عشية زيارة بوش للمنطقة
أولمرت .. والسلام
أ.عدنان السمان
يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يكون أكثر اعتدالاً وهو يتهيأ لاستقبال الرئيس الأمريكي حتى لا يُقال إن إسرائيل هي التي ترفض تطبيق خارطة الطريق التي يراها بوش أساسًا صالحًا لحل القضية الفلسطينية.. وحتى لا يقال إن اليمين الإسرائيلي المتطرف هو الذي يسيّر السياسة الإسرائيلية في هذه القضية التي تعتبر أكبر قضايا العصر، وأكثرها تعقيدًا ، وأشدها إحراجًا للولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، ولسائر دول المجتمع الدولي وحكوماته منذ عام ثمانية وأربعين وحتى يومنا هذا.
أولمرت يحاول أن يكون معتدلاً وهو يستقبل الرئيس الأمريكي الذي يُقال إنه جاء إلى هذه الديار كي ينعش عملية السلام وينشّطها بعد الجمود الذي أصابها في اللقاءات الإسرائيلية الفلسطينية الأولى التي أعقبت مؤتمر انابوليس المنعقد في أواخر تشرين الثاني من العام الماضي... وعلى الرغم من أن أولمرت يؤكد في صحيفة "جيروزالم بوست" قبل أيام معدودة من وصول الرئيس الأمريكي على أن بوش لا يريد إرغام إسرائيل على ما لا تريده، وأنهما – بوش وأولمرت – متفاهمان حول سائر القضايا الجوهرية التي تراها إسرائيل ضرورية لأمنها ووجودها، وحول كافة احتياجات إسرائيل وطلباتها إلا أن أولمرت يرغب في أن يبدو أكثر اعتدالاً وهو يستقبل سيد البيت الأبيض حتى لا يسبب له أدنى قدْر من الإحراج في زيارته لهذه المنطقة العربية، بل ليكون عونًا له على النجاح في مهمته أو مهماته التي جاء من أجل تحقيقها... وأولمرت الذي يريد أن يكون عونًا للرئيس الأمريكي يريد أيضًا أن يكون عونًا لكل أصدقاء إسرائيل الحريصين على أمنها وأمانها ووجودها.. هؤلاء الأصدقاء الذين جمعتهم " القدرة الإلهية" في فترة زمنية واحدة لخدمة الأهداف الإسرائيلية ، وحل مشكلاتها... إن من جميل المصادفات أن يجتمع في زمن واحد الرئيس الأمريكي جورج بوش، ونيكولاس ساركوزي الرئيس الفرنسي، وإنجيلا ميركل مستشارة ألمانيا، وغوردون براون رئيس وزراء بريطانيا، وطوني بلير مبعوث الرباعية الدولية إلى الشرق الأوسط!!
إنه، وفي الوقت الذي يبدي فيه أولمرت كل هذا الاعتدال وهو يستعد لاستقبال الرئيس الأمريكي، وفي الوقت الذي يكيل فيه المديح لعدد من الرسميين البارزين في هذا العالم.. وفي الوقت الذي يبدي فيه أولمرت استعداده لتحقيق السلام خلال هذا العام مع الفلسطينيين، ومع العرب، ومع المسلمين إن هم تخلّوا عن التشدد والتطرف، وإن هم مدّوا أيديهم إلى اليد الإسرائيلية الممدودة للسلام... في هذا الوقت الذي يطلب فيه أولمرت من الفلسطينيين والعرب والمسلمين أن يكونوا أكثر اعتدالاً، وأن يحققوا السلام مع الإسرائيليين نجد الجرافات الإسرائيلية تمعن في اقتلاع الأشجار الفلسطينية، وتمعن في تجريف الأرض الفلسطينية، وتمعن في تغيير معالمها، وضمها إلى مناطق الاستيطان والمستوطنات.. ونجد البنايات الجديدة تُقام أيضًا في هذه المنطقة أو تلك من المناطق الفلسطينية، ثم لا تختفي ولا تُزال تلك البيوت التي سرعان ما تصبح نواة لمستوطنة جديدة أو مستوطنات جديدة ليدور الحديث بعد ذلك عن غيرها.. وغيرها.. وهكذا في حركة دائمة مستمرة لتغيير معالم الأرض، والإخلال بالوضع الديموغرافي في هذه الديار التي أًصبحت تضم نصف مليون مستوطن يمتلكون معظم الأرض الفلسطينية ، ومعظم الشوارع الفلسطينية .. في الوقت الذي يعيش فيه أهل هذه الديار حياة الضنك والفقر والحرمان والعزل في معازلهم وأحيائهم وقراهم ومدنهم التي تتعرض يوميًّا لألوان شتى من المداهمات والاجتياحات والعدوان والقتل والدمار، وكل أصناف التنكيل والإذلال .
رئيس الوزراء الإسرائيلي يعلن وهو يستقبل الرئيس الأمريكي استعداده لتحقيق السلام خلال هذا العام، ويعلن استعداده لقيام دولة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام سبعة وستين وعاصمتها القدس الشرقية (أو بعض الأحياء العربية في القدس الشرقية ) وفي غمرة هذه الإعلانات الكثيرة وغيرها من إعلانات السلام تطلع علينا الصحف العربية والعبرية أيضًا بما ينسف كل إعلانات السلام هذه!! فهذه جريدة "القدس" المقدسية تورد على صدر صفحتها الأولى خبرًا عن: "مناقصة إسرائيلية جديدة لبناء حي استيطاني على أراضي صور باهر والمكبّر ".
إن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه يؤكد يوميًّا على أن مستوطنة أبو غنيم هي جزء لا يتجزأ من القدس التي هي بدورها جزء لا يتجزأ من إسرائيل!! ومعنى هذا أن القدس مستثناة من الأرض المحتلة عام سبعة وستين، ومعنى هذا أيضًا أن مستوطنة جبل أبو غنيم مستثناة هي الأخرى من قضية الاستيطان والمستوطنات، وأولمرت يؤكد أيضًا على أن مستوطنة ادوميم مستثناة هي الأخرى لأنها جزء لا يتجزأ من القدس عاصمة إسرائيل، وغنيٌّ عن البيان أن مساحة "ادوميم" هذه أكبر من مساحة تل أبيب، ويقطنها ثلاثة عشر ألف مستوطن بينما تضم تل أبيب أكثر من ثلاثمئة ألف منهم!! ولا ينسى أولمرت أن يستثني مستوطنات أخرى يستطيع المراقب العادي أن يحددها ومنها مستوطنة " أريئيل" إلى الجنوب الغربي من نابلس التي يعتبرها كثير منهم عاصمة "السامرة"!!
وإذا كانت المستوطنات "العشوائية" تقام في نعلين وغير نعلين من قرى هذا الوطن، وإذا كان العمل جاريًا في ثمان وثمانين مستوطنة كما تقول جريدة "جيروزالم بوست" ، وإذا كان المستوطنون يرفضون إخلاء بيت لم يفرغوا بعد من إقامته فمتى سيخلون كل هذه المستوطنات التي أصبحت هي الأصل في هذا الوطن وكل قرانا ومدننا هي الاستثناء؟؟
شهود العيان يقولون إن أبنية جديدة تقام كل يوم في هذه المستوطنات .. ويقولون إنهم يرون اليوم أبنية لم تكن موجودة يوم أمس على امتداد هذا الوطن الممزَّق والمضيَّع .. فأين هو السلام الذي يقول أولمرت إنه يسعى لتحقيقه؟ وأين هي خارطة الطريق التي يقول إنه ملتزم بها؟ وأين ستقام هذه الدولة الفلسطينية التي يتحدثون عنها؟ وقبل كل هذا وذاك متى سنراهم وهم يخلون حاجزًا من هذه الحواجز التي مزّقت هذا الوطن، ومزّقت حياة مواطنيه شرَّ ممزَّق؟؟!!
2/1/2008م
The i'm Talkaton. Can 30-days of conversation change the world? Find out now.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق