عزيزي المحرر
أ.عدنان السمان
www.samman.co.nr
رأيت من حقي أن أخاطب محرري الصحف والمطبوعات ، بعد أن كان الخطاب حكرًا على القارئ العزيز – عزيزي القارئ – مذ كانت الصحافة في هذه الديار العربية الفلسطينية منذ أكثر من مئة عام ،عندما صدرت في يافا أول صحيفة عربية تُكتب بخط اليد في العام الثالث من القرن الماضي ، ثم تكرّر إصدار الصحف والنشرات المطبوعة بعد ذلك في يافا ، وحيفا ، والقدس ،وعكا ، والناصرة ، و طولكرم ، وفي غيرها من مدن فلسطين ..ولقد كانت الصحافة – كغيرها من موجودات تلك الأيام – بدائيةً ، ثم تطورت ، لتصبح على ماهي عليه اليوم، بفضل القائمين على شؤونها في هذه الديار ، وبفضل كل ثمار هذه الثورة الصناعية العالمية ،ومخترعاتها المذهلة في شتى مجالات وسائل الطباعة والكتابة الإلكترونية ، وألوان الاختراعات ، ووسائل الاتصالات والمواصلات ، وثورة المعلومات .. نعم عزيزي المحرر .. رأيت أن أخاطبك، فأفكاري بين يديك .. أولادي بين يديك .. وأنت المؤتمن – عزيزي المحرّر – على مقال أودعته خالص محبتي لك يا ابن هذا الوطن الساحر الآسر الجميل ، وضمّنته كل معاني الوداد لك يا ابن هذا الشعب الأبيّ البهيّ النقيّ النبيل ، لأقول لك بلسان عربيّ مبين غير ذي عوج: لمساتك الفنيةُ سرُّ بهجة هذا المقال ، وسرُّ روعته وحلاوته .. فإذا لامست روعةُ الشكل وجودةُ الإطار روعةَ المكان "على الصفحة" وعنصرَ الزمان حين النشر دون " إخفاء " أو " إبطاء " كان الكمال .. والكمال لله .. إذا كان صاحب المقال من المبدعين المميَّزين فكرًا وأسلوبًا و رؤًى ، وإذا توافر للمقال ، سموُّ المضمون إلى جانب جمال الشكل من سلامة اللغة ، ورشاقة العبارة ، وقوة الخطاب ، ورصانة الألفاظ ، وإشراقة الديباجة ، وتدفق الصور ، وصدق العاطفة وتوهجها وتأججها وتألقها ، إلى جانب نبل الأهداف ، وسمو المقاصد والغايات والتوجهات ، وتوجيه الجهات ، ورفض الخنوع والخضوع والتبعية والمذلة وتعّدد الولاءات ، وكل ما هو آت آت .. فكن – عزيزي المحرر –كما ينبغي أن تكون :كن قطرة الماء ، ونسمة الهواء ، وبسمة الرجاء ، وحبة الدواء ، ولمسة الشفاء .. كن صيحة الإباء ، ورحمة السماء ، وموسم الشتاء ينزل فيه الغيث مدرارًا ، وتجري فيه المياه أنهارًا... "وبعد الليل يكون النور ، وبعد الغيم ربيع وزهور" .. وقد يكون صاحب المقال رجل قانون، أو علم ، أو عمل ممن لا يحسنون صناعة الكلام ، فليس أقل من أن نشد على أياديهم ،وليس أقل من أن نُنزل ما خصّونا به ، وائتمنونا عليه منزله دون إفراط أو تفريط ، عملاً بمبدأ تكافؤ الفرص ، وعملاً بضرورة احترام كل فكر خلاّق ، وعملاً بحرية القول والتفكير والتعبير.
واعلم – عزيزي المحرّر – أن جدلية العلاقة القائمة بين عناصر لمساتك الفنية مجتمعةً هي كجدلية العلاقة بين الشكل والمضمون في العمل الأدبيّ سواءٌ بسواء .. وإذا كانت العلاقة بين الشكل والمضمون – أو بين الإطار والمحتوى في النص الأدبي هي من مسئوليات الأديب ، وهي أيضًا من أسرار نجاحه أو فشله ، فإن العلاقة القائمة بين عناصر لمساتكم الفنية شكلاً وإطارًا ومكانًا وزمانًا هي أولاً وقبل كل شيء قضيةٌ حقوقيةٌ من الدرجة الأولى يلتقي فيها الخاص بالعام ، فهي ليست شخصية فقط ، وليست قضيةً عامة فقط ، وإنما هي مزيجٌ من هذا وذاك .. إنها حقٌ لصاحبها ، وهي حقٌ من حقوق هذا الوطن ، ومن حقوق مواطنيه .. وهي أيضًا قضيةٌ أخلاقية من الدرجة الأولى ، وقضية عدل وعدالة ومساواة .. ثم هي بعد ذلك كله ، أو قبل ذلك كله وسيلةٌ للحكم على حقيقة المجتمع، وطبيعة العلائق الاجتماعية والأخلاقية والسياسية التي تنتظم حياة الناس فيه ،وتعكس مدى ثقة الإنسان بنفسه ، ومقدار إيمانه بمبادئ الحق والخير والجمال ..
ولا أنسى " عزيزي المحرر " أن أقترح عليك العمل منذ اللحظة من أجل أن يكون لجماعة " المحررين " في البلد نقيب، بعد أن يشكلّوا نقابة ، لرعاية أمورهم أولاً ، ولتنظيم عمل هذه المهنة ثانيًا ، ولتوثيق حكاياتهم وطرائفهم مع الكتّاب .
31/10/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق