كلماتٌ في ذكرى النكبة!!
أ.عدنان السمان
قالوا منذ ستين عامًا إن أقلية قد هزمت أكثرية ، وقلنا إن هذا ليس صحيحًا ، وإن تلك الأقلية التي تتحدثون عنها كانت بمن معها، وبما امتلكت يومها من وسائل القوة هي الأكثرية ومع ذلك فإنها لم تهزم تلك "الأكثرية " التي تتحدثون عنها ، والدليل كل هذه الممارسات التي تُرتكب ضدها منذ تلك الأيام حتى هذا اليوم ... والدليل أيضًا أن كل هذه الممارسات والمخالفات الصريحة لكل الشرائع والقوانين والأعراف ، وكل هذه التجاوزات, وإشعال الحرائق ,والملاحقات ,والمداهمات, والمؤامرات ، والمخططات ، والتحالفات لم تسفر ، ويبدو أنها لن تسفر ، أو على الأقل من الصعب جدًًّا أن تسفر عن تحقيق شيء مما في تلك الرؤوس ، ومن هذا الذي يضطرم في تلك النفوس ... ولو كانت تلك الأقلية التي يتحدثون عنها قد هزمت أحدًا لكانت الأمور على غير هذه الصورة ، ولكانت الحال غير الحال ، ولحققت تلك الأقلية أهدافها في السيطرة والاستقلال وراحة البال .
وقالوا يومها إنهم يستعيدون حقًّا تاريخيًّا، وقلنا إن هذا أيضًا ليس صحيحًا ، وبغض النظر عن قضية السبق التاريخي ، وعن الجذور التي تضرب في أعماق الأرض منذ فجر التاريخ ، فإن هذا الزعم لا يكفي ، ولا يشكّل أساسًا سليمًا لواقع جديد ، ولو كان الأمر كذلك لكان من حقنا أن نعود إلى أقطار كثيرة في شرق الدنيا وغربها عشنا فيها، وعمرناها ، وبنينا فيها حضارات لا تزال قائمة ماثلة للعيان شاهدة على عظمتنا حتى اليوم ، دون أن تنجح هندسة على تقليدها ومحاكاتها ، ودون أن تنجح هذه الطبيعة بقضها وقضيضها من النيل منها ، بل إن تعاقب العصور، وكر السنين والدهور لم يزدها إلا عظمة وقوة وشموخًا .. إنها شاهد على قوة مبدعيها وعظمتهم ,فالصنعة دليل على الصانع ، والصانع العظيم يُعرف مما صنع ...وبغض النظر أيضًا عن هذا وذاك فقد قلنا وقالت الدنيا كلمتها بحق من اقتُلعوا وهُجّروا ، وبوجوب عودة الأمور إلى نصابها ، والمياه إلى مجاريها ، وبوجوب عودة الحق إلى نصابه، والسيف إلى قِرابه ، والأسد إلى عرين غابه، ولكن شيئًا من هذا لم يحدث حتى اليوم .
وقالوا إننا عدوانيون لا نجيد إلا الصراخ، وافتعال الأزمات ، وصناعة المعضلات والمشكلات ، وقلنا إن هذا الزعم مخالف للتاريخ ، مجافٍ للواقع ... ليس قولهم هذا صحيحًا لأننا الذين صنعنا علم الكلام ، وعلم المنطق ، وعلوم البيان والبديع والبلاغة وعلوم اللغة،ونهضنا بعلم الفلك والكواكب والنجوم والجغرافية والهندسة والرياضيات والطب والصيدلة والكيمياء والفيزياء ، ووضعنا أكبر ثروة في الفقه والتشريع والآداب في تاريخ البشرية ، وأقمنا صرحًا للمبادئ والقيم والمثل العليا والأخلاق والمحبة والرحمة والتضامن والتعاطف والمودة والإحسان والتسامح والرفق بالحيوان هو الأول من نوعه في تاريخ الإنسان .
وقال بعضهم في مثل هذا اليوم من ذلك العام إننا شعب صحراوي ، وإلى الصحراء لا بد أن نعود !! وقول هذا البعض ينطوي على قدْر هائل من المغالطة والعدوانية والاستعلاء ... صحيحٌ أننا أخذنا من جِمال الصحراء قوتها وصبرها وشدة احتمالها ، وصحيحٌ أيضًا أننا أخذنا من الصحراء صفاء سمائها ، واتساع آفاقها ، وروعة واحاتها ، ووضوح الرؤية، والحذر ،والاهتداء بالكواكب والنجوم ،والتمرس بحياة الخشونة والفروسية والشجاعة عند مواجهة حيواناتها ،والسير في خلواتها ... ولكن صحيحٌ أيضًا أننا أبناء سهول وجبال وشواطئ وبحار وأنهار عرفتنا وعرفناها منذ أن خلق الله هذه الأرض ومن عليها .. لقد دانت لنا الدنيا .. وكنا سادة العُصُر !! هذه ليست شوفينيّة قوميّة متعصبة ، ولكنها الرد على من يريد أن يقذف بنا إلى الصحراء !!
كلمات في ذكرى النكبة فرضت نفسها ، فزفرتُها كي لا أختنق بها .. عبراتٌ أذرفها في مثل هذا اليوم من كل عام ، ودمع شرقتُ به حتى كاد يشرق بي في هذا الصباح الذي نرجو أن يكون نهاية التشرد والتشتت والضياع بعودة الحقوق إلى أصحابها في ظل سلام عادل دائم مقنع مشرف لا غالب فيه ولا مغلوب ... سلام عادل لا يُظلم فيه أحد ، ولا يبغي فيه إنسانٌ على إنسان في هذه المنطقة المتفجرة من العالم.
8/5/2008
Introducing Live Search cashback . It's search that pays you back! Try it Now
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق