عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


الثلاثاء، ٣١ تموز ٢٠١٢

لولا اشتعال النار فيما جاورت!!

رمضانيات

لولا اشتعال النار فيما جاورت!!

                                      عدنان السمان

تأبى بعض النفوس المريضة إلاّ أن تعمل جاهدةً من أجل تخلف المجتمعات وتقهقرها، ونشر الرذائل والموبقات والفساد فيها، وكأن أيّ نجاح يحققه الناس في هذا المجتمع أو ذاك، هو طعنةُ نجلاء تصيب تلك النفوس في الصميم، ومن هنا يأتي حرصها على محاربة أسباب النجاح في المجتمع، وحرصها على محاربة الناجحين من الناس بشتى الوسائل والسبل، كي يبقى المجتمع مسرحًا لعبث هؤلاء الفاشلين، وتفاهتهم، وحماقاتهم، وعللهم، وأمراضهم، وتسلطهم، وتجبرهم وتحكمهم بالناس، واتجّارهم بمصائرهم، ومستقبل أبنائهم على هذه الأرض.. من على خشبته يمارسون بثّ سمومهم وأحقادهم، ومن على خشبته أيضًا يمارسون دورهم المشبوه في تحطيم المجتمع، وتدميره، وقديمًا قال العقلاء: "ألف عدو خارج البيت ولا عدو واحدٌ داخله" ... وإذا قُدر لك أن تحاور أحد هؤلاء الفاسدين المفسدين، وأن تطلع على حقيقة ما يضمره، وعلى حقيقة ما يعلنه أيضًا، تبين لك أنك أمام إنسان يبحث عما يستر به فشله، ويواري به خيبته، ويغطي به تفاهاته وحماقاته وانحرافاته، فلا يجد أمامه إلا هذا المجتمع الذي أنبته، وأحسن إليه، فيمعن فيه هدمًا وتحطيمًا، ولا يجد أمامه إلا الناجحين من الناس، فيمعن فيهم تسفيهًا وتجريحًا، ويصرّ على محاربتهم حتى يغيروا اتجاهاتهم، ويعدّلوا مساراتهم، ومداراتهم، لأنه ومعه كل من  هم على شاكلته من الضالين المضلين لن يسمحوا لهذا المجتمع أو ذاك أن يفلت من قبضتهم، ولن يسمحوا لهذا المجتمع أو ذاك أن يعرف طريقه نحو النجاح، ونحو النهضة والتقدم والازدهار والانعتاق من قيود الأسر والتخلف والتسلط؛ فالمعركة مصيريةٌ، وهي معركة حياة أو موت! وهي إما أن نكون، وإما أن لا نكون!! وإذا كان الأمر كذلك، فنحن مَن نكون، وغيرنا هو الذي لن يكون، ولدينا من الوسائل، ومن الحلفاء والأصدقاء والقوى ما يضمن لنا ذلك!! فإذا قال قائل لهؤلاء إنهم مخطئون، وإنهم واهمون، وإن الناس لا يحاربونهم، وإن لهم ما يريدون شريطة الكف عن الفساد والإفساد، وشريطة الكف عن العبث بالقيم والثوابت والأعراف ثارت ثائرتهم، وراحوا يرغون ويزبدون، وراحوا يتهددون ويتوعدون ويلوحون بالويل والثبور وعظائم الأمور كما يقولون، وراحوا يفتشون وينبشون، ويهرفون بما لا يعرفون، ويتوهمون، ويخمّسون، ويسدّسون، ويتهمون، وراحوا يؤلفون ما يؤلفون، ويدونون ما يدونون، من كل ما "تجود" به قرائحهم، وما توحي به أمزجتهم وأخيلتهم وأهواؤهم، وراحوا يسددون اللكمات، ويوجهون الضربات، ويشددون القبضات، ويكيلون الشتائم، ويطلقون التهديدات والإشاعات والافتراءات، ويمارسون كل أشكال البهلوانيات وألوانها في محاولات يائسة لتغيير كل هذه الحقائق الثابتة والأدلة الدامغة، وفي محاولات يائسة بائسة لحجب نور الشمس، وقرصها الملتهب بالغِربال.

        إن هؤلاء، ومن هم على شاكلتهم في هذه المجتمعات والتجمعات ممن يُرثى لحالهم هم الذين يقيمون الدليل على أنفسهم، وهم الذين يدينونها ويدمغونها بالفساد والإفساد والفشل والكذب والتزوير وخداع الآخرين وممارسة الافتراءات بكل أشكالها وصورها، وهم الذين يحكمون على أنفسهم، وعلى نفوسهم قبل أن يحكمَ غيرهم من عباد الله عليها، ومن عجب أن هؤلاء من حيث يشعرون أو لا يشعرون هم الذين ينشرون فضائل خصومهم، وهم الذين يشحنون الرأي العام، ويعبئونه، ويجندونه للوقوف في معسكر هؤلاء الخصوم، لقد صدق من قال: وإذا أراد اللهُ نشَر فضيلةٍ // طُوِيَتْ أتاح لها لسانَ حسودِ. لولا اشتعال النار فيما جاورتْ// ما كان يُعرف طيبُ عَرفِ العودِ. نفعنا الله بإيجابية الحسد هذه التي خلدها هذا الشاعر المجيد، ووقانا شرور الحسد، وشرور الحاسدين، وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.  

31/7/2012                                       

الصوم عبادةٌ.. ورياضةٌ روحيةٌ.. وأخلاق

                                                                

رمضانيات

الصوم عبادةٌ.. ورياضةٌ روحيةٌ.. وأخلاق

                                 بقلم عدنان السمان

الصوم عبادة.. فهو ركنٌ من أركان الإسلام التي بُني عليها، ولا يكون الإسلام إلا بها مجتمعة، ولا يحسن إسلام أحد إلا بها، وبها مجتمعة، فليس لأحد أن يلغي الصوم، وليس لأحد أن يلغي الصلاة، وليس لأحد أن يلغي فريضة الحج، وليس لأحد أن يمتنع عن أداء الزكاة، وليس لأحد أن يمتنع مستكبرًا عن النطق بالشهادتين، ثم يأتي زاعمًا أنه مسلم!! الصوم عبادة، لأنه طاعة، ولأنه امتثالٌ لأمر الخالق، ولأنه فريضة لا بدّ من ممارستها، ولا بد من القيام بها، دون أدنى تهاون، أو تذمر، أو تقصير... على أنه من مسلَّمات هذا الدين، ومن ثوابته أيضًا أن الدين يسر، ولن يشادّ الدين أحدٌ إلا غلبه، وهذا يعني أن المسلم مطالَبٌ بالصوم إذا كان قادرًا، أما إذا لم يكن، فهو غيرُ مطالبٍ به حتى يصبح قادرًا عليه، بزوال السبب من مرض أو سفر أو نحو ذلك، وهذا معناه أن هذه العبادة لا تجبُ إلا على القادر عليها، وأما غير القادر لسبب مؤقت طارئ فهو معفًى من ممارستها إعفاءً مؤقتًا حتى يزول السبب، وبعد ذلك ينبغي أن يصوم في غير رمضان أيامًا بعدد الأيام التي أفطر فيها، وأما غير القادر على الصيام بسبب الكبر، وما في حكمه كالمرض الشديد الذي لا يُرجى شفاؤه فهو معفًى، ولا ينبغي أن يرهق نفسه، أو يزيد من سوء حالته الصحية، أو تعريض نفسه لمخاطر صحية جديدة بممارسة الصيام (يريد الله بكم اليسر) على أن ينفذ ما تلزمه به الشريعة من كفارة مراعيًا أسبابها وأحكامها؛ فالله يحب أن تؤتى رُخَصُه، كما يحب أن تؤتى عزائمه، وإذا كان الصوم عزيمة لأنه مما شُرِعَ من الأحكام ابتداءً؛ فإن الإفطار في رمضان رخصةٌ ينبغي أن يعمل بها المسلم؛ فالله الذي شرع الصيام، وأوجبه على المسلمين هو الذي خفف عنهم، وأعفاهم منه إعفاءً مؤقتًا أو دائمًا بحسب الظروف، ومقتضيات الأحوال.. أقول هذا مشيرًا إلى حلول شهر الصيام في هذه الأيام الشديدة الحرارة، موجهًا الكلام إلى المرضى، وإلى الأطفال بضرورة أخذ الحيطة والحذر، والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم.

والصوم رياضةٌ روحية تبني الأرواح المؤمنة الخيرة القوية القادرة على ممارسة فعل الخير، والقيام بأعمال البر، وكما أن الرياضة البدنية من شأنها أن تقوّيَ الأجسام، وأن تخلصها من كثير من أمراضها وآلامها في بعض الحالات التي تكاد أن تكون هذه الرياضة فيها هي الحل والعلاج، فإن الرياضة الروحية هي الأخرى تفعل في الأرواح ما تفعله الرياضة البدنية في الأجساد، وعليه، فإن الصوم بالإضافة إلى كونه عبادةً كالصلاة، فهو أيضًا رياضة روحية تهذب النفوس، وتسمو بها إلى عالم الفضيلة، وسماء النقاء والتألق والطُهر، وتقوي الإرادة، وتزيد الإنسان المؤمن إيمانًا مع إيمانه، وصبرًا على الصعاب، والمشاقّ لا يقوى عليه إلا أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى، لهم مغفرة وأجرٌ عظيم.

والصوم أخلاق، وإذا كان الخالق قد أثنى على نبيه ورسوله العظيم محمد صلوات الله وسلامه عليه بقوله "وإنك لعلى خلق عظيم" فإن من حقنا أن نقول إن الصوم عبادةٌ، وهو رياضةٌ روحيةٌ، وهو أيضًا أخلاق تزين الصائم، ويزدان بها المسلم في شهر رمضان بخاصةٍ، وعلى مدار العام بعامةٍ، ولا ينبغي لهذا المسلم أن يخلع عنه هذه الزينة بانتهاء شهر رمضان حتى لا يكون مَثَلهُ كمَثَل من قال فيه الشاعر "صلى وصام لأمر كان يقصده".

جعلنا الله جميعًا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والسلام عليكم، ورحمة الله وبركاته. 

31/7/2012

               

مزيدًا من البذل والعطاء في شهر الصيام!!

رمضانيات
مزيدًا من البذل والعطاء في شهر الصيام!!
 
           بقلم عدنان السمان
      تحت وطأة غلاء جديد غير مسوّغ ولا مستساغ.. وكوابيس آلام وأحزان جديدة على أرض هذا الوطن المنكوب يستقبل الناس في هذه الديار شهر الصيام... على أصداء الصراخ والبكاء والعويل يتناولون سحورهم.. وعلى دويّ القذائف، ورشقات الرصاص من كل نوع يتناولون فطورهم.. وسط جو من التوتر والترقب والمهانة يصبحون.. وعلى دوي المدافع، وهدير الطائرات والدبابات والجرافات يمسون.. وبنيران العداوة والخصومة والشتيمة والتنابذ والتقاطع والقطيعة والوقيعة يحترقون.
    يهل هلالك يا شهر البطولات والفتوحات على هذه الديار.. وأهل هذه الديار.. وكلهم شوق للقائك.. ورغبة في الاستزادة من معانيك وأسرارك... يهل هلالك يا شهر الصبر والإيمان والتضحيات على القدس وعرب القدس، وفلسطين أرض الصبر والرباط.. وأهل فلسطين.. هؤلاء الصابرون المرابطون إلى يوم الدين... وهم متلهفون للّقاء.. يحدوهم الأمل في أن تفيض عليهم من عطائك وسخائك.. وفي أن تُغدق عليهم من النعم والصفات والأسرار التي اختصتك بها العناية، وأسبغتها عليك الرعاية.
    يهل هلالك يا شهر الانتصارات يا رمضان على هذه الأمة، وهي في مسيس الحاجة لروح رمضان، وأخلاق رمضان، ومعاني رمضان، وفضائلك وكراماتك وانتصاراتك يا رمضان... فعلّمها يا هذا الشهر كيف يكون الصبر.. علمها كيف تكون التضحية والإيثار والتسامح والمحبة.. علمها كيف يكون الصدق.. وكيف يكون الثبات على المبدأ.. وكيف يكون التشبث بالحقوق، والتمسك بالثوابت، والمحافظة على الأرض والإنسان والقيم والمثل العليا والمقدسات.. علمها كيف تكون الرجولة.. وكيف يكون الرجال.. وكيف تكون الأخوّة.. وكيف يكون الأشقاء.. وكيف تكون الشقيقات أيضًا يا رمضان!!
    كثير من الصائمين القائمين لا يجدون ما يسدّون به الرمق.. وأسعار كل شيء في ارتفاع.. والطفولة لها متطلباتها واحتياجاتها.. والأطفال لا يرحمون.. والمدارس والمعاهد والجامعات والصيدليات والمشافي باتت أمورًا أكثر من مرهقة للمواطن الذي بات عاجزًا عن توفير ضروريات الحياة لأسرته.. هذا المواطن الذي يجد نفسه في كل يوم أمام مشكلة جديدة تضاف إلى مشكلاته المتراكمة منذ ايام الطفولة.. لقد أصبحت حياته سلسلة لا تنتهي من التنازلات أضحى معها المواطن العادي – في كثير من  الحالات – عاجزًا عن توفير أي شيء لبيته وأسرته.. فهذا المواطن الذي التهم الجدار أرضه الزراعية أو غير الزراعية، وتركه فريسة للعلل والوساوس والمخاوف والهذيان.. وهذا المواطن الذي أتى هذا الجدار على بيته ومزرعته ودواجنه وأغنامه.. أو فرّق بينه وبينها بحيث أصبحت على بُعد أميال!! وهذا المواطن الذي خسر عمله، وأضحى عاطلاً عن العمل عاجزًا عن ممارسة أي فعل يعود عليه بأدنى نفع.. وهذا الذي يفتح محله ويغلقه كما فتحه دون أن يعود عليه أي عائد... هؤلاء جميعًا، وكثير غيرهم أصبحوا من الشرائح التي سُحقت في هذا المجتمع.. هذه الشرائح والتكتلات التي كانت – ولا تزال – تشكِّل الغالبية الساحقة من المواطنين في هذه الديار.. كانت في الماضي الغالبية التي تعمل.. وهي اليوم الغالبية التي لا تعمل... ولمن يريد أرقامًا وإحصاءات ومعلومات مفصَّلة عن البطالة بمختلف أشكالها وصورها.. وعن الأراضي التي التهمها الجدار والاستيطان والمصادرات بمختلف أشكالها وصورها أيضًا.. وعن الفقر والفقراء في بلاد العجائب والغرائب هذه.. فإن عليه أن يتوجه إلى مراكز البحوث والدراسات والإحصاءات، وإلى ذوي الاختصاص في هذه المجالات حيث الأرقام المرعبة، والحقائق المذهلة التي تروي بأبلغ لسان، وأنصع بيان حكاية هذا الشعب من البداية، ولا أقول إلى النهاية.. إذ يُحظر على الناقد إصدار الحكم على قصّةٍ ما قبل أن يقرأ الكلمة الأخيرة منها.
    وكثير من الصائمين القائمين في هذه الديار ممن لا يجدون ما يقيمون به أودهم يتوقعون من  موسري هذه الأمة، وممن يعنيهم الأمر مزيدًا من التكافل والتعاطف معهم في شهر الصيام والقيام.. كما يتوقعون وقفة أولي النخوة من أبناء العروبة إلى جانبهم في هذه الأيام التي كثر فيها فقراء هذا الشعب العربي في فلسطين.. وكثر فيها مصابوه ومنكوبوه.. إن للشقيق حقًّا على شقيقه.. وإن أمة العرب أمة واحدة متكافلة متضامنة لا تفرّق بينها هذه الحدود التي أقامها المستعمرون الغزاة ذات يوم لتقطيع أوصال الأمة العربية الواحدة... وإن شعب فلسطين بمقيميه هنا على أرض الوطن، ومهجَّريه هنالك في المنافي وديار الغربة هو جزء لا يمكن أن يتجزأ من هذه الأمة العربية الواحدة المتكافلة المتضامنة.. فمزيدًا من البذل والعطاء يا أمة العرب.. ومزيدًا من الصبر والثبات والإيمان يا شعب الأضاحي.. ومزيدًا من التكافل والتضامن في شهر الصيام.. كان الله في عون هذا الشعب.. وكان الله في عون أسرانا.. وكل عام وأنتم بخير.
28/7/2012
 

الأربعاء، ٢٥ تموز ٢٠١٢

من كان مضطرًّا للعمل بالرخصة فليفعل!!

رمضانيات

من كان مضطرًّا للعمل بالرخصة فليفعل!!

أ/ عدنان السمان

    إن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يحب أن تؤتى عزائمه، وإذا كانت العزيمة هي ما شُرع من الأحكام ابتداءً فإن الرخصة هي التخفيف.. وعليه يكون الصيام عزيمة ، ومعنى هذا أنه ينبغي على المكلف أن يصوم، وعليه أيضًا يكون الإفطار في رمضان يومًا أو يومين أو أكثر من ذلك أو أقل رخصة، ومعنى هذا أنه يجوز للمكلف أن يفطر للأسباب التي يعرفها الناس، وللأسباب التي أقرها جل جلاله في محكم التنزيل: " ومن كان مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر".

     ألا فليعلم الناس أن الدين يسر، وليعلموا أنه لا يشادّ الدين أحد إلا غلبه، وليعلموا أن رب العزة لا يريد بعباده العسر، وإنما يريد بهم اليسر، ولما كان المنبتّ لا أرضًا قطع ، ولا ظهرًا أبقى، ولما كان المسلم جزءًا من هذا المجتمع الإسلامي الذي يعيش فيه، يسري عليه ما يسري على غيره من الناس، ويطالَب بما يطالب به غيره من الناس، ويُثاب أو لا يُثاب، ويحاسَب أو لا يحاسَب تمامًا كغيره من الناس، وبموجب القوانين والأنظمة والأحكام التي تنتظم حياة الناس، وتنظم العلاقات فيما بينهم، وبين أنفسهم ومجتمعهم وخالقهم..  ولما كان المسلم أيضًا واحدًا من أفراد هذا المجتمع أو ذاك، له ما للناس، وعليه ما عليهم، فقد بات لزامًا عليه أن يراعي ذلك كله في سائر الأحكام والقوانين والتشريعات التي تنتظم حياة الناس وتنظمها في هذا المجتمع الذي يعيش فيه، وينتمي إليه.

      وليعلم الناس أيضًا أن الأصحاء ليسوا كالمرضى، وأن الأقوياء ليسوا كالضعفاء، وأن الشيوخ والعجزة وكبار السن ليسوا كالشباب، وليعلموا أيضًا أنهم ليسوا سواء في تحمل هذا الحر الشديد، وفي الصبر على العطش ، والحاجة إلى السوائل، وليعلموا أن الأخذ بالرخصة وبموجبات التخفيف ترضي رب العالمين، كما يرضيه صيام الصائمين، وقيام القائمين.. وليعلموا أيضًا أن الله تعالى لا يرضيه أن تسوء صحة مريض بسبب الصيام، ولا يرضيه أن يزداد هزال أحد، أو أن يتأخر شفاء أحد، أو أن تصيب أحدًا أمراض أخرى بسبب الصيام، لسبب بسيط هو أن الله سبحانه وتعالى يريد بنا اليسر دائمًا، ولسبب بسيط أخر هو أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، ولسبب بسيط أيضًا هو أن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه، ولسبب بسيط كذلك هو أن الدين يسر، وأنه لا يشاد الدين أحد إلا غلبه، ولسبب ينبغي أن لا ينساه أحد  هو ان المنبتّ لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى.. معنى هذا كله – يا عباد الله- أن لا تسرفوا على أنفسكم بتحميلها ما لا تطيق ، لأن الله سبحانه لا يكلف نفسًا إلا وسعها، ومعنى هذا كله –يا عباد الله- أن لا نظلم أنفسنا، وأن لا نحملها فوق ما تطيق بسبب جهلنا في أحكام هذه الشريعة السمحة، وبسبب إصرارنا على التقيد بالصيام حتى لو لم نكن قادرين عليه، ولعل من الجدير بنا أن نتوجه بذلك كله، وكثير غيره إلا دور الفتوى، وإلى من أكرمهم الله بامتلاك الإجابة عن كل سؤال من أسئلتنا التي نرجو أن يجعل الله لنا منها مخرجًا، وأن يجعل لنا بعد كل ضيق يسرًا ، وبعد كل شدة فرجًا.. إنه سميع قدير ، وبالإجابة جدير.

26/7/2012

 

الاثنين، ٢٣ تموز ٢٠١٢

في تناقض الثورات.. وتباين الانتفاضات والانقلابات

في تناقض الثورات.. وتباين الانتفاضات والانقلابات

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

    قبل الحديث عن عبد الناصر في هذا اليوم الثالث والعشرين من يوليو تموز، وقبل الحديث عن ثورة مصر، أو الانقلاب الأبيض الذي شهدته مصر في مثل هذا اليوم قبل ستين عامًا، وقبل إصدار الأحكام العامة القاسية عن بُعدٍ على مصر والمصريين منذ تلك الأيام، بل منذ ما سبق تلك الأيام من قرون، وما تبعها من عقود وصولاً إلى أيامنا هذه في أوطاننا هذه، وقبل إصدار الأحكام الجائرة على الشعوب وقياداتها في هذا البلد العربي أو ذاك، وفي تلك الحقبة من التاريخ أو تلك، ينبغي أن نخوض قليلاً أو كثيرًا في هذه الثورات التي شهدها عصرنا الحديث، وفي أخطائها وتناقضاتها، وأن نخوض قليلاً أو كثيرًا في هذه الانتفاضات والانقلابات البيضاء والحمراء التي شهدها الناس، وبخاصة في بلاد العرب على امتداد القرن الماضي، وحتى أيامنا هذه.. لا بد من الخوض في هذا كله، وفي كثير أو قليل  غيره لأن الحاضر – كما يقولون- هو ابن الماضي، ووالد المستقبل، ولأن الأحكام الصائبة هي التي تصدر بعد دراسة، ونقد، وتمحيص، واطلاع واسع، يتناول هذه الفترة أو تلك من فترات التاريخ، ومن مقاطعه، وأجزائه، وجزيئاته، وسائر مكوناته، ولأن من حق الأجيال أن تفهم، ولأن من حق الشعوب أن تلم إلمامًا كافيًا بتاريخها، وسير الحوادث والأحداث على أرضها بشكل يسمح لها أن تختار، ويمكّنها من شق طريقها نحو المستقبل بثقة وعزيمة وإصرار واقتدار.. علّنا بعد هذا أو قبله نجد عذرًا لمقصر، أو مخطئ، أو لهذا الذي خذلته الحسابات، واستعصى عليه فهم هذه الاعتبارات، وربط النتائج بالأسباب والمسببات.

    في الغرب الرأسمالي دول استعمارية عانت شعوب كثيرة في هذا العالم من بطشها واستبدادها، ومن أبرز هذه الدول بريطانيا التي تمكنت من احتلال مصر قبل مئة وثلاثين عامًا (1882م) لأسباب معينة منها حماية مصالحها التجارية، وتأمين طرق مواصلاتها واتصالها بجنوب شرق آسيا، ولا سيما الهند، بعد أربعةٍ وثمانين عامًا من غزو نابليون لمصر وفلسطين (1798م) أي قبل مئتين وأربعة عشر عامًا، هذا الغزو الفرنسي لمصر والذي استمر ثلاث سنوات، قبل أن يغادر نابليون إلى فرنسا لأسباب داخلية، بعد انتحار جيوشه على أسوار عكا، وهزيمتها البرية تحت وابل من الحجارة، وقطع الصخور الكبيرة التي ألقاها المقاتلون من جبال عزون إلى الوادي، عندما حاولت هذه الجيوش اقتحام تلك الجبال في طريقها إلى نابلس.

    لقد مكّنت الثورة الصناعية (التي شهدها الغرب، وتفوَّق من خلالها على الدولة العثمانية آنذاك) دولاً غربية كثيرة من احتلال مساحات واسعة من أراضي هذه الدولة، وممتلكاتها في أقطار إفريقيا وآسيا وأوروبا، فبالإضافة إلى بريطانيا وفرنسا كانت هنالك إيطاليا، وإسبانيا، والبرتغال.. حتى إذا ما كانت الحرب العالمية الأولى في العام الرابع عشر من القرن الماضي وضع الغربيون أيديهم على كافة ممتلكات ( الرجل المريض) وتمكنوا من القضاء عليه في نهاية تلك الحرب التي استمرت خمس سنوات (1914-1919) وبهذا تمكن الغرب الرأسمالي بقيادة بريطانيا من إسقاط دولة الخلافة العثمانية، واقتسام ما كان قد تبقّى من ممتلكاتها، ولا سيما في بلاد الشام والعراق، حيث سيطر الفرنسيون على سوريا ولبنان، ووضع الإنجليز أيديهم على فلسطين، وشرق الأردن، والعراق.. وبهذا تمت سيطرة الغرب ممثلاً في بريطانيا وفرنسا على ما كان قد تبقى من أرض العرب في ذلك العام.

    وفي الشرق شهد العام السابع عشر من القرن الماضي قيام الاتحاد السوفياتي الذي ضم إليه عددًا من الأقطار الإسلامية، وبهذا تمت سيطرة المعسكرين الرأسمالي في الغرب، والاتحاد السوفياتي (الذي كان) في الشرق على كافة الأقطار العربية، والإسلامية في آسيا وإفريقيا وأوروبا أيضًا.. أما تركيا نفسها، وفي إطار حدودها الحالية، فقد اكتفى الغرب بما أُعلن فيها لاحقًا (1924م) من إلغاءٍ للخلافة، وانتهاج نظام علماني مُوالٍ للغرب فيها.

    بغض النظر عن كثير من التفصيلات، وبصرف النظر عن كثير من التواريخ، والأسباب، والأهداف، والغايات، والتسلسلات الزمنية، فإن هذا – وباختصار شديد- هو ما حدث.. ولقد أمعن المعسكران كلاهما في نشر ثقافتهما وأفكارهما، وفي فرض نظرتهما إلى الإنسان والكون والحياة، وفي فرض نظرياتهما في السياسة والاقتصاد والاجتماع على شعوب هذه الأمة في كافة أقطارها التي باتت خاضعة لهما.. ليس هذا فحسب، بل إنهما قد أخذا بالتصدي للثقافة العربية الإسلامية، وللعقيدة الإسلامية نفسها، وللتاريخ العربي الإسلامي، وكافة مقومات الشخصية العربية الإسلامية، وليس أدل على هذا كله مما فعلته فرنسا عندما ضمت إليها أرض الجزائر، معتبرةً إياها أرضًا فرنسية، شاطبةً بذلك تاريخ الجزائر، وعروبتها، وإسلامها.. ولما قال الجزائريون كلمتهم رافضين كل هذا العدوان، وكل هذا الطغيان، وكل هذا التزوير شن عليهم الفرنسيون ألوانًا من الحروب، كان آخرها تلك الحرب التي قدم الجزائريون خلالها مليون شهيد من أبنائهم خلال الثورة التي شنوها على فرنسا طيلة أعوام ثمانية (1954-1962) وانتهت باستقلال الجزائر بعد التوقيع على معاهدة (إميان) بعد احتلال دامَ مائة واثنين وثلاثين عامًا بالكمال والتمام.

    النظام السياسي والاقتصادي في الغرب الرأسمالي قائم على التناقض في الوقت الذي يُكثر مفكروه ومثقفوه وقياديوه من الحديث عن الحريات، وحقوق الإنسان، والأخلاق، ومبادئ العدل، والعدالة، والحرية، والإخاء، والمساواة.. وفي الوقت الذي لا يزال يتغنى فيه بمبادئ الثورة الفرنسية، وبتمثال الحرية، وبتاريخ مارتن لوثر كينغ، وبتعاليم السيد المسيح قبل ذلك كله.. لقد بنى هذا الغرب الرأسمالي نظامه السياسي والاقتصادي بازدواجية مرعبة: في الغرب بناءٌ، وتطوير، وتقدم، وحديث لا ينتهي عن الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والنظام، والمدنية، وفي الشرق العربي الإسلامي ممارسات غربية تقوم على احتلال الأرض، والتنكيل البشع بالناس، وتخريب بلدانهم، وتدميرها، ونهب ثرواتهم، ونشر الفوضى، والفساد، والتخلف، والهمجية في بلادهم، وبين صفوفهم.. فأي ازدواجية هذه؟ وأي انفصام هذا الذي أصاب شخصية الغرب ومسلكياته في كل ديار العروبة والإسلام؟ وأي تناقض بين هذا الذي تبشر به ثوراتهم من عدل وعدالة وسلام وبناء هناك لأوطانهم ومواطنيهم، وما تنادي به، وتمارسه جهارًا نهارًا هنا بحق أوطاننا ومواطنينا؟؟

    والاتحاد السوفياتي الذي قام قبل خمسةٍ وتسعين عامًا ليخلص الناس هناك من ظلم القياصرة، وليخلص البشرية من فساد الرأسمالية وعدوانها على الناس، وليحقق حلم الشعوب في السلام والعيش الكريم.. قام هو الآخر على التناقض، لقد انطوت الثورة البلشفية التي فجّرها الرفاق هناك على عدوان صارخ على كثير من الشعوب، وعلى مصادرةٍ لحقها في الحرية والاستقلال .. وعلى الرغم من كافة مواقف الاتحاد السوفياتي إلى جانب القضايا العربية فيما بعد، وعلى الرغم من تأييده لكثير من القادة العرب في تصديهم للامبريالية والاستعمار، وعلى الرغم من وقوفه إلى جانب عبد الناصر منذ قيام ثورة مصر في مثل هذا اليوم من عام اثنين وخمسين، وحتى رحيل عبد الناصر مسمومًا في الثامن والعشرين من أيلول من عام سبعين وتسعمائة وألف، وعلى الرغم من مواصلة الاتحاد السوفياتي بعد رحيل عبد الناصر تسليحه للجيش المصري والسوري والعراقي أيضًا، الأمر الذي مكّن المصريين بعد ذلك من عبور القناة في ظهيرة اليوم العاشر من رمضان من عام ثلاثة وسبعين، وعلى الرغم من مواصلة تأييد الاتحاد السوفياتي للقضايا العربية حتى اللحظة الأخيرة، بل وعلى الرغم من هذه العلاقة الخاصة التي تشد كثيرًا من الناس في كل ديار العروبة إلى ورثة ذلك الاتحاد في العاصمة الروسية موسكو، بسبب المواقف التاريخية المشار إليها، وبسبب وقوف هؤلاء من جديد إلى جانب كثير من العرب، وكثير من المسلمين ممن يرفضون التبعية للغرب.. إلا أن هذا كله لا يمنع من قول كلمة حق بشأن أمرين اثنين كانا قد حصلا ذات يوم وهما: أن الاتحاد السوفياتي قد ضم عددًا من الأقطار الإسلامية إليه دون وجه حق، وأن الاتحاد السوفياتي كان قد سبق غيره من دول الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومن دول مجلس الأمن أيضًا إلى الاعتراف بالدولة العبرية التي أقيمت على أرض فلسطين في العام ثمانية وأربعين..  

    وإذا كان الاتحاد السوفياتي قد آل أمره إلى الزوال بعد حياة شابها كثير من التناقضات، وإذا كان ورثة ذلك الاتحاد في موسكو يحسنون صنعًا في مواقفهم تجاه قضايا العروبة والإسلام بشكل يسترعي الانتباه، ويستوجب الشكر، فإن ما يحدث في الصين ( على الرغم من كل إيجابيات بكّين) بشأن الإيغوريين من سكان تركستان الشرقية التي ضمتها الصين إليها عند قيام ثورتها في العام التاسع والأربعين من القرن الماضي لأمرٌ أكثر من مؤسف، وأكثر من مؤلم.. ألا يعيد هذا الأمر إلى الأذهان ما حدث في المجر، وما حدث في بكين نفسها ذات يوم؟ ألا يُعتبر كل هذا الذي حدث في منظومة الدول الاشتراكية مما يُقال، ومما لا يُقال دليلاً على تناقض الثورات، وازدواجية معاييرها ومقاييسها ومكاييلها؟؟

    ثم إن هذه الانتفاضات التي عشنا في هذه الديار واحدة من أشدها غرابة وشراسة، وشهدنا صورًا منها في هذا البلد أو ذاك.. هذه الانتفاضات يوحد بينها طابعها الاحتجاجي، وأسلوبها في العمل، وتشبثها بمواقفها، وجنوحها للعنف، وميلها إليه.. كما يوحّد بينها أيضًا فشلها - في معظم الأحوال- في تحقيق أهدافها، وربما عادت بالمنتفضين وطموحاتهم سنواتٍ طوالاً إلى الوراء، فباتوا نادمين على ما فعلوا، ولكن بعد فوات الأوان.. ليس هذا هو بيت القصيد هنا، وإنما المقصود أن هنالك تشابهًا بين انتفاضة وانتفاضة – كما سلف- في الوقت الذي نجد فيه تباينًا بين هذه وتلك.. وفي الوقت الذي نجد فيه اختلافًا في مواقف كثير من الناس من هذه الانتفاضات.

    الانتفاضة – بمعناها الدقيق- أن يتحرك الناس في هذه المنطقة أو تلك، أو في مناطق البلاد كلها للتعبير عن احتجاجهم، وغضبهم، أو للمجاهرة بمطالبهم السياسية، أو الاقتصادية، أو الاجتماعية... والانتفاضة – في إطارها هذا – تحرُّكٌ يريد الناس من خلاله توجيه رسالة أو رسائل لقادتهم، وزعمائهم، وحكامهم، وليس إلى غزاة، أو محتلين.. الجنرال ديغول ومن معه من الفرنسيين لم "ينتفضوا" على الغزاة النازيين بعد أن احتلوا فرنسا.. ما فعله الجنرال لم يكن انتفاضة، بل مقاومة، وثورة مسلحة استهدفت إخراج النازي المحتل من البلد، وهكذا كان.. ثم إن مواقف كثير من الأفراد والدول تختلف من هذه الانتفاضات.. ففي الوقت الذي أيد فيه كثير من الأفراد، وأيدت فيه دول كثيرة كل مظاهر الاحتجاج في إيران على نتائج الانتخابات الأخيرة التي قال الخاسرون فيها إنها مزورة، لم نجد هناك من يبدي تعاطفًا مع الجياع، والمقموعين، أو مع سجناء الرأي، والمعتقد السياسي، أو الديني في كثير من بلدان هذا العالم.. بل لعل الأهواء، والمصالح الشخصية، والتبعية لكثير من الدول الغربية التي تحرك الأحداث في هذا العالم هي التي تحرك هؤلاء لتأييد تحرُّكٍ مشبوه في هذا البلد، وتجاهل تحرك آخر في ذاك.. على الرغم من أن تحرك الأول باطل، وينطوي على التدخل بأمن البلد، وأمان مواطنيه، والعبث بالسلم الأهلي والاجتماعي.. وعلى الرغم أيضًا من أن تحرك الثاني حقٌّ، وينطوي على رفع ضيم وظلم، وتوفير لقمة عيش، وحبة دواء، وإفراج عن سجناء رأي، ومعتقلين سياسيين.

    وما يقال في الانتفاضات والمنتفضين يقال أيضًا في الانقلابات والانقلابيين.. فليس كل انقلاب مصيبًا، وليس كل انقلاب خاطئًا..  الانقلاب الذي تقوم به مجموعة من الضباط، أو ينفذه حزب سياسي، أو ديني، أو حركة قومية، أو اجتماعية بهدف إنقاذ البلاد والعباد من خطر محدق، وشر مستطير له من يسمعه، ويتعاطف معه في هذا العالم.. والانقلاب الذي جاء على خلفية ضبط الأحوال، وإعادة النظام العام إلى البلد بعد أن عبثت به مجموعات من العابثين الضالين المضلين له مؤيدوه بين الناس، وله قاعدته الشعبية التي يرتكز إليها، ويستند عليها..

    في الثالث والعشرين من يوليو تموز شهدت القاهرة ثورة أو انقلابًا أبيض قاده جمال عبد الناصر الضابط الذي حارب في المنشية بفلسطين، وحوصر في الفالوجة.. غضب عبد الناصر لضياع فلسطين، وغضب للتمزق العربي، والضعف العربي، والعجز العربي، والتواطؤ العربي؛ فقرر الانتقام لفلسطين من كل أسباب الضعف والانقسام والتشرذم والهزيمة.. فكان ميلاد الجمهورية في مصر مؤذنًا ببداية عهد جديد يضع النقاط فوق الحروف، ويعيد ترتيب الأوراق بعد أن اختلطت، وبعد أن ضاع كثير منها، ويعود بالعرب إلى سابق مجدهم في عصور عزتهم وقوتهم وعنفوانهم... شحن عبد الناصر شعب مصر العربي، وشحن الشعب العربي في كافة أقطاره وأمصاره، وعلى كل أرض العرب، وقاد حركة إصلاحية ثورية عربية واسعة في مصر، وخاض معارك داخلية رهيبة ضد الإقطاع، والتبعية وسيطرة رأس المال، والتخلف والفساد.. كما خاض معارك ضارية ضد الثورة المضادة، وضد رموزها وعناصرها.. وحارب على كافة الجبهات العربية والإسلامية والعالمية لوضع مصر، ومعها كل العرب على خارطة العالم السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. وتصدّى للعدوان الثلاثي في التاسع والعشرين من أكتوبر تشرين الأول سنة ست وخمسين، وخرج منتصرًا على ذلك العدوان، وقام بسلسلة من الإصلاحات الداخلية معلنًا قناة السويس شركة عامة مصرية، كما كان قد قام بطرد القوات البريطانية التي احتلت قناة السويس لأكثر من سبعين عامًا، وكان قوامها ثمانين ألف جندي بريطاني.. وقد كان عبد الناصر من مؤسسي دول عدم الانحياز جنبًا إلى جنب مع تيتو ونهرو.. لقد بنى لمصر ولكل العرب قوة يُحسب لها ألف حساب... وتابع جمال عبد الناصر سيره على طريق النصر والتحرير وبناء الدولة الحديثة، وإقامة دولة الوحدة العربية الكبرى على كل أرض العرب حتى كان إعداد الغرب لحرب سبعة وستين بعد أن أقدم عبد الناصر على التخلص من أمر كان يزعجه منذ عام ستة وخمسين، وهو وجود قوات الأمم المتحدة في مضائق تيران... نعم لقد طرد عبد الناصر تلك القوات، فكانت فرصة الغرب التي استغلها أبشع استغلال ضد هذا القائد العربي الذي أبى إلاّ أن يقضي وهو يقارع أعداء العرب ببسالة وبرجولة لا تلين...

    كان من الطبيعي أن يتحالف الغرب ضد عبد الناصر، وكان من الطبيعي أن تتضافر جهود الغرب للتخلص من رجل بات يهدد الغرب ومصالحه في هذه الديار..فكان ما كان لأن عبد الناصر كان رجل الساعة، ولأن الغرب كل الغرب لا يريد أن يرى رجلاً قويًّا، أو دولة قوية على أرض العرب، فكيف إذا كان عبد الناصر يعمل جاهدًا من أجل إقامة المشروع العربي على كل أرض العرب، وكيف إذا كان عبد الناصر يتحرك بسرعة ونشاط في الدائرة الإسلامية التي تعتبر العالم الإسلامي كله وحدة سياسية واقتصادية، وجغرافيّة واحدة؟ وكيف إذا كان عبد الناصر يحلم في بناء عالم عربي إسلامي واحد موحّد تبلغ مساحته أكثر من ثلاثة وثلاثين مليونًا من الكيلومترات المربعة، وهي مساحة تزيد كثيرًا على مساحة الاتحاد السوفياتي الذي كان، وتبلغ نحو أربعة أضعاف مساحة الصين الشعبية،  ونحو أربعة أضعاف مساحة الولايات المتحدة نفسها.

    كان ما كان.. وكانت هزيمة العام سبعة وستين... وكان الموقف الشعبي المصري والعربي في التاسع والعاشر ( الجمعة والسبت) من حزيران...وكانت عودة الفارس بقرار من أمة العرب كلها، وكان قرار إعادة بناء الجيش المصري، وقرار إسناد رئاسة الأركان إلى عبد المنعم رياض لإعادة بناء الجيش، والشروع في حرب الاستنزاف بعد ذلك.. لقد أسس عبد الناصر لانتصار الجيش المصري في حرب العاشر من رمضان عام ثلاثة وسبعين، قبل أن تغتاله الأيدي الآثمة؛ فيقضي بالسمّ في الثامن والعشرين من أيلول من العام سبعين وتسعمائة وألف.

    وهكذا قضى عبد الناصر بعد حياة حافلة بالمجد، والعمل من أجل فلسطين، ومن أجل مصر، ومن أجل الأمة العربية الواحدة الموحدة من محيطها إلى خليجها.. قضى عبد الناصر، وهو يحمل الراية العربية، وعزاء هذه الأمة أن الراية لم تسقط، وأن العرب بخير، وأن دولة الوحدة العربية الكبرى التي حلم بها عبد الناصر، ونادى بها طوال فترة حكمه هي حقيقة قائمة على كل أرض العرب من المحيط إلى الخليج.. إنها حلم كل عربي مخلص لوطنه، مخلص لعروبته، مخلص لإسلامه، مخلص لثقافته العربية الإسلامية،  ولفلسطين أرضًا وشعبًا وقضيّة.

    واستخلاصًا للعبر والدروس المستفادة من هذه التجربة الفريدة في تاريخنا الحديث أقول إنه لا شيء يضيع القدرات، ويقضي على الكفاءات والإمكانات كالحماسة الزائدة والاندفاعات، ولا شيء ينمّيها، ويدفع بها إلى الأمام بخطًى ثابتة مدروسة راسخة، كالوعي، والتبصر، والاستفادة من دروس التاريخ، واستغلالها في استنهاض الواقع، على هدًى، وبينة، وبصيرة، وإصرار على مواصلة التقدم والبناء لتحقيق الهدف المنشود.. ولا شيء يقضي على العزائم كاليأس والقنوط والإحباط، ومن هنا كان من الضروري، بل من الواجب أن يبتعد القادة بشعوبهم عن عوامل هذه الآفات، وعن أسبابها ومسبباتها بقدْر المستطاع.. أما إذا كانت مفروضة فرْضًا من قوًى ودول ليس بالإمكان مواجهتها، أو مهادنتها ومسالمتها لأنها مصرّة على المواجهة، والتخلص من هذا الوليد قبل أن يبلغ أشده، ولأنها لا تريد أن ترى في هذه الديار جيلاً قويًّا، ونظامًا كفيًّا، وقوة فاعلة في التاريخ، وصنع الأحداث؛ فليس أقل من المصارحة، والمكاشفة، وأخذ رأي الناس في كل ما حدث، وفي كل ما سيحدث.. وليكن بعد ذلك ما يكون!!

    واستخلاصًا للعبر والدروس من تجاربنا الحزبية، ومنطلقاتنا الفكرية، ومن كل الانقلابات والثورات التي شهدتها أرض العرب في تاريخنا المعاصر، ومن كل ما رافقها وصاحبها من انتصارات وهزائم، وتفاؤل وتشاؤم، ومغانم ومغارم أقول مختتمًا هذا المقال:

    لقد شهد القرن الماضي انهيار دولة الخلافة العثمانية، كما شهد تمزق كل أرض العرب والمسلمين، وقيام دول عربية ومسلمة كثيرة قد يصل عددها اليوم إلى ستين دولة. ولا يزال العدد مرشحًا للزيادة بفعل هذا التوجه الذي يستهدف تجزئة الصحيح، وتفتيت المجزَّأ.. ومن يدري فقد يصبح للعرب والمسلمين ذات يوم مئة دولة، وقد يصبح لهم أكثر من ذلك، ومع هذا فهم غثاء كغثاء السيل، لا يملكون من أمر أنفسهم وأوطانهم شيئا... لقد شاركت القوى العربية، والأحزاب العربية، ولا سيما بعد نكبة عام ثمانية وأربعين في هذه التجارب السياسية، وخاضت تجارب الانقلابات والثورات في كثير من ديار العروبة والإسلام.. ولا بد من الإشارة في هذا السياق إلى أن الحزب الوحيد (من هذه الأحزاب التي عرفتُها، وعرفها الناس قبل ستة عقود، أو يزيد) الذي لم يشارك في شيء من هذا هو حزب التحرير على الرغم من أن المجال كان ولا يزال متاحًا أمامه للخوص – كغيره- في هذه التجارب، وعلى الرغم من أن الشيوعيين، والقوميين، والبعثيين، وبعض الإسلاميين (وغيرهم ممن لم يحالفهم الحظ في الظهور) قد خاضوا غمراتها.

    هذا الحزب قد يكون الحزب الوحيد الذي امتنع عن دخول تجربة غير مضمونة، لأنه لا يؤمن بالانقلابات العسكرية، ولأنه يريد بناء دولة تقوم على اختيار الناس، واقتناعهم بها، والاستعداد للتضحية في سبيل بنائها وبقائها، ودخول معارك التحدي بكل أشكالها وصورها بوعي وبصيرة وتبصّر وإدراك.. فهل يتاح لهذا الحزب أن يحقق هدفًا يراوده منذ تسعة وخمسين عامًا؟ وهل يُتاح لهذه الأمة أن تبلور فكرًا سياسيًّا تحرريًّا لا تبعيَّة فيه لمشرق أو مغرب؟ وهل تتمكن هذه الأمة ذات يوم من تكريس وجودها، وصنع القوة الناعمة أو غير الناعمة التي تضمن لها وجودًا لائقًا بها تحت الشمس، ودورًا فاعلاً في التاريخ، بعيدًا عن الأخطاء والخطايا، وكل أسباب اليأس والتخبط والقنوط والإحباط؟

   بقي أن أقول إنني قد توقفت عند حدود هذه الذي يسمونه الربيع العربي، ولم أجد ما يغريني بالكتابة في هذا الذي لم أجد  فيه ما يغري، ولم أجد ما يدفعني للكتابة فيه سوى التشكك، والتحفظ، والحذر، ولم أجد فيه أيضًا سوى هذه المحاولات الجديدة لتمزيق العالم العربي وتفتيته وتقسيمه وتركيعه من جديد.

 

السبت، ٢١ تموز ٢٠١٢

أهذه هي حريةُ الرأي يا كلَّ هؤلاء؟؟

مواجهات

أهذه هي حريةُ الرأي يا كلَّ هؤلاء؟؟

أ/ عدنان السمان

www.samman.co.nr

   هل بات محظورًا على الفلسطيني واللبناني والنجدي والحجازي والعربي الحر الشريف أينما كان أن يكون له رأيه في كثيرٍ من هذا الذي يحدث على أرض العرب؟ وهل بات محظورًا عليه أن يكتب بشيءٍ من الحرية والموضوعية حول كثيرٍ من هذا الذي حدث ويحدث في كثيرٍ من ديار العروبة والإسلام؟ ومنذ متى كان الغرب بشقيه وصيًّا على هذه الأمة؟ ومنذ متى كان هؤلاء مسئولين عن فكرنا وتوجهاتنا وتطلعاتنا وأهدافنا وغاياتنا وأمنياتنا وتمنياتنا وأمانينا؟ ومنذ متى كان هؤلاء مسئولين عن مطبوعاتنا وصحافتنا ووسائل إعلامنا وكتبنا ومكتباتنا ومناهج أبنائنا المدرسية، ومساقاتهم الجامعية؟ ومنذ متى كانوا مسئولين عن ثقافاتنا وأدبياتنا وأدياننا ومعتقداتنا وأحوالنا وأنظمتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والتربوية؟ ألا يعتقد أولئك أنهم قد تجاوزوا كل حدودهم، وأنهم قد باتوا يمارسون كل أنواع الإرهاب الفكري والنفسي والجسدي بحق كل من يخالفهم الرأي، وبحق كل من يحاول أن يكون له رأي؟ وبحق كل عربي مخلص لعروبته ووطنه وقومه وأهداف أمته في الوحدة والحرية والعيش الكريم؟ ألا يرى أولئك أنهم باتوا يتدخلون في أدق تفصيلات الشأن العربي الداخلي في كل ديار العروبة؟ فمن هو الذي فوضهم للقيام بذلك؟ ومن أين استمدوا الشرعية لممارسة ذلك؟ أم يظنون أنهم بشرائهم بعض الذمم، وبتجنيدهم بعض الأقلام، وباستقطابهم بعض الأقزام قد باتوا مؤهلين للتحكم بأمة العرب، مؤهلين للتحكم بكبارها وصغارها وعمالها وفلاحيها ومثقفيها وطلبتها وجيوشها، مؤهلين للتحكم بإعلامها وإعلامييها، وبتوجيه هذا الإعلام وتسخيره لخدمة أهدافهم، ولتضليل هذه الأمة وخداعها وإغراقها بالمال والمراتب والمناصب والرتب، وبالأسلحة التي يوجهونها إلى صدور من يرفضون التبعية لهم من شرفاء هذه الأمة العربية الذين سيظلون يعملون بكل الوسائل من أجل الحفاظ على راية المقاومة والممانعة والكرامة عالية مرفرفة خفاقة في سماء العروبة، وسيظلون يعملون بكل قوةٍ وعزمٍ وإصرارٍ على بث الشعور القومي، والعزة القومية العربية، والوعي القومي العربي، والفكر العربي التحرري في كل أجيال هذه الأمة حتى تحقق كل أهدافها في الحرية والتحرر والتحرير والخلاص من التبعية للغرب بشقيه، وحتى تقيم مشروعها العربي الوحدوي التحرري التقدمي على كل أرض العرب.

   ولكل هؤلاء الذين ربطوا مصيرهم بمصير أولئك الغربيين الغزاة الطامعين فينا المجترئين علينا، المستهترين بنا، إلى كل أولئك الذين خدعتهم المظاهر، وغرتهم المراكز والمكتسبات والرتب والمرتبات، وأعمت بصائرهم وأبصارهم الولاءات لكل أعداء هذه الأمة، فباتوا أدواتٍ طيعة في أيديهم، ينفذون رغباتهم، ويفعلون ما يأمرونهم به، حتى لو كان ذلك مما ينطوي على قطع الأرزاق، وإلحاق الظلم الفادح، والإساءة البالغة بأقرب المقربين إليهم من أبناء جلدتهم، ومن أبناء أمتهم وقضيتهم، بل ومن عشيرتهم الأقربين مع بالغ الأسى والأسف، وشديد الحزن الذي يعتصر منّا القلوب، ويدمي الأفئدة.. لكل هؤلاء الذين يعرفون جيدًا أنهم يسيرون في فلك أعداء هذه الأمة أو لا يعرفون نقول: كفاكم؛ فقد خرجتم على كل القيم.. كفاكم؛ فقد أسأتم لكل ثوابت هذا الشعب ومعتقداته ومرتكزاته.. كفاكم؛ فقد تنكرتم لأبسط حقوق المواطن في القول والتفكير والتعبير.. كفاكم؛ فقد أقصيتم وأحللتم كما تريدون، وكما يريد السيد الغربي؛ فمتى ستكفون عن كل هذه الإساءات؟ ومتى ستقفون عند حدكم؟ ومتى ستخجلون من كل هذا الذي تفعلون؟ ومتى سترفعون الحظر عن كل ما لا يصادف هوًى في نفس من رضيتم به وصيًّا على هذه الأمة في هذه الديار، وفي غير هذه الديار؟ أهذه هي حرية الرأي والفكر والتعبير والتفكير يا كل هؤلاء؟؟

21/7/20012

أهذا من أخلاق الإسلام يا قوم؟؟

رمضانيات

أهذا من أخلاق الإسلام يا قوم؟؟

بقلم عدنان السمان                 

     إذا كان المسلمون مطالَبين بالاستقامة ، والتحلي بالأخلاق الحميدة، ونشر مبادئ الحق والعدل والعدالة بين الناس جميعًا في هذا الكون على مدار العام، فإنهم مطالبون بأضعاف هذه الفضائل والخصال وأعمال الخير والبر والصفات والآداب والأخلاق الحميدة في رمضان، لأنه شهر العبادة، ولأنه شهر الاختبار، ولأنه شهر المغفرة، ولأنه شهر نزول القرآن، ولأنه الشهر الذي من المفترض أن يتوحد فيه المسلمون على صعيد المشاعر والأحسيس على الأقل، إن لم يتوحدوا فيه جغرافيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا، وهو ما يجب أن يتحقق في يوم من الأيام.. ولئن كان من المفترض أن يتوحد المسلمون في هذا الشهر على صعيد المشاعر والأحاسيس على الأقل، فإنه من المفترض أيضًا أن تتحسن فيه أخلاق كثير منهم، وأن تتحسن فيه علاقاتهم الاجتماعية، وأن يكفوا عن الإساءة إلى غيرهم من عباد الله، وأن يكفوا أيضًا عن مساوئ القبلية والعصبية والعشيرية والانتهازية والمكاسب الرخيصة وسائر أشكال الانحرافات والولاءات والتبعية لأعدى أعداء هذه الأمة ، وأن يتقوا الله في علاقاتهم الخاصة والعامة، وفي مؤسساتهم دون استثناء، وفي قطاعي العمل العام والخاص، وفي سائر وسائل الإعلام والمطبوعات والنشر والثقافة.. وأن يكفوا عن ظلم الآخرين، والافتراء عليهم، والغض من شأنهم، وانتقاص حقوقهم، واتباع سياسة الإحلال والإقصاء في هذه المؤسسات التي باتوا يترأسونها، ويتحكمون فيها.. ولئن كان من المفترض أيضًا أن يكون المسلمون على خير حال من التكافل والتكامل والتواصل والتعاون والتسامح والتناصح والمحبة والمودة والوئام في رمضان، فإنه لمن الضروري جدًّا أن يكونوا كذلك طوال أيام العام.. إذ لا يعقل أن تكون أمة الإسلام متباغضة متخاصمة مقتتلة محتربة تسودها العداوة، وتنتشر فيها الكراهية والبغضاء والحسد، وتتفشى فيها كل هذه المكاره النفسية، والعلل الأخلاقية المسلكية.. أمة الإسلام يجب أن تكون متسامحة خلوقة قوية كريمة بعيدة عن الآثام، وبعيدة عن نقائص الكذب والنفاق والزور، وقول الزور، والعمل بالزور.. أمة الإسلام أمة واحدة، والمؤمنون فيها جميعًا إخوة، وسائر الناس فيها سواء أمام القانون، وهم جميعًا متساوون في الحقوق والواجبات.. وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا يظلم بعضنا بعضًا؟ ولماذا يفتري بعضنا على بعضنا الآخر؟ ولماذا يهضم بعضنا حق بعض؟ ولماذا كل هذه المحاباة لمن نحب ونهوى، ولمن تربطنا به صلة المصلحة والمنفعة والقرابة والرابط السياسي أو الاجتماعي؟ ولماذا نقدم فلانًا على فلان ، ونبعد فلانًا ونقرّب من هو دونه لا لشيء إلا لأسباب خاصة بنا، متأصلة فينا، متعلقة بأمور واعتبارات وأخلاقيات لا صلة لها بأخلاقيات العمل، وأخلاقيات المهنة، ولا علاقة لها بالإنتاج؟؟

   لماذا يتقدم الناس من حولنا ونتأخر؟ لماذا ينشد كثير من الناس العدل والعدالة والإنصاف واحترام الإنسان في هذا الكون ، ونسعى نحن خلف الظلم نستمرئه، ونعمل المستحيل من أجل وضعه موضع التنفيذ، ومن أجل العمل به ونشره وتعميمه، حتى يصبح مجتمعنا أسوأ المجتمعات، وحتى تصبح شعوبنا أسوأ الشعوب، في الوقت الذي يجب أن نكون فيه قدوة للناس، وفي الوقت الذي يجب أن نكون فيه أمة المحبة والتسامح والاستقامة والخلق الكريم والمثل الأعلى لكل شعوب هذه الأرض التي عرفتنا ذات يوم، وعرفت ما نحن عليه من كرم الأخلاق ومحبة الناس والإحسان إليهم؟

    فمتى يتحلى المسلمون في شرق الدنيا وغربها من جديد بأخلاق الإسلام، ومتى يكف المسلمون في هذه الديار، وفي غير هذه الديار عن كل هذه الممارسات السيئة، والمحاباة الرخيصة، والصفات الذميمة، والإساءة للمسئولية في رمضان، وفي غير رمضان؟؟  

21/7/2012

في هذا اليوم الأول من رمضان!!

رمضانيات

في هذا اليوم الأول من رمضان!!

أ/ عدنان السمان        

     إذا كانت هذه الأمةُ أفرادًا وشعوبًا وقبائل ومجتمعاتٍ وتجمعاتٍ وحكامًا مطالبةً في كل حين ، وفي كل آن بالاستقامة والصلاح والتقوى والعمل الصالح، والتحلي بأخلاق الإسلام وآدابه، والعمل بتعاليمه ومفاهيمه وأحكامه، فإنها مطالبة بأضعاف ذلك في رمضان.. وإذا كان المسلم هو من سلم الناس من لسانه ويده على مدار العام، فإن من الحريّ به أن يكون كذلك في هذا الشهر، شهر العبادة والاستقامة، ومغالبة النفس، وكفها عن أهوائها، وكبتها وحرمانها طوال ساعات الصيام عن كل شهواتها، وعن كل مغريات الحياة وإغراءاتها .. وإذا كان المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضًا، فإن من الجدير به أن يكون كذلك في رمضان.. وإذا كان كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، فإنه ينبغي أن يكون المسلمون كذلك في رمضان أيضًا ، بل ينبغي أن يتضاعف حرصهم على هذه القاعدة الذهبية التي يقف فيها كلٌّ عند حده لا يتجاوزه في شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدًى للناس ، وبيناتٍ من الهدى والفرقان!!.

    وإذا كان الناس كافة في المجتمع الإسلامي على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وأديانهم وألسنتهم وأعراقهم ومعتقداتهم متكافلين متضامنين متعاونين على البر والتقوى، عاملين جميعًا من أجل تقدم مجتمعاتهم الصغيرة ومجتمعهم الكبير، وإذا كانوا جميعًا متساوين في الحقوق والواجبات، لا يجوز لمواطن أن يعتدي على مواطن مهما كانت الأسباب والذرائع، وإذا كان الناس جميعًا سواسية كأسنان المِشط ، وإذا كانوا جميعًا أمام القانون سواء، لا فرق في ذلك بين رأس الدولة، وأصغر مواطن فيها من أصغر مجموعة عرقية، أو مذهبية، أو طائفة، أوديانة، وإذا كان تاريخ هذه الأمة شاهدًا على صحة هذا الذي نقوله، وإذا كان تاريخ هذه الأمة حافلاً بالحكايات والروايات والمأثورات والقصص والمحاكمات التي أنصف القضاء فيها صغار الناس من كبارهم، وأنصف القضاء فيها مواطنين عاديين من خلفاء وأمراء وقادة اعتدى عمالهم وأعوانهم ومقربوهم على هؤلاء المواطنين العاديين، وأعاد القضاء إليهم حقوقهم في أرض أو مال أوعقار، ورد القضاء لمن اعتدي عليه بقول جارح أو إساءة كلامية اعتباره المعنوي وكرامته، وكامل حقوقه في المواطنة الكاملة، حتى لو كان خصمه من كبار رجال الدولة، وحتى لو كان خصمه رأس هذه الدولة، إذا كان الأمر كذلك، وهو فعلاً كذلك، فما معنى هذا كله؟ وما مغزاه؟.

     معنى هذا أن الإسلام قد نظم العلاقات بين الناس في المجتمع، ومعناه أن الإسلام قد وضع الضوابط والقوانين والأحكام لعلاقات اجتماعية سليمة بين المسلمين وغير المسلمين من مواطني الدولة، وبين العرب وغير العرب من سائر مواطنيها الذين كانوا ينتمون إلى أعراق ولغات وألوان لا تكاد تُحصى عددًا، ومعناه أن الإسلام قد شرع لكل هؤلاء حقوقًا لا ينبغي لأحد أن ينتقص منها شيئًا، ومعناه أنه لا يجوز بحال أن يعتدي كبير على صغير، أو غني على فقير، أو عربي على غير عربي، أو أكثرية على أقلية، أو طائفة على طائفة، أو طبقة على طبقة، ومعناه أيضًا أنه لا يجوز لطائفة أو رهط أو جماعة أو فئة أو مجموعة أو أكثرية أو تحالف أن يستقوي بعدو داخلي أو خارجي على طائفة أو رهط أو جماعة أو فئة أو مجموعة أو أقلية أو تحالفِ أقلياتٍ ترى نفسها على حق، وترى أنها صاحبة حق، وتقيم الأدلة على ذلك، وتدعو إلى الحوار للوصول إلى الحق والوفاق والاتفاق ، والرجوع إلى الصواب، ولكن دون جدوى، لأن أولئك المعتدين لا يريدون التراجع عن عدوانهم، ولأنهم لا يريدون الامتثال لصوت العقل والحكمة، بل يريدون الذهاب في الشوط إلى نهايته، لأن الكفر عناد، ولأن العناد كفر ، ولأنهم قد أخذتهم العزة بالإثم ، ولأن الأحقاد قد أعمت أبصارهم، وأعمت بصائرهم، فارتكبوا الموبقات ، واقترفوا الآثام والمحرمات والحماقات ، واجترحوا السيئات، وارتكبوا الفواحش، واعتدوا على المحصنات الغافلات العفيفات الشريفات، ونهبوا ، وسلبوا، وأحرقوا، وأغرقوا، وأرهبوا، وأرعبوا، وعذبوا، وجوعوا، ونكلوا، وقتّلوا، وهجّروا، ودمروا، وسفكوا الدماء، ومثلوا، وقطّعوا كل ما أمر الله به أن يوصل، وأفسدوا في الأرض، ونشروا فيها الخراب والخوف والاضطراب، فصب عليهم ربك سوط عذاب، إن ربك لبالمرصاد.. ولقد ألصقوا كل ذلك بغيرهم ممن يدافعون عن أنفسهم وأطفالهم وكرامتهم وحقهم في العيش الآمن الكريم، ويدافعون عن وجودهم ومكتسباتهم وحريتهم واستقلالهم ومستقبل الأجيال على أرضهم، ويدافعون عن إنجازاتهم ومعتقداتهم وخططهم ومخططاتهم في البناء والإعداد والاستعداد لتحقيق الأهداف السامية لهذه الأمة التي مزقتها الخلافات والخصومات والعداوات، وتكالبت على قضاياها المصيرية الأطماع، وكثُرت التحالفات، وأُعلنت الأهداف والغايات، ولم يعد سرًّا ما يطمعون فيه، ويطالبون به، ويعملون من أجله، ويسعَون جاهدين إليه!!.

     وأما المغزى، بل المغازي التي تنطوي عليها كل هذه المقدمات، ونحن نقف بين يدي رب العزة في هذا اليوم الفاتح من هذا الشهر الفضيل، شهر التوبة والمغفرة والغفران والإحسان، أن نكف في الحال عن كل أعمال القتل، وأن نكف في الحال عن كل أعمال العدوان وسفك الدماء، وأن يلزم في الحال كل المعتدين حدودهم، وأن يثوبوا إلى رشدهم وصوابهم، وأن يتقوا الله ربهم في كل هؤلاء الأبرياء والبريئات من أبناء هذه الأمة وبناتها في هذا الشهر الذي آن فيه لكل هؤلاء المعتدين أن يكفوا عن عدوانهم، وأن يتقوا الله في شعوبهم وأوطانهم، وأن يلقوا ما بأيديهم من أسلحة ما كان لها أن توجه إلى هؤلاء الأبرياء من بني قومنا .. لقد آن لنا يا قوم أن ندرك أن هذا الذي نفعله هو أكبر جناية يرتكبها جاهل بحق نفسه، وأنه أكبر خدمة يمكن أن يؤديها إلى أعدى أعداء أمته، وأنه -يا عباد الله- أكبر جناية يرتكبها جان بحق أمته ومعتقداتها وأعرافها ، ولقد آن الأوان أن تضم أمتنا صوتها إلى كل الأصوات الشريفة المطالبة بحل كافة قضايانا الخلافية بالحوار المخلص الصادق البناء، وأن تتضافر الجهود بعد ذلك للعمل يدًا واحدةً، وقلبًا واحدًا، ونبضًا واحدًا لاستئناف مسيرة العمل والبناء والإعداد والاستعداد، لتحقيق أهداف هذه الأمة في بناء أوطانها، وعزة إنسانها، وتوطيد أركانها، وسلامة بنيانها..( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسولُه والمؤمنون) صدق الله العظيم.. ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وكل رمضان وأنتم بخير.

20/7/2012

 

الثلاثاء، ١٧ تموز ٢٠١٢

إعلان نتائج التوجيهي ..لماذا الأرقام؟؟

    متابعات                                 
إعلان نتائج التوجيهي  ..لماذا الأرقام؟؟
أ. عدنان السمان
www.samman.co.nr
         منذ خمسين عامًا ، أي منذ العام الذي أقرت فيه وزارة التربية والتعليم الأردنية امتحان الثانوية العامة (التوجيهي) ونتائج هذا الامتحان تُعلَن في وسائل الإعلام، بحيث يَطّلع عليها كل من يعنيهم الأمر، وبحيث يجد الطلبة الناجحون فيها فرصة للفرحة، وفرصة لمعرفة ما حصل عليه زملاؤهم في هذا الامتحان من معدلات، وفرصةً للمتابعة،والمعرفة على كافة المستويات،وفرصة للتعرف على العشرة الأوائل في كل فرع، مع معرفة معدلاتهم، ومعدلات أوائل الطلبة في كل محافظة ولواء، بل وفي كل مدرسة من المدارس الثانوية في هذه  البلاد .
     ومنذ أن أشرفت وزارة التعليم الفلسطينية على هذا الامتحان، ونتائجه تعلن كما كان الأمر في الماضي، فيفرح من يفرح، ويعرف الطلبة يقينًا سائر التخصصات التي أهّلتهم معدلاتهم لدراستها والانتساب إليها ، دون وساطة، ودون تدخل من أحد،ودون أدنى محسوبية أو خرق للقوانين  والأنظمة الجامعية ...
    إلى أن كانت الدراسة الخاصة وأحكامها ،وما يُقال في سلبياتها ، وفي حرمان كثير من الطلبة وعجزهم عن مواصلة  الدراسة لهذه الأسباب ، ولأسباب تتعلق بأحوالهم المادية  السيئة .. لقد تراكمت أسباب كثيرة لحرمان كثير من الطلبة الجادّين، بل والمتفوقين من فرصة متابعة الدراسة الجامعية ... ولو كانت الدراسة الجامعية مجانية كما هي الحال في كثير من الأقطار لما حُرم من متابعتها ومواصلتها أي طالب ... ولكنها الطبقية، والنظم الاقتصادية والسياسية، والأحوال المادية السيئة لكثير من فئات المجتمع تأبى إلا أن تفعل فعلها في هذا السياق ....آملين أن لا يكون بعيدًا ذلك اليوم الذي يسود فيه العدل، وتنتشر فيه العدالة، ويحصل فيه الناس جميعًا على كامل حقوقهم في العيش الكريم ، وعلى كامل حقوقهم في التعلم والعلاج والمأكل والمسكن والعمل دون أدنى حرج، ودون أدنى حرمان أو انتقاص أو تأخير .
    واليوم، يقررون أن لا تعلن أسماء الناجحات والناجحين في امتحان الثانوية العامة كما كان الأمر في الأعوام السابقة، وعلى مدار خمسين عامًا بالكمال والتمام ، ويقررون أن تستبدل الأسماء بأرقام الجلوس، وما أدراك ما أرقام الجلوس !! معظم الطلبة وذووهم يرفضون هذا القرار، ومعظم الطلبة وذووهم، وكافة المعلمين الجادين الناجحين ، والمراكز التعليمية الثقافية الناجحة ومعلموها يرفضون هذا القرار الذي ينطوي على حرمان الناجحين والمتفوقين من حقهم في الفرحة، كما ينطوي على متاهة نحن في غنًى عنها ، واتهاماتٍ وشكوك وتكهناتٍ وتخرصاتٍ لا تخدم قضايا الشعب، ولا تخدم قضايا أبنائه في الحصول على  حقوقهم كاملة غير منقوصة، دن التفاف عليها، ودون انتقاص منها، ودون أن "يُسَرق" شيء من هذه الحقوق أيضًا !! .   
      إن الغالبية الساحقة من المواطنين في هذا الديار ترفض هذا القرار الذي ينطوي على كثير من  الظلم والإجحاف، وينطوي عل كثير من الغبن بحق من درس وتعب وضّحى وأجتهد وسهر الليالي، وبحق من علِّم ودرّس وأعطى، وبحق من لا يطالب إلا بالعدل والعدالة والإنصاف ، بعيدًا عن الوساطة والمحسوبية والتلاعب والخداع والبيع والشراء في أعز ما يملك هذا الشعب ، وفي أغلى ما يضم الجوانح عليه من خيرة الأبناء والبنات.
     مستقبلنا منوط بنجاح شبابنا وشوابّنا، ومنوط بحصولهم على حقوقهم ، والتغيير في تقديرنا ينطلق على أيدي هؤلاء الطلبة ، الذين نكنّ لهم كل تحية  ومحبة وتقدير واحترام ، وعليهم نعقد الآمال في غدٍ مشرق حر عزيز .
والسلام عليكم
15/7/2012

الخميس، ١٢ تموز ٢٠١٢

في القدس والأسرى وسلوان وحي البستان!!

متابعات
في القدس والأسرى وسلوان وحي البستان!!
أ.عدنان السمان
    هذا الذي يريد أن يكتب شيئًا عن فلسطين والفلسطينيين، وعن القضية الفلسطينية، والحق العربي الواضح الصريح في فلسطين، وذاك الذي يريد أن يؤرخ لهذه الديار، أو أن يكون شاهدًا على هذا العصر العربي الفلسطيني بكل إيجابياته وسلبياته وتداعياته وتناقضاته، وبكل تفصيلاته وحيثياته وعلله وأرزائه وثوابته.. لا يعرف يقينًا من أين يبدأ، وكيف يبدأ، ولا يعرف يقينًا إلى أين سيقوده القلم، وإلى أين سيفضي به الفكر والتفكر والتفكير، ولا يعرف يقينًا كيف سيجابه نفسه ويواجهها إن لم يملك الجرأة الكافية على قول الحق، والترويج للحقيقة، وكيف سيجابه كثيرًا من بني وطنه ، ومن بني قومه وأمته أيضًا ، وكيف سيواجههم في ظل هذه الفتن الكبرى التي تعصف بالبلاد والعباد، وفي ظل كل هذه الخلافات والانقسامات والتصدعات ، وتعدد الولاءات، والاختلاف في الميول والمشارب والأهواء والأمزجة والمذاقات، وكل هذه التباينات في المواقف والآراء ووجهات النظر إلى الحد الذي تحوّل معه كثير من الناس عن قبلتهم، وإلى الحد الذي تنكر معه كثير من الناس لمبادئهم ومعتقداتهم وثوابتهم ومقومات شخصيتهم ومكوناتها ومورثاتها، مؤْثرين على كل ذلك عرضًا زائلاً ، ومتاعًا حقيرًا، ومكاسب شخصية رخيصة، لكنها كفيلة بوأد الضمائر في صدور أصحابها، وتخدير المشاعر والأحاسيس النبيلة السامية في نفوسهم، حتى إذا ما زال مفعول هذه المخدرات والإغراءات والإغواءات بفعل التغيرات والمتغيرات، ولأسباب متعلقة بالتكتيكات والاستراتيجيات، ولغير ذلك من المؤثرات والمؤشرات، وأشكال التأثيرات، وحتى إذا ما ألفى هؤلاء أنفسهم في أحوال غاية في السوء تبعًا لذلك كله أو بعضه، نظرًا لقرب انتهاء مرحلة، أو لانتهائها، ونظرًا لبداية مرحلة جديدة، أو لاقترابها دون أن يكون لهم بها أدنى علم أو معرفة أو رأي، ودون أن يعلم كبارهم شيئًا عما يفعله صغارهم، ودون أن يبدي سابقهم أدنى اكتراث بلاحقهم، ودون أن يُكنّ لاحقهم لسابقهم شيئًا من ود أو احترام، فاعلم أنها الساعة، واعلم أنها القيامة، واعلم أنها النفس اللوامة، واعلم أنه اليوم الذي تُبلى فيه السرائر، فما له من قوة ولا ناصر، واعلم أنه لا ينفع عندها الندم ، فلقد سبق السيفُ العذل، وجاءت الصحوة متأخرة .
      وهذا الذي يريد أن يكتب عن القدس والأسرى وسلوان وحي البستان وخليل الرحمن، وعن الأسوار والجدران والاستيطان ترعبه هذه الحقائق، وتذهله هذه الوقائع التي يشاهدها بأم العين في كل هذه الديار التي أخذت تضيق بمن فيها، بعد أن دار فيها الزمن دورته، وفعل بها فعلته.. حقائق كثيرة على الأرض تصفع بشدة كل من يحاول إمعان النظر في ملف القدس!! وكل من يحاول إمعان النظر في واقع حياة المقدسين، وسوء أحوالهم، وشديد معاناتهم، فكل شيء في القدس خاضع للمصادرة، ووضع اليد، وكل شيء في القدس خاضع لمخطط التهويد الذي يستهدف القدس كل القدس قديمها وجديدها وغربها وشرقها وشمالها وجنوبها.. وأنت حين تتحدث عن القدس، فإنما تتحدث عن مشروع يهودي كبير يلتهم مئات الكيلومترات المربعة من منطقة الجنوب، ويفصل هذه القدس الكبرى عن محيطها العربي فصلاً كاملاً في الجنوب والشمال والشرق، أما محيطها العربي من الغرب فقد وضعوا اليد عليه منذ عام ثمانية وأربعين، عندما وضعوا أيديهم على الشطر الغربي من هذه المدينة المقدسة.. القدس الكبرى معزولة عن محيطها العربي، والقدس الكبرى أيضًا تعزل ما تبقى من جنوب الضفة عن شمالها .. وأما معاناة أهل القدس فحدث ولا حرج.. إن المقدسيين مهددون منذ حرب حزيران بالاستيطان الذي أخذ يحاصرهم من كل جانب، وهم مهددون بالاستيطان داخل القدس القديمة والجديدة، وهم مهددون بالحفريات التي تستهدف المسجد الأقصى، وتستهدف سلوان حاضنة الأقصى المبارك، وتستهدف حي البستان الذي يعتزمون هدم مئات من بناياته، وإقامة مشاريع توراتية عليها يشكل قفزة نوعية على طريق تهويد المدينة المقدسة، وتهجير كثير من سكانها بعد أن قطّعوا أوصالها بالجدران والمعابر والبوابات والمستوطنات، وبعد أن وجهوا أشد الضربات لقطاع التعليم، وبعد ان فرضوا من الضرائب على أهلها ما تنوء بحمله الجبال، وبعد أن هدموا من بيوتها وأحيائها وزواياها ما هدموا ، وصادروا من أراضيها الزراعية وغير الزراعية ما صادروا!!.
    أما الأسرى ، وأما الاعتقال الاداري والسياسي التعسفي القهري، وأما التعذيب الجسدي والنفسي، وأما ما يعانيه أهالي الأسرى وذووهم ومعارفهم، فإنه أكثر من ملف مؤلم ، ولقد آن لهذا الملف أن يغلق، آن لهذا الليل الطويا أن ينجلي، وآن لهذا القيد الثقيل أن ينكسر.. وآن لهذا الشعب العربي الفلسطيني أن يقرر مصيره، وأن يستعيد سائر حقوقه الثابتة في بلاده فلسطين، وبعد:
    فإن على كل من يريد الكتابة في هذه القضية الفلسطينية، وفي تفصيلاتها وحيثياتها أن يتحلى بالحد الأقصى من الوعي واليقظة والشعور بالمسؤولية واحترام الذات والقناعات والانسجام مع النفس ، وأن لا يتراجع تحت وطأت اليأس أو الاحباط، أو تحت تأثير الضغوط أو الاغراءات، وغير ذلك من المكاسب والاعتبارات عن منظومة القيم والمبادئ والمعتقدات والحقوق الثابتة والثوابت، لأنه لا يكون بذلك قد خدم قضيته، بل هدمها، ولأنه لا يكون بذلك قد بنى سلامًا عادلاً دائمًا ثابتًا شريفًا متكافئ لا غالب فيه ولا مغلوب، وإنما أسس لصراع دام شرس مدمر رهيب قد يأتي على الأخضر واليابس في هذه الديار وفي غير هذه الديار.. وسلام على فلسطين.. سلام على القدس والخليل.. سلام على الأسرى، سلام على سلوان وحي البستان، سلام على شعبنا الصابر المرابط..سلام على أرواح الشهداء.. وتحية لكل أسرى الحرية.
12/7/201

الأربعاء، ١١ تموز ٢٠١٢

في اليوم العالمي للسكان...

متابعات
في اليوم العالمي للسكان...
 أ.عدنان السمان
 
يصادف هذا اليوم الحادي عشر من شهر تموز ما يسمى باليوم العالمي للسكان، حيث جرت العادة أن يُحتفل بهذا اليوم منذ ثلاثة وعشرين عامًا، وذلك من أجل متابعة أحوال سكان هذا العالم، وتقديم العون والمساعدة كلما كان ذلك ضروريًّا وممكنًا، والعناية بالناس في مناطق كثيرة بحاجة إلى العناية، والعمل من أجل التواصل مع المجتمعات والأمم، والتكافل الاجتماعي الخلاق للتخفيف من آلام البشرية، وتقديم المعونات المادية والمعنوية على كافة الصعد والمستويات كلما كان ذلك ضروريًّا، وكلما كان ذلك ممكنًا أيضًا.
لقد تضاعف عدد سكان العالم عدة مرات خلال القرن الماضي وحتى أيامنا هذه، حتى بلغ سبعة مليارات إنسان أغلبهم من الأطفال، ومن النساء غير العاملات في بلدان العالم الثالث، وأكثر من مليار من سكان هذا الكون أيضًا لا يعيشون تحت خط الفقر فحسب، وإنما يعيشون حياة الفاقة والجوع والتشرد والفقر الشديد الذي تعجز الكلمات عن وصفه، والإحاطة به، ومن المؤلم أن تكون الغالبية العظمى من هؤلاء من مواطني العالم العربي الإسلامي الذي يضم في رحابه أكثر من سبعين بالمئة من ثروات هذا العالم النفطية والمائية والحيوانية والنباتية على اختلافها.. إنّ تضاعف عدد السكان يتطلب مضاعفة الإنتاج، ويتطلب مضاعفة وسائل الرعاية والحماية، ومضاعفة الخدمات التي تُقدم لهؤلاء السكان، ولعل على رأسها الخدمات الصحية، والتعليمية، إضافةً لتوفير المأكل والمشرب والملبس والمسكن لكافة المواليد الجدد، ولكل من يطلب ذلك من الناس في شرق الدنيا وغربها، وفي شمالها وجنوبها.
إنه، وعلى الرغم من كثير من الإيجابيات، وكثير من الإنجازات التي حققها من يعنيهم الأمر لكثير من السكان في هذا العالم، وعلى الرغم من ارتفاع متوسط عمر الإنسان في هذا الكون خلال العقود القليلة الماضية، وعلى الرغم من التحسن الملحوظ في مجال مكافحة الأمراض، ومقاومة الأوبئة، والتصدي للأمراض السارية والمعدية، بل والمزمنة أيضًا، وعلى الرغم من كل هذه القفزات النوعية التي حققتها البشرية في وسائل المواصلات والاتصالات، والطباعة والنشر، والثورة المعرفية، وثورة المعلومات في سائر أقطار الكون، إلا أن هناك كثيرًا من العلل في كثير من البلدان والدول، وكثيرًا من الخلل، وكثيرًا من الأمراض، وكثيرًا من عوامل الجهل والتخلف، وكثيرًا من أشكال الفساد والإفساد والاستبداد والاستعباد، وكثيرًا من صور التحكم بالناس، ومصادرة حرياتهم وممتلكاتهم، ووضع اليد على مقدّراتهم، وممارسة كل أشكال السلب والنهب لثرواتهم وممتلكاتهم، والسيطرة على أوطانهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم في هذه الأوطان، بعد تهجيرهم منها، وإقصائهم عنها، أو إبقائهم فيها لهذا السبب أو ذاك، ولكن بدون حقوق، وبدون أدنى اعتبار لإنسانيتهم، وبدون أدنى احترام لحقوقهم المشروعة الثابتة في العيش الحر الآمن الكريم في أوطانهم التي تعرفهم ويعرفونها، وتحبهم ويحبونها منذ أن كانت وكانوا، ومنذ أن خلق الله هذه الأرض ومن عليها، وما عليها.
وإنه، وعلى الرغم من كل محاولات الإصلاح التي يمارسها كثير ممن يعنيهم الأمر، وكثير من أصحاب الهمم والعزائم والضمائر الحية اليقظة، وعلى الرغم من كل محاولات إشاعة العدل والعدالة والوئام والمحبة والسلام والأمان والاطمئنان في هذا العالم، إلا أنه، ومع شديد الأسف لا زال العابثون المستهترون المتسلطون على خيرات الشعوب وثرواتها يمارسون سياسة مصادرتها، ووضع اليد عليها، والتصرف بها على نحو يخدم أطماعهم أولاً، وأطماع أدواتهم ومستَخدميهم ثانيًا، وما يتبقى بعد ذلك، وهو أقل القليل، يقدمونه للحلفاء والأتباع والمحاسيب والأعوان، وقد يصل شيء منه إلى أصحابه الشرعيين من عباد الله الفقراء الجائعين، وقد لا يصل، والأمر بالطبع محكوم بالخضوع لهؤلاء المتسلطين، والركوع على أعتابهم، أو بمقاومتهم، والتصدي لأطماعهم، ومكافحة هذه الأطماع، وعليه يكون توزيع الثواب، وتوزيع العقاب، وبناءً عليه أيضًا يكون تصرف أؤلئك المتسلطين المتلاعبين بثروات الشعوب ومقدّراتها، الوالغين في دماء أبنائها وبناتها، إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولاً.
في اليوم العالمي للسكان نقول: إن من حق الناس جميعًا في هذا الكون أن يعيشوا باحترام، وقد تحققت مطالبهم في العيش الآمن الحر الكريم، بعيداً عن السيطرة والاستبداد، وكل مظاهر الاستعباد، وبعيدأ عن التبعية، ومحاولات الإحلال والإقصاء والإبعاد، وبعيدًا عن شبح الفقر والجهل والمرض والبِطالة وكوابيس الظلم والقهر والكذب والتدليس والتزوير والخداع والتضليل، وكل محاولات التركيع والتنكيل والتقتيل.
وفي اليوم العالمي للسكان لا بد من تضافر جهود كافة الأحرار الشرفاء فس شرق الدنيا وغربها من أجل صنع مجتمع بشري تسوده شريعة العدل والحق والإخاء، ويعيش الناس جميعًا فيه سادة كرامًا أحرارًا يبرون إنسانيتهم وتبرهم، ويفخرون بانتمائهم لعالم يحترم إنسانية الإنسان ويفاخرون بانتمائهم لمجتمع دولي إنساني منصف لا يظلم أحدًا، ولا يُظلم فيه أحد، ولا يضيع فيه حق، ولا تنتهك فيه حقوق.. فهل هذا كثير؟؟
11/7/2012
       
 

السبت، ٧ تموز ٢٠١٢

مؤتمر باريس.. طلبات وإمكانات

متابعات

مؤتمر باريس.. طلبات وإمكانات
أ‌.       عدنان السمان
      كان هذا المؤتمر الذي عقد يوم الجمعة الماضي في باريس، وضم ممثلين عن مئة دولة كما قيل، وكان التمثيل فيه على أعلى المستويات وأعتاها، هو المؤتمر الثالث الذي تحدث فيه المتحدثون والمتحدثات، وأرغى فيه وأزبد كثير منهم ومنهنّ، وتهدد فيه المتهددون، وتوعد المتوعدون، وكثرت فيه المطالب والمطالبات، وكثر الحديث عن المسلحين والشهداء والجرحى والأسرى والمرضى واللاجئين والجياع والمنكوبين والمشردين، وكثر فيه الحديث أيضًا عن القمع والقتل والقصف والتنكيل والوحشية والمدفعية والراجمات والمروحيات، وكل ممارسات هذا النظام الذي أجمع المجمعون على ضرورة إسقاطه، والخلاص منه، وإنقاذ الشعب السوري من ممارساته وعدوانه وبطشه واحتكاره للسلطة، وإصراره على الاستمرار في ذلك على الرغم من وعوده الكثيرة بالإصلاح، ولا إصلاح.
     كثير من المتحدثات والمتحدثين أشاروا باقتضاب إلى كثير من الوقائع التي تجري على أرض سوريا، متهمين النظام في كل ما يحدث، ولقد تحدث كثير منهم عن احتياجات السوريين (داخل سوريا وخارجها، ولا سيما في مخيمات النزوح) لكثير من المساعدات الغذائية والدوائية والمالية، وتحدثوا عن ضرورة أن يكون تقديم هذه المساعدات عن طريق شبكاتهم الاجتماعية المعروفة باستقامتها، وعلاقاتها المتوازنة، وحرصها الشديد على التكافل والتواصل والعلاقات الودية مع كافة الفئات والشرائح السورية، مطالبين أن لا يكون ذلك عن طريق النظام السوري، لأنه غير مؤتمن على ذلك، بل إنه سيحتفظ بتلك المساعدات لنفسه، وللمخلصين المقربين من أتباعه وأنصاره.. هذه الوقائع التي أوجز فيها الموجزون، وأسهب المسهبون تبعتها ورافقتها توقعات وطلبات ومطالبات وتوسلات لكافة الغربيين المشاركين في هذا المؤتمر، كي يعملوا بسرعة من أجل إنقاذ الشعب السوري، لأنه كلما كان الخلاص من هذا النظام أسرع كانت خسائر السوريين أقل، ولأنه إذا سقط نظام الأسد لم تعد هنالك مشكلة في سوريا.
      ولقد نسي سائر المتحدثين في جمعة مؤتمر باريس كثيرًا من الحقائق، وهم يشيرون إلى الوقائع، ويلحون على المطالب والتوقعات، بل ويتظاهرون بالتوسل إلى النظام السوري أن يكف عن أعمال القتل وسفك الدماء، ويتوسلون إليه أيضًا أن يدلهم على حل تحقن معه كل هذه الدماء البريئة التي يحرصون عليها كل الحرص.. لقد قيل في جمعة مؤتمر باريس ما هو أكثر من ذلك، ويروي أولئك الذين حباهم الله نعمة هدوء الأعصاب وبرودها( ممن يستطيعون مشاهدة هذه العينات، وممن يطيقون سماعها والاستماع إليها) كثيرًا من الأقوال والطلبات والتوقعات والمطالب والتناقضات التي يمكن تلخيصها بضرورة أن يعمل هذا المجتمع الدولي من أجل إسقاط نظام الأسد في أسرع وقت، وبكل وسيلة ممكنة ، داخل المحافل الدولية وخارجها أيضًا.
      ولقد نسي هؤلاء الذين يذرفون الدموع على شعب سوريا أيضًا أنهم من تسبب في كل هذا الذي يجري اليوم على الأرض من سفك للدماء، وتشريد للناس، وإحراق لمواردهم، وتدمير لاقتصادهم، وترويع للآمنين والآمنات من الكبار والصغار، وتسخين للحدود مع أقطار الجوار، وتقطيع للأواصر والعلاقات، وتمزيق لكل مشاعر الأخوة ، وروابط العروبة والإسلام في هذه المنطقة من العالم، وتوتير للأجواء في سائر أرجاء هذا الكون الذي يهزه يقينًا من الأعماق ما يجري في سوريا.. نسي هؤلاء أنهم السبب، لأنهم لم يحسنوا تقدير الأمور والعواقب المترتبة على تدخلهم في الشأن السوري منذ البدء، ولأنهم لم يتوقعوا أن يكون رد السوريين كما يرَون ويشاهدون ، ولأنهم لم يكونوا يتوقعون أن يقف كل هؤلاء الناس في تركيا، وفي سائر أقطار بلاد الشام، وفي كثير من ديار العروبة والإسلام إلى جانب سوريا، ولأنهم لم يكونوا يتوقعون هذا الموقف الروسي الصيني الثابت من الوضع السوري، ولأنهم لم يكونوا يتوقعون كل هذا الإصرار السوري على حماية سوريا من كل الطامعين فيها، المجترئين عليها، الواهمين بإمكانية تمزيقها وتقسيمها وإخضاعها لهيمنتهم وأطماعهم.
     ولقد نسي هؤلاء أيضًا أنهم السبب في كل ما جرى ويجري في سوريا منذ نحو ستة عشر شهرًا تنفيذًا لأجندات خارجية يعرفونها جيدًا ونعرفها، وتنفيذًا لمخطط وضعه كل أعداء العروبة للنيل من سوريا، لكل الأسباب التي يعرفها هؤلاء وأولئك، ومنها وعلى رأسها أن سوريا هي البلد العربي الوحيد غير المدين لأحد بدولار واحد، والبلد العربي الوحيد الذي يأكل الناس فيه مما يزرعون، ويلبسون مما يصنعون، ويتعلمون حتى الحصول على الدرجة العلمية الثالثة، ويتعالجون حتى زراعة الأعضاء دون مقابل، والبلد العربي الوحيد الذي ما زال يحمل على كاهله كل قضايا العروبة، وكل آمالها وآلامها، والبلد العربي الوحيد الذي ما زال على العهد، وسيبقى على العهد وفيًّا مخلصًا للمشروع العربي الواحد الموحد على كل أرض العرب، وفيًّأ مخلصًا لنهج العروبة، وفيًّا مخلصًا لعروبة لبنان وحريته واستقلاله وسيادته على أرضه ، ولعروبة فلسطين، وعروبة العراق، وعروبة أمة العرب من محيطها إلى خليجها، ولو كره الكارهون.
      خير من كل ذاك الذي قيل في مؤتمر جمعة باريس كلمة حق كان من الممكن أن تقال هي : أيها السوريون! بوحدتكم الوطنية، وإخلاصكم لوطنكم تستطيعون حماية سوريا من عدوان المعتدين، وأطماع الطامعين، ومخططات المخططين، وأكاذيب الكاذبين المزورين المفبركين، وتستطيعون حماية العرب في كل أقطارهم وأمصارهم من كل طامع فيهم، معتد عليهم، مستصغر لشأنهم..وخير من كل ذاك الذي قيل في جمعة باريس نصيحة كان من الممكن أن توجه إلى كل من تحدثوا وشرحوا وطلبوا وطالبوا وتوقعوا من الغربيين حسم الوضع: كفوا عن محاولاتكم، وارجعوا عن طلباتكم، فالرجوع إلى الحق فضيلة، واعلموا أنه لن يكون ما تريدون من ممرات آمنة ، وملاذات آمنة، لا في البحر، ولا في البر، ولا في الجو، واعلموا أيضًا أن مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نافذ فينا قائم في مجتمعنا إلى يوم الدين.. فلتكفوا عن محاولاتكم وتناقضاتكم، واعلموا أنه قبل المطالب والطلبات والبحث عن مخارج وحلول للقضايا والأزمات ينبغي البحث في القدرات والإمكانات.. فابحثوا جيدًا قبل أن تجروا بلادكم وشعوبكم إلى المخاطر والكوارث والنكبات.
      واذكروا دائمًا أن قضية فلسطين، وسائر قضايا العرب والمسلمين، لم تمت، ولا تنسَوا ستة ملايين لاجئ فلسطيني يريدون العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم، وتريدون أنتم استبدالهم بلاجئين جدد ، وتريدون أنتم شطب قضيتهم باستحداث قضايا تفتعلونها، ولا داعي لشرحها ، والخوض في تفصيلاتها، فأنتم أعلم الناس بها.. فكروا - رحمكم الله– في الإمكانات، وابحثوا – رحمكم الله- عمن قتل الرمز الفلسطيني ياسر عرفات، وسائر رفاقه وإخوانه من المناضلين والمناضلات، وكل ما هو آت آت!! سامحكم الله ، وغفر لكم خطاياكم، وأدخلكم في رحمته، وأسكنكم فسيح الجنان، وواسع الجنات.
7/7/2012