من أحاديث جدي
أ. عدنان السمان
واستدَّ ساعدُها وأَورقَ عودُها...
طلب الحفيد من جده أن يسمعه شيئًا من شعره، فقال الجد:
تاريخُنا يروي بأنّا أمةٌ | حذقت فنونَ الحربِ يومَ قتالِ |
قال الحفيد: الله الله.. كم أنت رائع يا جدي! ولكن هل نقول: واستدّ ساعدها، أم واشتدّ ساعدها؟ وما الفرق بينهما؟ وماذا نسمي مثل هذا اللون من الشعر؟
قال الجد: هذه الأبيات من شعر الفخر، لكنني هنا لا أفخر بصفة أو صفات خاصة، وإنما أفخر بشيء من مآثر هذه الأمة ومزاياها.. وإجابةً عن سؤالك الأول نقول هنا: واستد ساعدها.. وفي هذا يقول الشاعر:
أعلّمه الرماية كل يومٍ | فلما استدّ ساعدُه رماني |
قال الحفيد: يبدو أن هذا الشاعر كان في غاية الضيق من الغادرين ناكري الجميل.. أولئك الذين أبَوا إلا أن يسيئوا إلى من أحسن إليهم .
قال الجد: هو ذاك يا عزيزي، ويعجبني فيك فهمك للشعر وتذوُّقه، وميلك الفطري للنقد الأدبي في هذه السن المبكّرة.. افتح هذا المنجد الذي بين يديك على حرف السين (الحرف الثاني عشر من حروف العربية) ثم على موضع التقاء السين بالدال (سدَّ) تجد أن من معانيها كان سديدًٍا ومصيبًا، قلت له سدادًا من القول وسددًا: أي صوابًا واستقامة، والشيء: استقام . سدّد الرمح: قوّمه، وهو خلاف عرضه أي جعله بالعرض. استد الشيء: استقام. ثم انظر موضع التقاء حرف الشين (الحرف الثالث عشر من حروف العربية) والدال/ شَدَّ/ شدّ عضده قوّاه. والشيء عقده وأوثقه، والعقدة: قوّاها وأوثقها. اشتدّ: تقوّى. واشتد عليه المرض: عظم وزاد. الشديد: جمع أشِدّاء وشِداد وشُدود: القويّ. الشديدة: جمع شدائد مؤنث الشديد. والشديد هو الأسد. والحروف الشديدة ثمانية يجمعها قولك: " أجدتَ طَبَقك" اشتدّ في السير: أسرع.
قال الحفيد: قلت يا جدي إن أبياتك هذه من شعر الفخر، لكنّك هنا لا تفخر بصفة أو صفات خاصة، وإنما تفخر بشيء من مآثر هذه الأمة ومزاياها... فهل يُسمعني جدي شيئًا من شعر الفخر الخاص، أو شعر الاعتداد بالنفس؟
قال الجد: حبًّا وكرامة أيها الغالي.. مثال ذلك قول الشاعر:
يخبرْكِ مَن شهد الوقيعةَ أنني | أغشى الوغى وأعفُّ عند المغنمِ |
قال الحفيد: قلت يا جدي إن السين هي الحرف الثاني عشر من حروف اللغة العربية تليها الشين وهي الحرف الثالث عشر، فكم عدد حروف لغتنا العربية؟
قال الجد: ثمانية وعشرون حرفًا.. لقد بلغ من شدة فخر أحد شعرائنا بنفسه أن قال:
وإني وإن كنت الأخيرَ زمانُه لآتٍ بما لم تستطعه الأوائلُ
فرد عليه أحد الفتيان قائلاً: لقد أتى الأوائل (القدامى، ويقصد بها هنا أجداد العرب القدماء) بثمانية وعشرين حرفًا، فأتنا أنت بحرف واحد إن استطعت!!
2/3/2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق