عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


السبت، ٢٩ أيار ٢٠١٠

متابعات

من حق الجزار أن يشارك في المسابقة الشعرية..                                                                                           أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

 

 

     نسخة ورقية مطبوعة من قصيدة الشاعر المصري مصطفى الجزار "كفكف دموعك وانسحب يا عنترة" قدمها إلي في نابلس منذ أيام شابان مثقفان يحترفان التجارة في هذه المدينة العريقة، وقد كتب أحدهما على هذه النسخة بخط يده ما يلي: "مُنعتْ من المشاركة في منافسات برنامج (أمير الشعراء) بحجة أنها لا تخدم الشعر الفصيح". مطلع القصيدة، ووزنها أيضًا ذكّراني بقصيدة شاعر فلسطين إبراهيم طوقان: "كفكف دموعك ليس ينفعك البكاء ولا العويل" وهي من مجزوء الكامل، أما قصيدة الجزار فهي من الكامل، وأما القصيدتان فتختلفان في القافية والروي وتتفقان في صدق العاطفة، وقوتها، وفي بساطة الألفاظ ، ووضوح العبارات، وتتفقان أيضًا في أنهما من الشعر العربي الفصيح الذي امتلك فيه الشاعران ناصية البيان، وعبّرا فيه عن أفكارهما ومشاعرهما بثقة واقتدار، وإن كان طوقان في قصيدته متفائلاً، يدعو الفلسطينيين إلى التفاؤل والعمل ونبذ التشاؤم والتراخي والكسل.. أما الجزار فجاء في قصيدته غاضبًا متألمًا لهذا الواقع المهين الذي انحدرت إليه هذه الأمة، ولا عجب، فبين القصيدتين أكثر من سبعين عامًا تجرّع خلالها العرب كثيرًا من الهزائم، وحلّت بهم أكثر من نكبةْْ في فلسطين، وغير فلسطين، وفي العراق، وغير العراق من بلاد العروبة. إنني مع الجزار وهو يجرّد عنترة من كل أوسمة البطولة التي حصل عليها في ميادين القتال، ومع الجزار وهو يرسم صورة مزرية لعنترة الفارس الفريسة وهو يقبّل سيوف الغاصبين، ويخفض جناح الخزي، ويرجو المغفرة، ومع الجزار أيضًا وهو يرسم صورة مهينة لعنترة الشاعر الذي تحول إلى ثرثار ومهرّج في عصر هذه الأصناف التي لا تكاد تحصى عددًا من القنابل في هذا الزمان!! ومع الجزّار وهو يعقد هذه الموازنات الساخرة بين أحوال عنترة وحصانه وقبيلته عبس في الماضي والحاضر.. الجزار لم يسئ لعنترة، ولم يسئ لفروسيته، ولم يسئ لكرامته، ولم يسئ لعروبته، ولم يسئ لشعره في الفخر والفروسية، ولم يسئ لعبلة، ولم يسئ لثقافة العرب، ولم يسئ لرموزهم.. كان الجزّار شاعرًا عربيًّا ينزف دمعًا، ويذرف دمًا وهو يتحدث عن الشقاق، والنفاق، والركوع، والخنوع، والعيش المر، والهزائم المنكرة، وضَياع عبلة والنياق ودارها، وموت الضمير العربي، والشهامة العربية في هذا الزمان الذي خسر فيه العرب كل شيء... وكان الجزّار شاعرًا ثائرًا عربيًّا وحدويًّا يدعو أمة العرب للثورة والتمرد والثأر واستعادة الأمجاد.. وكان متمكنًا من لغته، محافظًا على صرفها ونحوها وعروضها، فلماذا يمنع من المشاركة في برنامج "أمير الشعراء"؟ إن من حقّه أن يشارك، ومن حق سامعيه ومشاهديه أن يقولوا رأيهم فيه. لقد أعادتني قصيدة الجزّار هذه التي قدّم إلي هذان الصديقان الشابّان الفاضلان نسخة منها إلى الكتابة بعد أيام من النفور، منها والانقطاع عنها، حتى أن الناشر كثيرًا ما كان يسأل نفسه عن السبب، وهو الذي لمس فيّ نشاطًا وإقبالاً على الكتابة بشكل لا يكاد يعرف التوقف، أو الانقطاع على امتداد السنوات الماضية، وكذلك زوار مدونتي الذين لم يخفوا هم الآخرون استغرابهم من هذا "الإضراب" الذي امتد سبعة أيام لم أكتب فيها شيئًا مذكورًا، أو غير مذكور!! قصيدة الجزّار هذه أخرجتني من دائرة الصمت الذي استمر أسبوعًا لأكتب "من حق الجزّار أن يشارك في المسابقة الشعرية" فكانت المقالة الأولى التي كتبتُها بعد مقالتي "أسطول الحريّة.. سيدخل غزة". قصيدة الجزار هذه، وحكاية الجزار هذه علمتني أن كل جديد أكتبه ينبغي أن أخص به هذه المدونة التي أنشأها لي هذا الصديق، ليكون ناشر كتاباتي قديمها وحديثها، فلناشر كتاباتي ومقالاتي خالص تحياتي، ولكافة المطبوعات التي فتحت صفحاتها لكتاباتي، (ولا تزال تفعل) كل مودة وتجلّة وتقدير، ولسائر زوار مدونتي هذه في سائر أقطار المعمورة من أقصى غرب الولايات المتحدة وكندا، ومن أعالي أوروبا وغربها وجنوبها مرورًا ببلاد العروبة والإسلام وصولاً إلى أستراليا وما وراءها، لهم مني جميعًا خالص التحية والتقدير والاحترام. مع خالص التحية للجزار الذي أضع قصيدته موضوع الحديث بين يدي زوار مدونتي كي يتاح لهم الاطلاع عليها استكمالاً للفائدة وتضامنًا مع هذا الشاعر العربي المجيد.

29/5/2010

 

 

 كَفْكِف دموعَكَ وانسحِبْ يا عنترة
فعـيـونُ عبلــةَ أصبحَـتْ مُستعمَــرَه

لا تـرجُ بسمـةَ ثغرِها يومـاً، فقــدْ
سقـطَت مـن العِقدِ الثمـينِ الجوهـرة

قبِّلْ سيوفَ الغاصبينَ.. ليصفَحوا
واخفِضْ جَنَاحَ الخِزْيِ وارجُ المعذرة

ولْتبتلــع أبيــاتَ فخــرِكَ صامتــاً
فالشعـرُ فـي عـصرِ القنـابلِ. ثـرثرة

والسيفُ في وجهِ البنـادقِ عاجـزٌ
فقـدَ الهُـــويّـةَ والقُــوى والسـيـطـرة

فاجمـعْ مَفاخِــرَكَ القديمــةَ كلَّهــا
واجعـلْ لهـا مِن قــاعِ صدرِكَ مقبـرة

وابعثْ لعبلــةَ فـي العـراقِ تأسُّفاً
وابعـثْ لها فـي القدسِ قبلَ الغرغرة

اكتبْ لهـا مـا كنــتَ تكتبُــــه لهــ
تحتَ الظـلالِ، وفـي الليالي المقمـرة

يـا دارَ عبلــةَ بـالعـــراقِ تكلّمــي
هــل أصبحَـتْ جنّــاتُ بابــلَ مقفـــرة؟

هـل نَهْـــرُ عبلةَ تُستبـاحُ مِياهُـهُ
وكــلابُ أمــريكـــا تُدنِّــس كــوثــرَه؟

يـا فـارسَ البيداءِ.. صِرتَ فريسةً
عــبــداً ذلـيــلاً أســــوداً مـــــ أحقــرَه

متــطـرِّفــاً .. متخـلِّـفـاً.. ومخـالِفـاً
نَسَبوا لـكَ الإرهـابَ.. صِـرتَ مُعسكَـرَه

عَبْسٌ تخلّـت عنـكَ... هــذا دأبُهـم
حُمُــرٌ – لَعمــرُكَ - كلُّــــهـــا مستنفِـــرَه

فـي الجـاهليةِ..كنتَ وحـدكَ قـادراً
أن تهــزِمَ الجيــشَ العـــظيــمَ وتأسِـــرَه

لـن تستطيـعَ الآنَ وحــدكَ قهــرَهُ
فالزحـفُ مـوجٌ.. والقنـــابــلُ ممـــطـــرة

وحصانُك العَرَبـيُّ ضـاعَ صـهيلُـهُ
بيـنَ الــدويِّ.. وبيـنَ صـرخــةِ مُجـبـــَرَه

هــلاّ سألـتِ الخيـلَ يا ابنةَ مـالـِـكٍ
كيـفَ الصـمــودُ ؟ وأيـنَ أيـنَ المـقــدرة!

هـذا الحصانُ يرى المَدافعَ حولَهُ
مـتــأهِّــبـــاتٍ.. والــقـــذائفَ مُشـــهَــــرَه

لو كانَ يدري ما المحاورةُ اشتكى
ولَـصـــاحَ فـــي وجــــهِ القـطـيــعِ وحذَّرَه

يا ويحَ عبسٍ .. أسلَمُو أعداءَهم
مفـتــاحَ خيـمـتِهــم، ومَـــدُّوا القنــطــــرة

فأتــى العــدوُّ مُسلَّحـــاً، بشقاقِهم
ونـفـــاقِــهــــم، وأقــام فيــهــم مـنـبــــرَه

ذاقـوا وَبَالَ ركوعِهـم وخُنوعِهـم
فالعيــشُ مُـــرٌّ .. والهـــزائـــمُ مُنــكَــــرَه

هـــذِي يـدُ الأوطــانِ تجزي أهلَها
مَــن يقتــرفْ فــي حقّهــا شـــرّاً.. يَــــرَه

ضاعت عُبَيلةُ.. والنياقُ.. ودارُها
لــم يبــقَ شــيءٌ بَعدَهــا كـــي نـخـســرَه

فدَعــوا ضميرَ العُــربِ يرقدُ ساكناً
فــي قبــرِهِ.. وادْعـــوا لهُ.. بالمغـــفـــرة

عَجَزَ الكلامُ عن الكلامِ .. وريشتي
لـم تُبــقِ دمعـــاً أو دمـــاً فـــي المـحبـرة

وعيونُ عبلـةَ لا تــزالُ دموعُهـــا
تتــرقَّــبُ الجِسْـــرَ البعيـــدَ.. لِتَــعـــبُــرَه

 

                                                                                                                        

       


السبت، ٢٢ أيار ٢٠١٠

 

متابعات

أسطول الحرية سيدخل غزة...

أ. عدنان السمّان                                                                   www.samman.co.nr

      ليس من حق أحد أن يفرض كل هذا الحصار الجائر برًّا وبحرًا وجوًّا على شعبنا الأعزل الصابر المرابط في هذا الشريط الضيق الملاصق للحدود المصرية من أرض فلسطين.. ليس من حق أحد أن يمس أطفال غزة بأدنى سوء، وليس من حق أحد أن يجوعهم، أو يرهبهم، أو يصادر حقهم في التعلم والعلاج والعيش الكريم.. ليس من حق أحد أن يصادر حقهم في الحياة، وليس من حق أحد أن يقتل الحياة في هذا القطاع العزيز من أرض فلسطين الحرة العزيزة..  نعم.. ليس من حق أحد أن يفعل ذلك، وليس من حق أحد أن يستعبد هذا الشعب العربي الفلسطيني، أو يحتل أدنى جزءٍ من أرضه، أو يتحكم بمصيره، أو يفرض إرادته عليه؛ فهذا الشعب ولد حرًّا، ولم يرضخ منذ فجر التاريخ لأحد، وها هو يكافح منذ عقود لاسترداد وطنه السليب، وكرامته المهدورة، وحريته التي آن له أن يستردها بإرادته الصلبة التي لا تلين، وإصراره على تحطيم الصعاب، وكسر الحصار، وتحرير الإرادة، وتحقيق النصر،وإنقاذ الوطن والمواطن من تحكم المتحكمين، وتسلط المتسلطين،وعدوانهم .

    ها هو أسطول الحرية يقترب من ساحل غزة البالغ امتداده على البحر المتوسط خمسة وأربعين كيلو مترًا.. ليس من حق أحد أن يمنع هذا الأسطول من دخول غزة، والرسوّ في مينائها كما يشاء؛ فمياه غزة لغزة وللغزّيين، ثم إن هذا الأسطول كان قد استكمل كافة إجراءات قانون الملاحة البحرية، وهو يبحر في المياه الدولية، ويحمل مؤنًا ومواد طبية وبيوتًا جاهزةً، ومواد إغاثةٍ عملاً بالقرار الدولي ( 3103) الذي يفرض تقديم المساعدات إلى قطاع غزة، ويرفع أعلام الدول المشاركة فيه، وتتقدمه بوارج تركيةٌ ترفع أعلام الأمم المتحدة بهدف حمايته، ويحمل على متنه أكثر من خمسمائة متضامن غربي بينهم نواب أوروبيون، وترافقه من وسائل الإعلام الأوروبية " يورونيوز" الناطقة بعدة لغات، و" إنفوبال" الإيطالية، ويرافقه فريق من التلفزيون البلغاري، وآخر من التلفزيون التشيكي، إضافة إلى مؤسسة "دينيس" الإعلامية في التشيك، وقناة " الجزيرة" باللغة الإنجليزية، وعدد كبير من الصحافيين والكتّاب في صحف أوروبية متنوعة، ووكالات أنباء عالمية كوكالة " رويترز" و" الإكنومست" وهيئة الإذاعة البريطانية، وهذا يعني باختصار شديد أن من يفكر بالتصدي لهذا الأسطول سيرتكب حماقة غير محسوبة، وسيخسر خسارة لم تخطر له على بال، وسيجد نفسه وجهًا لوجه أمام " الحملة الأوروبية لرفع الحصار عن غزة"  ووجهًا لوجه أمام " حركة غزة الحرة" ، و"ائتلاف مؤسسات الإغاثة الإنسانية في تركيا" ، و"حملة السفينة اليونانية" إلى غزة، و" حملة السفينة السويدية" إلى غزة،وسيجد نفسه أيضًا وجهًا لوجه أمام كافة أنصار الحرية، وأمام كافة أصدقاء الشعوب، ودعاة الحق والعدل والحرية والسلام في هذا العالم.

      أسطول الحرية سيدخل غزة، وسوف  يساهم في كسر الحصار، وإعادة الإعمار، ورفع الروح المعنوية في هذا الجزء الغالي من بلادنا فلسطين، وسوف يتوالى إرسال الأساطيل البحرية من كافة أرجاء الكون إلى قطاع غزة، وسوف تستمر المحاولات لوضع حدٍّ لهذا الحصار المفروض على القطاع منذ أربع سنوات، وسوف تستمر الجهود التي تحاول أن تعود بمعبر رفع إلى سابق عهده بين مصر وفلسطين إلى أن تنجح هذه الجهود، وإلى أن تلغى هذه الحدود المفتعلة بين القطرين الشقيقين وغيرهما من أقطار العروبة.

   وإلى أن يأتي ذلك اليوم الذي تتحرر فيه الأمة العربية من تمزقها وانقساماتها وتفرقها وتبعيتها للأجنبي، وإلى أن يأتي اليوم الذي تتمكن فيه قوى الوحدة العربية من فرض مشروعها العربي الواحد الموحّد على كل أرض العرب من المحيط إلى الخليج، ستستمر هذه المحاولات الرامية لكسر الحصار، وستستمر هذه المحاولات التي تستهدف رفع المعاناة عن فلسطين والفلسطينيين والتوصل إلى حلٍّ عادل لكافة ملفّات القضية الفلسطينية التي طال عليها الأمد، وسيستمر العمل من أجل عودة اللاجئين والمهجَّرين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم بشتى الوسائل والأساليب تنفيذًا للقرار( 194)، وعليه، فإنه ليس ببعيد أن تحمل هذه السفن على متنها في المرة القادمة ، أو المرات القادمة أعدادًا من الفلسطينيين الراغبين في العودة إلى ديارهم تنفيذًا لذلك القرار الذي ضمن لهم هذه العودة التي لا تلغى بالتقادم، ولا يجوز لأحد أن يتصرف بها!!

    ليس ببعيد أن تتمكن هذه القوى الخيّرة المحبة للعدل والحق والحرية والسلام أن تكسر الحصار، وليس بعيدًا أن تتمكن هذه القوى الخيّرة نفسها في نهاية المطاف من وضع كثيرٍ من طموحات الفلسطينيين وأحلامهم موضع التنفيذ، وعلى رأسها حلمه في العودة إلى مدنه وقراه وأراضيه التي أخرج منها في عام النكبة، ولا يزال شريدًا حائرًا هائمًا في هذا الكون حتى يومنا هذا.

22/5/2010

 

 

الأربعاء، ١٩ أيار ٢٠١٠

 

متابعات

كلماتٌ في ذكرى النكبة!!

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

        قالوا منذ اثنين ستين عامًا إن أقلية قد هزمت أكثرية ، وقلنا إن هذا ليس صحيحًا ، وإن تلك الأقلية التي تتحدثون عنها كانت بمن معها، وبما امتلكت يومها من وسائل القوة هي الأكثرية ومع ذلك فإنها لم تهزم تلك "الأكثرية " التي تتحدثون عنها ، والدليل كل هذه الممارسات التي تُرتكب ضدها منذ تلك الأيام حتى هذا اليوم ... والدليل أيضًا أن كل هذه الممارسات والمخالفات الصريحة لكل الشرائع والقوانين والأعراف ، وكل هذه التجاوزات, وإشعال الحرائق ,والملاحقات ,والمداهمات, والمؤامرات ، والمخططات ، والتحالفات لم تسفر ، ويبدو أنها لن تسفر ، أو على الأقل من الصعب جدًًّا أن تسفر عن تحقيق شيء مما في تلك الرؤوس ، ومن هذا الذي يضطرم في تلك النفوس ... ولو كانت تلك الأقلية التي يتحدثون عنها قد هزمت أحدًا لكانت الأمور على غير هذه الصورة ، ولكانت الحال غير الحال ، ولحققت تلك الأقلية أهدافها في السيطرة والاستقلال وراحة البال .

      وقالوا يومها إنهم يستعيدون حقًّا تاريخيًّا، وقلنا إن هذا أيضًا ليس صحيحًا ، وبغض النظر عن قضية السبق التاريخي ، وعن الجذور التي تضرب في أعماق الأرض منذ فجر التاريخ ، فإن هذا الزعم لا يكفي ، ولا يشكّل أساسًا سليمًا لواقع جديد ، ولو كان الأمر كذلك لكان من حقنا أن نعود إلى أقطار كثيرة في شرق الدنيا وغربها عشنا فيها، وعمرناها ، وبنينا فيها حضارات لا تزال قائمة ماثلة للعيان شاهدة على عظمتنا حتى اليوم ، دون أن تنجح هندسة على تقليدها ومحاكاتها ، ودون أن تنجح هذه الطبيعة بقضها وقضيضها من النيل منها ، بل إن تعاقب العصور، وكر السنين والدهور لم يزدها إلا عظمة وقوة وشموخًا .. إنها شاهد على قوة مبدعيها وعظمتهم ,فالصنعة دليل على الصانع ، والصانع العظيم يُعرف مما صنع ...وبغض النظر أيضًا عن هذا وذاك فقد قلنا وقالت الدنيا كلمتها بحق من اقتُلعوا وهُجّروا ، وبوجوب عودة الأمور إلى نصابها ، والمياه إلى مجاريها ، وبوجوب عودة الحق إلى نصابه، والسيف إلى قِرابه ، والأسد إلى عرين غابه، ولكن شيئًا من هذا لم يحدث حتى اليوم .

    وقالوا إننا عدوانيون لا نجيد إلا الصراخ، وافتعال الأزمات ، وصناعة المعضلات والمشكلات ، وقلنا إن هذا الزعم مخالف للتاريخ ، مجافٍ للواقع ... ليس قولهم هذا صحيحًا لأننا الذين صنعنا علم الكلام ، وعلم المنطق ، وعلوم البيان والبديع والبلاغة وعلوم اللغة،ونهضنا بعلم الفلك والكواكب والنجوم والجغرافية والهندسة والرياضيات والطب والصيدلة والكيمياء والفيزياء ، ووضعنا أكبر ثروة في الفقه والتشريع والآداب في تاريخ البشرية ، وأقمنا صرحًا للمبادئ والقيم والمثل العليا والأخلاق والمحبة والرحمة والتضامن والتعاطف والمودة والإحسان والتسامح والرفق بالحيوان هو الأول من نوعه في تاريخ الإنسان .

    وقال بعضهم في مثل هذا اليوم من ذلك العام إننا شعب صحراوي ، وإلى الصحراء لا بد أن نعود !! وقول هذا البعض ينطوي على قدْر هائل من المغالطة والعدوانية والاستعلاء ... صحيحٌ أننا أخذنا من جِمال الصحراء قوتها وصبرها وشدة احتمالها ، وصحيحٌ أيضًا أننا أخذنا من الصحراء صفاء سمائها ، واتساع آفاقها ، وروعة واحاتها ، ووضوح الرؤية، والحذر ،والاهتداء بالكواكب والنجوم ،والتمرس بحياة الخشونة والفروسية والشجاعة عند مواجهة حيواناتها ،والسير في خلواتها ... ولكن صحيحٌ أيضًا أننا أبناء سهول وجبال وشواطئ وبحار وأنهار عرفتنا وعرفناها منذ أن خلق الله هذه الأرض ومن عليها .. لقد دانت لنا الدنيا .. وكنا سادة العُصُر !! هذه ليست شوفينيّة قوميّة متعصبة ، ولكنها الرد على من يريد أن يقذف بنا إلى الصحراء !!

    كلمات في ذكرى النكبة فرضت نفسها ، فزفرتُها كي لا أختنق بها .. عبراتٌ أذرفها في مثل هذا اليوم من كل عام ، ودمع شرقتُ به حتى كاد يشرق بي في هذا الصباح الذي نرجو أن يكون نهاية التشرد والتشتت والضياع بعودة الحقوق إلى أصحابها في ظل سلام عادل دائم مقنع مشرف لا غالب فيه ولا مغلوب ... سلام عادل لا يُظلم فيه أحد ، ولا يبغي فيه إنسانٌ على إنسان  في هذه المنطقة المتفجرة من العالم.

 (19/5/2010)

                                                                                                                         


الثلاثاء، ١٨ أيار ٢٠١٠

إعادة

متابعات

للذكرى وللتاريخ

بن غوريون وبيغن يعلنان قيام إسرائيل

                                                                                أ: عدنان السمان

www.samman.co.nr

    في مثل هذه الأيام من عام ثمانية وأربعين أعلن اليهود قيام الدولة العبرية على نحو ثمانين بالمئة من أرض فلسطين.. ففي الساعة الرابعة والنصف من مساء 14/ أيار/ 1948 اجتمع في مبنى المتحف في تل أبيب أعضاء من المجلس اليهودي مع ممثلين من الوكالة اليهودية، والمنظمة الصهيونية واللجنة الوطنية لليهود الفلسطينيين، وصندوق الجباية اليهودي، وصندوق التأسيس، وعدد من الفنانين، والصحافيين، ورؤساء الأحزاب اليهودية، وكبار الحاخامين، وأعضاء من المجلس البلدي لتل أبيب، ورئيس أركان الهاغاناة مع ممثلين عن الهيئات العامة لليهود.

    وقد قرأ عليهم بن غوريون إعلان الاستقلال "لدولة إسرائيل"، والذي وافق عليه المجلس اليهودي. ومما قاله:

    " نحن أعضاء المجلس الوطني الممثلين عن الشعب اليهودي في أرض إسرائيل، والحركة الصهيونية قد اتفقنا على أنه في يوم انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين.. وأنه بموجب حقنا الطبيعي والتاريخي، وبقرار الهيئة العمومية للأمم المتحدة نعلن إنشاء دولة  يهودية في أرض إسرائيل – دولة إسرائيل-... إن دولة إسرائيل سوف تكون مفتوحة للهجرة اليهودية، ولتجميع المنفيين، وسوف تكرس نفسها لتطوير الأرض لصالح سكانها.

    سوف تكون قائمة على أسس الحرية، والعدالة، والسلام كما ارتآه أنبياء إسرائيل. سوف تحافظ على مساواة تامة في الحقوق الاجتماعية والسياسية لجميع مواطنيها بدون تفرقة بالمذهب، والجنس، أو بين النساء والرجال، وسوف تضمن حرية الدين، والتعبير، واللغة، والثقافة والتعليم. سوف تحافظ على الأماكن المقدسة لجميع الديانات، وسوف تكون مخلصة لأسس مبادئ الأمم المتحدة... سوف تكون "دولة إسرائيل" مستعدة للتعاون مع هيئات الأمم المتحدة وممثليها في تنفيذ قرار الهيئة العامة في 29/ 11/ 1947، وسوف تعمل على إنشاء وحدة اقتصادية في أرض إسرائيل....

    ومما قاله مناحيم بيغن يوم 15/ أيار/ 1948  عن طريق الإذاعة السرية للأرغون (وقد كان زعيم تلك المنظمة آنذاك) وهو يعلن قيام دولة إسرائيل:

    "... وفي أرض آبائنا وأجدادنا يجب أن يكون العدل هو الحاكم الأعلى، الحاكم فوق كل الحكام، يجب أن لا يكون هناك استبداد... يجب أن لا يكون في بلادنا رجل – يهودي أو أجنبي- يفُرض عليه أن يكون جائعًا، أو ينقصه سقف فوق رأسه.. تذكّروا أنكم كنتم غرباء في أرض مصر. إن هذا القانون الأعلى يجب أن ينير طريقنا دائمًا في جميع علاقاتنا مع الغرباء في ضمن حدودنا".

    وبعد مضي (اثنتي عشرة) ساعة على إعلان قيام "إسرائيل" كان الرئيس ترومان رئيس الولايات المتحدة يعلن اعترافه بها، وقد أرسلت رسائل للدول العربية الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة تتضمن قرار إنشاء دولة إسرائيل.

    من المعروف أنه في يوم 29/ 11/ 1947 أقرت هيئة الأمم المتحدة مشروع تقسيم فلسطين "بالتساوي تقريبًا" إلى دولتين بأغلبية (33) ثلاثة وثلاثين صوتًا ضد (13) ثلاثة عشر، وامتناع (10) عشر دول عن التصويت، وكانت بريطانيا من بين الدول التي امتنعت عن التصويت، بينما أيدت كل من الولايات المتحدة وروسيا قرار التقسيم.. لقد أقيمت الدولة العبرية في 15/5/ 48 على قرابة 80% من مساحة فلسطين. بعد أن تم تشريد غالبية السكان الفلسطينيين من ديارهم في ذلك العام.

    واليوم، وبعد مضي اثنين وستين عامًا على قيام إسرائيل لا يسع المرء إلا أن يسأل: لماذا لم تقم الدولة العربية في فلسطين بموجب القرار الذي قامت على أساسه إسرائيل أيضًا؟ ولماذا يمتنع الإسرائيليون  حتى اليوم عن تنفيذ قرارات المجتمع الدولي رغم التزام مؤسسي إسرائيل بذلك.. ورغم  تغنيهم بالعدل، والتزامهم بالمساواة، وتعهدهم بتطوير الأرض لصالح سكانها كما رأينا في كلمتي بن غوريون، ومناحيم بيغن في مثل هذه الأيام من عام ثمانية وأربعين؟

    لماذا يصرون على امتلاك كل شيء وحرمان الفلسطينيين من كل شيء على الرغم من أنهم أصحاب هذه الأرض؟ وبأي حق كتب على نصف هذا الشعب العربي الفلسطيني أن يعيش حياة الهجرة واللجوء بعيدًا عن أرض وطنه فلسطين بينما يعيش نصفه الآخر على أرض الوطن حياة المهانة والجوع والعبودية؟ لماذا لا يعيش هذا الشعب حرًّا على أرض وطنه مثل كل الشعوب في هذا العالم؟ أليس شعبنا العربي الفلسطيني شعبًا محترمًا طيبًا جديرًا بالحياة؟ أليس في فلسطين متسع لأبنائها جميعًا؟

    وإذا كان من حق الفلسطينيين أن يعيشوا باحترام وأمان على أرض وطنهم فمتى سيتحقق ذلك؟ ومتى ستنتهي هذه المعاناة التي يتجرعون مرارتها منذ أكثر من مئة عام؟ وإذا كان الفلسطينيون بعد سنوات طوال من حلول عهد السلام الذي يتحدثون عنه يكابدون أصنافًا شتى من الفقر والجوع والموت عند الحواجز الثابتة وغير الثابتة، ويئنون تحت وقع جدار فصل عنصري لا يكف عن التهام الأرض وتشريد أصحابها... ففي أي قرن يا ترى سيستريحون من كوابيس هذه الحواجز والجدران والاجتياحات والمداهمات...؟ وفي أي قرن سيتمكنون من الحصول على شيء من حقوقهم الوطنية الثابتة في بلادهم فلسطين؟؟

(18/5/2010)

   

 


السبت، ١٥ أيار ٢٠١٠

متابعات

في الذكرى الثانية والستين للنكبة.. حقائق وأرقام

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr 

  لا نريد في هذه الذكرى الثانية والستين للنكبة التي عصفت بنا في العام الثامن والأربعين من القرن الماضي أن نلطم الخدود، ونشق الجيوب على الرغم من كل ما تعرض له هذا الشعب منذ تلك الأيام، ولا يزال.. ولا نريد في هذه الذكرى أن نطيل الوقوف على الأطلال والآثار والمرابع التي كانت، ثم زالت وأمّحت من الوجود على الرغم من كل موجبات ذلك من المشاهد والذكريات التي تتفطّر لهولها الأفئدة، ويشيب لأهوالها الولدان.

    ولا نريد في هذه الذكرى أن نستسلم للأوهام والأحلام، وأن نُخدع بمعسول الحديث، وحلو الكلام، لأن من شأن ذلك أن يقذف بنا إلى قوارع الطرق، ومذلة الأرصفة ومهالكها، وإلى كوابيس المخدرات وكوارثها، وآثارها المدمرة على الجسد والروح.. والعيش بالتالي على التهيؤات والهلوسات، واضطرابات الرؤية والرؤيا، وعمى البصر والبصيرة، وسوء تقدير العواقب والأمور، والخلط بين الأقوال والأفعال، وفقد الصلة بين الأسباب والمسبّبات، وبين الأسماء والمسمَّيات، والواقع القاتم القائم، والماضي الرائع الذي كان!!

    نريد في هذا اليوم أن نتفاءل، وأن نستعيد الثقة بالنفس، ونحن نستعرض مسيرة هذا الشعب العربي الفلسطيني منذ عام النكبة وحتى يومنا هذا.. نتفاءل ونحن نقول: إن عدد العرب الفلسطينيين في الدولة العبرية اليوم يرتفع إلى مليون ونصف المليون، بنسبة مقدارها عشرون بالمائة من عدد السكان، بعد أن لم يكونوا شيئًا مذكورًا في عام النكبة ذاك.. برغم تدمير(531) خمسمائة وإحدى وثلاثين قرية عربية، وبرغم ارتفاع عدد المهجّرين على أرض وطنهم هناك إلى (280.000) مئتين وثمانين ألف مهجَّر، ليصبح عدد من يعيشون في قراهم ومدنهم (1.220.000) مليونًا ومئتين وعشرين ألفًا.. صحيح أن نصف هذه الأقلية العربية الفلسطينية في وطنها تعيش تحت خط الفقر، وأن خمسة بالمائة منهم فقط يعملون موظفين حكوميين معظمهم في جهاز التعليم، وأن هنالك(45) خمسًا وأربعين قرية غير معترف بها في النقب وحده، يفتقر سكانها لأبسط متطلبات الحياة العصرية ومستلزماتها، وأن (62%) اثنين وستين بالمائة من سكان تلك الدولة غير العرب لا يرغبون في وجود هذه الأقلية بينهم، ويطالبون بترحيلها كي يتحقق لهم مبدأ يهودية الدولة الذي أصبح أمرًا معلنًا، وشرطًا مسبقًا لمجرد الموافقة على الحديث في بحث موضوع فلسطينيي العام سبعة وستين!!... ولكنّ كل هذا لا يمنع من القول إن هذه الأقلية متمسكة بوطنها، متشبثة بأرضها، واعية على أبعاد  ما يراد بها، تواصل العمل بكل همة وعزيمة وإصرار من أجل تحسين أحوالها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والقانونية، ومن أجل النهوض بهذه الأحوال، وعلى كافة المستويات والصعد بما يعزز بقاءها ووجودها الفاعل على أرض وطنها.

    كما نريد في هذا اليوم أن نتفاءل، وأن نستعيد الثقة بالنفس ونحن نقول: إن عدد العرب الفلسطينيين في ( الضفة الغربية) يبلغ اليوم مليونين ونصف المليون، منهم (875.000) ثمانمائة وخمسة وسبعون ألف لاجئ ومهجَّر يعيشون في (19) تسعة عشر مخيمًا، و(1.725.000) مليون وسبعمائة وخمسة وعشرون ألف مواطن.. وإن عدد اللاجئين والمهجَّرين في قطاع غزة يبلغ اليوم(1.125.000) مليونًا ومئة وخمسة وعشرين ألفًا يعيشون في (9) تسع مخيمات، وإن عدد بقية المواطنين هناك يبلغ(375.000) ثلاثمائة وخمسة وسبعين ألفًا.. ليصبح عدد المواطنين العرب الفلسطينيين داخل فلسطين التاريخية (5.600.000) خمسة ملايين وستمائة ألف مواطن ومواطنة... لا أحد ينكر أن الغالبية العظمى من هؤلاء المواطنين تعيش حياة صعبة جدًَا، وأن كثيرًا من مواطني (الضفة الغربية) ولا سيما فئة الشباب والخريجين يغادرون هذه المنطقة للعمل في أي خارج يُتاح لهم، وأن مصادرة الأرض، وبناء المستوطنات، والإمعان في إجراءات العزل والمضايقة والتجويع وبناء الجدار تُجرى على قدم وساق... ولكن لا أحد ينكر في الوقت نفسه أن هذه الملايين التي تعيش هنا على أرض الوطن تشكّل عائقًا بشريًّا يقف بقوة أمام الخطط والمخططات، وسدًّا منيعًا أمام كل إجراءات التهويد، ووضع اليد على مقدَّرات هذا الشعب المتشبث بأرض وطنه بدون حدود.. إن أحدًا لا يمكنه أن يقلل من الأهمية البالغة لهذه الملايين من العرب الفلسطينيين على أرض وطنها.. إنها قضية تريد حلاًّ.. ولا بد للمجتمع الدولي أن يقدم الحل لأنه الذي صنع المشكلة، وأوجد بالتالي هذه القضية.. ولا بد لهذا الحل أن يكون عادلاً ومقنعًا يعيد الحقوق إلى أصحابها كي يُكتب له النجاح.. وإلا فإن القضية ستبقى قائمة تبحث عن حل، وستبقى في الوقت نفسه بجذورها وفروعها وتراكماتها ومستجداتها مصدر قلق وتوتر واضطراب لهذا المجتمع الدولي الذي يجب أن يجد حلاًّ عادلاً مقنعًا لمشكلة من صنع يده.

    إنه، وفي مثل هذا اليوم الذي نستعرض فيه مسيرة هذا النصف المقيم على أرض الوطن من شعبنا العربي الفلسطيني، ليجدر بنا أن نشير إلى نصفه الثاني الذي يقيم منذ عام النكبة في الأقطار العربية المجاورة لفلسطين، حيث تشير الإحصاءات إلى أن عدد الفلسطينيين في هذه الأقطار قد بلغ(3.400.000) ثلاثة ملايين وأربعمائة ألف فلسطيني في لبنان وسوريا والأردن، وأن عدد الفلسطينيين في باقي الأقطار العربية، وغيرها من دول العالم قد ارتفع إلى مليونين، ليصبح عددهم خارج أرض الوطن (5.400.000) خمسة ملايين وأربعمائة ألف فلسطيني .. وبذا يكون تعداد هذا الشعب اليوم أحد عشر مليونًا بالكمال والتمام .

    ولسوف يتضاعف تعداد هذا الشعب خلال السنوات العشرين القادمة، ولسوف تتضاعف أعداد أطبائه ومهندسيه ومحاميه وصيادلته ومعلميه ومثقفيه ومفكريه وإعلامييه وصحافييه وعماله وتجاره ورجال أعماله، ولسوف تتضاعف أيضًا أعداد محبيه ومؤيدي قضيته العادلة من أبناء الشعوب الشقيقة والصديقة في هذا العالم.

    إننا، وبالرغم من كل هذه الإيجابيات التي يراهن عليها شعبنا، ويعقد عليها آماله في تحقيق الأهداف والطموحات والآمال، وبالرغم من إيماننا المطلق بحتمية انتصار قضايا الشعوب العادلة على مر العصور، وتعاقب الأجيال والدهور، منذ فجر التاريخ، وحتى يومنا هذا، وبالرغم من إيماننا بحتمية انتصار قضية شعبنا في نهاية المطاف، لأنها واحدة من قضايا الشعوب العادلة التي انتصرت، ولأن خلفها شعبًا مُؤمنًا تسلح بالعزيمة والإرادة والإصرار.. إلا أنه لا بد من الإشارة بمرارة وألم إلى مواقف أولئك الذين يتنكرون لحقوقنا الثابتة المشروعة في بلادنا، وعلى ثرى أرضنا الطهور، ولا بد من الإشارة إلى هذه النوايا السيئة التي أصبحوا يظهرونها تجاهنا علنًا، ويجاهرون بها صباح مساء، ولا بد من الإشارة إلى كل هذه الممارسات التي تستهدف حصارنا، وتجويعنا، والتضييق علينا، وحشرنا في هذه المعازل والمعتقلات الصغيرة والكبيرة، وتجريدنا من أبسط حقوقنا في الحياة والحرية والتقدم والرِّفاء!!

    هل نسي هؤلاء حقيقة أننا أصحاب هذه الأرض مذ كانت؟ وهل نسي هؤلاء أننا شعب عريق أصيل حفر بصماته بقوة على جدار الزمن منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها؟ وهل نسي هؤلاء أننا ننتمي لخير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله؟ وهل نسي هؤلاء أننا شعب طيب متسامح محبٌّ للآخرين، محبٌّ للحق والعدل والحرية والسلام، وأن العيش معنا وبنا، وإلى جوارنا، وفي كنفنا أمر ممكن إذا لم نُظلم، وإذا لم نُستفزّ، وإذا عاملنا الآخرون بما نحن أهله من احترام؟

    إننا في هذا اليوم الزاخر بالحوادث والأحداث والمشاهد والذكريات المؤلمة الحزينة والرؤى والأخيلة والخيالات المتصارعة المتشابكة المتقاطعة التي تعصف عصفًا بهذه الذاكرة التي مزقتها الأحداث، وأدمتها الخطوب والكوارث والأهوال .. إننا في هذا اليوم الذي نقف فيه خاشعين ونحن نحيي فيه ذكرى شهدائنا الذين سقطوا منذ عام النكبة، وعلى امتداد عهد الانتداب البريطاني، وحتى يومنا هذا، ونحيي فيه ذكرى أسرانا الذين أضاءوا السجون والمعتقلات ومراكز التوقيف بنور إيمانهم ويقينهم على مر الدهور، وتعاقب العصور... إننا في هذا اليوم الذي نختزل فيه التاريخ كله، ونختزن فيه الآلام والفواجع والكوارث والنكبات كلها، لنَمدّ أيدينا مصافحين كل المؤمنين بضرورة بناء سلام عادل دائم شريف متكافئ في هذه الديار.

 (15/5/2010)

 

   

 


الخميس، ١٣ أيار ٢٠١٠

متابعات

احتفالاتهم بذكرى "توحيد أورشليم" ... ماذا تعني ؟؟

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

        في الثاني عشر من هذا الشهر أيار احتفلوا –حسب تقويمهم- بالذكرى الثالثة والأربعين لتوحيد أورشليم، أي بضم الشطر الشرقي من القدس (بعد احتلاله في حرب الخامس من حزيران) إلى الشطر الغربي الذي احتلوه عام ثمانية وأربعين، أي قبل اثنين وستين عامًا... ولعلّ ما يثير في النفس أكثر من شجن، ويلقي عليها سيلاً من الأسئلة والتساؤلات هو أن تأتي هذه الاحتفالات، وهذه التأكيدات على ضم الشطر الشرقي إلى الغربي، وهذا الإصرار على المضي في تهويد القدس، وزرعها بالمستوطنات والمستوطنين، وتحويلها بالتالي إلى مدينة للمتدينين اليهود بعد يومين فقط من استئناف هذه المفاوضات برعاية جورج ميتشيل، وتوجيه من أوباما، وإصرار منه على ضرورة أن يبدي الطرفان المتفاوضان مزيدًا من حسن النية، ومزيدًا من اتخاذ القرارات المؤلمة، ومزيدًا من الإصرار على الدفع بهذه المفاوضات لتصبح مفاوضات مباشرة في أسرع وقت بعيدًا عن الاستفزازات، وبعيدًا عن التحريض كي يتمكن الطرفان بعد ذلك من التوصل إلى الحلول لكافة ملفات القضية الفلسطينية، ولكافة ملفات الشرق الأوسط بعد ذلك، أو بالتزامن معه.

فهل تخدم احتفالاتهم هذه عملية السلام التي يقرعون بها رؤوسنا منذ أكثر من ستين عامًا؟ وهل يخدم عملية السلام التي يتحدثون عنها إصرارُهم على المضي قدمًا في تهويد القدس، وزرعها بالمستوطنات والمستوطنين؟ وإخلاء البيوت من مواطنيها العرب، ومصادرة مزيد من الأرض العربية؟ والعقارات العربية في القدس وغير القدس في كل يوم؟ وهل تقضي هذه المفاوضات أن نسلّم بمطالبهم، ونستسلم لشروطهم وإملاءاتهم، ونوافق دون تردد أو نقاش على كل تصوراتهم ومخططاتهم؟ وهل بات لزامًا علينا أن نتنازل عن كل شيء لا لشيء إلا لأن السادة الكبار، ومجموعات الضغط (التي تتحكم بمصائرهم) يريدون ذلك؟ وهل ضاع الشطر الشرقي من القدس عندما سلّمنا لهم بشطرها الغربي؟ وهل تنازلنا عن نابلس والخليل يوم تنازلنا عن النقب ويافا والجليل؟ وإذا كان البيت الأبيض (بغض النظر عن لون الرئيس الأمريكي وحزبه) عاجزًا عن إنصافنا، وإحقاق حقوقنا الوطنية الثابتة في بلادنا فلسطين، فلماذا نبقى هكذا نغتذي الوهم، ونقتات الوعود في الوقت الذي يعمل فيه هؤلاء بكل ما أوتوا من قوة على تغيير معالم أرضنا، وفرض حقائق جديدة على هذه الأرض في كل يوم، وفي الوقت الذي يتنكرون فيه لسائر حقوقنا الوطنية الثابتة في بلادنا، ويُحكمون فيه من قبضتهم على أعناقنا وأرزاقنا ومصائر أجيالنا القادمة؟؟

ألا يقولون في كل يوم إنهم لن يسمحوا لفلسطيني واحد بالعودة؟ ألا يؤكدون في كل يوم على أن القدس الموحدة بشطريها هي عاصمة دولتهم إلى الأبد، وأنهم لن يسمحوا لأحد أن ينتقص من سيطرتهم المطلقة على هذه المدينة؟ ألا يعتبرون الضفة الغربية كلها دون أدنى استثناء مناطق أمنيّة لا تختلف في هذا عن سائر مستوطناتهم ومدنهم في كل هذه الديار؟ ألا يطلقون عليها اسم يهودا والسامرة في كافة معاملاتهم الرسمية وغير الرسمية؟ ألا يعملون الآن من أجل إبعاد عشرات الآلاف من مواطني الضفة الغربية ممن يعتبرونهم "متسللين" يقيمون فيها بصورة غير مشروعة؟ !! ألا يستهدفون بهذا كثيرًا من رجالات السلطة ورموزها قبل غيرهم من الفئات؟

إن ما يجري في هذه الديار جدّ خطير، وإن كل هذا الذي يجري هو حلقات يؤدي بعضها إلى بعض وفق سياسة مرسومة وضعوها لهذه المنطقة من العالم منذ عقود؟ وتتولى أجيالهم المتعاقبة أمر تطويرها والدفع بها إلى الأمام، وإن الهدف من هذا كله أن يفرضوا سيطرتهم على كل هذه الديار، وعلى غير هذه الديار عن طريق الحروب تارة، وألوان الاعتداءات والاختراقات وإقامة العلاقات تارات.. وقد أعدوا العدة لذلك منذ زمن بعيد، فأقاموا العلاقات مع سائر الدول المتنفذة في غرب الدنيا وشرقها، وأنشأوا منذ عقود (ولا زالوا يُنشئون) مجموعات الضغط التي من شأنها أن تعينهم على تحقيق أهدافهم السياسية والاقتصادية والثقافية في أقطار هذا الكون خدمةً لمخططاتهم في إحكام قبضتهم على هذه الديار، وفرض سيطرتهم على ديار العروبة والإسلام بشتى الوسائل والأساليب.. أما أسلوب الحرب، وتوجيه الضربات العسكرية، وتدمير المواقع فقد احتفظوا لأنفسهم بالحق في استخدامه ضد الدول والمنظمات والتنظيمات التي تناصبهم العداء، ولا ترضخ لمطالبهم وإملاءاتهم... وهذا أمر آخر مختلف، وإن كان له بالطبع صلة وأي صلة بموضوع هذا المقال.

وبعد..

فإن احتفالات هؤلاء باحتلال القدس الشرقية في الخامس من حزيران من عام سبعة وستين، وضمها إلى ما احتلوه منها في مثل هذه الأيام من عام ثمانية وأربعين، تعني فيما تعني أن هؤلاء لا يريدون السلام، وأنهم يريدون فرض سيطرتهم المطلقة على فلسطين التاريخية، وعلى سائر بلاد العروبة والإسلام بطرق مختلفة، وتعني فيما تعني أنهم لا يريدون لهذه المفاوضات التي يجرونها مع الطرف الفلسطيني منذ سنوات طوال أن تنجح، أو تقضي إلا لمزيد من المفاوضات، ومزيد من المتاهات، وتعني أيضًا كسب مزيد من الوقت لإحكام السيطرة، وفرض مزيد من الحقائق على الأرض، والاستمرار في المماطلة لابتزاز مزيد من التنازلات حتى لا يبقى هنالك شيء نتفاوض معهم عليه.                                                       

لقد آن لنا أن ندرك أنه ليس بالمفاوضات تتحقق الأهداف والأمنيات، وآن لهم أن يدركوا أنه ليس بهذه الاحتفالات والممارسات والاستفزازات والتنكر لحقوق الآخرين في بلادهم يتحقق السلام، ويزدهر الأمن والأمان في هذه المنطقة من العالم.

13/5/2010


الثلاثاء، ١١ أيار ٢٠١٠

متابعات   

        في الذكرى 69 لوفاة شاعر فلسطين إبراهيم طوقان                                                                        عدنان السمان

www.samman.co.nr

ولد إبراهيم عبد الفتاح طوقان في مدينة نابلس عام (1905)، وتعلم في المدرسة الرشادية الغربية (1911-1918) وكان لأستاذيه الشيخين إبراهيم أبو الهدى الخماش، وفهمي هاشم أثرهما في صقل مواهبه، ثم دخل مدرسة المطران الثانوية في القدس، ولبث فيها من العام (1919) حتى (1923) حيث أنهى دراسته الثانوية..وهناك في القدس تأثر كثيرًا بالأستاذ نخلة زريق المدرّس في الكلية الإنجليزية حيث عرّفه عليه شقيقه أحمد الذي كان طالبًا في تلك الكلية آنذاك...وفي القدس أيضًا تفجرت موهبة إبراهيم، وكان شقيقه أحمد، وسعيد تقي الدين يشرفان عليه، ويشجعانه حيث كتب في تلك الفترة كثيرًا من القصائد الجيدة.

في العام (1923) التحق بالجامعة الأمريكية، ولبث فيها حتى العام (1929) حيث حصل على البكالوريوس في اللغة العربية...وهناك في بيروت قامت الصداقة الوثيقة بينه وبين أستاذه أنيس الخوري المقدسي، كما نشأت أواصر المودة بين إبراهيم وكثير من أدباء العربية وأعلامها البارزين ومنهم: عمر فروخ، ووجيه البارودي، وسعيد تقي الدين...كان إبراهيم في هذه الفترة من حياته شاعر الجامعة..حيث كتب كثيرًا من الأشعار الغزلية الناضجة التي كان ينشرها في الصحافة البيروتية...

على أن أروع قصائده في تلك الفترة هي قصيدته "ملائكة الرحمة" التي كتبها في العام (1924)، ونشرها في المعرض البيروتية (لصاحبها ميشال زكور) وقد اعتبر كثير من النقاد تلك القصيدة باكورة شعره الحقيقي، وانطلاقته في الأوساط الأدبية شاعرًا مُجيدًا.

ولعل من الضروري أن يشار إلى أن المرض الذي صاحب إبراهيم منذ طفولته، وحتى وفاته، كان له تأثيره البالغ على إبراهيم في حياته وفي شعره:

فعلى منصة التخرج عام (1929) وبعد ست سنوات من الدراسة المتقطعة يتعرض إبراهيم لنزيف حاد في المعدة، ويغمى عليه، ويسرع به أبوه (الذي جاء ليحضر حفل تخرجه) إلى القاهرة للعلاج..ويحاول إبراهيم هناك أن يعمل في الصحافة المصرية..ولكن وطأة المرض تشتد عليه، وتحرمه من هذه الفرصة، أو تحرم الصحافة هناك من مواهب إبراهيم التي نعد منها ولا نعددها.

وفي العام (1929) يعمل إبراهيم معلمًا للغة العربية في مدرسة النجاح بنابلس نزولاً عند رغبة والدته التي أصرت على أن يكون قريبًا منها –كما كانت تفعل دائمًا- وفي هذا العام تفجرت في فلسطين ثورة البراق..وكان من الطبيعي أن تتحول "النجاح" إلى قلعة من قلاع المقاومةِ في فلسطين، وأن تشارك في تلك الثورة، وأن يقوم إبراهيم وغيره من معلمي هذه المدرسة بواجبهم الوطني، وأن يبثوا في طلابهم الروح القومية العربية رغم فظائع قوات الانتداب البريطاني التي كانت تحكم البلاد بالحديد والنار.

بعد أن عمل إبراهيم في مدرسة النجاح عامًا واحدًا ترك هذه المدرسة، ليعمل في الجامعة الأمريكية مدرّسًا مدة سنتين، بتشجيع من أستاذه أنيس الخوري المقدسي، وكان ذلك عام (1930).

ثم عمل إبراهيم مدرّسًا للعربية في المدرسة الرشيدية في القدس في العام (1932) ومن هناك عارض أحمد شوقي في لاميّته "قم للمعلم"...وفي أواخر هذا العام أجريت له عملية جراحية في المعدة، ونجا من موت محقق، وغادر المشفى الألماني في المدينة في آذار من عام (1933)، وعاد إلى نابلس بعد أن استقال من العمل في المدرسة الرشيدية.

أمضى إبراهيم بعد ذلك عامين كاملين (1933-1935) مديرًا لمصلحة المياه في بلدية نابلس، وكان يشرف خلال تلك الفترة على أعمال أبيه التجارية...وفي هذه الفترة كتب أجمل أشعاره التي كان ينشرها في جريدة الدفاع الفلسطينية.

وفي أواخر عام (1935) أخذت السلطات البريطانية تعد العدة لإنشاء محطة إذاعية مركزها القدس، تكرسها لخدمة أهدافها الاستعمارية، وبعد إنشائها وقع الاختيار على إبراهيم ليرئس القسم العربي في هذه المحطة في القدس، ويكتب إلى صديقه عمر فروخ في (7/آذار/1937) رسالة يقول فيها: لقد أصبح دأبي أن أجعل هذا البرنامج تحفة من التحف بحيث أبذ به برنامج مصر، وقد توفقتُ في ذلك إلى حد بعيد، فقد جاءني الثناء العاطر من مصر نفسها، ومن العراق وسوريا والهند والرياض، فتأمل كم يدعو ذلك إلى النشاط، وكم يتسع العذر معه للتصيد....وفي ربيع عام (1937) تزوج إبراهيم من سامية عبد الهادي، حيث رزق منها بابنه جعفر، وابنته عريب..

كان إبراهيم صحافيًّا وإعلاميًّا ومتحدثًا لبقًا بارعًا، ومحقق كتب أدبية قديمة مع المستشرق التشيكوسلوفاكي الدكتور لويس نيكل.. ولقد أتقن إبراهيم اللغة الإنجليزية إلى جانب العربية، كما ألم بالتركية والفرنسية والألمانية والإسبانية الأمر الذي مكنه من الاطلاع على آداب تلك الأمم وثقافاتها.

أما حديثه الإذاعي المشهور الذي تناول فيه (السموأل بن عاديا) فقد ألقاه في 20 أيلول 1936...ولقد شنت صحيفة "دافار" العبريّة في صدر صفحتها الأولى في اليوم التالي هجومًا شرسًا على إبراهيم...وفي عددها الصادر في 28/9/1936 نشرت مقالاً على الصفحة الأولى بقلم محررها (داود يلين) هاجم فيه إبراهيم..وفي عددها الصادر في 29/9/1936 كانت افتتاحية "دافار" حول هذا الموضوع أيضًا.

أقيل إبراهيم من عمله في مصلحة إذاعة فلسطين في أول أكتوبر –تشرين الأول- عام 1940، بعد سلسلة طويلة من أعمال الدس والتحريض التي شنها ضده أعداؤه وحاسدوه...وفي مساء ذلك اليوم خفّ صديقه (أكرم بك الركابي) إلى طالب مشتاق قنصل العراق في القدس، وأطلعه على ما جرى...وعليه فقد أبلغ إبراهيم بالتوجه إلى دار المعلمين الريفية في الرستمية ببغداد للعمل فيها معلمًا...فذهب وهو مصمم على عدم العودة إلى فلسطين.

ولكن إبراهيم عاد بعد شهرين فقط إلى نابلس مريضًا، وهناك في المشفى الفرنسي أسند رأسه إلى صدر أمه، ولفظ آخر أنفاسه مساء يوم الجمعة في الثاني من أيار عام (1941).

قراءة سريعة في شعره:

قال إبراهيم الشعر في معظم أغراضه من غزل ورثاء ووصف وحكمة، أما شعره الوطني فقد أبدع فيه أيما إبداع...وكان يرى بعين بصيرته وبحسه المرهف ما ينتظر عرب هذه الديار:

أمامك أيها العربي يومٌ          تشيب لهوله سود النواصي
وأنت كما عهدتك لا تبالي              بغير مظاهر العبث الرخاص
فلا رحب القصور غدًا بباقٍ             لساكنها، ولا ضيق الخصاص
مناهجُ للإبادة واضحاتٌ                 وبالحسنى تنفَّذُ، والرصاص

واستمع إليه وهو يخاطب أولئك الأقوياء الطامعين في هذه البلاد إذ يقول:

أجلاءً عن البلاد تريدو          ن فنجلو، أم محقنا والإزاله؟

وفي الاحتفال الذي أقامته مدرسة النجاح في أواخر العام الدراسي (1928) ألقيت قصيدة إبراهيم " تفاؤل وأمل " والتي مطلعها:

كفكف دموعك، ليس ينــ     فعك البكاء ولا العويل
ومنها:
وطنٌ يباع ويشترى     وتصيح " فليحي الوطن "!
لو كنت تبغي خيره     لبذلت من دمك الثمن
ومنها:
حي الشباب وقل سلا   مًا إنكم أمل الغد
صحت عزائمكم على   دفع الأثيم المعتدي
والله مد لكم يدًا                 تعلو على أقوى يد
وطني أزفّ لك الشبا    بَ كأنه الزهر الندي
لا بد من ثمر له                يومًا وإن لم يعقد

ومن شعره قصيدته في السماسرة ومطلعها:

أما سماسرة البلاد فعصبةٌ                       عار على أهل البلاد بقاؤها
ومنها:

ومن العجائب إن كشفت قدورهم                أن الجرائدَ، بعضَهنّ، غطاؤُها
كيف الخلاص إذا النفوس تزاحمتْ             أطماعها، وتدافعت أهواؤها؟!

ومن قصيدته " لمن الربيع " يقول إبراهيم:

لمن الربيع وطيبه              وهواه، والزهر البديعُ؟
فرحُ الربيع لمن له             أرضٌ، وليس لمن يبيع!!

ومن قصيدته " الشهيد " قوله:
أي وجه تهللا
يَرِدُ الموتَ مُقبِلا
صعّد الروح مرسلا
لحنَه يُنشدُ الملا
أنا لله والوطن

أما قصيدة " الحبشي الذبيح " التي نشرها في جريدة البرق البيروتية سنة 1931 ففيها إشارة إلى الشعوب المستضعفة التي يذبحها الأقوياء كما تذبح الديكة الحبشية لتُحشى بها البطون، وأما الريش فتحشى به الوسائد:

قالوا حلاوة روحه رقصت به   فأجبتهم ما كل رقصٍ يطرب
أعذابه يدعى حلاوة روحه              كم منطق فيه الحقيقة تقلبُ!!

وفي يوم الثلاثاء السابع عشر من أيار عام 1930 أقدمت قوات الانتداب البريطاني على إعدام فؤاد حجازي من صفد مع رفيقيه عطا الزير ومحمد جمجوم من الخليل....وفيهم يقول إبراهيم قصيدته المشهورة " الثلاثاء الحمراء " ومطلعها:

لما تعرض نجمك المنحوس            وترنحت بعرى الحبال رؤوسُ
ناح الأذان وأعول الناقوس              فالليل أكدر والنهار عبوسُ

أما أناشيده وعلى رأسها نشيد " موطني " فقد بلغ فيها قمة الإبداع والتألق، ورددها كثير من العرب في سائر أقطارهم وأمصارهم.

ليست وطنية إبراهيم طوقان بحاجة إلى دليل أو برهان، لقد كان مقاتلاً صلبًا لا تلين له قناة، وكان يرى -رأي العين- ما سيحل بالبلاد والعباد...ومن هنا كان صراخه الدائم، ونداءاته المتكررة لتجنيب البلاد والعباد هذا المصير الأسود القاتم... وعلى الرغم من وجود الأحزاب، وكثرة الزعماء في عصره إلا أنه لم يلتفت إلى ذلك...بل كان وطنيًّا غيورًا مخلصًا لقضية بلاده...وقصائده وأناشيده: موطني، وطني أنت لي، فتية المغرب، مرابع الخلود، أنتم المخلصون، شريعة الاستقلال، تفاؤل وأمل، الشهيد، الفدائي..وغيرها أكبر شاهد على صحة هذا القول.
ومن شعره الذي جمع بين الرمز والغزل قصيدته " ملائكة الرحمة " التي نشرها في " المعرض " البيروتية عام 1924 والتي أثارت ضجة كبيرة في الأوساط الأدبية، واعتبرها كثير من النقاد انطلاقة إبراهيم الشعرية..ومطلعها:

بيض الحمائم حسبهنه   أني أردد سجعهنَّه
ومنها:


الروض كالمستشفيا     ت، دواؤها ايناسهنهْ
ما الكهرباء وطبها              بأجلَّ من نظراتهنه
يشفي العليل عناؤهـ   نَّ وعطفهنّ ولطفهنه
مرّالدواء بفيك حلــ           وٌ من عذوبة نطقهنّه

وقد خلّف إبراهيم ثروة كبيرة من شعر الغزل بين مطبوع ومخطوط ... ومن أجمل غزله هذه الأبيات من قصيدة " حَيْرة":
ما كنتُ أرغبُ أن أسمّى قاسيًا فأنفر الأحلام من عينيها
والشوق يدفعني إلى إيقاظها             ويدي تحاذر أن تُمدّ إليها
وكأنّما شعر الرقاد بنعمةٍ                فأقام غير مفارق جفنيها
ويلٌ لقلبي كيف لم يفتك به              مرآى تقلبها على جنبيها
وتنهدت مما تكنّ ضلوعها              يا شوقُ ويحَكَ لا ترعْ نهديها

ومن المدرسة الرشيدية في القدس عارض أمير الشعراء أحمد شوقي في لاميته " قم للمعلم... " كان ذلك في عام 1932، وهو العام الذي توفي فيه شوقي ...وأقيم له في ذلك العام حفل تأبين كبير في مدينة نابلس ..و مطلع تلك القصيدة:

شوقي يقول، وما درى بمصيبتي:       قم للمعلم وفّه التبجيلا
ومنها قوله:

حسب المعلم غمةً وكآبةً        مرأى " الدفاتر " بكرةً وأصيلا
مئةٌ على مئةٍ إذا هي صُلِّحتْ           وجد العمى نحو العيون سبيلا
ولو انّ في " التصليح" نفعًا يُرتجى      وأبيك، لم أك بالعيون بخيلا

وفي أواخر ذلك العام أدخل المشفى الألماني في القدس لإجراء عملية عاجلة في المعدة، ونجا يومها من موت محقق، ولقد وجدوا في جيبه هذه الأبيات:

إليك توجهت يا خالقي  بشكرٍ على نعمة العافيهْ
إذا هي ولّتْ فمن قادرٌ سواك على ردها ثانيه
وما للطبيب يدٌ في الشفا         ء ولكنّها يدك الشافيه
تباركت أنتَ معيد الحيا         ةِِ متى شئتَ في الأعظم الباليه

ومن قصيدته " كارثة نابلس " بعد أن ضربها الزلزال المدمر عام 1927:

أدموع النساء والأطفال          تجرح القلب أم دموع الرجالِ
بلد كان آمنًا مطمئنًّا            فرماه القضاء بالزلزال
هزةٌ إثر هزةٍ تركته             طللاً دارسًا من الأطلالِ
مادت الأرض ثم شبّتْ وألقتْ           ما على ظهرها من الأثقال
فتهاوتْ ذات اليمين ديارٌ                لفظتْ أهلها، وذات الشمال
فإذا الدُّورُ وهي إما قبورٌ                تحتها أهلها، وإما خوالِ
لا تقفْ سائلاً بنابلس الثكــ           لى فما عندها مجيبُ سؤال

أما قصيدته في رثاء عبد المحسن الكاظمي والتي مطلعها:

سل جنة الشعر ما ألوى بدوحتها        حتى خَلَتْ من ظلال الحسن والطيبِ
فيتحدث فيها عن الفقيد ومزاياه ومقدرته الفائقة على ارتجال الشعر، كما يتحدث عن فلسطين وما تعانيه، وعن الذئاب التي ترعى الأغنام...وعن الوعد المشئوم والمطايا والمحاسيب..إلى أن يقول:

هل في فلسطين بعد البؤس من دعةٍ     أم للزمان ابتسامٌ بعد تقطيبِ
كم حقَّقّ العزمُ والإعجالُ من أمل       وخاب قصدٌ بإمهالٍ وتقليبِ

وكذلك كانت قصائده في رثاء موسى كاظم الحسيني، والشيخ سعيد الكرمي، والملك فيصل...وغيرهم.
ومن أروع قصائده " مصرع بلبل " تلك القصيدة الاجتماعية التي تناول فيها مأساة الفتى الذي يأتي من بلدته الصغيرة، أو قريته البسيطة، فتقوده قدماه إلى وكر من الأوكار في المدينة الكبيرة الصاخبة، وتكون نهايته هناك في مزالق الضلال والضياع...ومطلعها:

قَدَرٌ ساقَه فآواه روضًا   لم يكنْ طار فيه قبلاً وغنّى
ومن قصائده الخالدة " أشواق الحجاز ":
بلاد الحجاز إليك هفا            فؤادي وهام بحب النبي
ويا حبذا زمزم والصَّفا          ويا طيب ذاك الثّرى الطيبِ

ولا بد من الإشارة أخيرًا إلى أنه في صيف عام 1941 أقامت مدرسة النجاح حفل تأبين لإبراهيم طوقان تحدث فيه كثير من الشعراء والخطباء من هذه البلاد وغيرها من أقطار العروبة....وكان من بين تلك القصائد قصيدة لتلميذه الشاعر محمد أحمد العمد – أطال الله بقاءه- أورد منها بعض الأبيات فقط بناء على طلب الشاعر العمد:

مات الهزار وغابت الألحانُ             فالروضُ لا غردٌ ولا نشوانُ
غمرتْ تهاويل الكآبة أُفْقهُ               وتربعتْ في ساحه الأحزانُ
غاضت بشاشته وصوّح نبتُه            وأسوَدَّ فيه اليانع الريّانُ
ومشت بلابلُه تشيّعُ راحلاً               هو للمكارم والعلا عنوانُ
خفّتْ إليه من الجنان ملائكٌ             ومشى يقرّبه له رضوانُ
في ذمة الأوطانِ أنبلُ شاعرٍ             تبكيه بعد مماته الأوطانُ
خاض الحياة بهمةٍ وثّابةٍ                لم يرقَ نحو سمائها الفتيانُ
كان المدافع عن ذمار بلاده             إنْ هدّ أركان الحمى طغيانُ
لا تستنيمُ إلى هوانٍ نفسُه                هيهات أن يرضي الكريمَ هوانُ
غنّى فرددت البلاد نشيدَه                واستيقظ المتقاعس الوسنانُ
هزّت قصائده النيام فأسرعوا    يحدوهم الإخلاص والإيمانُ

ومنها:

أبكيك علَّ الدمعَ يُسكنُ لوعتي فالدمعُ فيه للشجي سلوانُ
أبكي النبوغ العبقريَّ مغيّبًا              ضمّتْهُ خلفَ حجابِها الأكفانُ
نضبت بحورُ الشعر بعدك وامَّحت      وتَضَعْضَعَتْ لوفاتك الأوزانُ
أرثيك والآلام تثقلُ خاطري             هيهاتَ أن يوفي رثاك لسانُ

وبعد، فهذه لمحة سريعة عن شاعر فلسطين إبراهيم طوقان في الذكرى التاسعة والستين لوفاته أضعها بين يدي القارئ الكريم مشيرًا إلى ذلك التراث الخالد لهذا الشاعر العربي الفلسطيني الكبير من أشعاره المطبوعة والمخطوطة...ومما كتبه عنه النقاد والمؤلفون والباحثون وهواة الأدب..ففي ذلك كله مزيد من الفائدة والمعرفة والمتعة والعبرة لكل هواة الأدب والحكمة من أبناء العربية.
مصادر البحث:
1- طوقان شاعر فلسطين في حياته وشعره/ الدكتور زكي المحاسني.
2
- إبراهيم طوقان/ عبد اللطيف شرارة.
3
- شاعران معاصران/ الدكتور عمر فروخ.
4
- شاعران من جبل النار/ وليد جرار.

5-ديوان الفلسطينيات/ وديع البستاني.
6
- ديوان إبراهيم/ إبراهيم طوقان.
7
- أخي إبراهيم/ فدوى طوقان

 

(11/5/2010)