عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


الثلاثاء، ٢٧ تموز ٢٠١٠

متابعات 

فِلَسطينيّون.. ولكن!!

عدنان السمّان

www.samman.co.nr

 أسماهم بعضُنا عربَ إسرائيل، وأسماهم بعضنا الآخر عرَب الداخل، وعرب الجليل والمثلث، وعرب ثمانية وأربعين، لم نعد بعد حدوث ما حدث آنذاك نعرف عنهم شيئًا مذكورًا أو غير مذكور، فلقد فُرضت عليهم الأحكام العسكرية الصارمة، وهُدم عدد كبير من قراهم، وأصبح كثير منهم لاجئين في بلادهم يعيشون في قرًى غير قراهم، وفي مدن لم يكونوا يزورونها إلا في بعض المناسبات، ولقد صودرت معظم أراضيهم لِتقام عليها المصانع والمعامل والمنشآت والمستوطنات والتجمعات السكنية، ولتشق فيها الشوارع، وتبنى الجسور، وتقام المعسكرات والمحميات والمزارع النموذجية والسدود، وليبني عليها القادمون الجدد من وراء البحار بيوتهم وقصورهم ومشاريعهم ومنشآتهم وملاهيهم ومقاهيهم واستراحاتهم التي يغيّرون بها معالم هذه الأرض، ويُحولونها إلى دُويلة غربية تصلح أن تكون امتدادًا طبيعيًّا للغرب على الساحل العربي للبحر المتوسط، ورأس جسر للغرب على كل أرض العرب وصولاً للاتحاد السوفياتي الذي كان... نظر إليهم كثيرٌ منا آنذاك نظرة ملؤها الشك والريبة، واعتبرهم كثيرٌ منا مخطئين، بل خاطئين خطّائين لأنهم آثروا البقاء في قراهم ومدنهم على أرض وطنهم، ونظر إليهم بعضُنا نظرة الشفقة والرثاء لاعتقاده أنهم لم يتمكنوا آنذاك من الهرب كما فعل غيرهم من أهلهم ومن جيرانهم ومن مواطنيهم الذين تمكنوا من الخروج هربًا بأرواحهم وأطفالهم، وبشيء من أموالهم وملابسهم ومواشيهم!! وكأن القاعدة أن يخرج الناس في مثل هذه الظروف والأحوال من بلادهم، وكأن الاستثناء أن يظلوا فيها، ليصبحوا بعد ذلك موضوعًا لأحاديث شتى فيها من التناقضات، ومن غريب التصورات والاعتبارات، وفيها أيضًا من الجهل والسذاجة في تلك المرحلة من حياتنا ما فيها !! ... كان عددهم محدودًا جدٍّا في أعقاب تلك الأيام التي أقام فيها بن غوريون دولته في العام الثامن والأربعين من القرن الماضي، ولقد رُويَ أن عددهم آنذاك لم يتجاوز مئةً وعشرينَ ألفًا من أصل مليون عربي فلسطيني كانوا يعيشون في بلادهم فلسطين عندما كانت قطرًا عربيٍّا كغيرها من بلاد العروبة، ولقد رُويَ أيضًا أن من أسباب بقاء تلك القلة في قراها ومدنها آنذاك تصدي بعض وجهاء الجليل، وبعض ميسوري الحال فيه لقوافل المتجهين شرقًا وشمالاً طالبين منهم العودة من حيث أتَوا، وطالبين منهم أيضًا إن لم يكن في بيوتهم شيءٌ من طعام أو شراب أن يتوجهوا إلى بيوت هؤلاء الوجهاء للحصول على ذلك.. أما اليوم فإن عددهم قد يتجاوز المليون ونصف المليون من المواطنين بحسب كثير من الروايات... تكرر هذا الخطأ القاتل مرة ثانية خلال حرب الخامس من حزيران، وفي أعقاب تلك الحرب، وإن كان ذلك على نطاق ضيق في هذه المرة، عندما اتجه كثيرٌ من سكان الأغوار في منطقتي نابلس وأريحا إلى الأردن، لتلتحق بهم بعد ذلك أعدادٌ من مختلف أنحاء البلاد، وأما ما جرى لمدينة قلقيلية تحديدًا، فإن مَن أخلاها من أهلها هم المحتلون الذين هدموا كثيرًا من بيوتها، ومع هذا فقد عادت نسبة عالية من هؤلاء المهجّرين إلى المدينة بعد ذلك... على الرغم من الإشارات الصريحة التي وردت في وعد بلفور بشأن حقوق المواطنين من غير اليهود في هذا الوطن القومي الذي قطع بإقامته مَن لا يملك وعدًا لمن لا يستحق، وعلى الرغم من تأكيدات بن غوريون في وثيقة "الاستقلال" على ذلك إلا أن ما يداعب خيال القادة في إسرائيل، وما يعتمل في عقولهم وقلوبهم هو شيءٌ مختلف، وإن ما يبيتونه للفلسطينيين في هذه الديار، وأخص بالذكر منهم عرب الجليل والمثلث والنقب هو شيء مختلف أيضًا، وهو شيءٌ خطير ينبغي التوقف عنده، وينبغي الخوض فيه بمنتهى الصراحة والصدق والشجاعة، وبمنتهى الوعي واليقظة والحرص على وضع النقاط على الحروف، وتوضيح ما يجوز ومالا يجوز، وما هو ممكن وغير ممكن، وما هو خيالي بعيد عن التطبيق العملي، وما هو عملي واقعي قابل للتطبيق، وقابل للتنفيذ، وقابل أن يكون أساسًا لحل مقبول يرضى به الواقعيون من الأطراف كافة، ويلبي رغبة كثير من الناس في هذه الديار بميلاد سلام عادل دائم يضمن الأمن والأمان للناس، ويجنب هذه المنطقة من العالم ويلات حروب مدمرة قد لا تُبقي، وقد لا تذر!!.

ما يداعب خيال هؤلاء القادة، بل إن ما يُصرّ عليه كثير منهم اليوم هو أن "يتخلصوا" من هؤلاء العرب الذين لا تنظر إليهم غالبية اليهود بالقدر الأدنى من الارتياح الذي يمكّنهم من العيش بحرية فوق أرض الآباء والأجداد.. ولمّا كان من الصعب الآن وفق كل المعايير أن يلجأ هؤلاء القادة إلى إخراج هؤلاء العرب من بيوتهم، فإنهم يُعولون على ألاعيب السياسة لتحقيق هذا الهدف الذي يضمن لهم دولة يهودية نقية هناك، ودُويلة مختلطةً هنا في الضفة الغربية يحكمها المستوطنون، ويعيشُ فيها تحت حكمهم عرب الضفة الغربية، وعرب الداخل.. أما قطاع غزة فهم يراهنون اليوم –بحسب خطة ليبرمان- على إخراجه من صورة هذا المخطط، بوضعه تحت الإشراف الدولي، أو بإعادته إلى مصر ليصبح من جديد كما كان بين حربي (48 و67) ثمانية وأربعين وسبعة وستين... وعليه، فإنهم يطالبون الفلسطينيين بضرورة الاعتراف بيهودية الدولة في سياق حل الدولتين الذي يطرحونه منذ سنوات، وهذا يعني أنهم يصرون على أن تكون (إسرائيل) دولة يهودية لا عرب فيها، وأن يعيش هؤلاء العرب في الدولة الفلسطينية التي ستقام لاحقًا في الضفة الغربية دون أن يعرف أحد متى سيكون ذلك، وكيف سيكون ذلك.. ودون أن يعرف أحد شكل هذه "الدولة" التي يتحدثون عنها في الوقت الذي يسيطر فيه المستوطنون علنًا على اثنين وأربعين بالمائة من مساحة هذه الضفة، وفي الوقت الذي يعمل فيه الإسرائيليون جاهدين على تهويد المنطقة (ج) البالغة مساحتها 69% من مساحة الضفة، وعلى إخلائها من سكانها بعد هدم منازلهم وفي الوقت الذي يحتفظ فيه الإسرائيليون بالأمن في المنطقة (ب) البالغة مساحتها 23% من مساحة الضفة، وفي الوقت الذي يجتاح فيه الإسرائيليون كل يوم المنطقة (أ) البالغة مساحتها 8% من مساحة الضفة الغربية، وفي الوقت الذي يحتفظ فيه الإسرائيليون بكثير من النقاط، وبكثير من الشوارع، وبكثير من المواقع المصنفة (ج) داخل هذه المدن المصنفة (أ) والخاضعة (بحسب أوسلو) لسلطة الفلسطينيين... الضفة الغربية أو الدولة الفلسطينية –كما يسمونها- سيحشرون فيها عرب الداخل، إلى جانب سكانها من العرب ليصبح المجموع أكثر من أربعة ملايين إنسان إضافة إلى أكثر من ستمائة ألف مستوطن يرفضون الخروج من هذه الضفة، ويرفضون إخلاء بيت واحد من هذه النقطة الاستيطانية العشوائية أو تلك، ويصرّون على أن يزداد عددهم في كل يوم، ويصرّون أيضًا على أن يقيموا المستوطنات الجديدة، وأن يوسّعوا المستوطنات القائمة، وأن يسيطروا على كل مصادر المياه في هذه الضفة، وأن يصادروا في كل يوم أرضًا جديدة، وأن يضعوا في كل يوم مزيدًا من الصعاب، ومزيدًا من العقبات في وجوه العرب الفلسطينيين أصحاب هذه الأرض الشرعيين... هذه الصورة القاتمة ليست من صنع الخيال، وليست من باب التشويش أو التهويش، وليست من قبيل رفع سقف المطالب، ووضع العصيّ في دواليب المفاوض، وليس المقصود منها رفعَ سعرٍ، أو لفتَ نظرٍ، أو المزايدة على أحد، بل إن عكس هذا هو الصحيح؛ فالهدف هو الخلاص، والهدف هو التوصل إلى حل، والهدف هو حماية هذه الأجيال على أرض وطنها، والهدف هو وضع حد لمعاناة الناس في هذه الديار، والهدف هو أن يعيش الفلسطينيون على أرض وطنهم بكرامةٍ وأمنٍ وأمانٍ واحترام.. وبإمكان من لديه أدنى تحفظ على شيءٍ من هذا أو أدنى تشكك تجاه ما ورد أن يعلّق، وأن يقدم الضمانات التي تُلزم الطرف الآخر بالتخلي عن أطماعه، وعن مخططاته في السيطرة المطلقة على كل هذه الديار، وأن يقدم الضمانات المقنعة لإقامة الدولة الفلسطينية التي يتحدثون عنها منذ أمد بعيد دون أن يرى الناس شيئًا عمليٍّا ملموسًا على الأرض سوى هذا الاستيطان، وسوى هذا التهديد المستمر، وسوى هذه المصادرات والمداهمات، وسوى هذا التهجير والتضييق والتطفيش والتهميش والحصار والتنكيل والتقتيل والتحكم بالحياة اليومية للمواطن العربي الفلسطيني، وتجريده من كافة حقوقه الوطنية والتاريخية والثقافية والإنسانية، وحرمانه من العيش على أرض آبائه وأجداده بكرامة واحترام.. نعم، بإمكان مَن لا يرى ذلك أن يُثبت العكس، وأن يُعلن للملأ ما يراه، وهذا من حقه، بل من أبسط حقوقه... عرب الجليل والمثلث والنقب، أو عرب الداخل، أو عرب ثمانية وأربعين هم عرب فلسطينيون تمامًا كأهل غزة، وأهل الضفة الغربية، ومثل كل الفلسطينيين العرب في هذا العالم، وهم إلى جانب هذا كله لا يرغبون في مغادرة قراهم ومدنهم لأي سبب، ولا يرغبون في الانتقال إلى أي مكان مهما كانت الذرائع والحجج، ومهما كانت الإغراءات والمسوَغات، ومهما كانت الضغوط، ومهما اشتدت التحديات والإجراءات، ومن الخير لهم ولنا وللأطراف كافة، ولعملية السلام التي يتحدثون عنها أيضًا أن ندعهم وشأنهم، فحسبهم ما ذاقوا وكفاهم ما يذوقون منذ أكثر من ستين عامًا.. إنهم يرفضون أن يكونوا موضوعًا للحديث ضمن أي حلّ أو تسوية.. إنهم عرب فلسطينيون يتشبثون بأرضهم، ويفدونها بالمهج والأرواح.. ليسوا مجلوبين من مختلف أقطار هذا الكون، ولا يصح أن يخضعوا للاعتبارات التي من الممكن أن تطبق على الأمريكيين مثلاً عندما يرتحلون من هذه الولاية إلى تلك، وعندما يقررون الإقامة في هذه المنطقة بدلاً من تلك لسبب أو بدون سبب، لأن معظم الأمريكيين مجلوبون من كافة بلدان هذا العالم، فأمر الإقامة لديهم سيّان في معظم الأحوال... هؤلاء الفلسطينيون العرب يؤكدون أنهم ليسوا جزءًا من صفقة، ولن يكونوا طرفًا في أي حلٍ، ولن يكون هنالك أي حل على حسابهم، وعلى حساب وجودهم في ديارهم وعلى أرض وطنهم.. وفي الوقت نفسه فإن أهل الضفة الغربية لا يمكن أن يوافقوا على أي حل لا يضمن الانسحاب الكامل للمحتلين من القدس وسائر أنحاء الضفة الغربية، ولا يضمن رفع الحصار بشكلٍ كامل عن قطاع غزة، ولا يمكن أن يوافقوا على أي حل لا يعود معه سكان هذه المخيمات إلى مدنهم وقراهم التي أُخرجوا منها، أو ارتحلوا عنها عام ثمانية وأربعين، ولا يمكن أن يوافقوا على أي حل لا تعود معه القدس والضفة الغربية إلى سابق عهدها في اليوم الرابع من حزيران من العام سبعة وستين.. وفي الوقت نفسه أيضًا فإن فلسطينيي الشتات لا يمكن أن يوافقوا على حل يتجاهل حقهم في العودة إلى ديارهم بموجب القرار 194، كل هذا يعني أن الحل العمليّ الذي من الممكن أن يقبل به الواقعيون العمليون من سكان هذه البلاد هو حل الدولة الديمقراطية التي يعيش فيها الناس بحريةٍ وأمنٍ وأمان واحترام بعيدًا عن العنصرية، وبعيدًا عن كافة الاعتبارات التي ما أنزل الله بها من سلطان.

                                                      27/7/2010


الاثنين، ٢٦ تموز ٢٠١٠

متابعات

 

في ذكرى الثورة المصرية

الحلقة الثالثة))

أ.عدنان السمّان 

www.samman.co.nr

وأما الشارع العربي، وأما قوى الثورة العربية، وأما الأحرار العرب، والوحدويون العرب فقد باتوا يؤمنون أن عبد الناصر الذي حمل لواء العروبة، وقضى وهو يحمل ذلك اللواء لا بد أن يُبعث من جديد، ولا بد أن يتكرر في هذه الصورة أو تلك، إنها مشاعر دفينة في العقل الباطن لهذه الأمة تقفز من أعماق اللاشعور لتطغى على بؤرة الشعور، وتطفو عليها فارضةً نفسها على السلوك العام، وفارضةً نفسها على تطلعات الأمة، وعلى تحركاتها.. لقد أدرك الشارع العربي أنه لا بد من العودة إلى التصدي، ولا بد من العودة إلى التحدي، ولا بد من سلوك سبيل المقاومة، وسبيل الممانعة، ولا بد من قول "لا" لكل صور التسلط والتحكم والتدخل في الشأن العربي.. وكان صدام حسين في العراق، وكان حافظ الأسد في سوريا، وكان التحرك السوري الهادئ نحو إيران، ونحو تركيا، وكانت القطيعة أيضًا بين نظامي البعث العربي الاشتراكي في العراق وسوريا.. وكانت الهجمات الإسرائيلية الشرسة على لبنان، وعلى المقاومة الفلسطينية، وكانت الحرب الأهلية في لبنان عام خمسة وسبعين، وعملية الليطاني في العام ثمانية وسبعين، وكان الاجتياح الكبير في العام اثنين وثمانين، وإخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان، وإقامة الحكم العسكري الإسرائيلي في الجنوب، وتحويل لبنان إلى محمية إسرائيلية، والتفكير الجدي في إنشاء المستوطنات في الجنوب اللبناني كما في الشمال الفلسطيني، وكما في الضفة الغربية!! وكان ميلاد المقاومة اللبنانية، وميلاد حزب الله اللبناني، وبروز نجم حسن نصر الله، وكانت التحالفات السياسية الجديدة في لبنان، وكان المد القومي العربي، والمد الإسلامي أيضًا في هذا البلد الصغير، وكان التحالف بين هذين المدَّين، وكان التحالف الإسلامي المسيحي الذي أتى في طريقه على كل من يناصب لبنان العداء من كافة سكانه، ومن كافة مواطنيه، ومن كافة مسلميه، وكافة مسيحييه.. وكان انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان قبل عشر سنوات، وكان إغلاق المفوضية الإسرائيلية في بيروت قبل ذلك، وكانت المعارك الشرسة الدامية بين الإسرائيليين وهذه المقاومة اللبنانية.. وكانت الانتخابات في الضفة وغزة، وكانت نتائجها، وكان ما كان من سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على القطاع، وكانت الحرب الإسرائيلية على غزة، وكان الحصار قبل ذلك، وبعده، وبالتزامن معه، وكان عرض (ليبرمان) بتخلي إسرائيل عن القطاع، وقطع صلتها به، وعلاقاتها معه، والمطالبة بوضعه تحت الإشراف الدولي.. هذا العرض الذي كان من الممكن أن يكون مقبولاً لو أنه ضمن استقلالية الطريق، وفتحها بين غزة والضفة، ورفع أيدي الإسرائيليين عنها، ولو أنه التزم بتخلي إسرائيل عن الضفة أيضًا، لا عن القطاع وحده.

وأما سوريا التي ربطتها مع مصر منذ فجر التاريخ أوثق الصلات وأقواها، وربطتها مع مصر في عهد عبد الناصر وحدة اندماجية دامت نحو ثلاث سنوات، فهي ماضية على طريق تعزيز العلاقة بإيران، وتعزيزها بتركيا، وبلبنان الذي يرفض مواطنوه أن ينفصلوا عن سوريا مهما كانت الذرائع، ومهما كانت العلل والأسباب والمسوغات، وبتعزيزها أيضًا بالأردن والأردنيين، وبفلسطين والفلسطينيين.. لقد حاول هؤلاء وأولئك في الماضي القريب أن يعزلوا سوريا، فعزلتهم سوريا، ثم عاد بعضهم اليوم يطلب من سوريا أن تعيده إلى حظيرة العروبة، وأن ترفع عنه العزلة التي فرضها على نفسه، وفرضتها عليه سوريا بناءً على مواقفه وتوجهاته.. وهي ماضية أيضًا على طريق تعزيز العلاقة بالعراق، وبالمقاومة العراقية، وبالقوى العراقية المطالبة بوحدة أرض العراق، ووحدة شعب العراق، وعودة العراق العربي قُطرًا عربيًّا سيدًا ماجدًا كما كان.. وهكذا فإن سوريا اليوم هي القُطر المحوري في هذا التحالف الجديد الذي يضم كل دول المنطقة ذات القوة والتأثير، وكل شعوبها الطامحة إلى الوحدة والحرية والتحرر والاستقلال، والطامحة أيضًا إلى حياة البناء والإعمار.. وبعد ،

فإن هذا بعض ما يمكن أن يقوله المراقب المتتبع لسير الحوادث والأحداث في هذه المنطقة من العالم في مناسبة غالية كهذه التي نحياها في هذه الأيام، بعيدًا عن التعصب، وبعيدًا عن التشنج، وبعيدًا عن كثير من الاعتبارات التي عفا عليها الزمن، ولا تصلح تحت أي اعتبار أن تكون أساسًا لعمل مشترك، أو وحدة وطنية تفعل فعلها في سير الأمور والأحداث والحوادث في هذه المنطقة من العالم.. وبغض النظر عن كل ما قيل على امتداد العقود الستة في هذه المناسبة التي نحياها اليوم، فإننا نعيش واحدة من أبرز المحطات على تاريخ هذه الأمة العربية منذ فجر التاريخ العربي، وحتى أيامنا هذه.. لقد قال بعضهم في ثورة الثالث والعشرين من يوليو تموز إنها ثورة، وقال بعضهم إنه انقلاب.. وقال قائل منهم إنها حركة مصرية لفرض الوحدة العربية على كل أرض العرب، وقال آخرون إن هذه الحركة قد جاءت قبل موعدها ففشلت، وقال غيرهم إنها قد جاءت متأخرة فقضت عليها إسرائيل.. وقال هؤلاء إن عددًا من أولئك الضباط "الأحرار" لم يكن على المستوى المطلوب، ولم يكن من المعدن المطلوب، وقال أولئك إنهم قد تغيروا لتغير الظروف والأحوال، فالعيب فيهم، وليس في منطلقات هذه المجموعة من الضباط الذين تمردوا على الفساد، وثاروا على التفريط والاستسلام.. وبغض النظر عن كل ذلك، وبصرف النظر عن كثير مما جرى على امتداد العقود الستة الماضية، وبصرف النظر أيضًا عن كل سلبيات هذه الحركة وأخطائها إلا أنها كانت التعبير عن تطلعات الأمة، وكانت التعبير عن آمالها.. ومما لا شك فيه أن هذه الحركة لم تمت، وأن قادتها الحقيقيين لم يموتوا: فاللواء محمد نجيب لا زال حيًّا يُرزق، ولا زال رمزًا لملايين المصريين، ولملايين العرب والمسلمين على كل أرض العرب، وعلى كل أرض المسلمين، والعقيد الرئيس جمال عبد الناصر لا زال حيًّا يُرزق، ولا زال يفجّر كثيرًا من الثورات، وكثيرًا من الحركات الشعبية والرسمية على كل أرض العرب من المحيط إلى الخليج!!

26/7/2010


السبت، ٢٤ تموز ٢٠١٠

 

في ذكرى الثورة المصرية

(الحلقة الثانية)

أ.عدنان السمّان

www.samman.co.nr

وكان العدوان الثلاثي على مصر في التاسع والعشرين من تشرين الأول من العام ستة وخمسين، وكان الرد المصري على ذلك العدوان الثلاثي، وكان تلاحم المقاومة الشعبية في مدن القناة مع القوات المسلحة المصرية، وكان الثبات الأسطوري لقطاع غزة، وكان موقف الاتحاد السوفياتي المؤيد لمصر، ولجيش مصر، ولشعب مصر، وكان الموقف الأمريكي المؤيد لقرار مجلس الأمن بانسحاب القوات المعتدية من أرض مصر، وكان الانسحاب، وكان خروج نظام حكم جمال عبد الناصر من تلك الحرب أشد قوة على الرغم من بعض المكاسب التي حققها ذلك العدوان، والمتمثلة في القوات الدولية التي أصبحت ترابط في مضائق تيران، وحق كافة السفن في المرور عبر قناة السويس.. أما القوات الدولية فقد أمر جمال عبد الناصر بخروجها من المضائق وشرم الشيخ في أواخر شهر أيار من العام سبعة وستين، وأما قناة السويس فقد أُغلقت في وجه كافة السفن بعد أن تعطلت فيها الملاحة بسبب حرب الخامس من حزيران التي أعاد فيها الغرب وحليفته إسرائيل غزو مصر، واحتلال سيناء، وقطاع غزة، والضفة الغربية، وأجزاء من الجولان.. وكانت الاستقالة، وكان التنحي، وكان خروج الأمة العربية في يومي التاسع والعاشر من حزيران، وكانت قمة الخرطوم، ولاءات الخرطوم، وإصرار الأمة العربية على الثبات، وإصرارها على التحرير، وكانت حرب الاستنزاف بعد إعادة تسليح الجيش المصري، وكانت الانتصارات التي حققها هذا الجيش، وكانت الخطط الرامية لاقتحام قناة السويس، وتحطيم خط بارليف الحصين، والوصول إلى سيناء لتحريرها شبرًا شبرًا كما كان عبد الناصر يؤكد في كل خطاباته التي كان يؤكد فيها أيضًا على أن ما أُخذ بالقوة لا يُسترد بغير القوة... ولكن عبد الناصر يودع هذه الدنيا، ويلفظ آخر أنفاسه (مسمومًا) في الثامن والعشرين من أيلول من العام (1970) لتدخل مصر، وتدخل معها المنطقة العربية كلها، وتدخل معها القضية الفلسطينية مرحلة جديدة هي مرحلة ما بعد عبد الناصر. لقد أحسّ العرب جميعًا في كافة أقطارهم وأمصارهم بالحزن والفجيعة والضَّياع، وانبرى الغرب وحلفاؤه في بلاد العرب لتشكيك الأمة العربية بكل ثوابتها، وبكل مبادئها، وبكل معتقداتها، وبكل مقدس وعزيز وغال لديها، وتوالت الهزات، وتتابعت الصدمات، وكثرت الانهيارات، وتنوعت المؤامرات، وتعددت أشكالها وصورها، وخسرت الأمة كثيرًا من وزنها، وكثيرًا من نضارتها وألقها وتألقها، وخسرت كثيرًا من مواقعها التي بنتها الشعوب العربية في كثير من أقطارها بالعرق والدموع والدماء.. ومع هذا كله، وعلى الرغم من كل هذه الهزات والصدمات والانهيارات إلا أن هذه الأمة لم تفقد الثقة بالمستقبل، ولم تفقد الثقة بالنفس، ولم تفقد الثقة بقدرتها على تجاوز الصعاب، والنفاذ منها إلى تحقيق الأهداف والغايات مهما اشتدت الظلمات، ومهما اشتدت الهجمات، وكثرت الخطط والمخططات والمؤامرات التي استهدفت هذه الأمة في كبريائها، وفي أبسط حقوقها في العيش باحترام في أوطانها.

أما أمريكا، فقد أيقنت أن النظام السياسي في مصر لا يقترب منها إلا بالقدْر الذي يحقق معه أهدافه، فراحت (بعد كثير من التردد، وضبط النفس، وإجراء الدراسات والاختبارات) تناصبه العداء.. وراحت تسلح إسرائيل، وتمدها بأحدث ما في ترسانتها من وسائل هجومية.. وراحت تغدق على إسرائيل من أموال أمريكا ومساعداتها غير المستردة.. وراحت مصر تقترب أكثر من السوفيات، وتستورد أحدث ما في ترسانته من سلاح، بل لقد استقدمت مصر الخبراء السوفيات لحماية العمق المصري من الهجمات الإسرائيلية، والغارات الإسرائيلية خلال حرب الاستنزاف التي أثبتت فيها طلائع القوات المسلحة المصرية وجودها، وكفاءتها القتالية العالية، لقد أقام المصريون حائط الصواريخ للتصدي للطائرات الإسرائيلية المغيرة، ولقد أثبتت كل هذه الإعدادات والاستعدادات جدواها، وآتت أكلها خلال تلك الفترة من حرب الاستنزاف، وخلال عملية عبور الجيش المصري قناة السويس فيما بعد، والسيطرة بالتالي على الضفة الشرقية للقناة، والانطلاق منها نحو سيناء.. وهكذا أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية تقود الحرب ضد مصر، وأصبح الفيتو الأمريكي أكبر غطاء لإسرائيل في المحافل الدولية، وفي مجلس الأمن بالذات، وأصبحت إسرائيل في حِلٍّ من الانسحاب، وأصبحت في حِلٍّ من الإدانة، وأصبحت فوق القانون، وفوق إرادة المجتمع الدولي، وفوق رغبة العرب في السلام العادل الدائم الشامل الشريف الذي يعيد إليهم أرضهم المحتلة، وفوق رغبة الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، ورغبتهم في حل قضيتهم حلاًّ عادلاً يعيد إليهم حقوقهم الوطنية الثابتة في بلادهم فلسطين... لقد انتهجت أمريكا هذه السياسة المعادية لمصر، والمعادية للعرب ولطموحاتهم بعد أن رأت في ذلك تحقيقًا لمصالحها، وخدمةً لحليفتها إسرائيل، وخدمةً للأنظمة العربية المعتدلة، وإمعانًا منها في عزل السوفيات، وإلحاق الهزائم بهم على الحلبة الدولية، ومنعهم من الوصول إلى المياه الدافئة، وإمعانًا في إحراج عبد الناصر، وقوى اليسار العربي، والعمل بكل الوسائل من أجل إضعاف هذه القوى، وضرب التيار الوحدوي العربي الناصري في كل بلاد العرب، ومقاومة المشروع العربي على كل الأرض العربية، خدمةً للمشروع الصهيوني المتحالف مع الرغبة الأمريكية الجامحة في السيطرة على هذه الأرض العربية، وإذا كان هذا كله بحاجة إلى دليل، فإن بقاء الاحتلال الإسرائيلي في القدس والضفة الغربية منذ سنة 67 هو الدليل، وإن حصار غزة هو الدليل، وإن الإمعان في تهويد الضفة الغربية والقدس العربية، والإمعان في بناء المستوطنات، ومصادرة الأرض، وتغيير معالمها هو الدليل، وإن التنكر لكافة الحقوق العربية في فلسطين، والإمعان في هدم البيوت العربية في القدس ونابلس والخليل، والمضي في تقطيع أوصال المدن العربية والقرى العربية في هذه الديار هو الدليل، والمضي في رفض قرارات المجتمع الدولي بشان القضية الفلسطينية، والإصرار على السيطرة المطلقة على فلسطين كل فلسطين هو الدليل!!

إنه، وعلى الرغم من شعور العرب في كافة أقطارهم بالمرارة نظرًا لكل هذا الذي حدث، ونظرًا لكل هذه الغطرسة، ولكل هذا الاستعلاء والاستكبار، ولكل هذا الإصرار على إذلال أمة العروبة، وأمة الإسلام، فقد بدأ هذا التحول الكبير في كثير من أقطار العروبة، ورفعَ كثير من العرب شعار "الإسلام هو الحل"، وهكذا بدأ المراقبون يشهدون صحوة إسلامية، ومدًّا إسلاميًّا يستطيع العرب من خلاله حماية وجودهم على أرضهم، والتصدي للمخططات التي تستهدف هذا الوجود... حتى أن السادات رفع شعار دولة العلم والإيمان رغبة منه في وضع نهاية حزينة لأيديولوجية مصر في عهد عبد الناصر، ورغبة منه في تعزيز علاقة مصر بالولايات المتحدة، ورغبة منه في أن تكون حرب أكتوبر آخر الحروب في المنطقة، ورغبة منه في إحلال "السلام" وحل القضية الفلسطينية بعد أن أنهى علاقة مصر بالاتحاد السوفياتي، وأخرج الخبراء السوفيات من مصر، ونفّذ جانبًا من الخطة التي رسمتها القيادة المصرية في حينه لتحرير سيناء... ولكن هذا لم يُقنع المصريين، ولم يُقنع الإسلاميين في مصر وغير مصر بصدق توجّه الرجل، وصدق نواياه، وصحة أفعاله وصدق أقواله فكان ما كان، ولا زال الإسلاميون في مصر وغير مصر من بلاد العروبة في حال من التناقض الشديد مع تلك الأنظمة التي ارتأت أن تعزز علاقتها بالغرب شأنها في ذلك شأن القوى اليسارية، وقوى التحرر العربي، والفكر القومي العربي، وسائر العروبيين، والوحدويين العرب في كل هذه الديار.. ليس غريبًا أن يحدث هذا، وليس غريبًا أن نجد هذه الوحدة الوطنية وقد فرضت نفسها على أعداء الأمس ليكونوا اليوم صفًّا واحدًا موحَّدًا، وليكونوا في خندق واحد ضد عدوٍّ واحد مشترك يهدد وجودهم، ويتوعدهم بالويل والثبور وعظائم الأمور إن لم يعطوه الولاء، وإن لم يستسلموا لرغباته، وينصاعوا لأوامره وتعليماته.

24/7/2010

يتبع..


 

الخميس، ٢٢ تموز ٢٠١٠

 متابعات

في ذكرى الثورة المصرية

الحلقة الأولى))

أ.عدنان السمّان

www.samman.co.nr

   ليس غريبًا أن يثور الإنسان عندما تنتهك كرامته، وعندما يُعتدى على وطنه، أو قيمه، ومثله العليا، ومعتقداته، ومقدساته، وعندما يغتصب أحدٌ أو جهة أو هيئة أو دولة حقًّا من حقوقه الشخصية ، أو حقًّا من حقوق شعبه، أو أمته، ليس غريبًا أن يثور الإنسان عندما يحدث شيء من هذا، أو شيء شبيه بهذا، وعندما يحدث هذا كله، وكثير غيره، بل الغريب أن لا يثور، وأن لا يغضب، وأن يستكين، ويرضى بالضيم والذل والهوان، وكأن الأمر لا يعنيه..وليس غريبًا أيضًا أن تجد هذه الثورة صداها في قلوب كثير من الناس، فتنطلق عند ذلك من عقالها، ومن صدور مفجريها، وحَمَلة ألويتها، لتصبح تيارًا مطلبيًّا عامًّا، وصوتًا شعبيًّا مدوِّيًا ورأيًا عامًّا يعكس آمال الأمة وآلامها ورغباتِها الملحّةَ في التغيير والتطوير والتحرير والخلاص من الظلم والاستبداد والانعتاق من قيود العدوان والتبعية والاستعباد، إلى آفاق العدل والعدالة والاستقلال، والانطلاق بعد ذلك في معارج التطور والتقدم والبناء، إحقاقًا للحق، وإزهاقًا للباطل.. إن الباطل كان زهوقًا .

   وليس غريبًا أن تتصدى كافة القوى والتكتلات المعادية لرغبات الأمم والشعوب، وتطلعاتها نحو الاستقلال الاقتصادي والسياسي والثقافي لمثل هذه الثورة ، وليس غريبًا أن يتعرض الأحرار والحرائر لكافة أشكال الضغط والحصار والعدوان، ولكافة أشكال التحريض والتزوير والتهديد، وقلب الحقائق، والإشاعات الخبيثة، والافتراءات التي تحمّل هؤلاء الأحرار مسئولية ما تعانيه الأمة على يد هذه القوى والتكتلات المعادية .. وليس غريبًا أن تلجأ هذه القوى والتكتلات إلى شراء الضمائر والذمم في كل مكان ، وعلى كافة المستويات، ولا سيما بين ذوي الرتب العليا في قيادة القوات المسلحة، والإنفاق بسخاء على كل من يؤيد نهجها، أو يغض النظر عن ممارساتها في أوساط المثقفين والمفكرين وموجهي الرأي العام، مستهدفةً بذلك عزل هؤلاء الأحرار عن القاعدة الشعبية التي يعتمدون عليها ويلجأون إليها في مواجهة تلك القوى الأجنبية المعادية، ومستهدفة بذلك أيضًا خلق الفتنة، وضرب وحدة الأمة وعزل الأحرار كلما كان ذلك ممكنًا ، وكلما كان ذلك ضروريًا لتنفيذ الخطط والمخططات التي تستهدف الأمة في أسمى أهدافها، وفي أعز غاياتها وتطلعاتها وتوجهاتها وأمانيها.

   وإذا كانت هذه- باختصار شديد - هي صورة ما جرى ، وما يجري في هذا الكون مذ كانت المجتمعات والتجمعات ، ومذ كانت التكتلات والكيانات الاقتصادية والسياسية ، ومذ كانت الأمم  والشعوب، ومذ كان اليمين واليسار، وقوى الثورة ، والثورة المضادة، ومذ كانت الانقلابات والاختراقات ، ومذ كانت الخيانة والوطنية، ومذ كان العدل والظلم، والصدق والكذب، والخير والشر، ومذ كان البناء والهدم والقوة والضعف، والكرامة والمذلة، ومذ كانت كافة التناقضات في الأنظمة السياسية، والاجتماعية والاقتصادية في هذا الكون.. فإن ما جرى، وما يجري على الساحة العربية منذ مطلع تاريخ العرب الحديث يشير بوضوح إلى وجود كثير من هذه التناقضات، وكثير من العلل والآفات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفكرية على الأرض العربية، وحتى لا نضيع في متاهات الوطن العربي، وفي مجاهله، فإنه يجدر بنا أن نتوقف هنا عند قطرٍ عربي بعينه، ليكون مدارًا للبحث، ومحورًا للحديث، ونموذجًا من الممكن أن يشار إليه، ويعتمد عليه عند البحث والتنقيب في ماضي الأمة، وعند التخطيط لمستقبلها ومستقبل أجيالها على كل الأرض العربية ، كيف لا؟ ومصر هي مصر منذ الفتح الإسلامي، وحتى يومنا هذا، ومصر أيضًا هي مصر منذ بدء الخليقة وحتى الفتح الإسلامي.. مصر هي مصر على الرغم من تأخر دورها النسبي ، وتأثير هذا الدور في السياسة العربية الإسلامية ، وفي الحياة العربية الإسلامية، والثقافة العربية الإسلامية منذ الفتح، وحتى يومنا هذا.. فما الذي يستطيع المرء أن يقوله – بإيجاز شديد – في تاريخ مصر الحديث، وفي الحياة السياسية المصرية، ونحن نعيش اليوم الذكرى الثامنة والخمسين لثورة يوليو التي أطلق شرارتها الأولى الضابطان المصريان الثائران محمد نجيب، وجمال عبد الناصر في اليوم الثالث والعشرين من شهر يوليو تموز من العام (1952) الثاني والخمسين من القرن الماضي.. ما الذي يمكن أن يقوله الباحث والمؤرخ، وما الذي يمكن أن يستخلصه من طبيعة تلك الثورة ، والصعاب التي واجهتها ، والمصير الذي آلت إليه، ولماذا! وكيف بُعثت وتجددت بعد ذلك في صور أخرى، وأين يقف النظام السياسي العربي اليوم، وما الذي يمكن أن يفعله العرب كي يحافظوا على وجودهم ، وكي يصبحوا قوة فاعلة في التاريخ ، وهل يمكن تعميم ما جرى في مصر على سائر أقطار العروبة ، وإلى أي حد !.

لقد رفعت تلك الثورة في مصر شعارات التحرر والتحرير ، وشعارات بناء الدولة العربية الحديثة في مصر ، وفي سائر بلاد العرب من المحيط إلى الخليج، وكان من الطبيعي أن تصطدم تلك الثورة بكثير من رموز الإقطاع ، وسيطرة رأس المال ، وقيادات الثورة المضادة وقواها، وأن تصطدم بكثير من دول الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة ، وبريطانيا، وفرنسا، وكان من الطبيعي أيضًا أن تصطدم تلك الثورة اصطدامًا مباشرًا بإسرائيل التي تمكنت من غزو مصر بعد أربع سنوات من قيام تلك الثورة المصرية وسنتين من صفقة الأسلحة التشيكية عندما استطاع بن غوريون إقناع حليفيه في لندن وباريس السير أنطوني إيدن، وجي موليه بضرورة إسقاط نظام حكم عبد الناصر في القاهرة، لأنه بات يشكل تهديدًا لأمن إسرائيل ووجودها!! ولأنه بات يشكل تحديًا واضحًا لنفوذ بريطانيا وفرنسا والغرب كله في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وسائر بلاد العرب وأقطار العالم الإسلامي، ودول عدم الانحياز،ولأنه بات يشكل تهديدًا واضحًا للأنظمة العربية المعتدلة، ولأنه بات يفجر الشعور القومي العربي تمهيدًا لقيام الدولة العربية الواحدة الموحدة على كل أرض العرب .                                                                                                                             22/7/2010      

    يتبع...

 


الثلاثاء، ٢٠ تموز ٢٠١٠

متابعات

في الحياة اليومية للمواطن!!

 أ/ عدنان السمان

www.Samman.co.nr

        ما إن هلّ هلال شهر شعبان منذ أيام حتى ارتفعت أسعار بعض السلع، ثم أخذت تواصل الارتفاع لسبب بسيط هو اضطرار الناس لشراء هذه السلع في هذا الشهر الذي تكثر فيه دعوة الأقارب والأصدقاء لتناول الطعام، وتكثر فيه أعمال البر، وفعل الخير، والصفح عن المسيء، ووصل الأرحام.. إنه لمن المؤلم أن ترتفع أسعار الدجاج على سبيل المثال، على الرغم من أن هذه الأسعار كانت مرتفعة ، وعلى الرغم من أن كثيرًا من الناس لا يستطيعون شراء هذه السلع الاستهلاكية لارتفاع أسعارها، وعلى الرغم من أن كثيرًا من الناس يشترونها بصعوبة، ولا يشترون منها إلا القليل، أو أقل القليل، وبالقدرْ الذي يسمح به دخلهم الذي يوزعونه على أيام الشهر بعد أن يقتطعوا شيئًا للمناسبات السعيدة وغير السعيدة، ولحالات الطوارئ التي لا يستغني الناس عنها في الأحوال العادية، وغير العادية، وفي الأحوال السيئة، والأحوال البالغة السوء أيضًا.

        وإذا كان كثير من الناس في الأحوال العادية، وشبه العادية يقتصدون في النفقة، ويلجأون إلى التقنين في كافة أوجه المصروفات حتى لا يقعوا تحت طائلة الديون، وحتى تظل بيوتهم مستورة في هذا الزمن الذي أصبح فيه فعل الخير جريمة يحاسب عليها القانون، فإنهم –أمام هذا الارتفاع (الذي لا مسوّغ له) في الأسعار- قد أصبحوا في حَيْرة من أمرهم، فالدخل المحدود، وعسر الحال لا يكاد يسمح باستمرار الحياة اليومية لكثير من المواطنين، وسيرها في الاتجاه الصحيح، فكيف إذا ارتفعت أسعار كثير من السلع، وكيف إذا كان هؤلاء أمام واجب ديني اجتماعي أخلاقي أُسري لا بد من القيام به دون إبطاء أو تأخير، ودون تلكّؤ أو تهاون أو تقصير؟ وأي أثر سلبي سينعكس على أواصر القربى، وعلى العلائق الاجتماعية والروابط العائلية في ظل أحوال صعبة تمنع الإنسان من القيام ببعض واجباته؟؟ صحيح أن العسر والضيق وقلة ما في اليد سبب كاف لإسقاط مثل هذه الواجبات الاجتماعية، وصدق الله العظيم إذ يقول في محكم التنزيل "لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها" ولكن صحيح أيضًا أن الإنسان يحب القيام بالواجب، وأن الإنسان لا يكون سعيدًا عندما تتراجع أحواله الصحية، أو الاقتصادية، ولا يكون سعيدًا عندما تهتز أحواله الاجتماعية، وتضطرب علاقاته بالناس من حوله، ويشعر في قرارة نفسه أنه مقصّر تجاههم، ولا يكون سعيدًا عندما لا يقوم بواجبه كاملاً تجاه الرحم التي يصل الله من وصلها، ويقطع من قطعها!!

        وإذا كان هذا ما جرى، وما يجري، وما سيجري أيضًا على امتداد شهر شعبان –قياسًا على ما جرى في سابق الأزمنة- وإذا كان هذا ما سيجري على امتداد شهر رمضان منذ بدئه حتى منتهاه، وصولاً إلى الأول من شهر شوّال، فما الذي من الممكن أن يفعله هؤلاء الفقراء من ذوي الدخل المحدود، وهؤلاء الفقراء ممن لا دخل لهم؟ وما الذي من الممكن أن نفعله من أجلهم حتى لا تسوء أحوالهم، وتضطرب أوضاعهم في هذه الأشهر الحُرم التي ينبغي أن تصفو فيها القلوب، وتهدأ النفوس، وتقوى فيها الروابط الاجتماعية، والعلاقات الأسرية؟؟ نعم.. إن بإمكاننا أن نتقي الله في كل هؤلاء، وفي كل أبناء هذا الوطن عن طريق فرض الرقابة الصارمة على الأسعار، وعدم السماح لأحد أن يتلاعب بها لأي سبب كان، ومعاقبة المستغلين والمسيئين.. وعن طريق دعم كافة السلع الاستهلاكية الضرورية كي تبقى في متناول الناس جميعًا بسهولة ويسر، ودونما خوف أو اضطراب أو شعور بالحرمان.. إن دعم هذه السلع الاستهلاكية الضرورية هو أقل ما يمكن فعله تجاه الشرائح الضعيفة في هذا المجتمع.. وعن طريق حماية المستهلك أيضًا من مفاجآت العرض والطلب بتوفير الكميات الكافية من المواد الاستهلاكية.. إذ ينبغي مضاعفة هذه الكميات عندما تتضاعف أعداد المستهلكين في هذه المدينة أو تلك لهذا السبب أو ذاك؟ وإذا لم يحدث هذا فإن المعروض في الأسواق سيكون من نصيب من يدفع الثمن الذي يطلبه البائع، وبهذا ستختفي سلع كثيرة من الأسواق، وسترتفع أسعار سلع أخرى بشكل خيالي، وستزداد معاناة الناس، وسيزداد فقراؤهم ومحتاجوهم، وستصبح الحياة اليومية للمواطن أمرًا بالغ الصعوبة والتعقيد، وستصبح حياة الناس في هذه الديار جحيمًا لا يُطاق كما يقولون!!

        ينبغي أن يعيش الناس جميعًا في هذه الأشهر الحرم، وعلى مدار العام أيضًا حياة بعيدة عن الفقر والحاجة والعوز والحرمان، وينبغي أن يتراحم الناس، وأن يتواصلوا، وأن يتكافلوا، وأن يسنّوا من التشريعات والقوانين ما يحافظون به على كرامة المواطن، وتأمين كافة حقوقه الاجتماعية والفكرية والمعيشية بشكل نستطيع معه بناء الإنسان، وصنع المواطن الصالح الذي يعرف كيف يحترم نفسه، وكيف يحترم وطنه، وكيف يدافع عن حقوقه ومكتسباته... أما إذا كان هذا المواطن مضطَّهدًا مهمَّشًا لا يقوى على شراء الخبز، ولا يعرف طعمًا للحوم الخراف إلا على موائد الأغنياء وذوي الجاه والسلطان إن حالفه الحظ، وسمحت له أحواله الصحية أن يفعل؛ فاعلم أن هذا هو نذير الشؤم، وأنه بداية النهاية لحياة الناس واستقرارهم على أرض وطنهم، واعلم قبل هذا أو بعده أنه مخالفة صريحة لواجب رعاية المجتمع، وإشاعة العدل فيه.

20/7/2010


الأحد، ١٨ تموز ٢٠١٠

متابعات

في قوة الضعيف.. وضعف القوي!!

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

    القوة والضعف أمران نسبيّان، يختلفان من عصر إلى عصر، ومن ثقافة إلى ثقافة، ومن إنسان إلى إنسان، ومن موقف إلى موقف.. فإذا كان من أسمى مراتب القوة أن تصفع من صفعك، وأن تلطم من لطمك، وأن تكيل الصاع صاعين لمن اعتدى عليك، وأن تجتثَّ من الجذور مَن حاول اجتثاثك وإقصاءك..فإن مِن أبهى مظاهر القوة، وأعلى منازلها أن تعفوَ بعد قدرة، وأن تسامح بعد اقتدار، وأن تصفح عن مسيء جاء يعتذر، وعن جاهل ندم على جهله أو جهالته، أو كليهما.. وإن من أقصى درجات القوة، وأسمى مراتبها أن ترحم الطفولة والأطفال، وأن تعطف على الكبار والمرضى والصغار، بل أن تَضعُفَ أمام أصحاب الحاجات من الناس؛ لأنهم الأقوياء، وأنتَ الضعيف.

    القوة أن تملك من أمر نفسك ما يصدّها عن جموحها، وينأى بها عن أهوائها، ويكبح رغبتها في الظلم والعدوان، ويطهرها مما قد علق بها، أو خالطها من شرور، أو آثام، أو أحقاد، أو طغيان.. والقوة أيضًا أن تأبى الضيم، وترفض المذلة، وتأبى الهوان، وأن لا تفعل إلا ما تعتقد أنه الصواب، وأن لا تقول إلا ما تراه حقًّا وصدقًا، وأن لا تفعل في السر ما لا تفعله في العلن.. والقوة بعد ذلك كله، أو قبل ذلك كله فكر، ومعتقد، ومحبة، وإيمان، وتضحية، وصبر، واحتساب، وتشبث بالحقوق، وقيام بالواجبات، وسعي لتحقيق الأهداف والغايات، وإعراض عن السفهاء واللئام من المخدوعين اللاهثين خلف السراب يحسبونه ماءً، وما هو بماء!

    ونقيض القوة الضعف، وهو منازل، ومراتب، ودرجات، وله صورٌ، وأسماء، ومسميات.. وليس الضعف دائمًا عيبًا من العيوب، أو نقيصه من النقائص؛ فهذا الطفل ضعيف، وليس في ضعفه ما يعيب! وهو في كل الشرائع والأعراف والقوانين موضع الرعاية، والعناية، والاهتمام إلى أن يبلغ أشده.. وهذا الفارس الذي سقط سيفه من يده في أثناء المبارزة يُعاد سيفه إليه في موروثاتنا وقيمنا، ولا يجوز لأحد أن يعتدي عليه مستغلاًّ سقوط سيفه! وذاك الأسير الذي ألفى نفسه مقيَّدًا على كرسي التحقيق أمام من يحاولون انتزاع الاعترافات منه ضعيف، وعلى آسريه أن يُحسنوا معاملته، وإلا فإنهم يخالفون كل الشرائع والقوانين والأعراف التي نصّت صراحةً على الإحسان إليه، وردّه إلى أهله وذويه سالمًا معافًى دون أدنى إساءة، ودون أدنى اعتداء!

    والضعف قد ينقلب إلى قوة دونها كثير من القوى، عندما يصرّ هذا الأسير على التحدي، وعندما يقرر تعذيب هؤلاء الذين يعذبونه بالتزامه الصمت وسيلةً لاستنهاض الصمت، والوصول به إلى أعلى مراتب القوة.. وكلما أمعن هؤلاء في تعذيب هذا الأسير أمعن هو في تعذيبهم أيضًا، بالتزامه الصمت المطبق؛ فإن صعّدوا من إجراءاتهم ضده صعّد بدوره، فامتنع عن تناول الطعام؛ فإن لجأوا إلى الإغراء والترغيب بهدف إخراجه من حالة الموت التي "يحياها"، وبهدف استقطابه، والزج به في حظيرة من يستقطبون راح يتكلم من جديد، وراح يطالب همسًا بحقه في الماء الذي لم يره منذ مدة طويلة عندما يتحدثون في كبار الحوادث والأحداث التي تؤرقهم، وتقض مضاجعهم!!

    ومن باب الضعف الذي قد ينقلب إلى قوة دونها كثير من القوى إصرار كثير من الشعوب قديمًا وحديثًا على تحدي الغزاة، وتحقيق النصر دون قتال بعد أن هُزمت في ساحات المعارك والحروب، وبعد وقوع بلادها في قبضة المنتصرين.. المقاومة السلبية التي انتهجها نهرو في الهند ضد الاحتلال البريطاني حققت النصر للهند تمامًا كالمقاومة المسلحة التي خاضها ديغول في فرنسا ضد المحتل النازي.. المقاومة السلبية على مستوى الشعوب كالمقاومة السلبية على مستوى أسير يلوذ بالصمت ردًّا على الاستفزاز، ويلوّح بالتصعيد إن صعّدوا.. وكلا هذين الأمرين صورةٌ من صور الإصرار على استنهاض الضعف، والارتقاء به إلى أعلى مراتب القوة.. وهكذا فإن قراءتنا لتاريخ كثير من الشعوب والأفراد تؤكد بما لا يدع أدنى مجال للشك على أن قوة تلك الشعوب تكمن في ضعفها، كما أن قوة أؤلئك الأفراد الأفذاذ قد انبثقت في يوم ما، وفي وضع ما من ضعفهم، ومن إصرارهم على انتزاع النصر بالمقاومة السلبية، والثبات على المبدأ.

    أما القوة التي تنقلب إلى ضعف قاتل يودي في النهاية بحياة أصحابها: أفرادًا، وشعوبًا، وقبائل، ومجموعات، وجماعات، وعصابات، فإن أمثلتها في التاريخ القديم، وفي التاريخ الحديث أيضًا كثيرة، بل هي أكثر من أن تُحصى عددًا.. لقد قرر التاريخ منذ البدء أن كل طاغية إلى زوال، وأن الظلم مرتعه وخيم، وأن من حفر حفيرًا لأخيه كان حتفه فيه، ولقد قرر التاريخ أيضًا أن لكل جواد كبوة، ولكل صارم نبوة، ولكل عالم هفوة.. وأن الحق أبلج، والباطل لجلج، ولا بد للباطل أن يزول.

     فهل نتشاءم بعد ذلك فنقول ما قاله سعد: "ما فيش فايده، غطيني يا صفيه" أم نتفاءل فنقول: "لا حياة مع اليأس، ولا يأس مع الحياة" أم نستذكر في معرض هذا المقال ما يقوله المصريون أيضًا: "يضع سره، في أضعف خلقه" لا لأن الناس موضوع الحديث هنا هم أضعف خلق الله، ولكن لكي يكون "أضعف خلقه" عبرة للمتشائمين من خيرة خلقه وأرقاهم وأقواهم.

    وبعد،

    فهذه هي قوة الضعيف، تنقلب قوة مزلزلة، دونها قوة السلاح النووي، إن هو أحسن استعمالها.. وذاك هو ضعف القوي الذي غالبًا ما يكون سببًا كافيًا لوقوعه في شرور أفعاله، وسيئات أعماله.. فهل يعتبر الضعيف، ويعرف قدر نفسه، ويتمترس خلف ضعفه، متشبثًا بحقوقه، متسلّحًا بكل العناد والإصرار على تحقيق الغايات والأهداف؟ وهل يعتبر القوي، ويُشفق على نفسه، ويثوب إلى عقله ورشده، فيكفّ عن شروره، واستكباره، وحماقاته؟؟

 (18/7/2010)

 


الاثنين، ١٢ تموز ٢٠١٠

متابعات:               

أين ستقام هذه الدولة الفلسطينية وكيف؟؟

 أ/ عدنان السمان

www.Samman.co.nr

        لا يزال الرئيس الأمريكي عند وعده بإقامة دولة للفلسطينيين، ولا يزال الرئيس الأمريكي عند وعده أيضًا بأن تكون هذه الدولة مستقلة وقابلة للحياة، وكأن الرئيس الأمريكي لا يعرف أن في "الضفة الغربية" اليوم ستمائة ألف مستوطن كانوا في العام الثاني والتسعين من القرن الماضي مئة وخمسة آلاف مستوطن، وأن عددهم في ازدياد، وكأن الرئيس الأمريكي لا يعلم أيضًا أن هؤلاء المستوطنين الذين يعيشون في مائتين وإحدى وعشرين مستوطنة يسيطرون على اثنين وأربعين بالمئة من أراضي الضفة الغربية، وكأنه لا يعلم أن مستوطنة أريئيل الواقعة على مسافة بضعة أميال إلى الجنوب الغربي من نابلس أنشئت لتكون عاصمة شمالي الضفة الغربية الذي يسمونه "السامرة" وأن مستوطنة أدوميم هي عاصمة الجنوب الذي يسمونه "يهودا"، وكأن الرئيس الأمريكي لا يعلم أن أكثر من أربعين منظمة وجمعية أمريكية تمول الاستيطان منذ أكثر من عشر سنوات كما تقول نيويورك تايمز الأمريكية، وكأن الرئيس الأمريكي لا يعلم أن مساحة المنطقة (ج) تبلغ (69%) من مساحة الضفة الغربية، وأن هذه المنطقة بحسب اتفاقات أوسلو هي منطقة خاضعة تمامًا للإسرائيليين، وأنها إلى جانب الطرق الالتفافية والمستوطنات العشوائية وغير العشوائية تمنع أي تواصل بين التجمعات السكانية العربية في الضفة الغربية، وكأنه أيضًا لا يعلم أن مساحة المنطقة (ب) بموجب تلك الاتفاقات هي (23%)، وأن السيطرة الفعلية عليها هي للإسرائيليين أيضًا، وهي المنطقة التي تقع فيها معظم القرى والتجمعات السكانية العربية، وأن مساحة المنطقة (أ) هي ثمانية بالمئة، وتشمل مدن الضفة وبعض بلداتها، وعلى الرغم من أن تلك الاتفاقات قد جعلت هذه المنطقة للسلطة الفلسطينية إلاّ أن ذلك لا يمنع الإسرائيليين من اجتياحها، وفعل ما يريدونه فيها، ثم الانسحاب منها، والوقوف على بواباتها، ليعودوا إليها كلما كان ذلك ضروريًّا من وجهة نظرهم، وهذا يعني عمليًّا أن الضفة الغربية البالغة مساحتها (5879كم2) لا زالت تحت الاحتلال، وأن هذا الاحتلال جادٌّ في تهويد هذه الأرض، وإقامة المستوطنات، والتضييق على أصحاب هذه الأرض، ومحاصرتهم، وتجويعهم، وهدم منازلهم.. وأن هذا الاحتلال قد شطب فئة العمال، كما شطب فئة الفلاحين، وحاصر التجار والزراع والصناع، وحوّل هذا الشعب العربي الفلسطيني في هذه الديار إلى مجموعة من الموظفين والمستفيدين الذين بإمكانهم أن يأكلوا لقمة الخبز ما دامت هنالك رواتب، وما دامت هنالك دول مانحة، فإن توقفت هذه الرواتب لهذا السبب أو ذاك فإن من الصعب جدًّا أن تحصل الغالبية الساحقة من الناس في هذه الديار على لقمة الخبز وشربة الماء !!! فأين ستقام هذه الدولة التي يتحدث عنها الرئيس الأمريكي؟ ومتى ستقام ؟ وكيف ستقام؟

نحن لا نريد من الرئيس الأمريكي إجابات عن هذه الأسئلة، لأننا نعلم يقينًا أن الإسرائيليين يريدون لأنفسهم كل شيء، وأنهم يريدون الأمن، ويريدون الأرض، ويريدون السلام الذي يضمن لهم السيطرة على فلسطين كل فلسطين، وعلى أرض العرب من المحيط إلى الخليج، وعلى أراضي المسلمين في هذا العالم الإسلامي المترامي الأطراف، بحيث يكون الناس في هذا العالم مجرد أفواه لمنتجاتهم ومنتجات حلفائهم وشركائهم... أما المحادثات المباشرة التي يَدْعون إليها، ويصرّون عليها، ويدعو إليها الرئيس الأمريكي أيضًا، فهي لمجرد التوقيع على ما يريدون مقابل مجرد مشاريع وحلول اقتصادية ومعونات مالية تتوقف تمامًا بتحقق الهدف، وبلوغ الغاية.. فهل يكون لهؤلاء ما يريدون؟ أغلب الظن أن هذا لن يكون، وأغلب الظن أن الجانب الفلسطيني لن يتنازل عن شيء من حقوق الفلسطينيين العرب في بلادهم فلسطين، وأنه لن يفرط بحبة تراب من أرض القدس، ولن يتنازل عن حق العودة، وإقامة الدولة المستقلة على كامل حدود الرابع من حزيران من عام سبعة وستين.

 

12/7/2010


الأحد، ١١ تموز ٢٠١٠

قطــوف من النحـو     

                         أ/ عدنان السمان

                                                           (الاسـتثناء)                                www.Samman.co.nr

-4-

 

المستثنى بخلا وعدا وحاشا: تستعمل استعمال إلا في الاستثناء، ويكون المستثنى بها إما منصوبًا على أنها أفعال ناقصة، وفاعل كل منها ضمير مستتر وجوبًا يعود على بعض مفهوم من كل سابق كما هي الحال في ليس ولا يكون، وإما مجرورًا على أنها حروف جر. أما المستثنى بها فإنه يعرب مفعولاً به إذا اعتبرت أفعالاً، وهذا جائز، أما إذا دخلت ما المصدرية عليها فتتعين للفعل، ولا يكون المستثنى بها إلا منصوبًا، وجملة الاستثناء حالية أو استئنافية. من دخول ما المصدرية عليها: رأيت الناس ما حاشا قريشًا // فإنا نحن أفضلُهم فَعالا (الشاهد ورود حاشا مسبوقة بما المصدرية، فكانت بذلك فعلاً ماضيًا، وكان المستثنى مفعولاً به منصوبًا). وقول الشاعر: ألا كل شيءٍ ما خلا اللهَ باطلُ// وكل نعيم لا محالة زائل (الشاهد سبق خلا بما المصدرية فغدت فعلاً ماضيًا وغدا المستثنى بها مفعولاً به). وقول الشاعر: تمل الندامى ما عداني فإنني // بكل الذي يهوى نديميَ مولعُ (الشاهد دخول ما المصدرية على عدا، فأصبحتْ فعلاً ماضيًا، وأصبح المستثنى بها مفعولاً به لها). *ومما روي بدون دخول ما المصدرية قول الشاعر: في فتيةٍ جعلوا الصليب إلههم // حاشايَ إني مسلمٌ معذور (صحة اعتبار حاشا فعلاً ماضيًا، ويكون المستثنى مفعولاً به لها، وصحة اعتبارها حرف جر، ويكون المستثنى في محل جر بها). وقول الشاعر: حاشا قريشًا فإن الله فضّلهم /على البرية بالإسلام والدين (الشاهد ورود حاشا غير مسبوقة بما المصدرية ومع ذلك اعتبرت فعلاً ماضيًا، ونصب المستثنى بها على أنه مفعول به لها، وهذا جائز لا واجب) وقول غيره: حاشا أبا ثوبان إنّ أبا //ثوبان ليس ببكمةٍ فدم (الشاهد ورود حاشا غير مسبوقة بما المصدرية، فصلحت لأن تكون فعلاً ماضيًا ناصبًا للمفعول به الذي هو المستثنى بها، وهذا جائز لا واجب. *وقول غيره: خلا الله ِ لا أرجو سواك وإنما // أعد عيالي شعبة من عيالكا (ورود خلا غير مسبوقة بما المصدرية، فسيقت على أنها حرف جر وجر بها المستثنى، وهذا الوجه جائز لا واجب). وقول غيره: أبحنا حيهم قتلاً وأسرًا // عدا الشمطاءِ والطفلِ الصغير (ورود عدا غير مسبوقة بما المصدرية، فسيقت حرف جر وبها جر المستثنى وهو الشمطاء جوازًا لا وجوبًا).

ملاحظة: كما تستعمل حاشى استثنائية فإن لها استعمالين آخرين في لغة العرب:

(1) تنزيهية (حاش اللهِ) وهي اسم مرادف للتنزيه منصوب انتصاب المصدر الواقع بدلاً من التلفظ بالفعل، بدليل قراءة ابن مسعود "حاشَ اللهِ) بالإضافة كَمعاذ الله، وسبحانَ اللهِ.. أي تنزيهًا لله. (2) تستعمل فعلاً متصرفًا متعديًا بمعنى الاستثناء (حاشيتُ فلانًا أحاشيه). ومن ذلك قول الشاعر: ولا أرى فاعلاً في الناس يشبهه // ولا أحاشي من الأقوام من أحد (استعمال حاشى فعلاً متصرفًا بمعنى الاستثناء،ولذا جاء منه الفعل المضارع وهو أحاشي).

ملاحظات: وردت سوى وسواء وسُوى بمعنى غير، وكذلك سِواء. وكذلك استعملت سوى بمعنى وسط (فاجعل بيننا وبينك موعدًا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانًا سُوى).* استعمالات سَواء الأخرى: (أ) استعملت بمعنى وسط (فاطلع فرآه في سواء الجحيم) (ب) استعملت بمعنى تامّ (هذا درهمٌ سواء) (جـ) استعملت بمعنى مستوي (مررت برجل سواءٍ والعدمُ) برفع العدم عطفًا على الضمير المستتر في سواء على اعتبار أنها مؤولة باسم الفاعل من مادتها أي "مستوٍ". وحين تكون سَواء بمعنى "مستوي" فإنه يجوز أن يخبر بها عن الواحد، وعما هو أكثر من الواحد على اعتبار أنها في الأصل مصدر بمعنى "الاستواء". لا سيَّما: تستعمل الياء مشددة، ويجوز تخفيف الياء وحذف الواو كقول الشاعر: فيهْ بالعقودِ وبالأيمان لا سِيَما // عقدٌ وفاء به من أعظم القربِ (الشاهد ورود لا سيما بتخفيف الياء، وعدم دخول الواو على لا النافية، وهو شاذ عند فريق، وقليل عند فريق آخر).

 إعراب الاسم الواقع بعد ولا سيما: الاسم الواقع بعد ولا سيما إما أن يكون معرفة أو نكرة، فإن كان معرفة جاز فيه الرفع والجر (الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، والجر على أنه مضاف إليه) وإن كان نكرة جاز فيه الرفع والنصب والجر (الرفع خبر لمبتدأ محذوف، والنصب تمييز، والجر مضاف إليه). قال امرؤ القيس: ألا رُبَّ يومٍ لك منهن صالحٌٍ // ولا سيما يومًٌٍ بدارة جلجل (الشاهد يوم نكرة، فجاز فيه الرفع والنصب والجر).

 

 

11/7/2010


الخميس، ٨ تموز ٢٠١٠

                                           قطــوف من النحـو

(الاسـتثناء)

-3-

                             أ/ عدنان السمان

                               www.Samman.co.nr

الاستثناء بغير وسوى: يستثنى بهما، ويقع عليهما حكم المستثنى بإلاّ، ويكون ما بعدهما مضافًا إليه. * ملاحظات: 1- لا تستعمل غير استعمال إلاَّ في المعنى.2- استعمل العرب "إلا" اسمًا موصوفًا بها بمعنى غير (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) فمعنى إلا هنا بمعنى غير، على أنهم قد اشترطوا للخروج بإلاّ الوصفية تحقق شرطين: أ) أن يكون الموصوف بها جمعًا (آلهة) أو أن يكون شبه جمع (غيري) في قول الشاعر: لو كان غيري سليمى الدهر غيّره // وقع الحوادث إلا الصارم الذكر. ب) أن يكون الموصوف بها نكرة أو شبه نكرة، فالنكرة (آلهة، غيري) ومثال شبه النكرة (الأصوات) في قول الشاعر:

أنيخت فألفت بلدة فوق بلدة // قليل بها الأصوات إلا بغامها.* تُستعمل إلا استعمال غير في الوصف إلا أنها تختلف عنها في النقاط التالية: 1- لا يجوز حذف موصوفها، فلا يجوز أن يقال (سافر إلا محمدًا) بينما يجوز أن يقال (سافرَ غيرُ محمدٍ).

2- لا يوصف بها إلا حيث يجوز الاستثناء – وهذا شرط عند بعض النحاة- بل إن بعض النحاة اشترط للوصف بها تعذر الاستثناء. 3- يجوز في تابع المستثنى بغير مراعاة لفظه، ومراعاة معناه فنقول (نجح الطلاب غير سعدٍ وسعيدٍ) فإنه يجوز أن تقول (غيرَ سعد وسعيدًا) بجر سعيد عطفًا على لفظ سعد، ويجوز نصبه عطفًا على محله لأن سعدًا من حيث المعنى مستثنًى، ومعنى غير سعد إلا سعدًا، وقد رأى سيبويه أنه من باب العطف على المحل، بينما رأى غيره أنه من باب العطف على التوهم. كما تخرج إلا إلى معنى سوى، فإن سوى تستعمل بمعنى إلا رغم أنها وضعت أصلاً للظرفية، وهي لا تخرج عن هذا المعنى إلا في ضرورة الشعر، فقالوا "جاء الذي سواك" وبوقوعها خبرًا لأنّ في قول لبيد بن ربيعة: وابذل سوام المال إنّ // سواءَها دهمًا وجونا (الشاهد استعمال سواء ظرفًا). *وعلى الرغم من ذلك فإن كثيرًا من النحاة اعتبروها "غير ظرف" بدليل قوله (دعوت ربي ألا يسلط على أمتي عدوًّا من سوى أنفسها) وقد وردت كثيرًا في فصيح الشعر غير ظرف منصوبة ومرفوعة أو مجرورة مما يدل على أن خروجها عن الظرفية ليس وليد الضرورة، فقد وردت منصوبة في قول الشاعر: لديكَ كفيلٌ بالمنى لمؤمِّلٍ // وإن سواك من يؤمله يشقى (الشاهد وقوع سوى اسمًا (لأن) خارجة بذلك عن الظرفية). وقول غيره: خلا اللهِ لا أرجو سواك وإنما // أعد عيالي شعبة من عيالكا (الشاهد وقوع سوى مفعولاً به منصوب، وخروجها بذلك عن دائرة الظرفية) وجاءت مجرورة في قول الشاعر: وكل من ظن أن الموت مخطئه // معلَّلٌ بسواء الحق مكذوب (وقوع سواء وهي لغة في سوى بمعنى غير مجرورة بحرف الجر، فخرجت بذلك عن طوق الظرفية). وقول غيره: ولا ينطق الفحشاء من كان منهمُ // إذا جلسوا منا ولا من سَوائنا (خروج سواء (بمعنى سوى) عن الظرفية واستعمالها مجرورة). وقول الآخر: تجانف عن جو اليمامة ناقتي // وما عدلتْ عن أهلها لسوائكا (وقوع سواء بمعنى سوى مجرورة بحرف الجر وخروجها بذلك عن الظرفية). *وقول الآخر: فإنني والذي يحج له الناس بجدوى سواك لم أثق (الشاهد خروج سوى عن الظرفية، واستعمالها مجرورة بالإضافة). *وقول غيره: أكر على الكتيبة لا أبالي // أفيها كان حتفي أم سواها (الشاهد فيه خروج سوى عن الظرفية، واستعمالها مجرورة بعطفها على المجرور، والتقدير أفيها كان حتفي أم في سواها، وفي هذا البيت شاهد آخر وهو العطف على الضمير المجرور بدون إعادة حرف الجر مع المعطوف، وهذا العطف جائز على الصحيح وليس بلازم، كما يرى فريق من النحاة، وإلى الجواز ذهب ابن مالك. *وقد وردت مرفوعه في قول الشاعر: (فلما صرَّح الشرُّ // فأمسى وهو عريانُ) (ولم يبق سوى العدوا  // ن دنّاهم كما دانوا) (الشاهد وقوع سوى فاعلاً مرفوعًا، وخروجها بهذا عن الظرفية. *وقول غيره: وإذا تباع كريمة أو تشترى /فسواك بائعها وأنت المشتري (الشاهد خروج سوى عن الظرفية ووقوعها مبتدأ)

وقول آخر: سواي يهاب الموت أو يرهب الردى // وغيري يهوى أن يعيش مخلدا (الشاهد وقوع سوى مبتدأً مرفوعًا، وخروجها بذلك عن دائرة الظرفية)*. وقول آخر: أأترك ليلى ليس بيني وبينها // سوى ليلة إني إذن لصبور (الشاهد خروج سوى عن دائرة الظرفية، ووقوعها اسمًا لليس مرفوعًا).

ملاحظة: تخالف "سوى"  "غيرًا" في أمرين: 1- أن المستثنى بغير يجوز حذفه إذا فهم المعنى فيقال ليس غيرُ، ليس غيرَ، ليس غيرًا، أما سوى فلا يجوز حذف المستثنى بها. 2- تقع سوى صلة للموصول في فصيح الكلام – كما سبق بيانه- بخلاف غير فإنها لا تقع هذا الموقع. *المستثنى بليس ولا يكون: لا تُستعمل "يكون" أداة استثناء إلا مسبوقة بلا النافية. *يستعملان فعلين ناقصين فيرفعان مبتدأً وينصبان خبرًا إذا استعملا استعمال إلا (نجح الطلاب ليس عمرًا) (حضر المسافرون لا يكون وليدًا) فالتقدير ليس بعضُهم عمرًا، ولا يكون بعضهم وليدًا، وجملة الاستثناء حالية أو استثنائية.

8/7/2010


الثلاثاء، ٦ تموز ٢٠١٠

متابعات

الوطن العربي بين وحدة الحلم وحلم الوحدة..

أ‌.       عدنان السمان

www.samman.co.nr

        إذا كان صحيحًا أن العرب أمة واحده من محيطهم إلى خليجهم، وإذا كان صحيحًا أنهم أصحاب تاريخ واحد، وثقافة واحدة، ولغة واحدة، وأهداف وآمال وتطلعات واحدة موحدة، وإذا كان صحيحًا أنهم يمتلكون من الثروات والطاقات والإمكانات ما لا تمتلكه أمم كثيرة في هذا العالم، وإذا كان صحيحًا أنهم أهل رسالة، وصنّاع مجد، وأنهم مشاعل نور وهداية في هذا الوجود.. إذا كان كل هذا صحيحًا، وإذا كان صحيحًا أن هذه الأمة في كل أقطارها وأمصارها من أقصى أوطانها إلى أقصاها هي أمة واحدة موحدة في رؤاها وهواها وآمالها وآلامها وأحلامها وتصوراتها وتطلعاتها وغاياتها وأهدافها وأفراحها وأتراحها وقيمها ومثلها العليا وإبداعاتها وجمالياتها وأخلاقياتها وأدبياتها، وفي مشاعرها وأحاسيسها وانفعالاتها وعاداتها وتقاليدها وطريقة تفكيرها ونظرتها إلى الإنسان والكون والحياة، وإذا كان صحيحًا أن هذه الأمة في كل ديار العروبة أمة واحدة معروفة بصدقها وعدلها وإحسانها ووفائها واستقامتها ونزاهتها وحرصها على الحق والخير والجمال في أقوالها وأفعالها وقضائها وحكمها بين الناس.. إذا كان كل هذا، وكثيرٌ غيره من حميد الصفات وكريم المزايا والخلال والسجايا  صحيحًا، وهو صحيح؛ فلماذا يحدث اليوم كل هذا الذي يحدث لهذه الأمة، لماذا حالت حالها، وتغيرت أحوالها، وتقطعت أوصالها، وحاق بها كل هذا التراجع، وتكالبت عليها كل هذه الفواجع والمواجع، وحلت بساحاتها كل هذه الكوارث والخطوب والنكبات، وعصفت بها رياح الخصومات والعداوات، وأدمت ظهور أبنائها سياط الفتن والاحتراب والاقتتال والانقسامات والخلافات والتشنجات، والضلوع في الدسائس والمؤامرات، والترويج للوساوس والهلوسات والفساد والتنازلات والكبائر والموبقات، وكل ما هو آتٍ آت؟؟.

        العرب على امتداد هذا الوطن العربي الكبير يجمع بينهم أنهم يحلمون.. مئات الملايين من المواطنين العرب يحلمون بالماء والدواء والغذاء والكساء والكهرباء والحرية، ويحلمون أيضًا بالمسكن والكتاب والمدرسة.. يحاولون أن يشعروا في قرارة أنفسهم أنهم يملكون الأوطان التي يعيشون فيها أو عليها!! هذا الشعور يوحدهم، ويجمع بينهم، ويؤلف بين قلوبهم، ولا سيّما فئة الشباب منهم.. هؤلاء الذين يفتقدون مثل هذا الشعور كلما رأوا رجل أمن من أبناء جلدتهم يلاطف أجنبيًّا أو أجنبية بشكل يشد إليه الانتباه، في الوقت الذي لا يتورع فيه عن اعتقالهم والتنكيل بهم لهذا السبب البسيط أو ذاك، وأحيانًا بدون سبب يستوجب شيئًا من عقاب!! نعم إن العرب في أوطانهم يحلمون أن يصبحوا يومًا سادة في أوطانهم: يزرعونها ويعمرونها ويطورونها ويحبونها ويدافعون عنها مثل سائر الأحرار في هذا العالم.

        كثيرة هي الأحلام التي توحد بين أبناء هذه الأمة في هذا الوطن العربي، وكثيرة هي الأهداف التي تجمع بينهم، وتوحد بين قلوبهم، وهذا أكبر دليل على أن هذه الأمة ما زالت موجودة عملاً بالقاعدة الذهبية التي تقول: "أنا أحلم إذن أنا موجود" قياسًا على قاعدة الشك الديكارتي: "أنا أشك إذًا أنا موجود" ولما كانت هذه الأمة موجودة لأنها ما زالت قادرة على ممارسة الحلم، ولأن الحلم ما زال يوحِّد بين أبنائها، ويجمع بين قلوبهم وأفئدتهم، فإن معنى ذلك أن تحلم هذه الأمة بالوحدة؛ فهل الأمر كذلك؟ هل يحلم العرب في كل الوطن العربي بالوحدة العربية التي تجعل من الوطن العربي الكبير وطنًا حرًّا عزيزًا سيدًا مستقلاًّ لكل مواطنيه العرب؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب فلماذا لا يتحقق هذا الحلم؟ وإذا كان بالنفي فلماذا لا يحلم العرب بميلاد الدولة العربية الكبرى على كل أرض العرب؟

        أغلب الظن أن العرب في كل أوطانهم يحلمون بالوحدة والقوة والتقدم والرِّفاء والازدهار مثل كل الشعوب، بل لعل العرب في هذا المجال متفوقون متميزون؛ فهم بطبيعتهم محبون للوحدة.. توّاقون إليها.. مؤمنون بها، لأنها قائمة في صميم عقيدتهم.. ماثلة في صلب ثقافتهم.. تنطق بها حضارتهم، لأنها أساس تجربتهم السياسية والاقتصادية، ومكنون نسيجهم الاجتماعي والروحي والثقافي منذ فجر تاريخهم العربي الإسلامي الذي جعل منهم أمة واحدةً موحدةً متماسكةً متضامنةً متسامحةً قويةً مرهوبةَ الجانب على امتداد تاريخهم الطويل.

        وأغلب الظن أن هذه الأمة تستطيع أن تكون أمةً قويةً مؤثرةً فاعلةً في التاريخ إذا هي تمكنت من إقامة الدولة العربية على كل أرض العرب، وإذا هي أصبحت سيدة الموقف، وصانعة القرار على أرضها، وإذا هي أحسنت استغلال ثرواتها، وبناء إنسانها وأوطانها، وإذا هي تخلصت من التبعية للأجنبي، ومن الولاءات المهينة للعواصم الغربية، التي لا تسعى إلاّ لمزيد من التحكم بالعرب، ومزيد من السيطرة على مقدّراتهم، ومزيد من التحكّم بقرارهم السياسي، ومستقبل أجيالهم على كل أرض العرب، وربطهم بكل الوسائل، ومختلف الطرق والأساليب بالغرب، وثقافة الغرب وفكره، حتى تصبح كل هذه الديار ملكًا للغرب والغربيين، ومناطق نفوذ خالصةً لهم يتصرفون بها كما يريدون، دون أن يعترض على ذلك معترضٌ من أهلها الذين فقدوا هُويتهم، وتجردوا من ثقافتهم ,ومقومات شخصيتهم، وعناصر عقيدتهم، ومكونات تاريخهم، ومكانتهم بين الناس في هذا العالم.

        إن الأنظمة العربية المتحالفة مع الغرب معنيَّةُ بالمحافظة على مصالحها ومكتسباتها، وإن الفئات المتحالفة مع هذه الأنظمة من أبناء هذه الأمة معنيَّةٌ هي الأخرى بدوام هذه الأوضاع التي تضمن لها مكاسبها وامتيازاتها، بل إن جشع الغربيين وأطماعهم التي لا تقف عند حد في السيطرة على كل ديار العروبة والإسلام يدفعهم دفعًا لخلق مزيد من التنافس والتنابذ والتسابق لخدمة الغربيين، بين هذه الفئات الموالية لهم في كل هذه الديار، ويدفعهم دفعًا لخلق مزيدٍ من الفئات الموالية لهم في كل هذه الديار، وهذا يستدعي أحيانًا خلق مزيد من الكيانات الهزيلة في بلاد العرب، كي يحكمها هؤلاء الأتباع الجدد، ولو كان ذلك على حساب الأتباع القدامى الذين أثبتوا الولاء والإخلاص للسادة في العواصم الغربية ,وحلفائهم على الساحة الدولية؛ فالأتباع الجدد أيضًا يجب أن يكون لهم نصيب من الحمص وأي نصيب! ولا يغيب عن البال أيضًا أن هؤلاء الأتباع إن كانوا موجودين في بلد غير خاضع لأولئك الغربيين، فإن عليهم أن يتحركوا (ديموقراطيًّا) لتقويض أمن ذلك البلد وإرباكه، للسيطرة على الوضع فيه عن طريق صندوق (الانتخابات) فليس هناك أفضل من هذا (الصندوق)، وليس هناك ما هو أفضل من شراء الذمم، والإغراء بالمناصب والمكاسب وسيلةً للوصول إلى الحكم!! فإن لم يستطع هؤلاء، فلا أقل من تقسيم المقسَّم، وتفتيت المفتَّت، ولا أقل من تمزيق بلد كالعراق ليصبح دولاً كثيرةً متصارعةً على أرضه، حتى لا يفكر العراقيون يومًا بغير الاقتتال فيما بينهم!! وعليه، فلماذا لا يصبح الوطن العربي ثلاثين دولة أو أربعين؟ أليس هذا في مصلحة الغرب، وفي مصلحة حلفائه وشراذمه وأتباعه الذين يحشدهم حشدًا ويحركهم كالدمى في كل ديار العروبة والإسلام؟؟.

        وإذا كان الأمر كذلك، فإن الأحلام وحدها لا تكفي لصنع الوحدة، إن الوحدة لا يمكن أن تقوم بمجرد الأمنيات والتمنيات، بل لا بد من العمل الجاد، ولا بد من وضعها على رأس سُلّم أولويات شرفاء هذه الأمة.. لابد أن يراها العربي في المناهج المدرسية، والمقررات الجامعية.. لا بد أن تكون حديث الشارع العربي، ونبض الشارع العربي، ودليل الإعلام العربي، وشغل المثقف العربي، والمفكر العربي، والسياسي العربي.. لا بد أن تكون حديث النخب العربية، والأحزاب العربية، والبرلمانات العربية التي ترتقي بها إلى دائرة القرار العربي القادر على فتح معركتها الحاسمة، ووضعها بالتالي موضع التنفيذ على أرض الواقع .

 

6/7/2010