عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


السبت، ٣١ آذار ٢٠١٢

في يوم الأرض

متابعات

في يوم الأرض

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

 

 


(1)

في يوم الأرض تلاقَينا

في هذا اليوم توحَّدنا

وتآخَينا وتواصينا:

ازرع قمحًا وازرع لوزًا

أو زيتونًا وازرع مجدًا

وازرع وردًا أو ليمونًا

وازرع تينًا وازرع حُبًّا

واصنع أملاً أو تاريخًا

للأجيالِ

(2)

في يوم الأرض تلاقَينا

نبني بيتًا ومؤسَّسةً

أو مدرسةً أو مستشفًى

أو جامعةً أو صومعةً

نبني وطنًا حرًّا حرًّا

للأنجالِ

(3)

في يوم الأرض بني وطني

نسمو عزًّا نزهو فخرًا

نرنو فجرًا نهفو عصرًا

نبني مجدًا نعلي شأنًا

للأوطانِ

..............

(4)

نبني جيلاً يهوى العملا

يغذو الأملا

ينفي الكسلا

عن وادينا

حب الأرضِ أبدًا فينا

هو حاضرنا هو ماضينا

ومحبتها لا تروينا

دمها القاني يغلي فينا

يغلي فينا

(5)

وأنا أشدو في التسعين

حبي حبي لفلسطينِ

هذا قسَمي هذا ديني

حب الأقصى في تكويني

يشكو يبكي ويناديني

(6)

يوم الأرض لا أنساهُ

صاح الجرحُ في ذكراهُ

وطني وطني ما أغلاهُ

أنا أهواه أنا أهواهُ

وسأبنيهِ

(7)

يوم الأرض في وجداني

نصرٌ عزٌّ للأوطانِ

مجدٌ فخرٌ للإنسانِ

أنا أفديه يا إخواني

أنا أفديهِ

(8)

أرضي أرضي

أنا أفديها

وبإيماني

أنا أحميها

أنا أزرعها

أنا أرويها

وإذا مِتُّ

هي

تؤويني

وبذا عدتُ

لفلسطين

 

                               

                                                                                                                    

الخميس، ٢٩ آذار ٢٠١٢

سوريا تصنع التاريخ..لأقوامٍ خارج التاريخ!!

متابعات 

                        سوريا تصنع التاريخ..لأقوامٍ خارج التاريخ!!

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

    قد لا يكون مخطئًا من يقول إن مؤتمر أصدقاء سوريا الذي عقد في تونس في مثل هذه الأيام من الشهر الماضي لم يحقق شيئًا مذكورًا أو غير مذكور من أهدافه وغاياته التي عقد من أجلها، وقد لا يكون مخطئًا من يقول إن الغرب بشقيه بات مقتنعًا بأن هذا الذي يجري في سوريا أمر خطير، قد يحرق المنطقة كلها إذا صعّد الغرب من تدخله في سوريا، أو إذا حاول الغرب هنا تكرار ما فعله من قبل في ليبيا التي لم تُحسم الأمور فيها بعد، وقد لا يكون مخطئًا من يقول إن الغرب مع قناعاته هذه ، ومع اقتناعه بعدم التدخل العسكري في سوريا، إلا أنه لا يمانع بالطبع في استمرار أعمال العنف والتخريب وسفك الدماء في سوريا ، لأنه هو المستفيد من ذلك كله، ولأن حلفاءه أيضًا يستفيدون من ذلك كله.. الغرب وحلفاؤه يستفيدون يقينًا عندما يُقتل من يُقتل من المسلحين الذين يحاربون النظام السوري، وهم يستفيدون يقينًا عندما يُقتل من يُقتل من أفراد الجيش السوري، والأمن السوري، وعندما يُشتّت هذا الجيش، وعندما تضطرب البلاد، وترتبك، ويتراجع اقتصادها، وتُدمر مرافقها، ويزيد عدد فقرائها ومعوزيها، وهم يستفيدون يقينًا عندما تسود البلاد والعباد حالة الرعب والفوضى، وعندما تُستهدف هذه الوحدة الوطنية بفعل هذا الاقتتال، وبفعل هذه المواجهات، وبفعل هذه الحملات الإعلامية التي تستهدف البلاد والعباد في كل يوم.

   وقد لا يكون مخطئًا من يقول إن نصيب مؤتمر أصدقاء سوريا الذي يُعقد اليوم في تركيا لن يكون بأفضل من نصيب ذلك المؤتمر الذي عقد في تونس، ولن ينجح فيما فشل فيه ذلك المؤتمر، بل على العكس من ذلك، فقد لا يكون مخطئًا من يقول إن هذا المؤتمر سيدعو السوريين إلى مزيد من التلاحم، وسيدعوهم إلى مزيد من اليقظة، وسيدعوهم إلى مزيد من التصدي لكل محاولات النيل من سوريا، وسيدعوهم إلى مزيد من الإصرار على مقاومة كل أشكال التدخل الخارجي في الشأن العربي السوري، وإلى مزيد من الإصرار على الحوار السوري للخروج من هذه الأزمة التي لا بد من الخروج منها لمصلحة البلاد، ولمصلحة العباد في سوريا، وفي لبنان، وفي فلسطين، وفي الأردن، وفي العراق، وفي كل ديار العروبة والإسلام في المشرق والمغرب.. إن هذا المؤتمر الذي يعقد اليوم في تركيا قد فتح أعين كثير من السوريين على الحقيقة، وقد أزال الغشاوة عن أعين كثير من السوريين، وكثير من غير السوريين، وقد حرر كثيرًا من السوريين من زيف ادعاءات كثير من وسائل الإعلام، ومن فبركاتها، وادعاءاتها، وحملاتها التي استهدفت، ولا تزال تستهدف هذا القطر العربي السوري، واستهدفت، ولا تزال تستهدف عروبة لبنان، وقوته، ومقاومته، واستهدفت، ولا تزال تستهدف عروبة فلسطين، وإصرار الفلسطينيين على انتزاع حقوقهم التاريخية الثابتة في وطنهم فلسطين، واستهدفت، ولا تزال تستهدف وحدة العرب على كل أرض العرب.

   وقد لا يكون مخطئًا من يقول إن الحلف المقدس الذي ألّف بين الفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين، وغيرهم من العرب المقيمين في سوريا منذ عقود، ولأسباب مُختلفة، وألّف في الوقت نفسه بين كل هؤلاء من جهة، وبين إخوانهم السوريين بكل ألوانهم، وأديانهم، وأعراقهم، وأطيافهم، ومذاهبهم السياسية والاجتماعية.. هذا الحلف المقدس الذي ألّف بين كل هؤلاء، ووحّد صفهم قد ازداد قوة ومنعةً وإصرارًا على مواجهة كافة أشكال التدخل الخارجي في الشأن الداخلي السوري، وقد ازداد معه السوريون والعرب إصرارًا على حسم الأمور لصالح سوريا، ولصالح السوريين، ولصالح العرب المقيمين على الأرض السورية، ولصالح العرب المقيمين في أقطارهم وبلدانهم ممن تربطهم بسوريا وبالسوريين أواصر القربى والدم والتاريخ واللغة والهدف والمصير الواحد، وروابط العروبة والثقافة والأحلام والأمال والتطلعات والأماني والأهداف المشتركة، ولصالح الوحدة العربية الكبرى، والمشروع العربي الواحد الموحد على كل أرض العرب من المحيط إلى الخليج، ولصالح المشروع الإسلامي الحر المتحرر الرافض للتدخل الأجنبي، والهيمنة الأجنبية، والتبعية للغرب وأعوانه وحلفائه في كل ديار الإسلام في غرب الدنيا وشرقها.

    وقد لا يكون مخطئًا من يقول إن تركيا كانت ذات يوم مقرًّا للخلافة في عهد سلاطين بني عثمان، فأحببناها، ثم كثرت أخطاؤها، وأساءت التطبيق فعاتبناها، وعاقبتنا، وعاقبناها، وعاقبنا بذلك أنفسنا، وجنينا على ثوابتنا وعقائدنا، وعلى كثير من قناعاتنا، وحاولنا الإصلاح ما استطعنا... ثم كان ما كان من الأمور المؤلمة التي لا نحب أن نتوقف عندها، ثم دار الزمن دورته، وبدأت الأمور بالانفراج، وكان التحول الذي دخل معه الأمل قلوب كثير من الناس في هذه الديار، وفي كثير من ديار العروبة والإسلام.. ثم كانت زيارة أردوغان التي لا تنسى لسوريا قبل أيام من بداية الأحداث المؤلمة، وكان ما ترتب عليها من علاقات تجارية وغير تجارية،وكان ما أسفرت عنه من نتائج وإيجابيات وصفها أردوغان نفسه بأنها استراتيجية ثابتة متينة لا انفصام لها، ولقد فرحنا لذلك، وسررنا به، وفرح معنا أيضًا كثير من العرب، وكثير من المسلمين، وكثير من الأصدقاء والمحبين في هذا العالم.. ثم كان ما كان، وليت هذا الذي كان ما كان.. كانت الفتنة، وكانت الدماء، وكان العنف ، وكان العنف المضاد، وكانت الحرائق، وكان التخريب، وكان الخطف،وكان التنكيل، وكان التمثيل، وكانت الأحقاد، وكانت الفوضى، وكانت بحار الدم، وكان الرعب، وكان الخوف، وكان الجوع، وكانت الكوارث والمصائب والنوازل التي لم تدع أحدًا وشأنه، ولم تدع قرية وشأنها، أو أسرة وشأنها، أو حيًّا وشأنه.. لقد دفع السوريون من دمائهم وأعصابهم ثمن هذا كله، كما دفعت سوريا من زراعتها وصناعتها وتجارتها ومشاريعها ونفطها وخبز أبنائها ومدارسهم ثمن هذه الفتنة العمياء التي رماها بها الأغراب والأعراب على حد سواء.  

   واليوم، وبعد كل ما شهدته، وتشهده الديار السورية من تطورات وإيجابيات تبشر بانحسار الفتنة، وبعودة الأمور إلى نصابها،وتبشر بعهد جديد من الاستقرار والبناء والإعمار والإصلاح الذي تتوق إليه النفوس، وتهفو إليه الأفئدة، ينعقد هذا المؤتمر الذي يقول منظموه إنهم أصدقاء سوريا.. فمن هم أصدقاء سوريا؟ سؤال لا بد من الإجابة عنه حتى نكون جميعًا على بينة من أمرنا، وحتى لا نزيد من متاعب سوريا والسوريين، وحتى لا نزيد من متاعب لبنان وفلسطين، وحتى لا نزيد من متاعب كل العرب، وكل المسلمين الذين لا يريدون أكثر من عيش آمن كريم شريف، ولا يبحثون إلا عن استقلال ديارهم وعزتها، وحرية شعوبهم، ولا يفكرون بأكثر من السيادة على أرضهم، وحمايتها من طمع الطامعين، وعدوان المعتدين، ولا يحلمون بأكثر من وقف التدخل الغربي بشأنهم الداخلي، وبشأنهم العربي العربي، والعربي الإسلامي، والإسلامي الإسلامي.. إن كان هؤلاء الذين يشاركون اليوم في هذا المؤتمر هم أصدقاء لسوريا فليعملوا في الحال على وقف نزيف الدم، وليعملوا في الحال على عودة الأمور إلى نصابها، وليعملوا في الحال على كف أيديهم عن شعبنا العربي في سوريا، وليرفعوا أيديهم عن سوريا، وليعملوا من أجل حوار سوري سوري يتوصل من خلاله السوريون إلى حل عادل شامل لكل قضاياهم، ويتوصل من خلاله السوريون إلى سلم أهلي، ووحدة وطنية حقيقية يعمل السوريون جميعًا من خلالها لإعادة إعمار سوريا، وإعادة بنائها من جديد.. وإن كان هؤلاء المؤتمرون من أصدقاء سوريا والسوريين، ومن أصدقاء لبنان واللبنانيين، وفلسطين والفلسطينيين، وإن كانوا من أصدقاء العروبة والإسلام، والساعين لعزة العروبة والإسلام في كل ديار العروبة والإسلام فليقفوا إلى جانب العروبيين في سوريا، وليقفوا إلى جانب السوريين الذين يؤازرون لبنان وفلسطين والعراق وكل أحرار العرب، وليعملوا على كف أيدي هؤلاء وأولئك عن التدخل في الشأن العربي السوري، وليعلنوا من هناك، من اسطنبول، أنهم مع سوريا والسوريين، ومع وحدة الشعب العربي في سوريا، ووحدة الشعب العربي في بلاد الشام، ومع ثوابت هذا الشعب العربي وأمنياته وتطلعاته وتوجهاته في كل بلاد الشام، وليعلنوا بكل شجاعة أنهم قد أخطأوا بحق سوريا، وبحق بلاد الشام، وأنهم نادمون على ما فعلت أيديهم، وقالت ألسنتهم، وليطلبوا المغفرة من سوريا، فخير الخطائين التوابون، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.

   إن الأوضاع في سوريا قد استقرت أو كادت، أو هي في طريقها إلى الاستقرار، وما على منظمي هذا المؤتمر من أتراك وغير أتراك إلا أن يثوبوا إلى رشدهم، ليكونوا أصدقاء حقيقيين لسوريا والسوريين، ولكل العرب الشرفاء على كل أرض العرب، عليهم أن يكفوا في الحال عن التدخل في الشأن السوري، لأنه لا يصح في نهاية المطاف إلا الصحيح، ولأنه ليس من حق أحد أن يتدخل بهذه الطرق التي لا يقرها عقل أو تشريع أو خلق أو ضمير في الشأن الداخلي لسوريا، ولغير سوريا.. ليس من حق أحد في أقطار الجوار، وفي غير أقطار الجوار أن يتوهم أنه قادر على حصار سوريا، وإرغامها على السير في فلك التبعية لأعداء العروبة والإسلام من أغراب وأعراب.. خيرٍ لأردوغان ولحزبه أن يعود إلى صوابه، وأن يعمل من أجل بناء علاقة حسن الجوار التي كان قد بدأها مع القطر العربي السوري، وليعلم أردوغان أن كثيرًا من الأحزاب والقوى والحركات والجمعيات والشخصيات في تركيا لا ترى ما يراه، وهي تخالفه الرأي، وهي ليست مع هذا المؤتمر الذي يستضيفه على أرض تركيا، ويشارك فيه، وليعلم أردوغان أن أصدقاء سوريا لا يمكن أن يقفوا في معسكر أعدائها، وأن أصدقاء سوريا هم الذين يقيمون معها أحسن العلاقات، وأقوى الصلات، وأن أصدقاء سوريا هم أصدقاء لبنان العربي الحر المقاوم، وأصدقاء فلسطين، وأصدقاء كل بلاد الشام التي كانت ولاية في دولة الخلافة العثمانية ذات يوم.. وليعلم أردوغان أن العثمانيين لا يمكن أن يوافقوا على تقسيم هذه الولاية إلى مزيد من الدويلات والكيانات الهزيلة التي لا يحلم بها إلا أعداء تركيا، وأعداء سوريا، وأعداء العرب والمسلمين.. وليعلم أن العثمانيين أيضًا غاضبون ساخطون لما جرى في بلاد الشام على أيدي الغربيين الأوروبيين في أعقاب الحرب العالمية الأولى.. فما الذي يفعله أردوغان اليوم؟ ولماذا كل هذا التجييش على الحدود التركية السورية؟ ولماذا كل هذا الزيت والحطب على نار الفتنة التي يريدون بها إحراق وجه العروبة والإسلام في سوريا؟ ولماذا كل هذا الإصرار على هدم آخر قلاع العروبة يا أردوغان؟ لماذا، ولمصلحة من كل هذه الفتاوى الصادرة عن بعض من يقال إنهم من علماء المسلمين بشأن سوريا والسوريين؟؟

    وبعد، فإن سوريا أولاً عصية على الكسر، وهي بمن فيها من سوريين ولبنانيين وعراقيين وفلسطينيين قادرة على التصدي لكل عناصر الفتنة ، وهي بمحبيها ومؤيديها والمؤمنين بسياستها في كل أقطار الجوار، وفي كل ديار العروبة والإسلام، وهي أيضًا بكل مؤيدي سياستها من القوى والدول الصديقة في هذا العالم قادرة على الخروج من كل هذه الأزمات التي يفتعلها كثير من الأعراب لخدمة الأغراب في هذه المنطقة من العالم.. وعليه، فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، وإن الرجوع إلى الحق في حد ذاته فضيلة، وإن الحوار هو أفضل السبل وأقصرها لتحقيق الأهداف والغايات، والخروج من الأزمات، ووضع حد لكل هذه المآزق والتوترات والتشنجات التي لا يفيد منها إلا كل أعداء العروبة، ولا يشعل فتيلها إلا الطامعون الحالمون الواهمون المتحالفون مع ألد أعدائها، وكما انتصرت سوريا عبر التاريخ في كل مواجهاتها وحروبها ومعاركها، فإنها ستنتصر اليوم، وستمضي بقوة وعزة وعزيمة وثبات تصنع التاريخ لأقوام يراد لها أن تكون خارج التاريخ.

29/3/2012

       

السبت، ٢٤ آذار ٢٠١٢

لا.. يا شيخَنا..!!

متابعات

لا.. يا شيخَنا..!!

أ/ عدنان السمان

www.samman.co.nr

   عرفناك طالبًا جادًّا متفوقًّا، وإنسانًا عصاميًّا شق طريقه في هذه الحياة بقوة وثقةٍ وإصرار.. عرفناك مثقّفًا يهوى المعرفة، ومدرِّسًا ومعلمًا ناجحًا، وعالمًا عاملاً أفنى عمره في خدمة الأجيال.. عرفنا فيك كل هذه المزايا فأكبرناك.. وعرفنا فيك غيرتك وحرصك على هذه الأمة، وعلى هذا الدين فاحترمنا فيك هذه الغيرة، وأكبرنا فيك هذا الحرص.. وكنت سندًا ونصيرًا لقضايا العروبة والإسلام، ولمبادئ الحق والخير والعدل، ففزت بمحبة العرب والمسلمين، وأصبحت رمزًا من رموز هذه الأمة، وقلعةً حصينةً من قلاعها، وكنت صوتًا مجلجلاً يدعو إلى الله بإذنه، وينادي هذه الأمة ويستنهضها لتستفيق من غفلتها، وتنهض من مرقدها، وتصحو من سباتها، فكان لك في قلوبنا وعقولنا موقعٌ وأي موقع، وكان لك، مع صحبك، في قلوبنا مكانةٌ لا تدانيها مكانة، ولا عجب، فعامة الناس، والمنصفون منهم، يعرفون لذوي الفضل فضلهم، وعامة الناس، والمنصفون منهم، لا ينسوْن بل يذكرون.. وعامة الناس أيضًا يغفرون ويسامحون ويغمضون العيون على القذى.. ولكنهم يحاسبون بعد ذلك، وقد يكون الحساب يسيرًا، وقد لا يكون.. وعامة الناس تقول كلمتها في العالِم الذي تكثر أخطاؤه أو تقل إلى أن يتراجع عنها، ويعود إليه رشده وتوازنه واتزانه، كما تقول كلمتها في السلطان الجائر حتى يعود إلى جادة الحق والعدل والصواب.. وعامة الناس، أو القاعدة الشعبية في مصطلح هذا الزمان هي التي تحاسب الحكام، وهي التي تحاسب العلماء إن لم يحاسبوا الحكام، وإن لم يلزموهم بالاستقامة والنزاهة في الحكم، والشفافية التي تميز العلاقة بين الراعي والرعية.. وعامة الناس، أو القاعدة الشعبية ممثلةً فيما يسمى اليوم "مجلس الشعب" أو غير ذلك من الأسماء والمسميات هي صوت الأمة، وهي سوطها الذي تجلد به ظهور خصوم الحق والعدل من حكام الأمة، ومن علمائها الذين يهادنونهم ويمالئونهم ويساعدونهم على باطلهم، ويسوغون لهم ارتكاب الآثام والمعاصي، واقتراف الذنوب، وممارسة الأخطاء والخطايا بحق الأمة، مهما كان شكل هذه الأخطاء، وحجم هذه الخطايا.. فالسلطة في الإسلام للشعب، والسيادة فيه للشرع، وأنتم أدرى بهذا كله من غيركم يا شيخنا.

   حج هشام بن عبد الملك، فقال ائتوني بصحابيٍ أو تابعي، فأتوه بطاووس اليماني.. دخل طاووس، وجلس إلى جانب الخليفة الأموي الذي ظهر عليه الغضب، ثم نظر إلى طاووس معاتبًا، وهو يقول: لقد خلعت نعليك بحاشية بساطي، ولم تسلّم علي بأمير المؤمنين، ولم تكنّني، بل قلت كيف أنت يا هشام.. قال طاووس: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أردتم أن تروا رجلاً من أهل النار فانظروا إلى رجلٍ جالس، وحوله قومٌ قيام".. وأما خلع نعليَّ بحاشية بساطك، فإنني أخلعهما بين يدي رب العزة يوميًّا خمس مرات، ولا يغضب مني، ولا يعاتبني!! وأما قولك إنني لم أسلم عليك بأمير المؤمنين، فليس كل المؤمنين راضيًا عن إمارتك، وقولك: "لم تكنّني، فإن الله تعالى كنّى أعداءه، ونادى رسله بأسمائهم... فبكى هشام، وقال: عِظني يا طاووس!! فقال طاووس: إنني سمعت عليّاً بن أبي طالب يقول: إن في جهنم حيّاتٍ وعقارب كالجمال تلدغ كل راعٍ لا يعدل في رعيته... هذا ملخص ما جرى بين هشام الخليفة الأموي وطاووس اليماني، وليعذرني القارئ إن وجد شيئًا من خلافٍ في النص، وفي الحوار الذي جرى بين الرجلين، فالعبرة في المعنى، والعبرة في إبراز الجرأة التي تحلى بها طاووس، والعبرة في مواقف علماء السلف الصالح من الحكام، وكيف كانوا سيوفًا مشرعةً على رقابهم، لا سياطًا وسيوفًا في أيديهم يجلدون بها الرعية، ويجِزّون بها رؤوس من يخالفهم الرأي من الناس.. وإذا كان هذا ملخص ما جرى هنا، فإن تاريخ هذه الأمة حافلٌ بالمواقف التي تشهد لأولئك العلماء بالنزاهة والاستقامة والجرأة والحرص على قول كلمة الحق عند السلطان الجائر.. وإن تاريخ هذه الأمة يشهد على حرص علمائها على قول كلمة الحق.. وتاريخها يشهد على أن فترات الضعف والمذلة والهوان التي كانت تنتاب هذه الأمة من حينٍ لآخر كانت بسبب انحراف الحكام، وتقصير العلماء، واستكانة الأمة.

   من المؤلم - يا شيخنا- أن يحل بهذه الأمة في هذه الأيام كل هذا الهوان، وكل هذا الضعف والتشرذم والانقسام.. ومن المؤلم – يا شيخنا- أن تحل بهذه الأمة في هذه الأيام كل هذه المآسي، وأن تجري أنهار الدماء في ساحاتها وأحيائها، وفي مدنها وقراها ومضارب خيامها، ومن المؤلم – يا شيخنا- أن يكون في هذه الأمة كل هؤلاء الفقراء والجياع والمرضى والأميين والمشردين والمنحرفين الضالين الأشقياء الهائمين على وجوههم في مهامه الجهل والجهالة والضلالة والبطالة والضياع، ومن المؤلم – يا شيخنا- أن تعصف بهذه الأمة في مختلف أقطارها وأمصارها هذه الطبقية البغيضة، وأن تتجمع الثروة في كل بلاد العرب في يد قلة قليلة لا تحسن استعمالها، ومن المؤلم – يا شيخنا- أن نجد الغالبية الساحقة من أقطار العروبة والإسلام رازحةً تحت نير الاستعمار والاستعباد والتبعية لكل أعداء هذه الأمة الوالغين في دماء أبنائها، ومن أكثر من مؤلم – يا شيخنا- أن يهادن كثيرٌ من علماء هذه الأمة قادة هذه الأقطار ممن يفتحون بلادهم بدون أدنى تحفظ أو تردد أمام الشركات الأجنبية، والاستثمارات الأجنبية، والنفوذ الأجنبي، وكافة أشكال التدخل الأجنبي في الشأن الداخلي العربي، وفي الشأن الخارجي العربي، وفي الشأن العربي العربي بكل أبعاده وأشكاله ومضامينه، حتى غدا هؤلاء الأجانب وكأنهم أصحاب البلاد الشرعيون، فهم الذين يقررون سياساتها، ويرسمون هذه السياسات في كافة المجالات والاتجاهات والتوجهات، ومن المؤلم – ياشيخنا- أن تتركز جهود هؤلاء السياسيين في كثيرٍ من أقطار العروبة على شن الحرب الظالمة على بعض أقطار العروبة ممن تعرفون ونعرف ويعرف العالم بأسره أنها – على علاتها- أفضل بكثير من هذه الأقطار التي تناصبها العداء، وتشُنُّ عليها كل هذه الحرب الظالمة المدمرة.. من المؤلم – يا شيخنا- أن يقف كثيرٌ من علماء المسلمين إلى جانب هؤلاء الحكام الفاسدين المفسدين، وإلى جانب أجهزة الإعلام الكاذبة التي تروج لتوجهات هؤلاء الحكام في عدوانهم وتجنيهم وافتراءاتهم وممارساتهم التي لا تخدم إلا ألدّ أعداء العروبة، وألدّ أعداء الإسلام، وألدّ أعداء لبنان وفلسطين والعراق.. من المؤلم – يا شيخنا- أن يقف بعض علماء المسلمين إلى جانب هذه الفتنة الكبرى التي تستهدف بلدًا عربيًّا يدعم المقاومة ويدعم الممانعة، ويعلم كل أبناء العرب المقيمين على أرضه تعليمًا مجانيًّا حتى الحصول على الدكتوراة، ويعالج كل العرب المقيمين فيه مجانًا حتى زراعة الأعضاء.. من المؤلم – يا شيخنا- أن نسمع كل ما نسمع عن تغذية كل هذه الفتن الطائفية والمذهبية التي ستحرق الأخضر واليابس في كل بلاد العرب إن هي انفلتت من عقالها، وإن لم يبادر العقلاء من أبناء هذه الأمة، ومن علمائها، ومن قادتها إلى لجمها ووأدها، وإن لم تبادر هذه الأمة إلى ردع هؤلاء المعتدين، والضرب على أيديهم للكف عن فسادهم وإفسادهم وتآمرهم على هذه الأمة.

   كنا ننتظر منكم، يا شيخنا، ولا نزال، أن تقفوا إلى جانب الحق والعدل، وإلى جانب كافة القوى العربية المساندة للعروبيين الشرفاء المطالبين بالوحدة العربية، وبالتحرر العربي، وبالمحافظة على أقطار هذا الوطن العربي من طمع الطامعين، وعبث العابثين، وعدوان المعتدين.. كنا ننتظر منكم – يا شيخنا- أن تقفوا إلى جانب الحق العربي في فلسطين، وإلى جانب كل العاملين من أجل نصرة الأقصى والقدس، ومن أجل ثوابت الفلسطينيين، ووضعها موضع التنفيذ، وكنا ننتظر منكم أن تؤازروا كل العاملين في لبنان من أجل عزة هذا القطر العربي الذي لا يمكن أن تكون له حياة إذا فصل عن أمه، ولا يمكن أن يحميه من أطماع الطامعين وعبث العابثين إلا التصاقه العضوي بالأم التي فصلوه عنها ذات يوم!! إن هذا البلد الذي تحاربونه يا شيخنا هو البلد العربي الوحيد الذي يقف إلى جانب لبنان، ويقف إلى جانب فلسطين، وأنتم تعرفون هذا جيدًا يا شيخنا.. فلماذا الانحياز، ولماذا التحامل، ولماذا الوقوف في صفوف المعتدين على حقنا العربي في فلسطين؟ ولماذا الوقوف في صفوف المعتدين على لبنان والطامعين فيه؟ لماذا كل هذه الفتاوى التي لن تجرَّ على هذا الوطن العربي سوى مزيدٍ من الويلات والكوارث والانقسامات وشلالات الدماء والحروب الأهلية؟ لماذا هذه الفتاوى التي نحن في غنًى عنها، لأننا لا نريد مزيدًا من الانقسام، ولا نريد مزيدًا من الحروب الأهلية، ولا نريد مزيدًا من التمزق والتفتت والتشرذم، ولا نريد مزيدًا من التبعية للأجنبي.. لماذا هذه الفتاوى التي ليس لها أدنى سند من كتابٍ أو سُنة؟؟ وليس لها أدنى سند من فكرٍ قويم، أو عقلٍ سليم، أو أدنى تدبرٍ في عواقب الأمور؟؟

   كنا ننتظر منكم، يا شيخنا، ولا نزال أن تسارعوا إلى عقد راية الصلح والإصلاح بين كل الأشقاء المحتربين على الساحة العربية، وكل الأشقاء المقتتلين على الساحة الإسلامية.. كنا، ولا نزال، ننتظر منكم أن تقفوا إلى جانب وحدة الصف، ووحدة الهدف، وأن تقفوا إلى جانب التقريب بين وجهات النظر بهدف احتواء الأزمات، وإطفاء الحرائق، وتجنيب البلاد والعباد حروبًا طاحنةً قد لا تبقي، وقد لا تذر.. ليس من مصلحة أحدٍ في هذه الديار العزف على وتر سني وشيعي، فهذه نغمة نشاز مجها الذوق العربي، وكرهها المسلمون الشرفاء الذين يدعون إلى وحدة المسلمين، وإلى قوتهم، وإلى خلاصهم من ربقة الأجنبي، ومن احتلاله وتدخلاته في الشأن الإسلامي، وفي الشأن العربي.. فهل بعد ذلك كله نسمع في هذا الوطن من يدعو إلى إذكاء نار الفتنة؟ وهل نسمع بعد كل هذا من يعزف على نغمة سني وشيعي؟ لا يا شيخنا.. فليس من هذه الأمة من يعمل على هلاكها، وبيعها للأجنبي.. كلنا عرب، وكلنا مسلمون، وكلنا مواطنون صالحون أحرار وحدويون مقاومون في كل ديار العروبة والإسلام.

21/3/2012

 

 

الخميس، ٢٢ آذار ٢٠١٢

الجامعة العربية .. في عامها السابع والستين!!

 

متابعات

الجامعة العربية .. في عامها السابع والستين!!

أ‌.      عدنان السمان

    www.samman.co.nr

    في الوقت الذي تبحث فيه الأمم والشعوب في هذا العالم عن وسائل تحقق بها وبوساطتها أهدافها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفي الوقت الذي تقوم فيه التكتلات والتحالفات سرًّا وعلانية بين كثير من الدول في هذا العالم، وفي الوقت الذي تُعقد فيه الاتفاقات بين هذه الدول لتحقيق مزيد من الأهداف المادية والمعنوية لشعوبها ورعاياها على المستويات المحلية والإقليمية والدَّولية، وفي الوقت الذي أصبحت فيه كل دول العالم تبحث عن مصالحها وأهداف شعوبها في التقدم، والرِّفاء، والازدهار، والخلاص، من المشكلات والأزمات والتحديات، نجد كثيرًا من الدول في هذا العالم تعيش أحوالاً سياسية واقتصادية واجتماعية وعلمية متردية.. في الوقت الذي تعاني فيه الغالبية العظمى من شعوب هذه الدول صنوفًا من الفقر والجهل والمرض والتخلف والضَّياع، وفي الوقت الذي تخضع فيه تلك الشعوب لألوان شتى من التعسف والظلم والاضطهاد، وصور لا تكاد تُحصى من التحكم والاستعباد والاستبداد.

    ليس من السهل أن تلمّ مراكز الدراسات والبحوث بآلام الأمة العربية، ومشكلات شعوبها، على الرغم من كل هذه الثروات الطائلة التي تحظى بها كل أرض العرب.. والسبب أولاً وقبل كل شيء يكمن في تمزق العرب وانقساماتهم وتشرذمهم وخصوماتهم وتبعيتهم للأجنبي الذي ينهب ثرواتهم، ويتحكم في اقتصادياتهم، الأمر الذي انعكس سلبًا على العرب والعروبة والشعوب العربية ودول العرب، بل وعلى المسلمين والعرب الذين يبلغ تعداد دولهم نحو ستين دولة! وتبلغ مساحة أرضهم أكثر من عشرين مليون ميل مربع يعيش عليها نحو مليار ونصف المليار من البشر، ولكن هذا كله لم يشفع لشعوب هذه الأمة، وَلم يَحُلْ دون تبعيتها للغرب بطرق مختلفة منها الاحتلال، ومنها هذه المنظمات والجمعيات والتنظيمات التي أقامها الاستعمار الغربي ليحكم بها وعن طريقها شعوب هذه الأمة ودولها... ومن  هذا على سبيل المثال لا الحصر هذه الجامعة العربية التي تأسست في الثاني والعشرين من آذار من عام خمسة وأربعين وتسعمئة وألف، وهي - كما جاء في ميثاقها – منظمة دولية مقرها القاهرة، وغايتها: " توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيها، وتنسيق خططها السياسية تحقيقًا للتعاون فيما بينها، وصيانةً لاستقلالها وسيادتها، والنظر بصفة عامة في شؤون البلاد ومصالحها" و" التعاون في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية"، والتي وقعت ميثاقها  كل من مصر والعراق والأردن واليمن وسوريا ولبنان والسعودية، وانضمت إليها ليبيا عام ثلاثة وخمسين وتسعمئة وألف، كما انضم إليها السودان عام ستة وخمسين، أما المغرب وتونس فقد انضما عام ثمانية وخمسين ، وانضم إليها الكويت عام واحد وستين، والجزائر عام اثنين وستين، وجمهورية جنوب اليمن الشعبية (التي توحدت مع اليمن لاحقًا) عام ثمانية وستين ، والبحرين (مملكة البحرين) وقطر وعُمان واتحاد الإمارات العربية عام واحد وسبعين.

    ولهذه الجامعة ميثاق يشتمل على عشرين مادة، وثلاثة ملاحق يتعلق أولها بفلسطين، والثاني بالدول غير المشتركة في هذه المنظمة، والثالث بالأمين العام وتعيينه.. وتتكون الجامعة من "مجلس الجامعة" المؤلف من جميع البلدان العربية المشتركة، و"اللجان الدائمة"، و"الأمانة العامة".. ولقد ساعدت الجامعة بلدانًا عربية كثيرة لنيل "استقلالها" مثل ليبيا، ومراكش، وتونس والجزائر. ولا أدري يقينًا كم يبلغ عدد الدول الأعضاء في هذه الجامعة العربية، وإن كنت أسمع ممن يعنيهم الأمر أن عددها اليوم هو اثنتان وعشرون دولة.

    لا بد – ونحن نستعرض تاريخ الجامعة العربية – من القول إن هذه الجامعة التي تأسست في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والتي كان لبريطانيا، وللسير أنتوني إيدن بالذات الدور الأكبر في تشكيلها، إنما أقيمت لضرب الوحدة العربية، وتكريس القطيعة والانقسام على الساحة العربية، وتعميق الانقسامات والخلافات بين العرب في مختلف أقطارهم وأمصارهم.

    إن اسم هذه الجامعة – جامعة الدول العربية – يدل دلالة قاطعة على افتراض وجود دول كثيرة على الأرض العربية في الوقت الذي كانت فيه بلاد العرب لا تشكّل أكثر من بضع ولايات في دولة الخلافة العثمانية، ولم تكن أكثر من جزء من دولة الإسلام في زمن الخلافة العباسية التي اتخذت من بغداد عاصمة لها، وكذلك في زمن بني أمية عندما كانت دمشق عاصمة الدنيا بأسرها... هذه الجامعة العربية التي تضم اليوم اثنتين وعشرين دولة إنما أقيمت عام خمسة وأربعين من القرن الماضي لتمزيق البلاد العربية، وإقامة كيانات سياسية كثيرة في بلاد العرب يجمع بينها أنها تابعة للغرب، وأنها كيانات هزيلة لا تملك من أمر نفسها شيئًا إلا بمقدار ما يسمح به السادة الكبار في عواصم الغرب... وإن اسم  هذه الجامعة – جامعة الدول العربية- يشير صراحة إلى أن عدد هذه الدول المشتركة فيها قابل للزيادة مع الأيام، فدول العرب يمكن أن يزداد عددها بالفوضى الخلاّقة والاحتلال والانقسامات التي تشهدها الأرض العربية، والمنطقة العربية.. وهذا منوط برغبة الدول الأعضاء فيها، وهو عائد إلى طبيعة اتخاذ القرار فيها وهو الإجماع، هذا القرار الذي تحاول دول عربية كثيرة استبداله بالأكثرية بعد أن فشلت في تحقيق الإجماع على بعض مطالب الغرب، ثم سكتت تلك الأصوات المطالبة باعتماد الأكثرية بعد أن أوجد الغرب حلاًّ لهذه المشكلة باللجوء إلى احتلال هذا البلد أو ذاك، وتشكيل حكومة أو حكومات موالية لسياسته فيه، وبهذه الطريقة يمكن حل المشكلة، ويمكن توفير غطاء قانوني لمطالب الغرب في ديار العرب، ويمكن اعتبار جامعة الدول العربية في نهاية المطاف جامعة لكل دول المنطقة التي لا بد من توحيدها باسم دول الغرب، ولا بد من تجنيدها لخدمة أهداف تلك الدول ومصالحها.

    ولئن فعل الغرب ما فعله بهذه الديار انطلاقًا من مصالحه في بلاد العرب، وبعد مؤتمرات واتفاقات منها مؤتمر سان ريمو الذي عُقد في هذا المرفأ الإيطالي في الخامس من أيار من عام عشرين وتسعمئة وألف لدرس قضايا الانتداب والبترول في الشرق الأوسط، وتقرر فيه تقسيم البلاد العربية، ووضعها تحت الانتداب على أن يكون لبنان وسوريا لفرنسا،  والعراق وفلسطين لبريطانيا... ومنها اتفاق سايكس بيكو سيء الصيت؛ فإن الغرب مستمر في سياساته الرامية إلى الإمعان في فرض السيطرة على الوطن العربي، والإمعان في تقسيمه، وتفتيته، وتجزئته بقدر المستطاع، والإمعان في إخضاع جامعة الدول العربية لرغبة الغرب ومخططاته الرامية إلى مزيد من السيطرة على أرض العرب...

   إننا في هذه الأيام التي تصادف ذكرى تأسيس الجامعة العربية لنسأل: إلى متى ستبقى هذه الجامعة أداة في يد الغرب؟ وإلى متى ستبقى رمز قطيعة وتفكك؟ وعنوان تبعية وتمزّق وانهيار؟ وإلى متى ستبقى الدعوة إلى وحدة العرب، وقيام الدولة العربية الكبرى على كل الأرض العربية دعوة يحاسب عليها القانون؟؟ إلى متى ستبقى هذه الجامعة وسيلة من وسائل خضوع هذه الأمة العربية للأجنبي في الوقت الذي يستطيع فيه العرب أن يتخذوا من هذه الجامعة نفسها وسيلة قوة، ووسيلة عزة، ووسيلة وحدة، ووسيلة تقدم وازدهار وبناء لكافة شعوب الأمة العربية؟؟

    وإننا في هذه الأيام التي تصادف الذكرى السابعة والستين لميلاد هذه الجامعة العربية لنؤكد أن العرب قادرون على تحويل هذه الجامعة العربية إلى جامعة حقيقية للعرب، توحّد ولا تفرّق، تبني ولا تهدم.. جامعة تعمل من أجل إعمار الوطن العربي وازدهاره ورفعته وتقدمه واستقلاله وتطويره .. جامعة حقيقية فاعلة تصنع الإنسان العربي الجديد، والنظام العربي السياسي الجديد الذي يحترم نفسه، ويحترم الإنسان، ويحترم حق هذه الأمة العربية العظيمة في العيش باحترام، وكرامة، وعلى قدم المساواة بين أمم هذا العالم.

  بعد سبعةٍ وستين عامًا على تأسيس هذه الجامعة العربية نجدُ أنها قد أخذت تُسفر عن وجهها، ولا تكاد تخفي تبعيتها للغرب بعد أن تمكّنت هذه الأنظمة المتخلفة التابعة صراحةً للغرب من حسم الأمور لصالحها، وبعد أن سيطرت هذه الأنظمة على مجلس هذه الجامعة.

   وبعد سبعةٍ وستين عامًا على تأسيسها نقول: بإمكان هذه الجامعة أن تكون عامل وحدة وبناء وإعمار وتقدم لأمة العرب على كل أرض العرب إذا هي أخذت العبرة والدرس المستفاد من هذه الهبّات الشعبية، وموجات الغضب والاستنكار التي تجتاح كثيرًا من أوطان العروبة، وإذا استوعب من يعنيهم الأمر فيها أن الاستجابة لرغبات الشعوب في التحرر والوحدة والعيش الكريم خيرٌ من التمادي في الباطل، وخير من الاستمرار في سياسة الغش والخداع، وركوب الأمواج، وخلط الأوراق، ودفن الرؤوس في الرمال، وإغراق هذا الوطن العربي _راغمًا_ في بحور من الدم،  والقذف به وبالعرب أجمعين في غياهب المجهول، وظلمات تجارب رهيبة قد لا تُبقي وقد لا تذَر.

22/3/2012

الأربعاء، ٢١ آذار ٢٠١٢

تحية إلى الأمهات في عيدهنّ...

متابعات       

تحية إلى الأمهات في عيدهنّ...

أ/ عدنان السمان

www.samman.co.nr

    لا يكفي أن يكون الإنسان أبًا أو أمًّا كي ينحني له الناس إجلالاً واحترامًا، بل لا بد لهؤلاء الآباء والأمهات من بذل كل جهد مستطاع في سبيل تربية أبنائهم، وتعليمهم، وتهذيبهم، والدفاع عن مكتسباتهم وحقوقهم الاجتماعية، والسياسية، والإنسانية.. لا بد من حماية هذه الحقوق التي نصت عليها كل شرائع السماء، وكل قوانين العدل، وكافة تشريعات المجتمع الدولي، وعلى رأسها حقوق الأطفال في العيش والأمن والاطمئنان والحرية والعلم والمعرفة والعلاج والرعاية الجسدية والنفسية.. هذه الحقوق التي ينبغي أن توفرها الحكومات كاملة غير منقوصة؛ فإن لم تفعل أصبح من واجب الآباء والأمهات أن يكافحوا من أجل توفيرها، وأن يناضلوا من أجل وضعها موضع التنفيذ... كل الاحترام لمسيرة تطالب باحترام حق الأطفال في الحياة، وكل التحية لخيمة اعتصام يطالب منظّموها بتوفير الغذاء والألعاب والأمان للأطفال، وكل المساندة والمؤازرة لمؤتمر يطالب فيه الآباء والأمهات باحترام حق أبنائهم المقدس في التحصيل العلمي والمعرفي والثقافي، وفي حقهم المقدس أيضًا في الرعاية الصحية، وفي العلاج بكل أشكاله وصوره، وفي الحماية بكل مضامينها ومعانيها ... أقول هذا وأقول غيره في عيد الأمهات كي نفعل شيئًا من أجل أطفال هذا الوطن، وكي تبذل الأمهات مزيدًا من الجهد من أجل حاضر أطفالهنّ ومستقبلهم الذي لا يمكن أن ينفصل عن حاضر الوطن ومستقبله.. وكي يبذل الآباء أيضًا مزيدًا من الجهد في هذا الاتجاه حمايةً لأطفالهم، ورعايةً لحقهم المقدس في الأمن والأمان والحرية.

    ليس شرطًا أن تدافع الأمهات عن حقوق أطفالهن الذين أنجبنهم فقط، بل ينبغي أن يدافعن عن حقوق الأطفال الذين لم ينجبنهم، بمعنى أن يحظى الأطفال كافة برعاية الأمهات واهتمامهنّ كافة، لا أن تهتم الأم بأطفالها وتنسى الآخرين، لأن هذا يعني أن لا نجد من يهتم بهؤلاء الأطفال الذين فقدوا أمهاتهم وآباءهم، وأطفال الأسيرات والأسرى، والشهداء يُضاف إليهم  هؤلاء الأطفال الذين لا تقوى أمهاتهم على القيام بالواجب تجاههم لهذا السبب أو ذاك... إن أحدًا لا يطالب الأمهات بالحلول محل أمهات أولئك الأطفال، ولكن المقصود بالكلام هنا أن يحظى هؤلاء الأطفال باهتمام الأمهات في جمعياتهنّ ومؤتمراتهن وأنشطتهن وهنّ يعالجن قضايا مجتمعهنّ ومشكلاته، المقصود أن تحظى الطفولة باهتمامنا ورعايتنا، وأن يحظى الأطفال دون استثناء بالرعاية الاجتماعية والمجتمعية في إطار من التضامن والتعاون والتكافل الاجتماعي والأسري... صحيح أن هنالك وزارات ودوائر متخصصة لتوفير الرعاية لهؤلاء الأطفال موضوع الحديث هنا، وصحيح أن لهم مدارسهم وجمعياتهم وعائلاتهم التي تهتم بهم، وترعى مصالحهم وأحوالهم، أو هكذا يجب أن يكون، ولكن صحيح أيضًا أن مجال العمل التطوعي، وفعل الخير، والخدمة الاجتماعية والمجتمعية، والسهر على الأطفال والاهتمام بهم لا حدود له... وعليه فقد بات من الضروري بذل مزيد من الجهد والعمل في هذا الاتجاه، ولا سيما في هذه المرحلة البالغة الصعوبة التي يعيشها مجتمعنا وشعبنا منذ أمد بعيد.

    إننا، ونحن نحيي في هذا اليوم عيد الأمهات، لنعود بالذاكرة قليلاً إلى الوراء لنقول إن هذا اليوم في مضامينه ومحتوياته هو أقرب إلى يوم عيد للأسرة بكل أفرادها، وعلى رأسهم الأم التي يعترف بفضلها أفراد الأسرة كافة، لقد كان هذا اليوم فيما مضى من أيام يسمى عيد الأسرة، هذه النواة الصلبة التي يقوم عليها هذا المجتمع في تماسكه وتعاطفه وتعاضده وتكافله.. وإذا كانت الأم نصف المجتمع؛ فإن الأسرة هي أساسه وعماده الذي لا يكون هنالك مجتمع بدونها.. وهذه هي المجتمعات الغربية التي انهار فيها كيان الأسرة تشهد من الانهيار الاجتماعي، والتحلل القيمي والأخلاقي ، والتشرد والضَّياع والانحرافات والأمراض ما تعجز الأقلام عن وصفه.. فلنعتبر، ولنتمسك - رغم كل المعاناة والقهر والجوع – بأسرتنا التي هي سرّ قوتنا وبقائنا.

    وإذا كان عيد الأمهات هذا أقرب في مضامينه ومحتوياته ومعانيه إلى يوم عيد للأسرة التي هي نواة المجتمع فإن عيد الأمهات هذا هو إلى الديني أقرب منه إلى سواه؛ ففي الاجتماعي مثلاً قد ينتهي الأمر بإدخال هذه الأم أو تلك أحد ملاجئ العجزة إن قررت كنّتها ذلك، وقد ينتهي الأمر أيضًا إلى ما هو أسوأ من هذا.. ولكن في الديني تختلف الحال حيث الأمر الإلهي الصريح " وبالوالدين إحسانا" وحيث الأمر الإلهي الصريح " فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما" وحيث الأمر " وقل لهما قولاً كريمًا" وحيث الأمر " واخفض لهما جناح الذل من الرحمة" وحيث الأمر بذكر فضلهما، والترحم عليهما " وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا" في الديني لا تكون نهاية الأم بأي شكل من الأشكال في ملجأ للعجزة، ولا تكون نهايتها في أيام ضعفها كما نرى ونسمع من الإهانات والاعتداءات التي تقشعر لها الأبدان.. في الديني هي مسئولية الدولة أولاً، وهي في كنف أبنائها وحماهم.. وهي في كنف أبناء أبنائها مهما بلغت من العمر، ومهما طال بها الأجل.

    بقي أن أقول في عيد الأمهات هذا إننا ملزمون باحترام الأمهات، وبالقيام بواجباتهن ليس فقط في هذا اليوم الحادي والعشرين من آذار من كل عام، بل على مدار العام... وبقي أن أقول أيضًا إن من بين الأمهات اللواتي نحتفل بهن في هذا اليوم، ونتقدم منهن بأسمى آيات المحبة والتقدير والعرفان والامتنان أمهات لم يتزوجن، ولم ينجبن، وأمهات تزوجن ولم ينجبن ، ولكنهنّ أمهات بأعمالهنّ الرائدة، وخدماتهن العظيمة التي قدمنها للأمة، وللأجيال، ولطلبة العلم، ولأسر الشهداء، وللجمعيات الخيرية، وللمشافي، ولليتيمات والأيتام، إنهن أمهات بكل ما تحمله هذه الكلمة من عظيم المعاني... الأم في كثير من الأحيان ليست هي التي تنجب، ولكنها التي تربي، وتخدم، وتصنع الإنسان العظيم... قد تنجب الأم طفلاً أو أطفالاً تجني عليهم بقصد أو بدون قصد، عن وعي أو بدون وعي.. وقد تتبنى هذه السيدة طفلاً أو أطفالاً لم تنجبهم، وتصنع منهم قادة ومعلمين وأعلامًا يشار إليهم بالبنان.. وقد تتبنّى هذه السيدة أو تلك مجتمعًا أو مجتمعات بما تقدمه من خدمات ومعلومات ومعارف ... تحية إلى هذه الفئة من الأمهات.. وتحية إلى كل الأمهات في عيد الأمهات.

(12/3/2012)

 

 

الاثنين، ١٩ آذار ٢٠١٢

أما آن لملف الأسرى والمعتقلين أن يغلق؟!

متابعات

أما آن لملف الأسرى والمعتقلين أن يغلق؟!

أ.   عدنان السمان

www.samman.co.nr

 

   الإسرائيليون  على اختلاف ألوانهم، وأفكارهم، ومشاربهم، وميولهم، واتجاهاتهم، السياسية يؤكدون في كل يوم على حبهم للسلام، وحرصهم عليه، واستعدادهم للتضحية في سبيله... وهم يعلنون رغبتهم الشديدة في السلام قبل أن يقيموا كيانهم على أشلاء شعب فلسطين، ومنذ أن أقاموه على معظم هذه الأرض في العام (48) مرورًا بحرب السويس في العام (56) وتوسعة هذا الكيان في العام (67) ومرورًا بكل الحروب التي خاضوها في الأعوام (73) و(78) و(82) و(87) من القرن الماضي، ولا أقول انتهاءً بالحربين على لبنان وغزة في العامين السادس والتاسع من هذا القرن الحادي والعشرين، لأن الحرب لم تضع أوزارها بعد، ولأن الحرب لا زالت تفعل فعلها على الأرض بأشكال مختلفة، وأساليب كثيرة، ووسائل متعددة.. منذرة بانفجار شامل هنا، وآخر هناك، وثالث هنالك.

 

   تسع حروب شهدتها هذه الديار، واكتوت بنارها أيضًا أراضٍ عربيةٌ مجاورة.. يُضاف إليها مئات المعارك، والعمليات العسكرية من برية، وبحرية، وجوية ألحقت كثيرًا من الدمار والخراب بكثير من المدن، والقرى، والتجمعات السكانية، والمناطق الزراعية، والصناعية، والمؤسسات الصحية، والتعليمية، والاجتماعية.. وحصدت كثيرًا من أرواح الأطفال، والنساء، والشيوخ، والمدنيين، والعسكريين.. وأشاعت الرعب، والفزع في صفوف الناس، وأصابتهم بالجزع، والهلع، وشتى الأمراض، ولم يسلم من آثارها النفسية المعنوية المادية السيئة أحد.

   مع كل حرب ضحايا.. وفي أعقاب كل حرب أسرى.. ونتاج كل حرب خسائر قد تُحصى، وقد لا تُحصى..ونتيجة كل حرب قيود جديدة، وألوان من التحكم، والتسلط، والإذلال، والقمع جديدة، وأشكال من الفقر والعوز، والحاجة، و الدمار الاجتماعي، والتفكك الأُسري، والانحلال، والتشرد جديدة… ومع كل حرب وقائع، وأحداث، وحوادث، ومضاعفات لم يشهد لها الناس مثيلاً من قبل..ومع كل حرب واقع جديد على الأرض لا يعدو في جملته وتفصيلاته أن يكون خسارةً لأرض جديدة تُضاف إلى ما سبقها، وميلادًا لمزيد من اللاجئين، والمهجرين، والمنكوبين الجدد.. ومع كل حرب معاناة جديدة، وتضييقات جديدة، ومغارم جديدة، وهوان جديد!!

 

   حصيلة هذا كله فلسطينيًّا، ومنذ نشأة القضية، مزيد من الخسائر على الأرض.. ومزيد من التراجع في الشأن السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي.. ومزيد من الأسرى والمعتقلين… وحصيلة هذا كله عربيًّا مزيد من الضَّياع، والمذلة، والتبعية للأجنبي، ومزيد من الاستسلام لمخططاته وأهدافه…أما حصيلة هذا كله دَوليًّا؛ فمزيد من التنكر لحقوق أصحاب الحق، ومزيد من الاستخفاف بهم، ومزيد من مواقف التأييد والمؤازرة لخصومهم في كل ما يقولون، وفي كل ما يرسمون لهذه المنطقة من العالم من خطط ومخططات، وما يبيتون لها من أهداف كان لها في البدء أول، وليس لها اليوم، وفي الأيام القادمة أيضًا، من آخر!!

 

   لو كان الإسرائيليون جادّين في أحاديثهم عن السلام منذ أكثر من ستة عقود لما حصل كل هذا الذي حصل.. ولما كانت كل هذه الحروب.. ولما كان هنالك لاجئون.. ولما كان هنالك أسرى.. ولما كان هنالك دماء، ودموع، وآلام، ونوازل… ولكنه الطمع الذي لا يقف عند حد، والاستخفاف بالآخرين، والتنكر لأبسط حقوقهم في العيش الكريم هو الذي جر على هذه المنطقة من العالم كل هذه الكوارث، والنوازل، والنكبات.

 

   ولو كان الإسرائيليون جادّين في تغنّيهم بالسلام، وحرصهم عليه لأعلنوا الآن تراجعهم الفوري عن هذا الظلم التاريخي الذي أنزلوه بالفلسطينيين، ولأعلنوا الآن اعترافهم بكافة حقوق الفلسطينيين المشروعة في وطنهم فلسطين، ولأفرجوا الآن عن كافة الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، ولآثروا العيش مع العرب والمسلمين الطيبين الذين يشهد تاريخهم، وتشهد حضارتهم العظيمة الزاهرة على مدى حبهم للآخرين، وعلى مدى تسامحهم، وفتح قلوبهم لكل الألوان والأديان، بما في ذلك اليهود الذين عاشوا في ديار العروبة والإسلام، وساهموا في صنع الحضارة العربية الإسلامية في تلك العهود المشرقة المتألقة من تاريخ العرب!!

   ولو كان الإسرائيليون جادين في نشر ثقافة السلام والعدل والحرية في هذه الديار، لما بقي في سجونهم ومعتقلاتهم، ومراكز توقيفهم أسيرة واحدة، أو أسير واحد، أو طفل واحد.. ولأعلنوا قبولهم في الحال بمصالحة تاريخية تعيد هذه المنطقة إلى سابق عهدها، وتجعل من هذه الديار واحةً خضراء، وجنة من جنان الله على الأرض!!

 

   وللمتطرفين، وغلاة المتشددين من هؤلاء الإسرائيليين الذين يريدون الأرض، والسلام، والعلاقات الطبيعية مع كل العرب والمسلمين أقول: إنكم لن تتمكنوا من قهر الفلسطينيين، وفرض توجهاتكم على العرب والمسلمين مهما أوتيتم من علم، ومال، ودهاء… صحيحٌ أن حالة من التراجع والانقسام قد أصابت جسد هذا الشعب، وأدمت جسد هذه الأمة.. وصحيحٌ أن كثيرًا من الفلسطينيين والعرب والمسلمين أيضًا قد انقادوا طوعًا أو كرهًا لأهوائكم، وأهدافكم، ومراميكم في هذه المنطقة من العالم.. ولكنْ صحيحٌ أيضًا أن الأمور لن تبقى هكذا إلى الأبد، وأن هذا التراجع والخضوع لن يستمرا إلى ما لا نهاية.. وصحيحٌ أيضًا أن امتلاك الأسلحة غير التقليدية لم يعد حكرًا على أحد في هذا العالم، وأن حالة من التوازن الاستراتيجي، أو توازن الرعب ستنشأ حال حصول الطرف الضعيف على هذه الأسلحة غدًا، أو بعد غد… وصحيح أيضًا أن العداء يولّد العداء، ويؤسس لأيام عصيبة سوداء.. وأن الكراهية تولّد الكراهية.. وأن السلام العادل وحده هو الذي يؤسس لحياة هادئة هانئة في هذه الديار، بعيدًا عن المنازعات والمخاصمات، وبعيدًا عن كل أسباب التوتر، والعداوة، والحروب.

 

   وبعد،،

   فلقد آن لملفّ الأسرى والمعتقلين أن يُغلق.. ملفّ الأسرى والمعتقلين يجب أن يُغلق.. ملف الاعتقال الإداري يجب أن يغلق إذا كنّا راغبين حقًّا في فتح صفحة جديدة، وإذا كنّا راغبين صدقًا في عقد مصالحة تاريخية يزول معها الظلم التاريخي الذي وقع على شعبنا منذ أكثر من ستة عقود، ويستعيد معها هذا الشعب حقه في الحياة الحرة الكريمة الآمنة فوق ثرى وطنه فلسطين.

 

   إن الأسرى يصعدون من تحدياتهم، ويصعدون من ألوان إصرارهم على التحرر من القيد، وعلى التحرر من السجن والسجان، ويصعدون من إصرارهم على الاستمرار في خوض معركة الأمعاء الخاوية حتى الموت أو الخلاص من عبودية الأسر وأغلاله، السجون والمعتقلات في حالةٍ من الغليان، والتصعيد آتٍ لا محالة في القريب العاجل.. والأسيرات كذلك يصعدن من إصرارهن على استرداد كرامتهن أو الموت دونها.. هناء شلبي مصرة على انتزاع حريتها أو الموت دونها..فماذا أنتم فاعلون أيها القوم من أجل أسرانا وأسيراتنا؟؟ ماذا أنتم فاعلون من أجل إلغاء الاعتقال الإداري، والاعتقال السياسي، والاعتداء على حقوق المواطن في القول والتفكير والتعبير والإبداع والعمل الجاد من أجل إنقاذ البلاد والعباد؟؟ ماذا أنت فاعلة أيتها الجامعة العربية لكل هؤلاء وأولئك؟ وماذا أنت فاعلة من أجلهم يا كل منظمات حقوق الإنسان، ويا كل دول مجلس الأمن، والجمعية العامة؟ وقبل ذلك كله، أو بعد ذلك كله، ماذا أنتم فاعلون أيها العرب، وماذا أنتم فاعلون أيها الفلسطينيون.

(19/3/2012)

 

السبت، ١٧ آذار ٢٠١٢

إلى قادة الأمة.. قبل انعقاد القمة

 

    (إعادة)

 

متابعات

إلى قادة الأمة.. قبل انعقاد القمة

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

   يعلم الناس في كل بلاد العرب، وتعلمون كما يعلمون، أنه لا فائدة تُرجى من قمةٍ، أو حتى من اجتماعٍ على أي مسوًى إن لم يسبقه الإعداد الكافي، والرغبة الصادقة في تحقيق الهدف، أو الأهداف المتوخاة منه.. فهل أعددتم لهذه القمة التي يقال إنها ستُعقد في بغداد عدتها؟ وهل اتفقتم –قبل انعقادها- على تحقيق الهدف، أو الأهداف من انعقادها؟ وإذا كنا نعلم –يقينًا- أن من الصعب أن يتم اتفاقٌ حول قضيٍ أو قضايا خلال ساعات، فما بالكم بكل هذه القضايا الشائكة القاتلة التي تواجه قمتكم؟ وما بالكم بكل هذه القضايا الشائكة القاتلة التي تواجه أمة العرب في كل أقطارها وأمصارها، وتشكل تحدِّيًا لفلاحي هذه الأمة، ولعمالها، ومثقفيها، وطلبتها، ومناضليها، ولكل رجالها ونسائها وأطفالها، ولكل فقرائها ومعدميها ومتشرديها ومتسوليها، ولكل أسراها وأسيراتها ومقموعيها؟ ماذا أعددتم لفلسطين والفلسطينيين، ولغزة والغزيين، وللقدس والمقدسيين؟ وماذا أعددتم لمصر والمصريين، والليبيين، والبحرانيين، واليمينيين، والتونسيين، والسودانيين، والصوماليين؟؟ ماذا أعددتم لكل الأفارقة، ولكل الآسيويين المحسوبين علينا، المستجيرين بنا، ممن تربطنا بهم وتربطهم بنا أواصر القربى والجوار والعيش المشترك، والمصير، والمشاعر، والآلام والآمال؟؟ بل ماذا أعددتم للعراق الذي ستعقدون قمتكم فوق ترابه المجبول بالدم، وفي عاصمته التي تهز أركانها، وتزلزل بنيانها، وتفتك بإنسانها هذه الانفجارات العنيفة المرعبة المدمرة التي باتت قدر العراق والعراقيين؟ هل ستكتفون بتقديم التهاني لشعب العراق بخلاصه من الاحتلال والمحتلين أم ستعملون بإصرار على وحدة أرضه وشعبه، وإطفاء لهيب هذه النيران المستعرة التي يحترق بها وجه العراق العربي في كل يوم؟؟ وسوريا –أيها الكرام- وأنتم على بُعد أميال من ثراها المضمخ بدماء الفاتحين، وجراح أهلها النازفة بالملح والباردو والموت اللعين، سوريا –أيها الكرام- وأنتم على مرمى قذيفةٍ من عاصمة الأمويين ماذا أعددتم لها؟ وهذا الساحل السوري الذي شهد ميلاد الأسطول السوري المصري الذي جعل من المتوسط بحيرة عربية ذات يوم.. هل ترون هذا الساحل السوري، وهل تعرفونه؟ وهل ترون ذلك الأسطول العربي؟ وهل تسمعون صهيل الخيول، وصليل السيوف، وصيحات الرجال الرجال في "ذات الصواري" ؟ سوريا – أيها الكرام- ماذا بشأنها؟ وكيف ستعيدون الأمن والأمان إلى ربوعها الجميلة، وسهولها الخضراء، وجنانها الغناء، وجبالها الشماء، وظبائها اللواتي ينهضن من كل مجثم؟ وهل تعلمون –أيها الكرام- أن العبث بأي شبر من أرض سوريا العربية هو عبثٌ بسوريا كلها، بل عبثٌ بكل بلاد الشام؟ وهل تعلمون أن وحدة الشعب العربي السوري هي سر قوة سوريا، وسر ثباتها على مبادئها، وعلى مواقفها الوطنية والقومية والدولية؟ وهل تعلمون أن التفاف الغالبية الساحقة من السوريين خارج سوريا وداخلها، والغالبية الساحقة من اللبنانيين والفلسطينيين والأردنيين حول قلعة العروبة دمشق عاصمة سوريا، بل عاصمة بلاد الشام، هو أيضًا من أسرار قوة سوريا وثباتها في وجه كل التحديات والأعاصير؟ وهل تعلمون –أيها الكرام- أن علاقات سوريا في شرق الدنيا وغربها أيضًا هي من أسرار قوتها، ومن أسرار ثباتها على مبادئها؟؟ وهل تعلمون –أيها الكرام- أنه بدون سوريا هذه لا حياة للبنانيين، ولا حياة للفلسطينيين، ولا حياة للأردنيين، ولا حياة لكثيرٍ من العراقيين، بل لا حياة للعراق العربي الواحد المُوحد السيد العزيز الأبي القوي؟؟ وهل تعلمون –أيها الكرام- أن حياة هذه الأمة العربية في وحدتها؟ وهل تعلمون أن الفُرقة والقطيعة والتنابذ والتناحر والخصام هي أقصر الطرق لضعف هذه الأمة وهوانها وتمزقها وانهيارها ووقوعها في براثم أعدائها؟وهل تعلمون أنكم المسئولون أمام الله، وأمام شعوبكم عن كل ما تفعلون بحق هذه الأمة أرضًا وهُويةً واستقلالاً واستقرارًا وإباءً وعزةً وتقدمًا وتطورًا وحضارةً وكرامة؟ فلماذا لا تتوحدون؟ فلماذا لا تتوحدون ولماذا لا تقيمون المشروع العربي الواحد المُوحد على كل أرض العرب؟ ولماذا لا تكون أرض العرب للعرب؟ ولماذا لا تبنون الأمة العربية العظيمة الواحدة الموحدة في كل أقطارها؟ ولماذا لا تقضون على الجهل والفقر والمرض والتخلف والفساد والطُغيان والتبعية وأنتم الأحرار الأبطال الفرسان الشجعان المثقفون اليعربيون المؤتمنون على كل أرض العرب من المحيط إلى الخليج؟؟ أزيلو هذه السدود والحدود والحواجز التي تفصل بين العربي وأخيه العربي.. اضربوا على يد من يُشعلون الحرائق ليقومو بدور رجال الإطفاء، ألا ساء ما يصنعون!! إزرعوا أرض العرب –أيها الكرام- صنّعوا بلاد العرب.. ابنوا بيتًا لكل عربي.. انهضوا بالمستوى الصحي والعلمي والثقافي والمعرفي في كل بلاد العرب.. شجعوا الرحلات بين أقطار العرب كي يتعرف العربي على بلاده كما يفعل الغربيون!! كم يؤلم النفس حقًّا أن لا يسمع المواطن العربي بكثيرٍ من المدن والبلدات والقرى والمناطق الجغرافية والسهول والجبال والمقاطعات في اليمن ومصر وتونس والمغرب والجزائر والعراق وسوريا ولبنان وليبيا والسودان وفي كل ديار العروبة إلا عندما تتعرض هذه الأقطار لغزو أجنبي، أو كارثةٍ طبيعية، أو اشتباكاتٍ طائفية أو عرقية، أو فتنٍ داخليةٍ!! وكم يؤلم النفس حقًا أن لا يعرف العربي شيئًا مذكورًا أو غير مذكور عن جغرافية الوطن العربي وأنهاره وجباله وثرواته وتضاريسه الطبيعية وبحاره ومحيطاته وعادات أهله وتقاليدهم!! وكم يؤلم النفس حقًًّا أن لا يعرف العربي شيئًا مذكورًا عن مشكلات الوطن العربي، وعن آلامه، وهمومه، وتطلعاته، وأقلياته!! وكم هو أكثر من مؤلم أن تزداد هذه الحواجز والحدود والسدود بين أقطار الوطن الواحد يومًا بعد يوم، لتتعمق بذلك الحواجز النفسية بين أبناء الأمة الواحدة، وتتقطع أواصر القربى بين أبناء الأمة الواحدة، بل بين أبناء الشعب الواحد في كثيرٍ من الأحيان!! ألا فاتقوا الله –أيها الكرام- في أمتكم!! ألا فاعملوا من أجل وحدتها وعزتها وكرامتها واستقلالها واستقرارها وتطورها!! ألا فصونوها تصنكم، وحافظا عليها تحافظ عليكم، وامنحوها من جهدكم وتعبكم وسهركم وعرق جبينكم تمنحكم من خيراتها.. وصونوها من العُدوان والمعتدين تصُن أبناءكم وأحفادكم وذراريكم وأجيالكم القادمة من عُدوان المعتدين وطمع الطامعين، وكيد الأعداء الحاقدين.. ألا فاتقوا الله في هذه الأمة، واعملوا من أجل عزتها ورفعتها لتفوزوا بسعادة الدارين، وتكونو من الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه.. واعلموا –أيها الكرام- أن كل هذا ممكن، وأنكم قادرون على تحقيقه.. قادرون على بناء هذا المشروع العربي الواحد الموحد على كل أرض العرب.. قادرون على صنع الحياة الحرة الكريمة لأمة العرب دون استثناء إن أردتم.

(17/3/2012)

الخميس، ١٥ آذار ٢٠١٢

في اليوم العالمي لحقوق المستهلك..!!

متابعات

في اليوم العالمي لحقوق المستهلك..!!

 

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

 

   من حق الإنسان في هذا الكون منتجًا كان أو مستهلكًا أن يحصل على كافة احتياجاته من مواد غذائية، وسلع استهلاكية، وإن من حقه أن يحظى بكافة ضرورات العيش، وأن تتوافر له كل مستلزمات الحياة الكريمة التي لا بد منها، ولا غنًى عنها في هذا العقد الثاني من هذه الألفية الثالثة التي ينبغي أن تعيش فيها البشرية جمعاء بأمن وأمان وسلام واحترام.

   أقول هذا في اليوم العالمي لحقوق المستهلك الذي يصادف هذا اليوم الخامس عشر من آذار، في الوقت الذي نرى فيه كثيرًا من الجياع في هذا العالم، وفي الوقت الذي نرى فيه ألوانًا من الفقر والبِطالة والغلاء تفسد على مئات الملايين من الناس حياتهم، وفي الوقت الذي تستغيث فيه مئات الملايين من المعذَّبين في الأرض، دون أن يسمع استغاثتهم أحد، ودون أن يخف لنجدتهم أحد، والنتيجة: أن أعداد هؤلاء في ازدياد، لا لنقص في الموارد، أو لشحِّ في الإمكانات، ولكن لسوء توزيع الثروات، وحصرها في فئات محددة من الناس في هذا العالم، حيث يملك خمسة في المئة تسعين في المئة من أموال الكون وثرواته ومدخراته، فيكثر الفقر والتشرد، وتكثر الفاقة، وتضطرب أحوال هذه الملايين من المستهلكين الذين لا يملكون ثمن ما يرغبون في الحصول عليه من مواد استهلاكية، وسلع غذائية، ليس بإمكانهم أن يستغنوا عنها، أو يعيشوا بدونها.

    إن للمستهلك حقوقًا يجب أن تراعى في هذا الكون الذي كثر فقراؤه ومعوزوه وجياعه حتى تجاوز عددهم المليار بحسب إحصاءات العام الماضي، وإن من أبسط حقوق المستهلك أن يملك المال اللازم لشراء احتياجاته، وإن خير وسيلة للحصول على المال هي أن يحصل هذا المستهلك على عمل، وإن إيجاد فرص العمل لمئات الملايين من الناس يتطلب الرغبة في محاربة البطالة، كما يتطلب شيئًا من الرغبة في العناية بالناس، ورعاية أسرهم وعائلاتهم، ومراعاة أحوالهم وحاجاتهم واحتياجاتهم، والعمل الجاد من أجل توفير هذه الحاجات والاحتياجات.

    حقوق المستهلك تقضي بأن يكفّ من يعنيهم الأمر في كل أقطار الدنيا عن تبديد ثروات الشعوب، وتبذير المال العام، وأن تكف تلك الدولة القوية المتنفذة المتحكمة في ثروات كثير من أقطار هذا العالم وشعوبه عن تسخير ثروات هذه الأقطار لغاياتها وأهدافها في تطوير أسلحتها الفتاكة المدمرة، وملء ترساناتها العسكرية بمزيد من هذه الأسلحة على حساب الشعوب الفقيرة المضطهدة، وعلى  حساب أبسط حقوقها في العيش الكريم، وأن تكف تلك الدولة أيضًا عن تسخير كل هذه الثروات الهائلة لدعم كيان بعينه، ورفده بالأموال والأسلحة كي يستمر في إخضاع الآخرين، وكي يستمر في فرض سيطرته عليهم، وتقاسم ثرواتهم مع تلك الدولة، ومع بعض أبناء أولئك الآخرين من الحلفاء المتعاونين الذين يقمعون شعوبهم لقاء الحصول على مخصصاتهم بموجب هذه اللعبة التي استبيحت بموجبها دماء الشعوب، كما استبيحت كرامتها، ونُهبت ثرواتها.

    إن العالم العربي الإسلامي البالغة مِساحته ثلاثة وثلاثين مليونًا من الكيلو مترات المربعة قد بات خاضعًا لنفوذ تلك الدولة القوية، ونفوذ حلفائها، وتلاعب أتباعها من المتعاونين المستفيدين الوالغين في دماء الناس، وإن شعوب هذا العالم العربي الإسلامي (البالغ تعدادها أكثر من مليار ونصف من البشر الذين يشكلون ربع سكان هذا العالم) هي في مجملها شعوب مستهلِكة لا تحميها قوانين حقوق المستهلك في كثير من بقاع هذا العالم، بل إن الأمر متروك لضمائر أولئك الطغاة المستبدين الوالغين في دماء الشعوب، ومتروك أيضًا لتقديراتهم، وفي هذا ما فيه من ظلم للمستهلك، وظلم للناس جميعًا في هذا العالم العربي الإسلامي الذي تعتبَر الغالبية الساحقة من الناس فيه من فئات المستهلِكين الذين لا تحميهم قوانين حقوق المستهلك، في الوقت الذي يعتبَر فيه هذا العالم العربي الإسلامي موطن الغالبية الساحقة من المقموعين البائسين المعوزين مواطني العالم الثالث.  في هذا اليوم العالمي لحقوق المستهلك لا بد من التأكيد على حق هذا المستهلك في الحصول على كل ما يحتاجه من سلع ومواد تموينية وخدمات ضرورية، ولا بد من التأكيد على حقه في العيش باحترام وفق المقاييس الدَّولية التي تضمن له حياة كريمة، ولا بد من التأكيد على حقه في الحصول على عمل يضمن له دخلاً يمكّنه من توفير كافة احتياجات أسرته، وإلى أن توفر الأنظمة المختلفة  في هذا العالم كل ذلك لمواطنيها ينبغي أن توفر لهم ما يحتاجون إليه بدون مقابل لمن لا يملك الثمن، وبالمقابل الذي يستطيع المواطن أن يقدمه ثمنًا لذلك.. أما أن لا تتمكن الغالبية الساحقة من الناس( في بلد ما، أو حي معين، أو منطقة، أو مناطق، من دولة ما ) من شراء ما تحتاج إليه لأنها لا تملك الثمن، فهذا يعني أن الأسعار هناك لا تناسب الدخل، أو أن الأسعار تلك قد وُضعت لذوي الدخل العالي، ولم تضع في اعتبارها ذوي الدخول المتدنية، أو المستهلكين الذين لا دخل لهم، وهذا معناه أن هذه الشرائح التي لا تستطيع الحصول على احتياجاتها هي شرائح فقيرة معدمة، وهي شرائح محرومة مظلومة مضطهدة، وهي شرائح غاضبة ناقمة لا تضمر خيرًا للأنظمة التي تحكمها، وأنها على استعداد للتعاون مع كل أعداء هذه الأنظمة بغض النظر عن كثير من الاعتبارات، وبغض النظر عن كثير من النتائج، وعن كثير من الحسابات والتوقعات.. ألم يقولوا قديمًا إن الجوع كافر؟ ألم يقل فتى هذه الأمة لو كان الفقر رجلاً لقتلتُه؟.

   وفي هذا اليوم العالمي لحقوق المستهلك نقول: إن من الضروري أن تفهم أنظمة كثيرة في هذا العالم العربي الإسلامي أنها تحسن صنعًا إذا هي احترمت نفسها، وعملت على نهضة شعوبها وتحسين أوضاعها المادية والمعنوية، وإذا هي وضعت شعوبها أمام مسئولياتها المصيرية في البناء والتعمير والتطوير والعمل من أجل خدمة الوطن والمواطن، وبناء الوطن والمواطن، وكلما كانت ثقة المواطن بنفسه أكبر كانت ثقته بالناس من حوله أكبر، وكلما كان إيمانه بحقوقه أقوى كانت قدرته على إحداث التغيير كذلك، وكلما كان شعوره بالانتماء أعمق كان استعداده للتضحية من أجل بلده ومن أجل مواطنيه، وكان حرصه على حرية بلاده، وكان حبه الحقيقي لمجتمعه، وحرصه الشديد على نهضة ذلك المجتمع وتطوره، ورغبته الشديدة في احترام حقوق المستهلك، ووضعها موضع التنفيذ.

13 /3/2012/