عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


الأربعاء، ٢٩ أيلول ٢٠١٠

متابعات:

قبل التفاوض ...

 

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

لا بد من وقف العدوان بكل أشكاله وصوره قبل الحديث عن أي تفاوض مباشَر أو غير مباشَر.. لا بد أولاً من الكف عن كل ألوان العدوان التي تمارَس جهارًا نهارًا على الناس في أرواحهم وممتلكاتهم وحرياتهم في هذه الديار.. لا بد أولاً وقبل كل شيء من التوقف عن كل هذه الممارسات، وعن كل هذه التهديدات، والتلويحات، والتلميحات، والتصريحات، وعن كل هذه السياسات التي يتبعونها بحق كل عرب هذه الديار، بدءًا بشتى مظاهر الاستعلاء والاستكبار والاشمئزاز من كل ما هو عربي، ومن كل ما هو فلسطيني، ومن كل ما هو شرقي، مرورًا بهذا التمييز المزري، والتفرقة المهينة بين الناس بحسب ألوانهم وأديانهم، ولغاتهم ولهجاتهم، وبحسب ملابسهم وأشكالهم ولون أعينهم أيضًا، ومرورًا بهذه العنصرية المقيتة التي يصوغونها قوانين يلاحقون بها كل "الأغيار" في هذه الديار، ويترجمونها ويجسدونها شرائعَ وأفكارًا وثقافاتٍ يحاكمون من خلالها كل "الغرباء" ، ويصدرون بحقهم ما لذ لهم وطاب من أحكام أقلها تجريدهم من كافة حقوقهم التاريخية والدينية والقومية والوطنية والإنسانية، ولا أقول انتهاءً بإخراجهم من ديارهم ومساكنهم وأراضيهم، وتشريدهم في كل أزقة هذا العالم وشعابه ومنعطفاته وزواياه؛ فالملاحقة هناك وهنالك مستمرة، والاستهداف هناك وهنالك مستمر، والاصطياد بكل أشكاله، وبأبشع صوره مستمر أيضًا !!

ما معنى أن أوفاض من لا يعترف بي ندًّا ؟ يل يريدني تابعًا يسخرني في خدمة أهدافه، وتنفيذ غاياته؟ وما معنى أن أفاوض من لا يحترم إنسانيتي، ولا يعترف بمواطنتي، ولا يؤمن بأدنى حق لي في هذا الوطن الذي تعاقبتْ عليه أمتي، وتوارثَتْه منذ آلاف السنين؟ ما معنى أن أفاوضه في الوقت الذي يمارس فيه العدوان على الناس في أرواحهم، وفي الوقت الذي يضيق فيه على الناس، ويحاربهم في طعامهم وشرابهم وتحركاتهم؟ وفي الوقت الذي يقيد فيه حرياتهم، ويضع يده على أرضهم ومصادر رزقهم؟ وفي الوقت الذي بنى فيه، ولا يزال يبني، مستوطناته على أراضيهم، وينشر مستوطنيه بينهم، ليحاصر بهم مدنهم وقراهم، ولينشر الرعب بين صفوفهم، ويستولي على مزروعاتهم وغلالهم وثمارهم؟ ما معنى أن أفاوضه وهو يحاصر غزة هذا الحصار الجائر برًّا وبحرًا وجوًّا، ويهدم هذه الأنفاق التي تربط القطاع مع الشقيقة الكبرى على رؤوس الناس فيها ؟ ما معنى أن أفاوضه وهو يعزل القدس عن محيطها، ويعزل المقدسيين عن أهلهم وإخوانهم وأنسبائهم وأقربائهم وأحبابهم في الخليل وبيت لحم ونابلس وجنين وكل المحتل منذ سبعة وستين؟ ما معنى أن أفاوضه وهو يصر على البقاء في الأغوار بدعوى حفظ أمنه، وكي يحاصر الفلسطينيين في الضفة الغربية حصارًا كاملاً تمامًا مثل غزة؟ ما معنى أن أفاوضه وهو يصر كل الإصرار على التخلص من عرب الجليل والساحل والمثلث والنقب بترحيلهم إلى "يهودا والسامرة"، ليسهل عليهم بعد ذلك ترحيلهم جمعيًا إلى خارج بلادهم فلسطين في المرحلة القادمة؟!! ما معنى أن أفاوضه، وهو يصر على تحويل هذا الشعب بكامله إلى لاجئين ينبغي أن يستوعبهم المجتمع الدولي، وأن يوطنهم، ويقدم لهم التعويضات، ثم يخضعهم للمراقبة المشددة جيلاً بعد جيل، بحيث يصرفهم عن التفكير ببلادهم فلسطين؟!!

لا بد قبل التفاوض من إعلان الطرف الآخر (الذي وضع يده على كل فلسطين التاريخية) بشكل واضح أنه لا يمانع في عودة اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين تنفيذًا للقرار 194، وأنه مستعد للانسحاب الكامل إلى حدود الرابع من حزيران عام سبعة وستين، وأنه على استعداد تام لإخلاء كافة المستوطنات دون استثناء، لأنها جميعًا غير شرعية، وأنه على استعداد لإطلاق سراح  كافة الأسرى الفلسطينيين دون استثناء، وأنه ملتزم بتقديم الضمانات التي تمكن كل عرب فلسطين دون استثناء من العيش في بلادهم بحرية وكرامة واحترام دون أدنى مساس بحقوقهم الدينية والتاريخية والقومية، ودون أدنى مساس بثوابتهم التي ضمنها المجتمع الدولي، وضمنتها قراراته، وشرائعه، ومواثيقه.. فإن تعذر هذا لسبب أو لآخر ، فليس أقل من أن يعيش الفلسطينيون جميعًا مواطنين كاملي المواطنة والحقوق كلٌ في قريته أو مدينته بأمن وأمان واطمئنان؛ فإن تعذر ذلك أيضًا لهذا السبب أو ذاك، فإن من المتوقع أن الذي قد يحدث في كل هذه الديار ربما كان خياليًّا في بشاعته بشكل أكبر بكثير من "خيالية" هذا الحل الإنساني الذي يراه كثير من الناس، وكثير من المراقبين في هذا العالم، ولكن العودة إليه قد لا تكون ممكنة، لأن التفكير فيها قد جاء متأخرًا، وبعد فوات الأوان كما يقولون!!

                                                                                                       29/9/2010

 


السبت، ٢٥ أيلول ٢٠١٠

متابعات:

جولة مع ياسين .. في قرى المزار والنورس وزِرعين !!

  أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

        كم حمدتُ الله الذي شاءت إرادته أن أستبدل كلمة "بيسان" بكلمة "طبريا" وأنا أتحدث عن معركة عين جالوت في الثالث من أيلول على الصفحة الحادية والعشرين من جريدة "القدس" وعلى الرغم من إحساسي بأن خطأ ما قد وقع، وأنا أستبدل هذه الكلمة بتلك، إلا أنني لم أتوقف لأعيد النظر في تلك الجملة التي قلت فيها: ".... وفي موقع بشمال فلسطين إلى الغرب من طبرية يسمى (عين جالوت) كانت هذه المعركة الفاصلة بين جيش المغول من جهة، والجيش الإسلامي من الجهة الثانية..." ولو أعدت النظر قليلاً لتحررتُ من سيطرة  صوت المذيع عليّ في تلك اللحظة، وهو يتحدث عن بحيرة طبريا، وعن ساحلها الشمالي الشرقي الذي يصرّ السوريون على العودة إليه، كما كانت الحال قبل حرب الخامس من حزيران، ولوضعت "بيسان" بدلاً من "طبريا"، ولقضي الأمر، ولما وجد أستاذنا واصف الشيباني، أو ياسين السعدي (الذي أكن له كل الاحترام، ولقلمه كل الإجلال) ما يقوله حول الموضوع، ولما كانت مقالته : "تصحيح معلومة تاريخية وجغرافيّة" المنشورة في "القدس" بتاريخ 19/9، ولما كانت بالتالي كل هذه المعلومات التي كنا جميعًا سعداء بمعرفتها، والاستزادة منها، حول مولده وطفولته وهجرته، وحول قرى المزار والنورس وزرعين، وغيرها من القرى العربية الفلسطينية المدمرة، وحول سرسق، ومستعمرة الجالود، وجبال الجلبوع التي أطلقوا عليها اسمًا غير اسمها، وعن بعض قرى الجليل والمثلث الشمالي وقضاء جنين، وعن شجاعة المقاتل العراقي والسوري وتحرير بعض مناطق المثلث عام ثمانية وأربعين، ثم تسليمها بدعوى تعديل الحدود، ومنها أم الفحم ومنطقتها التي يحاولون اليوم جاهدين إعادتها إلى قضاء جنين!! كم كنا جميعًا سعداء بهذا كله.. لقد كنا سعداء ونحن نقرأ ما كتبه السعدي عن مقر قيادة السلطان قطز في زرعين، وعن النصب التذكاري الذي يحمل اسم السلطان قطز، والذي كان قائمًا إلى ما قبل 1990م في أسفل المنحدر قرب عين جالوت.

        لقد أتحفنا السعدي بهذا الدرس الحي النابض بالحياة والحركة، حيث ربط فيه بين الماضي والحاضر، فأحسن الربط، وأحسن التوثيق، وأحسن الاستنتاج، وأحسن استقراء التاريخ، كما أحسن الوقوف على الأطلال والآثار بصبر وتجلّد، كما أحسن مجاراة الأقدمين في لغتهم، وفي صورهم وتشبيهاتهم وعواطفهم وهم يرثون بلدانهم التي وقعت في أيدي الفرنجة.. قصيدته في زرعين: "زرعين يا درة المرج" صورة حية ناطقة للنكبة تنسحب على كل مناطق فلسطين، وعلى كل جبالها وسهولها وهضابها وتلالها.. لقد أبدع السعدي في رثائها، وفي رثاء "المزار" مسقط رأسه، ورثاء قرية النورس أيضًا، وتحدث عن النكبة، وعن الهجرة والتشتت واللجوء، يقول ياسين في قصيدة "زرعين": ناجيتُ أطلالها إذ رحتُ أبكيها // وأسأل الدهر عن أمجاد ماضيها. ورحتُ أندبها والقلب منفطرٌ // حزنًا عليها بدمع العين أرثيها. وفي ذرى القمة الشماء قريتنا// تبدو (المزار) بأشواق تناجيها. يا أخت (نورس) أين الأهل؟ قد رحلوا// وأين عهد التآخي بين أهليها؟. إذا نظرتُ إلى زرعين تسبقني // مدامع العين تجري في مآقيها. كانت منازلها بالعز عامرةً// واليوم صارت ظلال الحزن تعلوها. ويسترسل ياسين في رثاء هذه القرى، وكأنه شاعر أندلسي يرثي تلك الممالك العربية الإسلامية التي سقطت في أيدي الفرنجة، ثم ينتقل بعد ذلك للحديث عن تلك الأيام التي حرر فيها جيش المماليك فلسطين، وحرر هذه القرى وغيرها من قرى هذه البلاد ومدنها: لكنما المجد كلّ المجد سطّره// جيش المماليك للأجناد يزجيها. بها يصدّ عن الإسلام شرَّ عِدًى// من المغول أتت والشرّ حاديها. هنا قد انتصر الإسلامُ وارتفعت// راياته ورجال الحق تعليها. وينتقل ياسين بعد ذلك إلى التغني ببطولات العرب والمسلمين، وإلى الحديث عن بطولاتنا في فلسطين، وإلى الربط بين الماضي والحاضر، وإلى وصف الحياة والحب والحصاد في هذه القرى الفلسطينية الحبيبة: يا يوم وقعة زرعينٍ به انتصفت// بنو العروبة حقًّا من أعاديها. (سعدون) يزأر في أبطالها أسدًا // يرد جيش العدى عنها ويحميها. (زريفة) البدر يا فخرًا يجللها// على الزمان ويسمو ذكرُها تيها. يا من رأى (خولةً) والسيف في يدها // هذي زريفةُ في الهيجاء تحكيها. تمنطقت برصاص في حبائله// تستنهض النخوة العصماءَ، تذكيها. يا درة (المرج) يا تاجًا بمفرقه // يا جنة الأرض في أسمى معانيها. على البيادر يبدو القمح مؤتلقًا // كأنه الذهب اللمّاع تشبيها. هذي فلسطيننا: ذرات تربتها// تبرٌ، ولكن قومي قد أضاعوها. غدًا تعود: إذا القرآن رائدنا// على هداه نربي من سيفديها!!

وبعد، فلقد كنتُ سعيدًا بما حدث، كنتُ سعيدًا بتلك اللحظة التي غلبني فيها صوت المذيع، وأتى على يقظتي، كنتُ سعيدًا بتلك اللحظة التي خطّ فيها القلم الشارد (طبريا) بدلاً من بيسان، وهو يكتب عن عين جالوت التي خلّدها السعدي في شعره، كما خلّد هذه القرى المدمرة، وغير المدمرة من قرى فلسطين في المثلث والجليل.                                                       

25/9/2010


الأربعاء، ٢٢ أيلول ٢٠١٠

متابعات:

أوهام نتانياهو.. وأحلام ليبرمان !!

 

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

        لم تكد الجلبة التي أحدثها رئيس وزرائهم نتانياهو بشأن يهودية دولتهم التي يريدونها لليهود فقط تهدأ قليلاً، أو تخف حدتها قليلاً، أو تزول الابتسامات الساخرة التي أحدثتها على شفاهنا أو تكاد، حتى طلع علينا وزير خارجيتهم ليبرمان (الذي لا أذكر جيدًا في أي عام حضر إلى هذه الديار، وفي الطائرة حضر أم في الباخرة قبل سنوات قصار لا طوال) بحكاية قديمة جديدة مثل كل حكاياتهم، ومثل كل أحاديثهم عن الحرب والسلام والأرض الموات والجغرافيا والتاريخ، ومثل كل مزاعمهم عن فلسطين، وعن الفلسطينيين، ومثل كل أوهام نتانياهو، وأحلام ليبرمان (ومن دار ولفّ في فلكهما من غلاة المتشددين من يمينيين ومستوطنين قدامى وجدد) وخيالات الغرب وتصوراته عن الحلول، وعن استيعاب أعداد من لاجئي فلسطين ومشرَّديها ومهجَّريها في هذا البلد الغربي أو ذاك بعيدًا عن وطنهم، وبعيدًا عن أقطار الجوار القريبة من وطنهم، ومن ديارهم، وأراضيهم، ومزارعهم، ومصانعهم، ومتاجرهم، ومدارسهم، وملاعبهم، ومساجدهم، وكنائسهم التي أُجبروا على مغادرتها ومبارحتها والرحيل عنها ذات يوم، وخيالات الغرب وتصوراته أيضًا عن الحلول المهينة، وعن الأموال التي يرصدها لإسكات كل أصحاب الحق عن المطالبة بحقهم، في نطاق ما يسمى بالتعويضات التي يريدون بها شراء الأرض، والإبقاء على التشرد، والتشتت، والنزوح إلى الأبد، في إطار ما يسمى بالتوطين، وفي نطاق ما يسمى بالأوطان البديلة، ظنًّا منهم أن شعب فلسطين العربي سينسى ذات يوم وطنه، وأنه سيرضى بما يحاولون به إسكاته من فتات موائدهم، وأنه قد شبع يأسًا وتمزقًا وذلاًًّ وهواناً واستسلامًا، وبات مستعدًّا للقبول بما عرضوه ويعرضونه عليه من بدائل لحق العودة.. هذا الحق الذي سيظل قائمًا إلى أن يتحقق، لأنه لا يسقط بالتقادم، ولأنه حق شخصي لا يملك أحد حق التصرف به، أو المساومة عليه، أو تشويهه وتحريفه والالتفاف عليه، ولو كان عربيًّا فلسطينيًّا مقدسيًّا أو غزيًّا أو نابلسيًّا، ولو كان أيضًا عربيًّا فلسطينيًّا من يافا، أو من حيفا، أو من عكا، أو من أغوار فلسطين، أو جبالها، أو سهولها، أو تلالها وهضابها، أو كثبانها ووديانها.. ولو كان أيضًا عربيًّا، أو أعرابيًّا أو يعربيًّا، أو مستعربًا، أو كارهًا للعروبة، ولو كان كذلك مسلمًا من أهل اليمين أو اليسار، أو من أهل السنة، أو سواهم، أو من الذين لم يحسن إسلامهم بعد، أو من الذين يتسترون بالإسلام لغايات في نفوسهم، أو نفوس مشغليهم.. ولو كان أيضًا غربيًّا، أو شرقيًّا أو جنوبيًّا، أو شماليًّا، أو مداريًّا، أو استوائيًّا، أو حتى قطبيًّا... لا يملك أحد حق تشويه ذلك القرار، أو تحريفه، أو التلاعب به، أو إلغاءه، لأنه حق شخصي لكل لاجئ ومهجَّر، ولأنه لا يسقط بالتقادم، ولأنه لا بد أن يوضع موضع التنفيذ الكامل في يوم من الأيام، وإن طال الزمن.

        منذ بداية الصراع فهم الفلسطينيون كل هذه الحقائق وبالأمس القريب كتبوا على قبر إميل حبيبي: "باقٍ في حيفا" تنفيذًا لوصيته، واليوم نكتب في "القدس" وغير "القدس"، وعلى كل جدار، وكل بيت، وكل سور، وكل قبر، وكل كنيسة، وكل مسجد، وكل مدرسة، وكل حجر من حجارة فلسطين "هنا باقون".

الأرض أرضنا، ولن نرحل، والسماء سماؤنا، والمياه مياهنا، ولن يكون هنالك تبادل من أي نوع مع كائن من كان، ولن يجد هؤلاء الواهمون الحالمون من يتحدث إليهم إلى أن يعود العقل إلى رؤوسهم، وإلى أن يدركوا أن وجودهم على هذه الأرض العربية الإسلامية، وبين كل هؤلاء العرب المسلمين، وهؤلاء العرب الفلسطينيين رهن برضانا وموافقتنا، ولن يكون إلا ما نريد، وما نشاء، ولن يكون إلا ما نرضى عنه، ونرضى به، ونؤمن أنه الحق، وأنه الصواب، وأنه ما ترضى عنه الأجيال.. فمتى يفهم هؤلاء كل هذه الحقائق؟ متى يدركون أن وجودهم هنا لن يكون إلاّ إلى جانبنا، وبرضانا، وموافقتنا بعد أن نستعيد كامل حقوقنا، وبعد أن نعود إلى ديارنا عن آخر لاجئ ومهجَّر؟؟ .                                     

22/9/2010


السبت، ١٨ أيلول ٢٠١٠

 

 

متابعات

 

فليَكرَهوا كما يريدون!!

 

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

 

   نشرت" القدس" منذ مدة مقالة للأستاذة الدكتورة بثينة شعبان تحت عنوان" لماذا يكرهوننا"، ونشرت تحت هذا العنوان أيضًا مقالة للكاتب فهمي هويدي منذ أيام، وما من شك في أن كثيرًا من الكتّاب العرب والمفكرين العرب، والمواطنين العرب يتساءلون عن سر كراهية هؤلاء وأولئك لأمة العرب، ولتاريخ العرب، وثقافة العرب، وإسلام العرب، ومسيحية العرب، وكل معتقدات العرب!! وما من شك أيضًا في أن كل هؤلاء محقّون في تساؤلاتهم هذه، ومحقّون في استغرابهم، بل في استهجانهم الذي يصل حد الاستنكار والإدانة؛ فلقد كان العرب في الماضي، وفي الحاضر أيضًا، ضحايا عدوان هؤلاء وأولئك،كما كانوا، ولا يزالون، ضحايا ظلمهم،واستبدادهم،وغزوهم،وفسادهم،وإفسادهم،وعنفهم،وإرهابهم،وأطماعهم في كل ديار العروبة والإسلام.

    صحيحٌ أن الجيوش العربية قد خرجت من شبه جزيرة العرب ذات يومٍ لتنشر الإسلام في كل بلاد العرب، ولتواجه الغزاة الذين عرفوا طريقهم إلى هذه البلاد العربية في مرحلة مبكرة جدًّا من تاريخ هذه البلاد، وصحيحٌ أيضًا أن العرب المسلمين قد اضطروا لخوض عدد من المعارك الفاصلة، ولكن بعد أن رفض أولئك الغزاة إخلاء هذه الأرض العربية،والجلاء عنها...وهكذا كان تحرير العراق، وكان تحرير سوريا الطبيعية(بلاد الشام)، وكان تحرير مصر، ولكل معركة حدثت بعد ذلك حساباتها،وأسبابها،ونتائجها التي أسفرت عن دخول الناس في دين الله أفواجًا، وأسفرت عن صنع تلك الحضارة العربية الإسلامية الزاهرة التي ساهمت في صنعها شعوبٌ كثيرة مسلمة،كما ساهم في صنعها كثير من أصحاب الديانات الأخرى الذين عاشوا مع المسلمين بكل محبة واحترام...أما تلك المعارك التي شهدتها بلاد العرب قبل ذلك وبعده،أو بالتزامن معه، فشأن داخلي لا علاقة لهؤلاء وأولئك به، ولقد شهدت بلدانهم في التاريخ القديم،والوسيط،والحديث أضعاف أضعاف ما شهدته هذه البلاد العربية، على امتداد تاريخها،وحسب أولئك أن يعيدوا إلى أذهانهم شيئًا من ذكريات الحرب العالمية الثانية، وشيئًا من أهوالها وشيئًا مما أوقعه أولئك بهيروشيما وناكازاكي في السادس والتاسع من آب من عام خمسة وأربعين!!

   إذا كان أولئك الكارهون يكرهوننا لأننا عرب،ولأننا مسلمون،ولأننا مسيحيون عرب نشكّل مع المسلمين العرب أمة عربية واحدة، تربطها أقوى الصلات،وأوثق العلاقات مع كل المسلمين في هذا العالم،ومع كل الأحرار الذين يحترمون أنفسهم،ويحترمون غيرهم في هذا العالم،وإذا كان أولئك الكارهون يكرهوننا لأننا نرفض أن نتنازل عن شبر واحد من أرضنا،ونرفض أن نتنازل عن شيء من مبادئنا ومعتقداتنا وثقافتنا وكرامتنا وحرية أوطاننا،ونرفض أن نتنازل عن سيادتنا على أرضنا،وعلى خيرات بلادنا،ونرفض أن نتنازل عن حقنا في الحياة الحرة الكريمة،وعن حقنا في وحدة شعوب الأمة العربية، وشعوب الأمة الإسلامية،واستقلال هذه الشعوب، وتحررها من نير الاستعباد والاستبداد والإرهاب المنظّم الذي يفتك بها، ويدمر بنيانها،ويأتي على اقتصادها،وإذا كان أولئك الكارهون يكرهوننا لأننا نرفض أن يستعبدنا أحد، ونرفض ان يستغلنا أحد، وأن يعبث بأمننا وأماننا أحد،وأن ينهب ثروات بلادنا وخيراتها أحد، وأن يطمع في كرم أخلاقنا، وتسامحنا وعفونا أحد،وأن يعتدي علينا أحد، فليكرهنا أولئك الكارهون كما يشاءون..ليكرهونا كما يريدون ويشتهون..ولكن ليعلموا أنهم مخطئون واهمون، وليعلموا أنهم المسئولون عن كل ما يفعلون بهذه الأمة، وعن كل ما يبيّتون لها من مكائد،وما يدبّرون لها من دسائس،وما ينصبون لها من كمائن ومصائد...وليعلموا أن كل علاقات(المودة) التي تربطهم بكل من يناصبون هذه الأمة العداء لن تغنيهم شيئًا، ولن تعود عليهم إلا بالوبال، ولن تفتّ في عضد هذه الأمة، ولن تنال من إصرارها على استعادة الحقوق، واستعادة المكانة اللائقة بها بين الأمم،ولو كره الكارهون!!

18/9/2010


الأربعاء، ١٥ أيلول ٢٠١٠

قصة قصيرة جدًّا

العام الدراسي الجديد

(اليوم الأول)

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

          لا أظنّ أن أحدًا من زملائي قد كتب شيئًا في هذه الساعات الرائعات من صبيحة هذا اليوم الثلاثاء الذي توجه فيه الطلبة إلى مدارسهم، أما أنا فقد كتبت.

        كتبتُ، بعد أن أمسكتُ باللحظة، كما يقول أبناء خالاتي كرم وخالد وفؤاد، وابن خالي عدنان وشقيقه نديم، وكما تقول الطفلة المعجزة "ريم" بينما يتدفق الشعر شلالاً من نور على شفتيها، ومن بين يديها، ومن خلفها، وهي تغني لهذا الوطن الجميل وللحياة والحب أحلى أغنياتها، وأجمل مواويلها، بينما احتفظ لها جدي بصورة جميلة ناطقة بالسحر والشعر والعذوبة والبراءة والجمال ألصقها على باب غرفته من الداخل، خلف خريطة الوطن التي تربعت على الصفحة الأولى، فزينتها بما اشتملت عليه من سهول خضراء، وجبال شمّاء، وحدائق غناء، ومياه جارية، وطيور شادية، وقمم سامقة شاهقة يرتد عنها البصر خاسئًا وهو حسير.. كتبتُ إلى جدي، بعد أن أمسكتُ باللحظة، واصفًا مشاعري، مسجّلاً فرحتي، مصورًا تقلبي في الفراش.. لأنه : ما أطول الليلَ على من لم ينمْ!! أما هربُ النوم عن جفنيّ في تلك الليلة، فمردّه طبيعتي المفرطة في الحساسية وهي تستقبل حدثًا سعيدًا، جميلاً جديدًا.. وهل هنالك ما هو أجمل من استقبال عام دراسي جديد؟

        كتبتُ إلى جدي، مؤكدًا أنني عند وعدي، وأنني سأكون، كما كنتُ، عند حسن ظنه بي، وأنني سأكون منذ اللحظة الأولى، من الحصة الأولى، من اليوم الأول، من هذا الفصل الدراسي الأول، من هذا العام الجديد مثالاً للطالب المجدّ المجتهد الخلوق، كما كنتُ دائمًا، ومؤكدًا لجدي الحبيب –أطال الله بقاءه، وأمدّ في عمره- أن هذا هو وعد الرجال، وأن العهد هو العهد، والقسَم هو القسَم.. فلا حياة بدون علم، ولا حياة بدون كدٍّ وعمل.

وصلتُ مدرستي التي أحببتها بعد ثلاث دقائق.. علمتُ هناك أن صفوف المدرسة العليا قد نُقلت إلى مدرسة جديدة.. توجهنا إليها في الحال.. كان علينا أن نسير من أسفل الوادي إلى قمة الجبل مرورًا بعدة أحياء كي نصل المدرسة الجديدة التي أقيمت قريبًا من قرية مجاورة، وعلى بقعة جبلية وعرة من أرضها.. طلاب تلك القرية لا يجدون صعوبة في الوصول إليها، لأنها قريبة منهم، ولأن الطريق إلها سهلة ممهدة، فالانحدار يبدأ بعد المدرسة، وصولاً إلى حيّنا ومدرستنا القديمة، وهذا يعني أن نسير من أسفل الوادي إلى قمة الجبل صباحًا، ثم نبدأ رحلة العودة عند انتهاء اليوم الدراسي، لنعود في صبيحة اليوم التالي، وهكذا حتى نهاية العام، بل نهاية الأعوام المتبقية.. أي فرق بين حالنا هنا، وحال "سيزيف" الذي كان عليه أن يحمل صخرة من أسفل الوادي إلى قمة الجبل، حيث تسقط الصخرة، فيتبعها، ليصعد بها من جديد!!

وصلتُ مدرستي الجديدة بعد جهد ومشقة، فلم أجد أحدًا سوى تلك الجرافة التي تسوّي الأرض الوعرة من حول البناء المدرسي، ففهمت أن هذه هي الملاعب.. تابعت السير مع عدد من رفاق هذه الرحلة الشاقة إلى البناء المدرسي نفسه، فلم نجد معلمين، ولم نجد مديرًا، ولم نر مقاعد.. تأملنا المكان جيدًا، فأيقنّا أنه بحاجة إلى جهود كبيرة، وإضافات كثيرة، كي يصبح مدرسة!!  

 14/9/2010


الثلاثاء، ١٤ أيلول ٢٠١٠

متابعات

في مطلع العام الدراسي الجديد!!

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

    قد يبدو هذا العنوان مكررًا، وقد يبدو اجترارًا لما سبقه من كلام قيل في بدايات أعوام دراسية كثيرة سبقته، دون أن يكون هنالك من يسمع، ودون أن يكون هنالك من يكترث بمثل هذه الكلمات التي تُقال في مطلع العام الدراسي، وتقال في أواخره، وعلى امتداد أيامه ولياليه أيضًا.

    يبدو من باب التكرار حديث الناس بعامة، وحديث الكتّاب، والمفكرين، ورجال الصحافة والإعلام بخاصة عن العلم، وأهميته، وآثاره في نهضة الشعوب والأمم، ودوره في صنع الحضارة منذ فجر التاريخ، وحتى يومنا هذا.. ويبدو من باب التكرار أيضًا حديث هؤلاء وأولئك عن حقوق المعلمين والمتعلمين وواجباتهم، وحديثهم عن البناء المدرسي، والكتاب المدرسي، وحديثهم عن النشاطات اللامنهجية، وحديثهم عن التربية الرياضية، والفنية، والمهنية، وحديثهم أيضًا عن التربية الوطنية!!

    كما يبدو من باب التكرار والاجترار والحديث المُعاد الذي يبدو ثقيلاً على السمع دعوة هؤلاء الكتّاب والإعلاميين إلى ضرورة الاهتمام بالصحة المدرسية، والإرشاد والتوجيه المدرسي، بحيث يتوافر للطالب في مدرسته، وللطالبة في مدرستها أكبر قدْر ممكن من الرعاية الصحية النفسية والجسدية بحضور طاقم متكامل في العيادة المدرسية، من ذوي الاختصاص في التمريض والطبابة.. وبحيث يتوافر لهؤلاء الطلبة أكبر قدر ممكن من الرعاية والإرشاد والتوجيه الاجتماعي بحضور طاقم متكامل من ذوي الاختصاص يُضاف إلى الإدارة المدرسية الرشيدة، وإلى هيئة المدرسين والمدرسات التي يجب أن تُختار بعناية فائقة.. كيف لا؟ ونحن ندفع إلى كل هؤلاء وأولئك فلذات أكبادنا، ونأتمنهم على خير ما يملك المجتمع من آباء، وأمهات، وأجداد، وجدّات، لا يمكن أن تقوم قائمة لشعب، أو أمة، أو قبيلة، أو عشيرة، أو مدينة، أو قرية، بدونهم!!!

    وإذا كان كل هذا الذي سبق حديثًا مُعادًا مكرَّرًا لا حاجة بنا لاجتراره، والعزف على أوتاره، رغم الحاجة الماسّة لكل هذا التكرار، ولكل هذه الإعادة والاجترار، ولكل هذا الإلحاح أيضًا لأن كثيرًا من هذه المطالب التي تبدو مكررة تتناقلها الألسن جيلاً بعد جيل لم تتحقق بعد، ولأن كثيرًا منها يبدو آمالاً تراود أصحابها منذ سنين.. إن لم تكن مجرد سراب يحسبه الظمآن ماءً!! ومع ذلك فإنني أقول: إذا كان هذا كله، وكثير غيره يبدو حديثًا معادًا، ومطالب مكررة أو متكررة يطلع بها الطالعون علينا في مطلع كل عام دراسي، وإذا كان شيء من هذا أو ذاك قد تحقق، أو هو في طريقه للتحقّق والترجمة العملية على أرض الواقع.. فإن هنالك مطالب جديدة متجددة، وستبقى كذلك إلى أن تتحقق، لان التغاضي عنها، أو تجاهل أمرها قمين بإجهاض العملية التربوية، وكفيل بنسف وجودها من الأساس، وتحويلها إلى عملية هدم لا بناء، وإلى وسيلة ضعف لا قوة، وإلى عامل من عوامل التخلف والتقهقر بدلاً من التقدم والنهوض، والدخول في سباق مع الزمن من أجل تحقيق الغايات السامية والأهداف النبيلة.

    فليس من باب التكرار والاجترار أن يدعوَ داعٍ إلى ضرورة إعادة النظر في المناهج المدرسية بهدف تجديدها، وضخ دماء جديدة في شرايينها حتى لا يصيبها الجمود، وحتى لا يلفّها الموت فيما لفّ من أشياء.. وليس من باب التكرار والاجترار أن يدعوَ داعٍ إلى ضرورة توزيع الكتاب المدرسي على عدد أيام السنة الدراسية توزيعًا سليمًا يضمن تحقيق الأهداف التي وُضع هذا الكتاب أو ذاك من أجل تحقيقها.. وليس من باب التكرار والاجترار أن يدعو داعٍ إلى إعادة النظر في عدد الأيام الدراسية التي لم تعد كافية لإنهاء الكتاب المدرسي في معظم المواد الدراسية، ولا سيما الأهم منها كاللغة العربية، والتربية الإسلامية، واللغة الإنجليزية، والرياضيات، وإذا كانت هذه المواد على الصورة التي تبدو عليها اليوم بدون الدخول في التفصيلات، فما جدوى هذه العملية التربوية؟ وإلى أي قرار انحدرت؟ وكيف السبيل للخلاص من هذا الواقع الذي لا يبشر بما نشتهي، ولا يشير إلى ما نحب ونرضى؟؟

    وليس من باب التكرار والاجترار أن نَدَعَ الطلبة وشأنهم، وأن لا نتدخل في خياراتهم واختياراتهم وبناء شخصياتهم بالطريقة التي يريدون، والأسلوب الذي يختارون بدون أدنى تدخل من أية جهة لا علاقة لها بالعلم والتعليم، ولا علاقة لها بالتربية والمربين، ولا علاقة لها بالمجتمعات وتطورها وتقدمها، أو انحلالها واضمحلالها وتقهقرها، وبالتالي انتحارها وسقوطها إلى أسفل سافلين!!

    وليس من باب التكرار والاجترار أن نقول إن هنالك طريقًا للتقدم والتطور والنهوض والبناء والإعمار والتحرر والتحرير والخلاص من الجهل والفقر والمرض هو طريق العلم، وبدون ذلك سيظل الناس يعيشون في حلقات مفرغة من الضَّياع والفوضى والاضطراب يؤدي بعضها إلى بعض، ولا تكون هنالك ثمة فرصة لتطور أو تقدم أو نهوض.

 

 (14/9/2010)


الأحد، ١٢ أيلول ٢٠١٠

متابعات               

ومَن لي "بِعيدٍ" لا يُشابهُ غَيرَهُ؟!!

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

          المسلمون والعرب في شرق الدنيا وغربها يستقبلون اليوم عيد الفطر السعيد.. أمة العروبة والإسلام تستقبل هذا العيد، وهي على هذه الحال من الضعف والتبعية والتمزق والخوف والجوع والطبقية البغيضة التي عصفت بمجتمعات العرب والمسلمين وتجمعاتهم، وجعلت منها مجتمعات أسياد وعبيد، لا مجتمعًا عربيًّا إسلاميًّا واحدًا موحدًا حرًّا عزيزًا ماجدًا سيدًّا كما كان في الماضي الذي كان!!

        المسلمون والعرب في هذا الكون يستقبلون اليوم هذا العيد، وقد تكالبت عليهم قوى الشرّ والضلال؛ فمزقت صفوفهم، وبعثرت جهودهم، وفرقت جموعهم، وهدمت دولتهم، ومزقت أوطانهم، ونهبت خيراتهم، وصادرت قرارهم، واستباحت بلدانهم وأقطارهم، وسامتهم سوء العذاب، ولكن هذا لن يدوم؛ فليل الهم، ليل الغم والأحزان مهما طال، مهما امتدَّ، مهما اشتدَّ، مهما اسودّ زائل!!

    ولئن كان العيد يومًا من أيام العام.. ولئن كان هذا الشاعر العربي مغرقًا في التفاؤل عندما كان في حالة نفسيّة دفعته إلى رفع سقف طلباته وأمنياته آملاً في أن يحظى مع بني وطنه بعامٍ يختلف عما سبقه من أعوام.. فقال:" ومن لي بعامٍ لا يشابه غيره؟" فإننا وبعد نحو ثمانية عقود من هذا القول نستعير صدر هذا البيت لِنطلبَ يومًا مختلفًا عما سبقه من أيام، لا عامًا يختلف عما سبقه من أعوام... ولئن كان الشاعر مسرفًا في "الثوريّة" في عَجُزِ هذا البيت عندما قال:" أرى فيه أظفارَ البُغاةِ تُقلَّمُ" فإننا في هذا اليوم الذي نريده، ونتمنى حلوله فينا لا نطالب بتقليم أظافر أحد، بل نريده يومًا مختلفًا عن كل أيام البؤس والشقاء التي سبقته.. يومًا يفرح فيه الصغار، وتصفو فيه نفوس الكبار، ويصافح فيه الجار جاره، ويهنّئ الأخ أخاه، ويقابل فيه الناسُ بعضُهم بعضًا بابتسامة صادقةٍ صافيةٍ نابعةٍ من القلب بعيدةٍ عن المداهنة والكذب والنفاق الاجتماعيّ، والتقلب السياسيّ، وهل هنالك ما هو أجمل من الابتسامة الصادقة، والكلمة الحلوة في يوم العيد؟؟

    ولئن كان العيد يومًا من أيام العام، وساعةً من آلاف الساعات التي ينطوي عليها، فإن فيه دروسًا ومعاني كبيرة لا نجد مثيلاً لها في سالف الأيام.. دروسًا ومعاني لا نجدها إلا في هذا اليوم، وفي هذه الساعة من هذا اليوم؛ فالعيد ساعة، والصبر ساعة، والشجاعة صبر ساعة، ومراجعة النفس، ومصارحتها، ومكاشفتها، ومحاسبتها، وكفّها عن هواها وضلالها ليس بحاجة إلا لجزءٍ يسيرٍ من هذه الساعة.. فمتى تحين هذه الساعة؟ متى يعود كل المحتفلين بهذا العيد إلى هذه الساعة التي من شأنها أن تطهّر نفوسهم، وتسمو بمشاعرهم، وتؤلف بين قلوبهم، وتجمع شتاتهم، وتقضي على ما بينهم من غِلٍّ وحقد وكراهية.. فإذا بهم أمة واحدة.. هدف واحد.. نبض واحد.. نَفَس واحد.. نَفْسٌ واحدة.. فِعلٌ واحد.. قوةٌ واحدة تعجز كل قوى الشر والإثم والعدوان عن مواجهتها.. عندئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.. وعندئذ تكون الفرحة.. ويكون العيد الذي لا يشبه كثيرًا من الأعياد التي سبقته.. وتكون الساعة التي لا تشبهها ساعة.. وتكون الساعة التي قُبِلتْ فيها الطاعة.. فكان بعد ذلك ما كان من فرحة، وعزّة، وعنفوان.. وسلامةٍ للأبدان، والأديان، والأوطان.

     نعم يا قوم: ومن لي "بيومٍ" لا يشابه غيره؟ بل، ومن لنا بيوم كهذا؟ من لهذه الأمة بيوم كهذا اليوم، وساعة كهذه الساعة يعطف فيها الكبير على الصغير، ويحترم فيها كل مواطن نفسه، ويبتعد فيها الناس جميعًا عن الأذى والكيد والعدوان، ويترفع فيها الناس عن الخلافات والأهواء.. ويعودون فيها –كما كانوا- سادةً كرامًا في أوطانهم، يصادقون مَن يصادقهم، ويعادون مَن يعاديهم، دون أن تأخذهم في الحق لومة لائم، ودون أدنى خضوع لمعتد أثيم متغطرس، ودون أدنى اعتبار لموت، أو حياة، أو مكاسب، أو مناصب، وألقاب لا تسمن ولا تغني من جوع، وأوهام، وسراب خادع يحسبه الظمآن ماءً وما هو بماء.

    لقد آن لنا يا قوم أن نصحو من غفلتنا.. لقد آن لضمائرنا أن تستفيق من سباتها، لقد آن لعقولنا أن تتحرر من أوهامها وتخيلاتها، وأحلام اليقظة التي باتت تحكمها، وتتحكم في كل ما يصدر عنها من أفكار وتصوّرات!! لقد آن لهذا المجتمع أن يتوحد، ولهذه الأمة أن تتوحد، ولهذه الشعوب أن تستفيق، ولهذه الأرض أن تُزرع.. لقد آن لهذه الأمة أن تتمرد على أمراضها، وعللها، وأصنامها التي أضلتها، وزّينت لها سوء أعمالها.. لقد آن لهذه القوى أن تتوحد في قوة واحدةٍ عاملةٍ ضاغطةٍ من أجل تحقيق أهداف هذه الأمة وطموحاتها في عيش شريف كريم، وفي لقمة نظيفة، غير مغموسة بدموع الفقراء، وأنين المرضى، ودماء الجرحى والشهداء.. لقد آن لهذه الأمة أن تتوحد، وأن تعيش حياتها بعيدًا عن المذلة والتبعية، والخضوع.. لقد كنا في هذه الديار، وفي كل ديار العروبة والإسلام، وما زِلنا، وسنبقى عربًا مسلمين أباةً متحابّين متعاونين على البر والتقوى.. كنّا وسنبقى أمةً واحدة تزرع أرضها، وتبني مؤسساتها، وتحرص على سلامة مواطنيها وأمنهم وأمانهم.. أمة يشهد تاريخها على عظمتها ومنعتها وعزّتها عندما أخرجت البشرية من الظلمات إلى النور، وصنعت أعظم حضارة عرفها تاريخ الإنسان.

        لقد آن لنا يا قومُ أن نتحرر، لقد آن لأمة العروبة والإسلام أن تتحرر، لقد آن لكل أوطان العرب والمسلمين أن تتحرر، وأن تتطور، وأن تتوحد، وأن يصبح الناس فيها بنعمة الله إخوانًا متحابين متآلفين متعاونين متضامنين متكاتفين متكافلين أعزة مرهوبي الجانب ينصر بعضهم بعضًا، وينتصر بعضهم لبعض، فلا يبقى في كل ديار الإسلام جائع، أو خائف، أو خانع، أو مظلوم، أو منكوب.. ولا يبقى في كل أوطان المسلمين وطن يدنسه عدو غادر، أو شبر أرضٍ تتطأه قدم غازٍ طامع عابث ماكر؛ فالعزة لله، والعزة لرسوله، والعزة للمؤمنين.. وكل عام وأنتم بخير.

                                                                                                                                         9/9/2010

 

 


الثلاثاء، ٧ أيلول ٢٠١٠

متابعات

نتانياهو.. ويهودية الدولة!!

أ‌.       عدنان السمان

www.samman.co.nr

 

    لم يأت نتانياهو بجديد في قمة واشنطن عندما راح يطالب بيهودية الدولة ، وبمزيد من التنسيق الأمني، بل إن كل ما أكد عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي وهو يوجه خطابه إلى الفلسطينيين، وإلى العرب والمسلمين، وإلى الرئيس الأمريكي، ومن خلال هؤلاء جميعًا إلى كل دول العالم وحكوماته وشعوبه، هو ما كان أعلنه مرارًا وتكرارًا من قبل، وليس فيه أي جديد.

    نتانياهو يريد تطبيعًا مع كل العرب، وقد أرسل من واشنطن رسالة مفادها أن على العرب الفلسطينيين، وغير الفلسطينيين أن يعترفوا بيهودية الدولة، وأن يفتحوا أجواءهم، ثم بلادهم كلها لاستقبال الإسرائيليين في مقابل ذلك الوقف الجزئي المؤقت للاستيطان الذي انتهى أجله، والذي  استثنى منه مدينة القدس، بدعوى أنها ليست مستوطنة، وبدعوى أنها ملكٌ خالص لليهود منذ ثلاثة آلاف عام، وبدعوى أنها عاصمة إسرائيل الأبدية...

    نتانياهو لا يريد تقديم شيء للفلسطينيين والعرب والمسلمين، بل إن نتانياهو يريد "تعاونًا" اقتصاديًّا معهم، "وتنسيقًا" أمنيًّا مع أجهزتهم الأمنية، وعلاقات "ديبلوماسية" كاملة مع حكوماتهم، تؤهل هذه الدولة اليهودية لقيادة كل العرب، وكل المسلمين، ووضع اليد على كل أرض العرب، وعلى كل أرض المسلمين.. لا لشيء إلا لأن نتانياهو وكل غلاة اليمين المتطرف في إسرائيل يعتقدون أنهم أهلٌ لذلك، وأن الرب قد كرّمهم، ومنحهم هذه الأرض منذ بدء الخليقة، فهم أهلها، وهم أصحابها، وهم الذين يستحقونها بجدارة لتميزهم وتفوقهم على كل الناس في هذا العالم!!!

    هذا ما يريده نتانياهو باختصار دون أدنى ثمن، ودون أدنى "تنازل" عن شيء من مواقفه المعلنة، ومواقفه غير المعلنة، وقديمًا قال الناس في هذه الديار "المخفي أعظم" فما هو معلن أقل سوءًا من "المخفي" غير المعلن.. نعم.. هذا ما يريده نتانياهو ومعه كل أقطاب اليمين المتطرف الإسرائيلي بدليل: أنهم يريدون القدس كل القدس، ويعتبرون كل ما يقومون به فيها من هدم وبناء وسيطرة حقًّا من حقوقهم، ولا يعتبرونه استيطانًا بأي حال من الأحوال! وبدليل أنهم  يريدون تخلي الفلسطينيين الرسمي والمعلن عن حق العودة! وأنهم يريدون أن يعترف الفلسطينيون والعرب والمسلمون بيهودية هذه الدولة.. ولئن وضع ثيودور هرتزل تصوراته للدولة اليهودية، وتحدث عن إمكانات قيامها.. فإن نتانياهو يريد تجسيدها حقيقةً واقعةً على الأرض، ويريدها "خاليةً" من كل شائبة.. ويريدها أيضًا منطَلَقًا للسيطرة على هذا العالم العربي الإسلامي المترامي الأطراف ظنًّا منه أنه أراضٍ شاسعةٌ بدون شعوب، كما كان يقال في أوساطهم عن فلسطين في أوائل القرن الماضي!!

    فإذا قال قائل إن يهودية الدولة تعني إخراج كل من هو غير يهودي منها، وتعني عدم استقبال غير اليهود فيها، وأن هذا يعني نكبةً جديدةً لسكانها من العرب الفلسطينيين البالغ تعدادهم اليوم مليونًا ونصف المليون، ويعني تكريسًا لنكبة اللاّجئين والمهجرين بحرمانهم من العودة إلى ديارهم التي أُخرجوا منها، هذه العودة التي كفلها القرار رقم(194)، إذا قال قائل ذلك ، وإذا قال أيضًا إنه لا يوجد في العالم كله دولة للمسلمين فقط ، أو للمسيحيين فقط، فكيف يكون فيه دولة لليهود ؟ وماذا ستقول الدنيا لكل عرب فلسطين وهم يسمعون مثل هذا القول ؟ فإن أحدًا لن يجيبه بكلمة واحدة مُقْنعة، بل إنه سيُصنَّف في قائمة المحرضين، أو الأغبياء الذين يجدّفون ضد التيار!! وإذا قال قائل إن القدس وقفٌ إسلامي مثل سائر أرض فلسطين ،  وهي عاصمة للثقافة العربية، وعاصمة من عواصم الأمويين تمامًا كدمشق، والرملة، وأريحا، وكل بلاد الشام، وبالتالي فإنه لا يمكن التنازل عن شبر واحد من أرضها... قيل إن هذا واهمٌ يعيش في الماضي الذي كان، ولا يبصر الواقع القائم الآن.. وإذا قال قائل إن منظمة التحرير الفلسطينية قد اعترفت في العام  1993بإسرائيل دولة لكل سكانها، على أن تُقام دولة عربية فلسطينية على الأرض المحتلة منذ العام 1967 بما في ذلك القدس الشرقية ، لأنها أرض محتلة منذ ذلك العام قالوا إن من الممكن أن يصبح البيض عجة، ولكن من غير الممكن أن تصبح العجة بيضًا، وإن عجلة التاريخ لا تعرف التوقف والجمود، وإنها في حركة مستمرة، وحركتها تعني مزيدًا من المكاسب والغنائم والمغانم والإنجازات للقوي، ومزيدًا من التراجع والتقهقر والخسائر والتلاشي  للضعيف.. ومن لا يقبل بهذا فليفعل ما يشاء!!!

    إن العمل في المستوطنات لم يتوقف ، ولن يتوقف، وإن المستوطنات جميعها كبيرها وصغيرها، وعلى رأسها كافة الأحياء التي أقيمت، وتقام في القدس الشرقية هي غير شرعية.. وإن هذه المفاوضات المباشرة التي تدور اليوم بين الإسرائيليين وفريق من الفلسطينيين يجب أن تضع ذلك  في اعتبارها ، ويجب أن تضع في اعتبارها أن أي حل لا يأخذ في الاعتبار كافة الحقوق التاريخية الدينية القومية العربية لعرب فلسطين في بلادهم فلسطين لا يمكن أن يُكتب له النجاح، ولا يمكن أن يتم لأنه غير مقنع، ولأنه غير عادل، ولأنه يؤسس لصراع جديد لا يعلم مدى نتائجه المدمرة إلا الله!!!

    إننا، ومن منطلق إيماننا بالسلام الدائم الثابت الراسخ العادل المشرّف المقنع المتكافئ الذي يعيش في ظلاله الناس في هذه الديار، وفي هذه المنطقة من العالم بأمن وأمان وسلام واستقرار ورخاء وبناء وإعمار فإننا، نرفع صوتنا محذّرين من أي حل لا يأخذ كل هذه المعطيات بعين الاعتبار، ومحذرين أيضًا من نتائج أي حل قد تنفرد به فئة من أبناء هذا الشعب بعيدًا عن إجماع الأمة، وبعيدًا عن نبض الشارع، وبعيدًا عن إحقاق الحقوق، وبعيدًا عن روح الديمقراطية، وأبسط مبادئ الشورى والاستماع لصوت الشعب وسائر قواه في كافة قضاياه المصيرية الحاسمة.

    وإن نتانياهو وهو يتحدث عن "يهودية دولته" ويطلب من الآخرين أن يعترفوا له بذلك ، إنما يؤكد صراحة على رفض السلام العادل، وعلى رفض التعايش والحياة المشتركة الآمنة لكل الناس، وإنه إنما يتحدث من منطلقات دينية عرقية استيطانية غاية في التعصب والتطرف قائمة أولاً وأخيرًا على نهجين متلازمين هما: نهج الإقصاء ونهج الإحلال حتى لا يبقى من "الأغيار" أحد في هذه الديار، فهل هذا حقًّا ما يريده نتانياهو؟

 

    (7/9/2010 )


الاثنين، ٦ أيلول ٢٠١٠

رمضانيات

هذه هي الحرية في الإسلام

أ.عدنان السمان

www.Samman.co.nr

 

      يختلف مفهوم الحرية الشخصية باختلاف الأزمنة والأمكنة ، كما يختلف باختلاف الثقافات ، ويتغير بتغير الديانات والمعتقدات والفلسفات ، وبتعدد الاجتهادات ، وتنوّع النظرات في الكون والإنسان والحياة ... صحيح أن هنالك تشابهًا في الكليات أو الجزئيات بين هذا المجتمع أو ذاك ، وبين هذه الأمة أو تلك ، وصحيح أن هنالك قواسم مشتركة بين شتى الثقافات .. ولكن صحيح أيضًا أن لكل أمة صفاتها ، ولكل حقبة ميزاتها ، ولكل عقيدة مواصفاتها .. وصحيح أيضًا أن ملامح المجتمع الواحد ، ووحدة مفاهيمه وأفكاره ، وتجانس أعرافه وتقاليده وعاداته ، وتآلف مسلكيات جماعاته وأفراده ، وتراحم شيبه وشبابه وسائر فئاته ، وتعاطفهم وتراحمهم ، كل هذا ، وكثير غيره من القواعد والفرعيات ، والبدهيّات والمسلّمات ، والمرتكزات والمنطلقات والنظريات والممارسات والمسلكيات الصادرة عن المبدأ الواحد ، والنظام المنبثق عن العقيدة الواحدة .. هو الذي يشكّل شخصية الأمة ، ويبلور ملامحها التي تميزها عن غيرها من الأمم ... ومن هنا حرصت الأمم والشعوب قديمًا وحديثًا ، في شرق الدنيا وغربها على نشر ثقافتها وفكرها ، والترويج لمعتقداتها ومبادئها في أوساط الأمم الأخرى ... ومن هذا ما نراه اليوم من تكالب المتكالبين على هذه الأمة لنهب خيراتها ، والاستئثار بثرواتها ، وتحويل بلدانها وأقطارها إلى أسواق استهلاكية ، وتجويع شعوبها وأفرادها وتجهيلهم ، بالقضاء على مقومات شخصيتهم ، وضرب مصادر قوّتهم ، وتشويه معتقداتهم ومبادئهم ، ونشر الأفكار السامة بين صفوف شبابهم وصباياهم ..هؤلاء المتكالبون على هذه الأمة يحرصون كل الحرص على تشويه معنى الحرية ، وجعله مرادفًا للإباحية ، والتحلل من القيم والمثل العليا ، والجري وراء الموبقات والكبائر ، والانسياق خلف الشهوات والضلال ، وجعل هذا المعنى السامي مرادفًا أيضًا للفلتان والانفلات من عادات هذه الأمة ،  وتقاليدها ، وأعرافها ، بل ومعتقداتها أيضًا ، والتنكر لمقدساتها ، ومقومات شخصيتها ، ومناصبة ذلك كله العداء السافر حينًا ، والتشكيك المكشوف حينًا آخر ، ونشر الأفكار الدخيلة بكل ما تحمله من هدم لمجتمعاتنا، وإحلال لمفاهيم الغرب وثقافته في هذه المجتمعات انطلاقًا من بدعة الحرية المغلوطة ، وخطرها المدمر الرهيب .

      نحن نفهم الحرية ، بل الحياة الاجتماعية ، كما صورها عليه السلام في حديث السفينة : إن قومًا ركبوا في سفينة ، وأصبح لكل منهم موضع فيها ، فأراد أحدهم أن يحفر موضعه ، ولما حاولوا منعه قال :  هو موضعي أصنع فيه ما أشاء !! فإن أخذوا على يده نجا ونَجَوْا ، وإن  تركوه هلك وهلكوا !! بهذه الكلمات الموجزة لخص الحديث الشريف حياة الأمة أدق تلخيص ، وقدم صورة حيّة ناطقة موحية لوجود الأمة : فالقوم في السفينة هم الناس في المجتمع ، والموضع  في السفينة هو المكان الذي يعيش فيه الإنسان في قريته أو مدينته أو مضارب خيامه  ، والإنسان الذي أراد أن يحفر موضعه في السفينة يقابله الإنسان الذي يريد أن يتصرّف في مكان إقامته في المجتمع بطريقة تلحق الضرر القاتل به وبغيره من الناس !! كأن يضرم النار في حقل يمتلكه بين الحقول ، أو يتنازل عن بيته أو أرضه لغرباء يُضمرون الشر للناس ، وللقارئ أن يتصور ما يشاء من التصرفات القاتلة التي من الممكن أن يحاول هذا الإنسان  القيام بها بدعوى أن من حقه أن يفعل في بيته أو أرضه ما  يريد !! هنا يبدو الحزم والعزم ، وتتجلى الحكمة في الحديث الشريف .. ( كيف لا ، وأحاديثه عليه السلام من جوامع الكلم ، وهي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم؟) عندما يقول عليه السلام : " فإن أخذوا على يده نجا ونَجَوْا" أي إن منعوه ، وضربوا على يده ، وحالوا بينه وبين هذا العمل بالقوة نجا من الموت والهلاك ومن سوء فعله ، ونَجَوْا .. نلاحظ هنا أن الحديث الشريف قدّم نجاته على نجاة المجموعة : "نجا ، ونَجَوْا" "وإن تركوه هلك وهلكوا " وفي هذا ما فيه من حث على منع مثل هذا النوع من الناس من ممارسة أي تصرف يلحق الضرر بالمجتمع .

      بهذه الصورة الرائعة الناطقة الموحية ، وبهذا التشبيه الناطق بالحركة ، وبهذه الكلمات الموجزة السهلة المألوفة المأنوسة لخص عليه السلام حال الأمة ، ولخص في أدق عبارة ، وأنصع بيان مفهوم الحرية في الإسلام، هذه الحرية التي تأخذ في اعتبارها مصلحة الفرد والمجموعة والمجتمع على حدٍّ سواء.

 (6/9/2010)


الأحد، ٥ أيلول ٢٠١٠

رمضانيات

في مزايا القضاء الإسلامي

   أ. عدنان السمان 

 www.samman.co.nr

    حرصت البشرية منذ البدايات الأولى لنشأة المجتمعات على إشاعة شيء من الأمان والطمأنينة في حياة الناس يسمح باستمرار هذه الحياة بعيدًا عن مخاطر الوحوش الكاسرة، والزواحف السامة، وكوارث الطبيعية، وتقلباتها المختلفة ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً..وبعيدًا أيضًا عن هجمات الوحوش الآدمية على الناس، واعتداءاتها عليهم في أرواحهم وأموالهم وممتلكاتهم.. هذه الهجمات والغارات والاعتداءات التي يقوم بها عدو خارجي وتسمى الحروب، أو عدو داخلي، وهو ما يسمى – في العادة – بقاطع الطريق، أو الخارج على القانون..وهكذا حرصت البشرية أيضًا على سن التشريعات والقوانين التي تحمي المجتمعات من عبث هؤلاء العابثين وعدوانهم.. وهكذا كان لا بد من مولد القضاء لحل الخلافات والمنازعات بين الناس، ولحماية الضعيف من القوي، والفقير من الغني، أو الغني من الفقير، والقوي من الضعيف في بعض الأحيان!!

    لقد مرت البشرية منذ فجر التاريخ بسلسلة طويلة من التجارب سنت خلالها كثيرًا من التشريعات، وأصدرت كثيرًا من الشرائع والقوانين لمعالجة الشأن الداخلي، وحماية الإنسان، وعرفت الأمم على مر التاريخ ألوانًا متفاوتة من القضاء في شتى مجالات الحياة نجح بعضها، وأخفق بعضها الآخر،  ولكنها تشابهت في أمر واحد هو أنها لم تقم عدلاًً، ولم ترفع ظلمًا، ولم تحسم أمرًا في أغلب الأحيان.. فالقاضي - مذ كان القضاء – يحكم بحسب البينات، وأقوال الشهود، وأقوال المتخاصمين وادعاءاتهم.. وفي أيامنا هذه يلعب المحامون دورًا كبيرًا في سير القضاء، وتوجيه القضاة، وإصدار الأحكام..وفي أيامنا هذه أيضًا تلعب مراكز القوى دورًا أكبر في التحكم بأحكام القضاة، وتمويت كثير من القضايا.. وهذا يعني أنه، وعلى الرغم من نزاهة كثير من القضاة في الماضي والحاضر، وفي شرق الدنيا وغربها، وعلى الرغم من حرص كثير منهم على إحقاق الحق وإزهاق الباطل، وعلى الرغم من وقوف قوًى كثيرة في المجتمعات إلى جانب القضاة الذين يحترمون رسالة القضاء، ويعملون بمهنية عالية وشفافية ونزاهة، إلا أن النتائج في كثير من الأحيان تأتي مخيبة للآمال، والرياح في كثير من الأحيان تجري بما لا تشتهي السفن... وهذا يعني - باختصار شديد - أن القضاء في هذا الزمان قلَ أن يحق حقًًّا، أو يحقق عدلاً، أو ينصف مظلومًا، أو ينشر أمنًا وأمانًا لأسباب منها ما يتعلق بالقوانين حينًا، وبشخصية القاضي، وبالممارسات والضغوط التي يتعرض لها حينًا آخر.

    وهنا لابد من القول إن القضاء في الإسلام شيء مختلف.. لا أقول هذا من باب التعصب، وإنما أقوله وأنا واثق من صحة ما أقول، مدعمًا هذه الثقة بما يلزم من أدلة وإثباتات مقنعة لا لبس فيها ولا غموض.. فالقضاء في الإسلام أولاً وقبل كل شيء هو جزء لا يتجزأ من عقيدة إيمانية متكاملة حرًمت الظلم، وحرّمت الكذب، وحرمت الاعتداء على الناس في أرواحهم وأموالهم وممتلكاتهم.. والقضاء في الإسلام حرٌّ نزيه مستقل لا يجوز لرأس الدولة أن يتدخل فيه، بل إن خليفة المسلمين كثيرًا ما مثل أمام القاضي، وكثيرًا ما حكم القاضي ضده لصالح مواطن عادي اعتدى عمال الخليفة على أرضه أو على جزء منها بأن ضموها إلى أرض الخليفة المجاورة لأرضه، فأعادها القاضي إلى صاحبها !!

    ولا بد من القول أيضًا إن منصب القضاء كان لا يسند إلا لمن عرف بين الناس بالورع والتقوى والذكاء والجرأة وقوة الشخصية من الفقهاء الأكفياء المشهود لهم بالزهد في الدنيا، ومقارعة السلطان الجائر.. لا حاجة بنا هنا لضرب الأمثلة حتى لا يتحول الكلام عن القضاء في الإسلام إلى كلام عن القضاة، وكلام عن أعلام الإسلام.. فالأمثلة على هذا كثيرة تضيق بها بطون الكتب.. ولكن ما ينبغي قوله هنا هو أن مفهوم القضاء في الإسلام يأتي منسجمًا والحديث النبوي الشريف:" إنما أنا بشرٌ مثلكم، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعضكم الآخر، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذ منه شيئًا، فإنما أقضي له بقطعة من النار". وهكذا يبكي الخصمان في مجلس الرسول - أول قاضٍ في الإسلام – ويقول كلٌّ منهما لصاحبه: حقي لك !!

    هكذا كان القضاء في الإسلام جزءًا من كل إيماني يحرم الكذب والعدوان وأكل مال الناس.. لا جزءًا لا يتجزأ من عمليات نصب واحتيال على القانون، وتلاعب بالألفاظ وعلامات الترقيم، والتفسيرات المختلفة للقوانين، والضغوط على القضاة، أو إغرائهم، والضغوط – كذلك – على هذا الخصم أو ذاك كي يتنازل عن القضية، أو عن حقه فيها، وإلا فإنه سيخسر كل شيء، وسيندم أشد الندم... إلى ما هنالك من تهديدات لها أول، وليس لها آخر...

    من مزايا القضاء في الإسلام أن مهمة القاضي تنحصر في إعادة الحق إلى صاحبه، ومعاقبة المعتدي بالاستناد إلى قوة الدولة التي تضع كافة إمكاناتها تحت تصرف القضاة التي أنيطت بهم مهمة إشاعة العدل والأمن والأمان والاستقرار بين الناس.

 (5/9/2010)

 

السبت، ٤ أيلول ٢٠١٠

رمضانيات

 

 

حَدَثَ في شهر الصيام

(معركة عين جلوت)

أ. عدنان السمان

 www.samman.co.nr

   

    في الخامس والعشرين من رمضان سنة ثمان وخمسين وستمائة للهجرة الثاني من أيلول سنة ستين ومئتين وألف للميلاد، وفي موقع بشمال فلسطين إلى الغرب من طبرية يسمى "عين جالوت" كانت هذه المعركة الفاصلة بين جيش المغول من جهة، والجيش الإسلامي من الجهة الثانية، وكان النصر المؤزر فيها حليف جيش المسلمين، وكانت فيها نهاية جيش هولاكو الذي أبيد عن آخره.. لقد وضعت معركة عين جالوت حدًّا لتغلغل المغول في بلاد الإسلام، ووضعت حدًّا لمجازرهم وفظائعهم التي ارتكبوها في بلاد فارس، وفي العراق، وتحديدًا في بغداد، وفي سوريا حيث وصلت طلائعهم إلى غزة.. وتفصيلات ذلك أن ملكهم هولاكو قد أرسل رسالة إلى السلطان قطز بدأها بقوله:" من ملك الملوك شرقًا  وغربًا..  فعليكم بالحرب، وعلينا بالطلب، فأي أرض تؤويكم، وأي طريق تنجيكم، وأي بلاد تحميكم، فما لكم من سيوفنا خلاص"!!

    ويرفض السلطان قطز كل ما جاء في رسالة هولاكو من تهديد ووعيد.. ويرفض الاستسلام.. ويمزق الرسالة بحد سيفه بعد أن طوّح بها في الهواء.. ويخاطب رسول هولاكو بقوله: لولا أن ديننا يحرّم قتل الرسل لقتلتك!! وفي الحال، يأمر السلطان بالإعداد للحرب، والاستعداد لها، ويقسم أنه سيكسر شوكة هذا الطاغية، وسيحرر ديار الإسلام من شرور هؤلاء الغزاة الذي اجتاحوها، وأعملوا السيف في رقاب المسلمين.. وجمع السلطان فقهاء مصر وقضاتها، واستشارهم في أخذ شيء من أموال الرعية للمجهود الحربي الذي سيضع البلد في مواجهة المعتدين الغزاة؛ فعارض العز بن عبد السلام ذلك قبل أن تتساوى الخاصة بالعامة، وقال مخاطبًا السلطان "قطز" والأمراء: " إذا طرق العدو بلاد المسلمين، وجب على الحاكم قتالهم، وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على الجهاد، بشرط أن لا يبقى في بيت المال شيء من السلاح، والسروج الذهبية، والفضية، والكبايش المزركشة، وتبيعوا ما لكم من الحوائض الذهبية، والآلات، ويقتصر كل جندي على سلاحه ومركوبه، ويتساوون هم والعامة"، واستجاب قطز لذلك، وراح يستنهض الهمم، ويحرض الناس على القتال والتصدي لأولئك الغزاة، وقد شارك العلماء والفقهاء في هذه التعبئة النفسية لخوض هذه الحرب التي تستهدف هزيمة المعتدين، وإنقاذ البلاد من شرورهم وعدوانهم.

    وضع "قطز" على مقدمة الجيش بيبرس البندقداري، وقاد هو الجيش بنفسه متجهًا صوب بلاد الشام حتى لا يدع فرصة أمام جيش المغول للاقتراب من أرض مصر، وعملاً بالحكمة القائلة إن الهجوم هو أفضل وسائل الدفاع.. وأخذ جيش مصر يتقدم شمالاً في أرض فلسطين مشتبكًا مع طلائع جيش المغول، وملحقًا بها أفدح الخسائر، وقد كانت تلك الطلائع تفرّ من المواجهة متجهةً نحو الشمال في أعقاب كل اشتباك.. وكان المقاتلون الراغبون في الجهاد من أهل هذه البلاد وغيرها من بلاد العرب ينضمون إلى جيش مصر في زحفه، حتى إذا وصل هذا الجيش منطقة عين جالوت في شمال فلسطين خاض المعركة الفاصلة، وحقق المسلمون في تلك المعركة نصرًا مؤزرًا على المغول، وقتلوا "كتبغا" نائب هولاكو وقائد جيشه، وتمكنوا من إبادة ذلك الجيش..

    لقد كانت معركة عين جالوت أول معركة ينتصر فيها المسلمون على المغول، فخلّصتهم من عقدة الجيش المغولي الذي لا يُقهر!! وأعادت إليهم ثقتهم بأنفسهم، ومكّنتهم من تحرير سوريا في أعقاب معركة عين جالوت الحاسمة، وبهذا تم للسلطان قطز ما أراد.. وهرب أعوان المغول، ونوابهم من دمشق بعد ثمانية أشهر من التحكم بأهلها.. وكتب الله النصر في تلك المعركة لعباده المؤمنين المجاهدين، ولعبده الملك المظفر قطز ثالث المماليك البحريين، ورافع راية الجهاد ضد المغول الغزاة المعتدين.

4/9/2010

 


الخميس، ٢ أيلول ٢٠١٠

متابعات:                                                          

قمــة واشـــنطن

   أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

 

          لو كان الهدفُ من هذا الحشد في هذه القمة إحقاقَ حقٍّ، أو إزهاق باطل، أو نصرة مظلوم، أو رفع حصارٍ ومعاناةٍ، أو تحريرَ أرض محتلة، وإطلاق سراح أسرى ومعتقلين وموقوفين، أو بناء دولةٍ لقرأَ الناس ذلك في عناوين الأخبار، وعلى صفحات الوجوه، وفي سياق الكلامِ واتجاهاته وتفصيلاته.. ولو كان الهدفُ إنصاف شعبٍ هُجّر من دياره منذ أكثر من ستين عامًا لوجد المراقبون والمحللون والمعلقون والناس العاديون آثارَ         ذلك وتفاعلاته باديةً بوضوح على وجوه أولئك اللاجئين والمهجّرين والنازحين الذين باتوا يستعدون للعودة إلى ديارهم وممتلكاتهم وقراهم ومدنهم التي غادروها كارهين، أو أجليَ عنها آباؤهم وأجدادهم راغمين مرغمين.. ولكن شيئًا من هذا لا يحدث الآن: فلا أحد في هذه القمة يتحدث في القرار الدولي (194) ولا أحد يتحدث في القرار (181) ولا أحد يتحدث عن ضرورة إخلاء المستوطنات من المستوطنين، ولا أحد يتحدث عن ضرورة انسحاب إسرائيلي فوري إلى خط الرابع من حزيران عام سبعة وستين، ولا أحد يشيرُ إلى أن القدس أرض محتلة مثل كل الأراضي العربية المحتلة، وإن انسحاب الإسرائيليين منها ينبغي أن يتصدر سلم الأولويات، وينبغي أن يقف على رأس حقوق الفلسطينيين، وعلى رأس مطالبهم، يضاف إليه حق الفلسطينيين الثابت في العودة إلى ديارهم التي أخرجوا منها، والانسحاب الإسرائيلي الكامل من سائر الأراضي العربية المحتلة منذ عام سبعة وستين... لقد فرغنا من ذرائع الأمن التي يتمترس خلفها الإسرائيليون، ولقد أنجز الرئيس محمود عباس، ورئيس وزرائه سلام فياض في هذا المجال ما عجز الإسرائيليون منذ قيام دولتهم عن تحقيقه، ومع هذا فإن الإسرائيليين ما زالوا يطالبون بمزيد من الإجراءات الأمنية والضمانات التي يستحيل معها تعرض أمنهم لأدنى سوء، ناسين أو متناسين أن هذا الأمر قد فشلت في تحقيقه الولايات المتحدة الأمريكية، كما فشل في ذلك من قبلها الاتحاد السوفياتي، وناسين أو متناسين أيضًا أن خير إجراءات الأمن وضماناته العدل، وإعادة الحقوق إلى أصحابها، والابتعاد عن ظلم الناس واحتقارهم والاستعلاء عليهم وكرههم، وبالتالي الشعور بالخوف منهم، ومن ثم المطالبة بمزيد من الضمانات لتجنب شرهم، وكلما أمعنوا في تطرفهم وكراهيتهم زاد خوفهم؛ فزادت مطالبتهم بإجراءات الأمن، وهكذا تستمر هذه الحلقة المفرغة، ويستمر معها التوتر والغليان في هذه المنطقة من العالم!! فإذا قال لهم قائل إنهم المسئولون عن هذا كله ثارت ثائرتهم، وراحوا يطالبون بما يسمونه "يهودية الدولة" ناسين أيضًا أو متناسين أنه لا يوجد في الكون دولة للمسيحيين أو دولة للمسلمين، وأن هذا الذي يطالبون به هو أكثر من مستحيل، وأكثر من لا معقول، إضافة إلى كونه وسيلةً لإلغاء حق العودة، ووسيلة أكثر من مكشوفة لتهجير فلسطينيي الداخل، ووسيلة أكثر من مكشوفة أيضًا لحشر نصف الفلسطينيين في هذه المعازل التي يحاصرها المستوطنون من كل جانب، وإبقاء نصفهم الآخر في الشتات بعيدًا عن أرض الوطن.

        قمة واشنطن مطالبةٌ بممارسة الضغوط على نتانياهو، لأن مفاوضته لا تؤدي إلى حلول لهذه القضايا، ولأن الضغوط عليه هي التي قد تؤدي إلى هذه الحلول، ولأن مزيدًا من الضغوط عليه أيضًا قد يؤدي إلى إسقاطه، وإسقاط اليمين المتشنج، ومعه الاستيطان والمستوطنون، وبالتالي إخراج هذه المنطقة من العالم مما هي فيه من تأزم، وتوتر، واضطراب، ومما يعانيه أهلها من كل أسباب الظلم والعداوة والتردي والحروب.

        إن اليمينيين الإسرائيليين ومعهم نتانياهو يماطلون ويراوغون ويناورون ويعملون بكل الوسائل على كسب الوقت وصولاً إلى قيادة فلسطينية "يصنعونها" بمزاجهم وعلى هواهم، وبمقاييسهم ومواصفاتهم للتوقيع على وثيقة الاستسلام، ويبدو أن هؤلاء لم يتعلموا شيئًا من دروس الماضي والحاضر، ويبدو أنهم ماضون في أوهامهم هذه، وقد أعجبتهم لعبة إدارة الصراع التي نسميها نحن-البسطاء- المفاوضات؛ فهل تقوى قمة واشنطن على إعادة العقل إلى رؤوس هؤلاء؟ وهل تنجح قمة واشنطن في إحقاق الحقوق الوطنية الثابتة للفلسطينيين في بلادهم فلسطين؟ نرجو ذلك.

31/8/2010