إلى حسام خضر....
في "القدس" متسعٌ لنا يا صاحبي..
أ. عدنان السمان
أكتب إليك بعد الإطلاع على كل ما كتبت بأقلام الرصاص الكثيرة منذ بداية تجربتك ، بل تجاربك التي خضت غمارها يافعًا تتفجر الحياة خصبًا ونماءً تحت وقع قدميه القويتين اللتين تجوبان أزقة المخيم دون كلل ، قبل أن تفضي بهما تلك الجولات اليومية إلى المدرسة في كل صباح ، وإلى مصنع الزجاج المجاور في ساعات بعد الظهر ، وفي أيام الإجازات والعطل المدرسية بصحبة والد دخل معترك الحياة في سن مبكرة ، مخلصًا لعمله ولأسرته ... وبعد الاطلاع أيضًا على كل ما كتبت بقلم البايلوت .. وبعد الاطلاع على ما لم تكتب منذ بداية الإعداد والاستعداد لرحلة الإياب الشاقة إلى عروس البحر ... ولكن لا بأس ، فرحلة الألف ميل – كما يقولون – تبدأ بخطوة واحدة.
أكتب إليك ، بل إليكم ، هناك في مصانع التاريخ ، حيث اليقظة ، والأعين المفتوحة، والأعصاب المشدودة ، والانتظار الصعب ، والتعامل مع الثواني والدقائق ، ومع صوت المؤذن لصلاة الفجر هذا الذي يصل متعبًا متقطع الأنفاس عبر الكُوى والساحات المفتوحة ، ومع مواعيد الجلسات ، والسير على شفرات الظُّبي ، ورؤوس الآسال ... أكتب إليك بل إليكم في مصانع الرجال ، ومختبرات العزة والرجولة والكرامة والمجد .. فأنتم أنتم صناع مجد هذه الأمة ، وأنتم أنتم عنوان رجولة هذا الشعب ، وأنتم رموز كرامته وعزته .. على أيديكم سيكون انبلاج الفجر ، وسطوع شمس الحرية، وعلى أيديكم سيولد العهد الجديد ؛ فصبرًا أيها الأحبة صبرًا .. إن مع العسر يسرًا.
قرأت – أيها الغالي – كل إصداراتك ، وبياناتك .. قرأت كل مقالاتك ، وتعليقاتك ، وتوضيحاتك في "القدس " المقدسية ، و في البيادر المقدسية أيضًا ... قرأت مناشداتك للقيادة، و مطالباتك بالوحدة الوطنية الشاملة ، و تشبثاتك بوحدة الصف والهدف والمصير ، وبتحريم الدم الفلسطيني وحرمته ، ورأيت إصرارك على عروبة القدس ، وإصرارك على حق عودة اللاجئين والمهجرين إلى ديارهم وأراضيهم التي أُبعدوا عنها ، واقتُلعوا منها .. ورأيت إصرارك على الدفاع المستميت عن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين ضد أي عدوان ، وعن حقوق سكان هذه المخيمات ضد أي انتقاص أو امتهان ، ورأيت إصرارك على التصدي لكل من اعتدى على هذا الوطن ، ولكل من اعتدى على إنسان هذا الوطن ... فأكبرت فيك كل ما قرأت .. وأكبرت فيك كل ما رأيت .
سمعت- أيها الصديق – أنك تعكف على قراءة مكثفة في علم العروض والقافية ، وأنك تكتب شعرًا جيّدًا منذ أشهر ، وأنك راغب في نشره، وتسأل إن كان هذا ممكنًا ، ولاسيّما بعد أن تجمع لديك كثير منه ، وكثير من المقالات السياسية ، والمناشدات والتعليقات التي تقتضيها هذه الهجمة الشرسة على فلسطين كل فلسطين أرضًا وشعبًا وقضيةً.
ولا يسعني إلا أن أضيف هنا أنني أكبرت فيك كل ما سمعت.. بعد أن أكبرت فيك كل ما قرأت ، وكل ما كنت رأيت ! ولا يسعني إلا أن أقول بنبض شاعري : في "القدس" متسعٌ لنا يا صاحبي !! نعم ، لقد كتبتَ ، كما كتب غيرك من أبناء هذا الوطن من أقصاه إلى أقصاه ، بما في ذلك المعتقلون والأسرى في معتقلاتهم.. وكما كتب ، ويكتب غيرك من أبناء هذا الوطن من كل ديار الشتات والغربة في هذا العالم ، وكما يكتب كثير من أبناء الأمة العربية وكتّابها ، وكثير من الكتاب من سائر أرجاء المعمورة في "القدس" أيها الصديق.
بقي أن أقول أخيرًا – لكي لا أطيل- إنني بعد أن أصبحت مدينًا لك بكل ما أتحفتني به من كتاباتك ومذكراتك ورسائلك الخاصة والعامة فإنني أهديك كتابًا متواضعًا كان "الإهداء" فيه : إليهم .. في غياهب التيه ... وعلى الرغم من أن هذا " الإهداء" يتعلق بالأجساد أيها الصديق ، ولا علاقة لك به ... فأنت معنا ، وأنت بيننا، وأنت فينا ناثرًا وشاعرًا ومعلمًا .. أرجو أن يكون قد وصلك الكتاب قبل وصول رسالتي إليك ، والسلام عليك يا حسام .. السلام عليكم جميعًا بأسمائكم وأفعالكم ومواقفكم وتضحياتكم ... اصبروا أيها الأحبة .. إن الله مع الصابرين.
19/1/2008
Making the world a better place one message at a time. Check out the i'm Talkathon.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق