متابعات
السيد رئيس التحرير
صفحة الرأي للعروبيين.. لا للشعوبيين!!
أ.عدنان السمان
www.samman.co.nr
قد لا يكون من حقي أن أتدخل في صلاحيات رئيس التحرير، وقد لا يكون من حقي أن أعترض على تصرفاته وممارساته وإجراءاته التي تنصّ عليها تلك الصلاحيات صراحةً، أو تشير إليها ضمنًا، أو لا تنصُّ عليها، أو تشير إليها.. وإن كان من حقي أن أكون راضيًا عن تلك الممارسات والإجراءات، أو غير راضٍ في حدود الحوار الصامت مع النفس، والحوار الهادئ مع الذات، ومع من يعنيهم الأمر، لأسباب ترفضها في كثير من الأحيان ضرورات التقييم والتقويم، وتقتضيها طبيعة الارتقاء بالعمل وتطويره والنهوض به، والحكم عليه سلبًا أو إيجابًا، مع إمكانية بذل شيء من جهد لتخليصه من شائبة هنا أو هناك، كلما كان ذلك ممكنًا، وكلما دعت لذلك ضرورة الحرص على العمل، وضرورة الحرص على استمراره، وضرورة الحرص عليه سليمًا معافًى قادرًا على حمل هذه الرسالة لأجيال هذا الوطن، وخدمة هذه الأجيال، وقضاياها المصيرية العادلة، وطموحاتها وتطلعاتها جيلاً بعد جيل.
ليس من حقي أن أتدخل فيما لا يعنيني، ولم يسبق لي أن تدخلت، وإن كان من حقي أن أعترض على أي إجراء يتخذ ضدي، وعلى أي إجراء يُتخذ ضد حرية الرأي، وحرية القول، وحرية التفكير، وحرية التعبير.. ليس من حقي أن أتدخل فيما لا يعنيني، هذا صحيح، ولكن من حقي أن أتدخل، وأن أصرخ بملء صوتي أيضًا عندما يحاول أن يحدد لي مكانتي مَن هم دوني، وعندما يحاول صغيرٌ أن يتحكم بالكبير، وعندما يتدخل المتدخلون للتحكم بالناس، وفرض الوصاية عليهم، والتحكم بأرزاقهم وأعناقهم ومكتسباتهم والتضييق عليهم، لا لشيء، إلا لأنهم يرفضون أن يكونوا جزءًا من هذه الزفّة الإعلامية الضالة المضلِّلة التي تستهدف كل ثوابت هذه الأمة، وكل قضاياها العادلة، وكل منطلقات ثقافتها ومقومات شخصيتها، ومرتكزات هذه الشخصية التي وقفت بالمرصاد لكل العابثين الطامعين بنا المجترئين علينا على مر العصور والدهور.. ولا لشيء إلا لأنهم يرفضون الاستجابة لكل هذه الادعاءات والمزاعم التي تحاول دون وجه حق أن تزور الحقائق، في محاولة يائسة بائسة مكشوفة لإدانة الأحرار الشرفاء الذين يقفون بقوة وعناد وصلابة في وجه مشاريع أولئك الحالمين بفرض سيطرتهم على كل هذه الديار، وإقامة مشروعهم عليها.
لو لم يتعلق الأمر بي، ولو لم تمسّ هذه الإجراءات مكانتي وكرامتي وفكري الذي شكّلته على مر الأيام بتجاربي التي كثيرًا ما أوردتني مهاوي الردى أو كادت، ولو لم أُوقِن أنني مستهدفٌ لحملة ظالمة غريبة عن معتقدات هذا البلد وثقافته وقناعاته وثوابته، لولا كل ذلك لما اعترضت، فلست من الذين يتدخلون في شؤون الآخرين والأخريات، ولست من الذين يحبون افتعال الأزمات، وإنما من المؤمنين بحق الناس جميعًا في التفكير، وفي إبداء الرأي، وفي فتح المجال أمام الناس بعد ذلك كي يختاروا، وكي يقرروا، وكي يقولوا كلمتهم في كل هذه المسائل المتعلقة بهم، وبقضاياهم، وبمصائرهم، ومصائر أجيالهم وذراريهم على تراب وطنهم الذي افتدوه ويفتدونه بالمُهَجِ والأرواح.
لا أقول هذا مكابرًا أو مزايدًا، ولا أقوله طامعًا أو رافعًا سقفَ مطالبي، وإنما أقوله باكيًا هذا الظلم الصارخ الذي وقع عليَّ، شاكيًا هذا التدخل الذي لم يكن وراءه سوى سياسة الإقصاء والإحلال التي عانيناها، ولا نزال، والتي بتنا نشعر معها أنها تبذل جهدًا لم يسبق له أن بُذِل، من أجل الانتقال بهذه الديار، وبغير هذه الديار إلى المرحلة النهائية التي يشعر معها كل أولئك وهؤلاء أنهم قد أطبقوا على خناق هذه الأمة، وأنهم قد حققوا مآربهم وأهدافهم في السيطرة عليها، والتحكم بإنسانها كما يريدون.
إنني أفهم أن صفحة الرأي إنما تكون للعربي في بلاد العرب، وأنها إنما تكون للأمريكي في أمريكا، لا أن تكون صفحة الرأي هنا صدًى لما يريدونه هناك مهما كانت الذرائع والأسباب، ومهما كانت الحُجَج التي يحتجُّ بها أصحاب هذا الاتجاه والتوجّه، ومهما كان إصرارهم على هذا التوجه والاتجاه.. صفحة الرأي هنا لكل أهل الفكر والرأي من أبناء هذا الوطن وبناته، وعلى رأس كل هؤلاء الأبناء العروبيون منهم.. أما الشعوبيون الذين ارتضَوا لأنفسهم أن يكونوا صدًى للآخرين، وعصًا في أيديهم ففي ذيل هذه الصفحة، وفي ذيل الصفحات الأخرى النائية التي قد لا ترغب الأعين في رؤيتها.. أما أن تُعكَس الأوضاع، ويتعرض العروبيون في وطنهم للتطفيش والتهميش والتقزيم والتحجيم والاقتلاع والتهجير فهذا أمر أكثر من مرفوض.
لقد عانينا في هذه الديار من التمييز، ومن العنصرية، ومن الوساطات، والمحسوبيات، ومن الدكاكين الكثيرة على اختلاف ألوانها، ومن تدخل المتدخلين والمتدخلات، والمستفيدين والمستفيدات، ومن الراقصين على الحبال والراقصات، ومن اللابسين لكل معركة لبوسَها.. ولكننا لم نرضخ، ولن نرضخ، ولم نستسلم، ولن نستسلم، ولم نَهُن يومًا، ولن نهون.. بل إن كل هذه التجارب الأليمة، والمرارة الدفينة، لم تزدنا إلا إصرارًا على التشبث بالحقوق، ولم تَفُتَّ في سواعدنا، بل زادتنا إيمانًا بأن الوطن لكل أبنائه، ومطبوعاتُهُ لكل أبنائه، وصفحة الرأي في مطبوعاته جميعًا ينبغي أن تكون للعروبين من أبنائه، لا للشعوبيين الذين يعادون هذه الأمة، ويتربصون بها الدوائر.
وبعيدًا عن التوتر والتشنج والانفعال أقول: لا للتعنْصُر والمحاباة والتمييز والفئوية البغيضة.. لا للاستخفاف بمن لا تستهويهم هذه الزفّة الإعلامية المغرضة الموجَّهة.. لا لكل هذا التجييش الإعلامي الذي لا يبتغي سوى قلب الحقائق، والترويج لمشاريع الغرب بشقيه على كل أرض العرب.. لا لكل أساليب التعتيم الإعلامي، والعبث الإعلامي، ولكل محاولات طمس الحقائق، وتزوير الوقائع خدمةً لكل أولئك وهؤلاء.. نعم لاحترام عقول الناس وأفكارهم، ورغبتهم في العيش الحر الآمن الكريم على أرض وطنهم بعيدًا عن التبعية، وبعيدًا عن كل صور الفساد والإفساد والتنكر لإرادة الشعوب، ورغبتها في العيش بحرية وأمن وأمان واستقرار واستقلال سياسي واقتصادي وثقافي واجتماعي في أوطان حرة عزيزة سيدة مستقرة مستقلة تقول لا بملء فيها لكل محاولات البغي والاستبداد والاستعباد والعدوان، فهل هذا من حقنا؟ وهل من حقنا أن نعبّرَ عن هذا في صحافتنا التي يُفتَرض أنها منبر هذا الشعب، ومنبر هذه الكوكبة من مثقفي هذا الشعب وإعلامييه وصحافييه وكتّابه ومفكَريه؟ نرجو ذلك.
مع فائق التحية والاحترام.
9\7\2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق