عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


الاثنين، ٣١ آب ٢٠٠٩

تأسيس جمعية أصدقاء الطلبة الخيرية في محافظة نابلس

في مطلع العام الدراسي الجديد (2009-2010)

تأسيس جمعية أصدقاء الطلبة الخيرية في محافظة نابلس

د.إسماعيل شاهين: الطلبة هم سياج الأمة وحماة الوطن والمدافعون عن قضاياه

أجرى اللقاء: عدنان السمان

    تعاني الشريحة الطلابية من مشكلات كثيرة.. ولما كانت هذه الشريحة هي كبرى شرائح هذا المجتمع، وأكثرها أهمية وخطورة.. ولما كان طلبة هذا الوطن هم أبناء كافة الشرائح الاجتماعية فإن الاهتمام بهذه الشريحة يعني الاهتمام بالمجتمع كله، وبالشرائح الاجتماعية جميعها، والاهتمام بأكبر قضايا الوطن، وأكثرها خطورة على الإطلاق.

    ولما كان الأمر كذلك، ونظرًا للظروف التي يعيشها الطلبة وأولياء أمورهم بشكل عام، فقد كان من الطبيعي أن يحظى هذا الموضوع باهتمام الكتّاب، والإعلاميين، ورجال الصحافة، والخيرين الملتزمين من أبناء هذا الشعب..

    وتجسيدًا لهذا الاهتمام، وتوحيدًا للجهود والطاقات المبذولة في هذا الاتجاه، فقد ارتأت نخبة من أبناء هذا الوطن أن تؤسس جمعية تأخذ على عاتقها حماية أبنائنا الطلبة، والوقوف إلى جانبهم، ومد يد العون إليهم على كل المستويات العلمية والمادية، والصحية والاجتماعية.

    ومنذ سنوات خمس بدأت هذه النخبة (معززة بتأييد كل الغيورين على مصلحة أبنائنا الطلبة من أبناء هذا الشعب) بالتحرك من أجل الحصول على ترخيص يمكّنها من التحرك والعمل.. لكن دون جدوى حيث قوبلت طلبات هذه النخبة الطيبة بالرفض خلال السنين الماضية.

    وتقدمت هذه النخبة منذ مدة بطلبها إلى وزرة الداخلية التي لم تتردد لحظة في منحها الترخيص المطلوب، وكان ميلاد جمعية أصدقاء الطلبة الخيرية في محافظة نابلس..

    أهداف الجمعية: الدكتور إسماعيل شاهين رئيس الجمعية أوضح أن للجمعية عدة أهداف أهمها: مساعدة الطلبة المحتاجين في مدينة نابلس وقضائها ماديًّا ومعنويًّا، وتشجيع المتفوقين منهم عن طريق الحوافز المختلفة، والعمل على توفير البعثات والمنح التعليمية للطلبة في الداخل والخارج، والتعاون مع جميع المؤسسات بما فيها المؤسسات التعليمية والاجتماعية لما فيه مصلحة الطلبة، وتدريسهم، ورفع مستواهم العلمي، ونشر الوعي الصحي والثقافي والرياضي عن طريق عقد الندوات، وإصدار النشرات بالتعاون مع المؤسسات والجمعيات ذات العلاقة، وتوفير الرعاية الصحية للمحتاجين منهم، ومعالجة مشكلات الطلبة، وبخاصة السكن والمواصلات، وغير ذلك من مشكلات، وتشجيع إقامة مجالس الآباء في المدارس، وإقامة مؤسسات أكاديمية ومهنية يحتاج إليها مجتمعنا المحلي.

    نشاطات الجمعية: قامت الجمعية منذ أيام بتكريم أوائل الطلبة في الثانوية العامة بمقر جامعة النجاح الوطنية معلنة بذلك بدء العمل الفعلي من أجل خدمة أبنائنا الطلبة، وخلال هذا الاجتماع أعلن رئيس الجمعية د. إسماعيل شاهين ميلادها رسميًّا بقوله في كلمة ألقاها خال الاحتفال:" يسعدني أن أزف إليكم اليوم نبأ تشكيل جمعية أصدقاء الطلبة الخيرية في محافظة نابلس، والتي ستعنى بمساعدة الطلبة المتفوقين الذين قست عليهم ظروف الحياة بتوفير الأموال اللازمة لتعليمهم، وتوفير المنح والمقاعد الجامعية في الجامعات المحلية والعربية والأجنبية، وكذلك مساعدة الطلبة المحتاجين في مختلف مراحل دراستهم ماديًّا، ومعنويًّا، وصحيًّا، واجتماعيًّا، وثقافيًّا.. وبمساعدة أهل الخير ومساندتهم ستحقق هذه الجمعية أهدافها.. لتظل مدينتنا –كما عهدناها- مدينة العلم، وموئل العلماء والمفكرين".

    وأضاف الدكتور شاهين في كلمته: ولا يسعني في هذا المجال إلا أن أتقدم باسمي واسم زملائي أعضاء هيئة إدارة جمعية أصدقاء الطلبة الخيرية في محافظة نابلس بالشكر الجزيل إلى المسئولين في وزارة الداخلية، والأخوة الكرام في السلطة الوطنية وعلى رأسهم الرئيس ياسر عرفات، لتكرمهم بمنحنا ترخيص الجمعية الذي حرمتنا منه سلطات الاحتلال طيلة السنوات الخمس الماضية.

    وقال د.شاهين: أناشد أبناءنا الطلبة، وأبناءنا وإخواننا العاملين في وزارة التربية والتعليم من مدرسين وإداريين أن يبذلوا كل جهودهم من أجل عام دراسي ناجح وموفق ومفيد.. أناشدهم جميعًا أن ينطلقوا في مسيرتهم الخيرة المعطاءة من واقع الانتماء إلى هذا الوطن، ومن واقع محبته، والرغبة الأكيدة الصادقة في بنائه.. فالطلبة في كل مكان هم سياج الأمة، وهم حماة الوطن، وأبناؤه المدافعون عن قضاياه.. منهم يستمد الوطن قوته.. ومن عزتهم وشموخهم يستمد عزته وشموخه.

    مؤسسو الجمعية: إبراهيم محمد مصلح، إسماعيل قاسم شاهين، باسل حمدي كنعان، توفيق حسن التلاوي، خضر محمد الكوبري، سابا خليل القرة، سليمان حسين أبو شوشة، سمير عبدالله أبو عيشة، صلاح حكمت المصري، عدلة عادل غانم، عزام محمد العالول، محمد إبراهيم حنون، محمود معروف موسى، وجدي صبحي قمحاوي.

    مطالب الجمعية: تسعى الجمعية إلى توفير مقر مناسب، وتزويد المقر بالأثاث اللازم، وتعيين عدد من الميدانيين لخدمة فكرة الجمعية وأهدافها، وتخصيص ميزانية مناسبة لهذه الجمعية أسوة بباقي الجمعيات الخيرية التي تتبناها سلطتنا الوطنية.

 

 (3/9/1996)


start: 0000-00-00 end: 0000-00-00

الأربعاء، ٢٦ آب ٢٠٠٩

متابعات

نتانياهو.. ويهودية الدولة!!

أ‌.       عدنان السمان

www.samman.co.nr

    لم يأت نتانياهو بجديد خلال رحلته الأوروبية، بل إن كل ما أكد عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي هو ما كان أعلنه من قبل وهو يوجه خطابه إلى الفلسطينيين، وإلى العرب والمسلمين، وإلى الرئيس الأمريكي، ومن خلال هؤلاء جميعًا إلى كل دول العالم وحكوماته وشعوبه.

    نتانياهو يريد تطبيعًا مع كل العرب، ومع كل المسلمين من نواكشوط حتى ما وراء طشقند دون أن يقدم أي ثمن لهذا التطبيع الذي يريده مجانيًّا لوجه الله تعالى، ولوجه رسوله الكريم، وإكرامًا للجاهة الموقرة، وأعضائها المحترمين.. كما يقول أهل هذه البلاد عند إبرام الصلح، ورفع رايته بين شقيقين متخاصمين، أو جارين مختلفين، أو عائلتين لعب الشيطان برأس أحد أبنائها فارتكب حماقةً بشان أحد أفراد العائلة الثانية، وربما بشأن أكثر من فرد واحد...

    نتانياهو يريد تطبيعًا مع كل العرب، ويرسل من لندن رسالة مفادها أن على العرب الفلسطينيين، وغير الفلسطينيين أن يعترفوا بيهودية الدولة، وأن يفتحوا أجواءهم، ثم بلادهم كلها لاستقبال الإسرائيليين في مقابل وقف جزئي مؤقت للاستيطان الذي استثنى منه مدينة القدس، بدعوى أنها ليست مستوطنة، وبدعوى أنها ملكٌ خالص لليهود منذ ثلاثة آلاف عام، وبدعوى أنها عاصمة إسرائيل الأبدية...

    نتيانياهو يريد تطبيعًا كاملاً مع كل العرب، مقابل وعد بإمكانية استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين إذا هم تخلَّوا عن شروطهم المسبقة!! وإذا هم أبدَوا استعدادًا لحرب الإرهاب دون هوادة!! وإذا هم أبدوا استعدادًا للقبول بالدولة الفلسطينية المنزوعة السلاح بالمواصفات التي يقررها هو، وبالحدود التي يراها هو، وبالشكل الذي يقرره هو، وبالكيفية التي يراها هو، وبالنهاية التي يضعها هو لمثل هذه الدولة قبل ميلادها، وقبل أن ترى النور في يوم، في شهر، في سنة.. أو في عقد، أو عقدين، أو في قرن، أو قرنين.. لا أحد يعلم ذلك، وإن كنا نعلم يقينًا أن كل هذه الوعود لن ترى النور على الإطلاق، لأنها وعود مرحلية لا تهدف إلا إلى الخلاص من أهل هذا الحق التاريخي والجغرافيا المقدسة بالطريقة المناسبة، وفي الوقت المناسب!!

    نتانياهو لا يريد تقديم شيء للفلسطينيين والعرب والمسلمين، بل إن نتانياهو يريد "تعاونًا" اقتصاديًّا معهم، "وتنسيقًا" أمنيًّا مع أجهزتهم الأمنية، وعلاقات "ديبلوماسية" كاملة مع حكوماتهم، تؤهل هذه الدولة اليهودية التي يريدها نتانياهو لقيادة كل العرب، وكل المسلمين، ووضع اليد على كل أرض العرب، وعلى كل أرض المسلمين.. لا لشيء إلا لأن نتانياهو وكل غلاة اليمين المتطرف في إسرائيل يعتقدون أنهم أهلٌ لذلك، وأن الرب قد كرّمهم، ومنحهم هذه الأرض منذ بدء الخليقة، فهم أهلها، وهم أصحابها، وهم الذين يستحقونها بجدارة لتميزهم وتفوقهم على كل الناس في هذا العالم!!!

    هذا ما يريده نتانياهو باختصار دون أدنى ثمن، ودون أدنى "تنازل" عن شيء من مواقفه المعلنة، ومواقفه غير المعلنة، وقديمًا قال الناس في هذه الديار "المخفي أعظم" فما هو معلن أقل سوءًا من "المخفي" غير المعلن.. نعم.. هذا ما يريده نتانياهو ومعه كل أقطاب اليمين المتطرف الإسرائيلي بدليل: أنهم يريدون القدس كل القدس، ويعتبرون كل ما يقومون به فيها من هدم وبناء وسيطرة حقًّا من حقوقهم، ولا يعتبرونه استيطانًا بأي حال من الأحوال! و بدليل أنهم  يريدون تخلي الفلسطينيين الرسمي والمعلن عن حق العودة! وأنهم يريدون أن يعترف الفلسطينيون والعرب والمسلمون بيهودية الدولة.. ولئن وضع ثيودور هرتزل تصوراته للدولة اليهودية. وتحدث عن إمكانات قيامها.. فإن نتانياهو يريد تجسيدها حقيقةً واقعةً على الأرض، ويريدها "خاليةً" من كل شائبة.. ويريدها أيضًا منطَلَقًا للسيطرة على هذا العالم العربي الإسلامي المترامي الأطراف ظنًّا منه أنه أراضٍ شاسعةٌ بدون شعوب، كما كان يقال في أوساطهم عن فلسطين في أوائل القرن الماضي!!

    فإذا قال قائل إن يهودية الدولة تعني إخراج كل من هو غير يهودي منها، وتعني عدم استقبال غير اليهود فيها، وأن هذا يعني نكبةً جديدةً لسكانها العرب الفلسطينيين البالغ تعدادهم اليوم مليونًا ونصف المليون، ويعني تكريسًا لنكبة اللاّجئين والمهجرين بحرمانهم من العودة إلى ديارهم التي أُخرجوا منها، هذه العودة التي كفلها القرار رقم(194) إذا قال قائل ذلك فإن أحدًا لن يجيبه بكلمة واحدة مُقْنعة، بل إنه سيُصنَّف في قائمة المحرضين، أو الأغبياء الذين يجدّفون ضد التيار!! وإذا قال قائل إن القدس وقفٌ إسلامي، وعاصمة للثقافة العربية، وعاصمة من عواصم الأمويين تمامًا كدمشق، والرملة، وأريحا، وكل بلاد الشام، وبالتالي فإنه لا يمكن التنازل عن شبر واحد من أرضها... قيل إن هذا واهمٌ يعيش في الماضي الذي كان، ولا يبصر الواقع القائم الآن.. وإذا قال قائل إن منظمة التحرير الفلسطينية قد اعترفت بإسرائيل دولة لكل سكانها، على أن تُقام دولة عربية فلسطينية على الأرض المحتلة منذ العام 1967 بما في ذلك القدس الشرقية بطبيعة الحال، لأنها أرض محتلة منذ ذلك العام قالوا إن عجلة التاريخ لا تعرف التوقف والجمود، وإنها في حركة مستمرة، وحركتها تعني مزيدًا من المكاسب والغنائم والإنجازات للقوي، ومزيدًا من التراجع والتقهقر والخسائر للضعيف.. ومن لا يقبل بهذا فليفعل ما يشاء!!!

    وبعد

    فإن العمل في المستوطنات لم يتوقف، ويبدو أنه لن يتوقف، وإن المستوطنات جميعها كبيرها وصغيرها، وعلى رأسها كافة الأحياء التي أقيمت، وتقام في القدس الشرقية هي غير شرعية.. وإن اللقاء الذي سيُعقد على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة بحضور أوباما ونتانياهو ومحمود عباس يجب أن يضع في اعتباره ذلك عند مناقشة ما يجري على أرض فلسطين، ويجب أن يضع في اعتباره أن أي حل لا يأخذ في الاعتبار هذه الحقوق التاريخية الدينية القومية العربية لا يمكن أن يُكتب له النجاح، ولا يمكن أن يتم لأنه غير مقنع، ولأنه غير عادل، ولأنه سيؤسس لصراع جديد لا يعلم مدى نتائجه المدمرة إلا الله!!!

    إننا، ومن منطلق إيماننا بالسلام الدائم الثابت الراسخ العادل المشرّف المقنع الذي يعيش فيه الناس في هذه الديار، وفي هذه المنطقة من العالم بأمن وأمان وسلام واستقرار ورخاء وبناء وإعمار فإننا، نرفع صوتنا محذّرين من أي حل لا يأخذ كل هذه المعطيات بعين الاعتبار.

    26/8/2009


الخميس، ٢٠ آب ٢٠٠٩

متابعات

حريق الأقصى.. دلالات واستنتاجات

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

 

    اليوم هو الخميس الموافق للحادي والعشرين من شهر آب من عام تسعة وستين وتسعمائة وألف، والساعة تقارب السابعة صباحًا.. والحريق الهائل في المسجد الأقصى المبارك يلتهم الرواقَ الشرقيَّ الجنوبي، ومحراب صلاح الدين، وزاوية زكريا، ويصيب بالضرر الجسيم أعمدة القبة.. وألسنةُ اللهب تُوالي تحركها وانتشارها من أعلى إلى أسفل، وليس من أسفل إلى أعلى جريًا على المألوف في تاريخ النيران، وطبيعة الحرائق، لدرجة أن السجاد لم يتأثر بتلك النيران.. والخبر ينتشر بعد دقائق انتشار النار في الهشيم ليملأ القدس كل القدس، وفلسطين كل فلسطين، وبلاد العرب والعجم في شرق الدنيا وغربها دخانًا أسود، وغضبًا ليس عليه من مزيد.

    وراء هذا الحدث المذهل مزارع استرالي من سيدني عمره ثمانية وعشرون عامًا، واسمه لمن يرغب في الاحتفاظ بأسماء كهذه دينس مايكل روهين.. عضو في كنيسة الله البروتستانتيّة المؤيدة لليهود، والتي تأسست في قبرص..غادر سيدني في عام ثمانية وخمسين وتسعمائة وألف، وقضى أحد عشر عامًا في الترحال مثل اليهود قبل أن يصل هذه الديار سائحًا، ليقيم في كيبوتس (مشمار هشارون) مدة ثلاثة أشهر.. يقضي نصف يومه في العمل الزراعي، ونصفه الآخر في دراسة التوراة.. توجه بعد ذلك إلى القدس الشرقية، ونزل في فندق ريفولي.. غادر الفندق عند الساعة السادسة من صباح هذا اليوم الحادي والعشرين من آب تاركًا ملابسه، وجميع حوائجه، وسراجًا كان يُجري عليه بعض التجارب، وموادَّ أخرى قابلة للاشتعال.

    دينس مايكل روهين اعترف بفعلته، وقام بتمثيلها.. وجاء في "القدس" أن روهين يدعي النبوة، ويعلن نفسه ملكًا للقدس ويهودا.. وبعد محاكمة استمرت ثلاثة وعشرين يومًا صدر الحكم بتبرئته من المسئولية الجنائية عن إحراق المسجد الأقصى.. ليلفه بعد ذلك النسيان، ولتدخل القضية بعد ذلك في غياهب العدم والتلاشي، وليسدل الستار عليها بعد ذلك، كما أُسدل على قضايا كثيرة سبقتها، وعلى قضايا كثيرة لحقتها.. ولا زال الستار يُسدل حتى يومنا هذا، في شهرنا هذا، في بلدنا هذا.. بل إنه لم يعد هناك ضرورة لستار يُرفع أو يُسدل بعد أن أصبح اللعب على المكشوف، وبعد أن احترق الستار فيما احترق من أشياء.

    هذا الحريق.. وهذه المحاولات المستمرة للنيل من الأقصى، وهذه الحفريات التي باتت تهدده بالدمار والاندثار، وهذه الأنفاق.. وكل هذا الحصار، وهذه الجدران، وكل هذه المصادرات والمداهمات، وكل هذا الاستيطان، والمستوطنات في القدس القديمة داخل الأسوار، وفي القدس الجديدة خارج هذه الأسوار، وكل هذه الحرائق التي يشعلونها في صدور الناس وقلوبهم.. كل هذا وكثير غيره من الحرائق والكوارث التي حلت بالقدس عبر تاريخها الطويل الحافل بالحب والحرب، والموت والحياة له دلالات لا يمكن لباحث أن يتجاهلها، ولا يمكن لمؤرخ أن يغض الطرْف عنها، ولا يمكن لمقدسي، أو لعربي فلسطيني أن ينسى شيئًا منها تحت كل عوامل الضغط والتيئيس والإحباط، وتحت كل وسائل الترهيب، والترغيب، والتزوير، وفرض الحقائق الجديدة على الأرض في كل يوم...

    ولعل على رأس هذه الدلالات أن هنالك طامعين في القدس وفلسطين لا يهدأ لهم بال ما دام فيها عرب، وما دام فيها مسلمون، وما دام فيها أهلها الذين عرفتهم، وعرفوها، وأحبتهم، وأحبوها منذ فجر التاريخ.. وعليه فإن القدس وفلسطين قد ابتليت عبر العصور بمثل هؤلاء الطامعين فيها، الحالمين بالسيطرة عليها، الواهمين بأنهم قادرون على تحقيق ذلك من خلال هدم هذا الحرم القدسي، أو إحراقه، أو حتى استبداله بما يطيب لهم من أسماء ومسميات لم يقم على وجودها يومًا أي دليل، ولم تثبت صحة سائر المزاعم التي ساقوها لإثبات صلتهم بها، ولإقامة الدليل على أن لهم أدنى أثر فيها... هؤلاء الطامعون الحالمون الواهمون يريدون بالطبع أن يتخلصوا من المعالم العربية والإسلامية في القدس وفلسطين بكل الوسائل، وهم بالطبع يريدون أن يقيموا على أرض القدس وفلسطين ما يدل على وجودهم فيها، والتصاقهم بها، يريدون أن يثبتوا بكل الوسائل أن لهم جذورًا في هذه الديار، لينطلقوا من ذلك في فرض سيطرتهم عليها.. ناسين أنه لو صحَّ شيء من ذلك افتراضًا فإنه يحق لعرب القدس، ولعرب فلسطين، وللعرب أجمعين أن يستعيدوا معظم أرجاء هذا الكون الذي ما زالت آثارهم وقصورهم ومساجدهم وأبنيتهم وخطهم الجميل، ولغتهم العربية العظيمة قائمة ماثلة فيه تروي بأصدق لسان، وأنصع عبارة قصة وجود هذه الأمة، وحضورها في معظم أرجاء هذا الكون الذي عمره العرب، وعمره المسلمون، وشملته حضارة عربية إسلامية زاهرة طبعته بطابعها، وتركت عليه بصمات من الصعب أن تُمحى!!

    إن كل هذه الممارسات الجائرة بحق عرب فلسطين، وكل هذا التنكر لأبسط حقوقهم في العيش الكريم، وكل هذا الظلم الصارخ الذي أصابهم عبر العصور، وكل هذه الحرائق التي تستهدف مقدساتهم وقلوبهم وتاريخهم ووجودهم لدليل قاطع، وبرهان ساطع على أن هنالك من يتوهم أنه قادر على وضع يده على بلادهم، والسيطرة عليها والتصرف بهم بعد ذلك كما يريد!!

    إن تاريخ القدس، وتاريخ فلسطين، وتاريخ هذه الأمة يؤكد بما لا يدع أدنى مجال لأدنى شك على أن حملات الغزاة على هذه الديار قد زالت، وعلى ان أهل هذه الديار هم الأقوى، وعلى  أنهم الباقون فيها رغم كل عوامل التعرية، ورغم كل العواصف والأعاصير التي تهب عليهم بين الحين والآخر، من هذه الجهة أو تلك.

    ولئن كان هذا المجتمع الدولي ممثَّلاً في منظماته وهيئاته ومؤسساته وتشريعاته وقراراته وتوجهاته للسلم والأمن الدَّوليين حريصًا على سلام البشرية، وتقدمها، ورِفائها، وازدهارها.. فإنه حريٌّ به أن يقضي على أسباب التوتر والحروب والمنازعات الإقليمية، وحري به أن يتخذ من الإجراءات العملية ما يضمن إحقاق الحقوق، وإشاعة العدل، والشعور بالأمن والأمان في ربوع هذا العالم.

    إن السلام والأمن لا يمكن أن يسودا هذا الكون، ولا يمكن أن يتحققا لكثير من أقطاره وبلدانه ما دام هناك متغطرسون، وما دام هناك عنصريون، وما دام هناك من يحللّون ويحرّمون كما يشاءون، وما دام هناك كاذبون مزورون طامعون في كل شيء، ولا يعترفون لغيرهم من أهل هذه الأقطار بشيء.

    وإن السلام والأمن لا يمكن أن يقوما إلا على العدل والعدالة، والشعور بالرضى وبغير ذلك لن يكون سلام، وبغير ذلك لن يكون أمن، وبغير ذلك سيظل هذا الكون الأحدب يلفّ ويدور في حلقات مفرغة لا تؤدي إلا إلى القتل والدمار والكوارث في كثير من أقطار هذا العالم.

21/8/2009  


السبت، ١٥ آب ٢٠٠٩

متابعات

الحركات الإسلامية المسلحة.. منطلقات وتحديات

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr  

 

 لماذا لا تقوم منظمة المؤتمر الإسلامي، وجامعة الدول العربية، ومراكز البحوث والدراسات في العالم العربي بدراسة جادة لهذه الحركات الإسلامية المسلحة في كثير من البلدان العربية والإسلامية؟ ولماذا لا تقوم هذه الجهات بدراسة جادة لأحوال العرب والمسلمين، لمعرفة مدى العلاقة بين هذه الأحوال وظهور هذه الحركات المسلحة؟ ولماذا لا تقدم هذه الجهات حلولاً عملية لهذه الأوضاع التي تحياها الأمة العربية الإسلامية في سائر ديار العروبة والإسلام؟ لماذا لا تقوم بتشخيص الداء ووصف الدواء؟ لماذا لا يبدي المسئولون العرب والمسلمون اهتمامًا أكبر بما يجري في بلدانهم، وبما تعاني منه شعوبهم؟ وإلى متى ستبقى الأمور هكذا: في كل يوم قتلٌ، وتشريدٌ، وتدمير، ودماء، وجوع، ورعب، واضطهاد، وفوضى شاملة، وتشرد في كثير من ديار العروبة والإسلام؟ وإلى متى ستستمر هذه الأحوال؟ ومن المستفيد؟ وأين هي مصلحة العرب، ومصلحة المسلمين في هذا كله؟ إذا لم يكن للعرب وللمسلمين مصلحة في كل أعمال العنف وسفك الدماء، وفي كل ألوان الموت والدمار التي تغشى البلاد والعباد؛ فلماذا تستمر مثل هذه الحركات في الظهور والعمل؟ ولماذا لا يتوصل المسئولون في ديار العروبة والإسلام إلى تفاهمات مع قادة هذه الحركات؟ ولماذا لا يفتحون قصورهم وقلوبهم للحوار المسئول الذي من شأنه أن يضع النقاط على الحروف، بتخليص الناس مما هم فيه من عذاب وموت وجوع وخوف واضطراب؟ أليس المسئولون الرسميون وقادةُ هذه الحركات المسلحة إخوةً وشركاءَ متساوين في كل بلاد العرب والمسلمين؟ وإذا كانوا كذلك، فلماذا لا يتفاهمون، ولماذا لا يتوصلون إلى حلول تحفظ للبلاد حريتها وخلاصها من الغزاة الطامعين، وتحفظ للشعوب كرامتها وعزتها وخلاصها من الاستعمار والمستعمرين؟ إذا كانت هذه الحركات الإسلامية المسلحة تريد إحقاق حقوق، وحماية أوطان، والتصدي لمعتدين غاصبين اغتصبوا البلاد، وأهلكوا العباد؛ فلماذا لا تلقى التأييد والمؤازرة من كل من يعنيهم الأمر في عواصم العروبة والإسلام؟ وإذا كان المستعمرون والغزاة في أغلب الأحوال بحاجة إلى من يستندون إليه، ويعتمدون عليه في حُكم البلاد وإذلال العباد، فلماذا يسمح هذا النفر من أولي الأمر لنفسه أن يكون الغطاء والسند لهؤلاء الطامعين العابثين؟ ولماذا يسمح هذا النفر من أولي الأمر لنفسه أن يمنح الشرعية لغريب جاء لتخريب البلد، ونهب ثرواته وخيراته، وإذلال إنسانه؟ هذا النفر من أولي الأمر يعلم يقينًا أن هذه الحركات على حق فيما تقول، وأنها على حق فيما تفعل بالرغم من كل الأخطاء التي قد تقع فيها، ومع ذلك فإن هذا النفر هو الذي يتصدى لهذه الحركات، وهو الذي يلاحقها، ويشدُدُ عليها، ويكن لها العداء أكثر من مخدوميه الذين تربطه بهم معاهدات واتفاقات ما كان لها أن تُعقد أو تُبرم، لأنها انطوت على أكثر من الإهانة، لكل تلك الأوطان، وعلى أكثر من الإساءة لكل تلك الشعوب التي وجدت نفسها أكثر من مضطرة لحمل السلاح على كره منها دفاعًا عن النفس، ودفاعًا عن كرامة البلد وحريته.

     ودول الغرب.. ما موقفها من هذا كله؟ ألم تأخذ هذه الدول العبر والدروس المستفادة من تجاربها السابقة في ديار العروبة والإسلام؟ ألم تخرج هذه الدول صاغرة من معظم بلاد العرب والمسلمين؟ ألم تُهزم أمام المقاومة الشعبية، والأنظمة الرسمية المتحررة في كثير من هذه الأقطار؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا يصر هؤلاء على العودة بهذه الديار إلى عهود الظلام في القرون الوسطى، وإلى عهود الغزو المسلح في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين؟ وإذا كانت الأنظمة العربية التي راهن عليها الغربيون آنذاك قد فشلت في منحهم الشرعية، وسقطت بسقوطهم، أو سقطوا بسقوطها، فلماذا يعيدون الكرّة الآن؟

    ودول الشرق أيضًا.. ما موقفها من كل هذه المجازر التي تحصد في كل يوم كثيرًا من أرواح الأبرياء في ديار العرب والمسلمين وغير المسلمين؟ ألم تقتنع هذه الدول بعد أن بإمكان الشرق أن يتخلص من تدخل الغربيين، ومن اعتداءاتهم على كل أقطار الشرق، ومن أطماعهم في ثرواتها؟ وإذا كانت مقتنعة –وهي كذلك- فلماذا لا تقف موحَّدةً، أو شبه موحدة في وجه الغرب الطامع في الشرق؟ وإذا كانت هذه الدول تشكو من تبعية كثير من الأنظمة في بلاد المسلمين والعرب لهؤلاء الغربيين؛ فلماذا لا تتوحد هذه الدول الشرقية أولاً؟ وما الذي يمنعها من ذلك على الرغم من كل مقومات هذا التوحد، وعلى الرغم من كل أسبابه القائمة؟ أليست المبادئ والمعتقدات كافيةً لصنع وحدة اندماجية بين كثير من دول الشرق؟ أليست التجارب السياسية والاجتماعية والاقتصادية المشتركة كفيلةً بتخليص تلك الدول من أخطائها وتناقضاتها؟ أليست الأفكار والثقافات المشتركة كافية لصنع تقارب بين تلك الدول يرقى إلى درجة الوحدة الاندماجية في السياسة الخارجية على الأقل؟ وإذا لم تكن كل هذه العوامل والمقومات كافيةً لبناء شرق واحد متماسك قوي عَصِيٍّ على الغزاة والطامعين؛ فلماذا لا تؤدي التهديدات الغربية للشرقيين في عقر دارهم إلى وحدة كهذه، وإلى بناءٍ قوي متين كهذا؟ وإذا كان من خلل في هذه المعادلات، وفي هذه الحقائق المؤلمة القائمة على الأرض في عمق الشرق الآسيوي فأين يكمن هذا الخلل؟ أتُراه في علاقات موسكو ببكين، أم في علاقتهما بالإسلام والمسلمين؟ وإذا كان الخلاف واضحًا وقائمًا بين الشيوعية والإسلام، فإن الطرفين كليهما مطالبان بالوقوف معًا في وجه التدخل الغربي، والاستفزاز الغربي، والعدوان الغربي على الناس في تلك المنطقة من العالم، وكذلك فإن الطرفين كليهما مطالبان بالوقوف معًا في وجه كافة المحاولات الغربية لضرب هذه التحالفات الجديدة بين موسكو وعدد من أقطار المسلمين والعرب، وعدد من هذه الحركات الإسلامية المسلحة في بعض هذه الأقطار. أليس هذا ما يفرضه واقع هذه التحالفات الجديدة؟ بل أليس هذا ما تفرضه المصالح الحيوية لهؤلاء المتحالفين؟

    وإذا كانت العلاقات بين الدول قائمة على المصالح، وتبادل المنافع،  وخاضعة لكثير من الاعتبارات والتوازنات والمعادلات؛ فإن من المفترض أن يختلف الأمر في منظمات المجتمع الدولي.. إن الجمعية العامة، ومجلس الأمن الدولي لا يخفيان حرصهما على السلام والأمن، بل لعل المبدأ الأساس الذي قامت عليه، وتشكلت بموجبه هيئة الأمم المتحدة –بشقَّيها- هو المحافظة على الأمن والسلم الدوليين...وإذا كان الأمر كذلك –وهو نظريًّا كذلك- فما هو موقف الجمعية العامة للأمم المتحدة، وما هو موقف مجلس الأمن من كل ما يجري في كثير من ديار المسلمين والعرب من سفك للدماء؟ ألا تستحق كل هذه الدماء أن يعقد مجلس الأمن جلسة جادّة لاتخاذ قرار مناسب لوقف سفكها؟ ألا يستحق كل هؤلاء القتلى والجرحى والمشردين أن تجتمع الجمعية العامة لدراسة الوضع، واتخاذ القرار، ورفع التوصيات؟ ألا يستحق كل هؤلاء الجياع والمقموعين في هذا العالم مؤتمرًا عامًّا تناقش فيه أحوالهمٍ، وتتخذ فيه القرارات المناسبة التي من شأنها أن تخفف من معاناتهم، وأن تضع حدًّا لمآسيهم؟ ولماذا لم تظهر حتى الآن الدولة المسلمة التي تدعو لمؤتمر عام تناقش من خلاله كافة قضايا المسلمين في هذا العالم؟ ولماذا لم تظهر حتى الآن الدولة المسلمة التي تتبنى قضايا المسلمين، وتعمل من أجل حلها حلاًّ عادلاً يرفع الظلم عن الشعوب، ويرفع هذا الضيم الذي حاق بالأمة منذ عقود؟

    وإذا كانت قرارات الجمعية العامة غير ملزمة، ولما كانت اجتماعاتها، وعقد جلساتها بحاجة إلى برتوكولات وإجراءات؛ فإن قرارات مجلس الأمن ملزمة، وبإمكان هذا المجلس أن يعقد اجتماعًا يناقش فيه أي أمر يرى فيه تهديدًا للأمن الدولي.. مجلس الأمن يجتمع بطلب من الأمين العام حين يلفت انتباه الأعضاء الدائمين، وغير الدائمين إلى المخاطر التي ينطوي عليها وضع معين في بلد معين، أو منطقة معينة في هذا العالم.. فلماذا لم يجتمع هذا المجلس حتى الآن لمناقشة كل هذه المجازر التي تحصد أرواح الأبرياء في عدد كبير من أقطار العرب والمسلمين في إفريقية وآسيا، ومناقشة كل هذه الاعتداءات التي يتعرض لها كثير من المسلمين في أقطار مختلفة من هذا العالم أيضًا؟

    إن هذه الأحوال المزرية التي تعيشها الشعوب في كثير من الأقطار العربية والإسلامية بحاجة إلى أكثر من جلسة من جلسات مجلس الأمن لاتخاذ القرار الكفيل بإعادة الأمن إلى نصابه في تلك الأقطار.. ولما كان من الصعب أن يعود الأمن إلى نصابه في أي بلد.. ولما كان من الصعب أيضًا أن ترفرف رايات السلام من جديد على أي بلد بدون حل مشكلاته، وبدون إشاعة العدل بين مواطنيه؛ فإن مجلس الأمن مطالَبٌ بهذا كله..مطالب بنشر السلام والأمن في كثير من ديار العروبة والإسلام.. مطالَبٌ بالتدخل من أجل إشاعة العدل والعدالة في تلك الربوع.. مطالب بالعمل الجاد من أجل إخراج الغزاة من كل بلد يعبثون بأمنه وأمانه.. مجلس الأمن يملك الصلاحيات لكل هذا، ومجلس الأمن يملك حق تشكيل قوة عسكرية تكفي لإخراج هؤلاء الغزاة إذا اقتضى الأمر!! فلماذا لا يفعل مجلس الأمن شيئًا من هذا؟؟ وإذا كان السبب في ذلك سيطرة المعتدين على هذا المجلس؛ فلماذا لا تفعل الأطراف الأخرى على تعطيل أعمال هذا المجلس باستعمال "الفيتو" ضد كل مشروع قرار ينسجم و مصالح أولئك الذين يسيطرون على هذا المجلس، ولماذا لا تبادر تلك الأطراف أيضًا إلى إيجاد البدائل لذلك المجلس بعد أن تعمل على شلله، وتفريغه من كل مضامينه السيئة وتبعيته لأولئك المعتدين؟

    وهؤلاء الثوار المتمردون المسلمون المسلحون الذين تتزايد أعدادهم في كل يوم، وتكثر حركاتهم وتحركاتهم في كل يوم.. هل من الحكمة مقابلة حركاتهم بالحديد والنار؟ وهل تحسن حكومات بلادهم صنعًا عندما تلجأ إلى مكافحتهم، ومقاومتهم بسلاحهم، أو ربما بسلاح أشد منه مضاءً وفتكًا؟ وإذا كان هذا هو الأسلوب الصحيح للرد على حركات إسلامية كهذه، فهل  يعتقد حكام هذه الأقطار الإسلامية أنها ستضع حدَّا لمثل هذه الحركات؟ هل تعتقد هذه الحكومات أنها قادرة على هزيمة هذه الحركات، وفرض الأمن والأمان، وسيادة القانون والنظام –كما يقولون- بعد ذلك؟؟ أم أن عليها أن تعيد النظر، وأن تدرس الأسباب، وأن تبادر إلى فهم الواقع على ضوء جديد، ومن منطلق جديد.. واقع يقول إن الوطن لأبنائه جميعًا، وإن الحل يجب أن يكون عن طريق توافق جميع هؤلاء الأبناء على نمط معيشة يرضي الأطراف جميعًا، وعلى نظام سياسي يلبي احتياجات الناس على اختلاف توجهاتهم، ويلبي طلبات كافة أبناء البلد بعيدًا عن القمع، والقتل، وسفك الدماء، وإرهاب الناس، ونشر الفوضى، وخدمة الأسياد في البلاد؟

    هل الحل في أن يكون للإسلاميين دولة خاصة بهم يستطيعون اللجوء إليها والعيش في رحابها بحرّيّة وسلام؟ وهل يرضي هذا الحل دول البغي والعدوان؟ وهل يرضي هذا الحل أيضًا كل من يسيرون في فلك تلك الدول؟وهل من الممكن أن يتوصل من يعنيهم الأمر إلى حل كهذا؟ أم أنهم يخشون من محاولة دولة كهذه أن تبسط سلطانها على غيرها من الدول المجاورة لها؟ وهل يكتفي الإسلاميون بحل كهذا، أم أنهم يريدونها دولة إسلامية واحدة موحدة تضم إليها ديار العروبة والإسلام؟ وهل معنى هذا أن هذه الديار ستشهد حروبًا محلية طاحنة لا تبقي ولا تذر بين الأنظمة السياسية وهذه الحركات الإسلامية المسلحة؟ وهل يعني هذا تدخل دول ليست عربية. وليست إسلامية من دول هذه المنطقة، ومن الدول الغربية أيضًا؟ وهل يعني هذا أيضًا قيام حروب طائفية ومذهبية وعرقية في كثير من ديار العروبة والإسلام؟ حروب من شأنها أن تودي بحياة الملايين من أبناء هذه الديار، لا سيما إذا اقترنت بهذه الأوبئة الناجمة عن الحمَّيات والأمراض السارية وشبح الأنفلونزا المرعب، وتلاقحت بشيء من اليورانيوم، وقنابله التكتيكية، وغير التكتيكية، لتكون النتيجة أكثر من كارثية، وأكثر من تدميرية، وليترحم من كُتب له العيش بعد ذلك على هيروشيما، وأيام هيروشيما قياسًا على ما أصاب هذا الشرق الأوسط الكبير، أو العالم الإسلامي الذي كان من ويلات ومصائب وكوارث ودمار!!!

    وحدها السنوات القليلة القادمة، وربما السنة القادمة، من هذه الألفية الثالثة، هي التي ستجيب عن هذه الأسئلة والتساؤلات، وعن شطحات القلم والخيال.. وحدها هذه الأشباح المرعبة المحدقة بهذه الديار هي التي سترسم الخارطة الجديدة لهذا العالم الإسلامي، وبضمنه العالم العربي أيضًا.. وحدها الشهور القادمة (ربما) هي التي تحمل الإجابة عن كل الأسئلة المتعلقة بخارطة الشرق الأوسط الجديد.. وإن كنا نرى أن من الضروري أن يتنادى كل عقلاء العرب، وكل عقلاء المسلمين، وكل محبي الحق والعدل والحرية والحياة في هذا العالم لوضع حد لكل أعمال العنف وسفك الدماء، ولوضع حد لكل أشكال الظلم والفساد والتسلط التي يمارسها الأقوياء، ولوضع حد لكل عبث العابثين، واستفزاز المستفزين، وللتحرك السريع من أجل ضمان حقوق الإنسان، والعيش الكريم في هذه الديار، وفي كل ديار العروبة والإسلام.. بحيث تتجنب الشعوب كل أعمال العنف والحروب وسفك الدماء، وبحيث تزول كل أسباب التوتر والاحتقان واللجوء إلى العنف، والاحتكام إلى السلاح في فض المنازعات، ووقف المخاصمات.. فالعدل وحده كفيل بأن يضع الأمور كلها في نصابها الصحيح.

    وبعد

    فإن كل ما يجري في هذه المساحة الشاسعة بين نواكشوط غربًا وإلى ما وراء طشقند وسمرقند شرقًا، ومن أقصى جنوب القارة السوداء جنوبًا إلى ما وراء حدود تركيا المسلمة مع أوروبا وصولاً إلى كل تجمع سكاني إسلامي في البلقان وغير البلقان من بلدان أوروبا كلها، وكثير من ولايات أمريكا الشمالية، بل وصولاً إلى كل تجمع للمسلمين في هذا الكون.. إن كل ما يجري في كل ديار العروبة والإسلام، وفي كافة الأماكن التي يعيش فيها مسلمون في سائر أرجاء هذا الكون سببه هذا العداء الذي يكنّه كثير من الحاقدين العنصريين على المستويين الرسمي والشعبي في تلك الأقطار التي تعتبر نفسها الوريث الشرعي لدولة الإسلام، وبلاد الإسلام، و لكافة الإسلام، وتاريخه وحضارته وكافة مخلفاته.. فكان لها (الحق) في السيطرة على ثروات المسلمين، وكان لها الحق في نهب خيراتهم، وسلب ممتلكاتهم، ونشر الأمية والتخلف والفقر والمرض بين صفوفهم.. وكان لها ( الحق) في تمزيق وحدتهم السياسية، وتدمير علائقهم الاجتماعية، وتقويض بنيانهم الاقتصادي والثقافي والفكري، وتحويلهم إلى مجتمعات وتجمعات وشيع وقبائل وأقليات متخاصمة متباغضة يحارب بعضها بعضًا.

    وإن هذا الواقع المر الذي يعيشه الناس في كل ديار العروبة والإسلام، وتعيشه الجاليات المسلمة في كثير من بلدان هذا الكون سببه هذا العداء الذي تكنه جهات كثيرة في هذا العالم للإسلام والمسلمين.. وسببه أيضًا هذه الرغبة الجامحة في السيطرة على ثروات المسلمين، ونهب خيراتهم، واستعباد المسلمين والعرب.. أما أداته اليوم فهي محاولات الغرب والغربيين وكل أعداء العرب والمسلمين إلصاق تهمة الإرهاب بكل من يرفع صوته معترضًا على أعمال الغرب، وتدخلاته، واعتداءاته على المسلمين والعرب في كافة أقطارهم وأمصارهم وبلدانهم وأوطانهم.

    وإن إلصاق تهمة الإرهاب بكثير من العرب، وكثير من المسلمين في كثير من ديار العروبة والإسلام أصبح الذريعة التي يتذرع بها أعداء هذه الأمة للتمادي في تدخلاتهم واعتداءاتهم وممارساتهم ضدها، كما أصبح الذريعة لملاحقة كثير من العرب وكثير من المسلمين، وقتلهم في عقر دارهم، ونشر الرعب والخوف والفزع في كل ديار العروبة والإسلام، وفرض مخططاتهم التي تستهدف الأرض، وتستهدف الإنسان في كل هذه الديار.

     وإن هؤلاء المسلمين، وهؤلاء العرب ليسوا إرهابيين، وليسوا دمويين، وليسوا كما يصفهم الغربيون وغير الغربيين.. إنما هم رافضون للتبعية، رافضون للتدخل والعدوان والسيطرة الأجنبية على بلادهم ومقدراتهم ومستقبل أجيالهم.. ومتى كان من يرفض التبعية للأجنبي إرهابيًّا؟ ومتى كان من يرفض التدخل الأجنبي والسيطرة الأجنبية على بلاده إرهابيًّا؟

    وإن من يقاتل في سبيل تحرير بلاده من العدوان إنما يمارس عملاً مشروعًا ضمنته له كافة شرائع الأرض والسماء، وإن على الناس جميعًا في هذا العالم أن يقفوا إلى جانبه في تحقيق هذا الهدف.. وإنما الإرهابي هذا الذي يعتدي على الآخرين في عقر دارهم.. الإرهابي هو من يحتل أوطان الآخرين، وينكل بالأحرار المقاومين الذين يسعون لتحرير هذه الأوطان، واستعادتها من أيدي الغزاة الطامعين المستهترين بالقيم والمثل العليا وكل قوانين الأخلاق التي تواضع عليها الناس في هذا العالم.. الإرهابي هو من يروّع الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى في بلاد يحتلها مخالفًا بذلك كل شرائع السماء، وكل تشريعات الأرض، وكل مبادئ العدل والعدالة والأخلاق.. الإرهابي هو من يقتلع شعبًا من أرضه.. هو من يخلي بيتًا من أهله ليقذف بهم إلى تيه الصحراء وجحيمها.

    وعليه، فإنه ليس أمام الدول الكبرى، ودول مجلس الأمن، والدول الصناعية، ودول الغرب، ودول المنظومة الاشتراكية، ودول أمريكا اللاتينية، وأقطار الجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وكافة منظمات حقوق الإنسان، وأنصار الحق والعدل والحرية، وأصحاب الضمائر الحية في هذا العالم إلاّ أن يحضّروا لمؤتمر عام لمناقشة كافة أوجه العدوان على الشعوب، وإدانة المعتدين. والوقوف إلى جانب ضحايا ذلك العدوان، والعمل من أجل رفع الظلم عنهم، وإعادة حقوقهم إليهم، وإشاعة العدل بين الناس في هذا العالم.. وصولاً إلى عالم تسوده المحبة، وتخفق على روابيه رايات العدل والعمل والأمل والسلام.

    وإلى أن يأتي ذلك اليوم؛ فإنه يحسن بالمفكرين والمحللين والإعلاميين، والكتّاب، ومراكز البحوث والدراسات، ووسائل الإعلام، ودور النشر أن تسلّط كل الأضواء على حق كافة الشعوب المضطهدة، والأمم المقموعة في استرداد حريتها واستقلالها وسيادتها من الغاصبين الذين يعتدون على حرمة أراضيها، وحرية مواطنيها وكرامتهم.

15/8/2009


الخميس، ١٣ آب ٢٠٠٩

النسخة المعدلة المعتمدة

 

تاريخ النفوذ اليهودي في أميركا

تأليف : فيصل أبو خضرا

                                                                      تقديم: عدنان الســمان

(الحلقة الأولى )

    ما أجمل هذا الحوار الذي دار بين الكاتب رجل الأعمال الفلسطيني " فيصل أبو خضرا" مؤلف هذا الكتاب، و" أبراهام" الطبيب الأميركي اليهودي المولود في بولونيا، والذي جاء به أهله مع إخوته إلى "إسرائيل" بعيد الحرب العالمية الثانية، وتحديدًا في العام (1950) أي في الفترة التي كانت فيها أسرة " أبو خضرا" وغيرها من الأسر الفلسطينية تُرغم على مغادرة يافا وغيرها من المدن والقرى الفلسطينية في أعقاب حرب (1948م).

    يتوجه المؤلف إلى الولايات المتحدة الأميركية للعلاج، ويدخل أحد المشافي هناك حيث تُجرى له عملية جراحية ناجحة، يترتب عليه بعدها قضاء فترة نقاهة يكون فيها إلى جانب الأطباء(1)... ويشاء القدر أن يكون "أبراهام " هو الطبيب الذي أنيطت به مهمة الإشراف على "فيصل" خلال هذه الفترة التي نفد فيها صبر المؤلف، وغلبه الحنين إلى الوطن والأهل والعمل... ويسمح الطبيب بذلك شريطة التزام "المريض" بتنفيذ التعليمات .. متمنِّيًا له سفرًا هادئًا (2)، ويضيف " أبراهام" مخاطبًا "فيصل" :

-       لا تنس أن تتمتع بشمس الشرق، ومياه البحر الأحمر، فإن الله قد منحكم هبات لم يمنحها للآخرين.

-       من أين عرفت أنني ذاهب إلى الشرق والشمس والبحر الأحمر؟

-   من ملفك الذي عندنا في المستشفى، عرفت أنك سعودي من أصل فلسطيني.. وأنا أيضًا أعرف يافا(3) المدينة الساحلية التي تغتسل شوارعها بمياه البحر المتوسط.

-       وهل أنت فلسطيني يهودي؟

-       أنا يهودي إسرائيلي.

-       تقصد أنك من أصل أوروبي.

-       أنا إسرائيلي ولدت في بولونيا، وجاء بي أهلي مع إخوتي إلى إسرائيل بعيد الحرب العالمية الثانية.

-       متى بالضبط؟

-       في العام 1950، وكنت في التاسعة من عمري.

-       ما الذي جاء بك إلى الولايات المتحدة؟

-   إن ظروف إسرائيل ليست جميعها على أحسن ما يرام، فنحن أيضًا نعاني من هجرة مضادة.. وأنا هنا منذ ثمانية عشر عامًا(4) تابعت اختصاصي هنا، وحملت الجنسية الأميركية، لكن أهلي في إسرائيل.. قل لي: هل توافق على وجود دولة يهودية في إسرائيل؟

-       أتريدني أن أكون صريحًا معك؟ لا، لا أوافق على ذلك.

-       إذن أنت تطالب بهلاك الدولة اليهودية.

-       لا.. بل إنني أطالب بالدولة الديمقراطية التي تضم يهودًا ومسلمين ومسيحيين.

    ويستمر هذا الحوار بين الرجلين متناولاً فكرة الدولة الديمقراطية، والسماح لبقية الأديان أن تتمثل في الحكم.. وواقع التمثيل الحالي، وكم هو مجحف بحق العرب .. وتشبيه إسرائيل باللص الذي يُقدم على سرقة.. فهو يريد الاحتفاظ بسرقته، ويريد أن يبقى بعيدًا عن أيدي أصحاب البيت... ولكن "أبراهام" يرفض هذا التشبيه الذي ساقه المؤلف مشيرًا إلى أن أصحاب البيت في الأصل هم اليهود الذين سُرق البيت منهم!! ويدور الحوار بينهما حول ازدواجية الجنسية: فأبراهام من مواليد بولونيا، ويحمل الجنسية الإسرائيلية، ثم يرتحل إلى أميركا.. ويحمل جنسيتها أيضًا.. ويوضح المؤلف الفرق بين حالة "أبراهام" (ومثله ملايين اليهود الذين يحملون الجنسيتين) وحالته هو، ومثله ملايين الفلسطينيين العرب الذين هُجِّروا من فلسطين ، وحمل كثير منهم جنسيات بعض الأقطار العربية أو الأجنبية.. ويشمل الحوار بين الرجلين كثيرًا من القضايا تناولها المؤلف بأسلوب ممتع مقيمًا الدليل على صحة وجهة نظره.. مركّزًا على قوتهم وضعفنا.. وعلى أمور كثيرة أخرى في جوهر الصراع العربي الإسرائيلي.

    ينتقل المؤلف بعد هذا الحوار الطريف ليكتب في العلاقة الأميركية – الصهيونية، موضحًا " أن الولايات المتحدة قدّمت لإسرائيل بين 1948 و1990(5) من المساعدات الرسمية، والمعونات الخاصة، والاعتمادات الطارئة، والتعويضات، والمنح الأخرى ما يقدر ب(148)مليار دولار . ومن دون هذا الدعم، لم يكن بمقدور الدولة العبرية الاستمرار الاقتصادي، ولا توطين موجات المهاجرين اليهود القادمين إليها في الأربعين عامًا المنصرمة، ولم يكن بمقدورها بأي شكل خوض حروب: 1956و1967و1973و1982، أو تحمل أي من تبعاتها العسكرية والاقتصادية ، أو أي من مراميها التوسعية".. وهذا يعني أن ما تحصل عليه إسرائيل من برنامج المعونات الخارجية الأميركية، هو أكثر من ربع معونات هذا البرنامج للعالم كله، وما تحصل عليه إسرائيل من المساعدات الأميركية يفوق نصف المعونات الخارجية الأميركية للعالم أجمع.. مع الأخذ بعين الاعتبار أن كل المساعدات الأميركية لإسرائيل هي هبات منذ عام 1985، وهي غير خاضعة للتقليصات التي يمكن أن تطرأ على برنامج المساعدات الخارجية، بموجب استثناء رسمي من الكونغرس.

    ويجب أن لا يغيب عن بال أحد أن المعونات التي تقدمها الولايات المتحدة للدنيا كلها – باستثناء إسرائيل- هي معونات مشروطة أو مغرضة أو لأهداف سياسية معينة في أغلب الأحيان.. أما المعونات الأميركية لإسرائيل فأمر مختلف كما سنرى في فصول قادمة من هذا الكتاب... ويبقى السؤال المطروح: أيهما المستفيد الذي يسخّر الآخر لأهدافه ومآربه أميركا أم إسرائيل؟

    يشير المؤلف(6) إلى أن اليهود في الولايات المتحدة يعيشون في المدن الكبيرة وبخاصة في نيويورك التي يعيش فيها مليون ومئتا ألف يهودي(7)، ولوس أنجلس حيث يعيش فيها نصف مليون يهودي... وهناك جاليات يهودية كبيرة في شيكاغو وميامي وبوسطن وبالتيمور وكليفلند وديترويت وسان فرانسيسكو... كما أن غالبية اليهود الأميركان تقيم في ولايات الشاطئ الأطلسي الشمالي، وبخاصة في كاليفورنيا وفلوريدا (تضم ولايتا نيويورك وكاليفورنيا وحدهما  حوالي نصف مجموع اليهود الأميركيين.. وهذا يعني أن تواجد اليهود في المدن الكبيرة، وفي الولايات ذات النفوذ يقوي من قدرتهم على التأثير على مواقع صنع القرار في الولايات المتحدة.

    وفي معرض حديثه عن اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة يوضح "فيصل أبو خضرا" أنه يقوم على هذا المجتمع اليهودي المتمركز داخل أميركا، والمتّسم "بازدواجية الولاء" للدولة الأميركية ولإسرائيل.. وهذا المجتمع اليهودي هو القاعدة البشرية والسوسيولوجية والتاريخية التي تستند إليها، وتنطلق منها التحركات الصهيونية(8)... هذا اللوبي بمعناه الواسع يتكون من مئات التنظيمات، والجمعيات اليهودية العاملة داخل المجتمع اليهودي الأميركي... أما اللوبي الإسرائيلي الـ"ايباك" فهو أهم هذه اللوبيات، وهو اللوبي الإسرائيلي الرسمي.. وهناك تنظيمان يهوديان مركزيان على الأقل يمر الضغط النهائي عبرهما أيضًا هما: " مجلس المنظمات اليهودية" الذي يضم ممثلين عن حوالي (115) منظمة يهودية إقليمية ووطنية. و"مؤتمر الرؤساء" الذي يضم رؤساء حوالي ال (48) منظمة الأكثر نفوذًا... وهذه الأطر التنظيمية الثلاثة العليا (المتداخلة أيضًا فيما بينها) تشكّل قمة الهرم لمئات التنظيمات اليهودية الأميركية العاملة في اتجاه الهدف الواحد نفسه: دعم إسرائيل بكل الوسائل، وعلى رأسها توفير الدعم المادي لإسرائيل عبر الدولة الأميركية، وعبر المجتمع اليهودي الأميركي، والقوى المتضامنة معه في المجتمع المدني.. وتوفير المساعدات العسكرية والتكنولوجية في أزمنة الحرب والسلم.. وتوفير الغطاء السياسي الأميركي لكل ما تقوم به إسرائيل.. وإدخال العامل الإسرائيلي إلى مجمل سياسات أميركا الخارجية.. ومنع المساعدات العسكرية والاقتصادية الأميركية عن العرب.. وتشويه صورة العرب.. والعمل على إضعاف شأنهم في كل الميادين.. أما الوسائل فهي "المال اليهودي.. صنع الأفكار وترويجها إعلاميًّا.. الصوت اليهودي الانتخابي.. الثواب والعقاب: من إثراء وإفقار، وترغيب وترهيب، وترقية ومحاصرة ، إلى التهديد بالعنف الجسدي.

    وبعد أن ينتهي المؤلف من هذه المقدمة في العلاقة الأميركية – الصهيونية يدخل في صلب الموضوع حيث يقسمه إلى ستة فصول تبحث في "العلاقة الخاصة" والأزمنة الجديدة، وهذا هو الفصل الأول. أما الفصل الثاني فيبحث في الـ"دياسبورا" اليهودية في العالم. ويبحث الفصل الثالث: في "اليهود الأميركيون" .. والفصل الرابع يبحث في اللوبي  الصهيوني في واشنطن.. والفصل الخامس في الغايات والوسائل.. أما الفصل السادس فقد خصصه المؤلف للبحث في الدعم الأميركي لإسرائيل.

الفصل الأول

العلاقة الخاصة والأزمنة الجديدة

 

    يتحدث المؤلف في هذا الفصل عن الأهمية البالغة لمطلع العقد الأخير من القرن الماضي، حيث شهدت تلك الفترة انهيار الاتحاد السوفياتي، وانفراط عقد المنظومة الاشتراكية، وسيطرة الولايات المتحدة – بالتالي- على هذا الكون لأول مرة في تاريخها على هذا النحو غير المسبوق.. حتى أن المؤلف قد سمّى ما كان يحدث في تلك الفترة من إعادة رسم كامل للعالم ( أمام نظرنا) عالم ما بعد "الحرب العالمية الثالثة" هذه الحرب التي انتهى معها عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية(9).

    من الطبيعي أن يناقش المؤلف آثار ما حدث على الساحة الفلسطينية والعربية ، وعلى الصراع المزمن في ديارنا هذه .. فأطفال الحجارة يحرجون الإسرائيليين أيما إحراج، ويفضحون الطبيعة العدوانية للدولة العبرية... وحرب الخليج تدمي بلاد العرب، وتدمر العراق والكويت في آن واحد.. والباب يُفتح على مصراعيه أمام هجرة اليهود السوفيات إلى هذه البلاد... وما دام الاتحاد السوفياتي قد انهار.. وما دام العرب منشغلين بخلافاتهم وأمراضهم المستعصية المزمنة.. ومادامت أميركا قد دخلت الوطن العربي من أوسع الأبواب .. فما الذي يمكن أن تقدمه "إسرائيل" للولايات المتحدة؟ وما هي الخدمات التي يمكن أن تقدمها للغرب؟ لو كانت المسألة منطقية لقضي الأمر، وعادت الأمور إلى نصابها، أو ما يشبه نصابها.. ولكنها ليست كذلك، فلا المقدمات تؤدي إلى النتائج، ولا النتائج ناتجة عن المقدمات!! إنها حسابات من نوع آخر.. حسابات خاضعة لتصرف ذلك اللوبي الضاغط دائمًا وأبدًا وباستمرار لصالح "إسرائيل" حتى لو كان الصراع مع أميركا نفسها!!! ومعركة المليارات العشرة بين الرئيس الأميركي بوش، ورئيس الحكومة الإسرائيلية (آنذاك) اسحق شامير التي وقعت جولتها الأولى الحادة في شهر أيلول 1991 خير شاهد على صحة هذا القول، وبصرف النظر عن النتائج النهائية التي أسفرت عنها تلك المعركة التي دارت داخل الكونغرس الأميركي بين بوش وشامير إلا أن مجرد حدوث تلك المواجهة دليل قاطع على مدى نفوذ ذلك اللوبي وتمكنه.. ودليل قاطع على مدى اعتماد قادة إسرائيل على فعل هذا اللوبي، ونفوذه الخيالي داخل الولايات المتحدة... صحيح أن تلك المواجهة أسفرت يومها عن تأجيل البحث في المسألة لمدة (120) يومًا على مستوى الكونغرس، وعلى مستوى الرأي العام الأميركي.. وصحيح أن اللوبي الصهيوني يومها قد تراجع تكتيكيًّا في تلك الجولة، وتراجع مؤيدوه في الكونغرس... ولكن صحيح أيضًا أن الأمور قد اختلفت تمامًا .. وكان للإسرائيليين أكثر مما يريدون بكثير في قادم الأيام بفعل ذلك اللوبي، ولأسباب أخرى كما سنرى في فصول قادمة من هذا الكتاب.

تاريخ النفوذ اليهودي في أميركا

تأليف : فيصل أبو خضرا

                                                                      تقديم: عدنان الســمان

 (الحلقة الثانية )

الـ "دياسبورا" اليهودية في العالم

    الـ "دياسبورا" "تعني الشتات"، وهي تعبير يوناني، وإن التصق تاريخيًّا باليهود قبل أن يبدأ استعماله حديثًا بالنسبة لعدة أقوام(10)... ويرجح المؤلف أن عدد اليهود في العالم يتراوح بين اثني عشر وأربعة عشر مليونًا (12-14) يستقر سبعة ملايين منهم في الولايات المتحدة وأوروبا مندمجين في مجتمعاتهم، ولا تفكر أكثريتهم الساحقة بالهجرة إلى "إسرائيل" حيث يعيش فيها اليوم نحو خمسة ملايين ونصف المليون يهودي أي نحو اثنين وأربعين بالمئة من إجمالي عدد اليهود في العالم.. أما يهود الولايات المتحدة فيبلغ عددهم ستة ملايين يهودي.. لقد انتقل الثقل اليهودي في العالم من الشرق إلى الغرب وإسرائيل بعد أن انهار هذا الوجود في أوروبا الشرقية والوسطى ، بسبب الاضطهاد الجماعي لليهود على يد النازيّة، وفي العالمين العربي والإسلامي، بسبب الهجرة إلى فلسطين، وتركز في إسرائيل "بعد قيامها" من جهة، وفي القارة الأميركية بشمالها وجنوبها، وفي أوروبا الغربية من جهة ثانية ... وهكذا كانت الغالبية العظمى من اليهود الذين اتجهوا إلى الإقامة في الكيان الصهيوني هي من يهود أوروبا الشرقية، والبلدان العربية.. أما يهود أميركا وأوروبا الغربية المندمجون في مجتمعاتهم، وفي أنظمتها السياسية والثقافية فقد ظلوا في غالبيتهم العظمى خارج حركة الهجرة إلى إسرائيل الأمر الذي حدا بديفيد بن غوريون أن يصف اليهود الباقين خارج إسرائيل بالذين" لا إله لهم"(11) طالبًا منهم القدوم إلى إسرائيل التي إنما أقيمت لتكون دولة ليهود العالم جميعًا.. ومما قاله بن غوريون أمام "ندوة القدس الأيديولوجية" التي نظمتها "المنظمة الصهيونية العالمية": "إن صهيونيتي بُنيت على الاعتقاد بأننا لسنا جزءًا من الشعوب التي نقيم بينها" ... على أن هذه الدعوات جميعها لم تؤت أكلها، بل إن اليهود الأميركيين يعتبرون أن "أرض الميعاد" لديهم هي أميركا نفسها.. وهكذا يؤمن، معظم اليهود باستحالة تجميعهم في مكان واحد.. بمعنى أن حالة الشتات الراهنة ليست حالة استثنائية ، ولا ظاهرة شاذة، وإنما هي حقيقة ثابتة ميزت التاريخ اليهودي على الدوام... ويسوق المؤلف أمثلة كثيرة من التاريخ يؤيد بها هذه الحقائق.

    إن الدعوة الصهيونية لتجميع يهود العالم في "وطن قومي"(12) لم تكن تعبّر في شيء عن "الرغبة الطبيعيه" لدى ال "دياسبورا" اليهودية، ولم تكن تجسّد أماني هذه ال "دياسبورا"، والذين وقفوا مع الصهيونية في بداياتها، وعلى مدى الثلث الأول من القرن العشرين، كانوا قلة من اليهود الروس والبولونيين، بينما ظلت الأكثرية الساحقة من يهود العالم مناوئة للدعوة الصهيونية، أو غير مبالية بها.. وذلك على الرغم من تبني بريطانيا العظمى لهذه الدعوة، ووضعها وسائلها الاستعمارية في خدمتها... ولولا ظهور النازية ، وما مارسته من اضطهاد جماعي لليهود لما استطاعت الحركة الصهيونية أن تلقى آذانًا صاغية لدى المجتمعات اليهودية في العالم... ومسألة "الالتقاء الموضوعي" بين النازية والصهيونية على إخراج اليهود من أوروبا، كانت ولا تزال موضع اهتمام كثير من البحّاثة والمؤرخين، لما تنطوي عليه من فصول مذهلة... ويوضح المؤلف مواقف كثير من رجال الدين اليهود من هذه القضية، فيذكر أنه قبل أن ينعقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة "بال" بسويسرا سنة 1897 بدعوة من ثيودور هرتزل كان "بيان بيتسبرغ" الذي صدر عام 1885، والذي رفضت فيه الحركة اليهودية الإصلاحية الأميركية فكرة تأسيس دولة يهودية... ولقد أعلن "مؤتمر مونتريال" المنعقد سنة 1897 رفضه الكامل " لكل مبادرة تهدف إلى خلق دولة يهودية" مؤكدًا على أن غاية اليهودية "ليست سياسية، ولا وطنية ، بل روحية"، وهي تهدف إلى بعث "السلام والعدل والمحبة" بين البشر... وظل هذا الموقف حتى الحرب العالمية الثانية هو موقف غالبية رجال الدين اليهود في العالم.

    ويشير المؤلف إلى أن النهضات اليهودية إنما برزت في بابل القديمة، ثم في بغداد العربية في عهود الإسلام، وبخاصة منذ القرن التاسع للميلاد، ووصلت إلى ما يعرف بعصرها الذهبي في الأندلس العربية... هذه النهضات كانت مرتبطة باستمرار بالانفتاح الإنساني، وبالتفاعل الخلاّق مع بقية التراثات.. وليس بالتقوقع السياسي العقيم على النفس!! مؤكدًا على أن المشروع الصهيوني لم يكن قادرًا على الوصول إلى التنفيذ العملي "للدولة اليهودية" لولا النازية.. والعقبة الأهم التي كانت تعترضه هي اليهود أنفسهم.. فهذا المشروع لم يعبّر عن أمانيهم، ولا عن مصالحهم في أكثريتهم العظمى(13).

    ويخلص المؤلف في نهاية هذا الفصل إلى الاستنتاج بأن يهود ال "دياسبورا" اليوم يشعرون أن إسرائيل هي مصدر قوة لهم.. ويشعر يهود إسرائيل أن ال "دياسبورا" هي معينهم الوحيد الثابت في العالم، " إن إرادة الحياة اليهودية لدى ال "دياسبورا" تتوقف إلى حد بعيد على وجود إسرائيل ، كما أن القدرة على الحياة لدى دولة إسرائيل تتوقف إلى حد بعيد على وجود الدياسبورا"...

    ومن جهة ثانية يشعر اليهود الإسرائيليون أنهم هم الذين هاجروا إلى "إسرائيل" وهم الذين يواجهون "التحديات والأخطار"، بينما يقبع يهود الغرب في مجتمعاتهم المزدهرة، ويرفضون التخلي عن نمط حياتهم.. في الوقت الذي تشعر فيه ال "دياسبورا" بالعبء المعنوي الإسرائيلي الذي هو مصدر قلق دائم لها.. ذلك أن المكان الوحيد الذي تسقط فيه منذ الحرب العالمية الثانية آلاف الضحايا اليهودية هو "دولة إسرائيل" .. وأقل ما يقال في هذا الوضع المشوب بالقلق والخطر الدائمين أنه ليس هو الحل الأمثل للمسألة اليهودية".(14)

الفصل الثالث

اليهود الأميركيون

   في خطاب ألقاه بنيامين فرانكلين عام 1789 يقول ما يلي: "... أينما حل اليهود هبط المستوى الأخلاقي  والشرف التجاري، فقد ظلوا دائمًا في عزلة لا يندمجون في أي أمة ، يدفعهم الشعور بأنهم مضطهدون إلى خنق الأمة اقتصاديًّا كما حدث في إسبانيا والبرتغال.. فإذا لم تقصهم الولايات المتحدة عن دستورها فسنراهم في أقل من مئة عام يقتحمون هذه البلاد، لكي يسيطروا عليها ويدمروها، ويغيروا نظام الحكم الذي سالت من أجله دماؤنا..."(15) فهل كان فرانكلين محقًّا في قوله .. وهل وضع اليهود أيديهم فعلاً على الولايات المتحدة؟

    لم يكن عدد اليهود في الولايات المتحدة يزيد على ألفين أو ثلاثة آلاف عند إعلان الاستقلال عن بريطانيا في الرابع من تموز من عام 1776، ولقد وصل عددهم إلى أربعة آلاف عام 1820.. وقد ضمن الدستور الأميركي المساواة التامة بين الأفراد، وأصبح كثير من اليهود من أصحاب الأراضي وكبار التجار.. واتجه بعضهم إلى العمل في مجال النشاطات المالية والعقارية، فأنشأوا شركات تأمين، وعملوا في أسواق الأسهم والسندات ، وقطاع الصناعة، وفتحوا المصارف.. كما مارس بعضهم عام 1820مهنًا جديدة مثل القانون والطب والهندسة والتربية والصحافة... وفي عام 1826 أصبح عددهم ستة آلاف .. ثم أًصبح خمسة عشر ألفًا عام 1840.. ومئة وخمسين ألفًا عام 1860.. ومئتين وثمانين ألفًا عام 1880.. أما أضخم الهجرات اليهودية إلى أميركا، وأكثرها تأثيرًا في تكوّن المجتمع اليهودي فيها فكانت هجرة يهود أوروبا الشرقية التي تمّت بين عامي 1881-1921 حيث وصل إلى الولايات المتحدة خلال تلك الفترة 2.5 مليون (مليونان ونصف المليون) من أنحاء أوروبا الشرقية.. وفي عام 1924 أصبح عددهم 4ملايين و200 ألف نسمة (أربعة ملايين ومئتي ألف نسمة) ولولا أنظمة ال "كوتا " التي فرضتها الولايات المتحدة على الهجرة بعد ذلك بقليل لتضاعف عدد اليهود المهاجرين إلى الولايات المتحدة الأميركية.. ومن الجدير بالذكر أن المراجع اليهودية في أميركا لم تعارض قانون ال "كوتا" لسبب بسيط هو خوفها من وصول مزيد من يهود أوروبا الشرقية التّعساء غير المؤهلين علميًّا ومهنيًّا في ظروف اقتصادية أميركية صعبة لم تلبث أن أدت بعد سنوات قليلة إلى أزمة 1929 الاقتصادية الكبرى، وهي أخطر أزمة عرفتها أميركا، وعرفها العالم الرأسمالي في تاريخهما ، هذه الأزمة التي استمرت حتى عام 1933.

    لقد استمرت أميركا في الحد الصارم من الهجرة اليهودية إليها بين عامي 1935-1948 بالرغم من الاضطهاد الجماعي الهائل الذي تعرض له اليهود الألمان والبولونيون وسواهم في الحرب العالمية الثانية.. وبالرغم من معرفة أوساط الحلفاء بما كان يتسرب ويتأكد من أخبار ال "هولوكوست" ... كذلك لم يتحرك اليهود الأميركيون بصورة ملموسة لفتح أبواب أميركا أمام اليهود الأوروبيين ... وأكثر من ذلك.. فقد عمل الصهيونيون ما بوسعهم من أجل إفشال "مؤتمر افيان" في فرنسا ، والذي عقد عام 1938 من أجل نقل اليهود الهاربين من الاضطهاد إلى بلدان آمنة.. ونستعيد هنا كلمة بن غوريون الشهيرة في كانون الأول 1938 : " لو علمت أنه يمكن إنقاذ كل الأطفال اليهود الألمان بنقلهم إلى انجلترا، أو إنقاذ نصفهم فقط بنقلهم إلى " أرض إسرائيل" لفضلت الحل الثاني على الأول، وأخذت به"..!!(16)

    إن الغالبية العظمى من اليهود كانت راغبة فقط في الاندماج الكامل في الحياة حيث تقيم، ولا سيما في الولايات المتحدة الأميركية.. ولم تكن تفكر في غير ذلك.. وكانت تعارض الصهيونية في دعوتها لتجميع اليهود في دولة واحدة هي دولتهم أو دولة إسرائيل، أو الدولة اليهودية... ولعل بيان "بيتسبرغ" الصادر عام 1885 عن رجال الدين اليهود الأميركيين الإصلاحيين من أفضل الشواهد على ذلك حيث يقول البيان:" لسنا أمة، بل جماعة دينية.. وبالتالي ليس من تَوق لدينا للعودة إلى فلسطين، أو لتقديم الذبائح والقرابين المتعلقة ببناء الدولة اليهودية"... حتى أن الحركة الصهيونية لم تكن قادرة قبيل الحرب العالمية الأولى على التأثير إلا على أقلية ضئيلة (حوالي عشرين ألفاً) من أصل المليونين ونصف المليون يهودي أميركي.. وكانت "اللجنة اليهودية الأميركية" التي تشكّلت عام 1916 مناوئة تمامًا للدعوة الصهيونية ... ولم يتمكن الصهيونيون من البدء بمد نفوذهم في المجتمع اليهودي الأميركي إلا مع صعود النازية .. حيث اتخذ" المؤتمر المركزي للحاخامين الأميركيين" المنعقد عام 1935 (والممثّل لليهودية الإصلاحية) موقفًا حياديًّا من الصهيونية، ثم وافق عام 1937 على الدعوة إلى بناء كيان يهودي في فلسطين كملجأ لليهود المضطهدين، وكمركز ثقافي وروحي... وحتى زعماء الصهيونية الأميركية مثل الحاخام ستيفن وايز صديق الرئيس روزفلت كان يهمهم "إنقاذ يهود أوروبا" عشية الحرب العالمية الثانية بنقلهم إلى أي مكان (إلى مستعمرة بريطانيّة مثل كينيا أو أوغندا) وليس بالضرورة إلى فلسطين... بل إن "اللجنة الأميركية اليهودية" التي كانت لا تزال أهم المنظمات اليهودية، وأوسعها نفوذًا في الولايات المتحدة، بقيت خارج إطار الدعوة الصهيونية ، وفشل بن غوريون عشية مؤتمر "بلتيمور" الصهيوني المنعقد عام 1942 في أوج الحرب العالمية الثانية في استمالتها إلى هذه الدعوة.. ولم يقف جوزف بروسكور رئيس "اللجنة الأميركية اليهودية" إلى جانب الصهيونيين إلا قبيل إعلان دولة إسرائيل عام 1948... وهكذا لم تستطع الحركة الصهيونية مد نفوذها داخل المجتمع اليهودي الأميركي إلا بعد نصف قرن من قيامها.. ولم يكن تحقيق ذلك ممكنًا لو لم يمر التاريخ اليهودي الأميركي بفصل ال "هولوكوست".. وفي 14 أيار 1948 كان الرئيس الأميركي هاري ترومان أول المعترفين بـ "إسرائيل" عندما أعلن بن غوريون قيامها في فلسطين .

    ثم يتحدث المؤلف في نهاية هذا الفصل عن حرب حزيران 1967، وكيف أن تلك الحرب قد ألهبت مشاعر اليهود في الولايات المتحدة الأميركية لأنها أعادت إلى الأذهان شبح المحرقة النازية.. وهكذا أجمعوا على دعم إسرائيل، حمايةً لها من التهديد العربي بإبادتها، والقذف باليهود في البحر!... وينتقل المؤلف إلى الحديث عن حرب 1973، واجتياح لبنان 1982 ومذبحة صبرا وشاتيلا، ولم ينس أن يتحدث عن انتفاضة أطفال الحجارة، واصفًا إياها بأنها كانت انقلابًا في الرأي العام اليهودي الأميركي... وفي نهاية هذا الفصل الثالث يتحدث المؤلف عن مصدر قوة اليهود الأميركيين، واللوبي الإسرائيلي هناك.. فيرد ذلك إلى : الفكر، والمال، والصوت اليهودي في إطار طائفة كثيرة التنظيم.. فهناك مئات المنظمات والجمعيات اليهودية التي تغطي مختلف أوجه الحياة العامة في أميركا، والتي تحركها الأجهزة الصهيونية... هناك أكثر من (500) جمعية ومنظمة يهودية مدرجة في الدليل السنوي لليهود الأميركيين يرتكز إليها اللوبي الإسرائيلي في تحريكه للطائفة اليهودية الأميركية من جهة، وفي ضغوطه على الدولة، والمجتمع الأميركيين من جهة أخرى.

تاريخ النفوذ اليهودي في أميركا

تأليف : فيصل أبو خضرا

                                                                      تقديم: عدنان الســمان

 (الحلقة الثالثة)

الفصل الرابع

اللوبي الصهيوني في واشنطن

    يقول المؤلف في مستهل هذا الفصل: " ترد عبارة "اللوبي الصهيوني" في الولايات المتحدة، في معظم الأبحاث والمقالات المتعلقة بالمسألة الفلسطينية، وبالنزاع العربي – الإسرائيلي، وبالعلاقة العربية – الأميركية، دون إيضاح ماهية هذا اللوبي، ودون التعريف به وتحديده، مما يُبقي هذا " اللوبي" محاطًا بالغموض في أذهان القراء والكتّاب على حد سواء. فعبارة " اللوبي الصهيوني" هي ربما أكثر العبارات إبهامًا في قاموس الصراع العربي - الإسرائيلي الكبير.

    ومع أن تشكيل اللوبي الإسرائيلي ومنظماته على نحو فعال في الولايات المتحدة الأميركية هو حديث العهد نسبيًّا إلا أن  سعي الحركة الصهيوينة للتأثير على القرارات الأميركية بمختلف الوسائل هو سعي قديم ملازم للفكرة الصهيونية منذ مرحلة الحرب العالمية الأولى، و " وعد بلفور"، وقد ركّز الصهيونيون بصورة خاصة على " الدور الأميركي" ابتداءً من أواخر الثلاثينيات والحرب العالمية الثانية، إثر التأزم الذي طرأ على علاقتهم ببريطانيا بعد ثورة 1936 الفلسطينية، وصدور " الكتاب الأبيض" البريطاني عام 1936، وبعد أن أدركوا الأهمية المستقبلية للدور الأميركي في العالم".

    لا أحد ينكر دور بريطانيا الحاسم في تبني الحركة الصهيونية انطلاقًا من " وعد بلفور".. ولكن لا أحد ينكر أيضًا دور الرئيس الأميركي " ويلسون " في حسم الأمر لمصلحة هذا الوعد إثر المشاورات الهامة التي تمت بين حكومة "لويد جورج" البريطانية والرئاسة الأميركية... فبعد أن تأكدت نهائيًًّا هزيمة تركيا قال ويلسون في آب 1918: "أعتقد أن الأمم الحليفة قد قررت وضع حجر الأساس للدولة اليهودية في فلسطين" .. ومما لا شك فيه أن الجد الأعلى للوبي الصهيوني في واشنطن لويس براندايز قد لعب دورًا بارزًا في هذا الأمر عندما أعلن هذا المحامي اليهودي بطريقة مفاجئة اعتناقه العقيدة الصهيونية، وأصبح واحدًا من أعضاء المجموعة الصهيونية الأولى الفاعلة في واشنطن، والتي تضم جاكوب دوهاس، والحاخام ستيفن وايز، وفيليكس فرانكفورتر.

    لقد أخذ الصهيونيون يراهنون على " الورقة الأميركية" ابتداء من عام 1939 على حساب الورقة البريطانية.. وعندما أعلنت بريطانيا (في شباط 1947) أنها ستحيل القضية الفلسطينية إلى المنظمة الدولية لأنها لم تعد قادرة على إيجاد حل لهذه القضية بات مصير المشروع الصهيوني، (ولا يزال) يتقرر في موقعين هما: أرض فلسطين نفسها، والولايات المتحدة الأميركية ... ومنذ انعقاد مؤتر " بلتيمور" في نيويورك عام 1942.. وانطلاقًا من هذا المؤتمر، ومن زعامة آبا هلل سلفر الفعلية للصهيونية الأميركية (لم تصبح زعامته رسمية إلا في العام 1946)... وبالرغم من التناقضات التي سادت مؤتمر بتسبرغ مطلع عام 1943، ومن هيمنة الصراع بين المتشددين والمعتدلين فيه، وعدم حسم الأمور بصورة نهائية بين تيار سلفر وتيار وايز، فقد عزز ذلك اللقاء موقع سلفر كزعيم فعلي للصهيونية الأميركية... ذلك أن حاييم وايزمن نفسه وهو "الأب التاريخي " للحركة الصهيونية، ومهندس " وعد بلفور" لم يلبث أن دفع " ثمن اعتداله" حين خشي من الإسراع في إقامة " الدولة اليهودية" وطالب بتحرك أكثر مرحلية .. مما أدى إلى انقلاب داخل الحركة قام به بن غوريون وسلفر، مما أدى إلى إقصاء وايزمن عن رئاسة " المنظمة الصهيونية العالمية" بنتيجة" المؤتمر اليهودي العالمي" الذي عقد عام 1946 حيث حل آبا هلل سلفر رسميًّا محل ستيفن وايز في رئاسة الفرع الأميركي.

    ومنذ إنشاء " مجلس الطوارئ الصهيوني"، وتشكيل شبكة اللجان اليهودية المحلية في أنحاء البلاد، بدأ سلفر عمليات الضغط السياسي على السلطات الأميركية، وصدر الأمر إلى أعضاء اللجان بأن مهمتهم الأولى هي الاتصال المباشر بالنائب، أو بعضو مجلس الشيوخ المحلي... وهكذا انطلقت التحركات المنظمة للوبي الصهيوني في أميركا... وفي أواخر عام 1945 احتلت الجماعات اليهودية التي يحركها اللوبي الصهيوني ساحة (مديسون سكوير غاردن) احتجاجًا على السياسة البريطانية في فلسطين.. وخلال يوم واحد أُرسل في البريد ( 250) ألف بيان، وسارت مظاهرات في ثلاثين مدينة أميركية، واستمرت حركة البيانات والرسائل على نطاق واسع، وانعكس ذلك على أجواء الكونغرس حيث ألقى (27) عضوًا فيه خطبًا حول مسألة اليهود وفلسطين خلال يومين.

    وكان " مجلس الطوارئ الصهيوني" يتحرك أيضًا خارج إطار الجالية اليهودية الأميركية، ويسعى إلى تعبئة المنظمات البروتستانتية  المؤيدة "دينيًّا" ل "عودة" اليهود إلى فلسطين، وخلال عام 1944 اتخذت حوالي ال (3000) منظمة وجمعية، وناد، ونقابة أميركية ( غير يهودية) مواقف مؤيدة للصهيونية، وأغرقت الكونغرس بسيل من البرقيات في هذا الاتجاه... ومع هذا كله .. وبالرغم من وطأة الاضطهاد النازي، واستغلال الصهيونيين له لفرض دعوتهم... إلا أنه لم يكن من السهل كسب موافقة الرئيس فرانكلين روزفلت (الذي حكم الولايات المتحدة من عام 1933 ـ 1945) ولا الرئيس هاري ترومان (الذي حكمها من عام 1945 إلى عام 1952) على مشروع إقامة " دولة يهودية" في فلسطين... رغم ما فعله روزفلت من فتح أبواب الإدارة الأميركية والوظائف الرسمية أمام اليهود ... ولعل من الضروري أن يُشار هنا إلى ذلك اللقاء الذي تم في شباط 1945 على متن الباخرة "مورفي" بين الرئيس الأميركي روزفلت والملك عبد العزيز بن سعود... ذلك اللقاء الذي كان له أثره البارز على نظرة روزفلت إلى الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وتفهمه وجهة النظر العربية.. ولقد وعد روزفلت العاهل السعودي بأنه " لن يفعل أي شيء لمساعدة اليهود ضد العرب، ولن يقدم على أية مبادرة مناوئة للشعب العربي"... ثم أكد وعوده في رسالة مفصلة بعثها إلى الملك في 5/ نيسان/ 1945 ... ويموت فرانكلين بعد أسبوع من تلك الرسالة، ويحل محله في كرسي الرئاسة نائبه هاري ترومان... لقد وصف"هرتزبرغ" الرئيس روزفلت ب"الارستقراطي الذي إن لم يكن معاديًا تمامًا للسامية، فقد كان ينظر إلى اليهود الأميركيين كأغراب".

    ينتقل المؤلف بعد ذلك للحديث عن آيزنهاور، وموقفه من العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وكيف أنه أجبر الإسرائيليين على الانسحاب من سيناء، ووقف بصرامة ضد الأجهزة الصهيونية العاملة في أميركا.. وفرض رأيه في نهاية المطاف... وبعد أن يسهب المؤلف في الحديث عن العلاقة الأميركية ـ الإسرائيلية، وعلاقة أميركا باللوبي الصهيوني العامل فيها في عهد آيزنهاور الذي اتسم بالقوة، يتحدث المؤلف عن وصول ليندون جونسون إلى منصب الرئاسة الأميركية بعد اغتيال جون كينيدي في تشرين الثاني 1963، ويعتبر ذلك نقطة تحول رئيسة في تاريخ الأجهزة الصهيونية في الولايات المتحدة، وفي تاريخ العلاقة الأميركيةـ الإسرائيلية.. ويقول إنه ـ منذ ذلك الحين ـ قد انتهى زمن الرؤساء الأميركيين الذين يفصلون بين السياسة الأميركية والسياسة الإسرائيلية في الشرق الأوسط ويوازنون بينهما.. وبدأ زمن الرؤساء الأميركيين الآخذين بمبدأ التوافق الاستراتيجي الكامل بين واشنطن وتل أبيب بحيث يستحيل التمييز بينهما... وإذا كان الرؤساء ترومان وآيزنهاور وكينيدي وفّروا الدعم اللازم لإسرائيل فهم فعلوا ذلك "ضمن حدود معينة" ودون إلغاء سياساتهم العربية ... أما ما حدث منذ وصول جونسون إلى البيت الأبيض.. وما حدث في عهدي رونالد ريغان الأول والثاني فهو وضع إمكانات أميركا المالية والعسكرية في خدمة المشاريع الحربية والتوسعية الإسرائيلية، وإخضاع سياسات أميركا العربية لمبدأ الحفاظ على أمن اسرائيل، وتسهيل تحركها في المنطقة... ويورد المؤلف أمثلة كثيرة مذهلة على صحة ما يقول(17).... وإذا كان فيصل أبو خضرا قد قال كل هذا قبل نحو خمسة عشر عامًا فماذا عساه يقول اليوم لو أنه يُصدر " الجزء الثاني" من كتابه موضوع الحديث "تاريخ النفوذ اليهودي في أميركا"؟ نتمنى على المؤلف ـ وهو يقرأ الآن هذه الكلمات- أن يصدر كتابًا جديدًا يتناول فيه الفترة من 1992 وحتى أيامنا هذه.

    ويخصص المؤلف الصفحات الأخيرة من هذا الفصل ل "تحديد اللوبي الإسرائيلي"، مشيرًا إلى أن كلمة "لوبي" قد ظهرت منذ عام 1808، وكان المقصود بها التواجد في الأروقة (لوبي) لمحاولة إقناع ممثلي الشعب باتباع مختلف الوسائل، وبهذا القدر أو ذاك من اللياقة.

    اللوبي الإسرائيلي ـ كغيره من اللوبيات الكثيرة العاملة في الولايات المتحدة ـ مسجَّل بصورة رسمية بموجب أحكام قانون 1946... وخلافًا للاعتقاد السائد ينظر الرأي العام الأميركي بحذر إلى المجموعات الضاغطة معتقدًا أن " الكونغرس" واقع أكثر من اللزوم تحت تأثير مجموعات الضغط الخاصة"... ولهذا الحذر ما "يبرره"، نظراً للعلاقة المعقدة القائمة بين " اللوبيات" ورجالات الكونغرس من شيوخ ونواب في تلك الدائرة الحسّاسة التي يلتقي فيها المال بالسياسة.. ويلعب المال دوراً رئيساً في نشاط المجموعات الضاغطة.. وبخاصة عبر مساهمة هذه المجموعات في تمويل الحملات الانتخابية البالغة الكلفة للشيوخ والنواب.. بحيث يُخشى أن تقوم بين الطرفين المقايضة الضمنية التالية: "بقدْر ما تساهمون في تمويل معاركي الانتخابية، وتأمين فوزي أساهم في حمل آرائكم في الكونغرس والدفاع عنها"!... وهكذا يصبح رجالات الكونغرس أسرى المال والإعلام والعلاقات غير المنظورة ، وتأييد المراجع النافذة هنا وهناك، وتأمين الأصوات التي يقدمها لهم بصورة ثابتة هذا اللوبي أو ذاك... فأين الحد الفاصل بين الحرية السياسية والرشوة المموهة؟ وأين ينتهي الاقتناع ويبدأ الابتزاز؟ وما مصير الديمقراطية في كل ذلك؟؟

    في مجال تحديد اللوبي الإسرائيلي في أميركا يمكن إثبات الاستنتاجات التالية:

1.    يرتكز اللوبي الاسرائيلي إلى مئات التنظيمات والجمعيات اليهودية المنتشرة في كل أنحاء الولايات المتحدة.

2.  داخل هذه المئات من التنظيمات والجمعيات اليهودية لا بد من التوقف عند مجموعتين منها هما "العصب الأساسي" للوبي الإسرائيلي، وهما الأدوات الرئيسة التي يتمحور حولها النشاط الصهيوني في أميركا: (أ) مجموعة المنظمات اليهودية الكبرى في حد ذاتها والعاملة على الصعيد الوطني العام، وأهمها "اللجنة الأميركية اليهودية" المصنفة سياسيًّا في "الوسط"، ومنظمة "بئناي بئرت" المصنفة في اليمين، ومنظمة " المؤتمر الأميركي اليهودي" المصنفة في "اليسار".. وتغطي هذه المنظمات عبر تعددية سياساتها الأميركية مجمل المشاعر والتوجهات السياسية المتفاعلة في المجتمع الأميركي، مما يوسع كثيراً إطار تحركها الذي يصب في الهدف نفسه: خدمة مصالح اسرائيل (ب) مجموعة المنظمات المهتمة بـ (فدرلة) سواها من التنظيمات والجمعيات اليهودية ، والتنسيق بينها ضمن أطر اتحادية ومركزية .. وأهم هذه المنظمات: "ايباك" (لجنة الشؤون العامة الأميركية – الإسرائيلية) التي تقوم بوظائف اللوبي الرسمي تجاه الكونغرس الأميركي وفقًا لأحكام قانون 1946، و"مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأساسية" الذي هو بمنزلة مؤتمر قمة دائم لأهم المنظمات اليهودية في أميركا، و"مجلس المنظمات اليهودية" أو (المجلس الوطني الاستشاري للعلاقات اليهودية )الذي هو اتحاد لعدد كبير من المنظمات اليهودية الفعالة على المستويين المحلي والوطني... وتتمتع السلطات  والأجهزة الإسرائيلية بنفوذ بالغ داخل هذه الهيئات.. والموقف الإسرائيلي الرسمي هو صاحب "الكلمة الأخيرة" في كل الموضوعات التي تهم الدولة العبرية(18) .

تاريخ النفوذ اليهودي في أميركا

تأليف : فيصل أبو خضرا

                                                                      تقديم: عدنان الســمان

 (الحلقة الرابعة )

الفصل الخامس

في الغايات والوسائل

    يتضح مما سبق أن اللوبي الإسرائيلي في أميركا يتابع غايتين رئيستين: الأولى تحقيق أكبر قدر ممكن من الدعم الأميركي الرسمي والشعبي لإسرائيل.. في المجالات الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية والسياسية والاستراتيجية، في ضوء المخططات الإسرائيلية المرحلية والبعيدة المدى، وبالتنسيق الدقيق مع المسئولين الإسرائيليين... أما الغاية الثانية فهي ضرب احتمالات التعاون الأميركي العربي (إلا ما يصب منها في مصلحة إسرائيل) في مختلف المجالات الحساسة ، والإساءة إلى صورة العرب في الولايات المتحدة والعالم.. معتمدًا على نوعين متكاملين من الأساليب هما الأساليب الجهازية، والأساليب المجتمعية العامة.

    على مستوى الجهاز، يرتكز اللوبي الإسرائيلي إلى الشبكة الواسعة من التنظيمات التي يحركها، والتي تطال مختلف القطاعات ، وأوجه الحياة الأميركية... فما يتم الاتفاق عليه بين المسئولين الإسرائيلين ومسئولي " ايباك" مثلاً، أو " مسئولي مؤتمر الرؤساء"، أو "مجلس المنظمات".. يدخل حيز التنفيذ بالشكل الملائم.. فيمكن أن يبقى ضغط اللوبي محصورًا في واشنطن، ويتناول عبر "القنوات المركزية" الكونغرس، والبيت الأبيض ، ووزارة الخارجية.. كما يمكن في حالات أخرى أن ينتقل الضغط إلى الإطار الشعبي والإعلامي والفكري الواسع عبر مئات التنظيمات والهيئات واللجان المحلية التي "تفتح النار" في الاتجاهات المرسومة من خلال التظاهرات، والندوات، والبيانات ، والمقالات المنشورة ، والبرامج المذاعة، والمتلفزة، والحملات الهاتفية، والتهديدات، وبث الشائعات في هذه المدينة أو تلك، أو في عدد كبير من الولايات والمدن والأنحاء في آن معًا، وقد يشمل مجمل الأراضي الأميركية... وعلى مستوى الجهاز أيضًا يسعى اللوبي إلى تكوين " بنية فكرية وإعلامية " ثابتة لخلق الأجواء المؤاتية لما يصبو إليه من إقناع ، وتمهيد، وتسويغ، وتغييب، وتضخيم، واختلاق، وتحذير .. كما يولي أهمية خاصة لإيصال مؤيديه إلى مجلسي الشيوخ والنواب في الكونغرس.. ويجد اللوبي في النظام الانتخابي الأميركي مرتعًا خصبًا لممارسة نفوذه...

    وبالطبع ، فإن هذا النشاط "الجهازي" لم يكن ممكنًا لولا ارتكازه إلى قاعدة مجتمعية أميركية هي الجالية اليهودية.. ولولا " تأمرك" اليهود، واندماجهم في الحياة العامة في الولايات المتحدة بصورة ناجحة خلال القرن الماضي لما كان لجهاز اللوبي دور يُذكر.. فأهمية اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة أنه إسرائيلي المضمون والأهداف، أميركي الوجه والهوية يتحرك بقوة غريبة خارج إطار الدولة وأجهزتها في هذا المدى الواسع من المؤسسات الاجتماعية، والاقتصادية، والإعلامية، والثقافية والعلمية، والنقابية، والإثنية، والدينية التي يتشكل منها ما يسمى بـ "المجتمع المدني"... يقول إدوارد سعيد في كتابه "القضية الفلسطينية والمجتمع الأميركي": هناك من جهة، المجتمع السياسي الأميركي الذي تجسّده الدولة وتحتويه، ومن جهة أخرى هناك المجتمع المدني الأميركي الذي يتجسّد في المؤسسات الخاصة نسبيًّا.. وإن من المهم للغاية فهم أمرين عن المجتمع الأميركي المدني والسياسي هما: (19) إن قوة الأمة لا تنبع من الحكومة المركزية، أو من حكومات الولايات بصفتها حكومات من نوع ما.. وإنما تنبع من مؤسساتها المدنية.. وهذا الأمر ينطبق على الدول الصناعية الغربية بعامة... إذ أنها ليست مجتمعات قمعية وعسكرية .. وإنما هي مجتمعات يدور فيها جانب كبير من النشاط خارج السيطرة المباشرة للدولة وللمجتمع السياسي .

    لقد ركزت الحركة الصهيونية باستمرار – كما سبق- على فكرة "توافق المصالح" و " التوافق الاستراتيجي" بين الولايات المتحدة والدولة العبرية.. وسعت جهدها لتعميم هذه الفكرة وترسيخها في "المجتمع المدني" وفي الدولة الأميركية على حد سواء.. بحيث تصبح مقولة " ما هو مفيد لأميركا مفيد لإسرائيل" هي المبدأ الذي تُدَقُّ باسمه كل الأبواب(20).

    ينتقل المؤلف بعد ذلك للحديث عن هاجس الهيمنة ، فيورد ما قاله " أدلاي ستيفنسون السناتور السابق الذي أمضى عقدًا من الزمن في "مجلس الشيوخ" في استنتاج له حول قوة اللوبي الإسرائيلي في الكونغرس الأميركي: "لرئيس إسرائيل تأثير على السياسة الأميركية الخارجية في الشرق الأوسط أكثر منه على سياسات حكومته بوجه عام".. ويثبت "بول فندلي" الذي أمضى اثنين وعشرين عامًا في "مجلس النواب الأميركي" الرأي التالي: " لا أبالغ إذا قلت إن "ايباك" تتحكم فعلاً بكل تصرفات ال "كابيتول هيل" بشأن السياسة الشرق أوسطية... فـ"ايباك" أصبحت مرادفًا للسلطة، السلطة الباغية المرعبة" .. ويورد المؤلف رأي "ماكلوسكي" : "بصراحة أكثر إن "ايباك" ترهب الكونغرس"..ورأي السناتور السابق "وليام فولبرايت الذي أعلن عام 1973 من على شاشة التلفزيون أن "مجلس الشيوخ الأميركي "خاضع" للسياسات الإسرائيلية المؤذية للمصالح الأميركية"، وقوله: "إن أكثرية عظمى في مجلس شيوخ الولايات المتحدة – حوالي ثمانين في المئة- تؤيد إسرائيل، وأي شيء تريده إسرائيل تأييدًا تامًّا"، وقوله: "إن معارضة اللوبي الإسرائيلي هي انتحار للسياسيين باستثناء رجل مثل آيزنهاور كان يشعر بالاطمئنان.. ذلك أنه كان قد أرسى دعائم شهرته ، وأصبح عظيمًا في نظر البلاد كلها، فلم يعد يخشى أحدًا، فجاهر بما يعتقد به" مضيفًا: " أعتقد بأنه سيأتي رئيس يفعل ذلك، ولكن لن يكون اسمه آيزنهاور"... ويورد المؤلف شهادات كثير من السياسيين الأميركيين من يهود وغيرهم، وشهادات كثير من المفكرين حول الأسلحة السيكولوجية التي يستعملها مسئولو "ايباك" وغيرهم للتهويل، وتخويف الآخرين، وترويعهم، وإلصاق التهم الباطلة بهم.. وهكذا ينهي المؤلف حديثه عن هاجس الهيمنة بقوله: إن شعار "ايباك" هو بكل وضوح "صيت قوة ولا صيت ضعف" مع ما ينطوي عليه ذلك من معان(21).

    ومن الحديث عن هاجس الهيمنة يعود المؤلف ليكتب تفصيلاً عن المال والصوت اليهوديين، ومدى تأثيرهما على سير الحياة السياسية في الولايات المتحدة الأميركية، إضافة إلى صنع الأفكار، وترويجها إعلاميًّا.. فيتحدث عن الكلفة المادية المرتفعة للحملات الانتخابية في النظام السياسي والإعلامي الأميركي.. وعلى سبيل المثال فإن المعلومات الإحصائية لانتخابات 1984 تشير إلى أن متوسط ما أنفقه كل عضو ناجح في "مجلس النواب" على حملته الانتخابية يبلغ حوال (270) ألف دولار.. أما لمجلس الشيوخ فبلغ متوسط كلفة الحملة الانتخابية لكل سناتور ناجح مبلغ مليونين وتسعمئة ألف دولار.. وارتفعت كلفة المقعد في مجلس الشيوخ إلى ثلاثة ملايين دولار عام 1986.. وتضيف صحيفة "واشنطن بوست" في عددها الصادر في أول تموز 1987 أن على السناتور الذي ينوي إعادة ترشيح نفسه أن يجمع تبرعات مقدارها عشرة آلاف دولار كل أٍسبوع لمدة اثنين وخمسين أسبوعًا، وذلك لكل سنة من سنوات عضويته في "مجلس الشيوخ" البالغة ست سنوات.. وفي مثل هذا الجو ينشط اللوبي الصهيوني في تمويل الحملات الانتخابية، وشراء ولاء الكونغرس في كل ما يتعلق بقضايا الصراع العربي الإسرائيلي... ويتحدث فيليب ستيرن في "واشنطن بوست" عدد 2-11-86 عن أساليب تمويل الحملات الانتخابية من قبل "اللوبيات" السياسية، مما يجعل تلك القوى مصدرًا للفساد، وبالتالي يجعل رجال الكونغرس رهائن لدى النظام الفاسد الذي أوجدته وغذّته قوى الضغط الخاصة.

    وفي سياق حديثه عن "المال اليهودي"، ودوره في الحملات الانتخابية يشير المؤلف إلى قانون تمويل الحملات الانتخابية الذي صدر عام 1974 إثر "فضيحة ووترغيت" عندما جمع جهاز حملة "نيكسون" للانتخابات الرئاسية ما يقارب ال (17) مليون دولار من (124) شخصًا فقط تبرع كل منهم بما يزيد عن (50) ألف دولار.. وتمت فيما بعد مكافأة كبار المتبرعين بتعيينهم سفراء هنا وهناك! وهكذا أراد الكونغرس عبر قانون 1974 " إصلاح" التمويل الانتخابي، إذ سمح للفرد الواحد أن يتبرع للمرشح بألف دولار في العام كحد أقصى.. ولكن اللوبي الصهيوني عرف كيف يتكيف مع هذا القانون بشكل لم يؤثر على النتيجة .. وهكذا لم يعد من فارق بين الحالة التي كانت سائدة قبل عام 1974 والحالة التي سادت بعد ذلك.. كما أن المؤلف يشير هنا إلى قضية " المال السري" الآتي من إسرائيل، والتي حقق فيها السناتور وليام فولبرايت... حيث انتهى الأمر بتوجيه تهمة العداء للسامية للسناتور فولبرايت، ومحاربته في حياته السياسية حتى إفقاده مقعده في "مجلس الشيوخ"! وما قاله المؤلف في "المال اليهودي" يقوله في "الصوت اليهودي" موردًا أرقامًا وحقائق مذهلة حول هذا الموضوع تدل دلالة قاطعة على مدى تحكم اللوبي الصهيوني في نتائج الانتخابات الأميركية عن طريق الأصوات اليهودية في المناطق ذات الكثافة اليهودية العالية على وجه التحديد.  

    وينهي المؤلف هذا الفصل الخامس من كتابه "تاريخ النفوذ اليهودي في أميركا" بالحديث عن الإرهاب الذي يمارسه اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأميركية ضد كل من يقف في وجه هذا اللوبي، وضد كل من ينتقد السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين والعرب بشكل عام، وضد كل من يظهر أي تعاطف كان مع قضية الفلسطينيين العادلة في صراعهم مع الإسرائيليين ... كما يتحدث بإسهاب عن حالة الحصار التي يمارسها هذا اللوبي ضد كل من يحاول تفهم وجهة النظر العربية... ويسوق المؤلف كثيرًا من الأمثلة والحقائق حول هذا الإرهاب الفكري، وهذا الحصار الذي يفرضه هذا اللوبي على كل من يوصف باللاساميّة... ولعل من الضروري هنا أن أورد باختصار شديد حكاية اللوبي الصهيوني مع تشارلز هـ.بيرسي المليونير العصامي الذي فاز بعضوية مجلس الشيوخ عام 1966 بعد أن فاز بشكل مفاجئ على بول دوغلاس الديمقراطي الليبرالي الذي حصل على غالبية أصوات اليهود... وفي السنوات الست التالية أيد "بيرسي" المعونات لإسرائيل، وحث الاتحاد السوفياتي على السماح بهجرة اليهود، وانتقد ما سماه إرهاب منظمة التحرير الفلسطينية، وانتصر للقضايا الاجتماعية بقوة استقطبت اليهود عندما سعى إلى إعادة انتخابه عضوًا في مجلس الشيوخ عام 1972 حيث نال 75%من أصوات اليهود... على أن حبل المودة بينه وبين اليهود اضطرب في عام 1975 إثر عودته من رحلة إلى الشرق الأوسط، وإصداره تصريحًا قال فيه: "إن إسرائيل وزعماءها الذين أكنّ لهم أوفر الاحترام لا يمكن أن يأملوا في أن توقع لهم الولايات المتحدة في المستقبل شيكًّا مفتوحًا" . وقال بأن إسرائيل ضيّعت فرص التفاوض ، ووصف ياسر عرفات زعيم منظمة التحرير بأنه " أكثر اعتدالاً من المتطرفين الآخرين"،  وحثّ إسرائيل على عقد محادثات مع منظمة التحرير، والتفاوض على الانسحاب "وبخاصة" إلى حدود ما قبل عام 1967.

    وبعد ذلك بأسبوع تلقى بيرسي مذكرة من أحد رجاله  تقول: "تلقينا (2200) برقية، و(4000) رسالة ترد على البيانات المتعلقة بالشرق الأوسط... غالبية أصحاب البرقيات والرسائل المعادية هم من الجماعات اليهودية بمدينة شيكاغو الذين يهددون بحجب أصواتهم وأموالهم عنك في أية مناسبة قادمة". ومع كل ما فعله بيرسي بعد ذلك لكسب ود اليهود إلا أنه لم يفلح في ذلك، وكانت النتيجة أنه فشل فشلاً ذريعاً في تلك الانتخابات.

    إن الجدل حول الشرق الأوسط كان كافيًا لأن يخسر بيرسي مقعده.. ففي عام 1978 كان قد صوّت له ستون ألفًا من اليهود على الأقل.. ثم تحولوا عنه بعد ست سنوات، والسبب هو سعي اللوبي الدائب خلال الحملة لإظهار السناتور بيرسي" بمظهر المعادي لإسرائيل... ويكفي سجل بيرسي الحافل بتأييد إسرائيل لنفي هذه التهمة، ولكن نفرًا محدودًا فقط من اليهود هبّوا للدفاع عنه، فإذا حدث مرة أن وُصم المرشح بأنه مناهض لإسرائيل سرت الوصمة كالسم بسرعة وبعمق ، وتعذّر بعد ذلك إزالتها(22).

تاريخ النفوذ اليهودي في أميركا

تأليف : فيصل أبو خضرا

                                                                      تقديم: عدنان الســمان

 (الحلقة الخامسة " الأخيرة ")

الفصل السادس

الدعم الأميركي لإسرائيل

    منذ قيام إسرائيل عام ثمانية وأربعين كان هناك بصورة أو بأخرى اتجاهان أميركيان:

أحدهما يدعو إلى تقديم " المصالح الأميركية" على الاعتبارات الأخرى في الشرق الأوسط، والثاني يقرر مواقفه في ضوء حساباته الصهيونية... ومع أن الغلبة كانت باستمرار للاتجاه الثاني ( وقد لعب اللوبي الصهيوني دورًا حاسمًا في ذلك) فلا بد من بعض الإضاءة على هذا التجاذب:

    لم يكن فرانكلين روزفلت ـ كما عرفنا ـ مقتنعًا بقيام دولة يهودية في فلسطين، وكانت نظرته إلى اليهود الأوروبيين مبنية على "الاعتبارات الإنسانية" لإيجاد مأوى لهم في هذا المكان أو ذالك ( لكن بعيدًا عن الولايات المتحدة !)، كذلك خلفه هاري ترومان، الذي لم تكن إسرائيل لتظهر إلى الوجود لولا موافقته المسبقة على قيامها، واعترافه بها فور إعلان قيامها.. وبرغم ذلك لم يكن كثير الحماسة لموقفه.. لكن خطأه الأكبر من زاوية المصالح الأميركية أنه أول رئيس يرضخ "للأصوات اليهودية"، وللاعتبارات الانتخابية الداخلية الضيقة لاتخاذ قرار استراتيجي بالغ الأهمية في الخارج بصرف النظر عن مصلحة أميركا الحقيقية فيه... وهو بذلك أول من أدخل "العامل اليهودي" إلى صلب القرار الاستراتيجي الأميركي في النصف الثاني من القرن العشرين، وأول من فتح الباب أمام التأثر الأميركي الرفيع المستوى بنفوذ اللوبي الصهيوني في واشنطن... وكان أركان حكم ترومان يبنون معارضتهم لقرار الاعتراف بإسرائيل على "اعتبارات تتعلق بمصالح أميركا القومية"، وقد قالوا في معرض اعتراضهم على ذلك القرار إن دعم أميركا للمشروع الصهيوني سيفتح المجال لتسلل النفوذ السوفياتي إلى المنطقة العربية... كما أشار مساعدو الرئيس إلى أن قرار الاعتراف يعتبر مناقضًا لمبدأ حق تقرير المصير بالنسبة للفلسطينيين، وأنه سيقود إلى التسبب في عدم استقرار منطقة الشرق الأوسط بأسرها... ولتسويغ موقفه أجاب ترومان بقوله: "آسف أيها السادة إذ أن عليّ أن أتجاوب مع رغبات مئات الآلاف من المواطنين الأميركيين الذين ينتظرون نجاح الصهيونية... إنه ليس لدي بين الناخبين مئات الآلاف من العرب...

    أما الاتجاه الذي يغلّب الاعتبارات القومية الأميركية على الاعتبارات الصهيونية في الشرق الأوسط فقد استمر، بالرغم من ضعف تأثيره التدريجي على القرارت الأميركية... ويشار ـ في هذا المنحى ـ إلى البيان الذي أدلى به جورج بول أمام لجنة الشؤون الخارجية التابعة ل "مجلس الشيوخ" الأميركي في 15 تموز 1982، والذي يعبّر عن تجربته نائبًا لوزير الخارجية الأميركي من عام 1961 إلى عام 1966... وبصفته ممثل الولايات المتحدة الدائم في الأمم المتحدة عام 1968.. وقد استهل بول بيانه بالقول: "إن بلدنا بحاجة ماسة إلى إعادة صوغ علاقته بإسرائيل".. وتحدث عن عدوان 1956، و1967، وضرب المفاعل النووي العراقي عام 1981، وقصف المناطق السكنية في بيروت بعد ذلك بشهر واحد.. واجتياح لبنان الذي كان لا يزال مســتمرًّا" حين كان بول يتكلم في ذلك الصباح"... وأعاد بول إلى أذهان الشيوخ أن "أميركا التزمت الصمت منذ العام 1967 بينما كانت إسرائيل توطد عاصمتها في القدس المحتلة، وتضم مرتفعات الجولان، وتزرع المستعمرات في 40% من ضفة الأردن الغربية"... وقال لهم يومها: "يبدو في العلاقات الخارجية الأميركية منذ عام 1967 أن إسرائيل هي الشواذّ لكل قاعدة، ولكل مبدأ تؤمن به أميركا"... وأضاف: " هذه عادة يجب أن نقلع عنها... إنّ سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط قد سارت على قرع الطبل الإسرائيلي مدة زادت كثيرًا عن اللزوم".(23)

    ويؤكد المؤلف في هذا السياق على أن قوة اللوبي الإسرائيلي في واشنطن إنما قامت (بالإضافة إلى "المال اليهودي" والأصوات اليهودية" ، "وشبكة العلاقات اليهودية النافذة في مجالات الثقافة والإعلام والنشر) على ترسيخ الاعتقاد بـ "توافق المصالح" بين أميركا وإسرائيل في الشرق الأوسط.. فوفقًا لهذه المقولة التي "صنعها" اللوبي و"سوّقها" على نطاق واسع.. يصبح" ما هو مفيد لأميركا مفيدًا لإسرائيل".. والعكس أيضًا.. وإن كل الغطاء الفكري والسياسي والمعنوي للدعم الأميركي لإسرائيل قائم على هذه المقولة ... ويضيف قوله : "إن اللوبي الإسرائيلي الذي يمثل الموقع الهام المعروف في واشنطن يستطيع التأثير على كثير من دول العالم الثالث انطلاقًا من موقعه الأميركي" ... فغالبًا ما تحصل إسرائيل على خدمات سياسية واقتصادية ودفاعية أميركية لهذه الدولة أو تلك من دول العالم الثالث.. مقابل تنازلات تقدمها هذه الدول للسياسات الإسرائيلية في الأمم المتحدة وخارجها.. وهكذا يلعب اللوبي الصهيوني في واشنطن دور "الوسيط السري" بين تل أبيب، وعواصم الدول المحتاجة، والعاصمة الأميركية لما فيه مصلحة إسرائيل.

    وإذا كان العون الاقتصادي والعسكري الأميركي في المرحلة الأولى من تاريخ " الدولة اليهودية " هو الذي أمدها بالقدرة على الاستمرار، ومكّنها من تركيز كيانها في الأرض العربية فإن الحصول على مزيد من هذه المساعدات في شتى المجالات هو الذي فتح أمامها باب المغامرات العسكرية والتوسعية المستمرة في المرحلة الثانية من تاريخ هذه الدولة وحتى الآن... وقد تطور هذا الدعم بصورة مطّردة، حتى أضحت إسرائيل الدولة الأكثر اتكالاً على المعونات الخارجية في العالم.. وليس في تاريخ الدول أي مثال يضاهي إسرائيل في الاعتماد على الدعم الخارجي.. وهذه الاتكالية الفريدة من نوعها هي سلاح ذو حدين: فهي – من جهة – تتيح لدولة صغيرة أن تتسلح بالقدرات الاقتصادية والاستراتيجية لدولة عظمى ، وأن تضع هذه القدرات الهائلة في خدمة مصالحها، وهي – من جهة ثانية – نقطة ضعف هامة في الكيان الصهيوني الذي بات مصدر قوته الحقيقي قائمًا خارجه.. ويكفي لسبب أو لآخر أن يخف الدعم الاقتصادي العسكري الأميركي لإسرائيل حتى يتزعزع مجمل الاستراتيجيات الإسرائيلية على المدى القريب أو المتوسط... ومن هنا تأتي الأهمية البالغة للوبي الصهيوني في واشنطن.

    في مجال المساعدات الأميركية لإسرائيل( والبالغة 148 مليارًا من الدولارات بين العامين 1948و1990) لا بد من التوقف عند ثلاثة إيضاحات رئيسة هي:

أولا: تنقسم المساعدات الواردة من الولايات المتحدة لإسرائيل إلى مساعدات رسمية صادرة عن الحكومة الأميركية، ومساعدات خاصة صادرة عن المجتمع الأميركي، وبخاصة الجالية اليهودية الأميركية فيه... حيث تنطوي المساعدات الرسمية على معونات اقتصادية، ومعونات عسكرية.. وهي تتألف من المنح والقروض التي تقدمها الدولة الأميركية لإسرائيل سنويًّا ( وقد أصبحت كلها منحًا منذ العام 1985 مع رونالد ريغان ) .. وعندما يتحدث جورج بوش عن "أكثر من أربعة مليارات دولار من المساعدات المدنية والعسكرية " التي قدمتها أميركا  لإسرائيل "خلال السنة المالية المنصرمة "(24)  فهو يقصد المساعدات الرسمية السنوية هذه.. ويضاف إلى هذه  المعونات، ضمانات القروض التي تقدمها الحكومة الأميركية لإسرائيل، وقد أشار بوش إلى ضمانات قروض بقيمة "400 مليون دولار" للفترة المذكورة .. ويمكن أن تصل هذه الضمانات إلى أرقام مذهلة، مثل طلب الضمانات التي تقدمت به حكومة شامير في صيف 1991 للحصول على قروض بقيمة عشرة مليارات دولار لتوطين اليهود السوفيات .. تضاف إلى هذه المساعدات الرسمية المباشرة، الثابتة والطارئة، المعونات الرسمية غير المباشرة عبر العقود التقنية والعلمية، وعقود الصيانة، والامتيازات التجارية، مما يُقدَّر ب(1.5) إلى (2) مليار دولار في العام.. وهكذا تبلغ المساعدات الرسمية، الاقتصادية والعسكرية، المباشرة والمقنّعة، التي تقدمها الدولة الأميركية لإسرائيل في الوقت الراهن (1991) ما قيمته (5) إلى (6.5) مليار من الدولارات سنويًّا في أقل تقدير... أما المساعدات الأميركية الخاصة الصادرة بصورة أساسية عن المجتمع اليهودي في أميركا ، فهي تتألف من المعونات المالية التي تقدمها المنظمات اليهودية الأميركية(25)، والأفراد العاديون لإسرائيل، والتي تقدر بأكثر من (2) مليار دولار في العام من جهة، ومن مردود بيع "السندات الإسرائيلية" في أميركا، ومن الودائع الأميركية في البنوك الإسرائيلية، وغيرها من التسهيلات والقروض، مما يتجاوز ال (2) مليار دولار في العام أيضًا، من جهة أخرى.. وهكذا تبلغ المعونات الرسمية والخاصة، الواردة من الدولة والمجتمع الأميركيين لإسرائيل ما بين (9.5)و(10) مليارات دولار في العام في أقل تقدير.

    ثانياً- إن المساعدات الأميركية لإسرائيل قد تبعت بالطبع تطور العلاقة الأميركية – الإسرائيلية التي مرت بمرحلتين رئيستين : مرحلة 1948-1963في عهود ترومان ، وآيزنهاور، وكنيدي حيث كان الدعم الأميركي لإسرائيل مهمًّا للغاية، لكنه مقتصر على "ضمان أمن اسرائيل" (وهذا هو جوهر البيان الثلاثي لسنة 1950) دون مجاراتها في أطماعها التوسعية ، والمرحلة الممتدة من عام 1964 حتى الفترة الأخيرة (يقصد مطلع العقد الأخير من القرن الماضي ) التي دشّنها جونسون ، وأوصلها إلى ذروتها ريغان، حيث تطور الدعم الأميركي لإسرائيل بصورة متصاعدة مذهلة.. مما مكّن الدولة العبرية من شن حروبها التوسعية على مدى حدودها... أما التطور الكبير الذي شهدته المعونات الأميركية لإسرائيل في مرحلة ما بعد 1964 فقد كان تطورًا كميًّا ونوعيًا في آن معًا.. وإضافة إلى ضخامة المساعدات في حد ذاتها، فقد سلكت هذه المساعدات التوجهات التالية: ارتفاع المعونات الأميركية الرسمية قياسًا للمعونات الخاصة. ارتفاع الدعم العسكري قياساً للدعم الاقتصادي المدني داخل المساعدات الرسمية. ارتفاع نسبة الهبات قياسًا لنسبة القروض داخل المساعدات الرسمية إلى حد تحوُّل كل المساعدات إلى هبات ابتداء من العام 1985. البروز المتزايد للمساعدات الطارئة. استثناء المساعدات المقدمة لإسرائيل من كل تخفيض يطرأ من عام لآخر على برنامج المساعدات الخارجية الأميركية للعالم.

ثالثاً- إن المساعدات الرسمية والخاصة الصادرة عن الولايات المتحدة لإسرائيل، لا توضح، على ضخامتها ، الثمن الكامل للدعم الأميركي للدولة العبرية.. إذ لا بد من إضافة أمرين اثنين لتكتمل صورة الكلفة الأميركية: (الأول) ما تنفقه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وحوله، لبناء استراتيجيات ملائمة لأمن إسرائيل ومصالحها، مما يصعب تقديره بدقة، وهو في أي حال لا يقل عن (2.5) مليار دولار سنوياً.. أما (الثاني) فهو خسائر أميركا التجارية في العالم العربي بسبب التزامها بإسرائيل، مما يقدر بأكثر من (8) مليارات دولار في العام.. وهكذا انطلاقًا من ال (9.5) مليار دولار من المساعدات الأميركية السنوية، الرسمية والخاصة، يصل مجمل "ثمن" الدعم الأميركي للدولة العبرية، بين نفقات إضافية محددة في المنطقة، وخسائر اقتصادية، إلى أكثر من (20) مليار دولار في العام !!(26)

    ولعل من الضروري والمفيد أن نطّلع جميعًا على بعض ما جاء في كتاب "ستيفن غرين"(27) ملخصًا المرحلة السابقة على النحو التالي: " إن النمط الذي توطد في السنوات 1964-1967 قد استمر بلا تغيير تقريبًا حتى يومنا هذا".. ويضيف: " وفي السنوات 1946-1983 منحنا إسرائيل ما يفوق (27) مليار دولار على شكل عون اقتصادي وعسكري رسمي.. وهذا يمثل ما قيمته (7700) دولار لكل رجل وامرأة وطفل يعيش في إسرائيل في الوقت الحاضر، أي ما يفوق (38000) دولار لكل عائلة مؤلفة من خمسة أشخاص.. وخلال الأعوام الثلاثة الماضية (1981-1983) بلغ معدل المساعدة الرسمية الأميركية ما يفوق (3400) دولار (سنويًّا) لكل عائلة مؤلفة من خمسة أشخاص .. وهذه الأرقام لا تشمل الهبات الخاصة، كما لا تشمل مبيعات سندات التنمية الإسرائيلية".. ويستمر غرين في تلخيصه لتلك المرحلة قائلاً: " إن نسبة 70% من مجموع المساعدات الأميركية الرسمية لإسرائيل حتى اليوم هي عسكرية الطابع.. ومنذ سنة 1946 منحت الولايات المتحدة إسرائيل ما يتجاوز (17) مليار دولار على شكل مساعدات عسكرية في معظمها، أي ما يفوق (99) بالمئة مما أعطي لها منذ سنة 1965.. وفي هذه الفترة أعطت الولايات المتحدة إسرائيل وحدها مساعدة عسكرية تساوي أضعاف ما أعطيناه إلى دول الشرق الأوسط التسع عشرة مجتمعة، بما في ذلك العون الذي أعطيناه لإيران خلال حكم الشاه".

ولا بد أيضًا من الاطلاع على شيء مما كتبه (إدوارد تيفنن)(28) عام 1987 ملخصًا المرحلة السابقة كما يلي : "فالعلاقة الخاصة بين إسرائيل والولايات المتحدة تشمل مبالغ ضخمة . فمنذ عام 1948 قدمت الولايات المتحدة من المساعدات العسكرية والاقتصادية لإسرائيل ما قيمته (28) مليار دولار .. وكان ما يزيد قليلاً عن نصف هذا المبلغ (أي 14.6 مليار دولار) على شكل هبات لا تُردّ.. وتقول إحدى الدراسات الاقتصادية بأن إسرائيل تتلقى سنويًّا (1.4) مليار دولار من مصادر أميركية غير حكومية (...) من الهبات اليهودية غير الخاضعة للضريبة ، ومن شراء السندات الإسرائيلية.. وعليه فإن هذا المال تخسره "الخزينة الأميركية" ،ويستمر الكاتب: " وخصص ريغان لإسرائيل عام 1985-1986 مبلغ (4.5) مليار دولار كمساعدات اقتصادية وعسكرية.. وهذا يعني أن كل إسرائيلي يتلقى سنويًّا مبلغ (1500) دولار ، أي أن الأسرة المكونة من أربعة أفراد تتلقى (6000) دولار سنويًّا.. ويضيف " ويشتد عجب المرء إذا علم أن الراتب الشهري لإسحق موداعي، وزير المال الإسرائيلي في عام 1985 كان (580) دولارًا!!

 

 الهوامش

1 فيصل وأبراهام صفحة 11 من الكتاب.

2 الصفحة نفسها من العنوان نفسه.

3 هي مسقط رأس المؤلف حيث ولد فيها عام 1934م.

4 اعتبارًا من مطلع العقد الأخير من القرن الماضي.

5 في العلاقة الأميركية- الصهيونية، صفحة 31 من الكتاب.

6 في العلاقة الأميركية – الصهيونية صفحة 34 من الكتاب.

7 هذه الأرقام تعود إلى مطلع العقد الأخير من القرن الماضي.

8 في العلاقة الأميركية – الصهيونية صفحة 36 من الكتاب

9 العلاقة الخاصة والأزمنة الجديدة صفحة 41 من الكتاب

10 ال "دياسبورا" اليهودية في العالم صفحة 55.

11 من خطاب ديفيد بن غوريون ، أمام "المؤتمر الصهيوني" الخامس والعشرين" في كانون الثاني 1961.

12 ال"دياسبورا" اليهودية في العالم صفحة 63.

13 ال"دياسبورا اليهودية في العالم" صفحة 65.

14 ال "دياسبورا" اليهودية في العالم ص67.

15 كتاب "السياسية الأميركية والعرب/ مجموعة من الباحثين / صادر عن مركز دراسات الوحدة العربية – الطبعة الثانية – بيروت 1985 صفحة 276.

16 اليهود الأميركيون/ الهجرة اليهودية إلى أميركا / صفحة 80 من كتاب فيصل أبو خضرا "تاريخ النفوذ اليهودي في أميركا"

17 اللوبي الصهيوني في واشنطن – ما قبل جونسون وما بعده – صفحة 117 من كتاب "تاريخ النفوذ اليهودي في أميركا".

18 اللوبي الصهيوني في واشنطن – تحديد اللوبي الإسرائيلي – ص124-125.

19 في الغايات والوسائل – الجهاز والمجتمع – صفحة 131-132 من كتاب فيصل أبو خضرا "تاريخ النفوذ اليهودي في أميركا"

20 المرجع السابق.

21 في الغايات والوسائل – هاجس الهيمنة – صفحة 133 و135 من الكتاب نفسه.

22 في الغايات والوسائل – الإرهاب الفكري وحالة الحصار – صفحة 157و160من الكتاب نفسه.

23 الدعم الأميركي لإسرائيل ـ في التوافق الاستراتيجي ـ صفحة 166و 167 من الكتاب نفسه.

24 من المؤتمر الصحافي الذي عقده جورج بوش في "البيت الأبيض" في 12/9/1991م.

25 أهم الهيئات المكلفة بتنظيم التبرعات لإسرائيل هي جمعية "النداء اليهودي الموحد" التي تأسست عام 1939م، و"نداء إسرائيل الموحد" إضافة بالطبع إلى "الوكالة اليهودية" . وهناك أيضًا هيئات أقل أهمية مثل "اللجنة اليهودية الأميركية المشتركة" و"الصندوق الوطني اليهودي" و"صندوق الأوقاف الإسرائيلي " و"صندوق اسرائيل الجديدة"، وكلها معفاة من الضرائب.. وترتكز هذه الهيئات إلى مئات المنظمات اليهودية التي تغطي مجمل أوجه الحياة الأميركية ، والتي لها دورها في جمع التبرعات.

26 الدعم الأميركي لإسرائيل- المساعدات الاقتصادية والعسكرية – صفحة 176-177 من الكتاب نفسه.

27 ستيفن غرين "الانحياز: علاقات أميركا السرية بإسرائيل" 1984 الطبعة العربية، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 1985،ص223.

28 إدوارد تيفنن "اللوبي: اليهود وسياسة أميركا الخارجية" ، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، الطبعة الثالثة، بيروت 1990 صفحة 257-258.

 

(26/6/2007)