عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


السبت، ٣٠ آب ٢٠٠٨

قل .. ولا تقل


لغتنا الجميلة

 

قل .. ولا تقل

أ.عدنان السمان

    كلما ازداد اطلاع الإنسان على لغتنا العربية الجميلة ازداد إعجابًا بها ، وحبًّا لها ،  وفهمًا لغريبها ، وتعلّقًا بأسرار بلاغتها ، وأوجه سحرها وفصاحتها .. وأصبح أكثر إدراكًا لسعة آفاقها ، واتساع بحارها ، وتلاطم أمواجها ، وتعدد أساليبها ، وكثرة حركاتها ، ووفرة مفرداتها ، واختلاف لهجاتها .. وأصبح أكثر علمًا بوجوه قوتها ، وأحوال ضعفها ، وبما يجوز وما لا يجوز في نثرها وشعرها .. وأضحى أكثر حكمةً وأطول صمتًا وهو يقلّب مسائلها وقضاياها الكثيرة التي تناولها النحاة فيما مضى من عصور ، وفيما انقضى من أزمنة ودهور .. وأمسى - بما حباه الله من مواهب وملكات وسعة اطلاع -  أكثر مقدرة على إصدار الأحكام الصحيحة فيما يعرض له من مسائل وقضايا في نحو اللغة وصرفها وفقهها ، وأشد حذرًا وهو يصدر تلك الأحكام ؛ ولئن كان من السهل أن نحكم بصواب هذه العبارة ، أو المسألة ، أو هذا الرأي ؛ فإن من الصعوبة بمكان أن نخطّئ هذه العبارة ، أو تلك المسألة ، وإن من الصعوبة بمكان أن نخطّئ هذا الرأي ، أو ذلك الحكم فيما يعرض علينا من مسائل ، أو قضايا ، أو أحكام ... ولعل أرباب اللغة ، من ذوي الاختصاص والممارسة يجدون أنفسهم أشد حرجًا في موقفين :

    أولهما : عند النظر في أعمال طلابهم الكتابيّة ، وإجاباتهم عن الأسئلة الإنشائية ، ولاسيما ذلك السؤال الذي يُطلب منهم بموجبه أن يمثّلوا ( لما يلي ) بجمل مفيدة ! أنه لمن المستحيل أن نضع إجابات محددة يلتزم بها المصححون ( في امتحان الثانوية العامة مثلاً) كما هي الحال في كثير من الأسئلة .. هذا السؤال المفتوح نستطيع فيه – بسهولة – أن نحكم بصواب هذه الجملة ، ولكننا كثيرًاما نخطئ عندما نخطّئ تلك الجملة التي ربما تكون قد وردت في كلام العرب على ضعف ، أو ربما انفرد بها واحد من كبار نحاة الكوفة ، أو البصرة ، أو بغداد .

     أما ثانيهما : فعند الإجابة عن أسئلة الطلبة ، أو الدارسين ، أو جمهور من المثقفين ، أو عند إصدار الفتاوى أو الأحكام في هذا المجمع اللُّغوي أو ذاك .. ولعل هذا ما يفسر كثيرًا من الخلافات بين هذه المجامع اللغوية في بلاد العرب .

      إن هذه اللغة العربية التي تبلورت شخصيتها ، واتضحت معالمها وسماتها منذ أكثر من سبعة عشر قرنًا، وشهدت عصورًا كثيرة من القوة والضعف ، ووسعت كتاب الله ( لفظًا وغايةً ) واختلطت بغيرها من اللغات، واستوعبت كافة الثقافات القديمة التي سبقتها في الظهور ، وقدّمت للبشرية ثقافة عربية إسلامية خالدة .. هذه اللغة التي ما زالت حتى يومنا هذا تواصل مسيرتها دون توقف هي دون أدنى شك واحدة من أقدم اللغات وأغناها في هذا العالم ، إن لم تكن أقدمها وأغناها معًا ، وهذا يعني ببساطة أن نجد بين أيدينا اليوم قدْرًا هائلاً من القضايا الخلافية ، ومن مسائل التأثّر والتأثير ، ومن تعدد اللهجات ، واختلاف معاني المفردات في هذا القطر العربي أو ذاك ، ومن الأخطاء الشائعة ، والكلمات الأجنبية التي دخلت لغتنا العربية مع الصناعات والعلوم الأجنبية التي دخلت بلادنا .. لأن لغة الأمة تزدهر دائمًا بازدهارها ، وتنتشر  بانتشارها ، وتقوى بقوتها ، وتعز بعزتها ، وتغزو الأمم الأخرى مع جيوشها وتجارتها وصناعتها وسياحتها وعلومها وحضارتها وثقافتها .. وهذا أمر معروف في تاريخ اللغات والثقافات لا يختلف فيه اثنان.

وبعد

    فإنني  سأحاول – بتواضع – أن أشارك بهذا الجهد –المتواضع – في تقديم شيء نافع لأبناء هذه اللغة العربية التي آن لها أن تنطلق من عقالها ، وأن توحد بين أبناء هذه الأمة في مختلف أقطارها وأمصارها .. وليس كاللغة العربية وسيلة ًلهذه الغاية النبيلة ، وليس كالثقافة العربية الإسلامية وسيلةً توحد هذه الأمة من محيطها إلى خليجها ، وربما من أقصى المغرب العربي إلى أقاصي المشرق الإسلامي إذا أردنا أن نتفاءل أكثر .. ولم لا ؟ فهذا من حقنا .

     ولما كانت هذه المقدمة قد أتت على ما يمكن تخصيصه لهذه الزاوية التي أرجو لها أن تستمر على هذه الصفحة الخيّرة في هذه الصحيفة النيّرة فإنني أكتفي هنا بعدد محدود من الكلمات أو الملاحظات على أن أقدّم مزيدًا منها في مناسبات قادمة إن شاء الله .

   قل – عزيزي القارئ – أذان الصبح أو الظُّهر ، ولا تقل آذان . وقل : أُذَّن بالفجر ، ولا تقل أذَّن الفجر . قال تعالى " وأذَّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر ". وقل في إعلانك -عزيزي التاجر -مطلوب موزعون أو مندوبون ، أو موظفون ، أو مندوبو مبيعات ، أو مسوقو بضاعة ، ولا تقل مطلوب موزعين ، أو موظفين .... فهذا خطأ . واكتب : إن شاء الله ، ولا تكتب إنشاء الله !! اكتبها والفظها –عزيزي- كما يجب ، بارك الله فيك . وقل : كلّما ازداد علي حركةً ازداد قوة ، ولا تكرر كلما ؛ فتقول ( كلما ازداد علي حركة كلما ازداد قوة ) فهذا خطأ . وقل : آمُل أن تتحقق أهداف هذه الأمة ، ولا تقل آمَل ... وقل عزيزي المذيع ، وأنت عزيزي  مدرّس التاريخ والجغرافيا – الأردُنُّ بتشديد النون ، وإن جاز  لك أن تخففها .. جاء في اللسان : ( والأردنُّ أحد أجناد بلاد الشام وبعضهم يخففها ) . والأردنُّ نهرٌ في فلسطين يجري من الشمال إلى الجنوب . وقل عزيزي مقدم البرامج في التلفاز ، وأنت تخاطب مشاهديك : إلى الملتقى ولا تقل إلى اللقاء . وقل عزيزي : منامة بدلاً من البيجامة . وخيَالة بدلاً من سينما . وتلفاز بدلاً من تلفزيون . ومجموعة الصور بدلاً من الألبوم . وقل أمسِ في اليوم الذي سبق يومنا الحاضر ، ولا تقل الأمس .. فمعناها الماضي .

  وأنت- عزيزي الطالب- اكسر  همزة  إِن بعد القول : " ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين ".وكذلك قولوا –يا كل أعزائي – فِلَسطين بكسر الفاء ، وفتح اللام ؛ فهذا هو اسمها الذي ورد في كتب التاريخ والجغرافيا القديمة ، وبالطبع فأنتم تعرفون أن كثيرًا من الناس يلفظونها فِلِسطين فقولوا جميعًا : أنا لن أنساكِ فِلَسطين !! وإلى الملتقى أيها ألأحبة .

 

29/8/2008


الثلاثاء، ٢٦ آب ٢٠٠٨

نطالب بإغلاق ملف الأسرى !!

على ضوء الإفراج عن العتبة وأبو علي وحسام

 

نطالب بإغلاق ملف الأسرى !!

أ.عدنان السمان

                قبل أن يفرَج عن هذه الدفعة من الأسرى البالغ عددها مئة وثمانية وتسعين أسيرًاوأسيرةً من أصل أكثر من أحد عشر ألفًا  وسبعمئة أسير وأسيرة .. كان هؤلاء قد اعتَقلوا مثلهم من قرى هذه البلاد ومدنها ومخيماتها .. وبدلاً من الإفراج الفوري عن هذه الدفعة ، والشروع بتحضير أسماء الدفعة الثانية والثالثة حتى الدفعة الأخيرة ، وإقفال هذا الملف خلال فترة زمنية وجيزة كي يصار بعدها لإقفال سائر الملفات المزمنة في حياة هذه الديار على قاعدة عودة الحقوق إلى أصحابها ، وصنع السلام العادل الدائم المقنع المشرف الذي يضمن العيش الآمن الحر الكريم لشعوب هذه المنطقة المتفجرة من العالم .. بدلاً من هذا كله وبدلاً من السير بهذه المنطقة نحو شاطئ العدل والعزة والكرامة والإعمار والبناء والتقدم راحوا يصعّدون من حملاتهم اليومية لاعتقال مزيد من المواطنين ، والتوسع العمودي في بناء السجون والمعتقلات بعد أن ضاقت بها أفقيًّا هذه الأرض على رَحبها !!

                وإذا كانت هذه هي أهدافهم وتوجهاتهم خلال المرحلة أو المراحل القادمة من حياة هذا الشعب ، وإذا كان بناء السجون والمعتقلات متعددة الأهداف والمرامي والطبقات والغايات هو السمة التي ستميز حياتنا في هذه الديار ، بحيث يمكن استيعاب أهل هذه البلدة ، أو ذاك المخيم ، وأهل هذا الحي أو ذاك من هذه المدينة أو تلك في عدد من المباني التي يصعب على كل من يعنيهم الأمر تمييزها عن غيرها من المباني ، فما معنى الإفراج عن هذه الدفعة من الأسرى ؟ وما معنى خطوة كهذه ، وما الفائدة منها إذا لم تتبعها خطوات سريعة وصولاً إلى تحرير سائر الأسرى ، وإقفال هذا الملف ، وتحريم الاعتقال السياسي مهما كانت الظروف ، ومهما كانت الأسباب والأحوال ؟؟

                إننا نهنئ الإخوة والرفاق المفرَج عنهم ، ونرحب بهم أجمل ترحيب ، ونهنئ ذويهم ، وشعبنا كله بعودتهم إلى أحضان عائلاتهم ، وإلى مواقع العمل المتقدمة في صفوف هذا الشعب المكافح  من أجل الحرية والعزة منذ مطلع العصر الحديث .. وإننا فرحون يقينًا في هذا اليوم الذي عاد فيه شيخ الأسرى وعميدهم لا في مدينة نابلس وفلسطين فحسب ، وإنما في هذا العالم أجمع !! فرحون بعودة سعيد العتبة إلى أمه وأسرته وشعبه بعد إحدى وثلاثين عامًا وشهرين من الاعتقال المتواصل .. فرحون بعودة (أبو علي يطا) إلى أسرته وإلى جبل الخليل الأشم بعد اعتقال طويل بلغ ثمانية وعشرين عامًا في ظروف اعتقالية تشيب لهولها سود النواصي !! ونحن – بدون شك – فرحون بعودة حسام خضر إلى مخيمه وأسرته : والدته وابنتيه ووحيده أحمد وشقيقاته وأشقائه .. فرحون بعودة هذا القائد إلى موقعه في قلب مخيم بلاطة مدافعًا عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين ... نحن - بدون شك – فرحون بعودة هذه الدفعة من الأسرى إلى أحضان هذا الشعب الصابر الذي أنجب هؤلاء الأباة ، وظل يعمل من أجل الإفراج عنهم وسيظل يعمل حتى الإفراج عن آخر أسير من أسرى هذا الشعب ، وإغلاق هذا الملف ، وسيظل يعمل حتى تحقيق الأهداف في الحرية والتحرر والعودة وتقرير المصير .

                نطالب بإغلاق ملف الأسرى ، والإفراج عنهم دون استثناء ، وإلى أن ياتي هذا اليوم الذي نرجو أن لا يكون بعيدًا ، فإننا نطالب بضرورة الإفراج الفوري عن النساء والأطفال والشيوخ والمرضى ، وعن ممثلي الشعب المنتخبين دون استثناء أو تمييز ... نطالب بتحسين ظروف اعتقال سائر المعتقلين ، وبتخفيف الأعباء المالية عن ذويهم في ظل هذه الأحوال الاقتصادية المتردية ، وفي ظل هذا الغلاء الرهيب الذي يعصف بالناس في هذه الديار ، وفي ظل هذه البطالة التي تلقي بظلالها على الغالبية العظمى من فلاّحي هذا الشعب وعماله ، وصناعييه ، وتجاره ، وسائر فئاته العاملة ... نطالب باحترام إنسانية الإنسان ، وبالكف عن كل هذه الممارسات المسيئة لهؤلاء الأسرى ، فهم طلائع هذا الشعب المطالب بالحرية والتحرر والاستقلال .

 

25/8/2008



See what people are saying about Windows Live. Check out featured posts. Check It Out!

الخميس، ٢١ آب ٢٠٠٨

في ذكرى حريق المسجد الأقصى فصل من مسرحية لم تكتمل...

في ذكرى حريق المسجد الأقصى

فصل من مسرحية لم تكتمل...

أ: عدنان السمان

    النيران تندلع في المسجد الأقصى، وتؤدي إلى إتلاف الرواق الشرقي الجنوبي، والمحراب، وزاوية زكريا.. ولقد تصدعت أعمدة القبة.. ولوحظ أن النار اندلعت من أعلى، وليس من أسفل حتى أن السجاد لم يُصب بأذى.. وقد اندلعت النيران في حوالي الساعة السابعة من صباح الخميس 21/8/ 1969... ولم تمض دقائق حتى انتشر الخبر في طول القدس وعرضها.. كما أن محطات الإذاعة، ووكالات الأنباء قد نشرته في مختلف أنحاء العالم.

    هذا شيء مما نشرته "القدس" في عددها الصادر صباح يوم الجمعة في الثاني والعشرين من شهر آب من العام تسعة وستين وتسعمئة وألف تحت عنوانها الرئيس على صدر صفحتها الأولى: حريق كبير يدمّر جانبًا من المسجد الأقصى.

    الجاني تردد على المسجد الأقصى عدة مرات قبل تنفيذ فعلته.. وفي صباح يوم الخميس 21/8/1969 حاول أحد الحراس اعتراض سبيله لمنعه من الدخول، فسارع إلى الفرار عن طريق باب حِطّة حيث ترك وراءه (جرزة) صوفيّة، التقطها الحارس، وسلمها فيما بعد إلى المسئولين في الهيئة الإسلامية التي وافقت في اليوم التالي للحريق (الجمعة 22/8/69) على تسليمها إلى المحققين من رجال الشرطة الإسرائيلية لقاء إيصال رسمي.

    دينس مايكل روهين/ 28 سنة/ مزارع من مدينة سدني في استراليا.. كان عضوًا في كنيسة الله البروتستانتيّة التي تأسست في قبرص، وضمت إليها أكثر من مليون ونصف عضو.. تؤيد اليهود، وتؤمن بأن المسيح هو المهدي المنتظر، وسيعود مرة ثانية... غادر سيدني في العام 1958، وقضى أحد عشر عامًا في الترحال مثل اليهود قبل أن يصل إلى هذه الديار سائحًا ليقيم في كيبوتس مشمار هشارون مدة ثلاثة أشهر.. يقضي نصف يومه في العمل الزراعي، ونصفه الآخر في دراسة التوراة.. وبعد أن غادر الكيبوتس توجه إلى القدس العربية، ونزل في فندق من الدرجة الثانية هو فندق ريفولي.. حيث عُثر في غرفته بالفندق على مواد مشتعلة وسراج كان يجري عليه بعض التجارب... وقد غادر الفندق عند الساعة السادسة من صباح يوم الخميس 21/8 تاركًا ملابسه وجميع حوائجه.

    اعترف روهين خطّيًّا بإحراق المسجد الأقصى.. وقام بتمثيل الجريمة، وقال إنه حاول قبل أسبوعين أن يقوم بفعلته، ولكنه فشل... ولقد وجه إليه النائب العام الإسرائيلي مئير شمغار في الثلاثين من آب 1969 تهمتين هما: الحرق الجنائي، والمساس بمكان مقدس... في 25/ 9 (الخميس) صدر تقرير لجنة التحقيق في ظروف إحراق المسجد الأقصى.. وفي 29/9 (الإثنين)  ذكرت الوكالات أن محاكمة روهين ستتم خلف حاجز مانع للرصاص... بعد أسبوع، وفي يوم الأربعاء 8/10 نُشرت وقائع الجلسة الأولى لمحاكمة روهين، وفي اليوم التالي استمعت المحكمة لشهادة رئيس السدنة ورئيس الحرس..

    ولقد حرصت "القدس" على نشر وقائع جلسات محاكمة روهين اعتبارًا من 8/10 حتى 31/10 وفي جلسة الجمعة هذه ذكرت "القدس" أن روهين يدّعي النبوّة.. ويعلن نفسه ملكًا للقدس ويهوذا.. وأن الوحي يأتيه بشكل ذبذبات كهربائية في رأسه وجسمه.

    في يوم الإثنين 3/11 نشرت "القدس على صدر صفحتها الأولى "تفاصيل الجلسة الأخيرة" وفي 4/11 جاء قولها : استئناف محاكمة روهين.. تفاصيل الجلسة التاسعة. وفي 5/11: استئناف محاكمة روهين.. شهادة البروفيسور غيبنز والدكتورة لفنغستون لمتهم مصاب بانفصام الشخصية وباختلال في الدماغ... في يوم الخميس 27/11 قالت: انتهاء محاكمة روهين.. المحامي يطلب إطلاق سراح المتهم.. وتبرئته من المسئولية الجنائية... وفي يوم الأربعاء 31/12: تبرئة روهين من المسئولية الجنائية عن إحراق الأقصى.. وإدخاله مستشفى الأمراض العقلية في الطالبيّة. (أُصدر علنًا في هذا اليوم 20/12/ 1969 بحضور المدعي مئير شمغار. غبرائيل باخ. يونا بلاتمان ممثلين للدولة، وبحضور المتهم دنيس مايكل روهين ومحاميه يتسحاق تونيك... التواقيع).

    بقي أن نشير إلى أنه على امتداد الشهور الأربعة التي أعقبت هذا الحريق الرهيب، وحتى صدور قرار تبرئة روهين شهد الوطن العربي موجات استنكار.. واجتماعات.. وتصريحات.. كما تقدمت الباكستان والجزائر والسنغال في الرابع عشر من أيلول 69 بمشروع قرار من سبع نقاط إلى مجلس الأمن حول هذا الحريق... كما أن "القدس" قد قادت حملات التبرعات للأقصى.. وقادت الدعوة إلى إعماره.. وشهدت صفحاتها مقالات ناريّة تعبّر عن أسمى المشاعر، وأنبل العواطف والتضامن مع الأقصى والقدس... وفي يوم الأربعاء 26/11/ صدر بيان عن لجنة إعمار الأقصى تحدد فيه موقفها من موضوع الإعمار الذي يستدعي التشاور مع العالمين الإسلامي والعربي... وفي يوم الخميس 18/12 نُشر تصريح لسماحة الشيخ حلمي المحتسب حول إصلاحات الأقصى.

    حريق المسجد الأقصى الذي أسفر عن إحراق منبر صلاح الدين، وإتلاف الرواق الشرقي الجنوبي، والمحراب، وزاوية زكريا، وتصدّع أعمدة القبة، وغير ذلك من الأضرار المادية الجسيمة... هذا الحريق الذي احترقت معه مشاعر كل العرب، وكل المسلمين، وكل محبي الحق والعدل، وكل المؤمنين بالله وبالقيم والمثل العليا والمقدسات، وكل أبناء الحضارات والثقافات والشرائع العريقة الراقية، وكل هواة التاريخ وعشاق الآثار في هذا العالم... هذا الحريق الذي أصاب أولى القبلتين لم يكن الفصل الأول من فصول هذه المسرحية المأساة، ولم يكن الفصل الأخير... فما إن ضموا الشطر الشرقي من القدس (بعد أيام من حرب سبعة وستين) إلى شطرها الغربي الذي كان قد وقع في أيديهم عام ثمانية وأربعين.. حتى راحوا يبحثون.. وينقّبون.. ويغيّرون معالم البلدة القديمة.. ويعيدون كتابة تاريخها وجغرافيتها.. ويتصرفون فيها تصرف المالك في ممتلكاته... لقد راحوا يهدمون بيوتًا هنا، وأخرى هناك، وزاوية لهذه العائلة وأخرى لتلك.. بل لقد أزالوا بعض الأحياء، وكثيرًا من البيوت ووضعوا أيديهم على حي هنا، وآخر هناك، واستولوا على بيوت هنا وأخرى هنالك، وراحوا يغيرون معالم البلدة القديمة، ولاسيما تلك الأماكن، والمواقع، والبيوت القريبة من الأقصى والملاصقة له... وها هم يحفرون، ويبنون، ويهدمون كما يحلو لهم تحت الحرم، وفوق الحرم، وحول الحرم... وحتى لا يظن أحد أنهم يفعلون هذا في البلدة القديمة فقط نقول إنهم ومنذ الأيام الأولى لاحتلالهم القدس عام سبعة وستين راحوا أيضًا يقيمون الأحياء السكنية لمستوطنيهم، وراحوا يصادرون، وينهبون، ويستولون على الأرض بكل الوسائل... فهذه منطقة خضراء، وتلك منطقة مغلقة، وهذه ليست للبناء، وتلك للمرافق العامة... وبمرور الوقت أصبحت الأحياء العربية في القدس محاصرة مغلقة معزولة عن سائر الأراضي المحتلة منذ عام سبعة وستين.. محاطة بالأسوار والجدران والبوابات لا يستطيع أحد دخولها حتى لو كان من أبنائها الذين فصلهم هذا الجدار عنها إلا بشق الأنفس.. أما الذين لا يحملون هويتها فدخولهم إليها أضحى من المستحيلات، والحديث في هذا الأمر يطول ويطول.. إنه بحاجة إلى أكثر من مقال هنا وآخر هناك، وأكثر من كتاب مصوَّر يروي كل هذا الذي جرى ويجري دون أن يعترض معترض، ودون أن يرفع صوته أحد مطالبًا بوضع الأمور في نصابها!!! لقد أصبحت المستوطنات في محيط القدس، وفي داخل القدس أيضًا هي الأصل، وأصبحت الأحياء العربية هي الاستثناء.. فإلى متى؟ وما الذي يبتغيه هؤلاء؟؟

    بقي أن نقول في هذه الذكرى الأليمة إن كل هذا الذي يجري ويدور في هذه الديار منذ عقود من عدوان، واضطهاد، واستخفاف بالناس، واستيلاء على أراضيهم، ومصادرة لحقوقهم السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، واعتداء على إنسانيتهم، ومشاعرهم، وكرامتهم، واتّجار بمقدّراتهم، ومقدّساتهم، واحتياجاتهم، لا يمكن أن يخدم بأي شكل من الأشكال قضية السلام الذي أضحت الشعوب في أمسّ الحاجة إليه كي يعيد إليها شيئًا من أمنها وأمانها، وكي يعيد إليها  شيئًا من حقوقها السليبة، وشيئًا من كرامتها الذّبيحة... هذه الاعتداءات.. وهذه التجاوزات والانتهاكات.. وهذا التلاعب والتحايل والخداع الذي لا ينطلي على أحد لا يمكن بحال أن يضع نهاية لهذه المسرحية التي تعددت مشاهدها وتفرّعت، وكثرت فصولها وتشعّبت، واستحكمت أهوالها وتجذَّرت... وأصبح اللعب فيها على المكشوف.. وأصبح القتل والنهب والسلب والاغتصاب أكثر من مألوف... نريد حلاًّ منصفًا عادلاً متوازنًا يعيد الحقوق إلى أصحابها، ويؤسس لحياة بشرية باسمة.. ترضى عنها الأجيال القادمة.

19/8/2008



Get thousands of games on your PC, your mobile phone, and the web with Windows®. Game with Windows

الأربعاء، ٢٠ آب ٢٠٠٨

ليفني .. وضغط الجداول الزمنية !!



متابعات

ليفني .. وضغط الجداول الزمنية !!

أ.عدنان السمان

       جاء في الأذن اليمنى لعدد " القدس " الصادر يوم الجمعة الماضي قول وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني إنه لا يجوز التوصّل إلى اتفاقات سلام بين إسرائيل والفلسطينيين " تحت ضغط الجداول الزمنية " حتى لا يحدث خطأ استراتيجي قد يؤدي إلى تفجر الموقف ، وإلى أعمال عنف ، مفضِّلةً الاتفاق على عدد من المسائل المطروحة على بساط البحث فقط !!

     تسيبي ليفني ليست وزيرة الخارجية الإسرائيلية فقط، بل هي رئيسة الطاقم الإسرائيلي المفاوض مع الجانب الفلسطيني .. ليس هذا فحسب ، بل هي المرشحة الأولى لتزعم حزب " كديما " أحد أقوى  الأحزاب السياسية في إسرائيل ، والمرشح لتشكيل حكومة طوارئ ، أو ائتلاف خلال المدة المتبقية لإجراء الانتخابات العامة القادمة في إسرائيل ، والمرشح أيضًا للفوز في الانتخابات العامة القادمة بعدد كبير من المقاعد ، ليظل متربعًا على سدة الحكم لسنوات طوال قادمة ، وليظل على رأس  اللاعبين  الذين يرسمون  السياسة  العامة الخارجية والداخلية في إسرائيل ، إضافةً إلى توجيه المفاوضات ، ورسم العلاقات ، وتحديد الجهات والاتجاهات والمسارات مع الفلسطينيين والعرب والمسلمين وغير المسلمين في هذا العالم .. وتسيبي ليفني أبرز وزراء حكومة أولمرت ، ثم وريثته ، كما تشير إلى ذلك المؤشرات ، ليفني التي تربطها بكثير من العرب أقوى العلاقات والصداقات ، وإن كانت مع إيهود باراك على كثير من التناقضات والخلافات ، لا في الأهداف والتوجهات ، ولكن لأسباب تقتضيها الصراعات والعداوات ، وتقذف بها إلى السطح هذه الخصومات ، والاجتهادات والتشعبّات السياسيّة ، والصراع على مراكز الحكم والسلطان والنفوذ ، والتمتع بالأضواء والأمجاد والنقود .. وكلها فضيحةٌ أو اثنتان ، ولتكن عشرًا بدون شهود .. يرى فيها بعضُهم صورةً معدَّلة لنتنياهو زعيم الليكود .

    وإذا كانت ليفني ترفض الجداول الزمنية ، وترفض عودة أي لاجئ فلسطيني إلى بيته ، وترفض التخلي  عن القدس العربية المحتلة عام سبعة وستين ، وترفض إخلاء المستوطنات ، ووقف الاستيطان ، وترفض العودة إلى حدود العام سبعة وستين ، وترفض قيام دولة عربية " ضمن تلك الحدود ، وترفض التخلي عن الحدود  ، وترفض التخلي عن الجدران والأسوار والأغوار والفضاء والمياه وكل ما في باطن الأرض من ثروات وكنوز ومعادن .. إذا كانت ليفني ترفض كل هذا وكثيرًا غيره فعلى أي شيء توافق ؟ وما هي المسائل المطروحة على بساط البحث والتي من الممكن أن يتم الاتفاق عليها ؟ وكيف من الممكن أن يعبّر هذا الاتفاق عن نفسه ؟ كيف من الممكن أن يكون شكل هذا الاتفاق ؟ وعمَّ سيسفر ؟ وفي أي قرن سيفرُغ الناس من حل هذه القضيّة ، ليعيشوا حياتهم العاديّة؟؟  

    وإذا كانت  ليفني تخشى التوصل إلى اتفاقات سلام " تحت ضغط الجداول الزمنية " خوفًا من تفجّر الموقف ، وخوفًا من أعمال العنف ، وإذا كانت أعمال العنف هي الشمّاعة التي تعلق عليها ليفني مخاوفها فأين كانت هذه الشماعة عندما احتل الإسرائيليون ما احتلوه عام سبعة وستين ؟ أين كانت هذه الشماعة عندما بدأ الإسرائيليون يتحدثون عن السلام خلال تلك الحرب ، وبعد تلك الحرب ، ويقدّمون أنفسهم للدنيا كلها على أنهم عشّاق السلام المتيَّمون به؟ أين كانت هذه الشماعة عندما أبدى أهل الضفة الغربية في حينه استعدادهم لإنهاء الصراع بالعودة إلى الحكم الأردني الذي لم يدخل في حرب مع الإسرائيليين ؟ ماذا قال شمعون بيرس رئيس الدولة العبرية الحالي للوفد الذي ذهب لتعزيته بوفاة والده مقترحًا عليه أن يعيد الضفة الغربية إلى الملك حسين ؟ لقد قال شمعون بيرس لذلك الوفد وبالحرف الواحد : قد يصبح البيض عجة ، ولكنّ العجة لا تصبح بيضًا!!

     فمن هو الذي لا يريد السلام ؟ ومن هو الذي يقف دائمًا ومنذ نشأة القضية خلف أعمال العنف وتفجّرها بين الفينة والأخرى ؟ بل من هو الذي أشعل نيران الحروب والمعارك  في هذه المنطقة منذ أكثر من ستين عامًا ، ولا يزال يبحث عن سبب هنا وآخر هناك لإشعال مزيد منها ؟

      وإذا كانت ليفني حريصةً على  السلام مُحبّةً له فلماذا  لا تعمل على إزالة أسباب  الحروب والتوتر ؟  لماذا لا تقول كلمة  حق يقولها كثير من الإسرائيليين  ،  وكثير من اليهود في هذه البلاد ، وفي كل أنحاء العالم ؟ لماذا لا تعترف بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب العربي الفلسطيني في وطنه ؟ لماذا لا تؤيد حقه المشروع في العودة والحرية والدولة والعيش باحترام مثل كل شعوب العالم ؟ ألم يعش اليهود في هذه الديار ، وفي كل ديار العروبة والإسلام حياة طبيعية على مر العصور والدهور ؟ ألم يساهم اليهود في صنع الحضارة العربية الإسلامية الزاهرة هنا في المشرق العربي  ، وهناك في المغرب وإسبانيا ، وفي كل بلاد العرب ، وديار المسلمين ؟ إننا شعب محبٌّ للحياة والحرية والحق والعدل والسلام والبناء والإعمار ، محب للناس ، لا يحب العدوان ، يحب العيش بأمن وأمان .. فهل هذا عيب ؟ وهل في هذا ما يدعو  للشك والريبة والخوف من الجداول الزمنية التي من شأنها أن تضع هذا كله موضع التنفيذ ؟؟

 

        15/8/2008


الاثنين، ١٨ آب ٢٠٠٨

هذه هي مطالبنا .. متقاعدين وعاملين !!

 

 

هذه هي مطالبنا .. متقاعدين وعاملين !!

أ.عدنان السمان

        قرأت باهتمام مقالة الأستاذ المتقاعد يعقوب الأطرش في " القدس " منذ أيام حول معاناة الموظفين المتقاعدين القدامى ، أي الذين أحيلوا إلى التقاعد قبل قيام السلطة الفلسطينية ، وبالطبع فإن هذه المقالة لم تكن الأولى ، ولن تكون الأخيرة ؛ فلقد كتب الأطرش نفسه كثيرًا من المقالات حول هذا الموضوع ، كما كتب غيره على امتداد السنوات الماضية .. لقد اقترح أحدهم أن نجمع ما نُشر حول هذا الموضوع ، وأن نصدره في كتاب ، ثم تراجع صاحبنا عن اقتراحه بعد أن عرف مقدار تكلفة مثل هذا الكتاب الذي لن يخدم قضية مصدريه بمقدار ما سيكون عبئًا عليهم ، وبعد أن أدرك صاحب الاقتراح مقدار ما يسببه الكتاب لصاحبه في ديار كهذه من خسارة مادية وغير مادية ، ومقدار ما يسببه من ربح مادي وغير مادي لصاحبه في بلاد مثل ألمانيا ، حيث يُروى أن الكتاب العادي هناك يعود على صاحبه بفائدة مادية حدها الأدنى مليون دولار .. لقد أصيب صاحبنا بالذهول والدوار الشديد عندما قال له أحد رفاقه إن ألمانيا تنفق ستين مليار يورو في العام على البحث العلمي ، وإنها سجلت أكثر من ثلاثة وعشرين ألف براءة اختراع  في العام الرابع من هذه الألفية الثالثة ، وإن فيها (372) مؤسسة للتعليم العالي منها (102) جامعة و(167) معهدًا تخصصيًّا و(3800) كلية تخصص ، ونحو (166) مركزًا للإبداع تستفيد منه حوالي (7500) شركة ، وإن فيها (350) صحيفة يومية تطبع نحو (23) مليون نسخة ، يقرأها نحو 75% من السكان . وإن فيها ستة آلاف متحف  ، وأربعمئة مسرح ، ويصدر فيها سنويًّا نحو ثمانين ألف كتاب .

     لم يُصَب صاحبنا بالذهول والدوار الشديد ، ولم يتراجع عن اقتراحه فحسب ، بل لقد خرّ مغشيًّا عليه عندما أضاف رفيقه هذا قوله : إن ألمانيا التي يبلغ تعداد سكانها (83) مليون إنسان تُعتبر أول مصدَّر في العالم ( نحو ألف مليار يورو ) وثالث دولة اقتصاديًّا بعد الولايات المتحدة واليابان ، وإن الناتج القومي المحلي فيها يبلغ (2700) مليار يورو على ذمة الزميل إبراهيم دعيبس في تقريره المنشور في جريدة    " القدس " منذ أيام بعد زيارة قام بها إلى تلك البلاد !!

    بعد أن أفاق زميلنا  من إغماءته ، وبعد أن عاد إليه وعيه طلب مزيدًا من الحقائق عن ألمانيا !! فقال له أحد زملائه : إن هذه البلاد التي سمعتَ من أخبارها العجب لا تزيد مساحتها عن اثنين بالمئة من مساحة العالم العربي ، أما سكانها فتبلغ نسبتهم ثمانية وعشرين بالمئة من تعداد الأمة العربية !! وأنت تعرف جيدًا أن ألمانيا قد هُزمت في الحرب العالمية الثانية ، وأن المنتصرين قد تقاسموا أراضيها ، وعاصمتها في العام (1945) ولكنها سرعان ما استعادت عافيتها ، واحتلت المكانة الأولى في التصدير بعد عشرين عامًا فقط من تلك الهزيمة ، أي في العام (1965) !!

     بعد ذلك لخص أحد الزملاء تجربة شاب فلسطيني يدرس هناك في ألمانيا ؛ فقال : عاد ذلك الشاب إلى بيته بعد أن قدم رسالة الدكتوراة إلى جامعته ظهر ذلك اليوم .. بعد أربع ساعات فقط كان ممثلون عن وزارة التعليم العالي والداخلية ، والبحث العلمي ، وإدارة الجامعة في ضيافة ذلك الشاب في بيته .. قدموا إليه جواز سفر ألمانيًّا ، وتعاقدًا مع الجامعة ( يحدد هو بموجبه مرتبه الشهري ) وعرضوا عليه شراء بحثه ( رسالة الدكتوراة ) بالثمن الذي يحدده .. موضحين له أن بإمكانه أن يعود إلى بلاده إن كان راغبًا في ذلك ، وسوف يكونون سعداء إذا كان هذا هو قراره ، ولكنهم لن يكونوا كذلك إذا اختار العمل في الولايات المتحدة الأمريكية !!!

     رفع هذا الزميل رأسه ، وقال مخاطبًا زملاءه : لقد حان دوري كي أتكلم ، وأقول كل ما بداخلي بصوت عالٍ لا أخشى معه أحدًا .. أنا لا أريد شيئًا .. أريد فقط أن أفهم لماذا يتقدم الناس من حولنا في هذا العالم ونتأخر ؟؟ لماذا يحقق الألمان كل هذه المعجزات في الوقت الذي نملك فيه أضعاف  إمكاناتهم ، ولا نحقق لأنفسنا شيئًا ؟ لماذا يملك الوطن العربي كل هذه الثروات النفطية والمائية والحيوانية ، والمعدنية ، وكل هذه الأراضي الزراعية  والطاقة الشمسية ، وكل هذه القوى البشرية في الوقت الذي يستورد فيه معظم العرب  طعامهم وشرابهم من دول غربية لا تكاد تملك شيئًا مما جاد به عليهم خالق هذا الكون سبحانه ؟ وفي الوقت الذي نجد فيه أكثر من مئة مليون أمي في هذا الوطن العربي البالغ تعداد سكانه نحو ثلاثمئة مليون إنسان ؟ لماذا يرضى العرب بحياة الهوان والمذلة والجوع والتبعية بينما تستأثر زُمَر ٌ من بني جلدتهم بكل خيرات هذه الأرض وثرواتها ؟ ولماذا يسكت العرب وهم يرون هذه الزمر وهي تقدم هذه الأوطان ، وإنسان هذه الأوطان في غرب الوطن العربي وشرقه لأولئك الأجانب الذين نستجدي إحسانهم ، ومعروفهم ، ومساعداتهم ، صباح مساء ؟

   إن في الوطن العربي ثروات وكنوزًا لو استغلت ، واستثمرت لصالح هذه الأوطان ، ولصالح هذه الشعوب لأصبح العرب أكبر قوة اقتصادية وسياسية  وعسكرية في هذا العالم !! فلماذا لا نفعل ؟ ولماذا لا نزرع أرضنا ؟ لماذا لا نبني أوطاننا ؟ لماذا نقف في كل يوم بكّائين شكّائين  واقفين على الأطلال لا نحسن إلا النواح ، والعويل ، ولطم الخدود ، وشق الجيوب ، واستجداء هذه الأمة ، وتلك الدولة ؟؟

        لا نريد مساعدة من أحد ، ولا نريد رواتب للعاملين أو المتقاعدين ، ولا نريد صدقات ؛ فلسنا ممن تجوز عليهم الصدقة !! لسنا شحاذين يا قوم !! لقد كرهنا حياة المذلة ، كرهنا حياة الاستجداء !! نريد لحظة حرية .. نريد لحظة عزة .. نريد أن نبني أوطاننا بسواعدنا ، وأن نأكل مما نزرع ، ونلبس مما نصنع ، ونأخذ رواتبنا من نظامٍ عربيٍّ حرٍّ عزيزٍ  سيّدٍ مستقل .. نحن جميعًا – عاملين ومتقاعدين – نرفع صوتنا بقوة معلنين على الملأ كل هذه المطالب . مع تحياتي للمربي الفاضل يعقوب الأطرش ، ولكل كتّابنا ومفكّرينا في هذه الديار .

19/7/2008

 

الأحد، ١٧ آب ٢٠٠٨

لقد آن لهذه الإساءات أن تتوقف

لقد آن لهذه الإساءات أن تتوقف

أ.عدنان السمان

 

الإساءات إلى الإسلام والمسلمين، وإلى العروبة والعرب قديمة متجددة، بدأت بظهور هذا الدين منذ أربعة عشر قرناً،ولم تتوقف حتى يومنا هذا، ولا أعتقد أنها ستتوقف تمامًا، وإن كنت ميالاً إلى الاعتقاد بأنه من الممكن إلجامها، والتخفيف من حدتها، ومنعها من الظهور في وسائل الإعلام المختلفة ما استطعنا إلى ذلك سببلاً.

 المسيئون إلى الإسلام وإلى رسول الإسلام، كُثرٌ في هذا الكون.. بدأ الإساءةَ كثيرٌ من العرب أنفسهم في زمن النبوة والراشدين ، وتوالت عبر العصور الأموية، والعباسية في المشرق العربي، وفي المغرب العربي، وبلاد الاندلس مرورًا بكل عقود الضعف والتمزق، ومرورًا بعصر بني عثمان أيضًا.. ولا أقول انتهاءً بعصرنا هذا لأنها على الأرجح ستستمر،وهذا أمر عادي في صراع الثقافات،ومعارك الأفكار والمعتقدات،وحروب الأيديولوجيات والديانات والقوميات،وهو أمر عادي أيضًا في الخلافات والمنازعات والخصومات والمشاحنات بين بني البشر في هذا الكون، ليس بين الأمم والأقوام المختلفة، وإنما داخل الأمة الواحدة، والقبيلة الواحدة، والعائلة الواحدة في كثير من الأحيان.

والمسيئون إلى الإسلام، وإلى رسول الإسلام من غير العرب كُثرٌ أيضًا ، فمنذ قيام دولة الإسلام، وانتشارها لتشمل معظم أقطار العالم القديم ظهر داخل الدولة الإسلامية من يناصب الإسلام والعروبة العداء الشديد، وظهر من يسيئون إلى العروبة والإسلام داخل الدولة وخارجها، واستمر هذا التيار حتى بعد انهيار دولة الخلافة الإسلامية، ووقوع كل بلاد العرب، وكل بلاد المسلمين تحت الحكم الغربي، وتحت ألوان مختلفة من الاستعمار، والاحتلال، والانتداب والغزو إلى الحد الذي قال فيه قائل أولئك الغزاة متحدَّيًا قبر صلاح الدين بدمشق، ومخاطبًا إياه بقوله: الآن انتهت الحروب الصليبية!!

على أن إساءات المسيئين إلى الإسلام، وإلى رسول الإسلام من بعض أبناء العروبة والإسلام هي – يقينًا – أشد وأدهى من إساءات غيرهم، فتلك الإساءات التي يمارسها اليوم بعض الغربيين يعرف الناس أسبابها ودوافعها، كما يعرفون أبعادها أيضًا.. أما تلك الإساءات الصادرة عن بعض أبناء العروبة والإسلام فإن الناس يتساءلون في ألم عن أسبابها وأهدافها، ويُعزّون أنفسهم بأن الجهل والطيش واندفاع الشباب وغروره هي أسباب تلك الإساءات التي لا تستمر طويلا ًبطبيعتها، بل إن نسبة كبيرة من هؤلاء الشباب سرعان ما يتغيرون تغيرًا شاملاً، ويتحولون إلى نقيض ما كانوا عليه تمامًا... وحتى إساءات بعض الغربيين من الصبية، والمراهقين، والمتشنجين، والمدفوعين – رغم قبحها- إلا أنها لا تكاد تكون شيئًا مذكورًا إلى جانب من يعتنقون الإسلام من مثقَّفي الغرب ومفكّريه، وإلى جانب من يناصرون القضايا العربية منهم، وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي نجداليوم أن أكبر أنصارها، ومؤيديها، وجمهورها الفاعل هم من مواطني كثير من الأقطار الأوروبية، ليس فقط ممن ينحدرون من أصول عربية، وإنما من الأوروبيين، وليس فقط ممن يعتنقون الإسلام، أو ممن اعتنقوه حديثًا، وإنما من المسيحيين وأتباع الديانات الأخرى، ومن العلمانيين المحبين للعدل والحق والحرية.

بقي أن أقول إن العرب والمسلمين يتحملون مسئولية ما يحدث من إساءات للإسلام، ورسول الإسلام محمد عليه السلام " ادعُ إلى سببيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" فالحكمة، والموعظة الحسنة، والنصح، والإرشاد، والخلق القويم، والخصال الحميدة، والثقافة الواسعة، كل هذا ، وغيره كثير من الصفات والمزايا لا بد من توافرها فينا – نحن العربَ والمسلمين – ممن نقيم هنا على أرض الوطن، وهناك في سائر أقطار الكون بعامة، وأقطار الغرب الأوروبي والأمريكي بخاصة... لا بد من توافر هذه الصفات فينا لأننا يجب أن نكون هكذا أولاً، ولأن هذه هي صفاتنا ومزايانا منذ القدم ثانيًا، ولأننا أصحاب رسالة إلى البشرية جمعاء ثالثًا، ولأننا أصحاب حق من الصعب أن يُستعاد بدون وقوف الناس في هذا العالم إلى جانبنا. ومن الصعب أن يقف الناس إلى جانبنا إلا إذا كنا أمة تحترم نفسها، وتتمتع بهذه الصفات والمزايا والمواصفات التي تقربنا من الناس في هذا العالم، وتقرّب الناس منا، وتجعلهم من المؤيدين لقضايانا العادلة.. إنه ليحزنني في هذا الموقف أن أقول إن بعض الأوروبيين الذين دخلوا في دين الله هناك في مختبرات بلادهم، وفي مكتباتها، وجامعاتها، ومراكز بحوثها وأبحاثها، ومنتدياتها الفكرية والثقافية قد ارتدّوا هنا عندما زارونا في بعض أقطارنا، ورأَوا بأم أعينهم ما رأَوا عن قرب!!

وبقي أن أقول أيضًا إنه إلى جانب هذه الصفات والمزايا التي لا بد أن تتوافر فينا لا بد أيضًا أن نكون أعزّة أقوياء، لأن الناس في هذا العالم لا يحترمون الأذلة الضعفاء.. قد يشفقون عليهم،ولكنهم- يقينًا – يحتقرونهم لأنهم فاشلون، ولأنهم راضون بالمهانة، والتبعيّة والمذلة... الناس في هذا العالم لا يمكن أن يحترموا شعبًا جائعًا لا يزرع أرضه، ولو زرعها قمحًا لعاش حياة سعيدة هانئة ! جزء بسيط من أرض العرب لو زُرع قمحاً لتغيرت المعادلات، ولأصبح العرب والمسلمون في حال غير هذه الحال... أمة العروبة والإسلام إذن مدعوة للأخذ بأسباب القوة كي تحافظ على أرضها، وثقافتها، وهُويتها، وحريتها، وكرامة رسلها وأنبيائها أيضًا. عندما تطاول أحد أباطرة الروم على أمير المؤمنين في بغداد كتب إليه قائلاً: من هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نكفور كلب الروم.. الجواب ما تراه، لا ما تسمعه، سأرسل إليك جيشًا أوله عندك، وآخره في منابت الزيتون!! أي في بلادنا هذه بلاد الشام، وهكذا كان!!.

أمر أخير- هنا – لا بد من الإشارة إليه، إنه حسنة من حسنات هذا الشعب المثابر الصابر المرابط الذي لم تتخلّ قواعده الشعبيّة، ولا نُخبه الثقافية وقياداته الفكرية والإعلامية عن شي من مبادئها وعقائدها ومعتقداتها، وقناعاتها وهي تخوض حربًا شاملة منذ أمد بعيد ضد المتطاولين والمسيئين والمجترئين علينا، الأمر الذي يجعلنا نعتقد أنه آن الآوان لهذه الإساءات أن تتوقف؛ إنه لمما يبعث الثقة في النفوس، والطمأنينة والأمل في القلوب ما نراه في صحافتنا العربية الفلسطينية، وما نقرأه فيها من مقالات تعالج كافة قضايانا ، وأوضاعنا، ومستقبل أجيالينا على أرضنا الطاهرة هذه... إنه لمن دواعي السعادة أن تجد في عدد واحد من أعداد "القدس"المقدسية" الصادر يوم الأحد الماضي أكثر من مقال يعالج قضية الإساءة إلى شخص الرسول الكريم. الأستاذ إبراهيم عفانه قدّم مقالاً تحت عنوان" " لماذا يهاجمون الرسول؟" والأستاذ عودة عريقات المحامي قدّم مقالته تحت عنوان " الإساءة لقدوة مليار مسلم عمل منافٍ لحرية التعبير" وكاتب حديث "القدس" قدّم حديثه تحت عنوان" كيف نرد على الإساءات في الغرب؟" ولقد أصاب الكاتب كبد الحقيقة في حديثه عندما قال: " في الدانمارك نشرت صحيفة رسومًا حاقدة كريهة مذمومة قبل نحو عامين، وثارت ضجة كبيرة في العالم الإسلامي، وإحراق مراكز"دانمراكية، ومقاطعة للبضائع، وزيارات متعددة قام بها مسؤولون كبار إلى بعض الدول العربيةوالإسلامية لإيضاح المواقف. وكانت الحجة المرفوضة هي حرية الرأي والتعبير ناسين مثلاً أن أحدًا لا يستطيع مجرد التشكيك بالمحرقة وإلا تعرض للسجن والمحاكمة والغرامات وفقدان الوظيفة على الأغلب، إن حرية الرأي تنتهي عند حدود الآخرين، وهذه هي القاعدة البدهية التي يتناساها هؤلاء الحاقدون"

مع تحياتي لمحرر"القدس" وكتّابها، وأسرة تحريرها جزاهم الله خير الجزاء.

 

19/2/2008



Be the filmmaker you always wanted to be—learn how to burn a DVD with Windows®. Make your smash hit

السبت، ١٦ آب ٢٠٠٨

محمود درويش .. الشاعر الذي وحّد الوطن !!


محمود درويش .. الشاعر الذي وحّد الوطن !!


أ.عدنان السمان


لقد غنّى للوطن طفلاً .. واكتوى بنار حبه يافعًا .. وعاش ألوانًا من الاغتراب ، ومرارة الوجد والفراق ، وألوانًا من العذاب والقهر والاحتراق ، وألوانًا من الخوف والجوع والموت قبل الموت ، هنا على أرض الجليل ، وهناك في الأرض العربية ، وفي غيرها من بلدان هذا العالم شرقه وغربه .


عربيًّا فلسطينيًّا نقيًّا ظلَّ محمود درويش منذ مولده وحتى مولده .. من منبعه حتى منبعه .. عربيًّا فلسطينيًّا حرًّا رافضًا للظلم والتبعية والهوان .. عربيًّا فلسطينيًّا وشاعرًا مرهفًا نديًّا ودودًا شرودًا دخل السابعة والستين من عمره ، وخلّف ثروة شعرية أغنت ثقافةً ، وألهبت مشاعرَ شعب ، وأحيت موات أمة ؛ لكنه – مع ذلك كله – كان يكتب قصيدته خائفًا ، ويرسلها إلى الصحافة خائفًا ، ويسأل عنها المحررين والنقاد خائفًا ، وكان – لفرط حيائه وحساسيته –يسأل بعد نشرها مستفسرًا عن ردود الأفعال ، وآراء القراء ، حتى إذا ما طمأنوه ، وأسمعوه ما يريد سماعه ، بعد أن يستهجنوا قلقه وتوتره وانشغال باله ( وهو الشاعر الكبير ) اطمأنَّ واستراح .


شاعرًا كبيرًا متواضعًا مخلصًا لكل قضايا الوطن والأمة واللغة والثقافة كان .. غيورًا على الوطن واللغة والأدب والثقافة كان .. " أنا لغتي " كان يقول .. يخشى على الشعر والأدب واللغة من هؤلاء الذين لا يقيمون وزنًا لوزن ، ولا يعيرون التفاتةً لقافية ، ولا يبدون أدنى اهتمام بنحْوٍ وصرف .. ويخشى على القضية وأجيالها وذراريها على أرض الوطن ، وفي الشتات من أولئك المغامرين المقامرين الذين لا يقيمون وزنًا لثابت من ثوابت هذا الشعب ومبادئه ومعتقداته ، وتضحيات أبنائه وبناته وآبائه وأمهاته ، ولا يقيمون وزنًا لمتحرك مستجدٍّ متجدِّدٍ منسجم مع نفسه ، ومع حركة التاريخ ، وتعاقب الأجيال ، وتفاعلها الطبيعي مع نفسها ، ومع الدنيا من حولها .. وعندما عضه الجوع ، وتحالفت ضده العلل والأمراض ( لأن عقله كان مغرمًا بقول الشعر في الوطن ، ولأن جسمه كان مولعًا بإفراز الكولسترول كما كان يقول ) وانفضَّ من حوله الخلان والأحباب والأصحاب بعد أن أبدى اعتراضه على تلك الاتفاقات ، وبعد أن فقد مواقعه وألقابه أغلق عليه بابه ، وقال لمحدثه – عبر الهاتف – إنه لم يعد يملك شيئًا من مقومات الحياة وحطام الدنيا .


وعن رحلة العلاج ، والتأجيل ، واحتمال نجاح العملية المستحيل قال لمحدثه قبل أيام من إجراء تلك العملية إنه لا يوافق على إجراء عملية يخرج منها مشلولاً ؛ فإما أن يعود من رحلة العلاج للقاء هذا الصديق مشيًا على الأقدام ، أو أن يعود في التابوت .. وهكذا كان؛ لأن العملية لا بد من إجرائها ، ولأن نتيجتها الموت أو الشلل التام .. وهكذا أيضًا دفنوه .. وكان من المفروض أن تُدفن " أوسلو" حيث دُفن ، وأن يُدفن هو في الجديدة قريبًا من البروة المدمَّرة مسقط رأسه ، تمامًا كما دُفن إميل حبيبي في حيفا ، حيث كتبوا على قبره " بناءً على وصيته " : باقٍ في حيفا ، ولكن شاعرنا الكبير لم يتمكن من التحكم بموقفه السياسي ، ولم يواجه ما كان يرفضه في قرارة نفسه .. وكان هذا الذي كان .. ومع ذلك فقد وحّد محمود درويش بميلاده الجديد كل أجزاء هذا الوطن .. وحّده شعوبًا وقبائل .. وحّده تاريخًا نازفًا راعفًا وجدائل ، وجغرافيا مقدسة.

13/8/2008




فيمَ التفاوض؟

شعر: عدنان السمان

 

فيم التفاوضُ لا صحبٌ ولا جارُ
ولا جليسٌ ولا أكل ولا ضحكٌ
ولا حديث عن الأحباب إذ قَلَبوا
نبيت نفترش الغبراءَ يجلدنا
نشكو من البرد يا أماه يصرعنا
نشكو من الجوع يا أمي ومن فَرَقٍ
وليس يَسمع من في الكون صرختنا
قد أوقعونا بهذا الكرب من زمنٍ
وعِلْيةُ القوم لا تُحصى فضائلُهم
من حولهم معشرٌ في العار قد غرقوا
يمجّدون لصوصًا لا خلاقَ لهم
وجوّعوا الشعب واغتالوا كرامته
مواكبُ المجد غابت عن نواظرنا
إنا أباةٌ وبيضُ الهند قد شهدت
ومَشْرِقُ الشمسِ طَلْقٌ من تألِقنا
إنا لنرخص في الهيجاء أنفسنا
إن الغزاة وإنْ لانوا وإنْ وعدوا
تأبى العروبة والإسلام هدنتَهم
تقضي العروبة والإسلامُ حربَهمُ
تقضي العروبة والإسلام أن يَهِنوا
يا يوم فرحتنا بالنصر قد طربت
نبكي نغني وملءُ الكونِ فرحتُنا
وفرحةُ العرب أعراس يهيم بها
وفرحةُ العرب في يافا وقد لبستْ
وفرحة العرب في مسرى محمدنا
هذي القيامة قامت فوق رأسهمُ
عيسى بنُ مريمَ في عليائه فَرِحٌ
اليعربيّان قد فاضت دموعُهما
إنا على العهد يا أختاه فابتسمي
يا سادةَ العُربِ والتحريرِ في وطني
وفي القطاع دماءٌ تستغيث بكم
أطفال غزة صيحات مزلزلةٌ
الله أكبر يا حكامَ أمتِنا
الله أكبر يا أحرار موطننا
فدولةُ البغي ساعاتٌ ومدبرةٌ
إن التفاوضَ مأساةٌ محققةٌ
لن تأخذوا منهمُ إلا عمولَتكم
لا مترَ لا شبرَ قد أعطَوْا مفاوضَنا

 

 

ولا أنيسٌ ولا أهلٌ وزُوّارُ
ولا شرابٌ ولا خِلٌّ وسُمّارُ
ظهر المجنِّ ولا بيتٌ ولا دارُ
رِخوٌ خنيثٌ وقوّادٌ وسمسارُ
فلا غطاءٌ ولا دفءٌ ولا نارُ
ومن هوانٍ، فقد آذَوا وقد جاروا
تجاهَلَ الأمرَ أوغادٌ وأشرارُ
هم أوقعونا وإن لفّوا وإن داروا
وعِلْيَةُ القوم تاريخٌ وأخبارُ
وفي الأكاذيب خلجان وأنهارُ
باعوا البلاد، وأُزدَ الغابِ قد صاروا!
سوء المصير لهم والخزيُ والعارُ
مواكب الغيد بادت فهي تَذكارُ
إنا هداةٌ على الطغيان قد ثاروا
ومغربُ الشمسِ رَيحان ونُوّارُ
وعلية القوم أغنامٌ وأبقارُ
هم يكذبون فلا تغرُرْكَ أفكارُ
أبناءُ يعربَ في التاريخ ثوار
حتى يبيدوا وما في الكون آثارُ
وأن يبيدوا وما في الدار ديَّار
به الليالي وشُدَّت فيه أوتارُ
وفرحةُ العُرب نايٌ ثم مِزمارُ
هذا الوجودُ وترتيل وأشعارُ
ثوب الفخار وعادت فيه أحرارُ
وقد أحاط به الريحان والغارُ
كنيسةُ المهد شعّث منك أنوارُ
وأحمدُ العُرب تسبيحٌ وأذكارُ
بفرحة القدس ريحان وأزهارُ
حياك عند بزوغ الفجر آذارُ
في قلعة العُرب جدرانٌ وأسوارُ
أطفالُ غزةَ صيحات وإعصارُ
في موكب المجد والعلياء قد ساروا
أليس في الكون أحرار وأنصار؟
شدُّوا عليها – أسودَ الغابِ- تنهارُ
ودولةُ الحق تاريخٌ وأسفارُ
لن يستجيبوا لكم في الأمر أسرارُ
فالأرض أرضُهمُ تكفيكَ "أشبارُ"!!
وفي النهايات (كالمعتاد) أعذارُ!!

 




شباط/اذار 2008

 


الثلاثاء، ١٢ آب ٢٠٠٨

متابعات

في الحياة .. والمفاوضات!!

أ.عدنان السمان

     قبل أن يقيم اليهود دولتهم على الجزء الأكبر من أرض فلسطين عام ثمانية وأربعين من القرن الماضي راحوا يبلورون الأفكار ، ويضعون التصورات والخطط والمخططات ، ويجرون الاتصالات ، ويقيمون العلاقات ، ويوطدون الصداقات ، ويعقدون الاجتماعات والمؤتمرات والندوات ، ويصدرون الكتب والبيانات والتوضيحات والدراسات والإحصاءات والنشرات ، ويقومون بالزيارات والاتصالات في شرق الدنيا وغربها ، وفي فلسطين وسائر أرض العرب والمسلمين وغيرها .. قاصدين كل من يعنيهم الأمر فيها ، عارضين مطالبهم ، وشارحين مواقفهم ، وطالبين مساعدة أصدقائهم وأحبابهم وأنصارهم والمتعاطفين مع قضيتهم من أبناء العالم آنذاك ... حتى أن كل باحث ودارس ومهتم بالحركة الصهيونية وفكرها وممارستها وسعيها من أجل إقامة هذه الدولة على هذا الجزء من أرض العرب يستطيع أن يجد في تلك الحقبة مجالاً خصبًا لدراساته وبحوثه ومؤلفاته ، كما يستطيع أن يخرج بمعلومات لا حصر لها ، واستنتاجات لا تكاد تقف عند حد من شأنها أن تساعده على فهم كثير من "الآخرين" في هذه المنطقة ، وفي غيرها من أقطار هذا العالم ، ومن شأنها أن تفتح عينيه على كثير من الحقائق ذات الصلة المباشرة بموضوعه ، ومن شأنها أن تأخذ بيده  نحو بلورة الفكر السياسي العربي المطلوب للنهوض بالعرب سياسيًّا واقتصاديًّا وفكريًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا ، ومن شأنها أن ترتفع بالعرب جميعًا بعد كل هذا الذي أصابهم إلى مستوى التحديات التي تفرضها عليهم هذه القوى التي شرعت منذ مدة بوضع مشروعها فوق أرضهم موضع التنفيذ.

     وقبل أن يقيم اليهود دولتهم هذه عام ثمانية وأربعين راحوا يشترون الأرض ، ويقيمون المستوطنات الصهيونية على أرض فلسطين ، وراحوا يبنون تنظيمات مقاتلة ، وينشئون مصانع للأسلحة ، وملاجئ محصنة في المستوطنات التي يقيمونها ، كما راحوا ينشئون المشافي والمدارس والمعاهد والاتحادات والنقابات والمحاكم الخاصة بهم بعد أن كان جل اعتمادهم على محاكم البلديات في المدن التي أخذوا بإقامتها في فلسطين منذ الثلث الأخير من القرن التاسع عشر . أما وسيلتهم في حل بعض المشكلات والخلافات التي كانت تنشب أحيانًا بينهم وبين القيادة البريطانية وقواتها في فلسطين فقد كانت وسيلة المفاوضات .. فالمفاوضات كانت وسيلتهم لحل الخلاف مع أصدقائهم البريطانيين الذين جاءوا إلى فلسطين لوضع وعد بلفور موضع التنفيذ .. إنها المفاوضات والتفاهمات واللقاءات التي تقربهم من الهدف ؛ فهي مفاوضات تقوم بين أصدقاء ، ومن طبيعتها أن تزيل أسباب  الخلاف والتوتر باستمرار ، وأن تقرِّبهم من الأهداف المرسومة بعد كل لقاء ،والأهداف هي التصدي بحزم للمقاومة العربية التي كانت تستهدف البريطانيين والمسلحين اليهود في آن واحد .. والمفاوضات أيضًا كانت وسيلة اليهود للتفاهم مع صاحب أرض يرفض أن يبيعها رغم حاجتهم الماسة لها .. والمفاوضات أيضًا تعني الاتصال بأحد وجهاء هذه المنطقة أو تلك للتوصل إلى هذا اللون أو ذاك  من التهدئة في هذه المنطقة أو تلك كسبًا للوقت ، وعملاً بسياسة المراحل وتشتيت قوى الخصم ، وبعثرة قواته ليسهل عليهم إنهاكها ، ومن ثم التغلب عليها وهزيمتها ، وإبعادها من مواقعها إلى مواقع جديدة ، يتم لاحقًا إبعادها عنها إلى ما وراءها ... وهكذا ..

    لقد مارسوا المفاوضات والاتصالات والمقابلات واللقاءات مع بعض العرب ، وبعض سلاطين بني عثمان الذين لم يفرطوا لهم بحبة تراب من تربة فلسطن ، كما مارسوا ذلك كله مع كثير من الأوروبيين والأمريكان ، ولكن على قاعدة أن هذه اللقاءات والمفاوضات التي مارسوها وبرعوا فيها تقرّبهم أو يجب أن تقربهم من الهدف بعد كل لقاء ليدخل المتفاوضون ، أو لتدخل المفاوضات بعد ذلك مرحلة ثانية ، أو ثالثة حتى تكون المفاوضات عملية ، وحتى تكون المفاوضات مجدية ، وحتى تكون المفاوضات دراماتيكية تفضي إلى النتائج المطلوبة ، والأهداف المرسومة في أقل مدة زمنية ممكنة ، وعن أقصر طريق ، ومما لا شك فيه أن الخط المستقيم هو أقصر الطرق .. أما إذا كان فيه حفرة هنا ، وثانية هناك ، وثالثة هنالك .. أو هوّة هنا ، وعاشرة هنا وهناك وهنالك توجَّب على الأطراف ردمها حتى يصبح  بإمكان الأطراف أن تسير على أرض معبدة نحو السلام المنشود الذي تهفو إليه الأجيال ، وتسير هكذا على دروبه المعبدة دون عناء جيلاً بعد جيل !!

     إنه ، ولكي تكتمل معالم الطرف اليهودي في اللقاءات والمباحثات والمفاوضات التي يجريها مع الآخرين فإنني أورد هنا حكايتين من مئات الحكايات التي حدثت في إبان الانتداب البريطاني على فلسطين :

   أما الأولى فحدثت بين شخصية نسائية يهودية ، وملك عربي كانت هذه اليهودية تزوره أحيانًا – كما يقولون – للتداول في أمور القضية .. ليس هذا هو المهم ، بل إن الهدف من هذه الحكاية هنا هو أن هذه اليهودية كانت تخلع حذاءها لتضعه تحت إبطها عندما تسمح الطريق التي تسلكها إليه بذلك ، ولا تضع حذاءها في قدميها إلا عندما تصبح الطريق وعرة كثيرة الأشواك .. أما الهدف فهو المحافظة على الحذاء توفيرًا على الوكالة اليهودية  ، وربما – كما قال بعضهم – عملاً بالحديث الشريف : " تخشَّنوا فإن النعم لا تدوم " هل عملت تلك السيدة  بهذا الحديث الشريف دون أن تدري ؟ ربما ، فكل شيء جائز ، ولكن ليس هذا هو المهم هنا ، بل إن المهم هو إن كان مفاوضو هذا الزمان قد سمعوا بهذه الحكاية ، أو حتى بهذا الحديث !! 

   وأما الثانية فحدثت مع المندوب السامي البريطاني في فلسطين وسائقه ، ومرافقيه الاثنين عندما دعاهم رئيس بلدية مستوطنة الخضيرة ( إلى الشمال من طولكرم ) لتناول طعام الغداء في بلديته (ردًّا على حفل غداء  أقامته للمندوب السامي ومرافقيه عشيرة عربية من عشائر فلسطين أحضرت إليه كثيرًا من فواكه مصر ولبنان ، ودعت إليه مئات الشخصيات والوجوه من مختلف مناطق فلسطين ) ولكنهم عندما وصلوا البلدية فوجئوا بأحد الموظفين  يستقبلهم قائلاً : إن رئيس البلدية مشغول ، وهو يعتذر عن مرافقتكم إلى مطعم المستوطنة ، وبإمكانكم التوجه لتناول طعام الغداء بكل احترام .

  لا أريد أن أذكر هنا بعد هذا الغداء المتواضع ما قاله المندوب السامي لسائقه الذي كان عربيًّا من فلسطين ؛ فلسنا بحاجة لمزيد من الجراح والشهادات المؤلمة بحقنا .. ولكنني أريد أن أسأل فقط : هل كنّا اليوم لنجد من يُقبل على ممارسة اللقاءات والمناقشات والمفاوضات والتفاهمات والمباحثات معهم لو أنها كانت تُجرى وسط أجواء كهذه ، ولو أنها كانت تنطوي على أدنى مغامرة أو مخاطرة ، ولو أنها كانت بدون أجر مثل كل العاطلين عن العمل، أو بأجر عادي كأجر معلم المدرسة ، أو رجل الشرطة ، أو حارس المحكمة ؟ سؤال لا أنتظر الإجابة عنه ، وإن كُنت أرغب يقينًّا في معرفة ما أدت إليه المفاوضات ، وما أسفرت عنه يقينًّا خلال السنوات الخمس عشرة من عمرها المديد !!

http://adnanalsamman.blogspot.com

8/8/2008

 

 


الجمعة، ٨ آب ٢٠٠٨

رويدكم .. أيها المقتتلون !!

رويدكم .. أيها المقتتلون !!

أ.عدنان السمان

     نعلم جميعًا أن أسباب الخصام كثيرة ، وأن أسباب العداوة كثيرة  ، وأن أسباب الصراع والشقاق لا تكاد تُحصى عددًا .. ونعلم يقينًا أن هذه الأسباب ليست وقفًا على شعب دون شعب ، وليست مقتصرة على أمة دون أمة ، أو مجتمع دون مجتمع ، بل إن الناس جميعًا منذ فجر التاريخ قد اكتَوَو ا بنيرانها، وإن الأمم والشعوب قد عرفت منذ بدء الخليقة ألوانًا شتى من الحروب والصراعات ، وأشكالاً كثيرة من العداوة والكراهية والشقاق ؛ عبّر بعضها عن نفسه من خلال المعارك والمجازر وحروب الإبادة والتطهير العرقي ، ووجد بعضها ترجمةً له في الغارة والاجتياح والسلب والنهب والسبي والعربدة والاستعلاء.

   في الماضي البعيد كان صراع الإنسان مع الطبيعة وتقلباتها ، وأسودها ، ونمورها ، وذئابها ،وكلابها، وذبابها ، وأفاعيها السامة ، وسائر حيواناتها المفترسة الكاسرة ؛ وقد وضع الإنسان حدًّا لهجمات هذه الحيوانات واعتداءاتها    – بمرور الزمن – ولكنه فشل في وضع حد لاعتداءات الإنسان على أخيه الإنسان ، وتنكيل الإنسان بأخيه الإنسان ، وقمع الإنسان لأخيه الإنسان ، وتفننه في تعذيبه وترهيبه وتجويعه وتركيعه والاعتداء عليه في نفسه وماله وآماله وعياله ... فأيهما أدهى وأمرّ وأنكى حيوانات الغاب التي تمكَّن الإنسان من لجمها ، وكبح جماحها ، وتجنّب أخطارها وأضرارها أم هذه التي لا تزال حرة طليقة تصول وتجول وتعتدي على عباد الله المسالمين الآمنين ذات اليمين وذات الشمال ؟؟ أيهما أشد خطرًا ، وأبلغ أذىً وضررًا ، وأكثر إيلامًا للإنسان ، وتدميرًا لحياته ، ونسفًا لوجوده وإنجازاته هذه الطبيعة الهائجة بكل أوخامها وأثقالها وحممها وحيوانها أم ما فعله قابيل ، وما يزال يفعله منذ تلك الأيام الموغلة في القِدَم ، وحتى أيامنا هذه؟

   لا أحب الوقوف كثيرًا على الأطلال ، ولست من هواة البحث والتنقيب بين الخرائب والدمن والأنقاض .. ولكنها كلمة موجزة لا بد من قولها لأنها واجب ، ولأنها تفرض نفسها ، ولأنها تلحّ منذ مدة في الخروج إلى هذا القتام الذ ي يغشى البلاد والعباد ، وإلى هذا السواد الذي يلفّ برهبته كل شيء على أرض هذا الوطن المضيَّع المذبوح من الوريد إلى الوريد .. لست أدري والله إن كانت حِدادًا ، أو عويلاً ونحيبًا وصراخًا ، أو رثاءً ، أو تقريعًا ، أو مناشدة ، أو مطالبةً مفادها ومؤداها  أن يتقي الله كلُّ أبناء هذا الوطن في كل أبنائه ، وفي كل شهدائه ، وفي كل أسراه ، وفي كل عذابات أبنائه ، وبناته ، ورجاله ، ونسائه ، وكباره الذين باتوا من الضعف والعجز بحيث لا يحتملون كل هذا العذاب ، وكل هذه المناظر الرهيبة الرهيبة التي تأتينا بها الفضائيات من كل حدب وصوب على امتداد كل ديار العرب ، وسائر بلاد المسلمين !!

  ماذا أبقيتم لأبطال البسوس وداحس والغبراء ؟ ماذا أبقيتم لأبطال بكر وتغلب والغضنفر المقدام عمرو بن كلثوم وهو يصرع الملك المتكبر عمرو بن هند ؟ ماذا أبقيتم لأبطال التغريبة الهلالية ، والتغريبة الفلسطينية ؟أين أنتم من كل ما حدث ويحدث في ديار السلام هذه التي نقول جميعًا إننا نسعى لإنقاذها وتحريرها والعودة بها عربية إسلامية كما كانت ؟

    أين نحن من أولئك الذين نكبوا البشرية بحربين عالميتين في أقل من ربع قرن من الزمان ؟ بل أين نحن من أولئك الذين نكّلوا بالمستضعفين في شرق أوروبا  خلال الحرب الكونية الثانية ، وما فعله أسلافهم بضحاياهم بعد ذلك منذ أكثر من ستين عامًا ، وما زالوا يفعلون؟

  أين المحبة والتسامح والأخوّة والوحدة الوطنية وأواصر القربى والدم والتاريخ والتقاليد والأعراف والأهداف والدين واللغة والمصير ؟

  إلام الخُلْفُ بينكمُ إلاما     وهذي الضجّةُ الكبرى عَلاما ؟

وفيمَ يَكيدُ بعضُكمُ لبعضٍ    وتُبدون العداوةَ والخصاما ؟

   لماذا لا نتفق على الحد الأدنى من خلق الرجولة ، والصدق مع النفس ، وشرف الانتماء ، والإخلاص للوطن والشعب والقضية ؟ لماذا لا نتفق جميعًا على قائمة مكتوبة من الثوابت والقوانين والأحكام  التي لا يجوز لأحد أن يتجاوزها  أو يخرج عليها ؟ لماذا لا نتفق جميعًا على احترام قوانين بلادنا وقوانين وجودنا وجدودنا ، وقوانين العلاقات فيما بيننا ، وقوانين العلاقات التي تربطنا بالمجتمعات والشعوب والدول في هذا العالم ؟ لماذا لا يكون لنا سياسة خارجية ثابتة ومكتوبة وملزمة ؟ ولماذا لا يكون لكل منا وجه واحد يقابل  به العدو والصديق ؟ ولسان واحد غير ذي عوج لا يقول إلا حقًّا وصدقًا ؟ ولماذا لا يكون لنا جميعًا وجه واحد هو الوجه الجمعي الذي يميزنا عن غيرنا ، ويعرفنا العالم من خلاله ، ويعرف هُويتَنا وملامحنا ومطالبنا وقوانيننا وأخلاقنا .. وجه واحد يعكس أصالتنا ووفاءنا وثباتنا على الحق والمبدأ و المعتقد .. وجه واحد .. لسان واحد .. رب واحد .. شعب واحد .. أمة واحدة .. شعار واحد ثابت لا يتغير : أرض العرب للعرب .. نصادق من يصادقنا ، ونعادي من يعادينا .. كلمة واحدة نلخص بها القانون الذي ينتظم سائر علاقاتنا : إن أكرمكم عند الله أتقاكم .

     رويدكم أيها المقتتلون المتصارعون ؛ فليس من شيمنا وأخلاقنا هذا الذي تفعلون .. رويدكم ؛ فقد طفح الكيل ، ووصل السيل الزبى .. كفّوا عن  ضلالكم ، وثوبوا إلى رشدكم وصوابكم ،واتقوا الله في أوطانكم وأديانكم وإنسانكم ، اتقوا الله في  أسراكم ،وشهدائكم، وأطفالكم ، ومستقبل أجيالكم ، واستغفروه يغفرْ لكم.. واستنصروه ينصرْكم ويشفِ قلوب قومٍ مؤمنين   .. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

4/8/2008

 

 

الخميس، ٧ آب ٢٠٠٨

في ذكرى قصف اليابان بالسلاح الذري

في ذكرى قصف اليابان بالسلاح الذري

أ. عدنان السمان

بعد استعمالها السلاح الذري ضد الشعب الياباني في هيروشيما وناغازاكي يومي السادس والتاسع من شهر آب عام 1945 في عهد الرئيس الثاني والثلاثين فرانكلين روزفلت ، وقتل أكثر من مئة وأربعين ألفا ، وجرح مئات الآلاف من سكان المدينتين ، وخروجها منتصرة من الحرب العالمية الثانية، أخذت الولايات المتحدة الأميركية تعمل بكل قواها من أجل السيطرة المطلقة على العالم.. وقد سلكت لتحقيق هذا الهدف عدة مسالك من أبرزها:

1- إضعاف بريطانيا - شريكتها في قيادة المعسكر الرأسمالي - والسيطرة على ممتلكاتها التي كانت الشمس لا تغيب عنها ، ولا سيما في بلاد العرب والمسلمين. وقد تمكنت أمريكا من تحقيق ذلك، وتحولت بريطانيا إلى دولة من الدرجة الثانية، ونجحت الولايات المتحدة في تجريدها من معظم مستعمراتها في ديار العروبة، وحلّت محلّها عن طريق الغزو الثقافي الفكري، وبرامج المساعدات الخارجية لا عن طريق الاحتلال العسكري المباشر والعدوان كما كانت بريطانيا وغيرها من دول أوروبا تفعل في هذه المنطقة وغيرها من بلدان هذا العالم .

وقد رأت أميركا في الدولة العبرية التي أًُقيمت على معظم أرض فلسطين عام 1948 حليفًا  ممتازًا  لتنفيذ أطماعها هذه، وقد تحوّل الحليف لاحقًا إلى شريك لتشابه الأهداف والمصالح والثقافات والأعراق. وتقاسم الشريكان كثيرًا من المصالح والمنافع على الرغم من بعض الخلافات التي رافقت، ولا تزال ترافق هذه العلاقة منذ قيامها وحتى أيامنا هذه في الهدف حينًا، وفي الأسلوب أحيانًا أخرى بحسب الظروف، والمتغيرات واختلاف المصالح ، والاجتهادات.

2- إضعاف الاتحاد السوفيتي بتشديد الحصار من حوله (الستار الحديدي) والدخول معه في حرب باردة لا هوادة فيها، وحشد كل الطاقات والإمكانات للتفوّق عليه علمّيًا وتكنولوجيًّا . وقد تسنّى للولايات المتحدة ذلك في النهاية. على أن فرحة أميركا لم تكتمل بسبب قلاع الشيوعية التي لم تتمكن منها حتى الآن ، ويبدو أنها ستسبّب لها كثيرًا من المتاعب في المستقبل، وربما كانت سببًا من أسباب نهايتها وانهيارها مستقبلاً لتلحق بالاتحاد السوفيتي الذي كان.

3- افتراض أن العدوّ الثاني للرأسمالية بعد الشيوعية هو الإسلام، وبالتالي يجب القضاء عليه حتى قبل أن تقوم له قائمة (دولة) وذلك لسببين:

أما الأول فهو لأن دولة إسلامية مفترضة ستضم إليها عمليًّا أمة الإسلام، وديار المسلمين والعرب. وهذا يعني باختصار انهيار الولايات المتحدة الأميركية بزوال مستعمراتها وقواعدها في العالم العربي الإسلامي، وهذا ما لا تُسلّم به أميركا حتى لو خاضت أكثر من حرب لمنع حدوثه.

وأما الثاني فهو أن الإسلام مبدأ مختلف عن سواه من المبادئ.. لأن "المسلم" لا يقبل أن ينازعه العزّة أحد، ولا أن يشاركه السيادة كائن من كان.. الأمر الذي يُشكّل خطورةً لا مثيل لها على الولايات المتحدة بخاصة، وعلى منظومة الدول الرأسمالية بعامة.. ومن هذا التصوّر كان إجماع هذه الدول، وإجماع كافة الموالين لها في العالم – بما في ذلك بلاد العرب والمسلمين – على مكافحة "المسلمين"، ومنع قيام دولة إسلامية، والعمل على ملاحقة "المتشددين" المسلمين، ومراقبتهم، وتصفية من يستطيعون تصفيته منهم كلما كان ذلك ممكنًا، وضروريـًّا لتحقيق الهدف.

إن الولايات المتحدة الأميركية التي ترى في نفسها الوصيّ على هذا العالم ستظّل تعمل من أجل السيطرة المطلقة، وإحكام القبضة باستمرار على سائر بلاد العرب والمسلمين (ما يُشكّل ثلث الثروات الطبيعية والحيوانية والمائية- بشكل عام - وقرابة رُبع الطاقة البشرية في هذا العالم).. وذلك:

1- بالانحياز المطلق إلى جانب حليفتها وشريكتها (الدولة العبرية) وإن تظاهرت أحيانًا بخلاف ذلك لأسباب لا تخفى على أحد.

2- بالرجوع إلى أشكال الاستعمار القديم الذي مارسته دول أوروبية في هذه البلاد إبان القرن الماضي، وأواخر القرن التاسع عشر، ولكن بشكل يفوق في بشاعته ونتائجه الاستعمار الأوروبي القديم بسبب تطور الأسلحة الأميركية من جهة، ونزعة الهيمنة والاستكبار والصلف والغرور التي أصبحت الصفة المميّزة لتصرفات أميركا منذ بضعة عقود.

      ولعل ما فعلته أميركا بالعراق، ولا تزال (بعد مواقفها المعلنة في فلسطين) خير شاهد على ذلك. إذ على الرغم من زيف الادعاءات الأميركية بوجود أسلحة الدمار الشامل التي تحدثوا كثيرًا  عنها، واعتمدوها سببًا  للغزو والعدوان.. وعلى الرغم من انكشاف النوايا الأميركية في السيطرة على أرض العراق، وثروات العراق النفطية.. وعلى الرغم من أن الدنيا كلها باتت تعرف هذه الحقائق وكثيرًا  غيرها، إلا أن أميركا لا زالت ماضية في طريقها تدمّر، وتحرق، وتقتل، وتنهب، وتخرّب، وتعتدي، وتمارس الإبادة، والتجويع والتنكيل، والإذلال بحق شعب العراق العربي في محاولة يائسة لفرض سيطرتها عليه.. ولكن دون جدوى.. فشعب العراق الذي يتصدى منذ أكثر من خمسة أعوام لأبشع آلة حرب عرفتها البشرية في تاريخها يثبت كل يوم إصراره على خوض الحرب ضد أميركا حتى نهايتها المحتومة، وهي الهزيمة المحققة التي تنتظرها.. تمامًا  كهزيمتها في فيتنام.

        لقد فعلت أميركا بأرض العراق الأفاعيل.. وعلى المجتمع الدولي أن يقف ليفرض عليها إعادة إعمار العراق من خزينتها،وليفرض عليها أيضًا  دفع ديات القتلى العراقيين (عشرة ملايين دولار لكل شهيد! كتسوية قتلى لوكربي).. وعلى المجتمع الدولي أيضًا أن يفرض العقوبات على الولايات المتحدة بسبب العدوان والآلام النفسية وصنوف الإهانات التي وجهها الأميركيون لكل عراقي، ولكل فلسطيني، ولكل عربي، ولكل مسلم، ولكل مسيحي، ولكل إنسان يحترم إنسانيته في هذا العالم.

        وبدلاً من أن تعتذر أميركا، وتسحب قواتها من العراق وغير العراق نراها تصعّد من عدوانها، وتستنفر حلفاءها وشركاءها لارتكاب مزيد من المجازر والأهوال في بلاد العرب.. وإن ما يجري اليوم في فلسطين لدليل قاطع على أن هذه الديار قد بدأت تقف على عتبة متاعب حقيقية مذهلة تفوق في بشاعتها كل ما شهدته في الماضي.. متاعب وكوارث لا يتسع المجال لشرح حيثياتها وتفصيلاتها.. ولكن يتسع للتأكيد على نتائجها.. هذه النتائج التي ستكون شاهدًا  جديدُا على أن كل احتلال إلى زوال.. وعلى أن النصر حليف الشعوب مهما طال ليل العذاب.

          هذه الديار المقدسة، وسائر ديار العرب، تقف اليوم على أبواب مرحلة جديدة من الصراع؛ إذ لم يسبق للعرب والمسلمين أن خذلوا الأقصى في يوم من الأيام.. والقدس أولى القبلتين، وثالث الحرمين، ومهوى أفئدة المؤمنين في شتّى بقاع الأرض.. القدس زهرة المدائن.. وأول حاضرة للعرب اليبوسيين والكنعانيين.. القدس عربية، وستبقى أبدًا عربية.. أنقى من عينٍ عسلية ولو كره الكارهون.

إن السلام الذي ترنو إليه شعوب المنطقة هو السلام العادل المقنع المشرّف الذي يعيد الحقوق إلى أصحابها.. ويضمن انسحاب الغزاة من كافة الأراضي العربية المحتلة.. وهذا السلام الحقيقي الذي تصنعه الشعوب هو صمّام الأمن والأمان للمواطنين جميعًا وبه تُحقق الشعوب أهدافها في الحرية والتقدم والازدهار.

       إن أميركا التي تُعادي الشعوب، وتنهب خيراتها، وتستبيح أرضها وكرامتها لن تجني من وراء ذلك سوى الخسران المبين.. ولن تعود عليها أفعالها هذه بغير الندم.. ولات حين مندم.. فهل يدرك أولئك المعتدون هذه الحقائق؟ وهل يأتي اليوم الذي يعملون فيه من أجل سلام حقيقي عادل مقنع شامل دائم يصون دماء الناس وحرياتهم، ويحافظ على كرامتهم، وحقهم في العيش بأمن وأمان؟؟ نرجو ذلك.

6/8/2008

 



Reveal your inner athlete and share it with friends on Windows Live. Share now!