عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


الخميس، ٦ تشرين الأول ٢٠١١

في ذكراها الثامنة والثلاثين:حرب أكتوبر لم تكن آخر الحروب

متابعات
في ذكراها الثامنة والثلاثين:حرب أكتوبر لم تكن آخر الحروب
أ.عدنان السمان
www.samman.co.nr
    أسماها المصريون حرب أكتوبر، وأسماها السوريون حرب تشرين، وأسميناها مثل كثير من  الأشقاء في بلاد العرب حرب العاشر من رمضان، وأسماها الإسرائيليون حرب يوم الغفران... وصف السوريون تلك الحرب بأنها تحريرية، وقال كثير من العرب إنها تحريكية، وقالت غولدامائير إنها تدميرية، وطلبت من وزير حربها موشيه ديان في بدايتها أن يوقع صك الاستسلام للعرب حتى لا يُباد شعب إسرائيل.. أما الرئيس المصري محمد أنور السادات الذي أطلق رصاصتها الأولى فقد وصفها بأنها اختراق عربي لحاجز الخوف مؤكدًا على أنها آخر الحروب، وأن هذه المنطقة لن تشهد حربًا بعدها... فهل حسمت تلك الحرب هذا الصراع العربي الإسرائيلي؟ وهل كانت تلك الحرب آخر الحروب في هذه المنطقة؟
    لقد قامت القوات المصرية في الساعة الواحدة والنصف من بعد ظهر يوم السبت السادس من أكتوبر (1973) بالرد على أعمال عسكرية إسرائيلية.. ولقد تمكنت من عبور قناة السويس، وتدمير خط بارليف الحصين، ومباغتة القوات الإسرائيلية التي تحتل شبه جزيرة سيناء والضفة الشرقية من قناة السويس منذ حرب حزيران من العام سبعة وستين وتسعمائة وألف، وتمكنت هذه القوات من نقل المعركة إلى ضفة القناة الشرقية، ومواصلة التقدم شرقًا في سيناء... كما تمكنت القوات السورية في ذلك اليوم من احتلال المواقع الإسرائيلية في جبل الشيخ، والتقدم في الجولان... أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد وقفت – كالعادة – إلى جانب إسرائيل.. وأما الاتحاد السوفياتي فقد وقف إلى جانب العرب.. وأما الأقطار العربية المنتجة للنفط فقد أوقف بعضها تصديره إلى الولايات المتحدة، وخفّض بعضها الآخر حجم الكميات التي يصدّرها منه.. وأما جبهتا القتال فقد شهدتا منذ ظهيرة السبت الواقع في السادس من تشرين الأول من العام ثلاثة وسبعين وتسعمائة وألف للميلاد الموافق للعاشر من رمضان من العام ثلاثة وتسعين وثلاثمائة وألف للهجرة وحتى الساعة السادسة والدقيقة الثانية والخمسين من مساء الإثنين 22/10 الموافق 26/ رمضان حربًا ضروسًا قبل أن تعلن الأطراف جميعها قبولها بوقف إطلاق النار استجابة لقرار مجلس الأمن رقم 338.. وإن كان القتال عمليًّا قد توقف في اليوم التالي... إنه، وعلى امتداد سبعة عشر يومًا من القتال الشرس على الجبهتين كان تاريخ جديد يُكتب، وحقائق جديدة تفرض نفسها على أرض الواقع.. ومقدمات طبيعية لما نحن فيه اليوم تتكون في رحم الغيب.. وتصاغ حيثياتها وتفصيلاتها في أروقة السياسة الدولية.. وتجد تعبيرًا لها في  قرارات مجلس الأمن الخاضع للسيطرة الأمريكية المطلقة أو الفيتو الأمريكي المنحاز الذي يحلّل حرامًا، ويحرّم حلالاً مذ كان مجلس الأمن وحتى يومنا هذا... ويحسن بنا قبل الخوض في نتائج تلك الحرب التي لم تكن آخر الحروب كما أُريد لها.. وقبل الخوض في الصلة العضوية الوثيقة التي تربط في العادة بين ماضٍ من الزمان وآتٍ.. يحسن بنا من باب الوفاء للأجيال التي لم تعش تلك الحرب، ولم ترها، ولم تسمع عنها أيضًا.. ومن باب تكثيف التاريخ كي يسهل تقطيره.. وكي تسهل رؤيته، ويصبح التزود به أمرًا في متناول اليد أن نختزل التاريخ في هذه العناوين والمانشيتات الحمراء التي طلعت بها "القدس" علينا طوال أيام تلك الحرب المحصورة بين السادس والثالث والعشرين من أكتوبر أقدّمها – معونةً للعاقل، وتذكرةً للغافل – كما يلي: اندلاع الحرب على جبهتي السويس والجولان. قوات مصر تعبر السويس، وقوات سورية تتقدم في الجولان. معارك برية وجوية وبحرية ضارية. إسرائيل تتوقع القتال عدة أيام. أميركا تفشل في سعيها لوقف الحرب، وتجري اتصالات عاجلة مع روسيا. احتمال عقد مجلس الأمن.
    الطائرات والدبابات تخوض معارك ضارية في الجبهتين. مجلس الأمن يجتمع مساء اليوم بطلب من أميركا. نيكسون يقطع إجازته ويعود إلى واشنطن.
    تصاعد القتال في الجبهتين. المصريون يضربون آبار النفط في سيناء، ويستعيدون القنطرة. إسرائيل تقصف بور سعيد.
    الحرب تزداد ضراوة ويتسع نطاقها. شلل مجلس الأمن نتيجة اختلاف الدول الكبرى. الطائرات الإسرائيلية تقصف دمشق، وحمص، ومواقع مصرية. عسكريون إسرائيليون يعترفون بالانسحاب وراء خط بارليف. سورية تستخدم صواريخ جديدة في المعركة.
    جسر جوي روسي لنقل أسلحة لمصر وسوريا. الأسلحة الأمريكية والروسية تتدفق على المتحاربين. اشتداد الغارات والمعارك الجوية، واستمرار تصاعد الحرب البرية.
    كيسنجر يخشى تحول المعركة إلى حرب نووية بين الكبار. احتدام المعارك في الجولان، واشتراك القوات العراقية لأول مرة في القتال. مجلس النواب الأميركي يُسقط قرار مجلس الشيوخ الداعي إلى انسحاب القوات العربية. حالة تأهب في حلف وارسو. تخفيض شحنات البترول السعودية عبر خط التابلاين.
    أميركا تقرر تزويد إسرائيل ببعض الأسلحة. القوات المتحاربة تلقي بثقلها في سيناء والجولان. حلف الأطلسي يعتبر قطع النفط العربي عملاً عدوانيًّا. احتجاجات عربية إلى أميركا على تجسس طائراتها على مصر، وتزويد إسرائيل بالسلاح.
    أميركا تعلن رسميًّا شحن أسلحة إلى إسرائيل. سيناء تشهد أعنف معركة منذ بداية الحرب (الجمعة 19/10) الجانبان المصري والإسرائيلي يدفعان إلى القتال بقوات ضخمة من الطائرات والدبابات. سلاح النفط يدخل المعركة: أبو ظبي تقطع النفط عن أميركا، والسعودية تخفّضه. الأسلحة تواصل تدفقها إلى المنطقة. اتصالات أميركية وروسية لوقف الحرب.
    القتال يبلغ ذروته في سيناء. ليبيا تقطع النفط عن أميركا. نيكسون يطلب رصد 2000 مليون دولار لمساعدة إسرائيل.
    السعودية تقطع بترولها عن أميركا. محادثات أميركية روسية في موسكو لوقف القتال. معركة المدرعات في سيناء تدخل يومها الرابع، واستمرار القتال العنيف. ورئيس الأركان المصري الفريق سعد الدين الشاذلي يتعهد بتدمير سلاح المدرعات الإسرائيلي.
    مجلس الأمن يقرر وقف النار، وبدء مفاوضات فورية. الأطراف المتحاربة تعلن التزامها بوقف القتال في الساعة السادسة والدقيقة 52 من مساء الاثنين 22/10 الموافق 26/ رمضان استجابة لقرار مجلس الأمن رقم 338.
    إنذار روسي إلى إسرائيل بسحب قواتها إلى خط وقف النار. استمرار القتال على جبهة السويس والجولان رغم قرار مجلس الأمن رقم 338 ومجلس الأمن ينعقد بطلب من مصر.
    مئير: لا عودة لحدود 4/ حزيران/ 1967.
    الجمعة 26/ 10 الموافق 1/ شوال: مجلس الأمن يقرر تشكيل قوة طوارئ دولية. كيسنجر: نأمل في أن تبدأ المفاوضات بين العرب وإسرائيل خلال أسابيع.
    خطوط عريضة لاتفاق روسي أميركي للسلام: إنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة مركزها القدس العربية. انسحاب إسرائيل من سيناء والجولان. مناطق منزوعة السلاح، وقوات سلام دولية.
    ولقد نصّ قرار مجلس الأمن رقم 338 على البدء فورًا بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242 بجميع أجزائه، وبدء مفاوضات فورية بين الأطراف ذات العلاقة تحت رعاية ملائمة تستهدف إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط.
    أما ما أوردته "القدس" في عددها الصادر يوم الأربعاء 31/ 10 الموافق 1/ شوّال فهو: وجوب انسحاب إسرائيل من المناطق المحتلة، وحق تقرير المصير للفلسطينيين.
    فهل انسحبت إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة؟ وهل قرر الشعب العربي الفلسطيني مصيره؟
    من المؤلم أن شيئًا من هذا لم يحصل.. ومن المؤلم أن إسرائيل لم تنسحب من الأراضي العربية المحتلة، وإن كانت قد انسحبت من "أراضٍ"  محتلة كما نص على ذلك القرار (242) ومن المؤلم أن تلك البداية الرائعة لحرب أكتوبر لم تسفر عن أكثر من توقيع اتفاقات "كامب ديفيد"، وتبادل السفراء بين القاهرة وتل أبيب.. ثم بين عمان وتل أبيب في وقت لاحق.. وتوقيع اتفاقات أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية.. هذه الاتفاقات التي أسفرت عن قيام السلطة الفلسطينية في غزة وأريحا، ثم دخولها إلى كافة المدن، وما تبع ذلك من تردي العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، ثم انهيارها، وتفجر الانتفاضة الثانية، وما أعقب ذلك من اجتياحات وحواجز وسيطرة إسرائيلية على كل شيء، وما كان من أمر الجدار وتدمير الحياة الفلسطينية، وتوقف المفاوضات، ثم نشوب هذه المعارك الدبلوماسية التي يصر الفلسطينيون من خلالها على إقامة الدولة الفلسطينية في حدود سبعة وستين، ورفض الإسرائيليين، ومعهم كثير من دول الغرب لهذا المطلب الفلسطيني، الأمر الذي يؤكد بما لا يدع أدنى مجال للشك على أن الإسرائيليين ليسوا جادين في التوصل إلى حلٍّ للقضية الفلسطينيّة يضع حدًّا لآلام الفلسطينيين، ويعيد إليهم حقوقهم التي ضمنها المجتمع الدولي، ونصّت عليها قرارات الأمم المتحدة... الإسرائيليون لا يريدون أكثر من حلول مرحلية يؤدي سابقها إلى لاحقها بعد أن يكونوا قد حققوا شيئًا من المكاسب، وتغيير شيء من الحقائق على الأرض... وهكذا حتى يتم لهم التوصل إلى ما يريدون.. وعلى الرغم من أن معرفة ما يريدون ليست من الأمور السهلة لأنها – في نظرهم – قضية مفتوحة متروكة للزمن كي يبت فيها على ضوء القوة الإسرائيلية والضعف العربي، والتشرذم الفلسطيني، وخنوع المجتمع الدولي، وانقياده للرغبة الإسرائيلية.. أقول: على الرغم من أن معرفة ما يريده هؤلاء ليست أمرًا سهلاً إلاّ أن المراقب المتتبع لسير الأحداث يستطيع أن يستنتج بناء على كل هذه المقدمات أنهم يريدون كل شيء.. وأنهم لن "يتنازلوا" للفلسطينيين عن شيء أي شيء من "أرض إسرائيل".. إلا إذا كان ذلك مرحليًّا يستعيدونه منهم بمرور الزمن... القضية الفلسطينية إذن هي قضية منتهية - من وجهة نظرهم – استبدلوها منذ أمد بعيد بقضية أرض إسرائيل، وشعب إسرائيل، وهؤلاء الأغيار الذين تقضي الأصالة والنقاء أن يتخلصوا منهم بقدر المستطاع، وكلما كان ذلك ممكنًا، وبالطرق السلمية الأكثر إنسانيةً والأقل ضجّةً لا بد أن يأتي اليوم الذي يستطيعون فيه أن يجدوا حلاًّ لموضوعهم في دول الجوار.. فإن لم يكن ذلك ممكنًا ففي الدول الأكثر بُعدًا والأكثر تبعيّةً.. وفي الدول البعيدة النائية التي تنسيهم جذورهم، وتلغي تاريخهم وثقافتهم، وتغير ملامح شخصيتهم إن بقي لديهم شيء من شخصية، وشيء من وجود أو مقومات... القضية الفلسطينية محلولة على هذا الأساس وهذا التصور.. وحق العودة استُبدل منذ أمد بعيد بحق عودة آخر يعني عودة "اليهودي" من كل أنحاء الدنيا إلى أرض إسرائيل.. لا عودة العربي الفلسطيني الذي اقتلع من جذوره عام ثمانية وأربعين إلى بلاده وأرضه وبيته الذي لم يعد له حق فيه بعد أن عاد لمالكه القديم العائد إليه من آخر الدنيا!! الفلسطينيون إذن لم يعودوا أصحاب حق في هذه الديار.
    بخروج مصر من دائرة الصراع في أعقاب حرب أكتوبر، وبموجب اتفاقات كامب ديفيد.. وبتوقيع اتفاقات أوسلو، والزجّ بفلسطين، والفلسطينيين، والقضية الفلسطينية في هذا الوضع الجديد الذي يمكن تسميته بالحالة الفلسطينية قررت أمريكا خلق حالة شبيهة في العراق... إمعانًا منها في إذلال العالم العربي، وتقطيع أوصاله، ونهب خيراته، وضرب ما كان يسمى بالعمق العربي لفلسطين... ثم ما يقال اليوم عن تقسيم العراق.. وإلغاء شخصيته العربية، وضرب انتمائه العربي.. كما كان احتلال أفغانستان قبل ذلك شبيهًا بهذا ولكن في العمق الإسلامي... خروج مصر من دائرة الصراع إذن بعد حرب أكتوبر  عزلها تمامًا عن الصراع العربي الإسرائيلي، ولم يُعد لها السيطرة على سيناء.. التي أصبحت دولية.. وأصبحت منتجعاتها كذلك.. وكل ما يقع على عاتق مصر هو حماية هذا الوجود الأجنبي المكثّف على أرض سيناء، وملاحقة المصريين وغير المصريين الذين يشكّلون تهديدًا لهذا الوجود الأجنبي على أرض مصرية... ولقد أدى هذا الخروج إلى ما أدى إليه من ضعف عربي، وانقسامات عربية.. كما أفقد العرب، وأفقد المسلمين، وأفقد فلسطين والفلسطينيين كثيرًا من تضامنهم وكثيرًا من خصائصهم، وكثيرًا من مقومات وجودهم.. ولئن كانت حرب أكتوبر آخر الحروب (كما قال الرئيس المصري السادات آنذاك) فقد حصل هذا بالفعل، ولكن على الجبهة المصرية فقط بخروج مصر من دائرة الصراع، وتخلي مصر عن دورها التاريخي في بلاد العرب منذ العام اثنين وخمسين.. ودورها التاريخي في فلسطين والقضية الفلسطينية.. وإعادة الحقوق إلى أصحابها عرب فلسطين.. هذه الحقوق التي لم تعد تعني شيئًا في هذه الأيام الموغلة في السوء.. المفرطة في التراجع والانحسار.. المنذرة بشر مستطير يغشى هذه الديار، وكل من في هذه الديار، ولسوف يصيب بأذاه وأضراره كثيرًا من الأقطار والأمصار من دول الجوار وغير دول الجوار... لا نتمنى هذا.. بل نحذّر منه بعد أن طفح الكيل، ووصل السيل الزبى.
    وبخروج مصر من دائرة الصراع بقيت سوريا التي عكفت منذ أن وضعت حرب تشرين التحريرية أوزارها على تحقيق التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل.. ذلك أن السوريين قد باتوا على قناعة تامة بضرورة الاعتماد على النفس في المواجهات المقبلة.. ولقد استوعب السوريون درسًا كبيرًا من دروس حرب العاشر من رمضان من العام ثلاثة وتسعين وثلاثمائة وألف للهجرة.. فإن ما حدث على الأرض في الدفرسوار.. وما حدث في كامب ديفيد.. وما كتبه الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس الأركان المصري وأحد أكبر العسكريين في العالم كله آنذاك.. كل هذا وكثير غيره قد حدا بالسوريين لاتّباع نهج جديد في التعامل مع الحوادث والأحداث في هذه المنطقة من العالم.. لقد حرصت سوريا على تمتين علاقتها بروسيا.. كما طوّرت علاقتها بإيران.. وأقامت أقوى الصلات وأوثقها مع كل العرب الوحدويين في لبنان الذي لم يكن في الماضي، ولن يكون في الحاضر والمستقبل أكثر من الخاصرة اليمنى للقطر العربي السوري.. ولم يكن ولن يكون إلا أرضًا عربية سورية، وجزءًا لا يمكن أن يتجزّأ من بلاد الشام.. ولم يكن في يوم من الأيام إلا شقيقًا جميلاً وجارًا حبيبًا، ورديفًا شريفًا لفلسطين والفلسطينيين.
   إنه وفي الوقت الذي يعتقد فيه كثير من العرب، وكثير من المسلمين، وكثير من الفلسطينيين واللبنانيين والمصريين والسوريين بضرورة أن تنجح ثورة الخامس والعشرين في مصر، وبضرورة أن تنجح ثورة الياسمين في تونس، وبضرورة أن ينتصر النهج العربي العروبي التحرري في كل بلاد العروبة، وبخاصة في هذه المناطق البالغة الحساسية منها، وفي الوقت الذي يعتقد فيه كثير من المراقبين، وكثير من المحللين السياسيين والعسكريين بوجوب أن يعمل الناس جميعًا في هذه المناطق من أجل وحدة الصف، ووحدة الكلمة، ووحدة الهدف، ومن أجل حشد الطاقات والإمكانات وصولاً إلى تحقيق أهداف هذه الأمة في الوحدة والحرية والتحرر ووضع حد لكل هذه التعديات والتحديات، ولجم هؤلاء المعتدين علينا الطامعين في أوطاننا المجترئين على شعوبنا، وعلى حقها المقدس في العيش الحر الآمن الكريم في ديارها، وفي الوقت الذي ينبغي فيه أن تنتصر إرادة المجتمع الدولي في وضع حد لمعاناة الشعوب، وفي وضع حد لتشردها وضياع حقوقها، وفي الوقت الذي ينبغي فيه أن يستفيق الضمير، وأن يعود المشردون إلى ديارهم كي يختفي شبح الحروب ويسود السلام ربوع هذا الكون نجد أن ما يحدث هو عكس ذلك، ونجد أن ما يحدث هو إصرار كل قوى البغي في هذا العالم على الإمعان في قهر الشعوب، والعدوان عليها، ونهب خيراتها وثرواتها، ومصادرة حرياتها، وغزو أوطانها، وتشريد إنسانها، وتدمير بنيانها، ونجد أن هذه القوى تصر على مزيد من التدخل في الشأن العربي، ومزيد من إثارة الفتن في كثير من أقطار العروبة، وعلى مزيد من العدوان على العرب، وعلى مزيد من ممارسة كافة أشكال النهب والسلب، وفرض السيطرة على هذا الوطن العربي من المحيط إلى الخليج.. قوى البغي والطغيان هذه تصر اليوم على تجزئة المجزأ، وتفتيت المفتت، وفرض سيطرتها المطلقة على كل شعوب هذه المنطقة حتى لا تقوم لها قائمة في يوم من الأيام.
   إن هذه المنطقة من العالم، وهي تشهد هذه الأحداث الجسام التي ترقى إلى مستوى الحروب الأهلية في بعض أقطارها مرشحة لمزيد من الكوارث والحروب، لسبب بسيط هو أن قوى العدوان لن تتمكن من حسم الأمور لصالحها، ولن تتمكن من إخضاع شعوب هذه المنطقة، ولن تتمكن من فرض سيطرتها على أمة العرب على الرغم من امتلاكها كثيرًا من مصادر القوة، وكثيرًا من الأتباع والأعوان في هذا الوطن العربي.. وإن هذه المنطقة من العالم ستشهد مزيدًا من المعارك والحروب وأعمال العنف والعنف المضاد إلى أن تنتصر إرادة الحياة، وإلى أن تحقق الشعوب أهدافها وغاياتها في الاستقلال والحرية والخلاص، وإلى أن يهزم الطغاة المعتدون، ويعود السيف إلى قرابه، والحق إلى نصابه، والأسد إلى عرين غابه.
   إن عودة الشعب العربي الفلسطيني إلى دياره التي أُخرج منها.. وقيام الدولة الفلسطينية في كامل الأرض المحتلة منذ عام سبعة وستين وعاصمتها القدس العربية.. قد يكونان أساسًا صالحًا لصنع سلام ترضى عنه الأجيال في هذا الجزء من العالم.. وإن بناء نظام عربي سياسي تحرري متزنٍ متوازن يلبي احتياجات أمة العرب، ويلبي احتياجات أجيالها الصاعدة وطموحاتها في حياة عصرية متطورة، ويضع في اعتباره كافة حقوق المواطن، وكافة حقوق الإنسان في هذا الوطن العربي الكبير قد يجعل من حرب أكتوبر -موضوع الحديث- آخر الحروب.
6/10/2011
 
 
 
 
 
 

ليست هناك تعليقات: