نسخة معدلة
متابعات
في هذا اليوم التاريخي رقصَ التاريخ !!
أ/ عدنان السمان
www.samman.co.nr
كيف لا يكون هذا اليوم الذي تحرّرت فيه أسيراتٌ ، وتحرّر فيه أسرى يومًا تاريخيًّا ؟ وكيف لا يرقص التاريخ على وقع هذه الموسيقى الشجية ، ورنّات هذه الزغاريد التي تشقّ أجواز الفضاء ، وتصدح بها أفواه شقيقات الأسيرات والأسرى ، وأمهاتهم ، وزوجاتهم ، وبناتهم ؟ وكيف لا يكون مشهودًا هذا اليوم التاريخي الذي قال فيه هذا الشعب كلمته ، وفرض فيه هذا الشعب إرادته ، ورقص فيه التاريخ رقصته ؟ هل من حقّي أن ألطم الخدود ، وأشق الجيوب ، وأذرف الدمع مدرارًا على مرأى ومسمع من جيران فرحين محتفلين مبتهجين ؟ وهل من حقوق الجوار والقربى أن أفسد على الناس فرحتهم في يوم انتصرت فيه القلة على الكثرة ، و فرض فيه المستضعَفون رأيهم ، وقالوا فيه كلمتهم ، وأثبتوا فيه للدنيا كلها أنهم الصادقون الأوفياء الأكفياء المؤتمنون على الرغم من كل عوامل الضعف والتمزق والتشرذم والحصار ، وعلى الرغم من لعبة ليّ الأذرع في ظروف صعبة غير متكافئة ، وعلى الرغم من كل صيحات السخرية والاستهزاء والاستخفاف والتشكيك ؟ وهل يليق بكائن من كان أن ينتقص من فضل أهل الفضل ، لأنه وحده الفاضل ، ولأنه وحده العامل ، ولأنه وحده المناضل ، ولأنه وحده المفوَّض بالحديث نيابةً عن المواطنين ، ونيابةً عن الأوطان ، ولأنه وحده القادر على الإتيان بما لم تستطعه الأوائل ؟!!.
لا يليق بي كإنسان ، ولا يليق بي كمواطن ، ولا يليق بي كعامل من أجل إحقاق حقوق هذا الشعب في الخلاص والتحرر والعودة وتقرير المصير أن أفرض وصايتي على الناس ، وأن أنفرد باتخاذ القرار ، وأن أفرض رؤيتي على غيري ، وأن أمارس الضغط على كافة الاتجاهات والتوجهات والقوى الوطنية والإسلامية والقومية ، وأن أعمل على محاصرتها ،واتهامها ، وعلى تنفير الناس منها ، وعلى ممارسة التغرير والتضليل وشراء الذمم لا لشيء الاّ لتكون كلمتي هي العليا !! ولتكون أفكاري وتصوراتي هي السائدة في المدارس والمساجد والكنائس والمعاهد والجامعات والمؤسسات والجمعيات والاتحادات والنوادي ، وفي كافة الأوساط السياسية والاجتماعية والثقافية والنقابية !!. لا يليق بي أن أسلك هذا السلوك ، ولا يليق بي أن أفعل شيئًا من هذا إذا كان صنع الإنسان الحر غايتي ، وإذا كان تحرير الوطن من الطغيان والعدوان والتبعية هدفي ، وإذا كان بناء الأوطان ، وإعلاء البنيان ، وكرامة الإنسان ، ووحدة كل أقطار العروبة والإسلام هي ما أطمح إليه ، وأصر عليه .
صحيحٌ أن الفرحة لم تكتمل ، وصحيحٌ أن في القلب ألف غصة وغصة ، وصحيح أن ما حصل في هذا اليوم التاريخي لم يرتفع إلى مستوى طموحاتنا ، ولم يحقق كل أهدافنا في تحرير كافة الأسيرات والأسرى ، وصحيحٌ أن آلاف الأسرى ما زالوا في السجون والمعتقلات ينتظرون ساعة الخلاص ، وصحيح أنه بعد عملية العام خمسة وثمانين لم يبق في سجونهم إلا ثمانية عشر أسيرًا أصبحوا مئتي أسير – على ما أذكر – عام ثلاثة وتسعين عند توقيع اتفاق أوسلو ، ليرتفع العدد بالتدريج إلى نحو عشرة آلاف في أعقاب الانتفاضة الثانية .. ولكن صحيح أيضَا أنه لم يكن بالإمكان أفضل مما كان ، وصحيح أيضًا أن تحرير أسير واحد خير من لا شيء ، وصحيح كذلك أن على من لم تعجبه صفقة شاليط أن ينجز خيرًا منها ، وأن على من له تحفظات عليها أن يأتي مشكورًا بما لا يستطيع أحد أن يتحفظ عليه ، أو يقلل من شأنه.. علمًا بأن الكمال لله وحده ، وعلمًا بأن العمل في تلك الأحوال البالغة الصعوبة والتعقيد التي عمل فيها أصحاب هذا الإنجاز كان كافيًا للدلالة على أنهم رجال الإرادة والعزيمة والإصرار ، وكان في حد ذاته شهادةً تفخر بهم وتفاخر في هذا الزمان الذي راجت فيه هذه الشهادات التي فقدت مضامينها ، وكانت إلى شهادات الزور والخداع أقرب .
ألا فليتق الله أولئك الواهمون الذين لا يريدون أن يعملوا ، ولا يريدون لغيرهم أن يعمل ، ظنًّا منهم أنهم قادرون على صنع عالم جديد ، وحياة جديدة باسمة رغدة لينة بالأمنيات والتمنيات والأحلام والأوهام ، وظنًّا منهم أنهم قادرون على فرض هذه الثقافة على الناس .. وليتق الله في أنفسهم ووطنهم أولئك الذين باتوا يعتقدون أنهم كل شيء ، وأن غيرهم لا شيء ، وأنهم هم الوطن الذي يصنعونه ويفصّلونه وفق هواهم ، وأن المواطن لن يكون إلا أداةً يحققون من خلالها أهدافهم وأمنياتهم وتطلعاتهم.. وليعلموا أن التاريخ لم يرحم جبانًا، ولم يغفر لمتخاذل ، والويل الويل لمن حلّت عليه لعنة التاريخ .
20/10/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق