في ظلال القرآن
قبسٌ من نور الله..
أ.عدنان السمان
القرآن الكريم كلام الله ، وهو كتابه الذي أنزله على عبده ورسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه عن طريق الروح الأمين جبريل ليكون نورًا وهدًى ورحمةً للعالمين .
والقرآن الكريم هو المصدر الأول من مصادر التشريع الإسلامي ، يبحث فيه المسلمون عن حلول لمشكلاتهم وقضاياهم ، ويحكّمونه فيما شجر بينهم ، ويهتدون بهديه ، ويتخلقون بأخلاقه .. أما المصدر الثاني فهو السنّة ، يليها الإجماع ، والقياس ،ثم الاجتهاد الذي هو استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها ، وبابه مفتوح لا يجوز أن يغلق إلى يوم يُبعثون.
لقد حرص القرآن على تربية أتباعه تربية خلقية سامية ، ونمّى فيهم مبادئ الأخلاق الحميدة ، قال تعالى مخاطبًا رسوله الكريم : "وإنك لعلى خُلقٍ عظيم " وحثّهم على التحلي بالفضائل والقيم ، والمثل العليا من صبر ، وتضحية ، ووفاء ، وصدق ، ونجدة ، وإيثار ، وتكافل، وتعاون "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " وكما حرص القرآن على غرس هذه الفضائل والمزايا في نفوس المسلمين ؛ فإنه حرص في الوقت نفسه على أن يكون المسلمون أقوياء لا يخضعون إلا لله ، ولا يركعون إلا لخالقهم سبحانه وتعالى ، فالقوة مبدأ راسخ غرسه القرآن الكريم في أتباعه أفرادًا وجماعات ، يقول الرسول الكريم : (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) ويقول سبحانه وتعالى : "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل تُرهبون به عدوَّ الله وعدوَّكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم " فالمسلم قوي ، رباه الإسلام على الفروسية ، وركوب الخيل ، والسباحة ، والرماية، والتدرّب على مظاهر القوة في المساجد ، يروى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – رأى جماعة من المسلمين يتبارزون بالسلاح في المسجد ، فجلس يراقبهم ، ويتابع حركاتهم ، وإلى جانبه السيدة عائشة ، وهو يسترها بردائه ليواصلا معًا متابعة ما يجري في المسجد من مبارزة بين الفرسان، وتدّرب على وسائل القوة ، ومظاهرها في ذلك الزمان ... ولقد جاء حرص الإسلام على قوة الفرد مُنسجمًا وحرصه على قوة الأمة كي تكون مرهوبة الجانب حرة عزيزة ؛ فالمسلمون يعدّون ما يستطيعون من قوة ، وهذا واضح قي قوله تعالى " وأعدّوا" حيث استعمل فعل الأمر ، وهو أسلوب ملزم من جملة الأساليب التي لجأ إليها القرآن الكريم في مخاطبة المسلمين طالبًا منهم القيام بعمل ما ، أو تركه :"وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" ومعنى ذلك أن المسلمين ملزمون بالإعداد والاستعداد . وقوله سبحانه بعد ذلك "ما استطعتم من قوة " أي كل ما تستطيعون إعداده من قوة . واستعماله ما الموصولة هنا جاء مؤكدًا على إعداد كل ما باستطاعتهم . ثم انظر إلى قوله تعالى بعد ذلك " من قوة" حيث جاء بالتمييز النكرة مجرورًا بمن ، وفي هذا ما فيه من ترك الباب مفتوحًا أمام كل ما يندرج تحت تعريف القوة : فالسلاح قوة ، والتضامن قوة ، والتعبئة النفسية والمعنوية قوة ، والجود بالمال والنفس قوة ، وتعليم الأطفال ، والنهوض بالصناعة والزراعة والتجارة ، وبناء اقتصاد سليم قوة ... ويقول سبحانه وتعالى بعد ذلك كله " ومن رباط الخيل " ذلك السلاح الذي كان في ذلك الزمان أقوى سلاح .. وكأنك تقول في هذا الزمان : سلاح الجو ، أو الأسلحة الصاروخية .. والواو في قوله تعالى " ومن رباط الخيل " عاطفة ، وتقدير الكلام : وأعدوا لهم أيضًا ما استطعتم من رباط الخيل . أما قوله تعالى بعد ذلك " ترهبون به عدو الله وعدوكم " فقد جاء في جواب الطلب " وأعدوا " بمعنى أن الهدف من الإعداد هو تخويف أعداء الله وإرهابهم حتى لا يفكروا بالاعتداء عليكم .. وعليه يكون الهدف من كل هذا الإعداد والاستعداد منع الحروب ، وحقن الدماء ، وكف أيدي الناس عنكم ، ومنعهم من الاعتداء عليكم ، وضمان عيشكم بأمن وأمان وعزة واحترام " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين " . وفي نهاية الآية الكريمة قوله تعالى " وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم " الواو هنا عاطفة ، والمعنى : وترهبون أيضًا (آخرين)هم المنافقون الذين يعلنون خلاف ما يبطنون ، وكثيرًا ما يكون هؤلاء أشد خطرًا على الأمة من أعدائها ، وربما كانوا سبب هزائم الأمة أمام أعدائها الخارجيين ، وأنتم لا تعرفونهم لتسترهم وتكتمهم ، ولكن الله يعلمهم ، ويكون إعدادكم واستعدادكم وأخذكم بكل أسباب القوة واليقظة رادعًا لهم عن العمل إلى جانب الأعداء ضدكم ... وهكذا تضمنون انهيار هؤلاء المنافقين الذين يناصبونكم العداء سرًّا ، وتضمنون خوفهم من محاولة النيل منكم ، والتعاون مع أعداء الله ضدكم .
يتضح مما سبق أن القوة في الإسلام ليست قوة عمياء هدفها الاعتداء على الناس ، بل إن الهدف منها نصرة الحق ، وضمان العزة والرفعة لمبادئ العدل ، وتطبيق شريعة الله في الأرض هذه الشريعة التي لا تفرّق بين دين ودين ، وبين لون ولون ؛ فلا فضل لأسود على أبيض ، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى ؛ وخير الناس أنفعهم للناس ... القوة في الإسلام قوة لكل الناس ؛ لأنها قوة لمبادئ الحق والعدل والسلام ، قوة لكل مظلوم ، ونصرة لكل مضطهد ، وهي في الوقت نفسه سيف على رقاب أعداء الشعوب وجلاديها من فاسدين ومفسدين ومنحرفين ومغرضين وطامعين يردعهم من التفكير بالعدوان.
" إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم " صدق الله العظيم .
16/7/2008
Keep your kids safer online with Windows Live Family Safety. Help protect your kids.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق