عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


الثلاثاء، ٢٧ أيلول ٢٠١١

مطلوب مجلس شعبي أعلى للإعلام

قضية للنقاش
مطلوب مجلس شعبي أعلى للإعلام
أ/عدنان السمان google/
(مدونة وصفحة تواصل  facebook)
   إذا كان للإعلام كل هذه الخطورة في حياة الشعوب، وإذا كان الإعلامي في كثير من الأحيان هو الذي يضخّم حدثًا صغيرًا، فيجعل منه حدث الموسم، وإذا كان في الوقت نفسه يفرض التعتيم على حدث أو خبر أو تحليل حتى لا يكاد يشعر بحدوثه أحد، وإذا كان لهذا السبب أو ذاك يُبرز هذا الكاتب، أو هذه المجموعة من الكتاب، أو هذا اللون من الكتابة، ومن الفكر السياسي العام، ومن التوجه السياسي في مرحلة معينة، أو بلد معين، وإذا كان لهذه الأسباب، أو تلك، ولأسباب غيرها قد نعلمها، وقد لا نعلمها يُقصي هذا الكاتب، أو هذه المجموعة من الكتاب، ويهمّش هذا الرأي، ويحجّم هذا التوجه، ويقزّم هذه الفكرة، أو يشوّهها، أو يهوّشها، أو ينفيها، وإذا كان الإعلام في كثير من الأحيان بوقًا يسبّح بحمد هذا، ويكيل له الثناء والمديح، ولا يشير إليه إلا بالسبابة إعلاءً لشأنه، وكأنه يردد في وقار، وفي إصرار، ترديد من يعرّف بهذا السيد العظيم أمام مستهزىءٍ به، أو محاولٍ التقليلَ من شأنه في استخفاف: "هذا الذي تعرف البطحاء وطأتهُ//والبيت يعرفه والحل والحرمُ. هذا ابن خير عباد الله كُلِّهمُ//هذا النقي التقي الطاهر العلمُ.هذا ابن فاطمة إن كنتَ جاهلهُ//بجده أنبياءُ الله قد خُتموا. وليس قولك مَن هذا بضائرهِ//العربُ تعرف من أنكرتَ والعجمُ!! وإذا كان هذا الإعلام في الوقت نفسه لا يشير إلا بالوسطى إلى هذا الرجل أو ذاك من عباد الله الذين لم يسيئوا إلى أحد، ولم يأكلوا مال أحد، ولم يعتدوا على أحد، ولم ينافسوا أحدًا على منصب أو مركز، ولم ينظروا إلى ما في يد أحد، لأن الله أغناهم عن ذلك كله بالقناعة، والرضى بالقليل، ومنحهم الطمأنينة، وأعطاهم الانسجام مع النفس، وألهمهم الصدق والصبر، ورزقهم بعد النظر، وكرّمهم بغضّ البصر، وبحسن التبصر في العواقب، وبعدم التهافت مع المتهافتين على عَرَضٍ زائل، ومتاع حقير فانٍ، وزينهم بمحبة الأوطان، والحفاظ على كرامة الإنسان، وسلامة البنيان، وعزة الأديان، ومنحهم القدرة على مخاطبة كلٍّ باللغة التي يفهمها.. إذا كان كل هذا وكثير كثير غيره هو ما نراه، وما نسمعه، ونقرأه في كثير من وسائل الإعلام، وفي كثير من هذه المطبوعات التي تملأ الأرض على رحبها، وإذا كانت كل قضايا الأمة، ولا سيما الكبيرة والجوهرية والحساسة والمصيرية منها بحاجة إلى إعلام نزيه قادر متمكن صادق يبلورها ويوضحها ويتبناها، ويقف منها وِقفة الجندي الشجاع في موقعه، فإنه بات لزامًا أن يُصار في الحال لتشكيل مجلس شعبي وطني أعلى للإعلام يراقب عمل وسائل الإعلام، ويسجل ملاحظاته عليها، ويبدي رأيه فيها، ويستقبل شكاوى الإعلاميين والكتاب والصحافيين والناشرين والأكاديميين وسائر المعنيين بهذا الحقل الذي لا تصلح أحوال الأمة إلا بصلاحه، على أن يكون أعضاء هذا المجلس من الإعلاميين الناجحين المعروفين بمهنيتهم واقتدارهم وطول باعهم وانتمائهم والتزامهم بقضايا شعبهم العربي الفلسطيني، وأمتهم العربية الإسلامية الماجدة.
   إن شعبنا العربي الفلسطيني الذي تمرس بالعمل الوطني والنضالي والثقافي والإعلامي، قادر على أن يضع هذا المقترح موضع التنفيذ، وقادر على ممارسة دوره الطبيعي في الرقابة والإشراف، ودوره الطبيعي في تصحيح المسار الإعلامي، ودوره الطبيعي في الحفاظ على شرف الكلمة وطهرها وعفتها، وفي الحفاظ على سلامة قضايا هذا الشعب العربي الفلسطيني، وقضايا هذه الأمة العربية الإسلامية الخالدة، وفي الحفاظ على كرامة الكاتب والصحافي والإعلامي والمثقف والناشر والمفكر، وعلى حفظ الحقوق الأدبية والمعنوية لكل هؤلاء قبل غيرها من الحقوق. أليس كذلك؟
والله الموفق
27/9/2011
 

عبد الناصر.. وفلسطين

متابعات
في الذكرى الحادية والأربعين لرحيله:
عبد الناصر.. وفلسطين
بقلم أ/عدنان السمان
   في مثل هذا اليوم الثامن والعشرين من العام الحادي والستين من القرن الماضي، وقبل خمسين عامًا بالكمال والتمام كانت جريمة الانفصال، وكان الانقلاب الذي أطاح بالجمهورية العربية المتحدة، وكانت فجيعة العرب، وفجيعة الفلسطينيين، وفجيعة السوريين والمصريين بهذا الانقلاب، وكان بيان عبد الناصر من دار الإذاعة بالقاهرة، ذلك البيان الذي ضمنه تحياته لسوريا والسوريين، وآلامه بسبب الانفصال، وكان مما قاله: "سوريا هي التي كانت تنادي بهذه الأهداف، دمشق كانت دائمًا قلب العروبة النابض الذي ينادي بالوحدة العربية على مر السنين، دمشق كانت هي القلعة الحصينة في وجه الاستعمار، وفي وجه أعداء الأمة العربية، وفي وجه أعداء الوطن العربي... كانت القلاع تستسلم، ولكن سوريا لم تستسلم أبدًا، ولكنها استمرت ترفع راية الوحدة العربية، وراية القومية عاليًا، واستطاعت بإرادتها سنة 1958 أن تفرض هذه الوحدة، وأن تقيمها، وأن تضعها موضع التنفيذ، وأن تعلن قيام الجمهورية العربية المتحدة"... وفي مثل هذا اليوم الثامن والعشرين من عام سبعين وتسعمئة وألف كان رحيل عبد الناصر، وكانت صدمة العرب في كل أقطار العروبة، وكانت صدمة كل محبي الحق والعدل والحرية في هذا العالم كبيرةً كبيرةً برحيل هذا القائد العربي الملهم الذي حرك جماهير العرب على كل أرض العرب، ورسم للعرب معالم مشروعهم العربي الكبير على كل أرض العروبة من المحيط إلى الخليج.
    منذ بزوغ نجمه في سماء مصر وبلاد العرب حرص جمال عبد الناصر على بث الشعور القومي العربي في كل الأرض العربية.. كما تمكن عبد الناصر بعد سنوات قليلة من حكمه، وتحديدًا في الثاني والعشرين من شهر شباط من العام ثمانية وخمسين وتسعمئة وألف بالتعاون مع أحرار سوريا من إقامة أول وحدة في تاريخ العرب الحديث بين القطرين السوري والمصري، وقيام الجمهورية العربية المتحدة بإقليميها الجنوبي (المصري) والشمالي (السوري).. هذه التجربة التي لم يكتب لها أن تستمر.. فلقد كان الانفصال في الثامن والعشرين من أيلول من العام الحادي والستين بعد ثلاث سنوات وستة أشهر وستة أيام من قيام هذه الوحدة التي أراد لها عبد الناصر أن تكون نواة وحدة عربية شاملة.. وتشاء الأقدار أن تكون وفاة عبد الناصر بعد تسع سنوات من ذاك الانفصال، ففي الثامن والعشرين من أيلول من العام سبعين وتسعمئة وألف لفظ عبد الناصر آخر أنفاسه وهو يودع القادة العرب بعد حضورهم مؤتمر قمة دعا إليه عبد الناصر لمناقشة الوضع العربي آنذاك.
    لم يتمكن عبد الناصر من تحرير شبر من أرض فلسطين.. ولكنه لم يبع شبرًا من أرضها، ولم يفرّط بحبة تراب من ترابها.. وعندما كانت الوفود الرسمية أو الشعبية من شتى بقاع الدنيا تحضر إلى القاهرة بهدف التوسط لدى عبد الناصر لحل هذه القضية كان موقفه يتلخص في أنه لا يملك شيئًا من أرض فلسطين كي يتحدث عنه، أو يساوم عليه، أو يتصرف به.. وأن لفلسطين شعبًا وقادة هم الذين يقررون مصيرها.. وأن دور العرب يتلخص في تأييد شعب فلسطين في السعي من أجل تحرير أرضه، واستعادة حقوقه، والعودة إلى دياره لا أكثر من ذلك ولا أقل.
    وفي الخامس من حزيران من عام سبعة وستين وتسعمئة وألف كانت هزيمة عبد الناصر،  وهزيمة العرب، وكان احتلال إسرائيل للضفة الغربية، وقطاع غزة، وأجزاء من الهضبة السورية إضافة إلى شبه جزيرة سيناء.. أما أسباب ذلك فهي رغبة الإسرائيليين في السيطرة على مزيد من الأرض العربية، وإلحاق الهزيمة بنظام حكم الرئيس عبد الناصر الذي بات يشكل تحدِّيـًا للمخططات الأجنبية التي تستهدف أرض العرب... لقد استغلت إسرائيل أمرين لتحقيق أهدافها هما محاولة عبد الناصر التخلص من آثار العدوان الثلاثي بإغلاق مضائق تيران وطرد القوات الدولية.. وانجرار سوريا وراء الاستفزازات الإسرائيلية واعتداءاتها المتكررة على السوريين، وذلك بالقصف المدفعي العنيف لمستوطنات منطقة طبرية، وبعض المستوطنات الشمالية الأخرى... وهكذا كان.. أما احتلال إسرائيل للضفة الغربية فكان بسبب دخول الأردن تلك الحرب إلى جانب أشقائه العرب.
    ويعمل عبد الناصر على إعادة بناء الجيش- بعد أن أعادته شعوب الأمة العربية إلى سدة الحكم من جديد – ويخوض عبد الناصر حرب الاستنزاف التي أبلى فيها المقاتل المصري البلاء الحسن... ويقتحم جيش مصر قناة السويس، ويدمر خط بارليف الحصين.. ويواصل طريقه – مزهوًّا بالنصر صوب غزة... ولكن عبد الناصر لم يشهد هذا النصر، ولم يشارك في حرب العاشر من رمضان.. ولم يصدر أوامره لجيش مصر بمواصلة التقدم نحو الشمال... لأن عبد الناصر كان قد رحل قبل ثلاث سنوات وثمانية أيام من هذه الحرب التي أسميناها حرب العاشر من رمضان، وأسماها بعضنا حرب أكتوبر، وأسماها بعضنا الآخر حرب تشرين.. تلك الحرب التي خاض غمارها الجيشان المصري والسوري في السادس من تشرين الأول من عام ثلاثة وسبعين وتسعمئة وألف.
    رحل عبد الناصر وهو في الثانية والخمسين من عمره منذ إحدى وأربعين عامًا، ولا تزال أصداء خطاباته النارية ترن في آذاننا... لا زلنا نرى ذلك الضابط المصري الشاب الذي يخوض غمار حرب ثمانية وأربعين في الفالوجة، ولا زلنا نذكر أصداء صفقة الأسلحة التشيكية، وأصداء حرب السويس، وأعياد الوحدة المصرية السورية في الثاني والعشرين من شباط من عام ثمانية وخمسين وتسعمئة وألف.. وتجمع الملايين من أبناء الأمة العربية أمام قصر الرئاسة في "المهاجرين" ليشاهدوا جمال عبد الناصر وشكري القوتلي، وأحرار العرب صنّاع الوحدة... ولا زال العرب في كل مكان يذكرون أول زعيم عربي يلقي خطابًا تاريخيًّا في الأمم المتحدة باللغة العربية.. ولا زال المصريون يذكرون إصلاحات عبد الناصر في مصر، ووقوفه باستمرار إلى جانب العمال والفلاحين والطلبة وسائر فئات الشعب العربي في مصر.
    رحل عبد الناصر منذ إحدى وأربعين عامًا، ولكن أفكاره لم ترحل.. لم ترحل مبادؤه ومواقفه ومحبته لفلسطين وتصديه لكافة الدسائس والمؤامرات التي حاكها المتآمرون ضد الوطن العربي والأمة العربية... رحل عبد الناصر فاستكانت – واحسرتاه – هذه الأمة.. وتكالبت عليها الأعادي والخطوب.. ومزقتها شر ممزق هذه العصبية القبلية... وبدأ عدد هذه الدويلات في الازدياد.. وأصبحت الحدود التي أقامها الاستعمار الغربي بين أقطار الوطن العربي الواحد حدودًا مقدسة تجد من يدافع عنها، ويكرّسها، ويحميها، ويحافظ عليها من أبناء هذه الأمة العربية الواحدة من المحيط إلى الخليج!!
    رحل عبد الناصر.. ولكن أمة العرب لم ترحل.. ولن ترحل.. وستبقى خالدة أبد الدهر.. وستبني هذه الأمة العربية الواحدة الموحدة دولة العرب.. وستكون لها مكانتها بين الأمم.. وستعيد صنع التاريخ وكتابته من جديد.. وستستعيد عظمتها وأمجادها التي صنعتها يوم كانت خير أمة.
25/9/2011
   

السبت، ٢٤ أيلول ٢٠١١

ألا يخجل هؤلاء الإعلاميون من أنفسهم؟؟

مواجهات            
                              ألا يخجل هؤلاء الإعلاميون من أنفسهم؟؟
         (سيمثُل هؤلاء قريبًا أمام القضاء العادل)
أ. عدنان السمان
www.samman.co.nr
   الشللية والفئوية والقبلية والإقليمية والطبقية والتبعية، وغير ذلك من العلل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والنفسية التي ابتليت بها أمم كثيرة على مر العصور والدهور كانت دائمًا وأبدًا وباستمرار الشغل الشاغل للمفكرين والمصلحين وعلماء السياسة والاجتماع، وصانعي الرأي العام وموجهيه، من إعلاميين وصحافيين ومفكرين ومبدعين وفنانين وكتاب وشعراء.. وكانت دائمًا وأبدًا وباستمرار التحدي الأكبر أمام قادة الأمم وفلاسفتها وثوارها ومفجري ثوراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكانت الحرب سجالاً بين كل هذه العلل والآفات وعوامل الهدم والضعف والانحراف والفساد والإفساد والتخلف والتبعية السياسية والثقافية والاقتصادية من جهة، وقادة التغيير والإصلاح والتقدم والاستقلال من جهة ثانية، وكانت النتائج في مجملها إيجابية، وكانت الشعوب تجني نتائج تلك الثورات والحركات التحررية في كثير من الأحيان حتى في حال فشل تلك الثورات والحركات، أو عدم مقدرتها على تحقيق كامل أهدافها وغاياتها وتطلعاتها المعلنة.
   حركة التاريخ لا تعرف التوقف والسكون، وجزيئات المادة لا تعرف التوقف والسكون، وعزائم الثوار والمفكرين والمصلحين وقادة الفكر والرأي أيضًا لا تعرف التوقف والسكون مهما جلت التضحيات، ومهما اشتدت الظلمات، واستبدت بالناس بين الحين والآخر هذه العقبات والصعوبات والتحديات، وتكالبت عليهم هذه التحالفات، والتقت مصالح هؤلاء وأولاء وأولئك، وزين بعضهم لبعض سوء أفعالهم، وبشاعة تصرفاتهم وتوجهاتهم، وراح بعضهم يكيد لبعض، وراح بعضهم يكيد للناس، وراح بعضهم يتنكر للوطن الذي نماه، وعلى ترابه حبا وربا ودرج وشب وترعرع، وراح بعض بعضهم يبيع ما توارثه الخلف عن السلف، وما افتدته الأجيال جيلاً بعد جيل، وعلى تعاقب الدهور وكر العصور بالغالي والنفيس، وراح بعض البعض هذا يتبرأ مما وجد عليه آباءه وأجداده في عتوٍّ ونفور واستكبار!!...  وحركة التاريخ لم ترحم في يوم جبانًا، أو متآمرًا، أو متواطئًا، أو ملتفًّا على قضايا أمته، متنكرًا لها، متاجرًا بها، متآمرًا عليها، مهما واكب ذلك ورافقه وصاحبه من "فبركات المفبركين"، وتزوير المزورين، وأكاذيب الأدعياء الكاذبين، وأبواق الناعقين الناعبين المتلاعبين، وأعمدة الضالين المضلين، وفتاوى الفاسدين المفسدين، وكل تآمر المتآمرات والمتآمرين... وحركة التاريخ أيضًا أثبتت في الماضي، وتثبت اليوم، وستثبت في كل يوم أن الناس ليسوا من الغباء كما يظن هؤلاء الإعلاميون الذين يدسون لهم السم في الدسم، وأن الناس يعرفون عن هؤلاء ما يعرفه هؤلاء عن أنفسهم، بل ربما كانوا يعرفون أكثر مما كان هؤلاء يعرفون عن أنفسهم، وأن الناس قد يسكتون، وقد يتظاهرون أيضًا بالغباء، وقد يطول صمتهم، ولكنهم "يقينًا" يتكلمون في الوقت المناسب، ويقولون كل ما يريدون قوله في الوقت المناسب، بعد أن قالوا بعيونهم ما لم يقله هؤلاء وأولئك في إعلامهم الكاذب الخائب المتواطئ المسموم، وبعد أن قالوا بحركات أيديهم وأصابعهم، وبغمزات عيونهم، وهمس شفاههم، ما عجز هؤلاء " المفبركون" عن قوله، وسمعوا بعقولهم وقلوبهم ومشاعرهم وأحاسيسهم غير الذي أُسمعوه بآذانهم.. فويل لهؤلاء الكاذبين المتواطئين ممن استباحوا شرف الكلمة وطهرها وعفتها، وويل لهؤلاء الكاذبين المزورين ممن حاولوا خداع الناس، وتشويه الحقائق، وويل لهؤلاء الكاذبين المتآمرين المحتالين الذين حاربوا الفكر والرأي والاجتهاد والتوجه السليم، وحاربوا كثيرًا من كتّاب هذه الأمة ومفكريها ومثقفيها ومبدعيها وإعلامييها الذين حملوا قضاياها في سويداء القلوب، وصانوها وحفظوها في حبات العيون، وصدروا عن هذه القضايا والثوابت في كل ما يقولون، وفي كل ما يكتبون.. ويل لهؤلاء الكاذبين عندما يقول الناس فيهم كلمتهم، وعندما يقول القضاء العادل فيهم كلمته، ويل لهم من غضبة أمة إذا غضبت، ومن ثورة أمة إذا ثارت وتمردت وزأرت وانتقمت، ويل لهم بما كانوا يعتدون، وويل لهم مما كانوا يصنعون.. وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.
   قد يكون من حق هذا الكاتب أو ذاك أن يكتب ما يريد، وقد لا يكون، وقد يكون من حق هذه المطبوعة أو تلك أن تنشر لهذا الكاتب أو ذاك، وأن تختار لنفسها خطًّا معينًا ترتضيه لنفسها، ولكن ليس من حق أحد أن ينتحر، وأن يدعو في الوقت نفسه إلى الانتحار!! وليس من حق مطبوعة أن تتبنى وجهة نظر دون سواها، وأن تفرض كل هذا التعتيم على وجهات النظر الأخرى، ليس من حق أحد أن يفرض رأيه على أحد، وليس من حق أحد أن يمنع أحدًا من قول ما يريد إلا إذا كان هناك توجه بقمع حرية الرأي والتفكير والتعبير، وهذا أمر مرفوض من ألفه إلى يائه، ومن يائه إلى ألفه، شاء من شاء وأبى من أبى، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
   لو كان هؤلاء الإعلاميون، وهؤلاء العاملون في حقل الإعلام يدركون أن الإعلام أمانة بكل ما لهذه الكلمة من أبعاد ومضامين، وبكل ما لها من قداسة، ولو كانوا يدركون من شرف الكلمة وطهرها ما ينبغي لهم أن يدركوه لما فعلوا بها ما يفعلون، ولما باعوها في سوق النخاسة كاسية عارية لقاء عرض زائل، ومتاع حقير فان، ومطامع رخيصة.. ألا ساء ما يحكمون.
   ألا يخجل هؤلاء الإعلاميون من أنفسهم وهم يروجون للأجنبي، ويسبحون بحمده، ألا يخجلون وهم يكذبون ويفترون على عباد الله ويسيئون إليهم، ألا يعلم هؤلاء أنه ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع؟ ألم يسمعوا بما حل منذ أيام بواحد من كبارهم؟ ألم يعتبروا؟ ألم يسمعوا بما تنشره "ويكيليكس"، وبما ستنشره؟ إن كان هؤلاء بلا ضمير يردعهم، أفلا يخشون سوء العاقبة والمصير عندما تتبدى سوءاتهم، وتتكشف عوراتهم بسقوط ورقة التوت؟!
   ثم لماذا يدسّون أنوفهم فيما لا يعنيهم، ويهرفون بما لا يعرفون، ويفترون على من خالفهم الرأي والتوجه والهدف خدمة لهذه الجهة أو تلك الفئة؟... قولوا لهؤلاء إنهم أكثر من مخطئين ، وإنهم سيمثُلون يومًا أمام القضاء العادل ليقول فيهم كلمته، وإنني لعلى يقين أن هذا اليوم لن يكون بعيدًا، وأنه أقرب إليهم من حبل الوريد.
24/9/2011

  
 

الخميس، ٢٢ أيلول ٢٠١١

في هذا اليوم الدَّوْلي للسلام!!

متابعات
في هذا اليوم الدَّوْلي للسلام!!
أ.عدنان السمان
www.samman.co.nr
قبل ثلاثين عامًا، وفي مثل هذا اليوم الحادي والعشرين من أيلول كانت رغبة المجتمع الدولي في أن يكون هذا اليوم يومًا للسلام الدولي الذي تختفي فيه كافة أنواع الحروب الساخنة منها والباردة، ويعم فيه الأمن والسلم كافة أقطار الكون، وتحصل فيه الشعوب المضطهدة على حقوقها في الأمن والأمان والحرية والسلام.. فهل تحقق هذا الهدف؟ وهل حققت الشعوب المضطهدة أهدافها؟ وما الذي ينبغي أن يفعله المجتمع الدولي كي تتمكن هذه الشعوب من تحقيق هذه الأهداف؟
   في فلسطين لم تسفر هذه السنوات الثلاثون التي أعقبت هذا اليوم الدولي للسلام إلا عن مزيد من الكوارث والنكبات والتراجع في حياة الفلسطينيين الذين يعيشون هنا على أرض وطنهم فلسطين، والذين يعيشون هناك في ديار الغربة والاغتراب والنزوح واللجوء.. لقد كان اجتياح لبنان في العام الثاني والثمانين من القرن الماضي، وهو العام الذي أعقب ميلاد هذا اليوم الدولي للسلام موضوع الحديث هنا، وكانت مجازر صبرا وشاتيلا، وكان التراجع الحاد في حياة الفلسطينيين في لبنان، وكانت الإحباطات والتراجعات في حياة جميع الفلسطينيين المقيمين هنا على أرض فلسطين، والمقيمين هناك في كل ديار الغربة، وكانت سيطرة الإسرائيليين المطلقة وغير المطلقة على مساحات واسعة من أرض لبنان، وكاد اليأس أن يستبد بحياة كثير من الفلسطينيين على كل أرض فلسطين، وكان أن شدد الإسرائيليون من قبضتهم على الناس في المحتل من عام سبعة وستين حتى طفح الكيل أو كاد، ووصل السيل الزبى، وعاش الفلسطينيون هنا سنوات من التمزق والضياع والهوان، وكانت انتفاضة التاسع من ديسمبر من عام سبعة وثمانين ردًّا على صلف المحتليين وغطرستهم واستفزازاتهم وممارساتهم على صعيد الأرض والإنسان، وكانت التضحيات، وكانت أيضًا الآمال الكبار في انبلاج فجر الحرية، واقتراب ساعة الخلاص... وكانت أوسلو، وكان ميلاد الحكم الذاتي في غزة وأريحا، وكانت السلطة الفلسطينية، وكانت المفاوضات وما رافقها وواكبها من وعود ومراوغات ومصادرات ومداهمات واعتداءات وتجاوزات واستفزازات وتدخلات في الشأن الفلسطيني، وكانت انتفاضة الأقصى، وكانت قوافل الشهداء والاستشهاديين، وأصبح الإقبال على الموت أكبر من الإقبال على الحياة، وتجددت الآمال الكبيرة في النفوس الكبيرة باقتراب ساعة الحسم، وانبلاج فجر الحرية والانعتاق من ربقة الأغلال والقيود... وكان الجدار، وكانت مئات البوابات والحواجز والمعابر، وكانت الاعتقالات بالآلاف، وكان تجريد الفلسطينيين من معظم مصادر رزقهم، وكان وضع اليد على ما تبقى من أراضيهم، وكان منعهم من العمل، وكان حصارهم في تجمعاتهم السكنية جياعًا عطاشًا مرضى لا يكادون يلوون على شيء، وكان تحويل هذا المجتمع العربي الفلسطيني إلى مجموعات متناقضة متباينة من الموظفين الذين ينتظرون آخر الشهر كي يحصلوا على قوت عيالهم، وكان من نتائج ذلك هذا الصراع الداخلي، وهذا الانقسام الذي لا يزال قائمًا يتجذر حتى يومنا هذا، وكان الغضب، وكان الحصار الجوي البري البحري على غزة، وكانت شلالات الدماء على رمالها، وكان إمعان المحتلين في التنكر للفلسطينيين، ولحقوق الفلسطينيين، وكان إمعان المحتلين في الاستخفاف بالفلسطينيين، وبآمالهم وطموحاتهم في الحرية والأمن والأمان والاستقلال، وكانت مراوغاتهم واستفزازاتهم وإنكارهم لكافة حقوق الفلسطينيين المشروعة في القدس، وفي العودة، وفي الخلاص، وتقرير المصير بشكل غير مسبوق، وكان أن توقفت هذه المفاوضات، وكان أيضًا أن تقدم الفلسطينيون بمطلبهم هذا إلى المجتمع الدولي كي يوافق على إقامة دولتهم الفلسطينية على أرض عام سبعة وستين.. فهل يلبي المجتمع الدولي هذا المطلب المتواضع بعد أكثر من ثلاثة وستين عامًا من عام النكبة، وبعد أكثر من أربعة وأربعين عامًا من عدوان سبعة وستين، وبعد أكثر من ثلاثة وعشرين عامًا من إعلان الجزائر؟ وبعد أكثر من ثمانية عشر عامًا من إتفاق أوسلو؟ وبعد أكثر من ثلاثين عامًا من ميلاد هذا اليوم الدولي للسلام موضوع حديثنا هذا في وطننا هذا في بلدنا هذا؟؟
   لقد آن لهذا المجتمع الدولي أن يستفيق من غفلته، وأن يصحو من سباته وضلالته وضلاله، وآن له أن يعمل من أجل عودة الحق إلى أصحابه، والسيف إلى قرابه، والأسد إلى عرين غابه.. فهل يفعل المجتمع الدولي هذا؟ وهل يغيث شعبًا منكوبًا بعد عقود من الموت والخوف والرعب والدماء؟ وهل يعود الأمن والأمان والسلام إلى وطن السلام في هذا اليوم الدولي للسلام؟ نرجو ذلك.
22/9/2011
 

الثلاثاء، ٢٠ أيلول ٢٠١١

هل يدرك الإسرائيليون خطورة ما يفعلون؟؟

متابعات
على ضوء ما يدور في هذه الديار الفلسطينية من أحداث:
 
هل يدرك الإسرائيليون خطورة ما يفعلون؟؟
أ. عدنان السمان
www.samman.co.nr
   لم يكتف الإسرائيليون بما فعلوه في عام النكبة، ولم يكتفوا بما فعلوه أيضًا في عام (النكسة)، وفي كل ما سبقه، وما تلاه من أعوام، ولم يكتف هؤلاء بكل هذه الاتفاقات التي أبرموها، والعلاقات التي أقاموها مع كثيرٍ من عواصم العرب وحواضرهم، ولم يكتفوا بهذه الرغبة العربية الصريحة الواضحة في الاعتراف بهم، والتعامل المباشر وغير المباشر مع كيانهم هذا الذي أقاموه على أرض فلسطين.. لم يكتف الإسرائيليون بكل ما أنجز في كامب ديفيد، وبكل ما أنجز في أوسلو، وبكل ما أنجز على الجبهة الأردنية.. لم يكتف هؤلاء بأن أصبح لهم في القاهرة وعمان سفارات وممثليات، ولم يكتفوا بكل هذه العلاقات الطبيعية التي أقاموها مع كثير من البلدان العربية، ولم يكتفوا بكل ما فعله الفلسطينيون من أجل السلام، ولم يكتفوا بكل ما فعله العرب والمسلمون من أجل السلام، ولم يكتفوا بكل ما فعله الغرب والشرق من أجل السلام، ولم يكتفوا بكل ما فعله المجتمع الدولي من أجل السلام. بل إن كل ما حدث، ويحدث، قبل ذلك وبعده، وبالتزامن معه هو أن الإسرائيليين يزدادون تعنتًا وتصلبًا وتطرفًا وتشددًا واستكبارًا واستفزازًا وتدخلاً في الشأن الفلسطيني، وفي الشأن العربي، وفي الشأن الإسلامي، وفي الشأن الدولي.. وأنهم يبتعدون كلما اقترب العرب والفلسطينيون.. ويرفضون عندما يوافق العرب والفلسطينيون.. ويهدمون كلما بنى العرب والفلسطينيون.. ويلطمون الخدود، ويشقون الجيوب كلما رأوا مقدسيًّا يعيش في بيته، ومع أهل حيه حياة هادئة هانئة كريمة.. وتفقد بحريتهم وطائراتهم الحربية صوابها عندما ترى زورقًا غزِّيًّا يتحرك في مياه غزة لصيد السمك، أو عاملاً غزِّيًّا يفتح أبواب ورشته ليصنع بابًا أو شباكًا أو محراثًا، أو فلاحًا خرج ليزرع حتى يأكل مما يزرع، أو مواطنًا ضاقت به الدنيا على رحبها، فلم يجد سوى هذا النفق فدخله خائفًا متوجسًا حتى إذا ما أتى بصيد ثمين يقدمه لأولاده الجياع الذين ينتظرون عودته بفارغ الصبر كان هو صيدًا "وأي صيد" لقذيفة تمزق جسده، وهو يخرج من باب ذلك النفق!!
   لقد بالغ الإسرائيليون في الاستخفاف بحياة الفلسطينيين، وبالغوا في التنكر للحقوق الوطنية الثابتة للفلسطينيين في بلادهم فلسطين، وبالغوا في التنكر لحق الفلسطينيين في العيش باحترام في بلادهم التي ورثوها عن آباء آباء أجدادهم، وبالغوا في قمع الفلسطينيين، وتجريدهم من ممتلكاتهم، والزج بهم في غياهب السجون والمعتقلات، ودفنهم في مقابر الأرقام، وفي مقابر الأحياء في النقب وغير النقب من أرض فلسطين، وبالغوا في إقصائهم عن أراضيهم وممتلكاتهم لإحلال مجلوبيهم من كافة الأقطار فيها، وبالغوا وهم يحولون هذا الشعب العربي الفلسطيني إلى مجموعات من اللاجئين والمهجرين الذين يملأون الرحب هنا في مخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة، وهناك في الجليل والمثلث والنقب، وهنالك في كل أقطار الجوار، وفي كل منافي هذا الشعب، وفي كل ديار تشرده وغربته واغترابه.. وكانت النتيجة أن ستة ملايين عربي فلسطيني يعيشون اليوم داخل فلسطين التاريخية، في الوقت الذي يعيش فيه مثل هذا العدد خارج هذه الديار، وكانت النتيجة أيضًا أن الإسرائيليين قد بالغوا في التنكر لحقوق الفلسطينيين جميعًا في العيش بكرامة على أرض آبائهم وأجدادهم، وكانت النتيجة مزيدًا من الإصرار الفلسطيني، ومزيدًا من الإصرار العربي، ومزيدًا من الإصرار الأممي على ضرورة أن يحصل الفلسطينيون على حقوقهم كاملةً في ظل سلام دائم عادل شامل مشرف لا غالب فيه ولا مغلوب، وفي ظل سلام عادل مقنع ترضى عنه الأجيال.. ولكن الإسرائيليين لم يدركوا معنى هذا، ولم يدركوا خطورة ما يقولون، وما يفعلون، ولم يدركوا أبعاد ممارساتهم، وتحدياتهم، واستفزازاتهم، وتدخلاتهم في الشأن الفلسطيني، وفي الشأن العربي، ولم يدركوا أن نتيجة ذلك كله ستكون وبالاً على الباغي، لأنه على الباغي تدور الدوائر كما يقول المثل العربي، وكما تقول الحكمة العربية التي لم يفهمها هؤلاء، فكانت النتيجة أنهم جروا على أنفسهم، وعلى غيرهم أيضًا ما لا تحمد عقباه، ومالا يرغب أحد في حدوثه، لولا كل هذا الظلم والإجحاف، ولولا كل هذا التنكر للحقوق الفلسطينية الثابتة للفلسطينيين، ولولا كل هذا التدخل في الشأن العربي الداخلي، ولولا كل هذا العبث بالمصالح العربية والقيم العربية في كل بلاد العرب، ولولا كل هذا الغرور الذي ملأ رؤوس هؤلاء الذين ظنوها الفرصة السانحة، وحسبوها الظروف الملائمة المواتية لحكم العرب، والتحكم بمصائرهم، وتقاسم هذا العالم العربي الإسلامي الكبير مع حلفائهم وأعوانهم، فكان ما كان، وما يكون، وما سيكون أيضًا من ردود الأفعال على كل أرض العرب.
   إن الإسرائيليين الذين أمضوا قرابة عشرين عامًا من المفاوضات العبثية مع الفلسطينيين دون أن تسفر تلك المفاوضات عن شيء سوى مزيد من الاستيطان، والمستوطنين، وتغيير معالم الأرض في كل يوم، وفرض الأمر الواقع الجديد في كل يوم، والتضييق على الفلسطينيين، وحصارهم، وتجويعهم، وتجفيف كل مصادر رزقهم، تمهيدًا لإقصائهم عن كل هذه الديار.. الإسرائيليون هؤلاء يقيمون الدنيا ولا يقعدونها اليوم لأن الفلسطينيين قرروا اللجوء إلى الأمم المتحدة للحصول على شيء من حقوقهم.. والإسرائيليون هؤلاء لا يريدون أن يعترف أحد بدولة، أو شبه دولة، أو ظل دولة للفلسطينيين  على أي جزء من أرض فلسطين، ولئن أمضوا عشرين عامًا في مفاوضاتهم العبثية فإن قائلهم يقول اليوم إن هذه المفاوضات ستستمر ستين عامًا بعد إعلان قيام دولة الفلسطينيين، ولم يقل قائلهم هذا إن هذه المفاوضات ستسفر عن شيء بعد السنوات الستين التي تحدث عنها!!..
   الإسرائيليون لا يريدون التنازل عن شبر من أرض بيت المقدس، ولا يريدون إخلاء مستوطنة واحدة من مستوطنيها، ولا يقبلون بوضع القرار (194) موضع التنفيذ، ولا يرغبون في رفع أيديهم عن مياه الضفة الغربية، وعن شيء من ثرواتها، وعن فضائها وسمائها، وعن معابرها ومخارجها، إنهم لا يريدون "التنازل" للفلسطينيين عن شيء من "يهودا والسامرا"، وهم لا يريدون أحدًا من الفلسطينيين في الجليل والمثلث والنقب.. ويريدون من السلطة الفلسطينية أن تعود إلى طاولة المفاوضات فقط لتوقع على كل مطالب الإسرائيليين هذه، وعلى كل طلباتهم، وربما على مطالب وطلبات أخرى لا نعلمها.. إنهم يبحثون للفلسطينيين عن وطن بديل، ويبحثون لهم عن دور فيه.. وهكذا يبقى الفلسطينيون، ومعهم كثير من العرب، مجرد أدوات في أيدي الإسرائيليين يحققون بها "على مراحل" كثيرًا من أهدافهم في فرض سيطرتهم على كل أرض العرب!! فهل يدرك الإسرائيليون خطورة ما يقولون، وخطورة ما يفعلون؟؟ وهل يدركون خطورة مثل هذه الأفكار عندما تستبد برؤوس أصحابها؟؟  وهل يدرك الإسرائيليون معاني الحراك الشعبي، ومعاني التظاهرات السلمية وغير السلمية، ومعاني الهبات الجماهيرية، والانتفاضات العفوية وغير العفوية في كل بلاد العرب؟؟ وهل يدركون معاني هذه الهجمات على سفارتهم في القاهرة، وعلى سفارتهم في عمان، وهي يدركون أسباب هذه الثورات العربية، وهل يفهمون أبعادها، وهل يدركون مدى انعكاساتها وآثارها عليهم وعلى الأنظمة التي أقامت هذه العلاقات معهم؟؟ وهل آن لهم أن يعلموا يقينًا أن الشعوب إذا هبت ستنتصر، وأنها صاحبة القرار على أرضها في نهاية المطاف مهما تفنن كل هؤلاء وأولئك في خداعها، وفي إغرائها، وفي تضليلها، وفي تهديدها، ومهما تفنن كل هؤلاء وأولاء وأولئك في تخويفها، وترويعها، والتنكيل بها، وفي إطلاق الرصاص على صدور أحرارها وحرائرها، ومهما تفننوا في خلط الأوراق، وفي خلط العام بالخاص، وفي اتباع كل أساليب الخداع والتزوير وركوب الأمواج؟؟ وهل يدرك كل هؤلاء، وكل أحبابهم وأعوانهم ومستشاريهم أن الجماهير قد تخدع مرة، ولكنها لن تخدع أكثر من مرة، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين؟؟.
وبعد،
    فقلد آن للإسرائيليين أن يدركوا أنّ للفلسطينيين حقوقًا ثابتة معروفة لا يتنازلون عنها في كل هذه الديار، ولقد آن للإسرائيليين أن يعملوا قبل غيرهم على إحقاق هذه الحقوق حتى يعيش الناس في هذه المنطقة من العالم بأمن وأمان وسلام، وحتى تعيش كافة الشعوب في هذه المنطقة من العالم بكرامة وأمن واحترام، وحتى تعيش كافة الأمم في غرب الدنيا وشرقها في وئام ومحبة وسلام واستقرار بعيدًا عن كل أسباب التوتر والحروب، وبعيدًا عن كل أسباب الظلم ومسبباته، لأن الظلم مرتعه وخيم.
20/9/2011
 
 

الأحد، ١٨ أيلول ٢٠١١

الأردن للأردنيين.. وللفِلَسطينيين وطنُهم!!

   نسخة معدلة
متابعات
الأردن للأردنيين.. وللفِلَسطينيين وطنُهم!!
أ‌.      عدنان السمان
    حتى لا يتبخر كثير مما يُكتب أو يُقال في الصيف ليصبح مثل ذكرى حزينة وطيف.. وحتى لا يختلط الحابل بالنابل، والنابل بالحابل، والقادم بالراحل، والراحل بالقادم، والآجل بالعاجل، والعاجل بالآجل..  وحتى لا يحدث كل هذا الغمّ والهمّ، وكل هذه الجَلَبَةِ والحركةِ والإرباك، فإنه لا بد هنا من وضع النقاط على الحروف، ولا بد هنا من قولها واضحة صريحة متمسكةً بالحقوق، متشبثةً بالثوابت، لا تخشى في الحق لومة لائم!! إنني هنا لا أنقد فردًا، أو مجموعة من الأفراد، أو مؤسسة، أو نظامًا متَّبعًا في مؤسسة.. ولا أنتقد حتى هذه النُّخب التي ألفَتْ نفسها في مواجهة مستمرة لا يمكن أن تتوقف، أو تهدأ مع كل صوت جادٍّ جريء يطالب (فيما يطالب به) بتحريرها مما هي فيه من تخبّط واضطراب ، ومما هي عليه من تشنّج وتوتّر، وتناجش، وما تؤول إليه حالها من تنابذٍ وتخاصمٍ وتدابرٍ واغترابٍ واحتراب.. نعم والله، إنني لا أنتقد هنا أحدًا، وإنما أطلقها زفرةً تعبّر عما في النفس من ألم مُمِضٍّ سببه ومصدره على حد قول الشاعر العربي: وظلم ذوي القربي...  نعم والله، إنه لأشدّ مضاضةً على النفس من وقع الحسام المهنّد، ومن الحكم على الأبرياء بالسجن المؤبّد، بل إنه لأشد مضاضةً على النفس من وقع القذائف المدمرة التي تحرق كل شيء بنيرانها، وتضع نهاية لكل شيء بأحقادها وسمومها وقدرتها على الإحراق والتقتيل والترويع والتدمير.
    وحتى لا يكون الأمر مثل صرخة في واد، وحتى نجنّب البلاد والعباد كل شرور أنفسنا، وكل سيئات أعمالنا، وكل أنواع الدسائس والمكائد والمؤامرات التي تحاك خيوطها هنا وهناك وهنالك بدهاء، ومقدرة على الانتقال من هذه المرحلة إلى تلك؛ فإن علينا جميعًا على كل أرض الوطن، وفي كل ديار الغربة والشتات واللجوء أن نعلن للدنيا كلها موقفنا الواضح الصريح من كل ما يُطرح من أفكار تحمل في أنيابها السم الزعاف لشعبنا العربي الفلسطيني، ولقضيته العادلة.. نعم إن علينا جميعًا أن نعلن رفضنا القاطع لفكرة الأوطان البديلة، ورفضنا القاطع لفكرة التوطين، ورفضنا القاطع لفكرة التعويض، ورفضنا القاطع لفكرة التنازل عن المواقف، والثوابت، والحقوق الوطنية، والتاريخية التي يعرفها الناس جميعًا في هذه الديار، وفي غير هذه الديار من ديار العروبة والإسلام، وفي هذا العالم أجمع.
    نعم.. علينا أن نرفض كل اقتراح من شأنه أن يزيد من متاعبنا، ومن معاناتنا، ومن ضياع حقوقنا الثابتة في بلادنا فلسطين، ومن ضرب علاقاتنا بالأشقاء في كل ديار العروبة، وفي أقطار الجوار منها على وجه التحديد... إن ما نسمعه من أن الأردن هو وطن الفلسطينيين ، وأنه هو الدولة الفلسطينية التي من الممكن أن تقام إلى جانب الدولة العبرية هو كلام لا يبغي قائلوه منه سوى الفتنة، وجرّ كل أهل هذه الديار إلى معارك جانبية لا تفيد إلا أصحاب هذه الأفكار الغريبة الشاذة التي لن تخرج بأي حال من الأحوال إلى حيز التنفيذ… إن هذه الأفكار الغريبة يجب أن تُرفَض جهارًا نهارًا وعلى رؤوس الأشهاد، ومن كل الفئات والجهات والمستويات في هذا الوطن، ومن أمة العرب في كل أقطارها، ومن جامعة العرب ممثلة بأمينها العام، ووزراء خارجيتها، ومن لجنة المتابعة العربية أيضًا، وعلى لسان قادة هذه الأمة الذين آن لهم أن يقولوها بكل صراحة وجلاء ووضوح إن للفلسطينيين وطنهم، أما الأردن فهو للأردنيين، وهو أيضًا لكل العرب، شأنه في ذلك شأن سائر أقطار العروبة.. إننا نرفض أن يكون الأردن دولة للفلسطينيين، ونرفض أن نحمل الجنسية الأردنية إلا بمقدار ما يساعدنا ذلك على تحقيق أهدافنا وتطلعاتنا الوطنية والقومية، ويخدم قضايانا، وأهدافنا في التحرير، والتحرر، وتقرير المصير، وبناء دولة الوحدة العربية الكبرى على كل أرض العرب…
    الأردن للأردنيين.. والفلسطينيون فيه أشقاء يقيمون على أرضه بين أشقائهم، لا فرق بينهم في الحقوق والواجبات، يتعاونون على إعماره وبنائه ويتعاونون على حمايته من أي عدوان، ويتعاونون جميعًا على المحافظة عليه بلدًا عربيًّا إسلاميًّا مثل غيره من كل أقطار العروبة، وفي كل ديار الإسلام… أما أن يكون وطنًا بديلاً، فأمر مرفوض فلسطينيًّا، وأردنيًّا، وعربيًّا، وإسلاميًّا، ودوليًّا،.. إنه دعوة لفتنة سيقضي عليها الشعبان في مهدها، كما قضى هذان الشعبان على كثيرٍ من الفتن، وعلى كثيرٍ من المؤامرات مذ كانت هذه القضية الفلسطينية، وحتى يومنا هذا.
    ومما لا شك فيه أن للفلسطينيين  وطنهم الذي يعيش فيه نصفهم، وسيعود إليه نصفهم الذي يعيش في ديار الاغتراب واللجوء منذ عام النكبة الأولى، ومنذ عام النكبة الثانية أيضًا… وما من شكٍّ في أن الفلسطينيين جميعًا تواقون للسلام العادل الدائم الشريف المتكافئ الذي يعيد الحقوق إلى أصحابها، والذي لا غالب فيه ولا مغلوب.. وقد بات معروفًا لدى المحافل الدولية أن الفلسطينيين يطالبون بدولة ضمن حدود الرابع من حزيران تكون قابلة للحياة، وذات تواصل جغرافي، خالية من المستوطنات والمستوطنين، عربية حرة ذات سيادة تبلغ مساحتها الإجمالية ستة آلاف ومئتين وسبعة وخمسين (6257) كيلومترًا مربعًا، حيث أن مساحة الضفة الغربية تبلغ خمسة آلاف وثمانمائة وتسعة وسبعين (5879) كيلومترًا مربعًا، وتبلغ مساحة قطاع غزة ثلاثمائة وثمانية وسبعين (378) كيلومترًا مربعًا.
    إن هذه الدولة الفلسطينية التي يطالب بها الفلسطينيون على علاتها، وعلى الرغم من أنها لا تلبي طموحات الفلسطينيين، ولا تحقق أهدافهم، ولا تحق كثيرًا من حقوقهم إلا أنها تصطدم بالممارسات الإسرائيلية، وبالنوايا الإسرائيلية التي تريد أن تجرّدها من كل مضامينها ومعانيها بالإبقاء عليها جيوبًا ومعازل ضمن الدولة العبرية القائمة على أرض الواقع من البحر إلى النهر… الإسرائيليون لا يريدون الانسحاب من القدس، ولا يريدون الانسحاب من الضفة الغربية، ولا يريدون رفع الحصار عن غزة، ولا يريدون إخلاء المستوطنات القائمة في الضفة الغربية، بل على العكس من ذلك، فإنهم يوسعون هذه المستوطنات كل يوم، ويضمون إليها أجزاء من أرض الضفة الغربية والقدس في كل يوم، فإذا قال لهم قائل: إن ما تفعلونه مخالف للقوانين الدولية قالوا: إنها أرضهم يفعلون بها ما يشاءون!!
    إن الإسرائيليين يرفضون عودة اللاجئين والمهجَّرين الفلسطينيين أيضًا، ويرفضون رفع أيديهم وأرجلهم عن مصادر الطاقة، والمياه الجوفية، والثروة المعدنية، والفضاء، والمعابر، والحدود… وباختصار فإن الإسرائيليين يريدون كل أرض فلسطين التاريخية البالغة مساحتها سبعة وعشرين ألفًا وتسعة (27009) من الكيلومترات المربعة، ويريدون (السلام) مع الفلسطينيين، ومع العرب، ومع المسلمين… فكيف كان ذلك؟؟
      وبعد،
   فإن الأردن للأردنيين، كما أن سوريا للسوريين، والعراق للعراقيين، ومصر للمصريين.. كل ذلك في إطار وطن عربي واحد موحد يعيش فيه أبناء الأمة العربية الواحدة من المحيط إلى الخليج، ويقيمون عليه مشروعهم، ويبنون دولتهم الكبرى التي تضمن الأمن والأمان والكرامة لكل العرب في سائر أقطارهم وأمصارهم، بما في ذلك القطر العربي الفلسطيني، وطن الفلسطينيين منذ فجر التاريخ، وإلى قيام الساعة.
18/9/2011
 

الخميس، ١٥ أيلول ٢٠١١

أوقفوا كل هذه المجازر يا عرب

متابعات
في ذكرى مجازر صبرا:
أوقفوا كل هذه المجازر يا عرب
         أ. عدنان السمان
   في مصر والسودان واليمن وتونس وليبيا والعراق وسوريا والبحرين، وفي كثير من ديار العروبة والإسلام حروبٌ ومعاركُ وصراعاتٌ وخلافاتٌ تخبو نيرانها حينًا، وتشتعل أحيانًا لتحرق الأخضر واليابس، ولتحترق معها قلوب المواطنين العرب من المحيط إلى الخليج، ولتحترق معها آمالهم وتطلعاتهم وأحلامهم وأمانيُّهم وطموحاتهم في الوحدة والحرية والاستقلال والتقدم والنهوض واللحاق بركب الأمم المتحضرة المتطورة في هذا العالم.. كثيرة هي الدماء التي تُسفك في هذا العالم العربي دون وجه حق.. وكثيرة هي الدموع التي تذرفها بسخاء وغزارة عيون الصغار، وعيون الكبار، وعيون الأطفال، وعيون الشيوخ، وعيون الرجال في هذا الوطن العربي الكبير.. وقاتلٌ هذا الألم الممض الذي يعتصر قلوب أحرار العرب، وقلوب حرائرهم من أقصى بلاد العروبة إلى أقصاها.. ومدمرٌ هذا اليأس الذي يعصف بقلوب كثير من أبناء العروبة في كل أقطارهم وأمصارهم، ويُطيح بأحلامهم وآمالهم في العيش الحر الآمن الكريم المستقر المستقل العزيز فوق كل أرض العرب.. فإلى متى يستمر كل هذا العدوان على كل أرض العرب؟ وإلى متى يستمر كل أولئك الأعداء في نهب ثروات العرب، وفي فرض الخلافات والوصايات على شعوب هذه الأمة؟ وإلى متى يبقى كثير من الحكام العرب، والمفكرين العرب، والإعلاميين العرب، والمثقفين العرب، والأكاديميين العرب، والسياسيين العرب، وكثير من المسئولين العرب على اختلاف مستوياتهم ومواقعهم أدواتٍ في يد هذا الغرب، وأدوات في يد أعداء هذه الأمة، وأدوات في أيدي خصومها الطامعين فيها، المجترئين عليها، الوالغين في دماء أبنائها؟؟ وإلى متى ستبقى أقليات دينية وقومية وعرقية كثيرة في هذا الوطن العربي مقموعة مهملة مهمشة مجردة من كثير من حقوقها؟؟ وإلى متى ستبقى هذه الطبقية البغيضة، والعنصرية الكريهة، والإقليمية، والفئوية، والطائفية، والمذهبية، وكل هذا الإقطاع بشتى أشكاله وصوره هي سيدة الموقف في بلاد العرب؟؟ وإلى متى ستبقى هذه الأنظمة الحاكمة في كثير من بلاد العرب قمعية استبدادية شللية فئوية قبلية تضطهد الإنسان، وتحرمه من كثير من حقوقه الطبيعية التي نصت عليها كافة الشرائع والتشريعات، وضمنتها كافة المواثيق الدولية ومبادئ حقوق الإنسان، وأنظمة جمعيات الرفق بالحيوان؟؟ وإلى متى ستبقى هذه الأمة ممزقة مجزأة تغذ الخطى نحو مزيد من التمزق والتجزئة والانقسام كأنْ لم تكن في يوم من الأيام أمة واحدة! وكأنْ لم تكن في يوم من الأيام بلادًا واحدة! وكأنْ لم تكن في يوم من الأيام أوطانًا كثيرة للمواطن العربي، بل وطنًا واحدًا موحدًا لكل المواطنين العرب في بلاد الشام والعراق والحجاز ونجد وسائر أقطار شبه الجزيرة العربية، وفي مصر والسودان وسائر أقطار شمال إفريقيا!! وإلى متى ستبقى هذه الأمة على هذه الحال من التخلف والخيبة والفشل والضَّياع وهي تمتلك من الوسائل والإمكانات ما يضمن لها أن تكون أمة عظيمة عزيزة متطورة مرهوبة الجانب قوية لها مكانتها، ولها احترامها بين أمم هذا العالم؟؟
   ولئن بذل الفلسطينيون من دمائهم ما بذلوا منذ مطلع القرن الماضي، ولئن بذلوا من دمائهم ما بذلوا في عام النكبة، وفي ما تلا ذلك العام من أعوام، ولئن تعرضوا منذ عام النكبة لكثير من المجازر لم تكن آخرها مجازر صبرا وشاتيلا التي نعيش ذكراها الأليمة في هذه الأيام.. لئن ذاق الفلسطينيون هذا كله، ولا زالوا يذوقون، فإن كثيرًا من العرب أيضًا ذاقوا على أرض فلسطين ما ذاقه الفلسطينيون، ولا زالوا يذوقون في أوطانهم ما يذوقون، ويعانون ما يعانون... فلماذا يحصل هذا كله؟ ولماذا تعصف ببلاد العرب الكوارث والمصائب والنكبات، ولماذا تحصد هذه المجازر في كثير من بلاد العرب في كل يومٍ كثيرًا من الأرواح، ولماذا تسقط كل هذه الضحايا في بلاد العرب في كل يوم؟؟
   أما آن لكل هذه المجازر أن تتوقف؟ أما آن لهذه الأمة العربية أن تنهض من غفلتها؟ أما آن لها أن تستفيق من سباتها، وأن تصحو من هذا الليل الطويل الذي ضرب على سمعها وبصرها؟ أما آن لهذه الأمة أن توقف كل هذه المجازر التي تحصد كل هذه الأرواح في كل يوم على كل أرض العرب؟ أما آن للحكام العرب أن يفعلوا شيئًا مما يفرضه عليهم شرف الانتماء لهذه الأمة العربية الماجدة؟ أما آن لهم أن يعملوا جاهدين من أجل نهضة هذه الأمة ومن أجل تحررها، ومن أجل وحدتها، ومن أجل نهضتها؟ ألا يرون ما نرى؟ ألا يسمعون ما نسمع؟ ألا يرون كيف تعيش الأمم التي تحترم نفسها من حولهم؟ ألا يعرفون ما ينطوي عليه هذا الوطن العربي الكبير من مزايا وإمكانات وقدرات وطاقات مادية وبشرية ومعنوية كفيلة أن ترتفع به إلى مصاف القوى العظمى المؤثرة الفاعلة في التاريخ؟ كيف يرضون لأنفسهم ولشعوبهم ولأمتهم العربية العظيمة هذا الواقع المؤلم في الوقت الذي يستطيعون فيه أن يكونوا سادة الدنيا لو أرادوا؟؟
   أوقفوا كل هذه المجازر على أرضكم يا عرب.. اعملوا من أجل حرية أوطانكم وخلاصها من التبعية للغزاة المعتدين.. شكّلوا مجالس الأمناء، واللجان الشعبية التي تضم في عضويتها لجان الفلاحين، ولجان الطلبة، ولجان العمال، والأكاديميين، والفنانين، والمربين، والمحامين، والأطباء، والصيادلة، والمهندسين، والمثقفين، والكتاب، والإعلاميين، وكل الأحرار الشرفاء من أبناء هذه الأمة وبناتها.. تقدموا بمطالبكم، ارفعوا صوتكم، حركوا جماهيركم، حرضوها على العمل، وعلى بناء الأوطان، علموها كيف تحترم نفسها، وكيف تحترم ثقافتها، وتاريخها، وفكرها، علموها كيف تحترم مقومات شخصيتها، وكل مكوناتها، ومورثاتها، وموروثاتها.. علموا جماهيركم كيف تبني أوطانها، وكيف تصون حريتها، وكيف تبني دولة العرب على كل أرض العرب..
   يا جماهير هذه الأمة العربية، ويا كل أحرارها وحرائرها: بإمكانكم أن تكيلوا الصاع صاعين لكل معتد متغطرسٍ حاقدٍ طامعٍ في أوطانكم، وفي إذلال إنسانكم.. بإمكانكم أن تعيشوا سادة كرامًا على أرضكم إن أردتم، فلماذا لا تفعلون؟ إنها الخطوة الأولى في هذا الاتجاه تخطونها ثم تتبعها الخطى تلقائيًّا نحو الهدف المنشود، فلماذا لاتغذون الخطى نحو أهدافكم؟ ولماذا لا تعملون من أجل خير أوطانكم، وسلامة بنيانكم، وعزة إنسانكم ما دمتم قادرين على ذلك؟؟ يا كل الجماهير العربية على كل أرض العرب.. مزيدًا من العمل.. مزيدًا من الإصرار على تحرير أوطانكم وبنائها، ومزيدًا من البذل والعطاء والجرأة في قول الحق، ومزيدًا من التضحية والفداء، فبالهمة والعزيمة تتحرر الشعوب، وتسمو الأمم، وتتحقق الأهداف.. والله معكم.
15/9/2011

السبت، ١٠ أيلول ٢٠١١

في مطلعِ عامٍ دراسٍّي جديد!!

متابعات
في مطلعِ عامٍ دراسٍّي جديد!!
(من حقّ طلبةِ هذا الوطنِ أن يتعلموا)
أ.عدنان السمان
www.samman.co.nr
  في نيوجيرسي يشجعون الطلبة على الانتظام في الدراسة، ويخصصون مبالغ مالية تشجيعية للمنضبطين المواظبين على الدوام.. وفي الأردن يعفون طلبة المدارس من دفع الرسوم والإعانات المدرسية.. وفي سوريا لا يكاد الطلبة في كافة مراحل التعليم ومستوياته يدفعون شيئًا مقابل الدراسة، والحصول على أعلى الدرجات العلمية.. وفي كثير من بلدان هذا العالم تقدم التسهيلات لقطاع الطلبة لأنهم – كما يقولون – درع الأمة، وسياجها، وحصنها الحصين، ولأن العلم كالماء والهواء من حق الناس جميعًا كما كان يقول وزير المعارف في مصر، عميد الأدب العربي، أبو الجامعات المصرية، قاهر الظلام، المرحوم الدكتور طه حسين.
   أما نحن في هذه الديار التي ما زالت تحت احتلال استيطاني منذ عقود وعقود فقد أحسنّا التفنن في إيذاء هذه الشريحة التي ما كان كل ذنبها إلا أنها ولدت في هذا الزمان، وكتب عليها أن تطلب العلم في هذا الزمان.. وإذا كان الناس الذين يعيشون تحت الاحتلال معفَون من دفع الضرائب بموجب القوانين والأعراف الدولية، فإن الناس في هذه الأراضي المحتلة يدفعون ضرائب مضاعفة، ويطلب منهم أن يقدموا ما لا تقدمه شعوب تعيش مستويات اقتصادية متطورة، ويحقق متوسط دخل الفرد فيها أرقامًا خيالية أو شبه خيالية!! ليس هذا فحسب، بل إن هؤلاء الناس الذين تعيش غالبيتهم العظمى دون دخل، ودون عمل، ودون أرض زراعية، ودون صناعة، أو زراعة، أو تجارة إلا ما ندر، وتعيش هذه الغالبية العظمى على رواتب ومرتبات لا تكاد في متوسطها تسد الرمق.. هؤلاء الناس الذين يعيشون هذه الحياة القلقة التعسة البائسة يطلب منهم أن يعلموا أولادهم وبناتهم، وأن يوفروا لهم الملابس المدرسية وغير المدرسية، والقرطاسية، وأن يدفعوا الأقساط المدرسية، والأقساط الجامعية التي لا يستطيع دفعها إلا كل مقتدر عليها!! ولا سيّما بعد أن تضاعفت هذه الأقساط لأن من يعنيهم الأمر يريدون ذلك!! وبعد أن طلع علينا من يعنيهم الأمر هؤلاء بحكاية الدراسة الخاصة وبحكاية فتح أبواب الجامعة أمام كل من يملك المال والمنصب، وأمام كل من يدفع القسط الجامعي مهما بلغت قيمته!!
   طلبة هذه الديار في كافة مراحل الدراسة يستقبلون هذا العالم الدراسي يائسين بائسين محبطين بعد أن كان ذووهم وأولياء أمورهم قد عاشوا -بدون دخل يذكر أو لا يذكر- غلاءً غير مسبوق، وواجبات كثيرة في شعبان، وفي رمضان، وفي أيام عيد الفطر الذي لم يتمكن فيه كثير من الناس من زيارة أقاربهم، وصلة أرحامهم، وبعد أن أصبحوا الآن وجهًا لوجه أمام عام دراسي جديد يترتب فيه عليهم أن يقوموا بواجبهم تجاه أبنائهم وبناتهم، ويترتب فيه عليهم أن يدفعوا الرسوم والإعانات المدرسية، وأن يشتروا لأبنائهم وبناتهم ما لا بد من شرائه في هذا العام الدراسي الجديد!!
    إن الغالبية العظمى من طلبة المدارس في هذه الديار لن تتمكن من دفع الرسوم المدرسية إلا بعد أن يحصل أولياء أمورهم على رواتبهم التي نرجو أن يحصلوا عليها ليسددوا جوانب لا بد من تسديدها، وليقوموا بواجبات لا بد من القيام بها.. ولئن كان الطلبة في كثير من الأقطار والأمصار فرحين هانئين سعداء بما حققوه ويحققونه في مطلع هذا العام الدراسي فإن طلبتنا في هذه الديار يستقبلون هذا العام الدراسي والأسى يعتصر قلوبهم، وتنعكس آثاره على وجوههم، لأن طلبة المدارس منهم قد شُغلوا عن فرحة استقبال عامهم الجديد بما يفرضه عليهم وعلى أولياء أمورهم بؤس الحياة، ونكد العيش، وضيق ما في اليد، ولأن طلبة الجامعات منهم قلقون متوترون فزعون لهذا الذي يدور حولهم، ولأن كثيرًا منهم لم يتمكنوا من مواصلة دراستهم، في الوقت الذي لم يتمكن فيه كثيرٌ من خريجي الثانوية العامة من الالتحاق بهذه الجامعات، لا لنقص في العلامات والمعدلات، وإنما بسبب ارتفاع الأقساط، وبسبب فتح أبواب هذه الجامعات أمام من يملكون المال والقرار في أغلب الأحوال!!
   إن لطلبتنا علينا حقوقًا ينبغي أن تؤدى، ولعل على رأس هذه الحقوق حقهم المطلق في أن يتعلموا، وحقهم المطلق في أن يعيشوا باحترام، وحقهم المطلق في أن يواصلوا دراستهم في كل مراحل التعليم، وحقهم المطلق في أن يتلقَوا العلم على أيدي معلمين ومعلمات من ذوي الكفاءات، ومن ذوي الإيمان الشديد بحق هؤلاء الأبناء في أن يتعلموا، وفي حق هذا الوطن الغالي في أن ينهض ويتطور، وفي أن يستقل ويستقر.. ولعل على رأس هذه الحقوق أيضًا حق الطلبة المقدس في مواصلة الدراسة الجامعية بغض النظر عن الحالة المادية والاجتماعية لأولياء أمورهم، وبغض النظر عن كل هذه العوامل التي يتخذ منها كثير ممن يعنيهم الأمر وسيلة لوسم هذا المجتمع بأسوأ أنواع الطبقية البغيضة، ووسيلة لتقويض أركانه، وهدم بنيانه، والقضاء على عروبته وإسلامه وإنسانه.. ثم إن من حق خريجي الجامعات علينا أن نوفر لهم الأعمال والمواقع التي يمارسون من خلالها اختصاصاتهم، فإن لم نجد، فليس أقل من صرف المخصصات التي تكفل لهم حياة كريمة يحظَون من خلالها باحترام الناس، وتحظى الشهادات التي يحملونها باحترام هذا المجتمع الدَّولي الذي ينتمون إليه، فيعمل في الحال على إنصافهم، ويعمل في الحال على الأخذ بأيديهم نحو مواصلة دراساتهم العليا، فهم جزء منه لا يتجزأ، ومن العار أن يتنكر لهم هذا المجتمع الدولي الإنساني، في الوقت الذي يزعم فيه أنه يبحث عن الوسائل التي يستطيع من خلالها تقديم خدماته للشعوب المقموعة المغلوبة على أمرها.
10/9/2011

الخميس، ٨ أيلول ٢٠١١

بأي حقٍّ يتحكم هؤلاء وأولئك بهذه المطبوعة أو تلك؟؟

متابعات
بأي حقٍّ يتحكم هؤلاء وأولئك بهذه المطبوعة أو تلك؟؟
أ.عدنان السمان
www.samman.co.nr
   قانون المطبوعات، وكل قوانين العدل والعدالة والمساواة بين الناس، وكل قوانين الأخلاق من عهود الإغريق والرومان والعرب، وكل الشرائع والتشريعات السماوية والوضعية في شرق الدنيا وغربها، وكل المنصفين الطيبين من الكرام الذين يحترمون أنفسهم، ويحترمون غيرهم من الناس.. كل هذه وتلك، وكل هؤلاء وأولئك، وكثير غيرهم من المؤمنين بحق الإنسان في الحياة، وبحقه في القول والتفكير والتعبير قد قالوا كلمتهم في هذا الموضوع الذي يؤرق كثيرًا من الناس، ويفسد عليهم حياتهم، ويسبب لهم كثيرًا من الآلام والمتاعب في كثيرٍ من بلدان هذا العالم، وفي كثيرٍ من أقطاره وأمصاره، ولا سيّما تلك التي تتحكم بوسائل الإعلام فيها مجموعاتٌ وجماعاتٌ وجهاتٌ وتوجهاتٌ ومستوياتٌ وعشائرُ وقبائلُ ونخبٌ وزعاماتٌ وقياداتٌ ومدارسُ وضعت يدها ذات يومٍ - بهذه الطريقة أو تلك، وبهذا الشكل أو ذاك- على حياة الناس العامة والخاصة، وتعهدت بتسيير حياتهم اليومية، وحل خصوماتهم ومنازعاتهم، وكافة قضاياهم المصيرية وغير المصيرية ضمن خطط موضوعةٍ، واتفاقات وتفاهمات مكتوبةٍ وغير مكتوبة، فكان من الطبيعي أن تواكب مسيرتَها هذه مسيرةٌ إعلامية تفلسف الأمور كما تريد، وتشرح الأحوال والأوضاع والتطورات كما تشاء، وتحلّل، وتحرّم، وتبيح، وتمنع كما تشاء، وكما يشاء لها الهوى، وكما يشاء لها التراجع، والتقهقر، وتوالي الصدمات والهزّات والانهيارات، وما تسفر عنه رغبات الطرف الآخر وألاعيبه ومناوراته ومراوغاته وتقلباته وممارساته على الأرض، وما تقتضيه الفوارق والخلافات بين النظرية والتطبيق، هذه الخلافات التي كانت ذات يومٍ سببًا - وأيّ سبب- في تعثّر مسيرة أقطارٍ كبيرةٍ كانت مرشحةً للقيام بدور كبير حاسمٍ في حياة هذا العالم العربي المنكوب بأسوأ أنواع التخلف والتمزق والحروب منذ ما يزيد على قرن كامل من الزمان، وتجنيبه كل هذه الآثار المدمرة التي تعصف به اليوم، وتقضّ مضاجع مواطنيه في كل ديارهم وأقطارهم، وكانت سببًا- وأي سبب- في استمرار حالة النكوص والتراجع، وفي استمرار حالة الانشقاق والانقسام والتردي الذي يعصف بهذا العالم العربي من المحيط إلى الخليج!!
   الإعلام وسيلة تثقيف  وتهذيب وتعليم وتنوير، والإعلام كلمة نظيفة شجاعة صادقة أمينة، والإعلام مقاومة، وممانعة وحشد وبناء وتوعية وسير بالعاملين من الناس إلى الأهداف النبيلة والغايات الكبيرة التي ترسمها النفوس الكبيرة لتتعب في تحقيقها الأجسام، والإعلام قبل ذلك كله، وبعد ذلك كله، وفوق ذلك كله رسالةٌ تسمو إلى قدسية الرسالات، ويرتفع الإعلاميون بها ومن خلالها إلى مراتب الصديقين والقديسين والمرسلين والأنبياء، ومعنى هذا أن الإعلامي الذي يلتف على أهداف أمته وغاياتها لن يكون من هذه المستويات والمراتب، ولن يكون من ورثة الأنبياء، والمرسلين والمصلحين، ولن يكون من أبناء هذه الأمة الذين يهمهم همها، ويعنيهم أمرها، ولن يكون من رموزها، ومن هداتها، ومن قادتها، وممن يستحق بالتالي أن يأكل من خيرها، وأن يشرب من مائها، وأن يلبس مما تنسج أيدي أبنائها وبناتها، وأن يعيش باحترام بين أحرارها وحرائرها، وأشبالها وزهراتها.. إن من يناصب أمته العداء، وإن من يتشيع لأعدائها، وينتصر للمتآمرين عليها الطامعين فيها الوالغين في دمائها لن يكون إلا من ألّذ أعدائها، وإن أعجبك قوله، وإن أشهد الله أيضًا على ما في قلبه، وهو ألد الخصام.
   عجبت لأولئك الإعلاميين، ولأولئك المثقفين، والمفكرين، والأكاديميين، والسياسيين الذين يشكلون كل هذه التحالفات فيما بينهم، لا ليواجهوا عدوانًا أو ليصدوا معتديًا، أو ليردوا على ادعاءات مدعٍ، وافتراءات مفترٍ، ومزاعم زاعم آثم، وإنما لتقاسم المغانم، واحتلال المواقع والمناصب، والسطو على المؤسسات، ونهب الأموال العامة والخاصة، ووضع اليد على مقدرات الناس، وأكل حقوقهم المادية والأدبية ما ظهر منها وما بطن، وما كان قادمًا من خلف البحار، ومن رحم الغيب، لأن هذا التحالف أولى بهذه النعم! ولأنه أقدر على التصرف بها! وأقدر على صنع النخب والهياكل والأجسام والعناوين! وأقدر على قيادة المسيرة! وأقدر على تمثيل الناس بالقدْر الأقصى من التوازن والاتزان، وبالحد الأقصى من ضبط النفس والتحلل من الماضي الذي كان، ولأن هذا التحالف هو وحده القادر على حل مشكلات هذه المنطقة من العالم حلاًّ يطمئن له الغرب بشقيه، وتطمئن له سائر النخب والجماعات والتجمعات والمشارب والمذاهب والتيارات والفلسفات المتناغمة مع الغرب، الآكلة من زاده، الضاربه بسيفه بعد أن اغتذت ثقافته، وآمنت بنظراته ونظرياته في الكون والحياة، وأيقنت أن الرأسمالية هي الحل، وأن الديمقراطية الكاذبة المزورة المزعومة التي يأتي بها الدولار عن طريق صندوق الانتخاب هي الحل، فإن أتى هذا الصندوق بغير ذلك كان لا بد من إلغاء النتائج، والتنكيل بالفائزين، لأن الرياح جرت بغير ما تشتهي سفن الغرب!!
   عجبت لكل أولئك الذين تنكروا لأممهم وشعوبهم، وتنكروا لكل قضاياهم المصيرية العادلة، وتنكروا لثقافتهم ومعتقداتهم وقيمهم وتاريخهم ومقدساتهم وعاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم وطموحات أمتهم وأهدافها وغاياتها في العزة والكرامة والرفعة والتحرر من التبعية للغرب الذي يسوم هذه الأمة سوء العذاب منذ عقود وعقود.. عجبت لهم وهم يتحالفون مع هذا الغرب، ودول هذا الغرب، وخطط هذا الغرب في وضع اليد على ثروات هذه الأمة، وإذلال إنسانها، والتحكم به.. عجبت لهم وهم يخدعون أنفسهم، ويخدعون غيرهم، بفضائيةٍ تزين لهم سوء أفعالهم وأقوالهم وتوجهاتهم، وتروج لأكاذيبهم وأهدافهم الخبيثة في إقامة المشاريع الغربية العدوانية على كل أرض العرب، وعلى كل أراضي المسلمين.. عجبت لهم وهم يخدعون أنفسهم، ويخدعون غيرهم بمطبوعةٍ كانت حتى عهدٍ قريب مفخرة من مفاخر هذا الشعب، وقد أصبحت الآن منبرًا لأعدى أعداء هذا الشعب، ومنبرًا لأعدى أعداء هذه الأمة، فيا لَلعار.. يالَلعار!!
   بأي حق يتحكم هؤلاء وأولئك بهذه المطبوعة أو تلك؟ وبأي حق يتقاسمها المتقاسمون فيما بينهم؟ وبأي حق يقصون ويحلون كما يشاءون، وكما تشاء لهم تبعيتهم لهذا الغرب بشقيه، وتبعيتهم لكل أعداء هذا الوطن!! بأي حق يزورون ويكذبون ويشوهون صورة الإنسان العربي، وصورة الواقع العربي، وصورة الفكر العربي، وصورة التاريخ العربي في مصر، وفي المغرب العربي، وفي شمال افريقيا، وفي سوريا، وفي لبنان، وفي فلسطين، وفي البحرين؟ بأي حق يرفضون كل الرفض أن يقولوا كلمة حق، أو يسمحوا لغيرهم من أبناء هذه الأمة بقول كلمة حق حول كل ما يجري على أرض مصر العربية، وعلى أرض تونس العربية، وعلى أرض سوريا العربية، وفي شمال العراق العربي، وجنوب السودان العربي، وأرض قطر العربية؟ أين العروبة في كل ما يكتبون، وفي كل ما يقولون،وفي كل ما يفعلون؟ أين العروبة، أين الصدق، أين الانتماء، أين الحقيقة في هذا العدوان الصارخ على قلاع المقاومة والممانعة وشرف الانتماء إلى العروبة في كل هذه الديار؟؟
   أصحيح أن نظامًا عربيًّا يفعل كل هذا الذي تدعيه تلك الفضائيات، وتردده تلك المطبوعات لتتسابق الأقلام في طرحه على صفحات الرأي في تلك المطبوعات، وكل شيء بحسابه!! ولماذا يصر كل هؤلاء على إغماض عيونهم عن كل ما يتعرض له ذلك البلد، ومؤسسات ذلك البلد، ومواطنو ذلك البلد من ألوان العدوان والتخريب والترويع والقتل الذي تمارسه فئات مجلوبة وغير مجلوبة حركتها الأهواء والمطامع والتحالفات والغايات والسياسات المرسومة التي تصر على أن تضع نهاية لكل ما هو عربي، ولكل ما هو مقاوم وممانع على أرض هذا الوطن الذي لا عروبة بدونه، ولا إسلام بدونه، ولا كرامة بدونه، ولا عزة إلا من خلال فكره العربي العروبي وتاريخه العربي الإسلامي، وثقافته ومواقفه من كل قضايا العروبة والإسلام.. أم صحيح أن بلدًا عربيًّا يفتح مدارسه وجامعاته أمام كل مواطنيه، وأمام كل المواطنين العرب كي يتعلموا، وكي يحصلوا على أعلى الشهادات والدرجات العلمية، ويفتح مشافيه ومؤسساته الطبية أمام مواطنيه، وأمام كل المواطنين العرب، ويوفر لكل هؤلاء وأولئك كل وسائل العلاج حتى زراعة الأعضاء دون مقابل، ويوفر من الخدمات لكل الناس على أرضه ما لا توفره كثير من البلدان المقتدرة، ثم يأتي من يتمرد على هذا البلد وأنظمة هذا البلد، وتوجهات هذا البلد، ويتهمه بالتقصير، وبما لا يسمح المقام بقوله وترديده، ثم يأتي من يمجد هذا التمرد ويدعمه ويؤازره ويغذيه ويشد أزره ويشد على يده، ويروج له، ويمده بالمال والسلاح والرجال وأشباه الرجال، ثم يأتي من يطلب من الناس في كل ديار العروبة أن يصدقوا مزاعمه في كل ما يقول، وفي كل ما يزعم، من أن هذا البلد هو الذي يعتدي على أبنائه وهو الذي ينكل بهم، ويمارس القمع بحقهم، أيريد هؤلاء وأولئك أن يصدقهم الناس، وهم يرون بأعينهم الحقيقة على أرض ذلك البلد؟ كيف يحاول هؤلاء وأولئك قلب الحقائق وهي ظاهرة للعيان، واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار؟
   لقد كان حريًّا بتلك التحالفات، وبتلك الزمر، وبتلك النخب، وبتلك الفضائيات، والمطبوعات التي هبت فجأة وبدون مقدمات لتمارس أبشع صور الحرب على ذلك البلد، وعلى غيره من بلدان العروبة، كان حريًّا بها أن تقف إلى جانب المواطن العربي في كل ديار العروبة، كان حريًّا بها أن تدافع عن حقوق هذا المواطن في دخول المدارس والجامعات دون تمييز ودون قيد أو شرط، ودون أقساط تعجيزية، ما أنزل الله بها من سلطان!! كان حريًّا بها أن تدافع عن حق هذا المواطن في العلاج، وزراعة الأعضاء, والعمل، والضمان الاجتماعي، وسلسلة التأمينات والضمانات، وفي كافة الخدمات في كثير من ديار العروبة، لا أن تهاجم بلدًا يوفر لكل مواطنيه وغير مواطنيه من أبناء العروبة وعلى رأسهم أبناء فلسطين كل هذه الخدمات وغيرها مجانًا ودون مقابل.. لقد آن لتلك الزمر أن تعلم أن هذا البلد الذي تهاجمه يكاد يكون البلد العربي الوحيد الذي يحافظ على ميثاق العروبة، وقيم العروبة، وثوابتها، وأهدافها وغاياتها، ويكاد يكون الوحيد الذي يزرع الأرض ويطور الصناعة، ويؤثر في السياسة العربية والدولية كل هذا التأثير الذي أثار حفيظة أعدائه، فقرروا الانتقام منه بهذه الوسائل التي يربأ الشرفاء المنصفون من الناس بأنفسهم عنها.
   وبعد،
 فإلى كل من يقفون خلف هذا التجييش الإعلامي المعادي من مثقفين وإعلاميين وكتاب وسياسيين أقول: كونوا أكثر دقة في كل ما تقولون وتكتبون، وكونوا أكثر إنصافًا وسعيًا وراء الحقيقة وأنتم تخاطبون الناس في هذه الديار وغير هذه الديار، وكونوا أكثر احترامًا لأنفسكم ولعقول الناس وأنتم تخاطبونهم، وتكتبون إليهم، وكونوا أكثر إيمانًا بأنفسكم لتكونوا أكثر إيمانًا بغيركم، فإن كان لكم مطالب وتوجهات فإن بإمكانكم أن تتقدموا بها- مشكورين- كما يفعل الحضاريون الذين يحترمون أنفسهم في غرب الدنيا وشرقها.. واعلموا أن ما يبنى في أعوام وعقود يمكن هدمه في لحظات.. والإنسان الذي يستحق الحياة هو الإنسان الذي يبني، أما الحاقد الذي لا يحسن إلا الهدم فمن الخير له أن يعيد النظر في أعماق نفسه ليعالجها وينتشلها مما هي فيه من خيبة وضلالة وضلال وضَياع.
8/9/2011
 


       

الأحد، ٤ أيلول ٢٠١١

لهذه الأسباب كانت "القدس" جريدتي!!

إعادة
من كان يظن أن بإمكانه أن يقصيني عن " القدس" وأن يمنعني من نشر أفكاري السياسية فهو أكثر من واهم! وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون...
مواجهات
لهذه الأسباب كانت "القدس" جريدتي!!
أ.عدنان السمان
    لأنها الماضي الذي كان وما هان، ولن يهون.. ولأنها الشباب والهضاب والحِراب مذ كانت في ذلك العام الحادي والخمسين، ليكون "الجهاد" أول صحيفة تصدر على أرض هذا الجزء من الوطن في أعقاب النكبة الكبرى التي أصابتنا في عام النكبة ذاك.. ولأنها تحمل اسم هذه الحبيبة التي ما انحنت يومًا إلا لله.. ولأننا كبرنا معها وبها، وكَبُرَتْ معنا وبنا على إيقاع يوسف النجار وعزف أبي شلباية المنفرد.. ولأننا سمعنا ما لا يسرُّ من نقدٍ جارح واتهام صريح، ونحن في مرحلة التأسيس الثانية، والوطن العربي كله يلعق جراحه في أعقاب النكبة المزلزلة الثانية.. ولأن من وجّهوا سهام النقد والتجريح والاتهام تلك هم من فرضوا أنفسهم عليها لاحقًا، وهم من حاولوا ويحاولون شراءها، والتحكم بخط سيرها، وإلحاقها بمشاريعهم واستثماراتهم الكثيرة خارج الوطن وداخله أيضًا.. ولأن كل هؤلاء وأولاء وأولئك لم يكتفوا بذلك كله، بل لقد اتخذوه مرتكزًا ونقطة انطلاق للممارسة الحساب والعقاب والثواب، وتطبيق سياسة المغانم والمغارم، وسياسة الإحلال والإقصاء، وسياسة من لم يكن معي فهو ضدي، وسياسة كم الأفواه، وفرض سياسة الأمر الواقع الجديد، وسياسة التفرُّد بالقرار، والانفراد بتقرير مصائر البلاد والعباد، والتحكم بأقدارهم وأرزاقهم وأعناقهم ومقدّراتهم.. ولأن هذا كله وكثيرًا غيره مما قد يقال، وقد لا يقال أمر مخالف للقانون، مخالف لطبائع الأشياء، مخالف لثقافة هذه الديار، مجافٍ للحقيقة، ينطوي على قدر هائل من الظلم والإجحاف والعدوان على كثير من الناس.. ولأن الوطن لكل أبنائه، ولأن الشعب هو صاحب القرار، ولأن كل ثوابت هذا الشعب خطوط حمراء ينبغي أن يقف عندها كافة من أوهَموا أنفسهم أنهم فوق القانون، وأنهم غير ملزمين بالوقوف عند الإشارات الضوئية أيضًا.. لكل هذه الأسباب التي ذُكرت، ولكل تلك الأسباب التي لم تُذكَر فإن كل محاولاتهم مرفوضة، وإن كل أوهامهم ما ظهر منها وما بطن، وإن كل أطماعهم ما أعلن منها وما استَتر مرفوضة، ولو جنَّدوا لفرضها كل أساليب الإغراء، وكل وسائل الترغيب، وكل وسائل الترهيب!!
    يا كل أحباب هذه الأرض العربية الحرة في فلسطين، ويا كل المتفائلين بمستقبل هذا الشعب، وبقدرة هذه الأمة على تقرير مصيرها، وإقامة مشروعها العربي، والخلاص من براثن الغرب بشقيه، والتصدي لكل الغزاة الطامعين بنا المجترئين علينا.. يا كل الأحبة في القدس، وفي كل فلسطين لم يعد أمامي الآن إلا أن أنهي هذه الزفرة الغاضبة المحتجة على ما اتخذه نفزٌ (ليس عندي ما أصفهم به) من إجراءات بحق الفكر السياسي الحر وبحقي، وليس عندي ما أقوله سوى أنه لهذه الأسباب كانت "القدس" جريدتي منذ البداية، وستظل جريدتي حتى النهاية، ولو كره الكارهون!!
4\9\2011