أنقذوا لبنان .. يا عرب!!
أ. عدنان السمان
في عددها الصادر بتاريخ 28/10/1975، وعلى الصفحة الثالثة، وتحت هذا العنوان "أنقذوا لبنان.. يا عرب" كتبتُ يومها في " القدس" المقدسية، وبالحرف الواحد ما يلي:
" هذا الصراع الدامي الذي يشهده القطر اللبناني، وهذه الصدامات المسلحة التي يعيشها لبنان سوف تسفر، إذا هي استمرت ، عن مأساة كبيرة لا تقل في حجمها وعمقها عن أية مأساة من كبريات المآسي التي ابتليت بها أمتنا العربية على امتداد تاريخها الحديث والوسيط..
إن لبنان يعيش اليوم أزمة قاتلة.. وإن هذا القطر العربي الأخضر الذي كان حتى الأمس القريب منتجعًا لكل العرب، وكعبة لكل محبي الديمقراطية، وعشاق الجمال قد تحول بين عشية وضحاها إلى حمامات دم، واستحال بنيانه الضخم إلى أنقاض ، وتحولت ديمقراطيته التي كانت مفخرة العرب جميعًا إلى فوضى مسلحة، واضطراب عصبي دامٍ يأتي على الأخضر واليابس حتى أضحى قسم كبير من أرضه الجميلة الخضراء أرضًا محروقة..
وما كل ذلك الحرق والقتل والتدمير والتخريب إلا الدليل القاطع على وجود كثير من العناصر غير المسئولة، وغير العاقلة من أبناء القطر اللبناني نفسه.. الذين استبد بهم الجهل، فاستجابوا- مع الأسف- لندائه.. واندفعوا في طريق الموت والخراب دونما تفكير أو تأمل فيما قد تسفر عنه كل تصرفاتهم.
إن لبنان يعيش اليوم محنة حقيقية قاسية، وقد انقسم أبناء الوطن الواحد إلى أحزاب وشيع مسلحة يقود بعضها الحقد الأسود، وتسيّر خطاها الكراهية العمياء.
وليس هذا هو وقت الكلام والجدل والحذلقة ، إنما هو وقت العمل والجد الذي يمكن أن يساعد الأهل في لبنان على الخروج من محنتهم.. إن لبنان في هذه الأيام بحاجة ماسة جدًا إلى كل العقلاء من أبنائه المسئولين ومن كل العقلاء من مسئولي الأمة العربية جمعاء.. إن أطفال لبنان ونساءه وشجره الأخضر الجميل وجباله الشماء المزدانة بالأرز الأخضر وحدائقه وساحاته وبيوته ومحالّه التجارية، وإن كل شيء في لبنان يستصرخ اليوم ذوي الضمائر من زعماء العروبة أن هبوا لنجدة لبنان، خذوا بيده نحو شاطئ السلامة قبل أن يهوي في أعماق الجحيم..
إن وقف المجازر في لبنان مسؤولية وطنية تاريخية تقع على كاهل كل الزعماء العرب، وكل العقلاء العرب.. وإن مؤتمر قمة عربيًّا يعقد في بيروت مثلاً، قادر كل المقدرة على وقف المجازر وإنقاذ لبنان الأخضر من محنته القاسية.. إن على زعمائنا أن يعقدوا مؤتمرهم في أسرع وقت كي يتعاونوا جميعًا على إنقاذ لبنان.. إذ لو استغل كل من هؤلاء الزعماء نفوذه الأدبي ورصيده الشعبي في لبنان لتمكنوا من محاصرة هذه الحرب الأهلية العمياء..
إن الشعب العربي في الضفة الغربية وقطاع غزة يتفطر ألمًا لما يصيب لبنان اليوم من دمار، ويهيب بزعماء العروبة المعنيين بالأمر أن يهبوا لإنقاذه.. وإننا لعلى يقين أيضًا أن دول النفط العربية تستطيع في أشهر معدودة تعويض لبنان عن كل الخسارة المادية التي لحقت به. وعلى عاتق الرئيس السادات بالذات – ولأكثر من سبب- يقع القسم الأكبر من هذه المسئولية التاريخية – مسئولية إنقاذ لبنان".
هذا ما نشرتُه في القدس قبل نحو ثلاثة وثلاثين عامًا، وهذا جانب من تاريخ لبنان، وسجلّه الدموي الرهيب يمكن لكل من يعنيه الأمر أن يحيط به كاملاً من خلال "مانشيتات" هذه الصحيفة، وعناوينها الرئيسة منذ صيف العام خمسة وسبعين وحتى العام اثنين وتسعين من القرن الماضي!!
خمسة عشر عامًا من الحرب الضَّروس عصفت بلبنان، وشعب لبنان، وبكل سكان لبنان من عرب وغير عرب، تلك الحرب التي أحرق فيها المقتتلون من أمراء الحرب، وملوك الطوائف وجه لبنان الجميل.. لقد حارب في سنواتها الأخيرة من وُلد في سنيّها الأولى من أبناء لبنان، وخاض غمارها، واكتوى بنارها سائر اللبنانيين، وغير اللبنانيين على أرض لبنان.. يضاف إلى هذا كله ما شهده لبنان من اجتياح الإسرائيليين في العام ثمانية وسبعين، ذاك الاجتياح الذي سمي "عملية الليطاني"، ومن اجتياحهم الكبير في العام اثنين وثمانين، ويضاف إلى هذا أيضًا ما شهدته المخيمات الفلسطينية هناك من مجازر بعد خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان.
لقد حدث هذا كله في لبنان على الرغم من وجود قوات الردع العربية التي أقرت الجامعة العربية دخولها إلى لبنان لحفظ أمنه، وسلام مواطنيه.. والتي دخلت لبنان من سورية في صيف العام ستة وسبعين بدعوة رسمية من الحكومة اللبنانية آنذاك، ثم خرجت منذ عهد قريب بضغط من قوًى محلية وعربية ودولية.
واليوم، وبعد أقل من سنتين من الحرب الإٍسرائيلية الأخيرة على لبنان، وقبل حلول الصيف الساخن الذي توعّد به المتوعّدون لبنان وشعب لبنان يحل هذا الربيع الملتهب الذي يهدد من جديد بإحراق وجه لبنان، وأرض لبنان، وشعب لبنان، وأرز لبنان الأخضر الجميل من جديد.
إنها الحرب في لبنان إذن !! وإنها المخططات التي تستهدف ضرب هذه الوحدة العروبية في كل بلاد الشام والعراق وسائر بلدان العرب وأقطارهم.. إنها الحرب التي يريد هؤلاء المخططون أن ينفذوا من خلالها إلى السيطرة على كل هذه الأقطار من جديد.. لا أريد أن أستبق الحوادث والأحداث، ولا أريد أن أتشاءم، ولا أقود غيري إلى التشاؤم، ولن أقول هنا غير ما يقوله الناس في هذه الديار، ولن أتمنى غير ما يتمنَّونه من الخير والرشاد والسداد للبنان أرضًا وشعبًا وتاريخًا وحضارة.
وبعد،،
فإنه ليس أمام اللبنانيين إلا أن يفهموا أن العنف والاقتتال الداخلي لن يخدم قضاياهم، ليس أمامهم إلا اختيار رئيس للبلد، وليس أمامهم إلا أن يثوبوا إلى رشدهم، ويحرّموا الاقتتال الداخلي فيما بينهم، وليس أمامهم إلا أن يكونوا عربًا وحدويين أحرارًا ينتمون إلى لبنان الواحد الموحَّد ، وإلى أمته العربية.. ليس أمام هذا الوجيه أو ذاك الزعيم إلا أن يكفَّ عن تلقي التعليمات والتوجيهات من الخارج، فهذا عيبٌ وأيّ عيب، وهذه تبعيّة يرفضها الناس في هذه الديار!! وليس أمام اللبنانيين قادةً ومواطنين مفرٌّ من الوحدة الوطنية والتوافق والاتفاق ، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تنهض بالبلد ، وتحميه من عدوان المعتدين .. ليس أمامهم إلا الحفاظ على لبنان العربي قلعةً من قلاع العروبة والوحدة ، والخلاص من طغيان الطغاة ، وتسلط المتسلطين ، وطمع الطامعين .. وبغير ذلك ستكون مأساتنا في لبنان أكبر من كل التصورات.
10/5/2008م
The i'm Talkaton. Can 30-days of conversation change the world? Find out now.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق