متابعات
مقام النبي يوسف..!!
أ.عدنان السمان
يقع مقام النبي يوسف في حيٍّ من أحياء مدينة نابلس مأهولٍ بالسكان العرب الفلسطينيين هم أهالي قرية بلاطة سابقًا _حي بلاطة البلد حاليًّا_ منذ توسّعتْ مدينة نابلس خلال العهد الأردني، وضمّت هذا الحي ليصبحَ أحدَ أحيائها القريبة بعد أن تجاوزه البنيان شرقًا منذ عشرات السنين، كما ضمّت قرية رفيديا التي أصبحت اليوم واحدًا من أرقى أحياء المدينة من الناحية الغربية، وكذلك فقد تجاوز البنيان هذا الحي إلى مسافات بعيدة في الاتجاه الغربي... وهذا المقام تحيط به ثلاث من أكبر مدارس المدينة، ويربو عدد طلبتها على ألفين من الطالبات والطلاب.. ثم إن هذا المقام يقع في موقع متوسط بين شارعي عمان والقدس، إضافة إلى الشارع الذي يمرّ بمحاذاته تمامًا، ويؤدي إلى مخيم بلاطة، والمنطقة الصناعية، وسوق الخضار المركزية، والمسلخ البلدي، وعشرات القرى الشرقية القريبة جدًّا من المدينة، وتعتبر من ضواحيها... ويتجه شمالاً حيث يلتقي شارع عمان المؤدي إلى أحياء سكنية كثيفة منها عراق التايه، ومخيم عسكر الجديد، وعسكر القديم، والمساكن الشعبية الشرقية... وباختصار شديد فإن هذا المقام يتحكم في أكثر مواقع المدينة أهمية وخطورةً وكثافة سكانية.. ونريد من هذا كله أن نقول: إن تردد عشرات الجنود والمستوطنين المتعصبين على هذا المكان، ووجودهم بداخله، وفي ساحاته، واحتفالاتهم وصلواتهم فيه بدعوى أنه مكان يهودي مقدس يعود للنبي يوسف الصديق، وإقامة مدرسة دينية في هذا المقام، وإصرار الإسرائيليين على اعتباره تراثًا يهوديًّا.. نقول: كل هذه أسبابٌ كافيةٌ لإثارة التوتر في المنطقة، فهؤلاء المتطرفون اليهود يقيمون احتفالاتهم التي قد تمتد إلى ساعات الصباح الأولى مسببين بذلك إزعاجًا لكل سكان هذه المناطق فضلاً عن المضايقات التي يسببونها للمواطنين، وهي مضايقات متعمدة، وتحديات ليس لها ما يسوغها كما يقول كل الناس، وكما يعرفون هم أنفسهم ذلك أيضًا.
فلماذا يتواجد هؤلاء في هذا المكان إذن؟ هل يتواجدون فيه للعبادة؟ وهل العبادة تعني السيطرة العسكرية، والتعرض للآخرين، والإساءة إليهم، وإزعاجهم؟ ثم إن كل من يزور هذا المقام، بل إن كل من يعرف هذا المقام قبل أن يستولي عليه هؤلاء لا يشك لحظة في أنه مسجد إسلامي فيهِ محراب للصلاة.. وأنه إنما سمي باسم نبي الله يوسف تيمنًا بهذا النبي الذي يؤمن به المسلمون، وتكريمًا له على غرار المقامات الكثيرة المنتشرة في فلسطين والتي تحمل أسماء كثير من أنبياء الله، ولقد أفردَ القرآن الكريم سورة من سوره لهذا النبي الذي يحبه المسلمون، ويتعاطفون مع سيرته كل التعاطف، كما يحبون كل أنبياء الله دون استثناء.. ولكن هذا لا يعني أن سيدنا يوسف قد دُفن في هذا المكان على الإطلاق، ولا يعني أيضًا أنه دُفن في الحرم الإبراهيمي في الخليل، فالمعروف والمُتّفَق عليه لدى جميع أتباع الديانات أن يوسف الصديق قد عاش في مصر، ومات فيها أيضًا، وأنه قد دُفن في مياه النيل، وهذا معناه أن القبر الموجود داخل هذا المقام ليس قبر يوسف الصديق أبدًا، ثم إن البنّائين والمهندسين، وكل علماء الآثار يقولون إن عمرَ البناء (المقام) لا يتجاوز مئتي عام، لا ألفي عام كما يقول بعضهم.. من هذا كله، وكثير غيره نستخلص أنه لا علاقة لهم بهذا المكان أبدًا لا من قريب ولا من بعيد.
لقد أخذ اليهود بالتردد على هذا المقام بعد حرب حزيران عام سبعة وستين، وذلك في المناسبات، والأعياد تحت الحراسة العسكرية، ومما تجدر الإشارة إليه أنهم كانوا يزورونه أيضًا قبل قيام الدولة العبرية عندما كان اليهود الفلسطينيون طائفةً لها حقوقها مثل كل الطوائف والأقليات.. نعم كان بعضهم يتردد على هذا المقام شأنه في ذلك شأن المسلمين من أهالي نابلس الذين كانوا يقصِدونه للاستجمام وللوفاء بالنذور، وللاحتفال بقصّ شعر صبيانهم أيضًا.. وبعد ذلك، وتحديدًا في عام (1976) ستة وسبعين وتسعمائة وألف أقام الإسرائيليون نقطة عسكرية تعمل ليلاً نهارًا على سطح هذا المقام، ثم أعلنوه في عام (1986) ستة وثمانين وتسعمائة وألف مدرسة دينية يهودية، وكانت سلطات الاحتلال العسكري الإسرائيلي قد فصلت القيّم على هذا المقام في العام (1983) ثلاثة وثمانين وتسعمائة وألف، إذ كان السلطان عبد الحميد قد سلّم مفاتيح هذا المقام إلى عائلة الشيخ فيّاض عبد الله من قرية بلاطة، وأشرفت هذه العائلة الطيبة على هذا المقام تحرسهُ وتنظفهُ وترعاهُ طيلةَ خمسة وتسعين عامًا.. وفي عام (1990) تسعين وتسعمائة وألف أقاموا فيه نواةً استيطانيةً بتواجدٍ عسكريٍّ دائم، وفي العام (1991) الحادي والتسعين وتسعمائة وألف أغلقوا محرابَ هذا المسجد بالإسمنت المسلّح بهدف تغيير معالمه.. ثم كان ما كان من كبار الحوادث والأحداث بعد اتفاقات أوسلو.
هذا هو مقام النبي يوسف، وهذه هي قصتهُ جَغرافيًّا وسكانيًّا وتاريخيًّا ودينيًّا، فلماذا كل هذه الضجة، ولماذا افتعال الأزمات والمشكلات، ولماذا كل هذه التجاوزات والاعتداءات والتعدّيات، ومداهمة الأحياء السكنية في منطقةٍ يقولون إنها للطرف الآخر؟
يقول السكان في نابلس إن أشد ما نخشاه هو أن يخلقوا لنا وضعًا مماثلاً للوضع في الخليل استنادًا إلى هذه المعتقدات التي يتذرعون بها وصولاً إلى تنفيذ أهدافهم في تكريس احتلالهم، وتجذيرِ وجودهم غير المشروع على أرضِ هذا الوطن.
4\7\2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق