أ.عدنان السمان
لقد ارتبطت القدس بالعقيدة الإسلامية ، وأصبحت جزءًا لا يتجزأ منها بعد حادثة الإسراء والمعراج ، ونزول قوله تعالى " سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير " .
وهذا يعني أن الإسراء كان من المسجد الحرام في مكة إلى المسجد الأقصى في القدس ، وأما المعراج فقد كان من المسجد الأقصى ، وفي هذا ما فيه من تكريم للقدس والمسجد الأقصى ؛ فإليه كان الإسراء ، ومنه كان المعراج ، وما صاحبه من معجزات ، وما حظي به الرسول الكريم من تعظيم وإجلال وتكريم ... وهذا يعني أيضًا أن التكريم قد اتسع إطاره ليشمل كل هذه الديار التي باركها الله .. فلسطين إذن بلاد مباركة مقدسة استمدت هذه المكانة من قدسية الأقصى المبارك ، و من قدسية هذه المدينة المقدسة التي باركها الله سبحانه وتعالى ، وخصّها بهذه المناسبة العظيمة ، وشّرفها بزيارة صاحب هذه المناسبة صلوات الله وسلامه عليه.
ولئن كان في هذا الكون أماكن ومواقع تهواها القلوب ، وتطرب لذكرها الأفئدة ، وترنو إليها الأبصار ، وتهتز لسحرها المشاعر ، وترقص الأحاسيس فرَحِةً جذلى ؛ فإن القدس – دون ريب – واحدة من هذه الأماكن والمواقع التي يهواها القلب ، ويسمو بحبها الوجدان إن لم تكن على رأسها جميعًا سحرًا وجمالاً ، وإن لم تكن أكثرها إثارةً للمشاعر والأحاسيس ، وأغناها بتعاقب الحضارات ، وتعدد الثقافات منذ عهد اليبوسيين وحتى يومنا هذا .
بناها العرب القدماء ، وتعاقبت عليها أمم شتى ، وأحبتها سائر الأمم ..دخلها العرب المسلمون عندما تسلمها الخليفة عمر من بطريركها صفرونيوس في العام السابع عشر للهجرة (638) ستمئة وثمانية وثلاثين للميلاد ، ومنذ ذلك الحين أصبحت القدس مركزًا من أعظم المراكز الحضارية والثقافية في تاريخ الإسلام .
يقول التاريخ إن الخليفة العادل عمر الفاروق كان في كنيسة القيامة بالقدس عندما حان وقت الصلاة ، فخرج من الكنيسة ، وصلى في المكان الذي أقيم عليه فيما بعد مسجد عمر .. أما لماذا فعل الفاروق ذلك على الرغم من أن الصلاة جائزة في الكنيسة ؟ فالجواب خوفه من تحويل الكنيسة إلى مسجد .. لقد خاف عمر أن يحول المسلمون هذه الكنيسة إلى مسجد ، وعليه ؛ فإنه لم يقم الصلاة فيها ، والحديث عن عمر هنا – وهو المؤسس الحقيقي لدولة الإسلام – يفضي إلى الحديث عن العهدة العمرية وعن حرص الخليفة العادل على إنصاف كل الناس في هذه المدينة المقدسة ، وعلى إنصاف كل الناس في هذه الديار ، بل وعلى إنصاف كل الناس من كل لون وجنس ودين ولسان في هذا العالم .
نعم .. لقد حرص عمر – كما حرص خلفاء الإسلام – على إشاعة العدل في هذه الديار ، وفي غير هذه الديار ، كما حرص عمر ، وسائر خلفاء المسلمين ، على بث روح التسامح بين الناس جميعًا ، وعلى تحريم العدوان على أحد في ماله أو نفسه أو ممتلكاته مهما كان دينه ، أو لونه ، أو جنسه، أو لسانه .. وحسب عمر أنه قال : " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا ؟".
ولقد حرص المسلمون جميعًا على هذا النهج ؛ فحافظوا على الأخوة الإسلامية المسيحية ، وحافظوا على صلاتٍ وثيقة بأصحاب الديانات جميعها ، حتى أن معبد المجوس كان على مسافة قريبة من قصر هارون الرشيد في بغداد دون اعتراض معترض ، ودون تدخل من أحد في هذا الأمر .
إنه لمن المؤلم حقًّا أن يقابَل كل هذا التسامح والعدل في هذه الديار على امتداد التاريخ العربي الإسلامي بما يراه الرائي في هذه الأيام من كل هذا الذي يحدث من عظائم الأمور التي لا تصدَّق .. من المؤلم أن يحدث كل هذا الذي يحدث في القدس وغير القدس من مدن هذه الديار وقراها ومخيماتها ... فصبرًا ياقدس،صبرًا ياحبيبة السماء ! صبرًا أيها القابضون على الجمر .. صبرًا يا عرب القدس والخليل وغزة ونابلس .. صبرًا يا كل َّ المضطهدين في هذا العالم ، وفي كل ديار العروبة والإسلام ؛ فالليل مهما طال لا بد له من آخر ، وإن أشد ساعات الليل ظلمةً هي الساعة التي تسبق انبلاج الفجر .
وكل عام وأنتم بخير .
28/7/2008
Use video conversation to talk face-to-face with Windows Live Messenger. Get started.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق