعل" رامَ" التي سألتَ عنها آنفًا، ثم قاطعتني في أثناء إجابتي ظنًّا منك أنني انتهيت من الإجابة. أليس كذلك؟

قال الفتى: بلى، يا جدي.. إنه لكذلك، فقد خُيِّل إليّ أنك فرغتَ من الإجابة، فقفز إلى ذهني هذا السؤال الفرعي.. أرجو المعذرة.

قال الجد: ومن معاني الفعل " رامَ" أيها الغالي: مالَ، ورامَ عنه: تباعَدَ، ورامَ المكانَ ومنه: زالَ عنه وفارقه. يُقال: " ما رام يفعلُ كذا" أي ما زال، وهي تعمل عمل كان كقوله: "إذا رُمْتَ ممن لا يريمُ متيَّمًا" أي لا يزال مُتَيَّمًا. ورَيْمًا ورَيَمَانًا الجرح: انضمَّ فمه للبرء. رامَ يريمُ رَيْمًا بالمكان: أقامَ وثبتَ. رِيمَ به: قُطِعَ وتُرِكَ. رَيَّمَ ترييمًا بالمكان: أقامَ. ورَيَّمَت السحابة: دامت فلم تُقْلِعْ. رَيَّمَ ترييمًا على كذا: زادَ. الرَّيم: الفضل والزيادة. الرَّيْم: الجبل الصغير، القبر، وسط القبر، آخر النهار إلى اختلاط الظُّلمة، الساعة الطويلة، الدرجة، والريم: الظبي الخالص البياض (انظر الفعل رَأَمَ)

قال الفتى: أي أن الرِّيم أو الرِّئم من الفعل (رَأمَ) لا من (رامَ) .. لكن قل لي يا جدي ما بحر الأبيات التي وردت في مستهلّ هذا اللقاء؟

قال الجد: بحرها هو المتقارَب أحد أشهر أوزان الشعر العربي، وتفعيلته (ب ـ ـ) فعولن مكررة أربع مرات في كل شطر من شطري البيت: صدره وعجزه.

قال الفتى: أيسمح لي جدي بسؤال أخير قد يكون مزعجًا؟

قال الجد: اسأل أيها الغالي كما تشاء، فإن عرفتُ الإجابةَ أجبتُ، وإلاّ فإنني أحيل سؤالك إلى كل من يعنيهم الأمر من ذوي الاختصاص من الزملاء الكرام.

قال الفتى: قلتَ يا جدي إن البحر المتقارب هو أحد أشهر أوزان الشعر العربي، فهل يبين لي جدي مكانة هذا البحر بين بحور الشعر قياسًا إلى ما كُتب في غيره من أغراض وأبيات؟

قال الجد: حبًّا وكرامة، وعلى الرغم من أن الإجابة عن سؤالك هذا بحاجة إلى سلسلة لا تنتهي من المقالات لكثرة ما كُتب من شعر في الماضي، ولكثرة ما يُكتب، وما سيُكتب أيضًا!! إلا أنني سأجيب عنه إجابةً مقتضبة جدًّا، حيث وجد الدكتور على الجندي ( في دراسته الصادرة في العام الثامن والخمسين من القرن الماضي عن شعر الحرب في العصر الجاهلي) أن الأوزان الشعرية في المجموعة الشعرية التي اختارها قد جاءت على أحد عشر بحرًا هي: الطويل، والوافر، والكامل، والبسيط، والمتقارب، والخفيف، والرجز، والمنسرح، والسريع، والرمل، والهزج.. وأن ما قيل من شعر  الفخر على "المتقارب" بلغ مئةً وواحدًا وخمسين بيتًا (151) وفي الهجاء والتوبيخ (15 بيتًا) وفي المدح (97 بيتًا) وفي الوعيد (29 بيتًا) وفي النصح والتحذير (12 بيتًا) وفي الرثاء (5 أبيات) وفي الإثارة (10 أبيات) وفي الإنذار (ـ) وفي الاعتذار (11 بيتا)  وفي أغراض متنوعة (12 بيتًا) وبهذا يكون عدد الأبيات التي رصدها الباحث في تلك المجموعة الشعرية التي اختارها ثلاثمئة واثنين وأربعين بيتًا على هذا البحر،  وبهذا يأتي المتقارب في المرتبة الخامسة بين أحد عشر بحرًا جاءت عليها أبيات المجموعة المختارة، وأما أبيات البحر الطويل فقد كانت (1914 بيتًا) والوافر (851 بيتًا) والكامل (681 بيتًا) والبسيط ( 556 بيتًا) في الوقت الذي بلغ فيه مجموع أبيات تلك المجموعة (5080) خمسة آلاف وثمانين بيتًا.

    وهنالك ملاحظات كثيرة كان من الممكن تسجيلها لولا ضيق الوقت، فمعذرة أيها الحفيد، ومعذرة أيها الأعزاء جميعًا، وإلى الملتقى في موعد آخر إن شاء الله.

30/5/2009

 


الاثنين، ٢٥ أيار ٢٠٠٩

يعقوب الأطرش .. يا مصابَنا الجلل!!

يعقوب الأطرش .. يا مصابَنا الجلل!!

                             

                                                                  بقلم : أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

  رحلتَ يا يعقوب بعد حياة حافلة بالبذل والعطاء والتضحية والإيثار ونكران الذات.. رحلتَ أيها    المعلم بعد مواقف شهد لك فيها جميع عارفيك, وجميع زملائك, وجميع طلابك في هذا الوطن الذي عرف فيك مربِّيًا جريئًا صادقًا مع نفسه مخلصًا لرسالته, بارًّا بأهله وعشيرته وشعبه,عاملاً من أجل قضايا هذا الشعب, وقضايا هذا الوطن .

  رحلتَ يا أبا نادر بعد حياة عامرة بالمحبة والإيمان والتسامح والانتماء إلى فلسطين وطنًا وأرضًا وشعبًا وقضية وتراثًا وثقافة.. رحلتَ وفي ذهنك كثير مما تريد أن تقوله عن معلميك وزملائك في تلك المرحلة المتقدمة من حياتك في الرملة, والخليل, وعمان، وفي ذهنك أيضًا كثير مما تريد أن تقوله عن رحلة العمل الشاق في حقل التربية والتعليم، وكثير مما تريد أن تقوله عن مهنة المتاعب، وعن الأدب والفن، والشعر والشعراء، والإعلام والإعلاميين ومجلسهم الأعلى المقترح الذي أخرجه إلى حيز التنفيذ، وصاغه بشرًا سويًّا بلسان عربيٍّ مبين صديقنا الدكتور حسن عبد الله قبل أيام في زاويته الأسبوعية في " القدس" المقدسية، وكثير مما تريد أن تقوله عن الصحافة وهمومها، والصحافيين وقضاياهم ومشكلاتهم، والمعلمين العاملين والمتفاعدين ورواتبهم وحقوقهم وواجباتهم .. رحلت يا يعقوب وفي قلبك حب كبير للقدس وبيت ساحور ولكل فلسطين .. حب يقفز من سويداء القلب يصوغه اللسان كلامًا جميلاً بليغًا تُسمِعُ به كل الناس في هذا الوطن, وتعكسه أسلة قلمك يا يعقوب أدبًا, شعرًا, نثرًا جميلا تحمله "القدس" لكل قرائها في كل مدن هذا الوطن ومخيماته وقراه .

   رحلتَ أيها الصديق, فكان رحيلك خسارة مُنِيَ بها أصدقاؤك ومحبوك.. وكنت مصابَنا الجلل, وخسارتنا التي لا تعوض.. لقد كنت من أشد أنصار العروبة والإسلام في هذه الديار , وكنتَ من أبرز رموز الأخوة الإسلاميّة المسيحيّة في فلسطين.. كنت نصيرًا للأقصى والقيامة .. نصيرًا للعامل والطالب والفلاح والمعلم والموظف.. نصيرًا لكل فئات الشعب العامل.. فلا عجب إن بكاك هؤلاء جميعًا..ولا عجب إن رثاك هؤلاء جميعًا.. ولا عجب إن بكيتُ فيك الرجولة والخلق والإبداع والوفاء والمحبة يا يعقوب .

    ولئن رحلتَ عنا جسدًا, فأنت باقٍ فينا طيفًا جميلاً وذكرى.. باقٍ ما بقيت كلماتك وكتاباتك ومقالاتك وكتبك .. باقٍ ما بقيت قامتك المديدة ماثلة في الفضاء الرحب نراها بعين الخيال , وترانا من خلال الكلمة والصورة اللتين أثريتَ بهما حياتنا.. وكانت أعمالك الأدبية , ومقالاتك الفنية والسياسية والاجتماعية إرثًا لهذه الأجيال .

     ولئن رحلتَ اليوم أيها الصديق .. ولئن تجرعنا اليوم مرارة فقدك, ولئن كانت خسارة الوطن فيك كبيرة, فإن عزاءنا أيها الأخ الحبيب أننالن ننساك, وأنك قائم بيننا لا تريم , وأن كل ما عرفناه فيك من حميد الخصال, وعظيم المزايا سيبقى فينا ما بقينا..فالضياء لا يموت .. والطير يا يعقوب لا تموت .. فقرَّ عينًا أيها الغالي .. عوضنا الله بفقدك خير العِوَض … وسلام عليك يا يعقوب في الخالدين .       

 

 

                                                   25| 5 | 2009

 


الخميس، ٢١ أيار ٢٠٠٩

التنازلات.. قبل المفاوضات!!

متابعات

التنازلات.. قبل المفاوضات!!

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

    ما إن عاد نتانياهو من الولايات المتحدة الأمريكية حتى أعلن استعداده للبدء فورًا بمفاوضات مع الفلسطينيين والسوريين، مضيفًا أنه كان قد اتفق على هذه الخطوة مع الرئيس الأمريكي أوباما خلال لقاءاتهما في البيت الأبيض.

    وسواء كان نتانياهو قد اتفق على هذا مع أوباما أو لم يتفق، وسواء كانت زيارة نتانياهو للبيت الأبيض ناجحة أو غير ناجحة، وسواء أصغى أحد من العرب إليه أو لم يفعل .. فإن نتانياهو قد قالها بكل صراحة ووضوح، وأعلنها على رؤوس الأشهاد بكل جرأة، وبصوت مسموع.. لقد تحدث نتانياهو كثيرًا عن الأوضاع العامة والخاصة في هذه المنطقة، وفي الوطن العربي، وفي العالم الإسلامي أيضًا قبل لقاءات البيت الأبيض، وخلال تلك اللقاءات.. أحاديث نتانياهو كثيرة، ولكن مفادها ومؤداها قد يُختزل في جملة واحدة هي أن على العرب والفلسطينيين إن أرادوا الدخول في مفاوضات مع الإسرائيليين الرضوخ للشروط الإسرائيلية المسبقة، وهي تقديم التنازلات التي تقررها إسرائيل قبل الدخول في هذه المفاوضات... ربما كانت هذه الجملة طويلة رغم وضوحها، وبالتالي فإن من الممكن اختزالها من جديد في جملة قصيرة مفيدة وهي عنوان درس هذا اليوم: التنازلات.. قبل المفاوضات!!!

    وباختصار شديد، فإن العربة التي وضعها نتانياهو أمام الحصان هي عربة التطبيع، والرضوخ للشروط الإسرائيلية المسبقة، وإلا فإن الحصان لن يتقدم خطوة إلى الأمام، بل ربما تراجع خطوات إلى الخلف، بمعنى أن المفاوضات لن تستأنف، ولن تكون هناك حلول لهذه المشكلات القائمة التي تعتبرها إسرائيل أمرًا واقعًا مريحًا لها، يلبي كثيرًا من احتياجاتها الأمنية، وإن لم يكن هذا الأمر الواقع مثاليًّا، فالمثالي هو ما يصنعه الإسرائيليون في المستقبل، لا الذي صنعوه بالأمس القريب أو البعيد.

    وباختصار أشدّ، فإن نتانياهو يريد أن يقول للعرب إنهم بحاجة لمن يحميهم من الخطر الإيراني الذي يتهدد وجودهم، ولا يقوى على ذلك إلا حليف قوي يمكن الاعتماد عليه هو إسرائيل، وعليه، فإن على العرب أن يقدموا ثمن هذه الحماية إن كانوا راغبين فيها!! وثمن هذه الحماية أن يفتح العرب بلادهم أمام هذا الحليف الإسرائيلي يفعل بها ما يريد، ويتصرف كما يشاء ما دام الهدف حماية هذه البلاد العربية من الخطر الفارسي الإيراني، وحماية العالم الإسلامي بعامة من الزحف الشيعي الصفوي الطامع في كل ديار الإسلام والمسلمين!!

    وباختصار يبلغ حد الاختزال والتكثيف والتقطير، فإن نتانياهو يريد أن يقول لكل العرب، ولكل المسلمين إن إسرائيل ليست عدوًّا لهم، بل هي دولة من دول هذه المنطقة كانت فيها قبل آلاف السنين، ثم عادت إليها، وهي الآن تعيد تشكيلها بشكل يضمن المصالح الحيوية لكل سكان هذه المنطقة الذين آن لهم أن يثقوا بقدرة اليهود على العمل والبناء والتعمير والتطوير، وبقدرتهم أيضًا على فعل ما لا يخطر لأحد على بال من أجل الحفاظ على هذه الدولة العبرية التي أقاموها في العام ثمانية وأربعين، ثم وسّعوا رقعتها في العام سبعة وستين.. وما كان في الماضي احتلالاً أضحى اليوم مجدًا واحتفالاً .. فهم يحتفلون اليوم بأعياد توحيد القدس شرقها وغربها.. وكأن شيئًا لم يكن!!!

    وباختصار يلامس حدود الخرافة، فإن نتانياهو يعلن نفسه اليوم قائدًا عامًّا لهذه المنطقة من العالم، فمن رضي بهذا، وسار تحت لوائه فهو آمن.. ومن رفض فإن نتانياهو يحاصره كما يحاصر غزة والقدس والخليل ونابلس إلى أن يسير في ركب الموالاة الزاحف لإخضاع طهران وحلفائها، وتخليص هذه المنطقة من خططهم ومخططاتهم التي تستهدف إخضاعها، والسيطرة عليها!!

    القادة السياسيون والعسكريون في هذا العالم ليسوا سواء.. هناك كثير من أوجه الشبه، ومن أوجه الخلاف فيما بينهم.. وإن شخصية القائد تصنعها عوامل كثيرة يقف الفكر على رأسها، وتغذيها روافد الثقافة والتربية والأخلاق والتجربة واحترام الذات، وتشد أزرها، وتلهمها، وتسدد خطاها نظرة شاملة للإنسان والكون والحياة، وانتماء حقيقي لدنيا القيم والمثل العليا، ومفاهيم الحضارة الإنسانية الزاهرة الزاهية المشرقة التي تحترم إنسانية الإنسان، وتحافظ على كرامته، وحقوقه، وحرياته الخاصة، كما تحافظ على كرامة الشعوب، وحقوقها، وحرياتها العامة... وفي سيرة كثير من القادة العرب المسلمين مزيد من هذا الفيض الإنساني لمستزيد.. وفي حضارة الإسلام الزاهرة أمم وشعوب وقبائل وألوان وأديان وألسنة عاشت بأمن وأمان ومحبة في ظلال العدل والعدالة والمحبة والسلام.

    إن نظرة إلى هذا القائد أو ذاك، وهو يتحدث إلى شعبه وأمته، مستعرضًا الأوضاع السياسية، أو الاجتماعية، أو العسكرية، أو الأمنيّة، أو الاقتصادية لبلده، وأمته تعكس للسامع أو المشاهد معدن هذا القائد وأخلاقه وثقافته، وقدراته، ومدى حرصه على تحقيق هذه الأهداف.. وما من شك في أن العين مرآة القلب كما قالت العرب، وما من شك أيضًا في أن اللسان وسيلة من أصدق وسائل البيان تعبيرًا عما في العقل والقلب والروح من أفكار ومشاعر وأحاسيس ووجدان... فمن كان صادقًا، مقنعًا في حديثه، مقتنعًا به، منسجمًا مع نفسه، واثقًا بها، مطمئنًّا إليها، تمكّن من النّفاذ إلى عقول الآخرين وقلوبهم، واستحوذ على مشاعرهم، وكسبهم إلى جانبه أصدقاء ومؤيدين ومؤمنين بالهدف والفكرة والأسلوب والممارسة وسيلةً لتحقيق الهدف أو الأهداف.. ومن كان كاذبًا، أو مغرورًا، أو معتديًا وعدوانيًّا في طرحه وشرحه، أو متناقضًا مع نفسه لم يحقق شيئًا من الغاية أو الغايات التي يسعى إليها، ولم يصل إلى عقول سامعيه، أو قلوبهم ومشاعرهم، بل على العكس من ذلك فإنه قد يبوء بعدائهم الشديد، واستهجانهم الأشدّ لكل تفوهاته وتحدياته واستخفافه بالآخرين... وقديمًا قالت العرب إن ما في القلب تبديه صفحات الوجه وفلتات اللسان .. وقديمًا قالت العرب أيضًا: إن ما خرج من القلب حل في القلب، وأما ما خرج من اللسان فقط فإنه لا يتجاوز حدود الآذان.. فهل من معتبر؟؟

21/5/2009

   

   


الجمعة، ١٥ أيار ٢٠٠٩

في الذكرى الحادية والستين للنكبة.. حقائق وأرقام

متابعات

في الذكرى الحادية والستين للنكبة.. حقائق وأرقام

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr 

  لا نريد في هذه الذكرى الحادية والستين للنكبة التي عصفت بنا في العام الثامن والأربعين من القرن الماضي أن نلطم الخدود، ونشق الجيوب على الرغم من كل ما تعرض له هذا الشعب منذ تلك الأيام، ولا يزال.. ولا نريد في هذه الذكرى أن نطيل الوقوف على الأطلال والآثار والمرابع التي كانت، ثم زالت وأمّحت من الوجود على الرغم من كل موجبات ذلك من المشاهد والذكريات التي تتفطّر لهولها الأفئدة، ويشيب لأهوالها الولدان.

    ولا نريد في هذه الذكرى أن نستسلم للأوهام والأحلام، وأن نُخدع بمعسول الحديث، وحلو الكلام، لأن من شأن ذلك أن يقذف بنا إلى قوارع الطرق، ومذلة الأرصفة ومهالكها، وإلى كوابيس المخدرات وكوارثها، وآثارها المدمرة على الجسد والروح.. والعيش بالتالي على التهيؤات والهلوسات، واضطرابات الرؤية والرؤيا، وعمى البصر و البصيرة، وسوء تقدير العواقب والأمور، والخلط بين الأقوال والأفعال، وفقد الصلة بين الأسباب والمسبّبات، وبين الأسماء والمسمَّيات، والواقع القاتم القائم، والماضي الرائع الذي كان!!

    نريد في هذا اليوم أن نتفاءل، وأن نستعيد الثقة بالنفس، ونحن نستعرض مسيرة هذا الشعب العربي الفلسطيني منذ عام النكبة وحتى يومنا هذا.. نتفاءل ونحن نقول: إن عدد العرب الفلسطينيين في الدولة العبرية اليوم يرتفع إلى مليون ونصف المليون، بنسبة مقدارها عشرون بالمائة من عدد السكان، بعد أن لم يكونوا شيئًا مذكورًا في عام النكبة ذاك.. برغم تدمير(531) خمسمائة وإحدى وثلاثين قرية عربية، وبرغم ارتفاع عدد المهجّرين على أرض وطنهم هناك إلى (280.000) مئتين وثمانين ألف مهجَّر، ليصبح عدد من يعيشون في قراهم ومدنهم (1.220.000) مليونًا ومئتين وعشرين ألفًا.. صحيح أن نصف هذه الأقلية العربية الفلسطينية في وطنها تعيش تحت خط الفقر، وأن خمسة بالمائة منهم فقط يعملون موظفين حكوميين معظمهم في جهاز التعليم، وأن هنالك(45) خمسًا وأربعين قرية غير معترف بها في النقب وحده، يفتقر سكانها لأبسط متطلبات الحياة العصرية ومستلزماتها، وان (62%) اثنين وستين بالمائة من سكان تلك الدولة غير العرب لا يرغبون في وجود هذه الأقلية بينهم، ويطالبون بترحيلها كي يتحقق لهم مبدأ يهودية الدولة الذي أصبح أمرًا معلنًا، وشرطًا مسبقًا لمجرد الموافقة على الحديث في بحث موضوع فلسطينيي العام سبعة وستين!!... ولكنّ كل هذا لا يمنع من القول إن هذه الأقلية متمسكة بوطنها، متشبثة بأرضها، واعية على أبعاد  ما يراد بها، تواصل العمل بكل همة وعزيمة وإصرار من أجل تحسين أحوالها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والقانونية، ومن أجل النهوض بهذه الأحوال، وعلى كافة المستويات والصعد بما يعزز بقاءها ووجودها الفاعل على أرض وطنها.

    كما نريد في هذا اليوم أن نتفاءل، وأن نستعيد الثقة بالنفس ونحن نقول: إن عدد العرب الفلسطينيين في ( الضفة الغربية) يبلغ اليوم مليونين ونصف المليون منهم (875.000) ثمانمائة وخمسة وسبعون ألف لاجئ ومهجَّر يعيشون في (19) تسعة عشر مخيمًا، و(1.725.000) مليون وسبعمائة وخمسة وعشرون ألف مواطن.. وإن عدد اللاجئين والمهجَّرين في قطاع غزة يبلغ اليوم(1.125.000) مليونًا ومئة وخمسة وعشرين ألفًا يعيشون في (9) تسع مخيمات، وإن عدد بقية المواطنين هناك يبلغ(375.000) ثلاثمائة وخمسة وسبعين ألفًا.. ليصبح عدد المواطنين العرب الفلسطينيين داخل فلسطين التاريخية (5.600.000) خمسة ملايين وستمائة ألف مواطن ومواطنة... لا أحد ينكر أن الغالبية العظمى من هؤلاء المواطنين تعيش حياة صعبة جدًَا، وأن كثيرًا من مواطني (الضفة الغربية) ولا سيما فئة الشباب والخريجين يغادرون هذه المنطقة للعمل في أي خارج يُتاح لهم، وأن مصادرة الأرض، وبناء المستوطنات، والإمعان في إجراءات العزل والمضايقة والتجويع وبناء الجدار تُجرى على قدم وساق... ولكن لا أحد ينكر في الوقت نفسه أن هذه الملايين التي تعيش هنا على أرض الوطن تشكّل عائقًا بشريًّا يقف بقوة أمام الخطط والمخططات، وسدًّا منيعًا أمام كل إجراءات التهويد، ووضع اليد على مقدَّرات هذا الشعب المتشبث بأرض وطنه بدون حدود.. إن أحدًا لا يمكنه أن يقلل من الأهمية البالغة لهذه الملايين من العرب الفلسطينيين على أرض وطنها.. إنها قضية تريد حلاًّ.. ولا بد للمجتمع الدولي أن يقدم الحل لأنه الذي صنع المشكلة، وأوجد بالتالي هذه القضية.. ولا بد لهذا الحل أن يكون عادلاً ومقنعًا يعيد الحقوق إلى أصحابها كي يُكتب له النجاح.. وإلا فإن القضية ستبقى قائمة تبحث عن حل، وستبقى في الوقت نفسه بجذورها وفروعها وتراكماتها ومستجداتها مصدر قلق وتوتر واضطراب لهذا المجتمع الدولي الذي يجب أن يجد حلاًّ عادلاً مقنعًا لمشكلة من صنع يده.

    إنه، وفي مثل هذا اليوم الذي نستعرض فيه مسيرة هذا النصف المقيم على أرض الوطن من شعبنا العربي الفلسطيني، ليجدر بنا أن نشير إلى نصفه الثاني الذي يقيم منذ عام النكبة في الأقطار العربية المجاورة لفلسطين، حيث تشير الإحصاءات إلى أن عدد الفلسطينيين في هذه الأقطار قد بلغ(3.400.000) ثلاثة ملايين وأربعمائة ألف فلسطيني في لبنان وسوريا والأردن، وأن عدد الفلسطينيين في باقي الأقطار العربية، وغيرها من دول العالم قد ارتفع إلى مليونين، ليصبح عددهم خارج أرض الوطن (5.400.000) خمسة ملايين وأربعمائة ألف فلسطيني .. وبذا يكون تعداد هذا الشعب اليوم أحد عشر مليونًا بالكمال والتمام .

    ولسوف يتضاعف تعداد هذا الشعب خلال السنوات العشرين القادمة، ولسوف تتضاعف أعداد أطبائه ومهندسيه ومحاميه وصيادلته ومعلميه ومثقفيه ومفكريه وإعلامييه وصحافييه وعماله وتجاره ورجال أعماله، ولسوف تتضاعف أيضًا أعداد محبيه ومؤيدي قضيته العادلة من أبناء الشعوب الشقيقة والصديقة في هذا العالم.

    إننا، وبالرغم من كل هذه الإيجابيات التي يراهن عليها شعبنا، ويعقد عليها آماله في تحقيق الأهداف والطموحات والآمال، وبالرغم من إيماننا المطلق بحتمية انتصار قضايا الشعوب العادلة على مر العصور، وتعاقب الأجيال والدهور، منذ فجر التاريخ، وحتى يومنا هذا، وبالرغم من إيماننا بحتمية انتصار قضية شعبنا في نهاية المطاف، لأنها واحدة من قضايا الشعوب العادلة التي انتصرت، ولأن خلفها شعبًا مُؤمنًا تسلح بالعزيمة والإرادة والإصرار.. إلا أنه لا بد من الإشارة بمرارة وألم إلى مواقف أولئك الذين يتنكرون لحقوقنا الثابتة المشروعة في بلادنا، وعلى ثرى أرضنا الطهور، ولا بد من الإشارة إلى هذه النوايا السيئة التي أصبحوا يظهرونها تجاهنا علنًا، ويجاهرون بها صباح مساء، ولا بد من الإشارة إلى كل هذه الممارسات التي تستهدف حصارنا، وتجويعنا، والتضييق علينا، وحشرنا في هذه المعازل والمعتقلات الصغيرة والكبيرة، وتجريدنا من أبسط حقوقنا في الحياة والحرية والتقدم والرِّفاء!!

    هل نسي هؤلاء حقيقة أننا أصحاب هذه الأرض مذ كانت؟ وهل نسي هؤلاء أننا شعب عريق أصيل حفر بصماته بقوة على جدار الزمن منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها؟ وهل نسي هؤلاء أننا ننتمي لخير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله؟ وهل نسي هؤلاء أننا شعب طيب متسامح محبٌّ للآخرين، محبٌّ للحق والعدل والحرية والسلام، وأن العيش معنا وبنا، وإلى جوارنا، وفي كنفنا أمر ممكن إذا لم نُظلم، وإذا لم نُستفزّ، وإذا عاملنا الآخرون بما نحن أهله من احترام؟

    إننا في هذا اليوم الزاخر بالحوادث والأحداث والمشاهد والذكريات المؤلمة الحزينة والرؤى والأخيلة والخيالات المتصارعة المتشابكة المتقاطعة التي تعصف عصفًا بهذه الذاكرة التي مزقتها الأحداث، وأدمتها الخطوب والكوارث والأهوال .. إننا في هذا اليوم الذي نقف فيه خاشعين ونحن نحيي فيه ذكرى شهدائنا الذين سقطوا منذ عام النكبة، وعلى امتداد عهد الانتداب البريطاني، وحتى يومنا هذا، ونحيي فيه ذكرى أسرانا الذين أضاءوا السجون والمعتقلات ومراكز التوقيف بنور إيمانهم ويقينهم على مر الدهور، وتعاقب العصور... إننا في هذا اليوم الذي نختزل فيه التاريخ كله، ونختزن فيه الآلام والفواجع والكوارث والنكبات كلها، لنَمدّ أيدينا مصافحين كل المؤمنين بضرورة بناء سلام عادل دائم شريف متكافئ في هذه الديار.

15/5/2009

 

   

   



Hotmail® has a new way to see what's up with your friends. Check it out.

فعاليات إحياء ذكرى النكبة.. دلالات واستنتاجات

متابعات

فعاليات إحياء ذكرى النكبة.. دلالات واستنتاجات

أ‌.     عدنان السمان

www.samman.co.nr

   لقد أحيا العرب الفلسطينيون في الجليل والمثلث منذ أيام الذكرى الحادية والستين للنكبة بمهرجانات ضخمة شارك فيها فلسطينيو الداخل على اختلاف فئاتهم العمرية، وتوجهاتهم السياسيّة، ومستوياتهم الاقتصادية والاجتماعية.. كما أحيا فلطسينيّو أوروبا هذه الذكرى أيضًا بمهرجان خطابي حاشد شاركت فيه شخصيات فلسطينية دينية وسياسية من فلسطينيي الداخل، والأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام سبعة وستين.. وها هم العرب الفلسطينيون في لبنان وسورية وغيرهما من بلاد العرب يحيون هذه الذكرى في الوقت الذي تشهد فيه مدن الضفة الغربية ومخيماتها وقراها، وسائر المدن والقرى والمخيمات في قطاع غزة مسيراتٍ ومهرجاناتٍ واحتفالاتٍ صاخبةً إحياءً لهذه الذكرى الحادية والستين للنكبة.

    الشعب العربي الفلسطيني بنصفه المقيم هنا على أرض الوطن، ونصفه المقيم هناك خارج أرض الوطن يحيي هذه الذكرى، ويجدد العهد والقسم والإصرار على العودة إلى هذه الديار، واستعادة الحقوق الفردية والجماعية.. الوطنية والدينية.. القومية والتاريخية.. الثقافية والحضارية لهذا الشعب في أرض وطنه فلسطين... فما الذي يعنيه إحياء ذكرى النكبة؟ وما الذي تعنيه كل هذه الاحتفالات، وكل هذه المِهرجانات، والمسيرات، والتظاهرات؟ وما الذي يعنيه كل هذا الإصرار على تحقيق الأهداف في العودة، والعيش الكريم الحر على أرض الوطن ؟ وما الذي يعنيه كل هذا الإصرار على عودة القدس حرة عربية كما كانت قبل أن تطأها أقدام الغزاة المحتلين؟ وما هي الدلالات التي ينطوي عليها كل هذا الإصرار، وتشتمل عليها كل هذه الفعاليات التي أجريت وتُجرى وستُجرى داخل الوطن وخارجه؟ وما هي الاستنتاجات التي يستخلصها المراقبون والمحللون السياسيون المحايدون بعيدًا عن الهوى والتعصب والانحياز، وبعيدًا عن كل مظاهر التأثر بالغرور والتزوير والاستغفال والاستكبار؟

    إحياء ذكرى النكبة يعني رفضها، والعمل على تجاوزها، وتصحيح مسار الحوادث والأحداث التي أدت إليها، ومعالجة أسبابها ومسبباتها للخروج من نتائجها، وما أفرزته هذه النتائج من آثار، وما أحدثته تلك المؤثرات والعوامل من أضرار... والذي تعنيه هذه الاحتفالات، والمهرجانات، والمسيرات، والتظاهرات هو حركة التاريخ النشطة الفاعلة نحو الهدف.. وما التاريخ إلا هذا السجل المفتوح للتغيرات والمتغيرات التي تحدثها الأجيال المتعاقبة في تواصلها، وفي مسيرتها الواحدة الموحدة منطلقاتٍ ورؤًى ونظرياتٍ وأهدافًا... وما الإصرار هنا إلا هذا الإصرار المطلق على عودة الروح إلى الجسد، وإذا كانت فلسطين جسدًا، فإن القدس هي الروح.. وهيهات أن تكون هنالك حياة بعد فصل الروح عن الجسد!!

    أما الدلالات التي ينطوي عليها هذا الإصرار، وتشتمل عليها هذه الفعاليات التي أجريت وتُجرى وستجرى حتى تحقيق الغايات والأهداف فهي أن كافة الممارسات التي اتُّخذت بحق هذا الشعب، وأن كافة التوقّعات التي بُنيت على هذه الممارسات قد كانت ممارساتٍ خاطئةً، وتوقعات جانَبَها الحدّ الأدنى من الصواب وبُعد النظر، وأن كل ما قيل من أن الكبار يموتون، والصغار ينسون هو قول تقف على سذاجته آلاف الأدلة والبيّنات.. فالكبار كانوا أساتذة ومعلمين، والصغار كانوا تلاميذ نجباء ساروا على خطى المعلمين والآباء.. وإن لهذا كله معنًى واحدًا هو أن التجديف ضد التيار صعب، وأن مخالفة قوانين الطبيعة أمر محكوم عليه بالفشل، وأن حبل الافتراء والكذب والتزوير قصير، وأن الطمع ضرَّ وما نفع، وأن الليل مهما طال زائل، وانه لا يصح إلا الصحيح.

    وأما الاستنتاجات التي يستخلصها اليوم كافة المراقبين والمحللين السياسيين الموضوعيين المحايدين فهي أن ما بُني على باطل فهو باطل، وأن الشعوب لا تموت، وإنما تمر في دورات كالدول، وأن مَن سلَّ سيفَ البغي قُتل به لا محالة في نهاية المطاف، وأن الظلم مرتعه وخيم، وأن مَن حفر حفيرًا لأخيه كان حتفه فيه...صحيحٌ أن هذه هي لغة الأدب والأدباء والمتأدبين، وليست لغة السياسة والسياسيين والمتسيسين، وصحيحٌ أن هنالك حدودًا وفواصل بين هذه اللغة وتلك، وان ما يستقيم بتلك لا يستقيم بهذه...ولكنْ صحيحٌ أيضًا أن لغة الجسد لا تختلف كثيرًا عن لغة اللسان.. فهذه ترجمةٌ لتلك، وتعبير عنها في كثير من الأحيان... وصحيحٌ أيضًا أن كثيرًا من القادة العسكريين، وكثيرًا من القادة والمحللين والمفكرين السياسيين كانوا من الشعراء، وكانوا من الأدباء، بل ربما كانوا من أعلام الأدب... وربما وقف المرء عاجزًا عن الفعل أمام مشهد يجلله بالسواد طاغيةٌ أو ظالمٌ جاهلٌ مستبدّ، فلجأ إلى لغة الأدب يعبّر بها عن مكنونات فؤاده، ولواعج نفسه واضطرامها، وتوقّد روحه وجموحها.

14/5/2009

    

   



Hotmail® goes with you. Get it on your BlackBerry or iPhone.

الأحد، ١٠ أيار ٢٠٠٩

رسالة إلى قداسة البابا…

متابعات

رسالة إلى قداسة البابا…

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

    من الصعب أن يعيش الإنسان في هذا الكون بمعزل عن الناس.. ومن الصعب أن يعيش شعب من الشعوب في هذا العالم، بمعزل عن غيره من الشعوب، حتى وإن كان يمتلك كل وسائل القوة الاقتصادية التي تحقق له الاكتفاء الذاتي في المأكل، والمشرب، والملبس، والمسكن، وكافة متطلبات الحياة، ومستلزماتها.. ومن الصعب أيضًا أن تقف أمة في وجه كافة تحديات العصر وحيدة دون سند أو نصير أو معين... صحيح أن أبسط قواعد العيش تقتضي أن يعتمد الناس أفرادًا وقبائل وشعوبًا وأممًا على أنفسهم، وصحيح أنك إذا لم تكن مع نفسك؛ فلن تجد أحدًا معها، وصحيح أنك إن لم تقم بالعبء؛ فلن يقوم به أحد نيابةً عنك.. ولكن صحيحٌ أيضًا أنك مهما اعتمدت على نفسك، ومهما كنتَ عصاميًّا، ومهما كنتَ مؤهلاً للقيام بالأعباء والمسئوليات، ومهما كنتَ على حق في مواقفك وأفكارك ومبادئك؛ فإنك لن تقوى على العيش في هذا الكون وحدك، ولن تستطيع مواجهة متطلبات الحياة وتقلباتها وحدك، ولن تستطيع تحقيق أهدافك وتطلعاتك وحدك.. بل لا بد من العلاقات الحسنة التي تربطك بالآخرين، ولا بد من وقوف الناس إلى جانب المظلوم الضعيف المضطهد، ولا بد من وقوفهم إلى جانب ضحايا الزلازل، والبراكين، والأوبئة، والحروب، ولا بد من وقوفهم إلى جانب المنكوبين، والمشردين، والمهجَّرين، وضحايا العدوان، والتمييز، والتنكيل في كل مكان ومكان من هذا العالم.

    قداسة البابا يزور هذه البلاد زيارة لها طابعها الخاص، وطابعها العام؛ فعلى الرحب والسعة، مع كل التمنيات الطيبة لقداسته في تحقيق ما يصبو إليه من أهداف.. ولا بد من الإشارة إلى أن هذه الأيام السعيدة التي نستقبل فيها قداسته مرحبين مغتبطين، هي نفسها الأيام التي شهدت فيها هذه الديار حوادث وأحداثًا داميةً رهيبةً، وهجراتٍ مؤلمةً إلى الشرق والشمال والجنوب قبل واحدٍ وستين عامًا، دون أدنى ذنب اقترفه هؤلاء اللاجئون والمهجّرون الذين وقف المجتمع الدولي إلى جانبهم في حينه، فأصدر قراره الذي يحمل الرقم 194 والقاضي بوجوب عودتهم إلى ديارهم، دون أن يحدث هذا حتى يومنا هذا!!

    وقداسة البابا شخصية دينية لها احترامها بين الناس جميعًا في هذا العالم، ولقداسته علاقاته، وله حضوره في أوساط لا تُحصى عددًا في هذا الكون، وله تأثيره في ضمير المجتمع الإنساني.. وقداسته شخصية محبة للسلام، مؤمنة به، عاملة من أجل نشره وتكريسه بين أبناء البشر.. ولهذه الأسباب جميعها، ولأسباب أخرى يعرفها قداسته حق المعرفة تأتي هذه الرسالة، وتأتي هذه المناشدة، ويأتي هذا المطلب بضرورة حل قضية هذا الشعب العربي الفلسطيني حلاًّ عادلاً، وبضرورة وقوف قداسته إلى جانب الحق والعدل والسلام في فلسطين، وبضرورة وقوف قداسته إلى جانب وضع ذلك القرار موضع التنفيذ، وبضرورة ضمان حق العودة،وعودة الحق كاملاً غير منقوص لأصحابه في فلسطين.

    إن جميع هذه المحاولات التي بُذلت على امتداد العقود الستة الماضية لإنصاف شعب فلسطين العربي قد باءت بالفشل حتى يومنا هذا، لأنها لم تضع في اعتبارها حقيقة أن هذا الشعب الطيب المسالم الوديع المحب للسلام العادل الدائم المتكافئ الشريف يريد حقه في بلاده، وهو لا يريد أكثر من ذلك، ولا أقل، ولم تضع في اعتبارها أيضًا أن السلام لا يمكن أن يكون إلا في ظلال العدل والمحبة والتسامح والحرية، ولم تضع في اعتبارها أن السلام الذي تؤمن به الشعوب هو غير الاستسلام الذي تريد قوًى معيّنةً في هذا الكون فرضه عليها دون جدوى، ودون أن تجد إلى ذلك سبيلا.

    إن قضية هذا الشعب العربي الفلسطيني الذي لا يريد أكثر من العودة إلى بلاده ودياره، والعيش فيها بعزة واحترام ستبقى قضية حيّة لن تنال منها الأيام، وستبقى المِحَكَّ الذي بوساطته يكون الحكم على مواقف الناس أفرادًا وقوًى وتكتلاتٍ ومؤسساتٍ ودولاً في هذا العالم.

11/5/2009


السبت، ٩ أيار ٢٠٠٩

المِفتاح...

متابعات

المِفتاح...

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

    قال الفتى لجده: أسمع الناس يلفظون كلمة " المفتاح" بضم الميم، وأسمعك تلفظها بكسر الميم "المِفتاح" فكيف ألفظها يا جدي؟ ولماذا؟ قال الجد: عليك أن تلفظها –يا عزيزي- بكسر الميم، لأنها اسم آلة على وزن "مِفعال"، والمِفتاح آلةٌ لفتح الأبواب ونحوها كما تعلم، وتجمع على "مفاتيح"، ومن الفعل "فَتَحَ" أو من مصدره "فَتْح" بإمكانك أن تشتق اسم آلة على وزن آخر هو "مِفْعَل" فنقول: "مِفْتَح" وجمعها "مفاتِح" على وزن "مَفاعِل" والمِفْتَح أيضًا آلة لفتح الأبواب ونحوها يا حفيدي.

    قال الفتى: حسنًا يا جدي.. فما الفرق بين "المِفتاح" و"المِفضال"؟ قال الجد: المِفتاح اسم آلة، والمِفضال صيغة مبالغة تعني كثير الفضل، وفعلُها "فَضُلَ" أي صار فاضلاً، ومنه "المِفضال"، وكلاهما على وزن "مِفْعال" .. أما هذه الآلة التي تمسك بها مبتسمًا، وكأنك تريد أن تسألني عن اسمها، فهي "المِبْرَد" وهي آلةٌ يُبْرَدُ بها، وقد جاءت على وزن "مِفْعَل" مثل "مِفْتَح" التي سبقت الإشارة إليها.

    قال الفتى هل أستطيع القول إن "الفتّاح" هي الأخرى صيغة مبالغة مثل "المِفضال" وإن اختلف الوزن؟ فأجاب الجدُّ قائلاً: أحسنتَ يا عبدَ الفتّاح، فالفتّاح صيغة مبالغة على وزن "فعّال" والمِفضال على وزن "مِفعال" وهنالك أوزان أخرى .. أما الفتّاح فمن صفاته تعالى، لأنه يفتح أبواب الرزق والرحمة لعباده.. أرأيت كم أحسن والداك عندما أسمياك عبدَ الفتاح؟ ألم تقرأ قول الشاعر: رمى بك اللهُ برجيها فهدمّها//ولو رمى بك غيرُ اللهِ لم تُصَبِ

         من بعد ما أشبوها واثقين بها//واللهُ فتّاحُ بابِ المعقِلِ الأشبِ

قال الفتى: بلى يا جدي، لقد قرأت هذين البيتين في قصيدة أبي تمام "فتح عمورية" والتي مطلعها: السيفُ أصدقُ إنباءً من الكتبِ// في حدِّه الحدُّ بين الجِدِّ واللَّعبِ

    ولكن عجز البيت الثاني منهما كان في النص الذي قرأته كما يلي:

" واللهُ مِفتاح بابِ المعقلِ الأشب" فكيف كان ذلك؟ قال الجد: يحدث هذا كثيرًا في الأدب يا عبد الفتاح، لاختلاف الروايات، ولكن هذا لا يغير المعنى؛ فالفتّاح صيغة مبالغة تعني كثير الفتح، والمِفتاح اسم آلة لفتح الأبواب ونحوها.. والنتيجة واحدة كما ترى، وإن كنتُ أفضّل الرواية التي أتيتُ بالبيتين هنا عليها.

    قال الفتى: ألا تذكر لي يا جدي مزيدًا من هذه الاشتقاقات والمعاني الجميلة التي سمعتها منك- مشكورًا- في هذا النهار، وكيف بإمكاني أن اعرف مزيدًا من معاني المفردات، واشتقاقاتها، وكيفية لفظها لفظًا سليمًا بعيدًا عن اللحن والخطأ؟

    قال الجد: بإمكانك أن تجد غايتك في معاجم اللغة، وفي لسان العرب، والمنجد في اللغة، وكذلك فإن بإمكانك الاطلاع على الأدب العربي القديم شعره ونثره إن أردت أن يستقيم لسانك... أما الاشتقاقات والمعاني التي طلبتَ مزيدًا منها، فمنها: الفاتِح: وهي اسم فاعل. المفتوح: اسم مفعول. والفَتْح: نوع من الحركة يُفتح لها الفم، والرزق الذي يفتح به الله، والماء الجاري في الأنهار، والفُتُح: الباب الواسع المفتوح، والقارورة الواسعة المفتوحة. والفُتْحة هي الفُرجة. ويوم الفتْح: يوم القيامة. أما الفُتَاح والفِتاح والفُتُوحَة فهي الحكومة. وأما الفِتاحَةُ و الفَتاحَةُ فهي الحكم بين الخصمين.ومن معاني الفتّاح الحاكم، والقاضي لأنه يفتح مواضع الحق. وافتتح البلاد: فتحها. واستفتح الرجل: طلب الفتح، واستنصر. واستفتح الأمر بكذا: ابتدأه به. والفاتحة من الشيء جمع فواتح: أوله ومنه فاتحة الكتاب. والفَتوح جمع فُتُح: أول مطر الوسمي. وحرف " الاستفتاح" عند النحاة هو ألا، وسمي كذلك لأنه يُستفتح به الكلام نحو: "ألا كلُّ شيء ما خلا اللهَ باطلُ". والافتتاحية: المقال الأول الذي تُفتتح به الجريدة. وفي المنجد وغيره من معاجم اللغة مزيد لمستزيد.

     قال الفتى: أيعرب لي جدي عنوان هذا الموضوع الذي طلب منا المعلم أن نكتب فيه؟

    قال الجد: وما العنوان؟

    قال الفتى: المِفتاح آلةٌ لفتح الأبواب.. يحمله الإنسانُ لفتح بيته عند العودة إليه.

    قال الجد: إنني أرى أن يكون إعراب هذا العنوان واجبًا نفتتحُ به درسنا القادم.

