متابعات
انفلات أخلاقي وتربوي
أ.عدنان السمان
www.samman.co.nr
ما إن ظهرت نتائج الثانوية العامة بعد طول ترقب وانتظار ، حتى رأيت كل هذه الجموع في كافة مجتمعاتها وتجمعاتها ، وعلى اختلاف أحجامها ومقاساتها ومستوياتها وهي تنطلق من عقالها ، وتخرج من حالة الخوف والانكماش والاضمحلال إلى حالة أخرى مغايرة ، فيها من أوجه الانفلات والفلتان الأخلاقي ، والإفلاس التربوي ما فيها ، وفيها من ألوان الغباء والوقاحة والعدوان على الناس ما فيها ، وفيها من صور التبذير والتخلف والهيجان ما فيها ، وفيها من أشكال التسيب ما يندى له الجبين ، وتضطرب له جوانب النفس ، وتبكي له حبات الأفئدة حزنًا على ما آلت إليه أحوالنا ، وأسًى لما أضحت عليه أوضاعنا في هذا الجزء المضيع المكبَّل المستباح من أرض أولئك الآباء والأجداد الذين افتدَوه بالمهج ، وشرَوه بالأرواح .
انطلق أولئك المنطلقون المنفلتون يصرخون ويطبلون ويزمرون وينعقون ويطلقون الألعاب النارية حتى ساعات متأخرة من الليل ، وكم كان مؤلمًا سقوط الضحايا ، وكم كان مؤلمًا أيضًا سقوط تلك الأعداد من الجرحى ، وكم كان مؤلمًا كذلك حلول كل هذه الفوضى ، وكل هذا الفلتان ، وكل هذا الإنفاق غير المشروع على تلك الألعاب النارية التي تصدّرها المستوطنات ، ويصدّرها المستوطنون لسكان هذه المعازل والتجمعات السكانية الذين فقدوا صوابهم ، وأثبتوا بالدليل والبرهان أنهم ليسوا أهلاً للمكارم، وليسوا أهلاً للنجاح ، وليسوا أهلاً لحياة الحرية ، وليسوا أهلاً لأدنى صور الاحترام .
غريب أن يعبر هؤلاء عن فرحتهم بالإزعاج والفوضى والتسيب ، وعجيب أن يبالغوا في مشاعر التحدي والاستفزاز لمن لم ينجحوا من أقاربهم وجيرانهم وأبناء معازلهم وتجمعاتهم ، ومريب أن ينفقوا كل هذا المال في أوجه الإزعاج والفلتان والأذى في الوقت الذي يشكو فيه الناس في هذه الديار من الإفلاس ، ويشكون فيه من الفقر ، ويشكون فيه من نكد العيش ، ومرارة هذه الحياة ، وفي الوقت الذي يقبع فيه الآلاف من أبناء هذا الشعب في السجون والمعتقلات ومراكز التوقيف والتحقيق والاعتقال ، وفي الوقت الذي تصادر فيه أرضهم في كل يوم ، وتهدم فيه بيوتهم في كل يوم ، وفي الوقت الذي يُضيَّق فيه الخناق عليهم في كل يوم .
لم يسأل أحد منا نفسه في يوم كهذا ، أو في أيام كهذه ، عن أحوال التعليم في البلد ، ولم يسأل أحدٌ أحدًا عن أوضاع الخريجين والخريجات ، وعن فلسفة التعليم العالي وغير العالي في هذه الديار ، ولم يفكر أحدٌ منا في حلولٍ لكل هذه المشكلات التي تعصف بنا في هذه الديار ، ولم يفكر أحد في الوسيلة أو الوسائل التي من الممكن أن نرفع بها من مستوى المعلم والمتعلم والعملية التعليمية التربوية في بلادنا ، ولم يسأل أحد نفسه عن المصير الذي ينتظرنا في ظل كل هذه التراكمات ، وفي ظل كل هذا الفشل ، وفي ظل كل هذا الانحلال والفلتان ، وفي ظل كل هذه الإخفاقات التي تلون أوجه حياتنا اليومية ، وتهدد مصيرنا على أرض وطننا بالويل والثبور وعظائم الأمور .
لقد آن لأولياء الأمور ، وللمربين ، ولموجهي الرأي العام ، ولمن يعنيهم أمر البلاد والعباد أن يقولوا كلمتهم في هذا كله ، ولقد آن لهم أن يوضحوا لهؤلاء الناس كيف من الممكن أن تكون الفرحة ، وكيف يكون الغضب ، وكيف يكون العمل من أجل إنقاذ الوطن والمواطن والعملية التربوية من الضياع .
26/7/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق