عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


الاثنين، ٣٠ نيسان ٢٠١٢

تحية إلى عمالنا في عيدهم...

متابعات

تحية إلى عمالنا في عيدهم...

    أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

    يحتفل العالم اليوم بمناسبة الأول من أيار عيد العمال العالمي.. لقد تمكنت الحركة العمالية العالمية من تحقيق كثير من الإنجازات والمكاسب والحقوق للعمال في معظم أقطار العالم، حتى بات العمال في كثير من الأقطار قادرين على إسقاط الحكومات، وإعادة  تشكيلها من جديد بالطريقة التي تخدم أهداف الحركة العمالية، وتوفر العيش المحترم الذي يليق بالعامل ومكانته في المجتمعات.. بل لقد تمكن العمال في أكثر من بلد من الإمساك الفعلي بزمام الأمور في بلدانهم، وصعدوا بجدارة إلى سدة الحكم فيها من منطلق أن القطاع العمالي هو الأكبر حجماً، والأكثر أهمية، وهو عصب الإنتاج، فمن حقه بناءً على ذلك أن تكون له الكلمة الأولى في رسم السياسة العامة للبلد.

   وفي بلادنا يحتفل العمال اليوم بهذه المناسبة أيضًا، يحتفلون والغالبية العظمى منهم تفتقر إلى أبسط ضروريات العيش... أكثر من ثلاثمائة وثمانين ألفًا من عمال هذا الوطن يرزحون اليوم بين مطرقة الغلاء الفاحش، وسندان البطالة الرهيب حتى غدت غالبيتهم عاجزة عن توفير أبسط ضروريات الحياة لهذه الأفواه الكثيرة التي تنتظر عودة رب الأسرة، وقد شَخَصَ الصغار والكبار بأبصارهم نحو يديه ليروا ماذا أحضر لهم.. ويهدأ روع هذه النفوس الفزعة المستطارة عندما ترى الخبز.. وتنتكس هذه النفوس، ويتضاعف اضطرابها وحزنها وكمدها عندما يحضر رب الأسرة دون أن يحضر معه الخبز على الأقل!!!

   ليس ما يُقال هنا من باب المبالغة والتهويل.. بل إننا نربأ بأنفسنا وبأقلامنا عن الدخول في التفصيلات الأليمة لحياة عشرات آلاف الأسر التي تحتفل احتفالاً حقيقيًّا عندما ترى الخبز ومعه شيء من الفلافل، وحبات من الموز أو التفاح!!.

   ويتساءل هؤلاء الناس في مرارة تمزق الأكباد: إلى متى ستستمر هذه الأوضاع؟ أليس لهذا الجوع من آخر؟ متى سنعيش مثل باقي مخلوقات الله على هذه الأرض؟ هل خلقنا فقط للجوع والمذلة والهوان والحرمان؟

   يقول العمال إنهم يبحثون عن العمل فلا يجدونه، ويبحثون عن محسنٍ، أو دائنٍ، أو مُرابٍ فتوصد في وجوههم الأبواب! ولا يجدون أمامهم إلا باب الصبر المشرع المفتوح على مصراعيه، لقد صبروا كثيرًا.. وطال صبر هذه الأمعاء الخاوية.. وأصابهم من سوء التغذية، وفقر الدم. والعلل، والأمراض ما أصابهم حتى باتوا لا يحتملون مزيدًا من هذا العذاب والقهر والحرمان... فإلى متى ستستمر معاناتهم؟ ومن المسئول حقيقة عن تردي أحوال هذه الشريحة الواسعة من شرائح مجتمعنا؟ وإلى من يتوجه هؤلاء الفقراء المسحوقون.. وماذا يفعلون للحصول على لقمة الخبز التي تقيم أودهم، وأود أبنائهم وبناتهم؟ ماذا يفعلون كي يوفروا الأقساط الجامعية لأبنائهم وبناتهم؟ إن أعدادًا كبيرة من الطلبة تضطر تحت وطأة العوز والفاقة إلى تأجيل كثير من  الفصول الدراسية خلال سنوات الدراسة إلى الحد الذي تتضاعف معه تلك السنوات.. وقد تتضاعف سنوات الدراسة بسبب تدني عدد الساعات المعتمدة إذ لا يقوى كثير من الطلبة على دفع أثمان العدد المناسب من الساعات، ويكتفون بأقل القليل بسبب أحوالهم المادية المتردية.. كما تضطر أعداد منهم إلى ترك الدراسة الجامعية نهائيًّا مع شديد الأسف.. وهكذا تتراكم المشكلات، وتزداد حدة الآلام، ويحاول الناس أن يضعوا حدًّا لمعاناتهم وآلامهم دون أن يجدوا إلى ذلك سبيلا... فإذا أضفنا إلى ذلك قضايا العلاج، وارتفاع أسعار الأدوية، والمبيت في المشافي الخاصة بعد الشلل الذي أصاب المشافي العامة.. وإذا أضفنا إلى هذا كله سائر تكاليف الحياة من مأكل وملبس ومسكن ومواصلات فإننا ندرك مقدار ما يعانيه الناس من مرارة العيش وهوانه في هذه الديار.

   إن الغالبية العظمى من الناس في هذه البلاد هم من العمال والفلاحين، وهما شريحتان مدمرتان منذ مدة طويلة.. وفئة الصناعيين تكاد تكون فئة منقرضة لأكثر من سبب: فقانون البلديات لا يسمح بإقامة المصانع داخل المدن لما ينطوي عليه ذلك من إضرار بالناس، ومساس بالصحة العامة، وأما خارج المدن فالوضع لا يسمح لنا بذلك حتى وإن توافرت الإمكانات مع شديد الأسف... وباستثناء  فئة الموظفين _على الرغم من عللها وتناقضاتها_ يكون قد قُضي قضاءً مبرمًا على سائر فئات الشعب، وقواه العاملة بدءًا بالفلاحين، ولا أقول انتهاءً بالحرفيين والتجار... وباختصار يمكن القول إن نحو أربعمائة ألف عامل من أصل مليون وخمسة وثلاثين ألفًا من العمال في هذه الديار يعيلون أكثر من مليوني إنسان يشكلون أكثر من نصف السكان يعانون من بطالة مطلقة أو مقنّعة، وهذا معناه أن يتنبه من يعنيهم الأمر إلى هذه الحقيقة، وأن يضعوا الحلول العاجلة لإنقاذ الموقف قبل فوات الأوان، وقبل أن نعض على أصابع الندم، ولات حين مندم... كما ينبغي أن يتنبه من يعنيهم الأمر إلى حقيقة ما يعانيه قطاع الفلاحين، وإلى المخاطر الحقيقية التي تتهدد هذا القطاع الذي لا يمكن أن تستقيم حياة الناس في هذه الديار بدونه... أما قطاع الموظفين فقد آن الأوان لإنصافه، وصرف مستحقاته ورواتبه كما يجب.. كما آن الأوان لإنصاف ذوي الرواتب المتدنية من عامليه ومتقاعديه... صحيح أن من يعنيهم الأمر لا يقصرون، وصحيح أنهم يقومون بالواجب بقدر المستطاع في هذه الفترة المصيريَّة من تاريخ هذا الشعب، وصحيح أن أحوال من يعنيهم الأمر هي  في غاية الصعوبة والتعقيد.. ولكن صحيح أيضًا أن ملايين الناس في هذه الديار تعيش أحوالاً اقتصادية واجتماعية ونفسية بالغة السوء لم يسبق لهم أن عاشوها من قبل.. ولا بد من فعل شيء لإنقاذهم.. لا بد من منقذ.. ومَن غير من يعنيهم الأمر في هذه الديار هو مَن يُنقذ كل هؤلاء؟ وإلى من يلجأ الجياع والفقراء إن لم يلجأوا لمسئوليهم لإنقاذهم مما هم فيه من ضنك ومهانة وعذاب؟؟

   في هذا اليوم الأول من أيار لا بد من القول إن من حق الناس جميعًا في هذه الديار أن يعيشوا بكرامة واحترام، وفي هذا اليوم الذي تحتفل فيه الدنيا بالعمال لا بد من إنصاف العمال في هذه الديار، وفي غير هذه الديار.. لا بد من توفير احتياجاتهم، ولا بد من سن التشريعات التي تكفُل لهم ولأُسَرِهم، ولكافة العاطلين عن العمل عيشًا كريمًا، لا بد من الضمانات والتأمينات التي تصون كرامة المواطن وسلامة الوطن، وفي هذا اليوم الأول من أيار نؤكد على حق الناس جميعًا في هذا الكون بالعيش في أمن وهدوء وأمان بعيدًا عن كل أسباب القلق والخوف والتوتر، وبعيدًا عن أشكال الفقر والقهر والبِطالة والمذلة، وبعيدًا عن كل ألوان العدوان على الناس في أشغالهم وأرزاقهم ومستقبل أجيالهم وسلامة أبدانهم وعزة أوطانهم وسعادة إنسانهم، وحقه في التطور والتقدم والحياة الحرة الكريمة على أرض وطن حر عزيز كريم سيد مستقل بعيدًا عن طمع الطامعين وكيد الغزاة المستبدين الحاقدين.

   إن المجتمع الدولي الذي أوصل الفلسطينيين إلى ما هم فيه من كوارث ومصائب ونكبات مطالب بإنقاذهم مما هم فيه من أحوال يضيق لهولها صدر الحليم... المجتمع الدولي مطالب بإنقاذ الطفولة والأطفال من الجوع وفقر الدم والخوف المدمر الذي يسكنهم بفعل الاضطرابات وألوان الاعتداءات المتواصلة التي يتعرض لها الناس في هذه الديار... والمجتمع الدولي مطالب بوقف الإرهاب والعنف والعنف المضاد الذي يتهدد حياة الناس جميعًا وبدون أي استثناء في هذه المنطقة من العالم، وذلك بفرض الحل المنصف المقنع العادل الذي يضمن إحقاق الحقوق، ورفع الظلم والعدوان عن هذا الشعب العربي الفلسطيني الذي دُمّر كيانه، وتهدّم بنيانه، وانهارت أحواله الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والنفسية، وسحقت شرائح العمال والفلاحين والتجار والصناعيين من أبنائه... وتحية إلى عمالنا في عيدهم.. وكل عام وأنتم بخير.

(1/5/2012)

 

 

السبت، ٢٨ نيسان ٢٠١٢

في اليوم العالمي للرقص!!

متابعات

في اليوم العالمي للرقص!!

أ. عدنان السمان

www.samman.co.nr

   لقد قرر مجلس الرقص العالمي، وهو مجلس يعمل تحت مظلة اليونيسكو، أن يكون التاسع والعشرون من نيسان يومًا عالميًّا للرقص، إحياءً لذكرى جورج نوفر مصمم الرقصات الفرنسي المولود في التاسع والعشرين من نيسان من عام سبعةٍ وعشرين وسبعمئةٍ وألف، وفي العام الثاني والثمانين من القرن الماضي اقترحت لجنة الرقص الدولية في معهد المسرح الدولي التابع لليونيسكو أن يكون هذا اليوم يوم عطلة رسمية شأنه في ذلك شأن كثيرٍ من الأيام العظيمة في تاريخ الشعوب الغربية الحديث!!.

   لست ممن مارسوا هذه الهواية، أو يمارسونها، ولست ممن أعجبوا بهذه الرياضة، أو يعجبون بها، ولست ممن شبوا على هذه الثقافة، أو شابوا عليها.. ولكنني ممن شاهدوها على الطبيعة في الميادين العامة، والساحات، وفي الطرقات، منذ عهدي بهذه الحياة، وممن شاهدوها بعد ذلك عندما كبرت، أو كبر الزمان على الشاشات الفضية الضخمة في دور العرض، ومن ثم على هذه الشاشات الفضية المصغرة غير الملونة، وعلى تلك الملونة بعد ذلك بمختلف مقاساتها وأحجامها، والتي غزت المدن والبلدات والقرى والمخيمات ومضارب الخيام في هذه البلاد، وفي غير هذه البلاد على امتداد هذا الوطن العربي الكبير اللاهث خلف الغرب في ثقافاته ومخترعاته ووسائل عيشه، دون أن يكون له دورٌ مذكور أو غير مذكور في إخضاع أساليب حياته، وأنماط معيشته لثقافته التي كانت، ثم اضمحلت وتلاشت، وأفكاره ومعتقداته التي دالت دولتها، لتحل محلها أفكار الآخرين ومعتقداتهم، ولتحل محلها أيضًا دولهم التي فرضت سلطانها على ديار العروبة والإسلام بالغزو المسلح تارةً، وبالغزو الفكري الثقافي المدرسي الممنهج المبرمج تارات.

   ليس غريبًا أن أكون ميالاً منذ عهد الطفولة إلى رقصات الفرح والمرح والقوة والفتوة والرجولة والخشونة التي يمارسها الرجال، وليس غريبًا أن أقف واجمًا ساهمًا حالمًا مشدوهًا وأنا أستمع إلى عزف الناي، وأتابع رقصات الرجال وتحركاتهم وقفزاتهم وصيحاتهم وحركات أرجلهم، وتنقلهم بخفةٍ ورشاقةٍ في المكان على عزف هذا الناي، ووقع هذا المزمار، وعلى سحر الغناء، وجمال الشعر، ورقة القول وعذوبته، وليس غريبًا أن أقف خاشعًا في تلك الأيام الموغلة في القدم، وأنا أستمع إلى أغاني النساء ورقصاتهن وهنَّ يغنين للحب والربيع والوطن، وللفدائي والجندي والمتطوع، وليس غريبًا أن تملك علي امرأةٌ كل مشاعري وأحاسيسي وهي ترقص بكل جسدها، وبكل خصلات شعرها السابح السائح في الفضاء خلفها وهي تعدو مزهوةً بنشوة الشباب، وجنون القوة، وزهرة الحياة وأريجها وعطرها وشعرها الآسر الساحر.. وليس غريبًا أن تملك عليَّ أخرى كل سمعي وبصري وهي تتغنى بصوتها الرخيم العذب، وتقذف بشعرها يمنةً ويسرةً كلما نظرت إلى الناس من حولها تتقاذفهم ذات اليمين، وذات الشمال، كما تشاء هي، وكما يشاء لها هذا الساحر الماكر الذي أتقن العزف على هذه الدِرْبَكَّةِ، فحرك القلوب والمشاعر، وحرك الأيدي والأرجل، وحرك القامات والهامات، وأمالها يمنةً ويسرةً، وإلى الأمام والوراء، وأسكنها دون أدنى حركةٍ أو حَراك، ليقدم لمشاهديه لوحاتٍ حيةً ناطقةً نابضةً بالحياة، وأخرى صامتةً قائمةً حالمةً ساهمةً متأهبةً للحياة.

   وليس غريبًا أن يأسر الإنسانَ في مراحل لاحقةٍ من حياته ألوانٌ من رقصة السيف، وألوانٌ من رقص الفروسية، وألوانٌ من الرقص بالعصي، وألوانٌ من الرقص الشعبي، والدبكة الشعبية الفلكلورية، وألوانٌ من الرقص العربي والبدوي والمصري الشمالي والجنوبي.. ورقصني يا جدع!! وألوانٌ من الرقص الفارسي والتركي والشركسي والشيشاني والأرمني والروسي والصيني، وألوانٌ من الرقص اللبناني والسوري، وألوانٌ من الرقص الدمشقي والنابلسي والمقدسي في كل مناسبات الدمشقيين والنابلسيين والمقدسيين، وفي كل أفراحهم وأعراسهم وولائمهم ومناسفهم ومناسباتهم وأعيادهم وتخرج أبنائهم وبناتهم وحفدتهم في انتظارتكافؤ الفرص، وفرص العمل التي يحلمون بها، ويتوارثون هذا الحلم جيلاً بعد جيل.. فللنجاح فرحته، وللتخرج بهجته، وللتفوق نكهته، وللعمل بعد ذلك لذته وشكله ولونه وطعمه ومسرته.. فلماذا لا يرقص الناجحون؟ ولماذا لا يرقص المتفوقون؟ ولماذا لا يرقص العاملون؟ ولماذا لا يرقص العالمون العاملون المخلصون القائمون بواجباتهم على خير وجهٍ وأكمله؟ ولماذا لا يرقص المنتصرون الذين أثبتوا مقدرةً نظريةً وعمليةً على التفاعل مع الأحداث والحوادث والمتغيرات.. وأثبتوا مقدرةً نظريةً وعمليةً على التعامل مع سائر المعطيات والتطورات من حولهم.. وأثبتوا مقدرةً هائلةً على التغير والتكيف والتغيير والتأثير في كل ما يدور حولهم من حوادث وأحداث.. بل وأثبتوا مقدرةً خارقةً على إحداث التغييرات والمتغيرات وصنع المناخ الملائم لإحراز الانتصار الحاسم بعد سلسلةٍ من العمل والأمل والتفاؤل والإيمان بضرورة إحداث التغيير، وبعد سلسلةٍ من المراوغات والمناورات وإجراء التجارب والاختبارات المؤدية إلى تحقيق الأهداف والغايات؟؟.. فعلى أنغام النجاح يحلو النشيد والهتاف والغناء والفرح، وعلى أصداء التفوق والتألق والتوهج والتأجج يحلو الرقص، وتحلو النشوة والمحبة والمودة والمرح.

   ولئن كان الفُلُّ يبدأ من دمشق بياضه فإنه في غزة والقدس والخليل ونابلس ينهيه، ولئن كان الماء يبدأ من دمشق فحيثما أسنَدْت رأسك جدولٌ ينسابُ.. فإن الشعر عصفورٌ يمد جناحه فوق الشآم، وشاعرٌ جوّابُ.. ولئن كانت الخيل تبدأ من دمشق مسارها، وتشد للفتح الكبير ركابُ، فإنها والله لن يتوقف سيرها ومسارها، ولن يترجل فرسانها إلا في غزة والخليل والقدس ونابلس أيضًا.. وإذا كان الدهر يبدأ من دمشق، وإذا كانت دمشق هي التي تعطي للعروبة شكلها، فإن القدس هي قلب فلسطين، وقلب الشام، وقلب العروبة، وقبلة الإسلام الأولى، وإن الخليل ونابلس وغزة، وكل هذا الساحل السوري الجنوبي حتى رفح، وكل ذاك الساحل السوري الشمالي حتى العمق التركي هي من الشواهد التاريخية على عظمة هذه الديار التي نشأت فيها حضارة الإنسان منذ فجر التاريخ، وعرف فيها الإنسان أول أبجديةٍ في التاريخ، واكتشف الإنسان فيها ذاته، ففرح وغنى ورقص وعبد الجمال، وحوَّل البحر المتوسط إلى بحيرة عربية بعد معركة ذات الصواري انطلاقًا من هذا الساحل السوري الكبير بالتعاون مع ساحل مصر العربي العروبي.. ورحمك الله يا نزار، أيها الشاعر العربي السوري الدمشقي الكبير.. ويا شاعر العروبة المتعبَ بعروبته: أنا يا صديقةُ متعبٌ بعروبتي// فهل العروبة لعنةٌ وعقابُ؟؟ ولئن قلت يا نزار قصيدتك هذه في تونس بمناسبة مرور خمسةٍ وثلاثين عامًا على تأسيس "الجامعة العربية" فماذا كنت تقول اليوم في هذه الجامعة؟ وماذا كنت تقول اليوم في كل هؤلاء وأولئك الذين يقتلون هذا القمر الدمشقي الذي يسافر في دمك؟ ويحرقون الفل الدمشقي والماء الدمشقي والشعر الدمشقي والحب الدمشقي والخيول الدمشقية والدهر الدمشقي، ويحرقون قلوب الناس وعقولهم ومشاعرهم وعواطفهم، ويحرقون عيون الأطفال في دمشق، وفي سائر ديار العروبة في لبنان وفلسطين والأردن، وفي سائر المدن والقرى في العراق وتونس الخضراء، وكل مدن العرب وبلداتهم وقراهم ومضارب خيامهم على امتداد هذا الوطن العربي الكبير؟.

   وإذا كان الغربيون يحسنون رقصة أو/ سلو سلو، ورقص الباليه، والرقص على الحبال أعني حبال السيرك، وإذا كانوا يرقصون ساعةً، ويغنون ساعةً، ويعملون ساعاتٍ، وإذا كانت للغربيين مشكلاتهم وقضاياهم التي يناضلون من أجل حلها وإخضاعها لتطلعاتهم ورغباتهم، فما بالنا في كثيرٍ من بلاد العروبة لا نحسن الرقص إلا على جماجم الضحايا الأبرياء من الشباب والأطفال والشيوخ والنساء؟ ما بالنا في كثيرٍ من بلاد العروبة لا نحسن إلا لطم الخدود، وشق الجيوب، والرقص على شفرات الظُّبا، وطعنات القنا، وضربات السيوف والخناجر والمُدى، والسير في جنازات من قُتلوا، والسير في جنازات من لم يقتلوا بعد، فحياتنا جنائز، ومماتنا جنائز، وإنجازاتنا جنائز، ورقصنا في الجنائز والجنازات، وحُبنا في الجنائز والجنازات، وأمنياتنا وتمنياتنا وأحلامنا وأمانينا لا نقوى على البوح بها إلا في المقابر، وظلام المقابر ورعب المقابر، ونعيق الغربان في هذه المقابر التي تملأ الرحب على امتداد بلاد العروبة والإسلام.

   لماذا حالت حالنا، وتغيرت أحوالنا، وأُصبنا بهذا البلاء العظيم الذي أصبحنا معه شر أمة، وأُصبنا معه بشر نقمة؟.. ما بالنا في كثيرٍ من ديار العروبة نفعل بأيدينا ما لم يفعله أعداؤنا بنا؟ ما بالنا نقتل ونحرق وندمر ونهدم ونخرب ونبث الرعب والفوضى والفساد والاضطراب والخوف في مدننا وقرانا ومساجدنا وكنائسنا ومدارسنا وجامعاتنا ومعاهدنا ومزارعنا وحقولنا ومؤسساتنا ومشافينا ودوائرنا ومصانعنا ومخابزنا وشوارعنا ووسائل مواصلاتنا؟ ما بالنا نفعل هذا كله، وكثيرًا غيره لمصلحة هذا الممول أو ذاك؟ وبناءً على رغبة هؤلاء الأسياد أو أولئك؟

   أإلى هذا الحد هانت علينا أنفسنا وأوطاننا؟ أإلى هذا الحد هانت علينا دماء أطفالنا واستغاثات نسائنا ونداءات آبائنا وأمهاتنا ودموع أجدادنا وجداتنا؟ أإلى هذا الحد بلغ حبنا لهذا المال الحرام الذي يقبضه هؤلاء ثمنًا لكل أعمالهم وجرائمهم وخياناتهم وتنكيلهم بالناس وتدميرهم للوطن والمواطن؟ ومن عجبٍ أن كثيرًا من هؤلاء الذين يذبحون الناس وينكلون بهم ويحرقون جثثهم، ويغتصبون وينهبون ويستبيحون ويحللون ويحرمون كما يشاءون.. من عجبٍ أن كثيرًا من هؤلاء قبل ذلك كله، أو بعد ذلك كله يقفون واعظين موجهين ناهين عن الاختلاط، ناهين عن الرقص، فالرقص فتنة!! والرقص يظهر المفاتن التي لا يجوز إظهارها، والرقص يغري بالفاحشة والفجور وارتكاب الكبائر والمحرمات، ومَن فعل ذلك أو شيئًا منه فقد استحق عقاب الله وباء بغضبه، وسخطٍ منه، وكانت الجحيم هي المأوى!!! أما ما يفعلونه، ويفعله غيرهم من حلفائهم ومموليهم فهو مباح، بل هو أكثر من مباح، وقد يصل إلى مرتبة الفريضة، بل إنه قد وصل هذه المرتبة في كثيرٍ من المواقف والمواقع والفتاوى التي تشعل كثيرًا من ديار العروبة والإسلام نارًا على نار.. وكأننا لهذا قد خُلقنا، وكأننا إنما خُلقنا لنكون وقودًا لنيران خصومتهم وبغضائهم وعدائهم للناس، وكأننا إنما خُلقنا كي يُتاجر بنا المتاجرون من عبدة المال والمنصب والجاه والسلطان!! وكأننا إنما خُلقنا لنكون بهائم تباع وتشترى في أسواق الدواب، وعبيدًا يباعون في أسواق النخاسة والنخاسين!!.

   عودةٌ إلى الرقص وحديث الرقص في يوم الرقص العالمي في هذا اليوم التاسع والعشرين من نيسان، عودة إلى شاعر يصف ديكًا روميًّا ذبيحًا وهو يعدو مسرعًا، وكأنه لا يعلم بما جرى، ثم أخذ يشرق تارة ويغرب، فقال قائلٌ من الناس إن حلاوة روحه قد رقصت به: قالوا حلاوة روحه رقصت به// فأجبتهم ما كل رقصٍ يُطرِبُ. رحمك الله يا إبراهيم.. ورحم شعوبًا وأممًا وأقوامًا عرفت طريقها نحو العمل والبناء والتسامح والمحبة والمغفرة والغفران.. وجنب هذه الشعوب والأمم عدوان المعتدين وأحقاد الحاقدين وطعنات الغادرين، وحماها من طمع الطامعين وجهل الجاهلين وتربص الخبثاء المتربصين بنا المجترئين علينا الطامعين في أوطاننا وتخريب إنساننا وهدم بنياننا.. وأنعم على هذه الشعوب والأمم بالأمن والأمان والحب والفرح والوئام والسلام.. وجعل أيامها أعيادًا وأفراحًا ورقصًا وغناءً، ولكن بعد انتهاء الدوام المدرسي، وبعد انتهاء الدوام اليومي في سائر الدوائر الرسمية وغير الرسمية... ارقص شرقي بلدي.. في أوطاني وبلدي.. ورقصني يا جدع!!

(28/4/2012)

 

 

 

 

 

 

 

الخميس، ٢٦ نيسان ٢٠١٢

بل نحن الخاسرون!!

متابعات

بل نحن الخاسرون!!

أ. عدنان السمان

www.samman.co.nr

   لم يكن ما أسمَوه حلَّ الدولتين الحلَّ المثالي للقضية الفلسطينية، بل إن هذا الحل لم يضمن – ولو نظريًّا -  الحد الأدنى من حقوق الفلسطينيين الثابتة في بلادهم فلسطين، ومع ذلك فقد رضي كثيرٌ من الفلسطينيين به، واعتبروه إنجازًا، بعد أن كانوا قد رفضوا على امتداد العقود السبعة الماضية حلولاً أقل سوءًا منه بكثير، وبعد أن كانوا قد رفضوا منذ بدء الصراع أن يكون للآخرين أدنى وجودٍ في بلادهم، أو أدنى تأثيرٍ على سيادتهم الكاملة على أرض فلسطين.

   ولم يكن كثيرٌ من الفلسطينيين داخل فلسطين وخارجها مقتنعين بأن هذا الحل (حل الدولتين) سيحظى بأدنى نجاح، لا لأن كثيرًا من الفلسطينيين يرفضونه، ولا يرون فيه إحقاقًا لشيءٍ من حقوقهم وثوابتهم، ولكن لأن الآخرين هم الذين يرفضونه، لأنه يتعارض مع أفكارهم ومبادئهم، ويتناقض مع طبيعة الدولة التي يريدونها في قلب ديار العروبة، ويتناقض مع سياسة المراحل والمناورات والمراوغات التي انتهجوها منذ بدء الصراع، وحتى يومنا هذا.

   واليوم، وبعد أن سد الآخرون جميع الأبواب والمنافذ في وجوه الموافقين على حل الدولتين، وبعد أن أيقن هؤلاء الموافقون على هذا الحل، وعلى أي حلٍّ قد يتقدم به الآخرون، وبعد أن أيقنوا أن هؤلاء الآخرين لا يريدون حلاًّ قائمًا على أدنى شراكةٍ، أو وجودٍ فاعلٍ لأحدٍ على أي جزءٍ مهما كان ضئيلاً من هذه الديار، وبعد أن ثبت لهؤلاء أن الغرب بشقيه عاجزٌ تمامًا عن فعل شيءٍ للفلسطينيين باستثناء فتات الموائد، والمجاملات التي لا تقدم ولا تؤخر، ولا تسمن ولا تغني من جوع، وبعد أن أدركوا هذه الحقائق التي كان يدركها جيدًا كثيرٌ من الفلسطينيين منذ البداية، وبدلاً من الاعتراف بأخطاء الماضي، والعودة إلى وحدة الصف والموقف والهدف والإجماع الشعبي، وبدلاً من العودة إلى ثوابت هذا الشعب وقناعاته، وبدلاً من العودة بالقضية إلى بعديها العربي والإسلامي، وبدلاً من فعل أي شيءٍ يؤثر على سير الأمور والأحداث، فقد راح بعضهم يخوّف هؤلاء الآخرين الذين لا يريدون حل الدولتين من سوء العاقبة، وراح هذا البعض يتحدث عن البدائل، ويتحدث عن عودة ملايين الفلسطينيين إلى الدولة الواحدة التي ستكون البديل لحل الدولتين!! ولقد نسي هذا البعض أن الآخرين الذين يرفضون "التنازل" الفعلي عن أي شبرٍ من هذه الديار لأحدٍ قادرون على رفض بدائلهم، وقادرون على فرض تصوراتهم وحلولهم، وقادرون على التحكم بسير كافة الأمور، وكافة القضايا المتفرعة عن هذه القضية التي كانت قضية العرب الأولى ذات يوم، إذا استمرت الحال على هذا المنوال.

   إن كافة أشكال التحذيرات والتهديدات المبطنة وغير المبطنة لن تردع هؤلاء، ولن تحد من أطمـاعهم في كل هذه الديار، وفي غير هذه الديار ما دام الواقع هو الواقع، وما دامت الحال هي الحال، والخلاف هو الخلاف، وما دام التمزق والتشرذم والتناحر والتباغض والتخاصم والخلاف والاقتتال والاحتراب بين الأهل والإخوة في الوطن الواحد سيدَ الموقف، وما دام الفلسطينيون والعرب مجموعاتٍ وجماعاتٍ وأحزابًا وشيعًا وقبائل يحارب بعضها بعضًا، وما دام الفلسطينيون والعرب أتباعًا وتوابع للأجنبي، وأدواتٍ طيعةً في يده لشن الحرب التي يحدد مكانها وزمانها وأهدافها على أي جزءٍ من أرض العرب بهدف إخضاعه وتركيعه وإعادته إلى عهود الإقطاع والاستعمار والاستبداد والاستعباد والتبعية لكل أعداء العروبة والإسلام!!

   وإن كافة أشكال النصائح المجانية التي قد يسديها بعضنا لهؤلاء لن تجدي أدنى نفعٍ مهما كانت دوافعها وأهدافها.. فهؤلاء قد أعلنوا منذ أمدٍ بعيدٍ ما يريدون، وهؤلاء قالوها بصريح العبارة إنهم أهل هذه الديار، وإنهم قادة هذه المنطقة في حروبها القادمة، وهم من يحددون لهذه الأمة أعداءها وأصدقاءها وقياداتها أيضًا.. وهم من يصنعون شكل مستقبل هذه الأمة العربية على كل أرض العرب، وهم من يتحكم بزراعة العرب وصناعتهم ومناهج مدارسهم وجامعاتهم وإنتاجهم واستهلاكهم، وكل مظاهر حياتهم وخباياها وخفاياها.. وما دام الأمر كذلك، فلن يجدي نفعًا كل هذا الكلام، ولن يجدي نفعًا كل هذا التنظير، ولن يجدي نفعًا إلا ما كان قائمًا على الفعل، وعلى مبدأ التعامل بالمثل، وعلى مبدأ العين بالعين والسن بالسن، ولن يجدي نفعًا أيضًا إلا الإصرار على تحقيق الأهداف بعد تحديد هذه الأهداف، وتحديد الجهات والهيئات والأطراف، فلكل أمةٍ أهدافها، ولكل معادلة طرفاها أو أطرافها، ولكل نصرٍ أسبابه، ولكل عودةٍ مقوماتها، ولكل شعبٍ غاياته وقناعاته، وأسرار بقائه وفنائه، وأسباب انهياره واندثاره وذوبانه في الآخرين.

   وإذا كان من حق الإنسان أن يقول ما يريد، وأن يجتهد دون أن يكون عليه أدنى حرج، وإذا كان للمجتهد حسنتان، وإذا كان الاجتهاد ركنًا من أركان التشريع لا يمكن أن يُغلَق، ولا يجوز أن يُغلَق، وإذا كان إغلاق هذا الباب يؤدي إلى الجمود والتخلف والانقراض، إذا كان كل ذلك صحيحًا – وهو صحيح – فإن سياسة كمّ الأفواه، وأسلوب التعتيم الإعلامي، ومحاولات منع الناس من إبداء الرأي، ومن حرية الكلام والقول والتفكير والتعبير هي من قبيل إغلاق باب الاجتهاد في التشريع تؤدي إلى ما يؤدي إليها من نتائج.. وعليه، ولما كان للإنسان كل الحق في أن يقول ما يعتقد أنه الصواب، فإن من حقنا أن نقول للمصيب أصبت، وإن من حقنا أن نقول للمحسن أحسنت، وأن نقول للمسيء أسأت، دون تصلبٍ ودون تعصبٍ، ودون أدنى إساءةٍ لكبيرٍ أو صغير، وبخاصةٍ إذا كان الأمر مما يتعلق بوجود أمةٍ، ومصير شعبٍ، وقضية وجودٍ أو عدم.. وإذا كان من حقي بناءً على كل ما تقدم أن أقول شيئًا فإن مما أريد أن أقوله إن هؤلاء ليسوا الخاسرين إذا فشل حل الدولتين، بل نحن الخاسرون إذا استمرت هذه الحال، وإذا لم يكن هنالك ما نفعله سوى ما أدمناه منذ عقود، وإن مما أريد قوله: قبل الرِّماء تُملأ الكنائن، وإن مما أريد أن أقوله: الرأي قبل شجاعة الشجعان// هو أولٌ وهي المحل الثاني. وإن مما أريد قوله: وما نيل المطالب بالتمني... وإن ما أريد أن أقوله أولاً وآخرًا وقبل كل شيء "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة..." صدق الله العظيم. وللحديث صلة.

(26/4/2012)

 

 

الثلاثاء، ٢٤ نيسان ٢٠١٢

لماذا كل هذه العطل الرسميّة؟؟

(إعادة)

لماذا كل هذه العطل الرسميّة؟؟

أ. عدنان السمان

www.samman.co.nr

    عندما ينهي إنسان ما يوم عملٍ متعبًا في مصنع أو مزرعة أو مدرسة، فإنه يشعر برغبة في شيء من الراحة بعد التعب تمكنّه من مواصلة العمل، وتعينه على الاستمرار فيه حتى إنجازه، أو الحصول على قسط آخر من الراحة... وهكذا حتى ينهي عمله، ويحقق بذلك أمله، ويبدأ بالتالي جولة جديدة من يوم عمل جديد، أو أسبوع عمل جديد، أو مرحلة جديدة من عمل قديم متجدد لا تنتهي مرحلة منه إلا لتبدأ مرحلة في عملٍ موصول تتعاقب عليه الأجيال جيلاً بعد جيل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

    وما يقال في الأفراد يقال أيضًا في المجتمعات والشعوب والأمم.. فكما نرى هناك أفرادًا جادّين لا يطلبون الراحة إلا بعد التعب – بَصُرتَ بالراحةِ الكبرى فلم ترها// تُنالُ إلا  على جسر من التعب ولا يتذوقون طعم النوم إلا بعد طول السهر – ومن طلب العلا سهر الليالي – نرى هنالك مجتمعاتٍ وشعوبًا وأممًا جادّة عاملة – كأولئك الأفراد – تصل ليلها بنهارها ، ونهارها بليلها من أجل تحقيق الأهداف السامية النبيلة التي وضعتها لنفسها، وارتضتها لأجيالها.. نرى أممًا وشعوبًا ومجتمعاتٍ جديرةً بالحياة، قمينةً بالاحترام، شهيدة على نفسها، وشهيدة على غيرها من الناس.. تقدّر العمل، ولا تحب من الناس إلا العامل الخلوق، والتاجر الشريف الأمين الصدوق، فتقبل على العمل بهمة وجد ونشاط – بقّدْر الجِدِّ تكتسبُ المعالي – ولا تنتظر من يستحثّها على ذلك؛ لعلمها ويقينها أن العمل سرّ وجودها ، ومَصدر عزتها وكرامتها ونهوضها.

    وكما نرى هناك أفرادًا لا يحبون العمل لأنهم لم يتذوقوا حلاوته، ولم يستشعروا دفئه، وسحره، وطلاوته، ولم يرضعوه مع لبان الأمهات، ولم يُلقَّنوه صغارًا من الآيات البيّنات .. فهاموا على وجوههم لا يهتدون، وراحوا يَصِلون ليلهم بنهارهم في النوم، وارتكاب الموبقات والمحرمات، واقتراف الآثام ، والعيش في الأوهام... نرى هنالك مجتمعاتٍ وشعوبًا وأممًا قد ضلّت سواء السبيل؛ فاستمرأت الكسل ، وعزفت عن العمل، واحترفت التسول والمسكنة والاستجداء، وتنازلت حتى لم يعد هنالك ما تتنازل عنه في سبيل الحصول على لقمة حتى لو كانت مغموسة بدم الإخوان.. لقمةٍ وَقودها الرجال والنساء والأطفال والأديان والأوطان.. والمال إن لم يكن نعمة فماذا يكون؟ ألا يكون نقمة وأي نقمة؟! فكيف إذا كان المال حرامًا، جاء من حرامٍ ، في حرامٍ، لحرامٍ؟!

    مثل هذه الأمة الضالة الهائمة على وجهها في مهامه أهوائها، وقفار تيهها وضلالها وضَياعها يقودها نحو مصيرها المرسوم، وأجلها الموعود المحتوم نفر من السماسرة والبياعين الذين ما استساغوا يومًا طعم العمل، ولا تذوَّقوا طعمًا لعزة أو كرامة، ولا استشعروا لحظة صدق مع الذات، أو مع الآخرين.. نفرٌ تنكّر للفضائل، وأتقن التلوّن والتقلّب حتى غدا بوجوه كثيرة لا وجهين اثنين!! والأمة التي يتولى أمرها مثل هؤلاء إما أن تلفظهم لفظ النواة، وإما أن يقذفوا بها إلى قعر الجحيم.. إما أن تستفيق، وتتخلص منهم، وإما أن يُجهزوا عليها، ويُدخلوها دائرة الأمم البائدة، والشعوب المنقرضة التي لا وجود لها إلا في بطون كتب التاريخ.

      من حق من يتعب أن يرتاح ، ومن حق من يصعد جبلاً أن يتوقف بعض الوقت لالتقاط الأنفاس، ومواصلة السير بعد ذلك.. وهكذا حتى يتم الوصول، ويكثر الخروج والدخول، ويحتفل الناس، ويفرح الصغار والكبار.. فقد تحققت الأهداف، ومن تحققت أهدافه وطموحاته وأمانيه كان من حقه أن يفرح، وأن يبتهج بالنصر المبين!!! ولكن إذا كان من حقنا أفرادًا وجماعات، ومجتمعات أن نفرح، وأن نحتفل بنجاحنا وإنجازاتنا العظيمة ، فهل من حقنا أن نمارس كل هذا العبث بحياة الناس؟ وهل من حقنا أن نفرض ثقافة الكسل والجهل والتشرد والضَّياع على الأجيال؟ وهل من حقنا – لأي سبب أو زعم أو ادعاء – أن نفتعل كل هذه العطل الرسمية حتى كره الناس كل هذه العطل، وحتى كره الناس حياتهم وكل مناسباتهم، وحتى كره الناس أنفسهم، وكرهوا اللحظة التي أتت بهم إلى هذا الوجود العفن!!

    وإذا كان من حق الأمة أن تخصص لنفسها يومًا من أيام الأسبوع ترتاح فيه بعد ستة أيام من العمل والجهد والكفاح؛ فإن من سخرية الأقدار أن نجد في هذا الكون أممًا لم تُفلح إلا في البحث عن أيام ومناسبات تتهرب فيها من العمل والقيام بالواجب!! لستُ أدري والله لماذا فُرض على مدارسنا ودوائرنا أن تعطل يومين في الأسبوع!! ولست أدري والله لماذا فُرض على أطفالنا برنامج امتحانات من ثلاثة أسابيع.. تعقبها إجازة من عشرة أيام ليكون المجموع هنا شهرًا كاملاً سبقه شهر كامل أيضًا من عطل الجمعة والسبت منذ بدء العام الدراسي.. كما سبقه نصف شهر من العطل الرسمية الدينية، ومثلها من الإضرابات إن لم أكن مخطئًا... فكم يومًا دراسيًّا فعليًّا كان في هذا الفصل الدراسي الذي مضى غير مأسوف عليه؟؟

    أغلب الظن أن عدد الأيام الدراسية منذ مطلع هذا العام الدراسي لم يتجاوز ستين يومًا.. وأغلب الظن أن الفصل الثاني من هذا العام لن يكون أحسن من سابقه.. ومعنى هذا أن السنة الدراسية أصبحت في هذا العهد الميمون مكونة من مئة وعشرين يومًا (أربعة أشهر ) في أحسن الأحوال بعد أن كانت مئتين وعشرة أيام أو أكثر من ذلك قليلاً في بعض الأعوام، وبعد أن كان المعلمون يضيفون إليها من الساعات والأيام ما يضمنون به نجاح أبنائهم بجدارة .. ونجاح العملية التربوية وازدهارها، رغم أنف الكارهين!!

    إن الناس في هذه الديار يعرفون هذه الحقائق جيّدًا ، ويعرفون أن أبناءهم – مع الأسف - لا يتعلمون، ويعرفون أن وزيرة التعليم لا تقر هذا ولا ترضى به في قرارة نفسها، وكذلك رئيس الوزراء ، وسائر المسئولين... وإذا كان الأمر كذلك.. فلماذا يحصل هذا؟ وإلى متى ستستمر هذه المهازل في مدارسنا ودوائرنا ومؤسساتنا؟ إلى متى سنظل أمة من المتسولين الخاملين الغارقين في بحر الكسل؟

    ومن المسئول عن هذا كله، وكثير غيره؟ أسئلة كثيرة نحيلها إلى ذوي الاختصاص من الباحثين والمفكّرين والكتّاب الملتزمين في مجتمعنا، وجامعاتنا، وصحافتنا المحلية.

(9/1/2008)

24/4/2012

لماذا كل هذه العطل الرسميّة؟؟

لماذا كل هذه العطل الرسميّة؟؟

الاثنين، ٢٣ نيسان ٢٠١٢

في اليوم العالمي للكتاب.. وحقوق المؤلف!!

متابعات
في اليوم العالمي للكتاب.. وحقوق المؤلف!!
أ.عدنان السمان
     
       ليس هنالك حاجةٌ للتأكيد على دور الكتاب في حياة الناس أفرادًا وشعوبًا وقبائل، وعلى دوره في تطور الأفراد والجماعات والأمم منذ أقدم العصور وحتى يومنا هذا، وليس هنالك من حاجة لإجراء الموازنات والمقايسات بين الأفراد النابهين وأولئك الخاملين في المجتمع الواحد، وفي سائر المجتمعات والتجمعات، وبين الأمم المتحضرة المتطورة المتقدمة وتلك البدائية المتخلفة، ليس هنالك من حاجة لهذا كله كي نعلمَ علم اليقين أن الكتاب هو السبب، وأن الثقافة هي السر في هذا، وأن النابهين من الناس هم الذين عرفوا الطريق إلى الكتاب، وأن الخاملين هم من لم يعرفوا الطريق إليه.. وأن تقدم الأمم والشعوب يقاس بمقدر ما تقرأ، وبمقدار ما تكتب، وبمقدار ما تفكر، وبمقدار ما تبتكر وتبدع وتؤلف بعد هذا كله في سائر ألوان العلم والمعرفة.
     العرب المسلمون عرفوا الطريق إلى الكتاب ذات يوم، عرفوه قبل المأمون، وعرفوه في عهد المأمون، فقرأوا، وقرأوا، ولم يَدَعوا كتابًا من كتب السابقين إلا قرأوه بعد أن ترجموه، ثم كتبوا، وكتبوا، ولم يتركوا لغيرهم من اللاحقين ما يكتبونه، لأنهم السابقون، ولأنهم المحلقون في فضاءات العلوم، وآفاق الآداب، ومدارات الطب والهندسة والصيدلة والاختراع والفلك والنجوم والرياضيات والتشريع العادل، والفكر السياسي الاجتماعي المستنير المتزن، والقضاء العادل الراشد المتوازن الذي جعل منهم خير أمة اُخرِجت للناس.. لم يكتب غيرهم من معاصريهم ومن لاحقيهم شيئًا مذكورًا أو غير مذكور إلا بعد أن حالت حالهم، وتغيرت أحوالهم، وتقطعت أوصالهم، ودالت دولهم، وأصبحوا عالة على هذا الوجود، بسبب تخلفهم وجهلهم وأُميّتهم، فتجرّأ عليهم عدوهم، ولم يعاملهم بالعدل كما عاملوه، بل لقد اضطهدهم وأذلّهم وتحكّم بأرضهم وسمائهم ومستقبل أجيالهم على أرضهم أرض آبائهم وأجدادهم الميامين الذين ملأوا الأرض علمًا وعدلاً ونورًا ورحمةً ذات يوم.
    والأوروبيون الغربيون أيضًا عرفوا الطريق إلى الكتاب بعد أن قرأوا كتب العرب، ومؤلفات العرب، وبعد أن درسوا في جامعات العرب في بغداد وبخارى وسمرقند، وفي طليطلةَ وإشبيليةَ والقيروان، هؤلاء الأوروبيون بنَوا فوق ما بناه العرب، ثم استقلوا عنهم، وانفردوا بمسيرة التطور والتقدم منذ الانقلاب الصناعي، وكانوا حريصين على ازدياد المسافة، واتساع الهوَّة بينهم وبين العرب، فشغلوهم بالقشور، وصرفوهم عن الجوهر، وأصبحت المطابع في قطر أوروبي واحد مثل ألمانيا تقدم للناس من الكتب في عام واحد ما قدمه العرب منذ عهد المأمون وحتى يومنا هذا.. صحيحٌ أن وسائل النشر قد اختلفت، وصحيح أن المطبعة قد لعبت دورًا في هذا المجال، وصحيح أن وسائل الإعلام والإعلان قد روّجت للكتب، وصحيح أن ثورة المعلومات والمواصلات والاتصالات قد ساعدت الألمان وغير الألمان على إغراق الدنيا كلها بكتبهم ومؤلفاتهم في شتى أنواع العلوم والمعارف والآداب والفنون.. ولكن صحيح أيضًا أننا أمة أخلدَت إلى الراحة والدَّعة، واستكانت همتها، وفتَرَت عزيمتها، وأصبحَ شغلها الشاغل في أكلٍ تأكله، وشراب تشربه، وأصبح همُّها يكاد يكون محصورًا في التنافس، بل الاقتتال والاحتراب في جمع المال، وفي الولاء للأجنبي، وظلمِ الأهل والصحب والعشيرة، والاستعلاء عليهم، والاستقواء على الناس بالأجنبي..لقد انصرفنا عن الكتاب الجاد النافع المفيد إلى ألوان من الكتب الهابطة الرخيصة، وإلى ألوان من المطبوعات الموبوءة التي تهدم ولا تبني، وتفرّق ولا توحّد، وتذرُ الناس بعد ذلك سكارى وما هم بسكارى، وقد يكونون سُكارى أيضًا، لسنا ندري، وربما كنا ندري!!.
    إن الأمم والشعوب التي تحترم نفسها، وتريد أن تحيا باحترام على أرضها، وترغب في حياة حرة كريمة لأبنائها وأجيالها وحفدتها وذراريها على أرض حرة عزيزة بعيدة عن الهوان، وعصيّة على الطغيان، هي الأمم والشعوب التي تتخذ من الكتاب، ومن المطبوعات الجادة ومصادر الفكر والثقافة والمعرفة، ومن تجارب الشعوب والأمم الحية طريقًا إلى ذلك، ووسيلة لتحقيق كل ذلك.. وإن الأمم والشعوب التي تحترم نفسها هي تلك التي تحترم مفكريها، وتحترم مثقفيها وقادة الفكر والرأي فيها، وهي التي ترعى مبدعاتها ومبدعيها، وعمالها، وفلاحيها، وهي التي تحرص كل الحرص على حرمة البلاد والعباد، وعلى مصالح البلاد والعباد علميًّا وصحيًّا وفكريًّا ونفسيًّا.. وهي التي يحصل فيها الناس جميعًا على كافة حقوقهم، ويقوم فيها الناس جميعًا بكافة واجباتهم والتزاماتهم دون نقص أو تقصير.
   إننا في هذا اليوم الثالث والعشرين من نيسان،اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف لا يسعنا إلا أن نشد على أيدي القراء العرب، والكتّاب العرب، والمؤلفين العرب، والناشرين العرب، وباعة الكتب العرب، وأصحاب المكتبات العرب، وكل من يعنيهم أمر الوطن والمواطن على كل أرض العرب.. مطالبين بمزيد من الحرص على مستقبل هذه الأجيال العربية، وبمزيد من الحرص على مستقبل هذه الأمة العربية، وبمزيد من الحرص على بث الوعي، ونشر المعرفة عن طريق الكتب والمطبوعات الجادة كافة، وعن طريق الكلمة الصادقة الأمينة الشجاعة وسيلة لتحقيق هذا، ومطالبين أيضًا بتشجيع القراءة، وتشجيع التأليف، ورصد الميزانيات الكافية الكفيلة بتحقيق ذلك، وسن التشريعات التي تكفُل حقوق المؤلف، وتحافظ على هذه الحقوق، وتحمي إنتاجه من عبث العابثين، وانتحال المنتحلين، وتزوير المزورين، وتدخل المتدخلين واعتداءاتهم وتجاوزاتهم.
23\4\2012
 
 

الجمعة، ٢٠ نيسان ٢٠١٢

في مساوئ الانتخابات وتناقضاتها.. وفي نزاهة الحكم أيضًا!!

متابعات

في مساوئ الانتخابات وتناقضاتها.. وفي نزاهة الحكم أيضًا!!

أ. عدنان السمان

www.samman.co.nr

   يخطئ من يعتقد أن كل الانتخابات جيدة، وأن كل الانتخابات تؤدي إلى نتائج إيجابية، وأن كل الانتخابات تأتي بالضرورة والحتمية بالأفضل، أو الأحسن، أو الأصلح من بين سائر المرشحين لهذا المنصب أو ذاك، ولهذه الهيئة أو المؤسسة أو الدائرة أو تلك، ويخطئ من يعتقد أن كل الانتخابات، وكل ما تسفر عنه من نتائج هي من الأمور المقدسة التي لا يرقى إليها الشك، ولا يجوز أن يعترض عليها معترض، أو يحتج محتج.. وفي الوقت نفسه، فإنه يخطئ من يعتقد أن كل الانتخابات سيئة، وأنها باطلة باطلة، وأن كل نتائجها تؤدي بأصحابها إلى الهاوية.. وكذلك فإنه يخطئ من يعتقد أن كل التعيينات سيئة، وأن كل الأنظمة التي لا تعطي كبير وزنٍ أو اهتمامٍ بالانتخابات هي أنظمة فاسدة استبدادية قمعية إلى آخر ما هنالك من صفاتٍ ونعوت.. فالعبرة بالمضمون لا بالشكل، والعبرة بالتطبيق والممارسة لا بالتنظير، والعبرة بالنتائج والنوايا والتطلعات والأهداف والغايات والممارسات والمتابعات، وليست بالتبعية والتقليد والمحاكاة، وليست بالشكليات والصياغات والفبركات والترويجات والتأويلات والحذلقات والتفسيرات.. والعبرة قبل هذا كله، أو بعد هذا كله في الحفاظ على سلامة الوطن وسلامه وعزته، وعلى أمن المواطن وأمانه ورفائه ورفعته.. والعبرة أيضًا بقوة الأوطان، وسلامة البنيان، وعزة الإنسان، وتفوقه ثقافيًّا، وفكريًّا، واقتصاديًّا، وسياسيًّا.. والعبرة في تماسك المجتمعات والتجمعات كبيرها وصغيرها، وفي ترابط هذه المجتمعات والتجمعات وتعاونها على البر والتقوى والصلاح والفلاح والتطور والتقدم والمحبة والمودة والإحسان، لا على الفساد والبغي والإفساد والخداع والانحراف والسلب والنهب والتزوير والكذب وارتكاب الكبائر والصغائر والعدوان.

   كثيرةٌ هي الانتخابات التي أتت بالفاسدين والمفسدين في الأرض، وكثيرةٌ هي الانتخابات التي وجهتها الرشاوى، وتحكمت فيها الضغوطات السياسية والتهديدات، وكثيرةٌ هي الانتخابات التي واكبتها ورافقتها كل ألوان الغش والخداع والتزوير، وكثيرةٌ هي الانتخابات التي فشل فيها الأحرار الشرفاء الأوفياء الأكفياء من الناس، وتلك التي فاز فيها أولئك الأحرار الشرفاء، ولكن دون أن يتمكنوا من جني ثمار فوزهم، ودون أن يحترم أحدٌ رغبة الناخبين، أو يصغي أحدٌ لإرادة صندوق الانتخاب.. ليست كل الانتخابات سيئة، وليست كلها جيدة، ولم تأت الانتخابات كلها بالأحسن، ولم تأت كلها بالأسوأ، والانتخابات ليست كلها مقدسة، بل إن كثيرًا منها مزورة، وإن كثيرًا منها قد أتت بغير ما يريده ضمير الأمة، وإن كثيرًا من نتائجها ما اشتُريَ بالمال وصنوف الإغراء والإغواء، وأشكال الوعيد والتهديد، وألوان الضغوطات والتأثيرات والمؤثرات الداخلية والخارجية، وإن كثيرًا منها ما يُجرى تحت تأثير اللوبيات، ومراكز القوى والتحكم والتدخل والتنفذ ودفع رسوم الترشح، وتمويل المعارك الانتخابية لقاء تأييد الفائز في النهاية لسياسة هذه المجموعات والجماعات والهيئات واللوبيات.. فما معنى مثل هذه الانتخابات؟ وما معنى محاولات فرضها وتعميمها على الناس في هذا العالم؟ ولماذا يُصر هؤلاء وأولئك على إجرائها دائمًا تحت الضغط الاقتصادي والسياسي والأمني والنفسي؟ ولماذا لا يعترف أحدٌ بنتائج انتخاباتٍ قد تأتي بالأخيار الكرام ملبيةً رغبة الناخبين؟ ولماذا يصر هؤلاء وأولئك على أن يأتي صندوق الانتخاب بمن يريدون؟ ألا تكون الانتخابات نزيهةً وشفافةً ومعترفًا بها إلا إذا أتت بمن يريده الغربيون، ودعاة الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، ودعاة العولمة والتنفذ والنفوذ الغربي الامبريالي في هذا الوطن العربي والعالم الإسلامي؟؟ إن انتخاباتٍ كهذه لا يمكن أن تكون انتخاباتٍ ديمقراطية ًكما يدَّعون، ولكنها مزورةٌ تنطوي على المكر والخداع والتزييف، واستغلال هذه "الديمقراطية" أسوأ استغلال كي تأتي بمن يريده أولئك وهؤلاء.. ولكن الشعوب، رغم كل ما يحل بها من مهانةٍ وإهانةٍ وتجويعٍ وتركيع، ورغم كل ما تتعرض له من تنكيلٍ وتقتيل، إلا أنها تعرف جيدًا ما يريدون، وتُدرك جيدًا ما يريده المخططون والمنفذون والمتلاعبون بالقيم الإنسانية، وبحق الشعوب المقدس في العيش بأمنٍ وأمان ومحبةٍ واستقرارٍ واطمئنان، في أوطانٍ حرةٍ سيدةٍ عزيزةٍ كريمةٍ مستقلةٍ مستقرةٍ بعيدًا عن التبعية لكل هؤلاء وأولئك، وبعيدًا عن الهيمنة والسيطرة ومناطق النفوذ والأحلاف العسكرية وغير العسكرية، وبعيدًا عن سياسات السلب والنهب، وتجويع الشعوب وتركيعها وترهيبها.

   قد ترى عائلةٌ، أو قبيلةٌ، أو مدينةٌ، أو تجمعٌ، أو مجتمعٌ، أو شعبٌ، أو أمةٌ أن فلانًا من الناس هو أفضل أبنائها، وأقواهم على النهوض بأمورها، وأشدهم حرصًا وغيرةً على مصالحها، فتختاره بطريقتها، وتسلمه زمام أمرها.. لم يتوجه الناس إلى صندوق انتخاب عندما اختاروا أبا بكر، وعندما اختاروا عمر، ولم يتوجهوا إلى صندوق انتخاب لاختيار بني أمية بفرعيهم السفياني والمرواني، ولم ينتخبوا أحدًا من خلفاء العباسيين في المشرق العربي، والأمويين وغير الأمويين في المغرب العربي، وفي قلب أوروبا أيضًا!! لقد كان العلماء والفقهاء والوجهاء والقادة والمفكرون والأعيان والمستشارون يقولون دائمًا كلمتهم، ويجمعون أمرهم، ويقررون من هو أفضل أبناء الأسرة، أو القبيلة، أو المدينة، أو الدولة، فيتولى من وقع عليه الاختيار مقاليد الأمور.. ويذكر التاريخ العربي أنه في الوقت الذي يخطئ فيه هذا الوالي أو الخليفة، أو الحاكم، فإن ذوي الاختصاص من حوله ينبهونه إلى خطئه، فإن كثرت الأخطاء رغم التوجيهات والتنبيهات قاموا بعزله، وتعيين آخر بدلاً منه، حدث هذا في تاريخ العرب منذ أن عرفوا الحكم، وأقاموا الدول، ولا مجال لذكر الأمثلة، ففي كتب التاريخ كثيرٌ منها مما يمكن الرجوع إليه.

   أبو بكرٍ يقول: "أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم، ألا إن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ الحق له، وأضعفكم عندي القوي حى آخذ الحق منه". وعمر يرفض أن يتولى ابنه عبد الله الخلافة بعده، عندما أراد الناس في المسجد أن يعينوه مكان أبيه الذي ينزف دمًا في المسجد بعد أن طعنه أبو لؤلؤة.. يرفض عمر ذلك، ويقول: "يكفي أن يكون واحدٌ من آل الخطاب مسئولاً أمام الله عن هذه الأمة"!! عمر الذي أعطى كل وقته وجهده لهذه الأمة على مدى اثني عشر عامًا أو يزيد يبكي، ولا يريد أن يكون ابنه خليفةً من بعده، لأنه يعتقد أنه قصَّر في تطبيق العدل المطلق في الحكم، ويخشى أن يكون ابنه كذلك!! عمر الذي يعتبره كثيرٌ من المؤرخين العرب وغير العرب المؤسس الحقيقي للدولة العربية الإسلامية، صاحب المواقف المشهورة التي لا زال صداها يملأ جنبات هذا الكون يخشى أن يكون قد قصّر، ويرفض أن يتولى ابنه الخلافة بعده، ولو وافق لاختاره الناس فورًا، ولعينوه عليهم قبل وفاة أبيه!!.

   تاريخ العرب حافلٌ بقوافل العظماء من الخلفاء والقادة والمفكرين والمبدعين والعلماء والأدباء والشعراء والفلاسفة والكتاب والمؤلفين في كافة فروع العلم والمعرفة.. وتاريخ العرب، وعظماء أمة العرب، بل تاريخ الدنيا بأسرها يقف شاهدًا على عزة العرب، وشهامتهم، وعلى حضارة العرب وازدهارها، وثقافة العرب وانتشارها، وعدالة العرب، وتسامح العرب وكرامة العرب، وبطولة العرب.. فلماذا نغمض أعيننا عن كل ذلك؟ ولماذا نجري وراء هؤلاء وأولئك في التبعية والولاء والمحاكاة والتقليد واقتفاء أثر هؤلاء المتربصين بنا، الطامعين في أرضنا؟ أنتوسم خيرًا فيهم ونحن نرى ونسمع ما عليه شعوبهم من جوع وخوف واضطراب؟ أنكون عونًا لكل طامعٍ فينا، مجترئٍ علينا، يسعى لهدم مجتمعاتنا وتفكيكها، لتسهل عليه السيطرة عليها وعلينا، لنهب خيراتنا، وإذلال إنساننا، واحتلال أوطاننا، وهدم بنياننا؟ لماذا كل هذا التهافت أيها المتهافتون؟ ولماذا كل هذا النفاق أيها المنافقون؟ ولماذا كل هذه التبعية لهؤلاء يا من تنكرتم لعروبتكم وإسلامكم وثقافتكم وتاريخكم وإنجازاتكم عبر التاريخ؟؟.

   وبعد، فإن هذه الانتخابات التي تقرعون بها رؤوسنا صباح مساء في كل أوطان العروبة ليست من العروبة والإسلام في شيء، وإنها وإن انطوت أحيانًا على شيءٍ من النزاهة في بعض المجتمعات الغربية إلا أنها ليست خيرًا كلها، وكفى دليلاً على زيفها وفسادها خضوعها لتلك القوى التي تتحكم بالناس، وتسخرهم لتنفيذ أهدافها ومآربها.... وكفى دليلاً على زيفها وفسادها مواقف من تأتي بهم تلك الانتخابات، ومواقفها العدائية من كافة قضايا الشعوب المناضلة من أجل حريتها وكرامتها، ويكفي دليلاً على ذلك أيضًا عمليات الغزو الممنهج لكثيرٍ من بلاد العرب والمسلمين، ثم إشعال النيران في كل بلاد العرب والمسلمين، كي يتمكن كل أعداء العروبة والإسلام من السيطرة عليها.. ألا يشكل هذا دليلاً على فساد انتخاباتهم، وعلى فساد ديمقراطيتهم، ومبادئ الحرية والإخاء والمساواة التي يتبجحون بها صباح مساء؟؟ ألا يحق لنا أن نبرأ من تلك الانتخابات الزائفة المزورة التي لم نر فيها على امتداد العقود الماضية سوى الكذب والنفاق والتزوير والخداع والتبعية كل أعداء هذه الأوطان؟ أليس من حقنا أن نلتفت إلى ماضينا لنأخذ منه العبرة والموعظة، ولنأخذ منه ما يعيننا على مواجهة واقعنا، وحسم أمرنا، والاستفادة من تجاربنا، والبناء على ما بناه أسلافنا وأجدادنا عندما كانوا رجالاً أضاءوا للدنيا كلها سبل الهداية والعدالة والمودة والرشاد؟ أليس من حقنا أن نغذَّ الخطى، ونشحذ الهمم، ونمضي بكل قوةٍ وعزمٍ وعزيمةٍ وإيمانٍ لبناء نظامٍ سياسيٍّ عربيٍّ يأخذ أحسن ما في نظام الانتخابات، وأحسن ما في نظم التعيينات، وأحسن ما في أنظمة الرقابة، والمتابعة، وبناء الهياكل والأجسام التي تأخذ من كل أنظمة هذا الكون خير ما فيها، إضافةً إلى ما عندنا من منهجٍ أخرج البشرية كلها ذات يوم من الظلمات إلى النور؟ أليس من حقنا أيها الكرام أن نتوقف عند كل هذه الحقائق كي نضع برنامجنا المتزن المتوازن الصادر عن كل ما في الانتخاب من فضائل، وعن كل فضائل التعيين ومحاسنه، وعن كل الممارسات والأساليب والوسائل المؤدية إلى نزاهة الحكم أيضًا.

(21/4/2012)      

الثلاثاء، ١٧ نيسان ٢٠١٢

نيسان.. يا ثورةَ السجونِ على السجان!!

متابعات

نيسان.. يا ثورةَ السجونِ على السجان!!

أ/ عدنان السمان

www.samman.co.nr

   الاعتقال الإداري، والاعتقال السياسي، والاعتقال العشوائي التعسفي، وكافة أنواع التوقيف والاعتقال، وكافة أنواع الحبس والسجن والتضييق على الناس ومصادرة حرياتهم، وسائر أنواع الكبت والقمع والتدخل في حياة الناس، وحشر الأنوف والآذان في خصوصياتهم، وكل أنواع الترغيب والترهيب والإغراء والرشوة لشراء الناس، والتحكم بهم، وفرض السيطرة عليهم، وعلى أوطانهم، كل هذه وتلك، وكل هذه الموبقات وتلك، وكل هذه الكبائر وتلك، وكل هذا الاستخفاف بالأوطان والإنسان، وكل هذه الأساليب التي يتبعها هؤلاء وأولئك ضد الوطن والمواطن، وضد الأخلاق الحميدة، والقوانين الراقية الرشيدة يجب أن تتوقف، ويجب أن يتعاون الناس جميعًا من أجل إنهائها، ووضع حدٍّ لها، ويجب أن يعمل كل من يعنيهم الأمر في كل بقاع الدنيا على إلغائها، واستبدالها بأحكامٍ عادلة، وقوانين رشيدةٍ سديدةٍ تحترم حياة الإنسان، وتحترم حرياته، وتحترم إرادته، وتحترم إنسانيته، وتحترم سائر حقوقه في القول والتفكير والتعبير والعمل واختيار النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يريد، مع احترام حقه في الدعوة لفكره، والترويج لفكرته ضمن الأعراف والوسائل المشروعة المتفق عليها في كل أقطار العالم التي تحترم الإنسان، وتحترم إنسانية الإنسان، وتحترم كافة حقوقه التي ضمنتها له القوانين، ونصت عليها الدساتير المكتوبة وغير المكتوبة، وسائر الأعراف، دون أن يكون من حق أحدٍ أن يتعرض له، أو أن يضايقه، أو أن يحاول منعه من إبداء رأيه تحت أية ذريعة من الذرائع التي يتذرع بها المفلسون الفاشلون الذين لا يؤمنون بحرية الإنسان وبحقه المقدس في القول والتفكير والتعبير.

   لقد نُكبت شعوبٌ كثيرةٌ في هذا العالم على مر العصور والدهور، ولا تزال، بأنظمةٍ قمعيةٍ استبداديةٍ تسلطيةٍ لا تقيم وزنًا للإنسان، ولا تحترم له رغبةً، أو إرادةً، أو رأيًا، ولقد تسلط على كثيرٍ من الشعوب في هذا العالم طغاةٌ عُتاةٌ جناةٌ أذلوها، وساموها سوء العذاب، وأحالوا حياة أبنائها جحيمًا وأي جحيم!! ولقد ابتليت البشرية خلال تاريخها القديم والوسيط والحديث بألوانٍ من المعارك والحروب المدمرة التي فُرضت عليها فرضًا دون أن يكون لها يدٌ فيها في كثيرٍ من الأحيان، وقد جنى على البشر والبشرية عبر تاريخها الطويل مغامرون كثيرون، وأشقياء كثيرون ممن جعلوا من الناس، ومن حياة الناس وقودًا لمغامراتهم وحروبهم التي لم يبتغوا منها إلا بناء أمجادٍ شخصية باطلةٍ ليس فيها أدنى مصلحةٍ لأحد، وليس فيها أدنى نفعٍ لأحد، ولا تنطوي على أدنى قيمةٍ من القيم التي عرفتها هذه الأمة، وعالجتها بأساليب مختلفةٍ راقيةٍ من الحكمة، والحوار، والموعظة الحسنة، قبل أن تلجأ إلى الكي، وهو آخر العلاج كما قالت العرب، وحتى في لجوء أولئك الناس إليه كانوا كارهين له مجبرين عليه، وقد اتخذوا منه وسيلةً لأمن الشعوب وأمانها وتقدمها وازدهارها وعيشها الكريم، ولم يتخذوا منه وسيلةً لقهر الشعوب، والتحكم بها، ومصادرة أراضيها، والتنكيل بأبنائها، وتجويع الناس وإذلالهم، بل فإن عكس ذلك تمامًا هو الصحيح، بدليل أن كل الشعوب في هذا العالم قد أحبت أولئك الناس، وبدليل أن كل الشعوب في ذلك العالم قد أصبحت جزءًا لا يمكن أن يتجزأ من تلك الأمة التي جاءت بالقيم والمُثل العليا والكتاب المنير، وكرست مبادئ الحق والعدل والمساواة، بعيدًا عن الاستبداد، وبعيدًا عن الظلم والبغي والفساد، وبعيدًا عن العدوان والطغيان والقهر والتنكيل والسلب والنهب، وكل أشكال التعسف والبغي والاستعباد والاستبداد.

   إن شعبنا العربي الفلسطيني الذي يعاني منذ مطلع تاريخه الحديث من سلسلةٍ تكاد حلقاتها لا تنتهي، ويكاد بعضها يؤدي إلى بعضها الآخر، ولا نقول إنها كانت كذلك يقينًا، وإنها كانت مدروسةً جيدًا ومخططًا لها جيدًا، حتى لا نُتهم بأننا من أصحاب نظرية "المؤامرة" التي يتحدثون عنها، ويحذرون منها، لأنه لا وجود لها إلا في عقولنا ورؤوسنا نحن الفاشلين الخائفين الفزعين من الناس!! ولأنه لا وجود لها في الواقع، ولا وجود لمخططين، أو مخططات، أو أجنداتٍ خارجيةٍ أو أجنبيةٍ، ولأن الأمور في هذا الكون تسير سيرًا طبيعيًا بحيب قوانين النشوء والارتقاء والتطور، والقوة والضعف، والصحة والمرض، والغنى والفقر، والعلم والجهل، والنضج والفجاجة، وبحسب قانون العرض والطلب بلغة الاقتصاد والاقتصاديين، وبحسب قوانين "العولمة" ومقتضياتها بحسب ادعاءات كثيرٍ من المثقفين والكتاب الذين باتوا يقومون بما يريده الغربيون نيابةً عنهم، وإيمانًا منهم بطهر الغرب وعفته ونضجه وطيبته وكرم أخلاقه، وإيمانًا منهم أيضًا بأن العالم اليوم قد أصبح قريةً صغيرةً، وهو ملك لجميع أبنائه وبناته، لا فرق بين غربي وشرقي، وعربي وغير عربي، ومسلم وغير مسلم إلا بمقدار ما يقدم لهذا العالم من نفع، وبمقدار ما يؤثر فيه، ويتأثر به، وصولاً إلى عالمٍ جميل، وعيشٍ هانئٍ هادئٍ كريم.. فإذا قلت إن هذا القول مبالغ فيه، وإنه وسيلة الغرب الجديدة لحكمنا والتحكم بنا، فإن حصل فبها ونِعْمَ، وإلا كان الغزو، وكانت الحروب، وكان الدمار، وكان الخراب، وكان كل ما لا تُحمد عقباه، وكانت السجون والمعتقلات التي يُحشر فيها حشرًا كالأغنام كلُّ خارجٍ عن القطيع، وكل من يغرد خارج السرب، وكان في هذه السجون والمعتقلات ما فيها من عدوانٍ وتقتيلٍ وتنكيلٍ وتجويعٍ وتركيعٍ واغتصابٍ وإذلالٍ وامتهانٍ للإنسانية والإنسان، وما نبأ تلك المعتقلات عنا ببعيد.

   وإن شعبنا العربي الفلسطيني هذا الذي يعاني منذ مطلع تاريخه الحديث مما تنوء بحمله الجبال، شعبنا هذا يقف اليوم شامخًا منتصبًا عملاقًا يرفض الضيم، ويرفض السجن، ويرفض الهوان، ويرفض العدوان، ويتمرد على السجان، ويُسمع الدنيا كلها صوته المطالب بالحرية، ويصرخ في وجه الدنيا كلها: لقد آن لنا أن نتحرر، وآن لنا أن نخرج من قبور الأحياء التي دفنونا فيها ظلمًا وعدوانًا، وآن لنا أن نحيا كما يحيا البشر، وأن نعيش حياتنا كما يعيش الناس في هذا العالم.. شعبنا العربي الفلسطيني يقف اليوم إلى جانب أسرى الحرية في ثورتهم وتمردهم على الظلم والعدوان، وتحديهم للسجن والسجان، وفي مطالبتهم بالتحرر من القيد.. أسرانا يثورون على حياة المذلة والهوان.. يثورون على الاعتقال الإداري والسياسي، ويثورون على الاعتقال التعسفي الاستبدادي العشوائي، وعلى سائر أنواع الاعتقال والتضييق والحصار والتحكم والإذلال.. كل أسرانا اليوم يحتجون على هذا الظلم الصارخ الذي ما أنزل الله به من سلطان.. إنهم لا يطالبون بتحسين ظروف اعتقالهم!! بل يطالبون بالحرية، والتحرر، وبكسر القيد، وإغلاق هذه السجون والمعتقلات التي دأبت على إذلال الأحرار منذ عهد هذه الديار بأول احتلالٍ في تاريخها الحديث.. ولئن كان الإنجليز المحتلون هم أول من أتى ببدعة الاعتقال الإداري، فإننا سنلغيه نحن اليوم بإصرارنا وإرادتنا، وبأمعائنا الخاوية، وصدورنا العارية، وبمواقف الشرفاء من الناس، والقوى التقدمية، وأنصار الحق والحرية والعدل والعدالة والسلام في هذا العالم، وسنلغي معه الاعتقال السياسي البغيض أيضًا.

(17/4/2012)

الاثنين، ١٦ نيسان ٢٠١٢

في ذكرى استقلال سوريا

(إعادة)

متابعات

في ذكرى استقلال سوريا

أ‌. عدنان السمان

www.samman.co.nr

   كان من أبرز نتائج انهيار الخلافة العثمانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى أن وقعت بلاد الشام تحت انتدابين أو احتلالين غربيين سمّهما ما شئت.. أما سوريا ولبنان فقد وقعا تحت الاحتلال الفرنسي، وأما فلسطين وشرقي الأردن فقد وقعا – كالعراق- تحت الاحتلال البريطاني، أو الانتداب البريطاني كما قالوا في تلك الحقبة من التاريخ... ولا يخفى على دارس أو متتبع لسير الأحداث في هذه الديار أن هذه الاحتلالات قد جاءت نتيجة لاتفاق سايكس بيكو الذي أصر فيه الرجلان على تمزيق ممتلكات الخلافة العثمانية لضمان عدم قيامها من جديد، وكذلك تمزيق سوريا ، وتقسيمها إلى أربع دويلات كما تعهدت بذلك قيادة جيش الاحتلال الفرنسي آنذاك... ولا ينسى مراقب أو متتبع لأحداث هذه الديار في تلك الفترة أن القوات البريطانية قد أخذت على عاتقها وضع وعد بلفور الصادر في الثاني من تشرين الثاني من عام سبعة عشر وتسعمئة وألف موضع التنفيذ ، بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين .. وهذا ما حدث في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وبعد ثمانية وعشرين عامًا من الاحتلال البريطاني لفلسطين، عندما أعلن الإنجليز في الرابع عشر من أيار من عام ثمانية وأربعين انسحابهم من فلسطين في الوقت الذي كانت فيه القيادات اليهودية تجتمع عصر ذلك اليوم في تل أبيب محددة اليوم التالي – يوم الخامس عشر من أيار- موعدًا لقيام إسرائيل التي أسماها بن غوريون بهذا الاسم.

    ولئن تمكنت بريطانيا من تحقيق أهدافها في فلسطين ، ولا تزال تواصل جهودها من أجل استكمال خططها ومخططاتها في حسم الصراع العربي الإسرائيلي لصالح الرؤية اليهودية، والتصور اليهودي لهذا الصراع على أرض فلسطين، وعلى الأرض العربية دون استثناء، ولئن تمكنت بريطانيا مجددًا تحت راية الأمريكان من العودة إلى العراق بعد خروجها منه في الرابع عشر من تموز من عام ثمانية وخمسين، وبعد انهيار حلف بغداد في ذلك اليوم ، ثم خروجها منه مع أمريكا مهزومةً تجرر أذيال الخيبة والفشل، فإن فرنسا لم تتمكن من تحقيق أهدافها في سوريا، بل اضطرت للخروج منها ليصبح اليوم السابع عشر من نيسان من عام ستة وأربعين وتسعمئمة وألف عيدًا للجلاء يحتفل به السوريون في كل عام، وليصبح هذا اليوم السابع عشر من نيسان عيدًا وطنيًّا، وعيدًا للاستقلال السوري، ورمزًا لانتصار المقاومة المسلحة في سوريا على الاحتلال الفرنسي الذي جثم  على صدرها نحو ستة وعشرين عامًا.. دون أن يتمكن الفرنسيون من العودة إلى سوريا تحت أي غطاء أو ستار، ودون أن تتمكن فرنسا الحديثة من العودة إلى أي من مستعمراتها في بلاد العرب لأكثر من عامل، ولأكثر من سبب .

    إنه، وفي هذه الأيام التي تعصف فيها الحوادث والأحداث بهذا الوطن العربي المفتت والمجزَّأ، وفي الوقت الذي تستبيح فيه جيوش الغزاة كثيرًا من الأقطار العربية والأرض العربية، وتهدد باجتياح ما تبقى من هذه الأقطار، وهذه الأرض العربية من المحيط إلى الخليج، وفي الوقت الذي تصدر فيه الأوامر والتعليمات من تلك القيادات المتغطرسة المستكبرة إلى القيادات العربية والحكومات العربية بضرورة تنفيذ رغبة تلك القيادات ، وبضرورة تمرير خططها ومخططاتها في كل أرض العرب، وبضرورة ابتعادها عن "التطرف" العربي، و"المتطرفين " العرب.. وفي الوقت الذي لا تخفي فيه تلك القيادات رغبتها في السيطرة المطلقة على كل الأرض العربية بهذه الوسيلة أو تلك، وبهذا الأٍسلوب أو ذاك؛ وفي الوقت الذي يواصل فيه المعتدون عدوانهم اليائس على القطر العربي السوري منذ أكثر من عام، بهدف تغيير النظام القائم في دمشق بقوة السلاح،  فإنه يحسن بنا، ويجدر بكل مراقب ومتتبع  لسير كل هذه الحوادث ، والأحداث، والأوامر، والنواهي، والتوجيهات، والاعتداءات، والتعليمات، والتهديدات أن يعود بالذاكرة قليلاً إلى الوراء، وتحديدًا إلى العام السادس والأربعين من القرن الماضي، وإلى السابع عشر من نيسان من ذلك العام ليقرأ صفحات مشرقة من تلك الثورة المسلحة التي انطلقت من جبل العرب في العشرين من تموز من عام خمسة وعشرين وتسعمئة وألف بقيادة سلطان باشا الأطرش.. تلك الثورة المسلحة التي استمرت وتواصلت لتوصل السوريين إلى الاستقلال التام.. يجدر بنا أن نعرف أن تلك الثورة قد تفجّرت عندما قام عدد من المسلحين السوريين بمهاجمة المركز الفرنسي في بلدة صلخد في جبل العرب، وحرقه مع دار البعثة الفرنسية بمكاتبها وأوراقها كما يقول الكاتب العربي السوري أحمد القضماني.. ثم تقدم المقاتلون نحو بلدة الكَفر مشاةً وخيّالة متسلحين بالأسلحة الخفيفة، والسلاح الأبيض، وهاجموا الموقع الذي تعسكر فيه الحملة الفرنسية التي أُبيدت بفعل عنصر المباغتة ، وبفضل شجاعة المجاهدين، وكان من نتيجة ذلك أن اندلعت الثورة في كافة قرى جبل العرب، واهتزت لتلك الأحداث سائر المدن والقرى العربية السورية.. ومن أبرز المعارك في تلك الحقبة معركة المزرعة التي زار موقعها الدكتور عبد الرحمن الشهبندر القائد السياسي الوطني الكبير بعد أيام من وقوعها، ووصفها في مذكراته بأنها ملحمة بالسلاح الأبيض لم يجرِ مثلها في بلاد الشام من قبل.. وقد غنم المقاتلون كثيرًا من أسلحة الفرنسيين بما في ذلك عدد لا بأس به من المدافع والرشاشات والقنابل اليدوية والعتاد.. وامتدت الثورة المسلحة تلك إلى المناطق السورية الأخرى ومنها منطقة غوطة دمشق، والمنطقة الممتدة قرب جبل الشيخ وصولاً إلى مجدل شمس، وعين قنية، ومسعدة، وبقعاتا.. ثم امتدت إلى كثير من البلدات والقرى اللبنانية الواقعة ما بين راشيا الوادي شمالاً، وحاصبيّا جنوبًا، وقد انتقل زعماء الحركة الوطنية من دمشق إلى جبل العرب مطالبين الجماهير العربية السورية برفض تقسيم سوريا إلى دويلات أربع، داعين إلى استعادة الوحدة السياسية السورية... ولقد جرت في جبل العرب معارك كثيرة آنذاك منها معركة المسيفرة في يومي السادس عشر والسابع عشر من أيلول من عام خمسة وعشرين وتسعمئة وألف.

    تجمع مقاتلو هضبة الجولان (قرابة أربعمئة مقاتل) في بلدة مجدل شمس في الأشهر الأخيرة من عام 1925، وحاولت القوات الفرنسية احتلال تلك القرى، وعليه فقد بدأ الثوار يقاومون تقدم الجيش الفرنسي وهو على بعد ثلاثة كيلومترات من بقعاتا، واستطاع الوصول إلى مسعدة في اليوم الأول، وفي اليوم الثاني تقدم الجيش الفرنسي محاولاً احتلال مجدل شمس فواجهه الثوار ببسالة مدهشة، والتحموا معه، وفي موقع "السكّرة" قرب البلدة تمكن الثوار من تعطيل عدد من المصفحات، وتدمير بعضها الآخر، وهزم الفرنسيون هناك هزيمة نكراء... وبعد تلك المعركة جهز الفرنسيون حملة عسكرية لاحتلال مجدل شمس، وتألفت الحملة – بحسب الكتاب الذهبي الفرنسي المترجم إلى العربية - من جيشين بقيادة الجنرال كليمان غرانكو أحد قُواد الحملات العسكرية الفرنسية لقمع الثورة التي تزعمها الشيخ صالح العلي في منطقة الساحل السوري، والثورة التي قادها الزعيم السياسي ابراهيم هنانو في منطقة حلب وشمال سوريا. انطلق الجيش الأول من جديّدة مرجعيون الواقعة جنوب لبنان، وانطلق الجيش الثاني من مدينة القنيطرة السورية الواقعة على بعد خمسة وعشرين كيلومترًا من مجدل شمس..وقد هاجم الجيش الأول المجدل من الغرب عن طريق بانياس والحدود الفلسطينية، أما الجيش الثاني فقد هاجم من جهة الجنوب والشرق، وكان الهجوم شرسًا استعمل فيه الفرنسيون الطائرات مما اضطر المقاومين إلى النزوح بعائلاتهم إلى جبل الشيخ، وقرى الجليل الفلسطينية، وجبل العرب، وتابعوا المشاركة في المعارك من هناك، وهكذا استمرت الثورة في سوريا حتى تم للشعب العربي السوري تحرير وطنه من الغزاة الفرنسيين، وانتزاع حريته واستقلاله منهم في مثل هذه الأيام من عام ستة وأربعين وتسعمئة وألف.. وهكذا يستمر تصدي سوريا اليوم لهذه المحاولات اليائسة التي تريد إسقاط النظام العربي التقدمي التحرري في سوريا، وتقسيم سوريا إلى أربع دويلات كما كان مخططًا لذلك في إبان الاحتلال الفرنسي لسوريا، وإخضاع سوريا من جديد لهيمنة الغرب عن طريق أدوات الغرب وعملائه في بعض بلدان العرب.. وهكذا أيضًا سيستمر تصدي السوريين لكل محاولات هؤلاء وأولئك حتى تخرج سوريا من هذه الفتنة المؤامرة أشد قوةً، وأشد صلابةً، وأكثر تأثيرًا في السياسة العربية والدولية، وأكثر إصرارًا على تحرير الإنسان العربي، والوطن العربي من طغيان الطغاة، وعدوان المعتدين، وأطماع الطامعين.

   

 

الأحد، ١٥ نيسان ٢٠١٢

من مستلزمات الحياة اليومية للمواطن - المواصلات

متابعات

من مستلزمات الحياة اليومية للمواطن - المواصلات

أ/ عدنان السمان

www.samman.co.nr

   كثيرةٌ جدًّا هي احتياجات المواطن العادي في حياته اليومية، وكثيرةٌ جدًّا هي احتياجات الأسرة، وبالتالي احتياجات المجتمع من مأكلٍ ومشربٍ وملبسٍ ومسكنٍ وعلاجٍ ودواءٍ وتعليمٍ واتصالاتٍ ومواصلاتٍ ونفقاتٍ أخرى قد يكون لها أول، ومن الصعب أن يكون لها آخر.. ولما كان من الصعب جدًّا أن نحيط بهذا كله في مقالةٍ أو اثنتين أو ثلاثةٍ، أو حتى في سلسلةٍ من المقالات التي قد تشكِّل كتابًا يعجز من هو في مثل حالنا عن طباعته ونشره، بل قد تشكل سلسلة من الكتب إذا وضعنا في الاعتبار أن نلم بكل تفصيلات ما سبق ذكره، وبكل حيثياته، الأمر الذي يستدعي أن يشرف على موضوع كهذا مجموعة من الباحثين المختصين في كافة أوجه الحياة للناس وللمجتمعات، وأن يتولى أمر الطباعة والنشر في موضوع كهذا وزارة أو دائرة أو منظمة أو هيئة تعنى كل العناية بالإنسان واحتياجاته، وبالمجتمعات واحتياجاتها ومتطلباتها، في ظل نظام أو أنظمة تحترم نفسها، وتحترم الإنسان، وتحرص الحرص كله على سلامة المجتمع وعلى سلامة صحته الجسدية والنفسية، وعلى أمنه، وأمانه، وحريته ،ورِفائه، وتطوره، وخلوه من العاهات والعلل والأمراض، وعلى رأسها التخلف والجهل والتسيب والفوضى والعدوان على الناس في ممتلكاتهم الخاصة والعامة، وفي كل ما يتعلق بحياتهم اليومية، ومكتسباتهم في هذه الحياة التي ينبغي أن يحقق المواطن فيها ذاته، ويجد فيها نفسه، ويرى فيها الأجيال وهي تسير من خلفه على هدًى، وعلى بينةٍ، وعلى بصيرةٍ وتبصرٍ من أمرها، راشدةً عاقلةً مدركَةً أبعاد حقوقها، وكل أبعاد واجباتها، فتحصل على هذه، وتؤدي تلك، وهكذا تسير الحياة على ما يرام، ويحظى المواطن والوطن بالعزة والرفعة والتقدم والرِفاء والاحترام.

   ولما كان الأمر كذلك، فإننا نجتزئ في هذه العجالة موضوعًا قد يراه كثيرٌ من الناس هامشيًّا لا يستحق كل هذا الكلام والاهتمام، نظرًا لأن حياة مثل هؤلاء الناس تختلف عن حياة غيرهم من المواطنين المهمشين الذين لا يحصلون على احتياجاتهم – إن حصلوا عليها- إلا بشق الأنفس.. مثل هؤلاء الناس – وهم كثرٌ- تشكل المواصلات العامة بالنسبة لهم مشكلةً، ويا لها من مشكلة!! لأن رب الأسرة مضطرٌّ للخروج من بيته حتى لو كان عاطلاً عن العمل، ليرى الناس، وليسمع ما يقولون، علَّه يجد فرصة عمل، وعلَّه يجد عملاً إضافيًّا يعينه على توفير احتياجات أسرته التي لا تقف عند حد إن كان عاملاً، ولأن أفراد الأسرة أيضًا مضطرون للخروج إلى مدارسهم وجامعاتهم أو منتدياتهم وأماكن لقائهم بأصدقائهم وأقرانهم، لأن هذه هي طبيعة الحياة التي فُطر الناس عليها، ولأن هذه هي سنة الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلا.. إن أسرةً متوسطةً مكونةً من خمسة أفرادٍ أو ستةٍ تحتاج في كل يوم كحدِّ أدنى لستة دنانير كي تخرج من البيت وتعود إليه، إن المواصلات وحدها، وفي حدها الأدنى الذي لا يمكن الاستغناء عنه تتطلب مثل هذا المبلغ في اليوم الواحد، فماذا يقول رب الأسرة إن كان بلا عمل، أو كان من ذوي الدخل المحدود جدًّا، أو المحدود، ماذا يقول معيلٌ كهذا في باقي احتياجات أسرته؟ وكيف سيوفر كل هذه الاحتياجات إذا كان عاجزًا عن توفير المواصلات؟ وإذا كان عاجزًا عن توفير أبسط وسائل الاتصالات التي أضحت من مستلزمات الحياة اليومية هي الأخرى، ماذا يقول رب أسرة وهو يرى نفسه عاجزًا عن توفير تحركات أبنائه وبناته من بيتهم إلى مدارسهم وجامعاتهم، وعاجزًا عن متابعتهم والاطمئنان عليهم كما يفعل كثير من الناس، وكما يجب أن يفعل رب الأسرة من أجل المحافظة على أبنائه وبناته؟ وماذا يقول وهو يرى نفسه عاجزًا عن دفع الأقساط وشراء الكتب، ووضع المصروف اليومي لأبنائه في أيديهم، وهم يخرجون من البيت متوجهين من وُكناتهم إلى ثكناتهم؟؟ وكيف تكون أحوال مجتمع بلا وكنات أو ثكنات؟ ليس مجتمعًا هذا الذي لا يملك الناس فيه بيوتًا تؤويهم، وليس مجتمعًا هذا الذي ليس له من أبنائه جنودٌ يتوجهون إلى ثكناتهم ينهلون منها العزة والكرامة والحرية والفروسية والعلم والمعرفة والأخلاق والانتماء وحب الوطن والأرض والتاريخ والتراث!! وليس مجتمعًا هذا الذي لا يملك فيه رب الأسرة ما ينفق منه على أبنائه وبناته في تحركاتهم وتنقلاتهم، وليس مجتمعًا هذا الذي لا يجد فيه المقموعون من الناس وسائل مواصلاتٍ تعينهم على التوجه إلى بيوتهم، أو أعمالهم، أو مدارسهم، أو جامعاتهم، أو قراهم، أو أحيائهم، أو الأماكن التي يرغبون في زيارتها، أو يرغبون في رؤيتها.. وإذا كانت مثل هذه الوسائل مؤمَّنةً للناس جميعًا أو لكل راغبٍ في اللجوء إليها من الناس في البلدان التي تحترم نفسها، وتحترم إنسانية الإنسان، وأبسط حقوقه في الحياة، فإنها ليست كذلك في البلدان التي ليس لها هدف سوى استغلال المواطن وابتزازه وإذلاله، فإما أن يكون المواطن قادرًا على خدمة الأسياد، وإما أن لا يكون، ولله في خلقه شؤون!! وللحديث أيضًا شجونٌ وشجون.

   المواصلات - على الأقل - يجب أن تكون مؤمنةً لكل الناس في البلدان النامية المتخلفة، والأمر ليس كذلك – بالطبع – في البلدان التي يتجاوز فيها معدل الدخل السنوي للفرد ثلاثين ألفًا من الدولارات في العام، إضافةً إلى سلسلة من الضمانات الاجتماعية، والتأمينات الصحية وغير الصحية مما يعود على "المواطن" هناك بثلاثين ألف دولارٍ أخرى على شكل خدمات وضمانات وتأمينات.. فإما أن يكون الناس فقراء وإما أن لا يكونوا.. فإن كانوا فقراء توجب على أولي الأمر أن يوفروا لهم ما يحتاجون إليه، وإن كانوا أغنياء قادرين على شراء حاجياتهم واحتياجاتهم فعلوا، وهذه المعادلات ليست بحاجة إلى كثير من الشرح والتوضيح.. أما أن يكون هنالك فقراء معوزون شحاذون معدمون مقموعون بائسون، ثم نطلب منهم ما تطلبه الدول المتقدمة الصناعية المتطورة من شعوبها ذات الدخل المرتفع فهذا كثير، وهذا هو الشر المستطير!! ورب قائلٍ: وإذا كان أولي الأمر غير قادرين على الإنفاق؟ قلنا إن هذا غير صحيح على الإطلاق.. فالطبقية البغيضة تؤدي إلى مثل هذا الخلل، وكذلك البطالة.. وسوء الإدارة، والفساد المالي والإداري، وتفشي العلل والعاهات الاجتماعية هي الأخرى تؤدي إلى مثل هذا الخلل.. ويجدر بنا أن نحاسِب أنفسنا قبل أن نحاسَب، ويجدر بنا أن نعتبر من حوادث التاريخ وأحداثه، ومما يجري ويدور من حولنا في هذه المنطقة من العالم، قبل أن نكون عبرة لغيرنا، وقبل أن نكون عبرةً لمن يعتبر، وقديمًا قالوا إن السعيد من وُعظ بغيره، وإن الشقي هو من وُعظ بنفسه!!.

   ينبغي – وتحت كافة الظروف والأحوال- أن تكون المواصلات مؤمنةً لكل الناس، وأن يكون هنالك ما يسمى بالنقل العام، وأن يكون هنالك من يقدم الدعم والعون لمن يقدمون مثل هذه الخدمة الجليلة للناس، وينبغي أن يقف الناس جميعًا إلى جانب من يقدم إليهم مثل هذه الخدمة الجلى، وينبغي أيضًا أن يكف من يعنيهم الأمر أيديهم عن مثل هؤلاء إن لم يقدموا لهم العون والدعم، وإن لم يعينوهم على النهوض بسئولياتهم، ومهماتهم التي نذروا أنفسهم لها منذ أزمانٍ بعيدة!!.

   وينبغي أن نتقي الله في أوطاننا وأجيالنا وأطفالنا وأماناتنا، وأن نكون في عون مواطنينا، فإن الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، وينبغي أن لا نضايق الكرام الذين يخدمون الناس ويمدون إليهم يد العون، فإن لم نستطع مساعدتهم لنعينهم على ما أخذوا به أنفسهم، وإن لم نكن راغبين في تقديم مثل هذه المساعدة، فلا أقل من الصمت، ولا أقل من الكلمة الطيبة، ورحم الله من قال: لا خيل عندك تهديها ولا مالُ// فليُسعد النطق إن لم تُسعد الحالُ!! وللحديث صلة.

(15/4/2012)

الخميس، ١٢ نيسان ٢٠١٢

موسكو.. هل تستضيف المتحاورين السوريين؟؟

متابعات

موسكو.. هل تستضيف المتحاورين السوريين؟؟

أ/ عدنان السمان

www.samman.co.nr

   المتحاورون السوريون، أو المتحاربون السوريون، والمقتتلون السوريون يبدو أنهم لن يكفوا عن الاقتتال والاحتراب، وعن كل أعمال العنف والتخريب والإرهاب، وكل أشكال الرعب والموت والتمثيل بالقتلى، والتنكيل بالأحياء حتى يموتوا، وتضم أشلاءهم تلك القبور الجماعية التي تملأ الرحب على أرض سوريا الحبيبة.. وهذه المجموعات والجماعات التي لا تريد إصلاحًا، بل تريد حكمًا وتحكمًا بالبلاد والعباد ولو على جماجم الأبراياء الضعفاء من الرجال والأطفال والنساء، وعلى جماجم المدنيين والعسكريين، وعلى حساب الزراعة والصناعة والتجارة والعمل والبناء والإعمار ولقمة عيش المواطن، وعلى حساب الطلبة في مدارسهم ومعاهدهم وجامعاتهم.. كل أعمال العنف والتخريب والدمار، وكل أعمال القتل والنهب والسلب آن لها أن تتوقف، وكل الضالعين في الفتنة والعدوان، الوالغين في الدماء، الذين لم يتقنوا سوى أعمال العنف، وسفك الدماء، يجب أن يكفوا عن كل ممارساتهم التي تستهدف الوطن السوري، والمواطن السوري بقدْر ما تستهدف كل أوطان العروبة والعرب على كل أرض العرب، وكل قضايا العروبة والعرب المصيرية، وغير المصيرية، من أقصى الوطن العربي غربًا إلى أقصاه شرقًا.. لقد آن لكل أعداء هذه الأمة العربية أن يفهموا أن هذه الأمة، وإرادة هذه الأمة هي أقوى من عدوانهم، وأقوى من خططهم ومخططاتهم ومؤامراتهم، وأقوى من غرورهم واستكبارهم وطغيانهم.. ولقد آن لكل هؤلاء الأعراب الذين لا يبتغون سوى رضوان أولئك الأغراب لأسبابٍ نعلمها، ويعلمونها، وتعلمها الدنيا بأسرها، آن لهم أن يكفوا عن تبعيتهم للأسياد، وتفانيهم في خدمتهم، وإراقة ماء الوجه على أعتابهم.. لقد آن لهؤلاء الأذلة أن يعلموا أن الأسياد لا يحترمون إلا الكبار الأعزة الشرفاء الأقوياء الكرام الذين يناصبونهم العداء من الناس، ولا يُصغون في النهاية إلا لصوتهم، ولا يستمعون في النهاية إلا لرأيهم، لعلمهم ويقينهم أنهم الصادقون إن حاربوا، وإن سالموا، وأنهم الصادقون فيما يقولون ويفعلون، وفيما يعقدون ويعاهدون.. أما الأذلة التابعون المستسلمون الكاذبون اللاعبون على الحبال فلا يحترمهم أحد، ولا يأخذ برأيهم أحد، ولا يعتَد بعددهم وعُددهم وعديدهم أحد، ويومئذٍ لا يعذب عذابه أحد، ولا يوثق وثاقه أحد، "يا أيتها النفس المطمئنة، ارجعي إلى ربك راضية مرضية، فادخلي في عبادي، وادخلي جنتي".

   قيل إن العاشر من نيسان سيكون يومًا لوقف القتال، وسحب الآليات العسكرية، والمظاهر المسلحة من الشارع، وقيل إن الثاني عشر منه هو الموعد النهائي لذلك، ففهم أولئك أنهم بحلول العاشر والثاني عشر سيحلون محل المنسحبين، وسيملأون الفراغ، وتؤول إليهم مقاليد الأمور، فلما طولبوا بتوقيع تعهد خطي بوقف العدوان، ووقف إطلاق النار، والالتزام بوقف كل مظاهر الفتنة، والأعمال المسلحة رفضوا، وأصروا على متابعة أعمالهم، والتمادي في عدوانهم، والاستمرار في تنفيذ رغبة أسيادهم.. ولما كان هذا الأمر مرفوضًا كل الرفض، ولما كانت الدولة هي المسئولة عن أمن المواطن والوطن، فإن ما سيجري بعد العاشر والثاني عشر على الأرض سيكون أمرًا مرعبًا، وبداية حربٍ أهليةٍ طاحنةٍ قد لا تبقي ولا تذر، إن لم يستجب هؤلاء لرغبة الأمين العام السابق للأمم المتحدة، وإن لم يستجيبوا لرغبة المجتمع الدولي في إشاعة الأمن، ووقف القتال، وأعمال العنف، ووضع حدٍّ لكل المظاهر المسلحة من كافة الأطراف المشاركة فيها.. إن استمرار أعمال العنف، واستمرار المظاهر المسلحة، واستمرار حالة الفوضى والاضطراب، وتغذية هذه الجماعات والمجموعات ورفدَها بالمال والسلاح والرجال من كل جانب، وتطويرها لتأخذ شكلاً بشعًا من أشكال حربٍ أهليةٍ لا يعلم مدى ما ستلحقه بالوطن والمواطن من كوارث ونكبات إلا الله.. تلك الأمور جميعها، وتلك الحماقات جميعها، وتلك الجرائم جميعها، لا مصلحة فيها لسوري، ولا مصلحة فيها لفلسطيني، ولا مصلحة فيها للبناني، ولا مصلحة فيها لأردني، ولا مصلحة فيها لعراقي، ولا مصلحة فيها لعربي، ولا مصلحة فيها لمسلم، ولا مصلحة فيها لمسيحي، ولا مصلحة فيها لأحدٍ في هذا الكون إلا أن يكون عدوًّا لسوريا، وعدوًّا للشام، وعدوًًّا لفلسطين ولبنان والأردن والعراق، وعدوًّا لكل أمة العرب، ولكل أمة الإسلام، وعدوًّا للأمن والسلم الدوليين، وعدوًّا للإنسان والإنسانية في هذا الكون.

   ولما كانت روسيا صديقةً لسوريا، ولكثيرٍ من أقطار العرب منذ عقود، ولما كانت روسيا على صلةٍ وثيقةٍ بسوريا تحديدًا منذ مطلع تاريخها الحديث، ومنذ الجلاء ، والاستقلال، وحتى يومنا هذا، ولما كانت روسيا على صلة وثيقة بكل السوريين، وبكافة ألوان الطيف السوري، ولما كانت روسيا هي من وقف إلى جانب سوريا في مجلس الأمن، ولما كانت روسيا هي من استعمل حق النقد "الفيتو" مع الصين ضد الرغبة الغربية الجامحة في اجتياح سوريا، ولما كانت روسيا، ولا تزال، وستبقى إلى جانب سوريا، وإلى جانب حل الأزمة فيها حلاًّ سلميًّا يضم كافة المتحاورين السوريين حول مائدةٍ مستديرةٍ للخروج بحلٍّ عمليٍّ سلميٍّ يُنهي حالة الفوضى والاضطراب، ويحقن الدماء، ويفتح الطريق أمام عهدٍ جديد تخرج معه سوريا أشد قوةً، وأشد تأثيرًا في السياسة العربية، وصنع النظام العربي الرسمي الذي يبني ولا يهدم، يُوحد ولا يفرق، وتعود معه أمة العرب إلى سابق عهدها من القوة والرفعة والمنعة والاحترام بين أمم العالم أجمع.. وإذا كان الأمر كذلك، وهو فعلاً كذلك، فإن ما ينبغي فعله اليوم هو أن تستضيف روسيا – بما لديها من نفوذ، وبما تتمتع به من علاقات مع كافة الأطراف- مؤتمرًا سوريًّا في موسكو لوضع الحل العملي السلمي للأزمة السورية، حقنًا للدماء، وإنهاءً للخلاف، وحسمًا للأمور، وتفويتًا للفرصة على المتربصين الحاقدين الواهمين الطامعين في وضع أيديهم على سوريا، ليضعوها بعد ذلك على كل أقطار بلاد الشام، وعلى العراق، وعلى كل ديار العروبة!!

   روسيا اليوم مطالبةٌ بفعل ذلك في الحال، ومطالبةٌ بجمع كافة أطراف النزاع السوري، وكافة المتحاورين السوريين حول مائدة حوارٍ ترعاها هي، وترعاها أيضًا كافة القوى والدول والأحزاب والاتحادات والتكتلات الشعبية التي تُكِنّ الحب والوداد لسوريا، ولشعوب الأمة العربية.. إن الروس قادرون على فعل ذلك، وإن كافة الدول والقوى والأحزاب التقدمية قادرة على ذلك، وإن السوريين جميعًا مستعدون لذلك، وإن المراقبين والمحللين السياسيين في شرق الدنيا وغربها يعتقدون أن حلاًّ كهذا من الممكن أن يضع حدًّا للخلافات، وأن يضع حدًّا لنزيف الدم، ومن الممكن أن يصنع حلاًّ للأزمة ترضى به سائر الأطراف.. أما إن كان هنالك فئة أو شرذمة لا تقبل به، ولا توافق عليه لأسبابٍ لم تعد خافية على أحد، فإن مؤتمرًا عامًّا كهذا الذي نتحدث عنه لن يعدم الحيلة، ولن يعدم الوسيلة التي يتمكن معها من التعامل مع فئة كهذه، ووضع حدٍّ لشرذمةٍ أو شراذم لا وزن لها في حياة الأمم والشعوب، وفي موازينها.

(12/4/2012)