عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


الأربعاء، ٣٠ حزيران ٢٠١٠

متابعات                             

لماذا يفعلون كل هذا بالقدس والمقدسيين؟؟

بقلم: أ/ عدنان السمان

www.Samman.co.nr

        يتحدثون عن هدم عشرات المنازل في سلوان غدًا أو بعد غد، ويتخذون قراراتهم بإبعاد نواب القدس العرب عن المدينة، ويبلغون النواب بهذه القرارات.. ممثِّلو الأمة في القدس مهدَّدون بالإبعاد عنها.. نواب الشعب العربي الفلسطيني في القدس الشرقية يُبعدون عنها، وتُسحب منهم هُوياتهم المقدسية.. المستوطنون يهددون بطرد عائلات فلسطينية من سلوان بدعوى أنها تسكن كنيسًا يهوديًّا !! مشاريع استيطانية جديدة تنفَّذ الآن في القدس العربية.. حصار وتضييق غير مسبوق على القدس والمقدسيين، وعزل وتهميش وإفقار وتجريد من الممتلكات، حتى لم يبق بأيدي المقدسيين من القدس الشرقية سوى ثلاث عشرة بالمئة من مساحتها!! فلماذا يفعلون كل هذا بالقدس والمقدسيين؟ ولماذا يصرون على تهويد المدينة المقدسة، والاستئثار بها، ووضع اليد عليها، وحرمان أهلها العرب من حقهم الطبيعي في العيش على أرضها، وحرمان أبناء القدس وأحبابها ممن يقيمون في المدن الفلسطينية الأخرى من حقهم الثابت في زيارتها، ومن حقهم الثابت في العيش على أرضها، والحياة فيها مثل باقي عباد الله؟؟ لماذا يعزلون القدس عن محيطها العربي؟ لماذا يمنعون أهل جبل القدس من دخول هذه المدينة المقدسة، وهم أهلها مذ كانوا وكانت القدس؟ لماذا يمنعون أهل الخليل من دخول القدس؟ والمدينتان شقيقتان مذ كانتا، لا تنفصل إحداهما عن الأُخرى، ولا ينفصل سكان هذه عن سكان تلك، ولا يختلفون في حسب أو نسب.. أصلهم واحد، ولسانهم واحد، وهم سواء في المعتقدات والأهداف والغايات والتقاليد والأعراف، وهم شركاء في الماضي الذي كان، شركاء في هذا الواقع المر، وفي كل هذه التجارب، والعيش الأليم المشترك، وفي كل هذه التحديات، وفي كل كؤوس المرارة التي يتجرعونها في كل يوم، وفي كل ساعة!! لماذا يمنعون أهل نابلس وكل مدن الشمال ومخيماته وقراه من دخول القدس؟ ألا يعلمون أن كل إجراءاتهم هذه باطلة لا يقرّها عقل، ولا تبيحها شِرعةٌ، أو شريعة، ولا يستسيغها خلق، ولا يرضى بها دين أو ضمير؟ ألا يدركون أن كل ممارساتهم هذه، وأن كل أعمالهم هذه، وأن كل تصريحاتهم ونواياهم ومخططاتهم بشأن القدس وغير القدس، وبحق المقدسيين وغير المقدسيين من شأنها أن تؤجج الصراع، وأن تذكي نار العداوة والخصومة والنزاع، وأن تقضي على آخر فرص السلام الذي يتشدقون به منذ عقود؟ ألا يخشَون أن يُفتضح أمرهم، وتتكشف حقيقة أطماعهم، ونواياهم ومواقفهم الحقيقية من السلام، ومن حق الأطراف الأخرى (في هذه المنطقة من العالم) في العيش الحر الكريم الآمن في أوطانها بكرامة واحترام؟ ألا يحسبون أدنى حساب لكل هذه الأمم والشعوب في هذا العالم، ولكل هذه الأنظمة التي باتت تستهجن تصرفاتهم ضد الفلسطينيين، ومواقفهم منهم، واعتداءاتهم عليهم، وتنكرهم لكافة حقوقهم الثابتة في بلادهم فلسطين؟ أيعتقدون أن بإمكانهم أن يُخضعوا الفلسطينيين والعرب والمسلمين وسائر الأمم والشعوب المتضامنة معهم، والمؤيدة لحقهم في العيش باحترام في ديارهم؟ ألا يرون بأم أعينهم كل هذه التحولات من حولهم، وكل هذه التغيرات المحدقة بهم على كافة الصعد والمستويات؟

        لماذا تفعلون ما تفعلون بالقدس والمقدسيين، وبأبناء الشعب العربي الفلسطيني على أرض وطنه، وخارج أرض هذا الوطن، وأنتم تعلمون أنه صاحب هذه الأرض مذ كانت، وأنه لن يكف عن المطالبة بحقوقه الوطنية الثابتة في بلاده، وأنه لن ينسى، وأنه لن ييأس، ولن يتنازل، ولن يستسلم، ولن يرضخ؟ لماذا تفعلون كل هذا، وأنتم تعلمون يقينًا مكانة القدس عند كل العرب، وعند كل المسلمين، وعند كل الفلسطينيين؟ إن الاحتلال باطل، وإن الاستيطان باطل، وإن مصادرة الأرض، وهدم المنازل، ووضع اليد عليها، وإجلاء سكانها منها، وإبعاد الناس عن بيوتهم وأحيائهم أمور باطلة يرفضها الفلسطينيون، ويرفضها العرب، ويرفضها المسلمون، ويرفضها المجتمع الدولي، فماذا ستفعلون؟ أتحاربون كل هؤلاء؟ أتنتصرون على كل هؤلاء ؟ أتشترون كل هؤلاء؟ لا أظن أنكم قادرون على ذلك، ومن الخير لكم أن تكفّوا عن كل هذه الممارسات التي من شأنها أن تحشد الخصوم ضدكم، وتؤلب الناس في هذا العالم عليكم.. لا قِبَل لكم بكل هؤلاء الخصوم الذين تصنعهم سياساتكم وممارساتكم وتصريحات قادتهم وتبجّحاتهم وغطرستهم واستكبارهم واستعلاؤُهم وتنكرهم لحقوق الآخرين.. لقد آن لكم أن تعترفوا بهذه الحقوق، ولقد آن لكم أن تعودوا إلى رشدكم وصوابكم، ولقد آن لكم أن تعلموا أن غلاة اليمين المتشدد لن يجلبوا لكم سوى المتاعب، وإن من أصبح شغله الشاغل صنع الأعداء، وحشدهم واستفزازهم وتجميعهم ضد أهدافه وضد تصريحاته وتلميحاته وممارساته فإنه لا يصلح للقيادة، ولا يصلح لشغل المناصب الرفيعة، واتخاذ القرارات المصيرية الخطيرة، لأنه لا يقدّر جيدًا عواقب الأمور، ولأنه لا يحسن قراءة التاريخ، ولا يحسن استخلاص الدروس والعبر المستفادة من حوادث التاريخ وأحداثه، ولأنه لا يحسن قراءة التحولات والتغيرات من حوله، ومن تحت قدميه، ولأنه أيضًا لا يحسن قراءة المؤشرات والإشارات والعلامات والخطوط الحمراء والصفراء والخضراء بسبب غشاوة أو إصابة دائمة أو مؤقتة بعمى الألوان.. فأي خطب من الممكن أن يجره مسئول كهذا على قومه، وأي مصير من الممكن أن ينتظرهم على يديه إن لم يكفوا يده عن العمل، ولسانه عن القول، وعقله عن ممارسة العدوان على الناس، واستهدافهم في وجودهم وأعمالهم وأموالهم وأشغالهم ومستقبل أجيالهم على أرض أوطانهم؟ وأي سوء من الممكن أن يلحقه بالأطراف كافة، وبعملية السلام المتعثرة، وبالقدس الشرقية والغربية، وبكل أرجاء فلسطين التاريخية غربها وشرقها، وشمالها وجنوبها؟؟

إن كنتم تعتقدون أن هذا الذي تفعلونه بالقدس والمقدسيين سيحسم الأمور لصالحكم، وسيمكّنكم من تهويد المدينة، وإقصاء أهلها عنها، وسيمكّنكم من وضع اليد على كل فلسطين، فأنتم مخطئون!! إن القدس قلب فلسطين، وإن فلسطين قلب العروبة، وإن العروبة مادة الإسلام، وإن العرب أهله وحُماته.. فأفيقوا من أحلاكم وأوهامكم، واعلموا أن ما تفعلونه بالقدس باطل، وأن ما تفعلونه بفلسطين والفلسطينيين باطل، وأن ما تفعلونه بهذه الديار لا يخدم عملية السلام، ولا يحقق العيش الآمن الكريم لأحد في هذه الديار. لقد آن لكم أن تعلموا أن السلام الحقيقي العادل الدائم وحده هو الذي يحقق الأمن والأمان والعيش الكريم لكل الناس.. نعم لكل الناس دون استثناء، وبغير ذلك ستبقى هذه المنطقة من العالم مرشحة لمزيد من الحروب، ولمزيد من الكوارث والنكبات، فهل من يسمع؟ وهل من يعمل من أجل سلام هذه الديار وأمنها وأمانها؟؟          

     (29/6/2010)


الأحد، ٢٧ حزيران ٢٠١٠

متابعات   

                          كوشنير لا يريد خيراً بشاليط !!     

            بقلم: أ/ عدنان السمان

www.Samman.co.nr

        بعد أربع سنوات من وقوع جلعاد شاليط في الأسر عرف برنار كوشنير وزير خارجية فرنسا أن الصليب الأحمر لم يزر هذا الأسير حتى الآن، وأدرك كوشنير أن هذا الأمر لا يجوز، وأنه مخالف لأبسط حقوق الإنسان، وأن الشرائع والأعراف والمواثيق الدولية واتفاقية جنيف الرابعة لا تقر ذلك، وراح كوشنير يقلّب الأمر على وجوهه المختلفة، ويطالب بضرورة أن يزور الصليب الأحمر هذا الأسير، وبضرورة أن تزوره أسرته أيضًا أسوة بكل السجناء، وبكل الأسرى في هذا العالم. ولقد حاول كوشنير أن يتجاهل عددًا من الحقائق، وهو يثير قضية هذا الأسير الإسرائيلي الذي وقع في الأسر، منذ أربعة أعوام بالكمال والتمام، ولعل على رأس هذه الحقائق  التي تجاهلها وزير الخارجية الفرنسي أن الأسير جلعاد بخير، وأنه يحظى بالرعاية الصحية الجسدية والنفسية، وأنه يتابع مباريات كأس العالم، ويشاهدها بانتظام، وأن طلباته مستجابة، وأن آسريه يكرمون مثواه، ويعاملونه بكل رفق ولين واحترام، وأنهم حريصون على سلامته كل الحرص، لأسباب منها أن هذا هو واجبهم الشرعي والأخلاقي الذي لا يناقَش، ومنها أنهم ينتظرون أن تتم صفقة التبادل، وشاليط في أحسن حال، وأهدأ بال، وكذلك أسراهم الذين ينتظرون عودتهم بفارغ الصبر، ومنها أيضًا أن شاليط إنسان مسالم هادئ وديع كما يبدو من صوره، ومن قسمات وجهه، وملامحه، ونبرات صوته، وكذلك والداه، وجده جلعاد الذي جاوز الثمانين من عمره، ويريد أن يشاهد حفيده وسَميَّه جلعاد قبل أن يموت، وهذا من حقه، بل من أبسط حقوقه.. نسأل الله أن يتحقق هذا الحلم، والجلعادان يرفلان بثياب الصحة في ظل سلام عادل دائم، وقد تحرر كافة الأسرى والمعتقلين من أبناء هذا الشعب العربي الفلسطيني، وأُغلق ملف الاعتقال السياسي، والاعتقال الكيدي التعسفي، وانصرف الناس لحياة البناء والإعمار والتقدم والازدهار، بعيدًا عن كل أسباب التوتر والعداوة والحروب، وبعيدًا عن كل أسباب الخطف والأسر والعدوان على الناس في أرواحهم وأموالهم وممتلكاتهم وحرياتهم الخاصة والعامة، وبعيدًا عن كل مظاهر هذا الصراع الذي أتى أو كاد على حقوق الفلسطينيين التاريخية الثابتة في بلادهم فلسطين.

        كوشنير إذن يتجاهل في ضجته التي يثيرها اليوم حول جلعاد، أن جلعاد بخير.. أما الأمر الثاني الذي يتجاهله  كوشنير، ويغمض عينيه عنه تمامًا، فهو الصعوبة البالغة التي تنطوي عليها مطالبته بزيارة هذا الأسير، وذلك للمخاطر الهائلة التي تنطوي عليها مثل هذه الزيارة: شاليط أسير في قطاع غزة الرازح تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ العام سبعة وستين، وهذا يعني أن أحدًا لا يمكن أن يضمن عدم قيام "الكاماندوز" الإسرائيلي بغارة لإنقاذ جلعاد في اللحظة التي تتم فيها معرفة مكانه، وأن أحدًا لا يمكن أن يضمن سلامة جلعاد عند قيام الإسرائيليين بغارة كهذه، وهذا يعني أن آسري شاليط، ومن منطلق حرصهم الشديد على سلامته يتكتمون على مكان وجوده، ويمنعون كل أقمار التجسس، وكل وسائل تكنولوجيا المعلومات من مجرد التكهن بمكان وجوده، ومن مجرد محاولة رصد مثل هذا المكان المفترض، وهذا يعني أيضًا أن آسري شاليط جاهزون لإعادته إلى ذويه في اللحظة التي يتم فيها التوصل إلى صفقة التبادل التي كانت قاب قوسين أو أدنى من التوقيع عليها، ثم توقف كل شيء تمامًا عند تلك اللحظة التي كادت أن تكون تاريخية، ومنذ ستة أشهر لم يحدث شيء في هذا الاتجاه.. فلماذا ؟

        لماذا لم تنفَّذ تلك الصفقة حتى اليوم؟ هذا ما يعنينا هنا بدلاً من إضاعة الوقت في مناقشة الأمور الأخرى التي تجاهلها كوشنير، وأغمض عينيه عنها وهو يثير الضجة حول قضية جلعاد شاليط.. نعم.. لماذا لم تنفَّذ تلك الصفقة بعد أن وصلت مرحلتها الأخيرة، وبعد أن كان العالم كله في انتظار ميلاد تلك اللحظة التاريخية، وبعد أن كان العالم كله يتوقع أن تكون تلك اللحظة فاتحة عهد جديد يتحرر معه الأسرى كافة، وتدخل فيه القضية الفلسطينية مرحلة جديدة بعد أن يستفيق الإسرائيليون من أوهامهم، وبعد أن يعود الإسرائيليون إلى رشدهم وصوابهم، وبعد أن يصبح الإسرائيليون أكثر استعدادًا لتلبية المطالب الفلسطينية، وتفهم متطلبات السلام العادل الدائم، وبعد أن يعترف الإسرائيليون بالحقوق الوطنية والتاريخية للفلسطينيين في بلادهم، وبعد أن يعترف الإسرائيليون بحق الفلسطينيين المطلق في السيادة المطلقة على كامل أرضهم التي احتلت عام سبعة وستين، وبعد أن يعترفوا أيضًا بحق كل فلسطيني بالعودة إلى بيته وممتلكاته بموجب القرار 194.

أغلب الظن أن كوشنير يعرف كل هذه الحقائق، وأغلب الظن أن كوشنير يعرف أنه يغالط، وأنه يثير جدلاً لا جدوى منه، دونه جدل القرون الوسطى، وأغلب الظن أن كوشنير يعلم أن إضاعة الوقت ليست في مصلحة شاليط، وليست في مصلحة كل الأطراف الراغبة في التهدئة، والراغبة في التوصل إلى السلام الحقيقي العادل الثابت الذي تطمح إليه الشعوب، وترنو إليه الأمم في هذا العالم، وأغلب الظن أن كوشنير (وغيره من سياسيي الغرب) قادر على ممارسة الضغط من أجل إنجاز صفقة التبادل التي يعود معها شاليط إلى أسرته، ويخرج بموجبها كثير من الأسرى الفلسطينيين من سجونهم ومعتقلاتهم الصغيرة إلى المعتقل الكبير الذي يعيش فيه آباؤهم وأمهاتهم وإخوانهم منذ أكثر من ثلاثة وأربعين عامًا!! فلماذا لا يمارس كوشنير مثل هذا الضغط؟ ولماذا لا يعمل من أجل إنجاز صفقة التبادل؟ أيعتقد كوشنير أن هذا ليس من حق الأسرى الفلسطينيين؟ وهل يعتقد كوشنير أن أسرانا وأسيراتنا ليس لهم آباء وأمهات، وليس لآبائهم وأمهاتهم قلوب، وليس لديهم مشاعر وعواطف وأحاسيس؟

إن الناس جميعًا في هذا العالم معنيون بالإفراج عن شاليط، ومعنيون بالإفراج عن كل الأسرى، ومعنيون بإغلاق هذا الملف، ومعنيون بأمن الشعوب وأمانها، ومعنيون بعودة الحقوق إلى أصحابها... أما كوشنير فيبدو أنه لا يريد خيرًا بشاليط، ويبدو أنه لا يريد لشاليط أن يخرج من الأسر، مع الأسف، ولا يريد للأسرى الفلسطينيين أن يتحرروا، ولا يريد للتهدئة أن تستمر، ولشبح الحرب أن يختفي، وللسلام العادل الدائم أن يكون سيد الموقف في النهاية!!

27/6/2010


الأربعاء، ٢٣ حزيران ٢٠١٠

متابعات

في اليوم العالمي للاجئين

أ‌.       عدنان السمان

www.samman.co.nr

    لقد عرفت المجتمعات والتجمعات البشرية الحروب منذ أقدم العصور، واكتوت بنيرانها، وكانت تلك الحروب سببًا من أسباب التشرد والهروب واللجوء والهجرات الفردية والجماعية.. كما عرفت المجتمعات ظاهرة المحل والقحط وشحّ المياه، وما يترتب على ذلك  من رحلة في الأرض بحثًا عن الكلأ والماء.. وعرفت المجتمعات والتجمعات الأوبئة على مر العصور، وعرفت فيها سببًا من أسباب الهجرة والهروب من مكان إلى مكان طلبًا للنجاة.. ويُضاف إلى هذه الأسباب، وكثير غيرها أسباب منها الكوارث الطبيعية من زلازل، وبراكين، وفيضانات، وعواصف عاتية، وأعاصير مدمرة، ومنها أيضًا الكوارث البيئية، وسطوة الحيوانات الكاسرة.. ومنها ظلم الإنسان للإنسان، وتجارة الرقيق، والرحلة في طلب العلم، أو طلب الرزق، ومنها السياحة الداخلية، والخارجية، والرحلات العلمية، والاستكشافية.. فإذا عجز هؤلاء أو أولئك عن العودة إلى أوطانهم بفعل مرض، أو وباء، أو  حرب، أو  نحو ذلك أصبحوا لاجئين، ثم تحولوا إلى مواطنين أو شبه مواطنين بمرور الزمن.

    وإذا كانت المجتمعات والتجمعات البشرية الحديثة قد تخلصت من   معظم أسباب اللجوء ومسبباته في الماضي السحيق والوسيط، إلا أن كثيرًا من  هذه الأسباب والمسببات ما زال موجودًا وإن اختلفت الأسماء والمسمَّيات والصور والأشكال في هذا البلد أو ذاك، وفي هذه  المنطقة أو تلك.

    فالفقر الذي يعصف اليوم بكثير من البلدان، ويفتك بأكثر من  مليار إنسان ما زال سببًا، وأيّ سبب، من أسباب التشرد والهجرة واللجوء، وما زال سببًا رئيسًا من أسباب معاناة البشرية واضطرابها.. ولدى البحث في أسباب هذا الفقر نجد أنه ناجم في معظم الأحوال عن عدوان الأقوياء، واستبدادهم بالضعفاء، ووضع يدهم على مقدّراتهم وثرواتهم وخيرات بلادهم.. وإن تظاهر هؤلاء الأقوياء أحيانًا بالإنسانية ومساعدة بعض الفقراء أو الضعفاء فإن ذلك لا يعني شيئًا، ولا يثبت براءتهم من  هذه التهمة الدامغة، والمسئولية عما نحن بصدده، وما كل هذا  الإحسان المُفتعل، والتظاهر بالإنسانية أحيانًا إلا نوع مما يمكن تسميته بالعلاقات العامة، وما يمكن تسميته على الأصح بالنفاق والخداع والرياء والتمادي في الضحك على الناس، والتمادي في استغفالهم واستغلالهم بهذا الشكل أو ذاك.

    وما يقال في الفقر يقال في القمع  السياسي، والاضطهاد الديني، والعرقي، والاجتماعي، والاستبداد الفئوي في كثير من البلدان مما يؤدي في النهاية والمحصِّلة إلى الهجرة إن لم يؤدِّ إلى الموت والتشوهات الجسدية والنفسية، والعيش إلى ما شاء الله في السجون والمعتقلات.. ولا يستطيع أحد إنكار مسئولية أولئك الأقوياء وتلك الدول المتنِّفذة في هذا العالم عن كل هذا الذي يحدث في كثير من أقطار هذا الكون!!

    على أن هنالك سببًا من  الصعب تجاهله لهذا اللجوء الذي يحاول الناس اليوم وضع حد له في هذا اليوم  العالمي للاجئين.. أعني هجرة الأدمغة والعقول من أوطانها إلى عدد محدود جدًّا من  الدول القوية المتنِّفذة في هذا العالم لأسباب تعلمها الشعوب، وتعلمها الحكومات، وتعلمها الأدمغة المهاجرة أيضًا.. ولكن لا أحد يعمل من أجل وقفها!! إن الدول القوية معنيَّة باستمرار هذه الهجرة، وإن غالبية الأنظمة في أقطار العالم  الثالث معنيّة هي الأخرى بذلك، وإن أصحاب الأدمغة والكفاءات والمهارات هم أيضًا يدركون خطورة ما يفعلون، ولكنهم يريدون أن يعملوا.. ويريدون أن يمارسوا اختصاصاتهم، ويريدون أن يعيشوا حياة لائقة بهم.. ولا يجدون ذلك في بلدانهم، فيضطرون إلى الهجرة واللجوء، ويضطرون إلى العيش في تلك الدول.. وبذلك تخسرهم أوطانهم، وتخسرهم شعوبهم.. ولا يستفيد من ذلك كله ومن  مضاعفاته وتراكماته، وتفاعلاته إلا أولئك الأقوياء!!

    في اليوم العالمي للاجئين لا يسعنا إلا أن نتوجه بالشكر إلى كل الأحرار الغيورين على أمن الشعوب وأمانها واستقرارها وتطورها وخلاصها من السلبيات والعلل والأمراض.. ولا يسعنا إلا أن نشد على كل الأيدي العاملة من أجل خير الشعوب، ونشر العدل والعدالة في الأرض، مطالبين كافة الشعوب بالعمل الجاد من أجل وضع حد للهجرة واللجوء، ومن أجل استصلاح أراضيها، لتأكل مما تزرع، وتلبس مما تصنع.. وفي اليوم العالمي للاجئين نقول: كفى تشردًا، وكفى هجرةً واغترابًا ولوجوءًا، وكفى تشتتًا وطوافًا على غير هدًى؛ فلقد آن الأوان لكل لاجئ ومهاجر ومهجَّر أن يعود إلى وطنه!!

 (23/6/2010)

 


السبت، ١٩ حزيران ٢٠١٠

 

 

متابعات                                   

في الحرب الأمريكية على أفغانستان..

  أ/ عدنان السمان

www.Samman.co.nr

في أعقاب الهجمات التي استهدفت برجي التجارة العالميين في الحادي عشر من أيلول من العام الأول من هذه الألفية الثالثة قامت القوات الأمريكية بشن هجماتها على قوات طالبان في السابع من تشرين الأول من ذلك العام، أي بعد ستة وعشرين يومًا فقط من تلك الهجمات، ولا تزال القوات الأمريكية بمن معها من قوات حلفائها تخوض حربًا شرسة على أرض أفغانستان ضد المقاتلين الأفغان لتلحق أشد أنواع الدمار بهذا البلد، ولتكبّد المدنيين الأفغان، والمدنيين في وادي سوات بباكستان أفدح أنواع الخسائر في الأرواح منذ بداية هذه الحرب، ومنذ أن أخذت الولايات المتحدة توسّع نطاقها في محاولة منها لعزل المقاومة الأفغانية، وحصرها في أقل مساحة ممكنة من إقليم قندهار الجنوبي تمهيدًا لتصفيتها، وإحراز النصر عليها، ووضع اليد على هذه البلاد البالغة مساحتها (647000 كم2)، والبالغ تعداد سكانها أكثر من اثنين وثلاثين مليون نسمة، والمحاطة من كافة الجهات بأقطار وشعوب ودول لا تنظر بارتياح لوجود أمريكا وحلف الناتو على أرض أفغانستان: فمن جهة الغرب إيران، ومن الشمال طاجكستان وأوزبكستان وتركمانستان، ومن الجنوب والشرق باكستان، والصين في أقصى الشرق.. إن هذه الشعوب الإسلامية المنتشرة على مساحات شاسعة من أرض الإسلام المجاورة لأفغانستان في آسيا الوسطى، مضافًا إليها الصين في أقصى الشرق، لا تكون سعيدة بانتصار الغرب وسيطرته على أفغانستان، ولا تكون سعيدة باستئثار الولايات المتحدة بكل هذه الثروات المعدنية والنفطية التي تختزنها أرض أفغانستان، وإن روح الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان، وروح الإمام الأكبر جمال الدين الأفغاني وأرواح غيرهما من القادة والمشاهير ممن أنجبتهم بلاد الأفغان كمحمود الغزنوي، وبابر، وجلال الدين الرومي وغيرهم لا يمكن أن تكون سعيدة في عليائها ما دام الغزاة يستبيحون هذا الجزء الغالي من ديار العروبة والإسلام.

أغلب الظن أن الولايات المتحدة قد أخطأت في غزوها لبلاد الأفغان، وقد أخطأت أيضًا في غزوها للعراق العربي بعد ذلك، وقد أخطأت عندما اعتقدت أنها قادرة على احتواء العالمين العربي والإسلامي، وأنها قادرة على التحكم بديار العروبة والإسلام من أقصى المغرب العربي غربًا وحتى أقاصي شرق أندونيسيا، وأنها قادرة على تقاسم هذه الديار مع حلفائها الذين زيّنوا لها هذه التصورات والأوهام ظنًّا منهم بإمكانية تحقيقها، وظنًّا منهم بأن الشعوب العربية الإسلامية قد رضخت وركعت واستكانت، وظنًّا منهم بأن أواصر العروبة والإسلام قد تقطّعت، وظنًّا منهم أنهم قادرون على وضع أيديهم على الثروات النفطية، والمائية، والمعدنية، والحيوانية، والبشرية في هذا العالم الإسلامي الكبير، وظنًّا منهم أنهم قادرون على تحويل كافة العرب وكافة المسلمين إلى مستهلكين لمنتجاتهم.. لقد زيّن هؤلاء لأولئك كل هذه التصورات والأوهام، ولقد أغروهم أيضًا بوضع كل ذلك موضع التنفيذ بكافة الوسائل والسبل، وبشتى الأساليب بما فيها الغزو العسكري إن فشلت كافة وسائل الغزو الثقافي والفكري، وإن فشلت كافة الاختراقات الاجتماعية، والضغوط الاقتصادية، والمناورات والتكتيكات السياسية، وكافة أوجه الحصار والتضييق على القوى الوطنية والإسلامية، حتى غدا هؤلاء اليوم عبئًا –وأيّ عبء- على أولئك على كل الصعد والمستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية، وحتى غدا هؤلاء وأولئك هدفًا لسهام الشعوب، ونقدها الجارح، وغضبها الجامح، وثوراتها المتأججة في كثير من أقطار هذا العالم وأمصاره، وحتى غدا هؤلاء وأولئك بما تنطوي عليه سياساتهم من حمق وغباء وطمع وجشع وظلم واستعلاء واستكبار مثار غضب العقلاء الشرفاء الأحرار من أبناء شعوبهم التي تثبت كل يوم انفضاضها من حولهم، والتفافها حول مبادئ الحق والعدل والحرية والمساواة، ونصرة الشعوب المضطهدة في هذا العالم.

وأغلب الظن أن موجات الغضب والاحتجاج والاستنكار لكل أشكال القمع والعدوان على الناس في أرواحهم وأوطانهم ومعتقداتهم وممتلكاتهم سوف تستمر في كل دول الغرب ضد تلك السياسات الجائرة، وضد كل أشكال القهر والتمييز العنصري البغيض، وضد كل ألوان الاحتلال والاستيطان وتهجير الناس بكل الوسائل والأساليب من ديارهم وأوطانهم، وضد كل صور الإقصاء والإحلال والاقتلاع والتهجير التي ما أنزل الله بها من سلطان، وضد كل أشكال الحصار والتحكم بالناس، وفرض الوصاية عليهم، ومصادرة حقهم في الحرية والاستقلال والعيش الكريم في أوطانهم، بعيدًا عن كل صور القمع والإذلال والتنكيل والتقتيل، وبعيدًا عن كل شرائع الاضطهاد والاستبداد والاستعباد التي لفظتها الشعوب الحرة الكريمة.. وأغلب الظن أيضًا أن شعوب الغرب، وكثيرًا من حكوماته وأحزابه وهيئاته وتنظيماته وجمعياته وأحراره ومفكريه وكتّابه وإعلامييه ومثقفيه سوف يواصلون العمل الجاد من أجل وضع حد للمجازر التي ترتكبها قوات بلادهم في بلاد الأفغان، وفي العراق، وباكستان، وفي كثير من بلاد العروبة والإسلام.. وسوف يواصلون العمل الجادّ من أجل إصلاح ما أفسدته حكوماتهم، ومن أجل نشر روح العدل والعدالة والمحبة والسلام في أرجاء الكون.. لا تَظلمون، ولا تُظلمون!!

بإمكان الولايات المتحدة أن تخرج من بلاد الأفغان، وغير بلاد الأفغان، وبإمكانها أن تكف عن العدوان، وعن مناصرة العدوان في هذا العالم، وبإمكانها أن تعمل من أجل إعادة الحق إلى نصابه، وأن تكون سندًا لكل طلاب الحق والعدل والحرية.. وبإمكانها أن تستمر في سياستها التي دأبت على ممارستها مذ كانت دون أن تستخلص العبر والدروس من تجاربها وتجارب الغرب بعامة، ودون أن تقرأ تاريخ الأمم والشعوب جيدًا، ودون أن تلقي بالاً لكل القيم والأعراف، ولكل شرائع المجتمع الدولي وتشريعاته، ودون أن تقدّر عاقبة ما ينتظرها جزاءً وِفاقًا لما فعلته، وما تزال تفعله في بلاد العروبة والإسلام، وغير بلاد العروبة والإسلام.. لقد آن للولايات المتحدة أن تعلم أن بلاد الأفغان التي كانت سببًا –وأي سبب- من أسباب انهيار الاتحاد السوفياتي الذي كان، قد تكون هي نفسها سببًا من أسباب تردي الولايات المتحدة الأمريكية وانهيارها أيضًا،  ولماذا لا تكون وقد أقسم الأفغان في سائر ولاياتهم البالغ عددها أربعًا وثلاثين ولاية على تحرير بلادهم من الغزاة؟ ولماذا لا تكون وقد أقسمت المجموعات العرقية من البشتون والطاجيك والهزارة والأوزبك والتركمان على ذلك؟ ولماذا لا تكون والأفغان يعلمون قبل غيرهم من خبراء الغرب وجيولوجييه أن بلادهم غنية بالثروات المعدنية والنفطية وبكميات مذهلة من الغاز الطبيعي.. ولئن قدّر الخبراء الأمريكان مؤخرًا قيمة الثروات المعدنية النادرة في بلاد الأفغان بترليون دولار، فإن الأفغان يعلمون أن ترليونات من الدولارات موزعة بالتساوي على كافة مناطق بلادهم الشرقية والشمالية والجنوبية والغربية، في المناطق الجبلية التي يبلغ ارتفاعها عشرين ألف قدم، وفي الوديان والسهول الشمالية والمناطق الصحراوية وشبه الصحراوية في الجنوب.. وإن الأفغان يعلمون جيدًا أن أرواح علمائهم وفقهائهم وقادتهم وأدبائهم ومشاهيرهم وشهدائهم تهيب بهم أن يحافظوا على بلاد الأفغان (قلب آسيا الوسطى) من العدوان، وإن الأفغان قد عاهدوا تلك الأرواح على أن يكونوا عند حسن ظنها بهم.. فلماذا لا تأخذ أمريكا العبرة والدرس المستفاد، ولماذا لا تخرج أمريكا من بلاد الأفغان، ومن غير بلاد الأفغان دون تردد أو تلكُّؤ أو جدال؟؟

صحيح أن الولايات المتحدة تملك من وسائل الحرب والدمار والإبادة ما يعرف الناس وما لا يعرفون، وصحيح أن الغرب متطور بشكل من الصعب أن نتصوره نحن البسطاء.. ولكن صحيحٌ أيضًا أن الأفغانيين يقاتلون على أرض بلادهم، وهم أعلم الناس بطبيعتها، وبطبيعة جبالها الشاهقة وكهوفها وسهولها وصحاريها، وأن الأفغان قد تمرسوا بالحروب الداخلية والخارجية أيضًا.. ولعل البريطانيين الذين خاضوا حربين قاسيتين مع الأفغان على امتداد القرن التاسع عشر يعرفون أكثر من غيرهم أن الانتصار على الأفغان ليس من الأمور السهلة.. وصحيحٌ أيضًا أن المسلمين في آسيا الوسطى لن يتخلوا عن الأفغانيين في حربهم العادلة ضد الغزاة، وأن غير المسلمين أيضًا لا ينظرون بارتياح للوجود الأمريكي على أرض بلاد الأفغان.. ومن هنا كانت ورطة الأمريكان في هذه البلاد، ومن هنا أيضًا بات عليهم أن يفكروا جيدًا، وأن يخرجوا –غير مأسوف عليهم- من بلاد الأفغان، وغير بلاد الأفغان في كل ديار العروبة والإسلام.

لقد آن للبشرية أن تتخلص من مشكلاتها ومتاعبها، ولقد آن لقوى البغي والظلم والعدوان أن تكف عن ممارساتها واعتداءاتها على الشعوب، كي ينعم الناس جميعًا في هذا العالم بالعيش الكريم الآمن المستقر، بعيدًا عن كل أسباب العدوان والاحتلال، وبعيدًا عن كل أسباب التوتر والحروب.

19/6/2010


الخميس، ١٧ حزيران ٢٠١٠

قطــوف من النحـو

(الاسـتثناء)

-2-

   أ.عدنان السمان

 www.Samman.co.nr

 

إذا تقدم المستثنى بإلا على المستثنى منه وكان الاستثناء تامًّا موجبًا وجب نصب المستثنى مثل (نجح إلا الكسولَ الطلابُ)، أما إذا تقدم المستثنى على المستثنى منه في كلام تام غير مثبت فإن نصبه يصبح غالبًا لا واجبًا مثل (ما نجح إلا المجتهدَُ الطلابُ) قال الشاعر: فماليَ إلا آلَ أحمدَ شيعةٌ // وماليَ إلا مذهبَ الحقِّ مذهبُ (الشاهدان آلَ أحمدَ ومذهبَ الحق وقد غلب نصبهما لتقدمهما على المستثنى منه ولو لم يتقدما لجاز فيهما الوجهان). وَمِن رفع المتقدم على غير الغالب قولُ الآخر: فإنهمُ يرجون منه شفاعةً// إذا لم يكن إلا النبين شافعُ (الشاهد النبيون مرفوع على البدلية وهو مستثنى قُدم على المستثنى منه في سياق الاستثناء التام المنفي الذي يقوى فيه نصب المستثنى على إبداله، ولكن الشاعر أبدله على الرأي المرجوح فرفعه. وبعض النحاة يجعل "النبيون" فاعلاً ليكن، ويجعل الكلام من باب الاستثناء المفرغ، وحينئذ لا يكون في البيت شاهد على تقديم المستثنى على المستثنى منه، و"شافع" مع هذا الرأي تعرب بدلاً من "النبيون" ملاحظة: لا يجوز التفريغ في المصدر المؤكد، أما المصدر غير المؤكد كالمبيِّن للنوع أو العدد فلا بأس من وقوعه بعد إلاّ في الاستثناء المفرغ. فلا يقال (ما ضربتُ إلا ضربًا، ولا أكرمت إلا إكرامًا) وذلك للتناقض الواضح؛ ولا مانع من أن نقول (ما أكرمتُ إلا إكرامًا قليلاً وما ضربتُ إلا ضربتين) لعدم التناقض. وكذلك لا يجوز التفريغ في المفعول معه، فلا يجوز أن نقول مثلاً (ما سرتُ إلا دورانَ الأرضِ) والتفريغ يجوز في البدل باتفاق، ويجوز في النعت على رأي بعض النحاة، أما غير النعت والبدل من التوابع فلا يجوز التفريغ فيها. وكذلك لا يجوز التفريغ في الحال المؤكدة كما لا يجوز في المصدر المؤكد. وإذا كررت إلا بقصد التوكيد ألغيت، وأعرب ما دخلت عليه إعرابه لو لم تكن إلا موجودة وذلك في العطف والبدل (ما زارني أحدٌ إلا محمدٌ إلا أخوك. وما أحب طالبًا إلا سعدًا إلا أخاك) ونقول (نجح الطلاب إلا إسماعيلَ وإلا إبراهيمَ، وأثمرت الحدائقُ إلا حديقةَ سعيد وإلا حديقةَ خالد) فإلا في هذه الأمثلة مسوقة للتأكيد لا غير، أكدت بها إلا السابقة عليها فألغي عملها، وأعرب ما بعدها كما لو كانت لا الثانية غير موجودة، وعلى هذا يعرب أخوك في المثال الأول بدلاً من محمد، وأخاك في المثال الثاني بدلاً من "سعدًا" باعتبار أنهما قبل تكرار إلاّ كانا بدلين. قال الشاعر: مالَكَ من شَنْجكَ إلا عَملُهْ // إلا رسيمه وإلاّ رَمَلُه (الشاهد هو إلغاء إلا المأتي بها لمجرد التوكيد، وإعراب ما بعدها كما لو كانت غير موجودة فأعرب ما بعدها بدل اشتمال من "عمل" وما بعد إلا الثالثة معطوفة. وقال آخر: هل الدهرُ إلا ليلةٌ ونهارُها// وإلاّ طلوعُ الشمسِ ثم غيارُها (ألغيت إلا الثانية وأعرب ما بعدها إعرابه لو لم تكن موجودة وذلك لأنها مسبوقة لمجرد التوكيد، أما إذا كررت إلاّ لغير التوكيد بل لإرادة معنًى تأسيسيٍّ بها بحيث لا يفهم هذا المعنى إذا هي أسقطت فالحكم كما يلي: 1- إذا كان الاستثناء مفرغًا وجب أن يشغل العامل بواحد مما دخلت عليه إلاّ، ووجب نصب الباقي مثل (ما زارني إلا عليٌّ إلاَّ خالدًا إلاَّ سعدًا) ولنا أن ننقل عمل العامل إلى خالد أو سعد وننصب الباقين(ما زارني إلا عليًّا إلا خالدٌ إلا سعدًا) أو ما زارني إلا عَليًّا إلا خالدًا إلا سعدٌ أي أن عمل الفعل زار يسلط عل أي واحد منها. 2- إذا لم يكن الاستثناء مفرغًا فلا يخلو إما أن تتقدم المستثنيات على المستثنى منه وإما أن لا تتقدم، فإذا تقدمت وجب نصبها جميعها سواء كان الاستثناء موجبًا أو منفيًّا (نجح إلا خالدًا إلا سعدًا إلا سعيدًا الطلابُ) ونقول في النفي (ما نجح إلا خالدًا إلا سعدًا إلا سعيدًا الطلابُ) وإذا لم تتقدم المستثنيات على المستثنى منه فإن كان الاستثناء موجبًا وجب نصبها جميعها (نجح الطلاب إلا خالدًا إلا سعدًا إلا سعيدًا) وإن كان الاستثناء منفيًّا أعطي واحد من المشتقات الحكم الذي يستحقه المستثنى في الكلام التام غير الموجب ونصبت بقية المستثنيات (ما ظفر الطلاب بالنجاح إلا خالدٌ إلا سعدًا إلا سعيدًا) وتقول (إلا خالدًا إلا سعدًا إلا سعيدًا) وإتباع أحدها أولى من نصبها جميعها.

يتبع..


الأربعاء، ١٦ حزيران ٢٠١٠

قطــوف من النحـو

(الاسـتثناء)

-1-

   أ.عدنان السمان

 www.Samman.co.nr

 

الاستثناء في اصطلاح النحاة أن تُخرج تحقيقًا أو تقديرًا –بإلاّ- أو ما في معناها- ملفوظًا بعدها من ملفوظ أو ملحوظ قبلها. مثال ذلك: نجح الطلابُ إلا الكسولَ، وما نجح الطلابُ إلا المجتهدَُ. ونقول ما فاز إلا الشريفُ، وما نجح إلا الذكيُّ. فالمستثنى من هذا محذوف، والاستثناء تقديري لا تحقيقي.* أسلوب الاستثناء: قد تذكر فيه العناصر الثلاثة – المستثنى والمستثنى منه والأداة – وحينئذ يكون إما مثبتًا وإما منفيًّا، وعلى كل فإما أن يكون المستثنى جزءًا حقيقيًّا من المستثنى منه، وإما أن لا يكون –مثال ذلك تحرك الجيشُ إلا الطائرات- وقد يحذف منه المستثنى منه، وحينئذ لا يكون إلا منفيًّا. * أنواع الاستثناء ثلاثة هي: 1) التام المثبت: وهو ما ذكرت فيه عناصر الاستثناء الثلاثة، ولم يسبق بنفي ولا شبه نفي سواء كان المستثنى جزءًا من المستثنى منه حقيقة (سافر الأصدقاءُ إلا سعيدًا) أو جزءًا منه تقديرًا (حضر المسافرون إلا أمتعتهم). 2) التام المنفي: وهو ما ذكرت فيه عناصر الاستثناء الثلاثة وسبق بنفي أو نهي أو استفهام إنكاري سواء كان المستثنى جزءًا حقيقيًّا من المستثنى منه (ما سافر الأصدقاء إلا سعيدًا، ولا تسافروا إلاّ سعيدًا، وهل وفيتم بالعهد إلا سعيدًا؟ بمعنى ما وفيتم. أو كان المستثنى ليس جزءًا حقيقيًّا من المستثنى منه (ما سافر الأصدقاءُ إلا سيارةَ أحدهم، وما وفيتم بالعهد إلا أموالَكم، وهل وفيتم بالعهد إلا أموالَكم؟ بمعنى ما وفيتم). 3) المفرّغ: وهو ما حذف منه لفظ المستثنى منه، وهذا القسم لا يكون مثبتًا وإنما يجب أن يقع في سياق النفي أو شبهه (ما نجح إلا الذكيُّ، لا تكرم إلا الذكيَّ، هل ينجح إلا الذكيُّ؟ بمعنى لا ينجح. * سمي الاستثناء التام باسمه لأنه لم يحذف شيء من عناصره، وسمي المفرغ باسمه لأن ما قبل –إلاَّ- يتفرغ للعمل فيما بعدها كما لو كانت إلا غير موجودة. * يسمى المستثنى متصلاً إذا كان جزءًا حقيقيًّا من المستثنى منه لما بين المستثنى والمستثنى منه من صلة الجزء بكله (نجح الطلاب إلا الكسولَ) ويسمى المستثنى منقطعًا إذا لم يكن جزءًا حقيقيًّا من المستثنى منه لانعدام صلة الجزئية والكلية بينهما، وليس معنى هذا انقطاع الصلة المعنوية بينهما بل إنها قائمة، ولهذا فإن أداة الاستثناء فيه تؤدي ما يؤديه حرف العطف –لكن- الدال على الاستدراك والاستئناف. * يشترط لصحة الاستثناء المنقطع أن يكون المستثنى مناسبًا لما قبله فلا يجوز أن يقال مثلاً : قام القومُ الا جدارًا. * أدوات الاستثناء ثمان هي: إلا (وهي حرف) غير وسوى (وهما اسمان)، حاشا ويقال فيها حاش وحشا (وهي حرف عند فريق وفعل ماض عند فريق آخر). ليس ولا يكون (فعلان)، عدا وخلا (يترددان بين الحرفية والفعلية). ناصب المستثنى بإلاّ: العامل في نصب المستثنى هو إلاّ، لكن إذا كان الاستثناء مفرغًا فتلغى، ويُعرب المستثنى بحسب موقعه في الجملة (ما نجح إلا سعيدٌ) لكن إذا كان التفريغ مقدرًا مثل (ما قام أحدٌ إلا إبراهيمُُ) وقصد به (ما قام إلا إبراهيمُ) فإن إلغاء إلا في هذه الحال يكون جائزًا لا واجبًا، ويعرب المستثنى في هذه الحال إما بحسب موقعه في الجملة (كأن إلا غير موجودة) أو بدلاً من أحد. أحكام المستثنى: * عند الاستثناء بإلاّ: إذا كانت الجملة موجبة وجب نصب المستثنى سواء كان المستثنى متصلاً أو منفصلاً (انطلقت السياراتُ إلا سيارةً، رجع المسافرون إلا الركائبَ) .أما إذا كانت الجملة غير مثبتة فإما أن يكون الاستثناء متصلاً أو منفصلاً. فإذا كان متصلاً جاز نصب المستثنى على الاستثناء، وجاز إتباعه لما قبل إلاّ على البدلية (ما قام أحدٌ إلا سعدًا، ما قام أحدٌ إلا سعدٌ)، وهذا الحكم يجري فيما إذا كان النفي موجودًا لفظًا ومعنًى، وفيما إذا كان موجودًا معنًى دون لفظٍ، كما في قول الشاعر: وبالصريمة منهم منزلٌ خلقٌ //عافٍ تغير إلا النويُ والوتدُ (الشاهد النُوي مرفوع على البدلية من فاعل تغير المستتر بسبب وجود النفي في المعنى فقط والذي أفادته "تغير" وقول الشاعر: لدم ضائع تغيب عنه// أقربوه إلا الصَّبا والدّبورُ (الشاهد الصَّبا مرفوعة على البدلية الاشتمالية من "أقربوه" إذ هو بمعنى لم يحضر، والنفي المعنوي كالنفي اللفظي في تسويغ إبدال ما بعد إلا مما قبلها إذا كان الاستثناء تامًّا) أما إذا تغير معنى النفي وكان الاستثناء منفصلاً وجب نصب المستثنى (ما حضر الطلابُ إلا حقائبَهم) وذلك لأن الاستثناء منقطع وهو تام، وغير موجب، وأداة الاستثناء هي إلا. وهذا رأي جمهور النحاة. أما بنو تميم فيجوزون الإتباع (ما حضر الطلابُ إلا حقائبُهم). قال الراجز: وبلدةٍ ليس بها أنيسُ// إلا اليعافيرُ وإلا العيسُ (اليعافير رفع على البدلية من أنيس على لغة بني تميم مخالفين بذلك رأي الجمهور). وقال الشاعر: عشيةَ لا تغني الرماحُ مكانَها// ولا النَّبلُ إلا المشرَفيُّ المصَمَّمُ (الشاهد المشرفي مرفوع على البدلية من المستثنى منه "الرماح" مع أن الاستثناء منقطع). وقول الآخر: وبنتِ كرامٍ قد نكحنا ولم يكن// لنا خاطبٌ إلا السنانُ وعاملُه (الشاهد السنان مرفوع على البدلية من "خاطب" مع أن الاستثناء منقطع).

16/2/2010

يتبع..

 

 

 

 

 

 

 


الأربعاء، ٩ حزيران ٢٠١٠

متابعات                                     

في العلاقات المصرية الفلسطينية

            أ.عدنان السمان

www.Samman.co.nr

قال محدثي:

مذ كانت مصر، ومذ كانت فلسطين وبلاد الشام، كانت رفح بوابة مصر البرية إلى فلسطين، وبوابة فلسطين إلى مصر.. لقد تعمقت الصلة وتوثقت بين مصر وبلاد الشام في أعقاب الفتح العربي الإسلامي، وأصبح الناس في هذين القطرين، وفي سائر أقطار العروبة إخوةً تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يدٌ على مَن سواهم.. ولقد نعم الناس في هذين القطرين، وفي غيرهما من أقطار العروبة بالأمن والأمان والحرية والعيش الكريم منذ أيام الفتح تلك، وحتى أيام ضعف الخلافة العثمانية، ثم انهيارها، وإلغائها رسميًّا قبل ستة وسبعين عامًا.. لقد وقعت مصر تحت الاحتلال البريطاني في العام (1882) ثم وقعت فلسطين تحت هذا الاحتلال الذي أسمَوه انتدابًا بعد أيام من وعد بلفور، وتحديدًا في اليوم التاسع من شهر كانون الأول من العام (1917) عندما دخلت قواتهم مدينة القدس، وتسلمت المدينة من حاكمها التركي (عزت بيك) الذي دفعه حبه للمدينة المقدسة، وخوفه على أهلها إلى تسليمها دون حرب.. وقد بقيت فلسطين التاريخية ومساحتها (27009) من الكيلومترات المربعة تحت هذا الانتداب البريطاني حتى مساء الرابع عشر من أيار من العام (1948) حيث اجتمع قادة المنظمات اليهودية المقاتلة في تلك الساعة في (تل أبيب) ليعلنوا قيام (إسرائيل) عند انتصاف ليل الخامس عشر من أيار على ثمانية وسبعين بالمئة من مساحة فلسطين (خلافًا لما نص عليه قرار التقسيم الصادر في 29/11/1947 بإقامة دولتين متكافئتين في فلسطين) على أن يكون هنالك حل اقتصادي للجزء المتبقي منها تحت إشراف الإسرائيليين، وبالتنسيق معهم.

        لست هنا لأقرأ على مسامعك، يا عزيزي، درسًا في التاريخ –أضاف محدثي- ولكنني رأيت أنه لا بد من هذه المقدمة السريعة للتذكير بأن العملة الأولى التي فرضها البريطانيون على أهل فلسطين بعد إلغاء العملة العثمانية هي العملة المصرية، وقد بقيت هذه هي العملة الرسمية حتى العام (1927) عندما سكّ البريطانيون العملة الفلسطينية، إنني لا زلت أذكر كيف كنا ننتقل من شمال رفح إلى جنوبها، أي من فلسطين إلى مصر، عبر دكان له بابان: باب شمالي يدخل منه الفلسطينيون إلى مصر، وباب جنوبي يدخل منه المصريون إلى فلسطين، ولا زلت أذكر تمامًا أننا عند دخولنا من الباب الشمالي كنا نشتري من ذلك الدكان ما نريد شراءه بالعملة الفلسطينية، وعندما نعود من مصر عبر الباب الجنوبي لذلك الدكان كنا نشتري ما نريد منه بالعملة المصرية، وعلى عكس ذلك –بالطبع- كان المصريون يفعلون عند توجههم إلى فلسطين، وعند العودة منها إلى مصر.. أما قبل العام (1927) أي قبل أن تُسك العملة الفلسطينية، فلم نكن نحمل إلا العملة المصرية، ولم نكن نشتري من ذلك الدكان في الاتجاهين إلا بالعملة المصرية، وبما نحمل أحيانًا من الليرات الذهبية العثمانية التي كنا نستبدلها بالجنيهات المصرية.. أما وحدات النقد العثماني الأخرى مثل البشلك، والسحتوت، والبارة وغيرها فقد ألغيت في أعقاب انهيار دولة الخلافة مع نهاية الحرب العالمية الأولى، وإلغائها بعد ذلك رسميًّا في العام (1924).

        ولا زلت أذكر – يا عزيزي- أن مساحة لواء غزة خلال فترة الانتداب (وحتى الخامس عشر من أيار من العام ثمانية وأربعين) قد كانت (1190) من الكيلومترات المربعة، لتصبح بعد النكبة (362) كيلو مترًا مربعًا، فإذا عرفنا أن امتداد القطاع على البحر المتوسط يبلغ خمسة وأربعين كيلومترًا، فإننا ندرك أن متوسط العرض من الجهة الشرقية المحاذية للنقب يبلغ ثمانية كيلومترات، وأنه في الشمال والوسط أقل منه في منطقة رفح التي يبلغ العرض فيها نحو اثني عشر كيلومترًا.

        إن هذا الشريط الضيق من الأرض الفلسطينية المحاذية للقطر المصري قد أضحى معزولاً تمامًا عما تبقى من الأرض الفلسطينية التي دخلت في وحدة مع شرقي الأردن، وأُطلق عليها إذ ذاك اسم "الضفة الغربية" والبالغة مساحتها (5879) من الكيلومترات المربعة، أما قطاع غزة فقد وُضع أمانةً في يد القطر المصري إلى أن تحل القضية الفلسطينية، ومما هو جدير بالذكر أن هذا القطاع (الذي أضحت الغالبية العظمى من سكانه من اللاجئين والمهجَّرين من منطقة الساحل الجنوبي والنقب) قد شهد ازدهارًا اقتصاديًّا، ونشاطًا سياسيًّا وعسكريًّا لم يشهد له مثيلاً من قبل، وبقي الأمر كذلك حتى حرب حزيران من العام سبعة وستين، ووقوع القطاع والضفة ومساحات شاسعة من الأرض العربية تحت الاحتلال الإسرائيلي في تلك الحرب.

واليوم.. وبعد أكثر من اثنين وستين عامًا من قيام (إسرائيل) على معظم الأرض الفلسطينية عام ثمانية وأربعين.. وثلاثة وأربعين عامًا على حرب حزيران عام سبعة وستين.. وثلاثة وثلاثين عامًا من زيارة السادات للقدس، وتوقيع معاهدة السلام بعد ذلك.. وبعد ثمانية عشر عامًا مما جرى في مدريد، وفي أوسلو بعد ذلك، وما سبق ذلك كله، وما أعقبه من لقاءات وحركات وتحركات واجتماعات وتفاهمات ومفاوضات واتفاقات لم تسفر إلا عن ضياع مزيد من الأرض الفلسطينية، وبناء مزيد من المستوطنات، ووضع اليد على مصادر عيش الفلسطينيين، وتقطيع أوصال الأرض، وأوصال الإنسان صاحب الأرض، ومصادرة مزيد من الأرض الفلسطينية، والمياه الفلسطينية ووضع اليد على كافة الثروات والموارد الفلسطينية، والإمعان في محاصرة الفلسطينيين وإذلالهم وعزلهم وتجويعهم، وبناء الجدران، والتحكم المطلق بهم، وتشديد القبضة عليهم، والزج بهم في غياهب المعتقلات والسجون ومراكز التوقيف.. لقد تحول الفلسطينيون إلى مجموعات من الموظفين والمستفيدين والمتسولين والعاطلين عن العمل بعد أن تلاشت كافة فئات العمال والفلاحين، واختفت فئات الصناع والزراع والتجار والمنتجين، وتلاشت قيم، واستبيحت حياة سياسيه، ودمرت حياة ثقافية وعلمية، وعُهّرت حياة اجتماعية واقتصادية، وحلت محل ذلك كله ثقافات جديدة، ومسلكيات جديدة، وقيم جديدة، وأخلاقيات جديدة أقل ما يمكن أن يقال في أقلها سوءًا إنها غريبة غريبة عن أخلاقيات شعبنا وتقاليده وثقافته وأعرافه ومعتقداته وثوابته ومثالياته وطموحاته، وأقل ما يقال فيها إنها لن تؤدي بالناس – إن هي استمرت- إلا إلى الهاوية والتلاشي والاندثار.. وبعد عشر سنوات من توقيع معاهدة وادي عربة.. وخمس سنوات على مبادرة السلام العربية.. وأربع سنوات على حصار غزة.. وبعد أسبوعين من العدوان الدموي على مرمرة.. وبعد كل ردود الأفعال التي أحدثها هذا العدوان ولا يزال يحدثها.. وبعد كل هذه الإعدادات والاستعدادات لإرسال سفن جديدة، وقوافل إغاثة جديدة، وبعد كل هذه الإعدادات والاستعدادات والإصرار العربي والإسلامي والدَّولي على رفع الحصار المفروض على غزة.. وبعد أيام من فتح معبر رفح في الاتجاهين.. اليوم، وبعد كل هذا الشريط المذهل من الحوادث والأحداث التي شهدها الناس في هذه الديار، ويشهدونها منذ أكثر من اثنين وستين عامًا يجدر بنا أن نقف وقفة تأمل وهدوء نقيّم من خلالها ما جرى، مستخلصين العبر من كبار الحوادث والكوارث والأحداث التي شهدتها هذه الديار، وشهدتها معظم أقطار الجوار، ورددت أصداءها جنبات هذا الكون، يجدر بنا أن نضع النقاط على الحروف بأمانة وثقة ومسئولية لنقول:

إن فتح معبر رفح في الاتجاهين قد رفع معنويات الغزيين، وأحيا فيهم روح الثقة والأمل، وأعاد العلاقة بين القطاع ومصر إلى سابق عهدها، وقلَب الطاولة على رؤوس المتربصين الظّانّين بمصر والمصريين ظنَّ السَّوء. لقد كنتُ أقول دائمًا إن مصر تستطيع ببساطة أن تتبنى قطاع غزة، وتستطيع ببساطة أن تنهض بالغزيين من كافة النواحي؛ فمصر البالغة مساحتها أكثر من مليون من الكيلومترات المربعة، والبالغ عدد سكانها أكثر من ثمانين مليون إنسان، والمرتبطة بغزة، مذ كانت وكانت غزة، ارتباطاً عضويًّا وثيقًا، حتى أن معظم الناس في قطاع غزة بخاصة، وفي جنوب فلسطين بعامة هم من المصريين، بل إن كثيرًا من سكان الموانئ الفلسطينية، والمدن الداخلية والجبلية هم من المصريين الذين يعرف الفلسطينيون أحسابهم وأنسابهم والمناطق التي تعود جذورهم إليها في مصر.. مصر هذه تستطيع أن تعتبر القطاع حيًّا من أحياء القاهرة انطلاقًا من كافة الروابط الأخوية والتاريخية التي تربط مصر بفلسطين، وبغير فلسطين من بلاد العروبة والإسلام.. ومصر هذه لن ترضخ للضغوط التي تمارسها هذه الجهة أو تلك لإغلاق معبر رفح، ولن ترضخ لمطالب أولئك الذين يبحثون عن المتاعب والمشكلات لغزة والغزيين.

وإن هذا الموقف المصري، وبما سبقه ولحقه وتزامن معه من مواقف الأشقاء في كثير من ديار العروبة والإسلام، وفي كافة أقطار هذا العالم سيؤدي قطعًا إلى رفع الحصار عن غزة، وسيؤدي قطعًا إلى عودة العلاقات الطبيعية بين العرب، وبين المسلمين، وإلى عودة العلاقات الطبيعية بين الأحرار والشرفاء أنصار الحق والعدل والحرية والسلام في هذا العالم، وسيؤدي قطعًا إلى رفع الظلم والمعاناة عن شعب فلسطين، وسائر الشعوب المظلومة المضطهدة في كافة أرجاء المعمورة.

قلت لمحدثي: هل تعتقد أن ما حدث ويحدث اليوم في هذه الديار سيعيد العقل إلى رؤوس المتغطرسين المستكبرين المغرورين في هذا العالم؟

قال: نعم.. فالشعوب دائمًا هي صاحبة الكلمة الأخيرة من الفصل الأخير، والمشهد الأخير من الرواية.. وإذا كنا نعرف يقينًا أن الكلمة الأولى هي أيضًا للشعوب فإن معنى ذلك أن الكلمة النهائية هي للشعوب الحرة المكافحة من أجل عزتها واستقلالها.. الشعوب الحرة التي تقول كلمتها، وتبدي رأيها، ولا تخشى في الحق لومة لائم، وتعمل دائمًا من أجل نشر العدل والعدالة والسلام في ربوع هذا العالم.

9/6/2010م

 

 


الاثنين، ٧ حزيران ٢٠١٠

الخميس، ٣ حزيران ٢٠١٠

متابعات        

وما زال الجرح نازفًا يا حزيران !!

            أ.عدنان السمان

www.Samman.co.nr

        قالوا في أعقاب حرب حزيران التي أسمَوها حربَ الأيام الستة إنهم قد خاضوا تلك الحرب كي يحققوا السلام، وقالوا إنه ليس لهم أطماع في الضفة الغربية، وسوف تعود إلى وضعها قبل تلك الحرب عندما يحل السلام، وتزول أسباب العداوة والحروب !! وما قالوه بشأن الضفة الغربية قالوه بشأن الجزء الذي احتلوه من الجولان، وبشأن سائر الأراضي العربية التي احتلوها في تلك الحرب.. وفي تلك الأيام التي أعقبت تلك الحرب ضموا القدس، وراحوا يُصدرون القوانين والأحكام العسكرية بشأن هذه الديار التي أسموها "يهودا والسامرة"، وراحوا يتصرفون وكأنهم الوارثون لهذه الأرض التي احتلوها، وعلى الرغم من ذلك فقد ظل إعلامهم يتغنى بالسلام، ويدعو إليه، كما ظل إعلامهم أيضًا يتغنى بالحرية، ويتغنى بالديموقراطية، ويروج للحياة الآمنة المستقرة!! وأخذ كثير من الناس يهجرون أرضهم، بسبب الخسائر التي باتت تلحق بهم، والصعاب التي أضحت تواجههم، ويتحولون إلى عمال في مصانع "المنتصرين" ومزارعهم بسبب ما ينطوي عليه العمل هناك من تسهيلات وإغراءات"، وأجور لم يكن أحد منهم يحلم بها، وهكذا بدأ هذا التحول في حياة الناس هنا، وهكذا أخذوا يرتبطون بهذا الواقع الجديد، ويعوّلون عليه، ويتكيفون معه، ويتأثرون به في تصريف أمورهم، وممارسة حياتهم اليومية، والتخطيط لغدهم، ومستقبل أبنائهم في هذه الديار، وهكذا أيضًا بدأ هؤلاء "المنتصرون" يشددون من قبضتهم على هذه الديار، وعلى عرب هذه الديار، وأخذوا يضعون أيديهم على كثير من الأحياء في القدس القديمة، وراحوا يهدمون بعض هذه الأحياء، ويزرعون مستوطنيهم في بعضها الآخر، كما أخذوا يقيمون الأحياء الاستيطانية خارج أسوار القدس أيضًا، وراحوا ينتشرون في الشمال والشرق والجنوب، ليحاصروا القدس والمقدسيين من كافة الجهات، بعد أن سلخوا عن القدس كثيرًا من قراها التي كانت فيما مضى جزءًا لا يتجزأ منها، وراحوا يصادرون الأرض تحت شتى الذرائع والأسماء والمسميات ليس في القدس وحدها، وإنما في سائر أنحاء الضفة الغربية المحتلة، وراحوا كذلك يقيمون المستوطنات الصغيرة على رؤوس الجبال، وفي المناطق النائية التي لا تراها العين في أغلب الأحيان، ثم راحوا يقتربون بمرور الوقت من القرى العربية، والمدن العربية، وراحوا يقتربون بمرور الوقت من الشوارع والطرق التي تربط بين هذه المدن والقرى، كما راحوا يشقون الطرق الالتفافية، وفي كل خطوة كانوا يخطونها في هذا الاتجاه أو ذاك كانوا يفرضون لأنفسهم تدخلاً أكبر في حياة الناس، وكانوا يسنّون من القوانين والتشريعات ما يخدم هذا التدخل، ويساعدهم في عزل أهل هذه البلاد، وحصارهم، ووضع اليد على ممتلكاتهم ومقدّراتهم ومصادر رزقهم، والتحكم بمصائرهم، والتضييق عليهم بشتى الوسائل والسبل، وصولاً إلى التحكم المطلق برقاب الفلسطينيين، ولقمة عيشهم، إلى جانب كثير من الممارسات وكثير من التفصيلات المؤلمة مما قد يُقال، وقد لا يُقال !!

        واليوم، وبعد أكثر من ثلاثين عامًا على توقيعهم أول معاهدة للسلام مع كبرى "دول" العرب، وبعد توقيعهم المعاهدة الثانية مع ضفة الأردن الشرقية التي ربطتها وحدة اندماجية مع ضفته الغربية في أعقاب نكبتنا في فلسطين، وبعد توقيعهم معاهدات أوسلو، وبعد أن تمكنوا من إقامة هذا السلام العملي الواقعي مع معظم الأنظمة العربية، وهذا السلام الاقتصادي مع كثير من أقطار العرب، وبعد سنوات من المبادرة العربية، وسنوات عجاف قبل ذلك من المفاوضات لا نرى إلا مزيدًا من التحكم بالقدس والمقدسيين، ومزيدًا من الاستيطان والمستوطنين في القدس وغير القدس، ومزيدًا من كل أشكال التسلط والتحكم والحصار في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومزيدًا من الملاحقة والإذلال لمن يرفع صوته مطالبًا بحق في الجليل والمثلث والنقب، وفي المحتل منذ عام سبعة وستين، ومزيدًا من التنكر لحقوق الفلسطينيين الوطنية الثابتة في بلادهم فلسطين.. اليوم، وبعد عقود من جنوح الفلسطينيين والعرب والمسلمين للسلم، ودخولهم فيه كافة نرى هؤلاء "المنتصرين" وهم يمعنون في إصرارهم على تجريد الفلسطينيين والعرب والمسلمين من أبسط حقوقهم في العيش الحر الكريم في بلادهم، وإصرارهم على فرض وصايتهم المطلقة على فلسطين والفلسطينيين، وعلى سائر العرب والمسلمين في كل ديار العروبة والإسلام، وإصرارهم على فرض سيطرتهم على المياه الإقليمية لغزة، ولكل العرب، وعلى المياه الدولية أيضًا، ولعل ما فعلوه بأسطول الحرية في عرض البحر المتوسط خير شاهد على صحة هذا الادعاء، وخير شاهد على أن هؤلاء "المنتصرين" لا يريدون السلام، وخير شاهد على أنهم إنما يحاولون فرض الاستسلام الكامل على هذا الشعب العربي الفلسطيني في بلاده فلسطين، وفرض الاستسلام الكامل على أمة العرب في الوطن العربي الكبير من المحيط إلى الخليج، الأمر الذي يرفضه العرب، ويرفضه الفلسطينيون، ويرفضه المسلمون، ويرفضه الأوروبيون، ويرفضه الأمريكان، ويرفضه المجتمع الدولي، ويرفضه الأحرار في شتى أنحاء هذا العالم.

        منذ ثلاثة وأربعين عامًا أضافوا الضفة الغربية وقطاع غزة إلى ما كانوا قد احتلوه من أرض فلسطين عام ثمانية وأربعين، ومنذ ثلاثة وأربعين عامًا، وفي مثل هذا اليوم الخامس من حزيران من عام سبعة وستين قالوا إن السلام سيتحقق، وإن نزيف الدم سيتوقف، وإنهم لا أطماع لهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، وما زال الجرح نازفًا يا حزيران !!

3/6/2010