8/5/2009

 

       


الاثنين، ٤ أيار ٢٠٠٩

في اليوم العالمي لحرية الصحافة

متابعات

في اليوم العالمي لحرية الصحافة

أ‌.       عدنان السمان

www.samman.co.nr

 

    لم يكن للناس في الماضي صحافة كهذه التي عرفها الناس في العصر الحديث، ومع ذلك فقد كان لهم وسائلهم في نشر الأخبار، ومعرفتها، والتحقق من صحتها، وصدقها..وكان لهم وسائلهم في نشر المعلومات التي يرغبون في نشرها، ومكافحة المعلومات والأفكار التي لا يرغبون فيها، فالإنسان هو الإنسان في كل زمان ومكان، والنفس البشرية هي ذاتها النفس البشرية بكل صفاتها، ومواصفاتها ومكوّناتها، في الماضي، والحاضر، والمستقبل.. وإذا كان الإنسان اليوم يسعى بكل قوته لمعرفة الحقيقة، والوقوف عليها؛ فقد كان كذلك في الماضي رغم كل الصعوبات التي كانت تقف في وجهه، ورغم كل العقبات التي كانت تعترض سبيله... لقد عرف كيف يكتب الوثائق، وأين يعلقها كي يطلع عليها الناس، وعرف كيف يسعى وراء الحقيقة، وكيف ينشد المعرفة والمعلومة، وكيف يرتحل من مكان إلى مكان سعيًا وراء حديث نبوي، أو بيتٍ من الشعر، أو كلمة من هذا الحديث أو ذاك البيت!! كما عرف كيف يروّج لأفكاره ومبادئه ومعتقداته، وكيف يردّ على خصومه، وكيف يسفّه أفكارهم وآراءهم، وكيف يتحدث عن الأمم، والشعوب، والبلدان، والأماكن، والألوان، والألسن، والأديان، والمعتقدات رغم كل ما كان ينطوي عليه هذا، وغيره من البحث في ألوان العلوم والمعارف والأخبار والثقافات من منغّصات وعقبات وصعوبات.. بل إن كثيرًا من أؤلئك الرواد قد دفعوا أرواحهم ثمنًا لتلك الأعمال العظيمة، والخدمات الجليلة التي قدّموها لمجتمعاتهم، و للبشرية كلها في تلك الأزمنة المتقدمة من التاريخ.

    لقد وفّر العلم الحديث للصحافة بأنواعها: المكتوبة، والمسموعة، والمرئية، من الوسائل ما لم يكن يخطر على بال... ولقد أحدثت ثورة المعلومات انقلابات ضخمة في هذا الكون أحالته إلى قرية صغيرة يستطيع الإنسان أن يلمَّ بأحداثها وحوادثها وأخبارها ومستجداتها بسهولة ويسر، وبدون أدنى مشقة أو عناء.. ومع كل هذا التقدم العلمي والتقني، ومع كل ما أحدثته الشبكة العنكبوتية، ووسائل المواصلات والاتصالات من تغييرات وتطورات سُخِّرت جميعها لصالح الكلمة والصورة والمعلومة والفكرة، وَوُضعت جميعها في خدمة وسائل الإعلام والإعلاميين، ومؤسسات الصحافة والصحافيين، ودور النشر والناشرين، وحركة الفكر والمفكرين، إلا أن متاعب كثير من رجال الصحافة والإعلام والفكر والرأي قد تضاعفت، والمخاطر المحدقة بهم قد تفاقمت وتعاظمت.. ولم تكن هذه المتاعب والمخاطر بسبب صعوبة المواصلات، وقطّاع الطرق، والحمَّيات، وإنما بسبب تحكّم المتحكمين، وتسلّط المتسلّطين، وتجبّر المتجبّرين في عباد الله من إعلاميين، وصحافيين  ومفكرين.

    المتسلطون المستبدون يريدون أن تكون الصحافة، والصحف، والصحافيون(كتّابًا،و محررين ومحلّلين ومعلّقين ومصورين وموزعين وباعةً ميدانيين) أتباعًا لهم يسيرون في فلكهم، ويروجون لأفكارهم وممارساتهم.. وهذا هو جوهر القضية التي تُحدث اليوم ضجةً عظمى، وفتنةً كبرى دونها تلك الفتنة التي أعقبت مقتل عثمان... فلا عجب إذا تنادى جميع العاملين في هذه المؤسسات، للاحتجاج على هذه الممارسات الجائرة التي تُتخذ بحقهم، ولا عجب إذا رفع هؤلاء العاملون أصواتهم مطالبين بالحماية، وكفّ الأذى والعدوان عنهم، ولا عجب إذا رفع كثير منهم صوته مطالبًا بمزيد من الإنصاف، ومزيد من الفرص لإحداث مزيد من التغييرات الإيجابية لصالح الفكر الحر النظيف المستنير، ولصالح التحرر والتحرير في كثير من أقطار هذا العالم.

    في اليوم العالمي لحرية الصحافة لا بد من الإشارة بألم شديد إلى تقرير منظمة العفو الدولية عما يكابده الصحافيون، والإعلاميون، والمفكرون،  وأصحاب المواقف الشريفة الملتزمة من آلام، وعذاب، واضطهاد، وتنكيل، في كثير من بلدان هذا العالم وأقطاره.. ولا بد من الإشارة بألم شديد إلى هذا الخلل الرهيب في المقاييس والمعايير التي يتم الحكم بموجبها على هذا الفريق أو ذاك، وعلى هذه الدولة أو تلك في مجال حقوق الإنسان، واحترام حرياته الأساسية، بما في ذلك حقوق الصحافيين، والإعلاميين، والمفكرين... ولا بد من الإشارة بألم شديد أيضًا إلى هذه الأعداد المذهلة من ضحايا الرأي، والفكر، والعمل الصحافي الحر في كثير من بلدان هذا العالم.

    وفي اليوم العالمي لحرية الصحافة نقول: إن للإنسان كل الحق في القول، والتفكير، والتعبير، والمعتقد السياسي والاجتماعي.. وله كل الحق في العيش الكريم الحر الآمن على أرض وطنه، بعيدًا عن الأذى والعدوان، وبعيدًا عن التسلط والتحكم، وفرض الآراء والمواقف، وبعيدًا عن سياسات العصيّ والجزر، وممارسات الضغوط والتهديدات.

    وما دامت الأوطان لجميع أبنائها؛ فمن حق هؤلاء الأبناء جميعًا أن يشاركوا في بناء أوطانهم، ومن حق هؤلاء الأبناء جميعًا أن يكون لهم وجودهم، ومواقعهم واحترامهم في هذه الأوطان، ومن حقهم جميعًا أن يحتكموا إلى قانون واحد هو قانون الوطن الحر السيد المستقل، والمواطن الكريم.. وشريعة واحدة هي شريعة الحق والعدل والحرية.

4/5/2009