عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


الخميس، ٢٨ تشرين الأول ٢٠١٠

في ذكرى وعد بلفور وحرب السويس ... !!

متابعات:

 

في ذكرى وعد بلفور وحرب السويس  ... !!

                   عدنان السمان

www.samman.co.nr

   في محاولة منه للتقليل من دور بريطانيا في تمكين اليهود من فلسطين، وإقامة وطن قومي لهم فيها.. وتحميل أهلها مسئولية ما يحدث، فقد قام المندوب "السامي" البريطاني في فلسطين قبل نحو سبعين عامًا بدعوة عدد من "وجهاء" البلاد إلى مقر إقامته في القدس.. ولما تأخر "صموئيل" عن موعده مع المدعوين، ولما كان المكان المخصص لاستقبالهم لا يتسع إلا لعدد محدود منهم؛ فقد أخذوا يتهيأون للانصراف.. وهنا ظهر المندوب "السامي" حيث قال لهم: لقد بدأتم بالانصراف بعد أن تعبتم من الوقوف بعض الوقت بسبب تأخري.. ولو لم يجد اليهود أماكن لاستيعابهم في بلادكم لما استقروا فيها.. ولو لم يجدوا ما يحتاجون إليه من أرض يقيمون عليها مدنهم وقراهم هنا لما أنشأوا كل هذه التجمعات السكانية الخاصة بهم، والتي هي في ازدياد كل يوم...

    وتلعنون "بلفور" الذي أعطاهم وعدًا بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين! وما وعد "بلفور" أكثر من وعد، أو جملة، أو عبارة، من الوعود والجمل والعبارات الكثيرة التي وردت في التاريخ.. ولكنكم أنتم الذين تضعون هذا الوعد موضع التنفيذ ببيعكم كل شيء لليهود.. والآن يمكنكم أن تنصرفوا..!! فمن هو بلفور؟ وما الذي يمكن أن يصدر عن ذاكرة عربي فلسطيني في مناسبة كهذه؟

    في الثاني من تشرين الثاني من عام سبعة عشر وتسعمائة وألف منح اليهودي والسياسي البريطاني الذي شغل منصب رئيس الوزراء في بريطانيا، ثم وزير الخارجية فيها -آرثر جيمس بلفور– وعدًا لليهود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين، وهو الوعد الشهير بوعد بلفور، رغبة منه في تقديم "خدمة" للحركة الصهيونية الراغبة في إقامة "دولة " لليهود.. ومن الثابت تاريخيًّا أنَّ الحركة الصهيونية التي عقدت أول مؤتمر لها في بازل بسويسرا عام 1897، سبعة وتسعين وثمانمائة وألف. لم تفكر بإقامة هذه الدولة في فلسطين، إلا أن رأيها قد استقر على ذلك بعد موت ثيودور هرتزل.

    وكان من الطبيعي أن يبدأ كثير من يهود العالم منذ ذلك الحين – بالتوجه نحو فلسطين .. كما كان من الطبيعي أيضًا أن تبدأ بريطانيا "العظمى" بإعداد العدة لمساعدة الصهيونية في تحقيق هذا الهدف، بعد أن فرضت انتدابها على فلسطين في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وخروج الدولة العثمانية مهزومة من تلك الحرب.

    وفي عام ثمانية وأربعين وتسعمائة وألف تمكنت الحركة الصهيونية بمساعدة بريطانيا وغيرها من دول الغرب والشرق من إقامة الدولة اليهودية على قرابة ثمانين بالمئة من أرض فلسطين البالغة مساحتها (27009) كم مربع، وتشريد الغالبية العظمى من عرب فلسطين.. لقد كان اليهود غاضبين لأن "بلفور" وعدهم "بوطن" في فلسطين، ولم يعدهم بفلسطين كلها كما جاء على لسان "بن غوريون"  –أول رئيس وزراء في إسرائيل– حيث وجه نقدًا شديدًا لصيغة ذلك الوعد.. وعليه فقد ظل اليهود يعملون للاستيلاء على ما تبقى من أرض فلسطين..

    وبعد أن بذلت المملكة المتحدة كل هذه الجهود لإقامة هذه "الدولة" كان من الطبيعي أن تعمل على حمايتها، وتزويدها بكل أسباب القوة والتفوق العسكري على العرب مجتمعين.. بل لقد ذهبت بريطانيا –صاحبة الأيادي البيضاء على العرب– إلى ما هو أبعد من ذلك حيث خاضت الحروب إلى جانبها ومن أجلها .. فقامت مع فرنسا آنذاك بضرب المد القومي العربي المتصاعد في تلك الفترة..لا لشيء إلا لقيام الثورة المصرية (ثورة 23 تموز 1952)، بتخليص مصر من الاحتلال البريطاني الذي جثم على صدرها منذ عام 1882، وبعد معارك فدائية حقيقية في منطقة القناة تم توقيع اتفاقية الجلاء في تشرين الأول من عام 1954، ولقد خرج آخر جندي بريطاني من مصر طبقًا لهذه الاتفاقية في يوم 18/6/1956.. ولا لشيءٍ أيضًا إلاّ لهذا الدور الذي قامت به مصر في إنجاح كثير من المؤتمرات التي كان لها الأثر الكبير في محاربة الاستعمار، مثل مؤتمر باندونغ عام 1955، ومؤتمر بريوني عام 1956، وكذلك كسر احتكار السلاح عام 1955، والاعتراف بالصين الشعبية في أيار 1956، ومساندة ثورة الجزائر (1954-1962) .. وفي 26/7/1956 أعلن جمال عبد الناصر القانون رقم (285) لسنة 1956 بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس شركة مساهمة مصرية، الأمر الذي أزعج الغرب، وأفقده صوابه.. فراح يعد العدة للانتقام، وراح يعد العدة للعدوان، بهدف احتلال قناة السويس من جديد، وضمان مرور السفن الإسرائيلية، بل وحماية إسرائيل نفسها من الخطر الذي بات يشكّله نظام حكم الرئيس جمال عبد الناصر عليها...

    فقد قامت بريطانيا وفرنسا إلى جانب ربيبتهما وحليفتهما إسرائيل "بشن العدوان الثلاثي على مصر في يوم الثلاثاء الموافق للتاسع والعشرين من تشرين الأول من عام ستة وخمسين وتسعمائة وألف (29/10/1956).. عندما قامت إسرائيل قبيل غروب شمس ذلك اليوم ببدء عملياتها الحربية ضد مصر، حيث أذاع راديو إسرائيل بلاغًا حربيًّا أعلن فيه أن القوات الإسرائيلية قامت باحتلال ثلاثة مواقع مصرية هي "الكونتلا" و"رأس النقب" و"نخل" وكان معنى ذلك أن إسرائيل (بقيادة عساف سمحوني) قد بدأت عدوانها من جنوب سيناء على أن تستمر في هجومها غربًا حتى تصل إلى السويس.. ومن جهة أخرى تعزل القوات المصرية في المنطقة الشمالية من سيناء قريبًا من قطاع غزة.. لقد قامت إسرائيل بعملية إنزال جوي في سدر الحيطان، واجتازت تلك القوة الكونتلا مسوّغة هجومها على تلك المنطقة بأنها كانت "وكرًا" لنشاط الفدائيين المصريين، وبالإضافة إلى هذه القوة الاستكشافية كانت قوة إسرائيلية ثانية تحاول الاستيلاء على "القسيمة"، فأم قطف، فأبو عجيلة.. ثم تتقدم غربًا على طريق(أبو عجيلة – الإسماعيلية) للوصول إلى ضفة القناة عند الإسماعيلية، بينما تتحرك قوة ثالثة على محور رفح –العريش– القنطرة بهدف احتلال رفح والعريش، وبعد احتلالهما تتحرك قوة رابعة للاستيلاء على قطاع غزة.. وتقوم قوة خامسة بالتحرك من بئر السبع إلى "إيلات" للاستيلاء على "رأس نصراني" وشرم الشيخ.

    وفي الوقت الذي كانت فيه المعارك البرية والبحرية والجوية دائرة بين القوات المصرية والإسرائيلية المعتدية، وبعد مناورات سياسية غربية تمهد للتدخل العسكري وفي 31/10 أعلنت وزارتا الدفاع في بريطانيا وفرنسا أن عملياتهما الحربية في منطقة قناة السويس قد بدأت في ساعة متأخرة من ليلة أمس تحت قيادة بريطانية فرنسية مشتركة يتولاها الجنرال "كيتلي" القائد العام للقوات البريطانية في منطقة شرق البحر المتوسط بالاشتراك مع قائد فرنسي برتبة "أميرال" ، كما أعلنت القيادة المشتركة لهذه القوات من مقرها في قبرص أن قاذفات القنابل بدأت منذ الساعة السادسة والنصف من مساء 31/10 بمهاجمة الأهداف العسكرية في مصر، وقالت وزارة الدفاع الفرنسية إن هذه الغارات الجوية هي بداية العمليات الحربية المشتركة في منطقة القناة.

    وأمر "أنتوني إيدن" رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، قواته بالنزول في مدن قناة السويس، وفي مدينة بور سعيد على ساحل البحر الأبيض المتوسط إلى الشرق من الإسكندرية.. وغير بعيد من العلمين.. بينما كانت القوات البرية البريطانية الفرنسية الإسرائيلية تتقدم في سيناء على الساحل الشرقي لخليج السويس .. لقد قررت القوات الغازية التي أرسلها البريطاني أنتوني إيدن، والفرنسي جي موليه لنصرة "بن غوريون" في تل أبيب إسقاط نظام حكم الرئيس جمال عبد الناصر في القاهرة الذي أصبح يقف على رأس نظام عربي قومي وحدودي تقدمي لا يهادن، ولا يساوم.. ويصرّ كل الإصرار على استعادة الحقوق كل الحقوق .. وتحرير الأوطان والإنسان.. وإقامة المشروع العربي الواحد الموحد على كل أرض العرب.

    ولا ينسى المواطنون في هذه الديار ما فعله الإسرائيليون في اليوم الأول للعدوان الثلاثي (29/10/1956) بأهالي بلدة كفر قاسم في المثلث الجنوبي، والمجزرة الرهيبة التي اقترفتها أيديهم هناك بهدف إرهاب الأهالي، وقمعهم لضمان عدم تحركهم في أثناء العدوان على مصر.. لقد فرضوا نظام حظر التجوال على هذه القرية العربية دون سبب، ثم راحوا يقتلون العمال والفلاحين الذين كانوا قد خرجوا لمزاولة أعمالهم، وقد بلغ عدد شهداء تلك المجزرة البشعة تسعة وأربعين من الشهداء.

    ولا يمكن لمواطن في هذه الديار أيضًا أن ينسى ما قام به الإسرائيليون في قلقيلية قبل ذلك بأيام، وتحديدًا في ليل الخميس الموافق للعاشر من تشرين الأول من عام ستة وخمسين وتسعمائة وألف.. تلك الليلة التي دمر فيها الإسرائيليون مركز الشرطة (حيث أقيمت على أرضه في وقت لاحق حديقة الحيوانات في المدينة) وقتلوا من فيه، ومن كان حوله في الخنادق من أفراد "الحرس الوطني" آنذاك .. واجتاحوا البلدة.. وقتلوا كثيرًا من شبابها وشباب القرى المجاورة.. حيث بلغ عدد من قتلهم الإسرائيليون في تلك الليلة بقيادة "شارون" مئات الشهداء.. ولا يزال قبر الجندي المجهول الذي ضم كثيرًا من جثث الشهداء، وأشلائهم بعد معارك السلاح الأبيض في وادي عزّون، ماثلاً قائمًا أمام مصنع تشميع الحمضيات (المغلق) شرقي المدينة على جانب الشارع المؤدي إلى مدينة نابلس.. يضاف إلى هذا، وكثير غيره، ما فعله الإسرائيليون في تلك الفترة في قبية، وغرندل، وحوسان، ولاحقًا في السموع، وكثير غيرها منذ قيام "دولتهم" .. وما يفعلونه اليوم أيضًا من تمزيقٍ وتقطيعٍ لأوصال هذا الوطن بهدف السيطرة المطلقة عليه، وتشريد سكانه من جديد.. وما الأهداف الحقيقية من بناء جدار الفصل العازل بخافيةٍ على أحد: فمن ناحية ينهبون أكثر من نصف مساحة الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام سبعة وستين.. ومن ناحية ثانية يعزلون سائر المدن والقرى والمخيمات (أو ما يسميه المراقبون بالمعازل والكانتونات العربية) عن بلاد العرب، حيث يحيط هذا الجدار (وما يرافقه من مستوطنات يهودية داخلة فيه، وخارجة عنه في شتى الاتجاهات) بما تبقى للعرب الفلسطينيين –شكلاً– من هذه الديار.. ومن ناحية ثالثة سيُرغمون –بمرور الوقت– أكثر من سبعين ألفًا من الفلسطينيين (جعلهم الجدار في الجانب "الإسرائيلي") على الهجرة .. ومن ناحية رابعة فقد ضمن الإسرائيليون تقطيع أوصال هذه المعازل والكانتونات الفلسطينية، وعدم وجود أي تواصل جغرافي بينها.. وهذا معناه القضاء المبرم على الحركة الزراعية، والصناعية، والتجارية، وهذا يعني باختصار إنهاء الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمستقبلية لهذا الشعب تمهيدًا لتهجيره إلى أي خارج!! ومن ناحية خامسة يضمن هذا الجدار ضم غالبية المستوطنين الذين يبلغ تعدادهم اليوم أكثر من نصف مليون مستوطن إلى إسرائيل، أو على الأصح توسيع حدود إسرائيل لتضم إليها هؤلاء المستوطنين، ومعهم بالطبع ما غنموه من أراضي العرب الفلسطينيين وممتلكاتهم!!

    بعد مرور ثلاثة وتسعين عامًا على وعد بلفور يجد نصف الفلسطينيين أنفسهم لاجئين بعيدين عن وطنهم، ويجد نصفهم الآخر نفسه غريبًا مضطهدًا جائعًا على أرض وطنه!! بينما تمتد أنظار الإسرائيليين بعيدًا في أعماق الأرض العربية لأنهم يرون أنهم السادة الجدد لهذا "الشرق الأوسط" الجديد!! في الوقت الذي رأينا فيه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير آنذاك يرهق نفسه ويهلكها لاهثًا خلف السراب الخادع .. ممنّيًا النفس بإعادة "أمجاد" بريطانيا العظمى عن طريق هذا التحالف الذي أبرمه مع شريكه "بوش" لغزو العراق العربي، وتدمير قوته العسكرية، ونهب ثرواته النفطية، وتمزيق وحدته الوطنية، وضرب هويته العربية، وتحطيم صورته القومية العربية بين جماهير أمة العرب من محيطها إلى خليجها، وإغراقه في بحر من الدماء، كي لا يتمكن بعد ذلك من الوقوف على قدميه!!

    هذان الطامعان في أرض العروبة والإسلام، ومَن معهما من عبيد ومرتزقة وطامعين وأغبياء وحاقدين، ستصدمهم جميعًا الحقيقة المرة.. حقيقة هذه الأمة العربية الإسلامية الواحدة في فلسطين، وأفغانستان والعراق، والسودان، ولبنان، وسورية وإيران، وفي كل أرض العروبة والإسلام، وفي سائر الأقطار التي يحاول هؤلاء الغزاة الطغاة إرهابها، ونهب ثرواتها، وتركيع إنسانها..

    هذه الأمة الماجدة في كل ديار العروبة والإسلام، ومعها كل الشرفاء الأحرار في هذا العالم، قد قالت كلمتها في كل أعدائها الذين ظلموا البشرية، وظلموا أنفسهم بجشعهم وطمعهم وكذبهم وافترائهم.. وسيندم هؤلاء ولكن لات حين مندم.. ولن يكون مصيرهما بأفضل من مصير إيدن، وحليفه الفرنسي موليه قبل أربعة وخمسين عامًا عندما هُزما شر هزيمة في حرب السويس التي فرضاها على شعب مصر لإذلاله، والعودة به إلى عصور الإقطاع والتبعيّة والاستعمار.

لقد أصدر التاريخ حكمه العادل على كل أعداء الشعوب، وعلى كل جلاديها، وناهبي ثرواتها.. فما من ظالم إلى سيبلى بأظلم، وما من طاغية إلا سيتجرع مرارة الكأس التي جرّعها لضحاياه، وما من مستبد إلاّ سيدفع ثمن استبداده وتسلطه على الآخرين، واستخفافه به، وعدوانه عليهم.. ولو أن كل هؤلاء الطغاة العتاة قرأوا التاريخ جيدًا، واستخلصوا منه العبر والدروس لما أقدموا على كل هذا الذي يقدمون عليه في كل ديار العروبة والإسلام.. ولو أنهم كانوا على شيءٍ من الفطنة والعلم والمعرفة بطبيعة هذه الأمة ومكوناتها ومورثاتها وطبيعة ثقافتها ومعتقداتها لما استسهلوا العدوان عليها، ولما حدثتهم أنفسهم بالإقدام على كل ما يمارسونه اليوم بحقها.. ولكنه الجهل الذي يزين لصاحبه سوء أعماله، وقبيح أفعاله، والغرور الذي يؤدي بصاحبه إلى مهاوي الردى والهلاك، والطمع الذي أعمى أبصار هؤلاء وبصائرهم.. كل ذلك أدى إلى ارتكابهم كل هذه الحماقات بحق هذه الأمة.. وما ربك بغافل عما يفعل هؤلاء.. ولسوف تخرج هذه الأمة من كل معاركها مع هؤلاء أشد قوة وأصلب عودًا.. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

 (28/10/2010)

 


الاثنين، ٢٥ تشرين الأول ٢٠١٠

متابعات

 

إنهُ شأن فِلَسطينيٌّ بامتياز!!

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

    عندما يتحدثون عن يهودية "دولتهم" فإنما يتحدثون عن اقتلاعنا وتهجيرنا من هذه البلاد، وتجريدنا من أبسط حقوقنا الدينية والقومية والتاريخية والسياسية والثقافية والتراثية فيها..وعندما يتحدثون عن تعديل قانون الجنسية،فإنما يتحدثون عن سحبها ممن حصل عليها من أبناء الشعب العربي الفلسطيني الذي فُرِضت عليه هذه "الدولة"،ولم يُفرض هو عليها، وسعت إليه ولم يسعَ إليها!! وعندما يتحدثون عن تعديل هذا التعديل بحيث يشمل اليهود الراغبين في الحصول على هذه الجنسية من هؤلاء اليهود المجلوبين من بلدان الاتحاد السوفييتي الذي كان، ومن غيره من بلدان هذه الدنيا بموجب قانون عودة يهود "الشتات"، فإنما يتحدثون عن محاولة بائسة ساذجة مكشوفة للتغطية على عنصريتهم وتعنصرهم ضد كل ما هو غير يهودي في هذه الديار،وهم إنما يتحدثون عن هروبهم وتخبطهم أمام سهام النقد التي وجهها إليهم كل أصحاب الفكر والرأي من حملة الأقلام الحرة في فلسطين كلّ فلسطين،وفي كل بلاد العروبة، وفي كل بلدان هذا العالم دون استثناء..لقد راحوا يحاولون الظهور كمن يساوي بين اليهود وغير اليهود أمام مثل هذه القوانين التي ما استهدفت في يوم من الأيام يهوديًّا واحدًا ،ولا أنصفت في يوم من الأيام أحدًا من غير اليهود، منذ إقامة هذه الدولة العبرية على جزء من أرض العرب في فلسطين.

    إنَّ هذه المغالطات القانونية الدستورية التي يثيرها اليوم بنيامين نتانياهو إرضاءً لشريكه في الحكم أفيغدور ليبرمان، وإن هذا الخلط الواضح، والجهل الفاضح بالحدود الفاصلة بين المواطنة والاستيطان والتجنيس الذي يخوض غماره نتانياهو إرضاءً لبعض غُلاة اليمين المتشدد  في هذه الديار..

   وإن هذا التخبط السياسيّ الذي ينحدر باليمين الإسرائيلي اليهودي المتشدد إلى ما دون مستوى المراهقة السياسية،والطفولة السياسية..إن كل هذه المغالطات والتناقضات والمحاولات الساذجة المكشوفة للتغطية على هذا القانون العنصري تشكلُ أدلة جديدة قاطعة على فشل هذا اليمين،وعدم قدرته على قيادة اليهود في هذه الديار، وعدم قدرته أيضًا على التوصل إلى سلام عادل دائم مقنع ترضى عنه الأجيال،وتعود معه الحقوق إلى أصحابها في هذا الجزء المتوتر المتفجر، وفي هذه المنطقة المرشحة للاشتعال بسبب الظلم التاريخي، والغبن الذي حلّ بالفلسطينيين منذ أكثر من ستين عامًا ولا يزال.

 

    وإن هذه المتاهات والمشكلات والفلسفات والحذلقات التي يحاول نتانياهو إغراق هذه الديار بها في محاولة مكشوفة لصرف الأنظار عن مشكلاتها الحقيقية، ولصرف الأنظار عما يجب فعله من أجل حل هذه المشكلات،لهي دليل قاطع، وبرهان ساطع، على أن نتانياهو لا يريد سلامًا، ولا يريد حلاً، وإنما يريد مزيدًا من التهويد، ومزيدًا من التشريد، ومزيدًا من إطلاق الوعيد والتهديد، لكل فلسطيني عربي معترض على سياساته، كما يريد أيضًا أن تستمر هذه الدوامة ،وأن تستمر هذه المصائد،وهذه الكمائن،وهذه التناقضات،وهذه القوانين المسيئة سيئة الصيت والسمعة التي يُغرق بها البلاد والعباد، ويقرع بها آذاننا صباح مساء، رغبة منه في العبث،وإمعانًا منه في اللف والدوران!!.

 

 

 

     لم نكن لنقول كل هذا،بل لم نكن لنقول شيئًا من هذا لو لم يكن الأمر متعلقًا بنا، ولو لم يكن الشأن شأننا من الألف إلى الياء، ولو لم يكن كل هذا الذي يقوله نتانياهو ويفعله موجهًا نحونا، ونحونا فقط دون باقي عباد الله في هذه الدنيا التي كانت واسعة،ويصر نتانياهو على تضييقها، والعبث بها،وعلى محاصرتنا فيها، لتكون في نهاية المطاف مقبرة لأجسادنا ولأجيالنا، ولكلّ طموحاتنا وتطلعاتنا وآمالنا..وما علمَ أنه بإصراره على ذلك إنما يحاصر نفسه،ويحاصر اليمين الذي يبغي نصرته،ويحاصر ليبرمان الذي يرى فيه سيفهُ المصلت على رقاب الناس!!

 

     ولم نكن لنقول شيئًا من هذا لو لم يكن الأمر متعلقًا بجزء من شعبنا هناك في الجليل والمثلث والنقب والسهل الساحلي،ولو لم يكن الأمر متعلقًا بجزء من شعبنا هناك في قطاع غزة، ولو لم يكن الأمر متعلقًا بنصف شعبنا العربي الفلسطيني الذي يعيش في الشتات منذ قيام"دولتهم" التي يريدونها يهودية لحرمان نصف شعبنا ذاك من العودة إلى أرض الوطن،ومن العودة إلى البيت والأرض التي هُجِّرَ منها عام ثمانية وأربعين!! بل لو لم يكن الأمر متعلقًا بنا هنا في هذا الجزء من الوطن الذي يسميه كثير من الناس"الضفة الغربية" فأغلب الظن أن نتانياهو ومعه ليبرمان وكل غُلاة اليمين المتطرف يعتبرون هذه "الضفة" جزءًا لا يتجزأ من تلك "الدولة"، وأغلب الظن أنهم عندما يقولون" إسرائيل" فإنما يقصدون بذلك فلسطين التاريخية، وأغلب الظن والحالة هذه أنهم عندما يتحدثون عن يهوديَّة"دولتهم"، وعن قانون تعديل الجنسية، وعن تهجير عرب الجليل والمثلث والنقب،فإنهم إنما يتحدثون أيضًا عن تهجيرنا هنا في القدس ونابلس والخليل..فهم لا يريدون أحدًا في هذه البلاد من غير اليهود، ولكن على مراحل!!

 

 

25/10/2010

 


السبت، ٢٣ تشرين الأول ٢٠١٠

حسام خضر لم يشتم أحدًا !!

متابعات

حسام خضر لم يشتم أحدًا !!

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

   في مقاله المنشور في جريدة " الحياة الجديدة"  تحت عنوان " حسام خضر وشتم الحركة" أشار الأخ بكر أبو بكر إلى أقوال وتصريحات قال إنها منسوبة لحسام خضر، وإنها مسيئة إلى حركة فتح، وللقائد الشهيد ياسر عرفات، وبالتالي فهي مسيئة إلى الأخ حسام نفسه، لأنه ابن هذه الحركة، مضيفًا أن الأخ حسام قد صرح بذلك كله في " دمشق" منذ أيام.

   ولقد كتبت تعليقًا سريعًا على هذا الموضوع ، نشر في موقع حسام خضر تحت عنوان " بين الأخوين بكر أبو بكر وحسام خضر" ، قلت فيه بالحرف الواحد: لم أكن لأقف هذا الموقف بين أخوين محترمين، وعلمين بارزين من أعلام النضال الوطني لو لم يكتب الأخ بكر ما كتبه في (الحياة الجديدة ) بتاريخ 19/10/2010 تحت عنوان "حسام خضر وشتم الحركة" ولو لم يثر الكاتب في مقالته تلك أكثر من قضية تستدعي البحث والتنقيب مثل كثير من قضايا الوطن والمواطن المطروحة منذ أمد بعيد للنقاش، بغية التوصل إلى حلول لهذه القضايا الكثيرة الشائكة المتشابكة المتفاعلة مع الأيام مذ كانت، ولم أكن لأقف هذا الموقف لولا معرفتي بحسام الذي تمرس بكل أشكال النضال مذ كان طفلاً دون سن العاشرة ولا يزال .

   بعض ما جاء في المقال صحيح، ولا سيما تلك الحقائق التاريخية التي ليست بحاجة إلى دليل أو برهان ، وبعض ما جاء فيها بحاجة إلى مزيد من البحث، ولا سيما ما يتعلق منها بالأقوال المنسوبة إلى حسام، فكثيرًا ما يُنسب إلى الإنسان ما لم يقله، وكثيرًا ما يفهم الإنسان كما يريد مما يسمع أو يقرأ، وهذا ما يسمونه التأويل، وهذا معناه أن كثيرًا من الناس يدفعون" ماديًّا أو معنويًّا" ثمن كلمة لم يقولوها، أو معنًى لم يقصدوه من أقوالهم، وبعض ما جاء في المقالة لا يعنيني في كثير أو قليل؛ فالإنسان يقول كلمته في نابلس أو رام الله أو الخليل أو غزة أو دمشق أو القدس سيان عنده كل هذه الأماكن، وكل الأماكن دون تحديد أو استثناء .

   بكر كاتب جيد ، وحسام كاتب وسياسي ومناضل عربي فلسطيني أفنى عمره في خدمة قضيته الفلسطينية ... بكر كاتب ومناضل غيور، وحسام كذلك، وكل ما هنالك أننا بحاجة إلى شيء من التروي، وشيء من اليقظة حتى لا نقع في كمائن الآخرين من الأعداء المتربصين بنا ، الذين يناصبوننا العداء سرًّا وعلانيةً، فمزيدًا من الوعي والتروي واليقظة أيها الإخوة .

   لقد رأيت أن أضيف هنا شيئًا لم أشر إليه هناك، كما رأيت أن ينشر كل هذا هنا في " القدس" كي يراه كل الناس، لا أن يكون وقفًا على قوم دون قوم، وعلى عشاق الشبكة العنكبوتية دون سواهم، وعلى الرغم من أنني أرغب في إضافة أشياء كثيرة، وأرغب في قول كلام كثيرٍ حول هذا الموضوع، إلا أنني ورغبةً مني في الاختصار، والبعد عن الإطالة ، وإزعاج القارئ أو السامع أضيف شيئًا واحدًا هنا هو قول الأخ بكر في الفقرة الأخيرة من مقالته موضوع الحديث :" نتمنى أن تكون التصريحات المنسوبة للرجل غير صحيحة" وإنني إذ أؤكد للأخ بكر أن الرجل لم يقل شيئًا من هذا، وإن كل ما نُسب إليه في هذا السياق غير صحيح، لأرجو أن يتحول الكاتب من مرحلة التمني إلى مرحلة الإيمان الراسخ بأن الأخ حسام لم يقل شيئًا من هذا، وبأن الأخ حسام ومثله كثير من أحرار هذا الشعب العربي الفلسطيني ممن لم يسيئوا إلى هذا الشعب لا يمكن أن يقولوا في دمشق أو بغداد أو بيروت شيئًا مختلفًا عما يقولونه في الخليل ونابلس وغزة ورام الله، فالمناضل العربي الفلسطيني في أي مكان في هذه الدنيا، هو نفسه المناضل العربي الفلسطيني المخلص لقضيته الفلسطينية ، المؤمن بكافة حقوق شعبنا العربي الفلسطيني التاريخية والدينية والقومية والسياسية والثقافية والتراثية الثابتة في كل بلادنا فلسطين .

23/10/2010

 


الاثنين، ١٨ تشرين الأول ٢٠١٠

في البِطالة والفقر والغلاء ... وهشاشة العظام أيضًا !!

 

 

متابعات          

في البِطالة والفقر والغلاء ... وهشاشة العظام أيضًا !!

       أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

          أن يكون كثير من الناس فقراء عاطلين عن العمل جياعًا في هذه الديار، وفي غير هذه الديار من بلاد العروبة أمر أكثر من مستغرَب، وأكثر من مستهجَن.. وأن يكون كثير من الناس عاجزين عن الحصول على غذائهم ودوائهم، وعلى أبسط مقومات حياتهم، في الوقت الذي يستطيع فيه كل العرب، ومعهم كل الفلسطينيين أن يعيشوا حياة حرة كريمة هانئة، وفي الوقت الذي يستطيع فيه كل المسلمين أن يكونوا سادة كرامًا في أوطانهم، يأكلون مما يزرعون، ويلبسون مما يصنعون، ويحققون لأنفسهم في كل بلاد الإسلام والعروبة اكتفاءً ذاتيًّا يجنبهم شرّ الحاجة، وذل السؤال، ثم لا يفعلون، فهو أمر أكثر من مستقبَح، وأكثر من مستنكَر، ومشكلة مركبة لا بد من الإحاطة بكل مضامينها، ولا بد من فهم كل خباياها وخفاياها، ليسهل بعد ذلك حلها، والتخلص من كل أسبابها ومسبباتها، ومن كل آثارها السلبية الضارة على مئات الملايين من البشر في كل بلاد العروبة والإسلام.

        هنا في هذه البلاد مشكلات وأزمات وانهيارات نعد منها ولا نعددها.. وهناك في كل قُطر وقُطر من بلاد العروبة أرزاء ومصائب  ومصاعب ومصائر سوداء تتهدد هذه الأمة في عقر دارها.. هنا قهر وفقر وبطالة وغلاء، وهناك بؤس وجهل ويأس ومذلة وبلاء... وإذا كان الحصول على حبة بندورة في هذه الديار قد أضحى أمنية صعبة عزيزة المنال، فإن الحصول عليها في كثير من بلاد العروبة قد أضحى رابع المستحيلات بعد الغول والعنقاء والخل الوفي على حد قول الشاعر العربي: آمنتُ أن المستحيل ثلاثةٌ // الغولُ والعنقاء والخِل الوفي!! ولئن كان نصف الفلسطينيين في بلادنا فلسطين يعيشون تحت خط الفقر، فإن أكثر من نصف تعداد أمة العرب هم تحت هذا الخط، وهم يعيشون ألوانًا مزرية من الجهل والتخلف والبِطالة والفقر والمرض والغلاء والخوف والجوع، وألوانًا مزرية من التبعية والطبقية والفساد... فلماذا يحدث كل هذا في ديارنا هذه، وفي كل ديار العروبة؟

في ديارنا هنا لم يعد هنالك عمال وفلاحون، ولم تعد هنالك أرض زراعية، وزراع وصناع، وبالتالي لم يعد هنالك تجار، ولم يعد هنالك منتجون.. كل ما هنالك مجموعات من "الموظفين" ورواتب من المانحين لهؤلاء الموظفين، ولا شيء غير ذلك.. أما لماذا، وكيف، وإلى متى، وماذا بعد، فأسئلة يعرف بعضها الناس جميعًا في هذه الديار، وستجيب عن بعضها الآخر السنين، وربما الشهور القليلة القادمة من رحم الغيب.. وفي ديارنا هنا أيضًا كثير من الناس الذين من الصعب أن يحصلوا على حاجتهم من الدواء؛ فالفقراء ممن لا دخل لهم، أو من ذوي الدخل المحدود، والمحدود جدًّا لا يمكن أن يحصلوا على دواء هشاشة العظام (450 دينارًا أردنيًّا ثمن الإبرة) ولا يمكن أن يوفروا لأنفسهم دواء الانزلاق الغضروفي، وهم عاجزون عن توفير طعوم الأطفال، وكثير من أدوية الأمراض المزمنة، وغير ذلك من الأدوية التي لا توفرها وزارة الصحة، ولا توفرها أيضًا عيادات الأونروا، ولا توجد إلا في الصيدليات الخاصة!.

وفي ديارنا هناك على طول الوطن العربي وعرضه ملايين الدونمات من الأراضي الزراعية، وملايين الأمتار المكعبة من مياه الري، وملايين السواعد السمراء القادرة على العمل في الحقول، وملايين الأفواه الجائعة التي تنتظر حبة البندورة وغيرها من المواد الغذائية الضرورية، وملايين المرضى، وملايين العمال من العاطلين عن العمل، وفي بلاد العروبة أيضًا ملايين من الأميين والجهلة والمتخلفين الذين لا  زالوا يعيشون حياة القرون الوسطى بعيدًا عن الكهرباء والماء، وبعيدًا عن كل مقومات العصر وصفاته ومواصفاته... فلماذا لا يزرع العرب أرضهم؟ ولماذا لا يحققون الاكتفاء الذاتي الذي حققته أمم كثيرة لا تملك هذه المقومات التي يملكها العرب؟ ولماذا لا يطور العرب بلدانهم ، ويرفعون من شأن إنسانهم؟ ولماذا لا يبنون المدارس والجامعات والمشافي؟ ولماذا لا يقيمون العيادات والمراكز الطبية؟ ولماذا لا يصنعون الدواء؟ ولماذا لا يصنعون الغذاء؟ ولماذا لا يبنون المساكن اللائقة لكل العرب؟ ولماذا لا يبنون المصانع؟ ولماذا لا يوفرون الحياة الحرة الكريمة لكل مواطنيهم؟ لماذا لا يستعملون الطاقة النووية في الأغراض السلمية على الأقل؟ لماذا لا يتوجهون نحو التعدين؟ ولماذا لا يبنون مدن العمال في صحاريهم، وعلى تلالهم وجبالهم وهضابهم؟ ولماذا لا يضاعفون من نشاط موانئهم البحرية والجوية بشكل ينشطون معه حركة التجارة في الاتجاهين؟ ألم يسمعوا بعد عن النهضة الصناعية والاقتصادية والتجارية، وعن التقدم العلمي والتكنولوجي في ألمانيا، وفي اليابان، وفي كثير من بلدان هذا الكون من حولهم؟ ألم يسمعوا بما تحققه الصين اليوم من معجزات مذهلة على هذه المستويات علمًا بأن مساحة الصين هي أقل من نصف مساحة الوطن العربي، ومع العلم بأن الصين تشكل اليوم ربع السكان في هذا العالم في الوقت الذي يشكل فيه العرب والمسلمون الربع الآخر!! لماذا لا يضع العرب القوانين والأنظمة والتشريعات التي تحمي الوطن والمواطن، وتحافظ على كافة حقوق المواطنين السياسية والاجتماعية والفكرية والثقافية والاقتصادية؟ لماذا تبقى هذه الأمة العربية هكذا؟ وإلى متى سيبقى العالم العربي على هذه الحال، وهو يمتلك كل هذه الثروات النفطية والمائية والبشرية والحيوانية؟ وإلى متى سيبقى هكذا! وهو يمتلك كل هذه المساحات الشاسعة من الأراضي الزراعية التي لو زرعت قمحًا لأطعمت العرب وغير العرب، ولقضت على الجوع في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية؟ إن في السودان وحده أرضًا زراعية لو استغلت كما يجب لوفرت الاكتفاء الذاتي لأمة العرب من المحيط إلى الخليج، فإلى متى تبقى أمة العرب هكذا أمة تعيش على مساعدات "المانحين" والمستعمرين الذين يمنعونها من زراعة أرضها، ويمنعونها من ممارسة التصنيع، ويمنعونها من الانتقال الفعلي إلى الحياة العصرية التي تدخل معها وبها عصر النور والعلم والمعرفة والفضاء؟؟ إلى متى ستبقى هذه الأمة تابعة للأجنبي الذي ينهب خيراتها، ويُبقي عليها جاهلة متخلفة تستورد ما يعده لها من طعام وشراب ودواء وكساء وكماليات ما أنزل الله بها من سلطان؟ وإلى متى يبقى النظام السياسي العربي -إلاّ من رحم ربك- تابعًا للغرب يتنازل له عن كل شيء مقابل امتيازات يحصل عليها من السيد الغربي، ومقابل أجهزة أمنية يقيمها الغرب لحمايته من الجياع المقموعين المسحوقين من أبناء العروبة؟؟

إن الفقر والبطالة والغلاء والجوع والفقر والمرض، وكل هذه العلل والأوبئة والعاهات التي تتفشى في الوطن العربي، وتفتك بالملايين من أبناء العروبة لن تستمر طويلاً.. وإن هذه الأمراض المستعصية المزمنة التي لا يجد لها كثير من العرب دواء اليوم سيضع العرب حدًّا لها غدًا أو بعد غد، وإن كل هذا القمع والقهر والتحكم بالعربي، وكل محاولات إذلاله وتركيعه وكل محاولات التشكيك والتيئيس التي تستهدفه كي يظل تابعًا للأجنبي لاهثًا خلف سرابه الذي لم يكن ماءً في يوم من الأيام، وإن كل هذه الأصنام التي تعبد من دون الله في كل ديار العروبة والإسلام سوف يشهد العالم نهايتها، وسوف تتهاوى صنمًا تلو صنم حتى لا يبقى منها صنم في كل هذه الديار.

إن أمة العرب قادرة على تحقيق الوحدة، وقادرة على صنع النصر على الذات وعلى النفس الأمارة بالسوء، وهي قادرة على بناء الدولة العربية الحديثة على كل أرض العرب.. وإن الوحدويين العرب، والمثقفين العرب، والأحرار العرب، والغيورين العرب، من قادة هذه الأمة وشرفائها وأشرافها قادرون على قول كلمتهم، وإقامة مشروعهم العربي الواحد الموحد على كل أرض العرب.

18/10/2010

 

 


الأربعاء، ١٣ تشرين الأول ٢٠١٠

 

ليبرمان.. ومساراته الثلاثة

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

        بعد تمكّنه من وضع أفكاره السياسية موضع التنفيذ، أو في الطريق إلى التنفيذ، على الصعيد الداخلي، ولا سيّما فيما يتعلق بما أسموه قانون الجنسية وصولاً إلى "يهودية الدولة"، ووصولاً بالتالي للتخلص من المواطنين العرب، راح ليبرمان يحاول وضع هذه الأفكار والتصورات موضع التنفيذ على الصعيد الخارجي، ولا سيما في القارة الأوروبية، وفي الولايات المتحدة الأمريكية؛ فعلى الصعيد الأوروبي كان توبيخ ليبرمان لكل من وزير خارجية فرنسا كوشنير، وإسبانيا موراتينوس، وهو يستقبلهما في القدس المحتلة، عندما قال لهما ساخرًا: ينبغي أن تحاولا حل مشكلات أوروبا قبل أن تحاولا التدخل في مشكلات هذه المنطقة، والتحدث في موضوع المفاوضات، ودولة الفلسطينيين المقترحة، التي يريد بعضهم إقامتها خلال عام واحد!! وشبيه بهذا ذلك التحذير الذي وجهه ليبرمان للولايات المتحدة الأمريكية من أن موقف أوباما المؤيد لإقامة هذه الدولة قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه في هذه المنطقة!!

        هذه التشريعات الإسرائيلية التي يقف ليبرمان وراءها، يضاف إليها توبيخات ليبرمان للأوربيين وتحذيراته للأمريكيين تشكل مسارات ثلاثة متلازمة للسياسية الإسرائيلية القديمة الجديدة التي يرسمها اليوم ليبرمان، ومعه كل غلاة اليمين الإسرائيلي اليهودي المتعنت، لهذه الدولة اليهودية التي أقيمت على أرض العرب عام ثمانية وأربعين.. ولئن وضع بن غوريون سياسة هذه الدولة لعقود طويلة عند إقامتها، ولئن حرص قادة إسرائيل على تطبيق هذه السياسة وتنفيذها كل الحرص منذ ذلك الحين؛ فإن ليبرمان يضع اليوم سياستها الجديدة القائمة على قيادة هذه المنطقة من العالم، والسيطرة عليها، والانفراد بها، مستغلاًّ حالات الضعف والتخاذل والاستسلام، وكل هذه الخلافات، والانقسامات الطائفية، والمذهبية، والعرقية، والسياسية، والقبلية، وكل هذا التخلف الفكري والثقافي والاجتماعي والاقتصادي والمسلكي الذي يعصف عصفًا ويفتك فتكًا، بمئات الملايين من الناس في كثير من أقطار هذه المنطقة وأمصارها.

وإذا كان الغرب قد أقام إسرائيل على أرض العرب لتكون عصاه التي يتوكأ عليها، ويهش بها على أغنامه، ولتكون أيضًا أداته التي يعز بها من يشاء، ويذل من يشاء، وليسيطر من خلالها على كل أرض العرب، ويعبث من خلالها بكل العرب، وبكل المسلمين، ويعمل جاهدًا من خلالها على تكريس فرقتهم، ومنع وحدتهم، والإبقاء عليهم أفواهًا تستهلك ما ينتجه الغرب، وتستورد ما يصنعه الغرب؛ فإن الإسرائيليين اليوم، بعد أن حققوا كل هذا الذي حققوه محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا، قد أحلّوا أنفسهم محل الغرب في كل ما رسمه، وفي كل ما خطط له قبل إقامة إسرائيل، وبعد إقامتها أيضًا، بل إن الإسرائيليين باتوا يُسخّرون الغرب في تنفيذ مخططاتهم، وباتوا يعتمدون عليه في إخضاع هذه المنطقة العربية أو تلك، وفي ضرب هذا البلد المسلم أو ذاك، إضافة إلى كل وسائل الدعم العسكري اللامحدود، والدعم المالي المذهل الذي يحصلون عليه من الغرب بإرادته حينًا، ورغم أنفه أحيانًا، معتمدين في ذلك على نفوذهم، وعلى علاقاتهم في كل بلاد الغرب، وعلى أعوانهم وأصدقائهم هناك، ومعتمدين أيضًا على كل منظمات الضغط التي أقاموها ويقيمونها في كل دول الغرب بعامة، وفي الولايات المتحدة الأمريكية بخاصة.

إن المسارات الثلاثة التي يسلكها ليبرمان بكل إصرار بدءًا بيهودية "دولتهم"، ولا أقول انتهاءً بتحدي الغرب واستغلاله والتحكم بكل شؤونه الداخلية تحمل في طياتها دلالات يختلط فيها الحابل بالنابل، والقديم بالحديث، والديني بالسياسي والاجتماعي بالاقتصادي.. ولعل من الممكن اختزال ذلك فيما يلي:

1- إصرار ليبرمان، ومعه كل غلاة اليمين المتطرف، على انتزاع اعتراف عالمي بيهودية إسرائيل، حتى يكون بإمكانهم التخلص من غير اليهود، مع العلم أن مصطلح "إسرائيل" في اعتقادهم، وفي ممارساتهم، وفي مطبوعاتهم أيضًا، وعلى ألسنة كثير من قيادييهم وساستهم ينسحب على كل فلسطين التاريخية التي يطلقون على ما احتل منها عامة سبعة وستين مصطلح "يهودا والسامرة" .. وهذا يعني بالضرورة التخلص من عرب 67 أيضًا، بعد التخلص من عرب 48.

2- إصرارهم على تكثيف تغلغلهم الثقافي والاقتصادي والسياسي في العالم العربي وفي كل بلدان العالم الإسلامي معتمدين في ذلك على العلاقات الخاصة التي تمكنوا من إقامتها مع عدد من الأقطار العربية، ومعتمدين أيضًا على أموالهم الطائلة التي يخصصونها لشراء الأنصار والمؤيدين والأتباع في كثير من بلدان هذا الشرق الأوسط الكبير، ومعتمدين بالطبع على قدرة أجهزتهم الأمنية على توجيه هذه الجيوش من الأتباع، ووضعها في خدمة هذه الأهداف والتطلعات، بحيث يحققون من خلالها أمورًا أبرزها: أ/ إثارة مزيد من الخلافات والفتن الطائفية والمذهبية، ومزيد من الخلاقات والفتن العرقية، ومزيد من الصراعات والتناقضات الطبقية و الفكرية.

ب/ العمل على خلق مزيد من الكيانات الهزيلة في كل ديار العروبة والإسلام تقيم معهم أوثق الصلات، وأقوى العلاقات، وصولاً لتمزيق هذا العالم العربي الإسلامي، وضرب فكرة العروبة، ومحاولة وأد الفكر القومي العربي التحرري، وتشويه كافة معاني الانتماء الوطني والعربي والإسلامي، وإحلال الولاء للوظيفة والمنفعة والمصلحة الشخصية والقبلية بأسوأ مفاهيمها محل كل صور الانتماء التي عرفها الناس في كل ديار العروبة والإسلام.

ج/ العمل على قيادة كل هذه الكيانات الهزيلة، والتوصل من خلالها إلى محاصرة الأقطار التي لم تزل على حالها، ومحاصرة الأقطار التي لم يشفع لها اعتدالها وسيرها في ركاب الغرب منذ عقود، رغبة منهم في تركيعها وإذلالها وتحويلها إلى مجرد محميات وكيانات تسير في فلك السيد الجديد دون أدنى تردد أو تفكير.

3- إصرارهم على التصدي للأوربيين، ومنعهم من ممارسة أي نفوذ في هذه المنطقة من العالم، والاستعانة بالولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق هذا الهدف، وإصرارهم في الوقت نفسه على التصدي للأمريكان، لمنعهم من ممارسة الضغط من أجل إحقاق شيء من حقوق الفلسطينيين السياسية في هذه الديار، معتمدين في ذلك على:

أ/ عنادهم ومماطلتهم ومراوغتهم وفرض حقائق جديدة على الأرض في كل يوم، وتغيير معالم القدس وغير القدس في كل مناطق هذا الوطن.

ب/ ضغط اللوبي اليهودي، وكافة وسائل منظمات الضغط الصهيونية هناك من أجل ثني البيت الأبيض عن ممارسة أي نشاط لا يرضى عنه الإسرائيليون.

لسنا بحاجة لمزيد من الدلالات والمؤشرات على أهداف ليبرمان وتطلعاته، بل على أهداف اليمين الإسرائيلي المتشدد الذي تمكن من الشارع الإسرائيلي، واستطاع أن يحوله إلى شارع أكثر تعصبًا وتطرفًا وتزمتًا يناصب العرب الفلسطينيين (أصحاب البلاد الشرعيين) العداء، ولا ينظر لوجودهم على أرضهم (أرض الآباء والأجداد) بشيء من الارتياح، ولسنا بحاجة لمزيد من الدلالات والمؤشرات على أهداف هذا اليمين اليهودي المتشدد في كل أرض فلسطين التاريخية، وفي كل أرض العرب من المحيط إلى الخليج، وفي كثير من أقطار العالم الإسلامي أيضًا، ولسنا بحاجة لأدنى دليل على وجود علاقات عربية إسرائيلية رسمية وثيقة منذ قيام إسرائيل وحتى يومنا هذا، وعلى أن هذه العلاقات الإسرائيلية العربية تنمو وتتطور في كل يوم، ولكن، ومع هذا كله؛ فإننا نقول بملء أفواهنا: إننا لسنا بحاجة لأي دليل على أن بلاد العرب قد تعرضت في الماضي لألوان كثيرة من الغزو والاجتياح، وشهدت عصورًا من الضعف، وحالات من التردي، ولكنها كانت تخرج بعد كل غزو، وفي أعقاب كل اعتداء وهزيمة أشد قوة وأعظم بأسًا.. فأمة العرب لم تخضع يومًا لغازٍ، ولم تستسلم يومًا لمحتل.. أمة العرب كانت تخرج دائمًا منتصرة على الغزاة والمحتلين، وهذا هو التاريخ يوثق كل ذلك في صفحات مشرقة تشهد على قوة العرب وإبائهم وشرف انتمائهم، وتشهد على أنه لا يكون في نهاية الأمر إلا ما يريدون، لأن ما يريدونه هو الحق؛ فأمة العرب مسالمة بطبعها، محبة للحق والخير والجمال والحرية بطبيعتها، وبحكم ثقافتها ومعتقداتها، ميالة للعدل والعدالة والرأفة بالآخرين بتوجيهات رب العالمين، وبتعليمات سيد المرسلين.... ولسنا بحاجة لأي دليل على أن الأوربيين ليسوا كما يظن ليبرمان، لقد كانت لهم اليد الطولى في إقامة هذا الكيان اليهودي على أرض فلسطين العربية عندما رأوا ما حل باليهود في أوربا.. وهم اليوم إذ يرون ما يحل بالفلسطينيين على أيدي اليهود لا يسعهم إلا أن يعملوا من أجل إنصاف هؤلاء الفلسطينيين، وإذا كان الإسرائيليون اليهود يرفضون قيام دولة فلسطينية في القدس وعلى كل الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام سبعة وستين، وإذا كان الإسرائيليون اليهود الذين يقودهم ليبرمان ونتانياهو ومعهما كل غلاة اليمين اليهودي المتطرف يرون أن الضفة الغربية جزء من أرض إسرائيل، وأن يهودا والسامرة جزء لا يتجزأ من أرض إسرائيل فإن الأوربيين يرون بدورهم أن فلسطين التاريخية هي مهد الفلسطينيين الذين يجب أن يعيشوا فيها باحترام، ويجب أن يعود إليها من هجّره اليهود منهم عام ثمانية وأربعين، هكذا يعتقد الأوربيّون، وهكذا يقولون: إن فلسطين التاريخية ومساحتها (27009) من الكيلومترات المربعة هي وطن الفلسطينيين الذين يجب أن يعيشوا فيها باحترام، وبمساواة تامة مع غيرهم. إن الفلسطينيين لا يمنعون غيرهم من العيش فيها؛ فهم لا يؤمنون بالعنصرية والتمييز العرقي.. إنهم لا يمنعون غير العربي الفلسطيني من العيش في كل هذه الديار بموجب قوانين عنصرية جائرة عدوانية ما أنزل الله بها من سلطان.

وبعـد ، فإن الأوربيين، ومعم الأمريكيون، ومعهم العرب والمسلمون، ومعهم أصدقاء هذا الشعب العربي الفلسطيني في شتى بقاع هذه الدنيا، ومعهم كثير من أصدقائهم اليهود في هذه الديار، وفي غير هذه الديار من محبي الحق والعدل والحرية والسلام والمساواة يعتقدون أن ما يفعله ليبرمان اليوم لن يؤدي إلى سلام، ولن يؤدي إلى أمن، ولن يؤدي إلى حياة يعيش فيها الناس جميعًا في هذه الديار باحترام، وينصرفون فيها للعمل والإعمار والبناء، ويعيش فيها اليهود أنفسهم حياة آمنة هادئة خالية من أي اعتداء .. ما يفعله ليبرمان اليوم وما يقوله، هو العدوان وهو الدمار الذي لن يصيب قومًا دون قوم، ولا نساء دون نساء في كل ركن وشبر وزاوية من زوايا هذه الديار.. وإنه ليحسن به، وبمن هو على شاكلته من غلاة اليمين أن يثوبوا إلى رشدهم، وأن يعلموا يقينًا أن لصبر الفلسطينيين والعرب والمسلمين ولكل أحرار العالم وشرفائه حدودًا ينبغي أن يقف عندها كل عاقل يريد الخير لنفسه ولقومه أولاً، وللناس جميعًا في هذا العالم دون استثناء.

 

13/10/2010


الأربعاء، ٦ تشرين الأول ٢٠١٠

في ذكرى حرب أكتوبر!!

متابعات

في ذكرى حرب أكتوبر!!

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

   أسماها المصريون حرب أكتوبر، وأسماها السوريون حرب تشرين، وأسميناها مثل كثير من  الأشقاء في بلاد العرب حرب العاشر من رمضان، وأسماها الإسرائيليون حرب يوم الغفران... وصف السوريون تلك الحرب بأنها تحريرية، وقال كثير من العرب إنها تحريكية، وقالت غولدامائير إنها تدميرية، وطلبت من وزير حربها موشيه ديان في بدايتها أن يوقع صك الاستسلام للعرب حتى لا يُباد شعب إسرائيل.. أما الرئيس المصري محمد أنور السادات الذي أطلق رصاصتها الأولى فقد وصفها بأنها اختراق عربي لحاجز الخوف مؤكدًا على أنها آخر الحروب، وأن هذه المنطقة لن تشهد حربًا بعدها... فهل حسمت تلك الحرب هذا الصراع العربي الإسرائيلي؟ وهل كانت تلك الحرب آخر الحروب في هذه المنطقة؟

 لقد قامت القوات المصرية في الساعة الواحدة والنصف من بعد ظهر يوم السبت السادس من أكتوبر (1973) بالرد على أعمال عسكرية إسرائيلية.. ولقد تمكنت من عبور قناة السويس، وتدمير خط بارليف الحصين، ومباغتة القوات الإسرائيلية التي تحتل شبه جزيرة سيناء والضفة الشرقية من قناة السويس منذ حرب حزيران من العام سبعة وستين وتسعمائة وألف، وتمكنت هذه القوات من نقل المعركة إلى ضفة القناة الشرقية، ومواصلة التقدم شرقًا في سيناء... كما تمكنت القوات السورية في ذلك اليوم من احتلال المواقع الإسرائيلية في جبل الشيخ، والتقدم في الجولان... أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد وقفت – كالعادة – إلى جانب إسرائيل.. وأما الاتحاد السوفياتي فقد وقف إلى جانب العرب.. وأما الأقطار العربية المنتجة للنفط فقد أوقف بعضها تصديره إلى الولايات المتحدة، وخفّض بعضها الآخر حجم الكميات التي يصدّرها منه.. وأما جبهتا القتال فقد شهدتا منذ ظهيرة السبت الواقع في السادس من تشرين الأول من العام ثلاثة وسبعين وتسعمائة وألف للميلاد الموافق للعاشر من رمضان من العام ثلاثة وتسعين وثلاثمائة وألف للهجرة وحتى الساعة السادسة والدقيقة الثانية والخمسين من مساء الإثنين 22/10 الموافق 26/ رمضان حربًا ضروسًا قبل أن تعلن الأطراف جميعها قبولها بوقف إطلاق النار استجابة لقرار مجلس الأمن رقم 338.. إنه، وعلى امتداد سبعة عشر يومًا من القتال الشرس على الجبهتين كان تاريخ جديد يُكتب، وحقائق جديدة تفرض نفسها على أرض الواقع.. ومقدمات طبيعية لما نحن فيه اليوم تتكون في رحم الغيب.. وتصاغ حيثياتها وتفصيلاتها في أروقة السياسة الدولية.. وتجد تعبيرًا لها في  قرارات مجلس الأمن الخاضع للسيطرة الأمريكية المطلقة أو الفيتو الأمريكي المنحاز الذي يحلّل حرامًا، ويحرّم حلالاً مذ كان مجلس الأمن وحتى يومنا هذا... ويحسن بنا قبل الخوض في نتائج تلك الحرب التي لم تكن آخر الحروب كما أُريد لها.. وقبل الخوض في الصلة العضوية الوثيقة التي تربط في العادة بين ماضٍ من الزمان وآتٍ.. يحسن بنا من باب الوفاء للأجيال التي لم تعش تلك الحرب، ولم ترها، ولم تسمع عنها أيضًا.. ومن باب تكثيف التاريخ كي يسهل تقطيره.. وكي تسهل رؤيته، ويصبح التزود به أمرًا في متناول اليد أن نختزل التاريخ في هذه العناوين والمانشيتات الحمراء التي طلعت بها "القدس" علينا طوال أيام تلك الحرب المحصورة بين السادس والثالث والعشرين من أكتوبر أقدّمها – معونةً للعاقل، وتذكرةً للغافل – كما يلي: اندلاع الحرب على جبهتي السويس والجولان. قوات مصر تعبر السويس، وقوات سورية تتقدم في الجولان. معارك برية وجوية وبحرية ضارية. إسرائيل تتوقع القتال عدة أيام. أميركا تفشل في سعيها لوقف الحرب، وتجري اتصالات عاجلة مع روسيا. احتمال عقد مجلس الأمن.

الطائرات والدبابات تخوض معارك ضارية في الجبهتين. مجلس الأمن يجتمع مساء اليوم بطلب من أميركا. نيكسون يقطع إجازته ويعود إلى واشنطن.

تصاعد القتال في الجبهتين. المصريون يضربون آبار النفط في سيناء، ويستعيدون القنطرة. إسرائيل تقصف بور سعيد.

الحرب تزداد ضراوة ويتسع نطاقها. شلل مجلس الأمن نتيجة اختلاف الدول الكبرى. الطائرات الإسرائيلية تقصف دمشق، وحمص، ومواقع مصرية. عسكريون إسرائيليون يعترفون بالانسحاب وراء خط بارليف. سورية تستخدم صواريخ جديدة في المعركة.

جسر جوي روسي لنقل أسلحة لمصر وسوريا. الأسلحة الأمريكية والروسية تتدفق على المتحاربين. اشتداد الغارات والمعارك الجوية، واستمرار تصاعد الحرب البرية.

كيسنجر يخشى تحول المعركة إلى حرب نووية بين الكبار. احتدام المعارك في الجولان، واشتراك القوات العراقية لأول مرة في القتال. مجلس النواب الأميركي يُسقط قرار مجلس الشيوخ الداعي إلى انسحاب القوات العربية. حالة تأهب في حلف وارسو. تخفيض شحنات البترول السعودية عبر خط التابلاين.

أميركا تقرر تزويد إسرائيل ببعض الأسلحة. القوات المتحاربة تلقي بثقلها في سيناء والجولان. حلف الأطلسي يعتبر قطع النفط العربي عملاً عدوانيًّا. احتجاجات عربية إلى أميركا على تجسس طائراتها على مصر، وتزويد إسرائيل بالسلاح.

أميركا تعلن رسميًّا شحن أسلحة إلى إسرائيل. سيناء تشهد أعنف معركة منذ بداية الحرب (الجمعة 19/10) الجانبان المصري والإسرائيلي يدفعان إلى القتال بقوات ضخمة من الطائرات والدبابات. سلاح النفط يدخل المعركة: أبو ظبي تقطع النفط عن أميركا، والسعودية تخفّضه. الأسلحة تواصل تدفقها إلى المنطقة. اتصالات أميركية وروسية لوقف الحرب.

القتال يبلغ ذروته في سيناء. ليبيا تقطع النفط عن أميركا. نيكسون يطلب رصد 2000 مليون دولار لمساعدة إسرائيل.

السعودية تقطع بترولها عن أميركا. محادثات أميركية روسية في موسكو لوقف القتال. معركة المدرعات في سيناء تدخل يومها الرابع، واستمرار القتال العنيف. ورئيس الأركان المصري الفريق سعد الدين الشاذلي يتعهد بتدمير سلاح المدرعات الإسرائيلي.

مجلس الأمن يقرر وقف النار، وبدء مفاوضات فورية. الأطراف المتحاربة تعلن التزامها بوقف القتال في الساعة السادسة والدقيقة 52 من مساء الاثنين 22/10 الموافق 26/ رمضان استجابة لقرار مجلس الأمن رقم 338.

إنذار روسي إلى إسرائيل بسحب قواتها إلى خط وقف النار. استمرار القتال على جبهة السويس والجولان رغم قرار مجلس الأمن رقم 338 ومجلس الأمن ينعقد بطلب من مصر.

مئير: لا عودة لحدود 4/ حزيران/ 1967.

الجمعة 26/ 10 الموافق 1/ شوال: مجلس الأمن يقرر تشكيل قوة طوارئ دولية. كيسنجر: نأمل في أن تبدأ المفاوضات بين العرب وإسرائيل خلال أسابيع.

خطوط عريضة لاتفاق روسي أميركي للسلام: إنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة مركزها القدس العربية. انسحاب إسرائيل من سيناء والجولان. مناطق منزوعة السلاح، وقوات سلام دولية.

ولقد نصّ قرار مجلس الأمن رقم 338 على البدء فورًا بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242 بجميع أجزائه، وبدء مفاوضات فورية بين الأطراف ذات العلاقة تحت رعاية ملائمة تستهدف إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط.

أما ما أوردته "القدس" في عددها الصادر يوم الأربعاء 31/ 10 الموافق 1/ شوّال فهو: وجوب انسحاب إسرائيل من المناطق المحتلة، وحق تقرير المصير للفلسطينيين.

فهل انسحبت إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة؟ وهل قرر الشعب العربي الفلسطيني مصيره؟

من المؤلم أن شيئًا من هذا لم يحصل.. ومن المؤلم أن إسرائيل لم تنسحب من الأراضي العربية المحتلة، وإن كانت قد انسحبت من "أراضٍ"  محتلة كما نص على ذلك القرار (242) ومن المؤلم أن تلك البداية الرائعة لحرب أكتوبر لم تسفر عن أكثر من توقيع اتفاقات "كامب ديفيد"، وتبادل السفراء بين القاهرة وتل أبيب.. ثم بين عمان وتل أبيب في وقت لاحق.. ثم توقيع اتفاقات أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية.. هذه الاتفاقات التي أسفرت عن قيام السلطة الفلسطينية في غزة وأريحا، ولا تزال المحاولات مستمرة من أجل إلحاق مناطق أخرى من الضفة الغربية بهذه السلطة... دون أن يعلم أحد يقينًا ما الذي ستسفر عنه هذه المحاولات.. وكيف سيكون شكل هذه الديار في قادم الأيام والآجال... وإن كنا نعرف يقينًا – أن الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية لهذه الديار وأهل هذه الديار في تراجع يومي مستمر.. وإن كنا على يقين أيضًا أن أكثر من نصف مساحة هذه الضفة قد أصبحت تحت سيطرة المستوطنات والمستوطنين التي تشير آخر المعلومات إلى أن عددهم قد أصبح قرابة نصف مليون مستوطن في هذه الديار!! وإن كنا على يقين أيضًا أن الإسرائيليين ليسوا جادين في التوصل إلى حلٍّ جذريٍّ للقضية الفلسطينيّة يضع حدًّا لآلام الفلسطينيين، ويعيد إليهم حقوقهم التي ضمنها المجتمع الدولي، ونصّت عليها قرارات الأمم المتحدة... الإسرائيليون لا يريدون أكثر من حلول مرحلية يؤدي سابقها إلى لاحقها بعد أن يكونوا قد حققوا شيئًا من المكاسب، وتغيير شيء من الحقائق على الأرض... وهكذا حتى يتم لهم التوصل إلى ما يريدون.. وعلى الرغم من أن معرفة ما يريدون ليست من الأمور السهلة لأنها – في نظرهم – قضية مفتوحة متروكة للزمن كي يبت فيها على ضوء القوة الإسرائيلية والضعف العربي، والتشرذم الفلسطيني، وخنوع المجتمع الدولي، وانقياده للرغبة الإسرائيلية.. أقول: على الرغم من أن معرفة ما يريده هؤلاء ليست أمرًا سهلاً إلاّ أن المراقب المتتبع لسير الأحداث يستطيع أن يستنتج بناء على كل هذه المقدمات أنهم يريدون كل شيء.. وأنهم لن "يتنازلوا" للفلسطينيين عن شيء أي شيء من أرض إسرائيل.. إلا إذا كان ذلك مرحليًّا يستعيدونه منهم بمرور الزمن... القضية الفلسطينية إذن هي قضية منتهية - من وجهة نظرهم – استبدلوها منذ أمد بعيد بقضية أرض إسرائيل، وشعب إسرائيل، وهؤلاء الأغيار الذين تقضي الأصالة والنقاء أن يتخلصوا منهم بقدر المستطاع، وكلما كان ذلك ممكنًا، وبالطرق السلمية الأكثر إنسانيةً والأقل ضجّةً لا بد أن يأتي اليوم الذي يستطيعون فيه أن يجدوا حلاًّ لموضوعهم في دول الجوار.. فإن لم يكن ذلك ممكنًا ففي الدول الأكثر بُعدًا والأكثر تبعيّةً.. وفي الدول البعيدة النائية التي تنسيهم جذورهم، وتلغي تاريخهم وثقافتهم، وتغير ملامح شخصيتهم إن بقي لديهم شيء من شخصية، وشيء من وجود أو مقومات... القضية الفلسطينية محلولة على هذا الأساس وهذا التصور.. وحق العودة استُبدل منذ أمد بعيد بحق عودة آخر يعني عودة "اليهودي" من كل أنحاء الدنيا إلى أرض إسرائيل.. لا عودة العربي الفلسطيني الذي اقتلع من جذوره عام ثمانية وأربعين إلى بلاده وأرضه وبيته الذي لم يعد له حق فيه بعد أن عاد لمالكه القديم العائد إليه من آخر الدنيا!! الفلسطينيون إذن لم يعودوا أصحاب حق في هذه الديار.. ولعل ما صرحت به وزيرة خارجيتهم آنذاك أمام  الجمعية العامة للأمم المتحدة وهي تخاطب العرب ينطوي على كثير من هذه الحقائق المرة التي أُوردها في هذا المقام.. فوزيرة الخارجية الإسرائيلية " ليفني" تدعو العرب إلى إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل.. مستهجنةً أن يكون العرب فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين!!! هكذا قالت وزيرة  الخارجية الإسرائيلية: أقيموا علاقات طبيعية معنا.. لا تفكروا كثيرًا أو قليلاً بالفلسطينيين.. فقد انتهى أمرهم، وحُلّت قضيتهم – ولم تعد عقبةً أمام أحد... وما علينا في هذه المنطقة من العالم إلا أن نعمل معًا من أجل تحقيق هذه الأهداف... ولا يعتقد مراقب يقظ مطلع أن هذه الأهداف لا تعدو كونها سيطرة على كل أرض العرب، وعلى كل بلاد المسلمين التي يسمونها اليوم" الشرق الأوسط الكبير" أو الجديد.. وإن اختلفت الوسائل والأساليب والأسماء والمسميات إلا أن الهدف واحد، وهو التحكم الفعلي المطلق بأرض العرب وبلاد المسلمين في يوم من الأيام..

بخروج مصر من دائرة الصراع في أعقاب حرب أكتوبر، وبموجب اتفاقات كامب ديفيد.. وبتوقيع اتفاقات أوسلو، والزجّ بفلسطين، والفلسطينيين، والقضية الفلسطينية في هذا الوضع الجديد الذي يمكن تسميته بالحالة الفلسطينية قررت أمريكا خلق حالة شبيهة في العراق... إمعانًا منها في إذلال العالم العربي، وتقطيع أوصاله، ونهب خيراته، وضرب ما كان يسمى بالعمق العربي لفلسطين... ثم ما يقال اليوم عن تقسيم العراق.. وإلغاء شخصيته العربية، وضرب انتمائه العربي.. كما كان احتلال أفغانستان قبل ذلك شبيهًا بهذا ولكن في العمق الإسلامي... خروج مصر من دائرة الصراع إذن بعد حرب أكتوبر  عزلها تمامًا عن الصراع العربي الإسرائيلي، ولم يُعد لها السيطرة على سيناء.. التي أصبحت دولية.. وأصبحت منتجعاتها كذلك.. وكل ما يقع على عاتق مصر هو حماية هذا الوجود الأجنبي المكثّف على أرض سيناء، وملاحقة المصريين وغير المصريين الذين يشكّلون تهديدًا لهذا الوجود الأجنبي على أرض مصرية... ولقد أدى هذا الخروج إلى ما أدى إليه من ضعف عربي، وانقسامات عربية.. كما أفقد العرب، وأفقد المسلمين، وأفقد فلسطين والفلسطينيين كثيرًا من تضامنهم وكثيرًا من خصائصهم، وكثيرًا من مقومات وجودهم.. ولئن كانت حرب أكتوبر آخر الحروب (كما قال الرئيس المصري السادات آنذاك) فقد حصل هذا بالفعل، ولكن على الجبهة المصرية فقط بخروج مصر من دائرة الصراع، وتخلي مصر عن دورها التاريخي في بلاد العرب منذ العام اثنين وخمسين.. ودورها التاريخي في فلسطين والقضية الفلسطينية.. وإعادة الحقوق إلى أصحابها عرب فلسطين.. هذه الحقوق التي لم تعد تعني شيئًا في هذه الأيام الموغلة في السوء.. المفرطة في التراجع والانحسار.. المنذرة بشر مستطير يغشى هذه الديار، وكل من في هذه الديار، ولسوف يصيب بأذاه وأضراره كثيرًا من الأقطار والأمصار من دول الجوار وغير دول الجوار... لا نتمنى هذا.. بل نحذّر منه بعد أن طفح الكيل، ووصل السيل الزبى.

وبخروج مصر من دائرة الصراع بقيت سوريا التي عكفت منذ أن وضعت حرب تشرين التحريرية أوزارها على تحقيق التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل.. ذلك أن السوريين قد باتوا على قناعة تامة بضرورة الاعتماد على النفس في المواجهات المقبلة.. ولقد استوعب السوريون درسًا كبيرًا من دروس حرب العاشر من رمضان من العام ثلاثة وتسعين وثلاثمائة وألف للهجرة.. فإن ما حدث على الأرض في الدفرسوار.. وما حدث في كامب ديفيد.. وما كتبه الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس الأركان المصري وأحد أكبر العسكريين في العالم كله آنذاك.. كل هذا وكثير غيره قد حدا بالسوريين لاتّباع نهج جديد في التعامل مع الحوادث والأحداث في هذه المنطقة من العالم.. لقد حرصت سوريا على تمتين علاقتها بروسيا.. كما طوّرت علاقتها بإيران.. وأقامت أقوى الصلات وأوثقها مع كل العرب الوحدويين في لبنان الذي لم يكن في الماضي، ولن يكون في الحاضر والمستقبل أكثر من الخاصرة اليمنى للقطر العربي السوري.. ولم يكن ولن يكون إلا أرضًا عربية سورية، وجزءًا لا يمكن أن يتجزّأ من بلاد الشام.. ولم يكن في يوم من الأيام إلا شقيقًا جميلاً وجارًا حبيبًا، ورديفًا شريفًا لفلسطين والفلسطينيين..

حرصت سوريا منذ أن وضعت حرب تشرين أوزارها، وبعد أن حررت القنيطرة مركز محافظة القنيطرة على انتهاج هذه السياسة التي تتبعها، والتي ينظر إليها كثير من المراقبين والمحللين السياسيين بكثير من الارتياح والإعجاب... فإذا كانت الاستفزازات الإسرائيلية التي مارسها الإسرائيليون في الأيام التي سبقت حرب حزيران سببًا كافيًا لجر سوريا إلى حرب من تخطيط الإسرائيليين وتوقيتهم فإن الغارة الجوية التي نفّذها الإسرائيليون ضد موقع عسكري سوري مهجور في السادس من أيلول (2007) لم تنجح في جر السوريين إلى خطوة عسكرية متهورة يدفع كل العرب في كل ديارهم ثمنها الباهظ..

المراقبون والمحللون العسكريون  توقعوا يومها أن كل ما ستفعله سوريا لن يكون أكثر من بيان أو رد كلامي أو شكوى تقدمها إلى مجلس الأمن.. لأن المراقبين يعتقدون أن سوريا المحاصَرة بعاصمتها الحدودية التي يعرف السوريون أكثر من غيرهم أنها موقع متقدم من مواقعهم التي من المستحيل أن يفرّطوا بها مهما كلف الأمر، ومهما كان الثمن... وعليه فإن سوريا لن تفعل إلا ما تعتقد تمامًا أنه الرد المثالي الذي لا يمكن أن يؤدي إلا إلى ما تريد... أما إذا فُرض عليها ما ليس في حسابها وحساباتها فإن ردها لن يكون سهلاً.. وإن رد أصدقائها وحلفائها – وهم كثر- قد يكون قاسيًا مؤلمًا... وعليه فإنه يحسن بكل من تحدثه نفسه بالعدوان على سوريا أن يضع هذا وكثيرًا غيره في حساباته، حتى لا يفاجأ بالحقيقة التي قد يضطر لدفع ثمنها أضعاف ما كان يتوقع.

ليس بإمكان المرء أن يقول أكثر من هذا في موقف كهذا، وموقع كهذا، ومناسبة كهذه... وليس بإمكان المرء أن يصرّح بما يغني عنه التلميح؛ فالسوريون يعرفون أكثر من غيرهم أن تلك الحرب لم تكن آخر الحروب، وأنها لن تكون كذلك.. فقد شهدت الساحة الفلسطينية ما هو أكثر من الحرب خلال السنوات الماضية، ولا زالت هذه الساحة مرشَّحةً لكثير مما ستأتي به الأيام... والساحة اللبنانية شهدت خلال تلك السنوات كثيرًا من المعارك والحروب التي يعرفها جيدًا كل العرب، وكل اللبنانيين، وكل الإسرائيليين أيضًا... ولسنا هنا بصدد كتابة تاريخ هذه المنطقة أو كتابة تاريخ معاركها وحروبها.. وإنما هي إشارة سريعة إلى ما حصل، ودعوة صريحة لتجنب ما يمكن أن يحصل من مواجهات ومعارك ومصادمات وحروب نحن جميعًا في غنىً عنها لسبب بسيط هو أنها لن تكون في مصلحة أحد.. ولن يستفيد منها أحد.. ولن تحسم نزاعًا.. ولن تنهي صراعًا.. ولن تسبب إلا دمارًا وخرابًا.. ولن تخلّف إلا أحقادًا... وعليه فإن ما يمكن أن يقال ببساطة إن الحل العادل لكل قضايا هذه المنطقة ومشكلاتها هو الضمانة الوحيدة لتحقيق الأمن والأمان لكل شعوبها... وإن السلام الشريف المقنع العادل الدائم هو وحده الكفيل بحل مشكلات هذه البلاد، وهو وحده الذي من الممكن أن يضع حدًّا للحروب في هذه الديار.

إن عودة الشعب العربي الفلسطيني إلى دياره التي أُخرج منها.. وقيام الدولة الفلسطينية في كامل الأرض المحتلة منذ عام سبعة وستين وعاصمتها القدس العربية.. قد يكونان أساسًا صالحًا لصنع سلام ترضى عنه الأجيال في هذا الجزء من العالم.

إننا  ونحن نعيش اليوم ذكرى تلك الحرب  لنرجو أن يقف المجتمع الدولي بحزم إلى جانب الشعب العربي الفلسطيني في نضاله العادل من أجل استعادة حقوقه الوطنية الثابتة في بلاده فلسطين.

 (6/10/2010)

 


الاثنين، ٤ تشرين الأول ٢٠١٠

متابعات:

إغراءات أوباما.. ومراوغات نتانياهو



أ.عدنان السمان


        بصرف النظر عن كل ما قيل، وما يقال، وما سيقال، في الرئيس الأمريكي براك أوباما.. وبصرف النظر عن توجهاته، ومعتقداته، وأفكاره، وثقافاته، وارتباطاته الأمريكية، والإسرائيلية، والعربية.. وبصرف النظر أيضًا عن حقيقة مشاعره تجاه الفلسطينيين، وطبيعة علاقاته بهم، ونظرته الإنسانية إليهم، وتعاطفه معهم، وإشفاقه عليهم، ورغبته في حل قضيتهم، ووضع حد لآلامهم وبؤسهم ومعاناتهم وتشردهم.. بصرف النظر عن كل ذلك، وكثير غيره، إلا أن الرئيس الأمريكي يرى أن من واجب الولايات المتحدة الأمريكية وضع حد للصراع العربي الإسرائيلي، وصولاً لإحلال السلام والأمن في منطقة الشرق الأوسط خدمة للسلم والأمن الدوليين، وخدمة لرِفاء الشعوب وأمنها وأمانها وتقدمها وازدهارها، وخدمة لمصالح أمريكا، ونفوذها في هذا العالم.

        منذ أن آلت أليه مقاليد الأمور حرص أوباما على حل القضية الفلسطينية التي تؤرق المجتمع الدولي منذ أكثر من اثنين وستين عامًا، كما حرص أوباما على وضع حد للصراع العربي الإسرائيلي، وألقى بكل ثقله في هذا الاتجاه، لكنه اصطدم أمريكيًّا بالمتشددين المتزمتين المؤيدين بلا حدود للدولة العبرية، ولكل مشاريع اليمين الإسرائيلي المتشدد، وأطماعه في كل الأرض العربية.. اصطدم أوباما منذ توليه الرئاسة بقادة اليمين الإسرائيلي الحاكم، كما اصطدم برموز "اللوبي" اليهودي الداعم لإسرائيل في الولايات المتحدة، وبقياداته ونشطائه، وعلى الرغم من ذلك، وبالرغم من تعثر جهوده ومساعيه لحل هذه القضية المستعصية إلا أن أوباما لم ييأس؛ فقد استأنف هذه الجهود والمساعي التي رحب بها الفلسطينيون والعرب، وكانت المفاوضات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين مؤخرًا، وكانت نهاية تجميد الاستيطان الجزئي في السادس والعشرين من أيلول الماضي، وكان إصرار المفاوض الفلسطيني على ضرورة الاستمرار في تجميد الاستيطان كي تستمر هذه المفاوضات، وكانت هجمة الاستيطان والمستوطنين من جديد بعد السادس والعشرين من الشهر الماضي.. وكانت ضغوط أوباما على الجانب الفلسطيني بعدم الانسحاب الفوري من هذه المفاوضات، وإعطاء نتانياهو فرصة تمكنه من إعلان موافقته على تمديد التجميد مدة ستين يومًا فقط كي تستمر هذه المفاوضات.

ولكي يوافق اليمين الإسرائيلي الحاكم على هذا التمديد كانت هناك سلسلة من الإغراءات والضمانات الأمريكية لهذا اليمين، وكان التعهد الأمريكي للجانب الفلسطيني بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستعترف بخطوط الرابع من حزيران حدودًا للدولة الفلسطينية.. فماذا يعني هذا الإصرار الأمريكي؟ وما الذي سيؤدي إليه في النهاية؟ .

الاستيطان (الذي لم يتوقف في منطقة القدس وبيت لحم) استؤنف بقوة بعد انتهاء الشهور العشرة، ويبدو أن نتانياهو بات عاجزًا عن وقفه، وهو لا يملك شيئًا من وسائل الضغط على المستوطنين حتى لو رغب في ذلك؛ فقد أصبحوا قوة مؤثرة في السياسة الإسرائيلية ليس من السهل تجاهلها؛ بل إن المستوطنين باتوا قادرين على التحدي والمواجهة بما يملكون من أسلحة، ومن إصرار على البقاء في "مستوطناتهم"، أما الحل السياسي للمستوطنات والمستوطنين، والمتمثل في مبادلتهم بعرب الداخل –بحسب تصورات قادة اليمين الإسرائيلي- فهو أمر يرفضه (عرب الداخل) كل الرفض، كما يرفضه الفلسطينيون في الضفة الغربية وغزة كل الرفض، وهو مجرد وهم في رؤوس المروجين له ، ثم إن كافة إغراءات أوباما ليست أمرًا جديدًا في السياسة الأمريكية؛ فمنذ أن أقيمت إسرائيل على جزء من أرض فلسطين تعهدتها أمريكا بالمال والسلاح والرعاية والحماية، ولعل تاريخ (الفيتو) الأمريكي ضد الحق العربي في فلسطين يمثل جانبًا من الشواهد على صحة هذا الادعاء!! فلماذا سيقبل اليمين الإسرائيلي المتشدد بهذه الإغراءات والضمانات وصفقات الأسلحة والمساعدات المالية المشروطة بوقف الاستيطان، في الوقت الذي حصل فيه على أضعاف أضعافها دون قيد أو شرط؟؟ وفي الوقت الذي يستطيع فيه أن يحصل عن طريق (الإيباك)، وعن طريق غيره من منظمات الضغط اليهودي في أمريكا على أكثر مما سيقدمه أوباما لقاء تجميد جزئي للاستيطان مدة ستين يومًا؟؟

أغلب الظن أن إغراءات أوباما وضماناته للإسرائيليين لن تجد آذانًا صاغية في الدولة العبرية، ولن تحمل نتانياهو على تمديد فترة التجميد حتى لو كان ذلك شكليٍّا، وحتى لو كانت موافقته على ذلك باللسان فقط، ولن توقفه عن ممارسة مراوغاته التي يهدف من ورائها إلى الاحتفاظ بعلاقاته مع أمريكا، ومع اليمين الإسرائيلي المتشدد، ومع الجانب الفلسطيني المفاوض، وأغلب الظن أن اليمين الإسرائيلي الحاكم قادر على ردع نتانياهو ومنعه من التمديد حتى لو كان شكليٍّا.. أما إذا أصر نتانياهو على الظهور بمظهر من يمسك بالعصا من وسطها، وكمن يستطيع الاحتفاظ ببطيختين في يد واحدة، وإذا ما ارتأى أن يستمر في مراوغته التي لم يخسر معها حتى الآن شيئًا ذا بال، فقد يكون ذلك وسيلة من وسائل الهروب من مأزق ألفى نفسه فيه، والاختباء خلف أزمة وزارية مفتعلة تُفضي إلى انتخابات مبكرة تخوض غمارها أحزاب دينية جديدة، وأحزاب قومية متشددة جديدة قد تؤدي إلى حقبة جديدة تحكم الدولة العبرية خلالها وجوه جديدة من غلاة المتشددين اليهود، تنعكس سلبًا على أوباما وعلى الحزب الديموقراطي، وعلى كثير من المعتدلين، ومن دعاة السلام والتعايش والاعتدال في بلاد العرب.                                                                                                  4/10/2010