عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


السبت، ١٥ آب ٢٠٠٩

متابعات

الحركات الإسلامية المسلحة.. منطلقات وتحديات

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr  

 

 لماذا لا تقوم منظمة المؤتمر الإسلامي، وجامعة الدول العربية، ومراكز البحوث والدراسات في العالم العربي بدراسة جادة لهذه الحركات الإسلامية المسلحة في كثير من البلدان العربية والإسلامية؟ ولماذا لا تقوم هذه الجهات بدراسة جادة لأحوال العرب والمسلمين، لمعرفة مدى العلاقة بين هذه الأحوال وظهور هذه الحركات المسلحة؟ ولماذا لا تقدم هذه الجهات حلولاً عملية لهذه الأوضاع التي تحياها الأمة العربية الإسلامية في سائر ديار العروبة والإسلام؟ لماذا لا تقوم بتشخيص الداء ووصف الدواء؟ لماذا لا يبدي المسئولون العرب والمسلمون اهتمامًا أكبر بما يجري في بلدانهم، وبما تعاني منه شعوبهم؟ وإلى متى ستبقى الأمور هكذا: في كل يوم قتلٌ، وتشريدٌ، وتدمير، ودماء، وجوع، ورعب، واضطهاد، وفوضى شاملة، وتشرد في كثير من ديار العروبة والإسلام؟ وإلى متى ستستمر هذه الأحوال؟ ومن المستفيد؟ وأين هي مصلحة العرب، ومصلحة المسلمين في هذا كله؟ إذا لم يكن للعرب وللمسلمين مصلحة في كل أعمال العنف وسفك الدماء، وفي كل ألوان الموت والدمار التي تغشى البلاد والعباد؛ فلماذا تستمر مثل هذه الحركات في الظهور والعمل؟ ولماذا لا يتوصل المسئولون في ديار العروبة والإسلام إلى تفاهمات مع قادة هذه الحركات؟ ولماذا لا يفتحون قصورهم وقلوبهم للحوار المسئول الذي من شأنه أن يضع النقاط على الحروف، بتخليص الناس مما هم فيه من عذاب وموت وجوع وخوف واضطراب؟ أليس المسئولون الرسميون وقادةُ هذه الحركات المسلحة إخوةً وشركاءَ متساوين في كل بلاد العرب والمسلمين؟ وإذا كانوا كذلك، فلماذا لا يتفاهمون، ولماذا لا يتوصلون إلى حلول تحفظ للبلاد حريتها وخلاصها من الغزاة الطامعين، وتحفظ للشعوب كرامتها وعزتها وخلاصها من الاستعمار والمستعمرين؟ إذا كانت هذه الحركات الإسلامية المسلحة تريد إحقاق حقوق، وحماية أوطان، والتصدي لمعتدين غاصبين اغتصبوا البلاد، وأهلكوا العباد؛ فلماذا لا تلقى التأييد والمؤازرة من كل من يعنيهم الأمر في عواصم العروبة والإسلام؟ وإذا كان المستعمرون والغزاة في أغلب الأحوال بحاجة إلى من يستندون إليه، ويعتمدون عليه في حُكم البلاد وإذلال العباد، فلماذا يسمح هذا النفر من أولي الأمر لنفسه أن يكون الغطاء والسند لهؤلاء الطامعين العابثين؟ ولماذا يسمح هذا النفر من أولي الأمر لنفسه أن يمنح الشرعية لغريب جاء لتخريب البلد، ونهب ثرواته وخيراته، وإذلال إنسانه؟ هذا النفر من أولي الأمر يعلم يقينًا أن هذه الحركات على حق فيما تقول، وأنها على حق فيما تفعل بالرغم من كل الأخطاء التي قد تقع فيها، ومع ذلك فإن هذا النفر هو الذي يتصدى لهذه الحركات، وهو الذي يلاحقها، ويشدُدُ عليها، ويكن لها العداء أكثر من مخدوميه الذين تربطه بهم معاهدات واتفاقات ما كان لها أن تُعقد أو تُبرم، لأنها انطوت على أكثر من الإهانة، لكل تلك الأوطان، وعلى أكثر من الإساءة لكل تلك الشعوب التي وجدت نفسها أكثر من مضطرة لحمل السلاح على كره منها دفاعًا عن النفس، ودفاعًا عن كرامة البلد وحريته.

     ودول الغرب.. ما موقفها من هذا كله؟ ألم تأخذ هذه الدول العبر والدروس المستفادة من تجاربها السابقة في ديار العروبة والإسلام؟ ألم تخرج هذه الدول صاغرة من معظم بلاد العرب والمسلمين؟ ألم تُهزم أمام المقاومة الشعبية، والأنظمة الرسمية المتحررة في كثير من هذه الأقطار؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا يصر هؤلاء على العودة بهذه الديار إلى عهود الظلام في القرون الوسطى، وإلى عهود الغزو المسلح في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين؟ وإذا كانت الأنظمة العربية التي راهن عليها الغربيون آنذاك قد فشلت في منحهم الشرعية، وسقطت بسقوطهم، أو سقطوا بسقوطها، فلماذا يعيدون الكرّة الآن؟

    ودول الشرق أيضًا.. ما موقفها من كل هذه المجازر التي تحصد في كل يوم كثيرًا من أرواح الأبرياء في ديار العرب والمسلمين وغير المسلمين؟ ألم تقتنع هذه الدول بعد أن بإمكان الشرق أن يتخلص من تدخل الغربيين، ومن اعتداءاتهم على كل أقطار الشرق، ومن أطماعهم في ثرواتها؟ وإذا كانت مقتنعة –وهي كذلك- فلماذا لا تقف موحَّدةً، أو شبه موحدة في وجه الغرب الطامع في الشرق؟ وإذا كانت هذه الدول تشكو من تبعية كثير من الأنظمة في بلاد المسلمين والعرب لهؤلاء الغربيين؛ فلماذا لا تتوحد هذه الدول الشرقية أولاً؟ وما الذي يمنعها من ذلك على الرغم من كل مقومات هذا التوحد، وعلى الرغم من كل أسبابه القائمة؟ أليست المبادئ والمعتقدات كافيةً لصنع وحدة اندماجية بين كثير من دول الشرق؟ أليست التجارب السياسية والاجتماعية والاقتصادية المشتركة كفيلةً بتخليص تلك الدول من أخطائها وتناقضاتها؟ أليست الأفكار والثقافات المشتركة كافية لصنع تقارب بين تلك الدول يرقى إلى درجة الوحدة الاندماجية في السياسة الخارجية على الأقل؟ وإذا لم تكن كل هذه العوامل والمقومات كافيةً لبناء شرق واحد متماسك قوي عَصِيٍّ على الغزاة والطامعين؛ فلماذا لا تؤدي التهديدات الغربية للشرقيين في عقر دارهم إلى وحدة كهذه، وإلى بناءٍ قوي متين كهذا؟ وإذا كان من خلل في هذه المعادلات، وفي هذه الحقائق المؤلمة القائمة على الأرض في عمق الشرق الآسيوي فأين يكمن هذا الخلل؟ أتُراه في علاقات موسكو ببكين، أم في علاقتهما بالإسلام والمسلمين؟ وإذا كان الخلاف واضحًا وقائمًا بين الشيوعية والإسلام، فإن الطرفين كليهما مطالبان بالوقوف معًا في وجه التدخل الغربي، والاستفزاز الغربي، والعدوان الغربي على الناس في تلك المنطقة من العالم، وكذلك فإن الطرفين كليهما مطالبان بالوقوف معًا في وجه كافة المحاولات الغربية لضرب هذه التحالفات الجديدة بين موسكو وعدد من أقطار المسلمين والعرب، وعدد من هذه الحركات الإسلامية المسلحة في بعض هذه الأقطار. أليس هذا ما يفرضه واقع هذه التحالفات الجديدة؟ بل أليس هذا ما تفرضه المصالح الحيوية لهؤلاء المتحالفين؟

    وإذا كانت العلاقات بين الدول قائمة على المصالح، وتبادل المنافع،  وخاضعة لكثير من الاعتبارات والتوازنات والمعادلات؛ فإن من المفترض أن يختلف الأمر في منظمات المجتمع الدولي.. إن الجمعية العامة، ومجلس الأمن الدولي لا يخفيان حرصهما على السلام والأمن، بل لعل المبدأ الأساس الذي قامت عليه، وتشكلت بموجبه هيئة الأمم المتحدة –بشقَّيها- هو المحافظة على الأمن والسلم الدوليين...وإذا كان الأمر كذلك –وهو نظريًّا كذلك- فما هو موقف الجمعية العامة للأمم المتحدة، وما هو موقف مجلس الأمن من كل ما يجري في كثير من ديار المسلمين والعرب من سفك للدماء؟ ألا تستحق كل هذه الدماء أن يعقد مجلس الأمن جلسة جادّة لاتخاذ قرار مناسب لوقف سفكها؟ ألا يستحق كل هؤلاء القتلى والجرحى والمشردين أن تجتمع الجمعية العامة لدراسة الوضع، واتخاذ القرار، ورفع التوصيات؟ ألا يستحق كل هؤلاء الجياع والمقموعين في هذا العالم مؤتمرًا عامًّا تناقش فيه أحوالهمٍ، وتتخذ فيه القرارات المناسبة التي من شأنها أن تخفف من معاناتهم، وأن تضع حدًّا لمآسيهم؟ ولماذا لم تظهر حتى الآن الدولة المسلمة التي تدعو لمؤتمر عام تناقش من خلاله كافة قضايا المسلمين في هذا العالم؟ ولماذا لم تظهر حتى الآن الدولة المسلمة التي تتبنى قضايا المسلمين، وتعمل من أجل حلها حلاًّ عادلاً يرفع الظلم عن الشعوب، ويرفع هذا الضيم الذي حاق بالأمة منذ عقود؟

    وإذا كانت قرارات الجمعية العامة غير ملزمة، ولما كانت اجتماعاتها، وعقد جلساتها بحاجة إلى برتوكولات وإجراءات؛ فإن قرارات مجلس الأمن ملزمة، وبإمكان هذا المجلس أن يعقد اجتماعًا يناقش فيه أي أمر يرى فيه تهديدًا للأمن الدولي.. مجلس الأمن يجتمع بطلب من الأمين العام حين يلفت انتباه الأعضاء الدائمين، وغير الدائمين إلى المخاطر التي ينطوي عليها وضع معين في بلد معين، أو منطقة معينة في هذا العالم.. فلماذا لم يجتمع هذا المجلس حتى الآن لمناقشة كل هذه المجازر التي تحصد أرواح الأبرياء في عدد كبير من أقطار العرب والمسلمين في إفريقية وآسيا، ومناقشة كل هذه الاعتداءات التي يتعرض لها كثير من المسلمين في أقطار مختلفة من هذا العالم أيضًا؟

    إن هذه الأحوال المزرية التي تعيشها الشعوب في كثير من الأقطار العربية والإسلامية بحاجة إلى أكثر من جلسة من جلسات مجلس الأمن لاتخاذ القرار الكفيل بإعادة الأمن إلى نصابه في تلك الأقطار.. ولما كان من الصعب أن يعود الأمن إلى نصابه في أي بلد.. ولما كان من الصعب أيضًا أن ترفرف رايات السلام من جديد على أي بلد بدون حل مشكلاته، وبدون إشاعة العدل بين مواطنيه؛ فإن مجلس الأمن مطالَبٌ بهذا كله..مطالب بنشر السلام والأمن في كثير من ديار العروبة والإسلام.. مطالَبٌ بالتدخل من أجل إشاعة العدل والعدالة في تلك الربوع.. مطالب بالعمل الجاد من أجل إخراج الغزاة من كل بلد يعبثون بأمنه وأمانه.. مجلس الأمن يملك الصلاحيات لكل هذا، ومجلس الأمن يملك حق تشكيل قوة عسكرية تكفي لإخراج هؤلاء الغزاة إذا اقتضى الأمر!! فلماذا لا يفعل مجلس الأمن شيئًا من هذا؟؟ وإذا كان السبب في ذلك سيطرة المعتدين على هذا المجلس؛ فلماذا لا تفعل الأطراف الأخرى على تعطيل أعمال هذا المجلس باستعمال "الفيتو" ضد كل مشروع قرار ينسجم و مصالح أولئك الذين يسيطرون على هذا المجلس، ولماذا لا تبادر تلك الأطراف أيضًا إلى إيجاد البدائل لذلك المجلس بعد أن تعمل على شلله، وتفريغه من كل مضامينه السيئة وتبعيته لأولئك المعتدين؟

    وهؤلاء الثوار المتمردون المسلمون المسلحون الذين تتزايد أعدادهم في كل يوم، وتكثر حركاتهم وتحركاتهم في كل يوم.. هل من الحكمة مقابلة حركاتهم بالحديد والنار؟ وهل تحسن حكومات بلادهم صنعًا عندما تلجأ إلى مكافحتهم، ومقاومتهم بسلاحهم، أو ربما بسلاح أشد منه مضاءً وفتكًا؟ وإذا كان هذا هو الأسلوب الصحيح للرد على حركات إسلامية كهذه، فهل  يعتقد حكام هذه الأقطار الإسلامية أنها ستضع حدَّا لمثل هذه الحركات؟ هل تعتقد هذه الحكومات أنها قادرة على هزيمة هذه الحركات، وفرض الأمن والأمان، وسيادة القانون والنظام –كما يقولون- بعد ذلك؟؟ أم أن عليها أن تعيد النظر، وأن تدرس الأسباب، وأن تبادر إلى فهم الواقع على ضوء جديد، ومن منطلق جديد.. واقع يقول إن الوطن لأبنائه جميعًا، وإن الحل يجب أن يكون عن طريق توافق جميع هؤلاء الأبناء على نمط معيشة يرضي الأطراف جميعًا، وعلى نظام سياسي يلبي احتياجات الناس على اختلاف توجهاتهم، ويلبي طلبات كافة أبناء البلد بعيدًا عن القمع، والقتل، وسفك الدماء، وإرهاب الناس، ونشر الفوضى، وخدمة الأسياد في البلاد؟

    هل الحل في أن يكون للإسلاميين دولة خاصة بهم يستطيعون اللجوء إليها والعيش في رحابها بحرّيّة وسلام؟ وهل يرضي هذا الحل دول البغي والعدوان؟ وهل يرضي هذا الحل أيضًا كل من يسيرون في فلك تلك الدول؟وهل من الممكن أن يتوصل من يعنيهم الأمر إلى حل كهذا؟ أم أنهم يخشون من محاولة دولة كهذه أن تبسط سلطانها على غيرها من الدول المجاورة لها؟ وهل يكتفي الإسلاميون بحل كهذا، أم أنهم يريدونها دولة إسلامية واحدة موحدة تضم إليها ديار العروبة والإسلام؟ وهل معنى هذا أن هذه الديار ستشهد حروبًا محلية طاحنة لا تبقي ولا تذر بين الأنظمة السياسية وهذه الحركات الإسلامية المسلحة؟ وهل يعني هذا تدخل دول ليست عربية. وليست إسلامية من دول هذه المنطقة، ومن الدول الغربية أيضًا؟ وهل يعني هذا أيضًا قيام حروب طائفية ومذهبية وعرقية في كثير من ديار العروبة والإسلام؟ حروب من شأنها أن تودي بحياة الملايين من أبناء هذه الديار، لا سيما إذا اقترنت بهذه الأوبئة الناجمة عن الحمَّيات والأمراض السارية وشبح الأنفلونزا المرعب، وتلاقحت بشيء من اليورانيوم، وقنابله التكتيكية، وغير التكتيكية، لتكون النتيجة أكثر من كارثية، وأكثر من تدميرية، وليترحم من كُتب له العيش بعد ذلك على هيروشيما، وأيام هيروشيما قياسًا على ما أصاب هذا الشرق الأوسط الكبير، أو العالم الإسلامي الذي كان من ويلات ومصائب وكوارث ودمار!!!

    وحدها السنوات القليلة القادمة، وربما السنة القادمة، من هذه الألفية الثالثة، هي التي ستجيب عن هذه الأسئلة والتساؤلات، وعن شطحات القلم والخيال.. وحدها هذه الأشباح المرعبة المحدقة بهذه الديار هي التي سترسم الخارطة الجديدة لهذا العالم الإسلامي، وبضمنه العالم العربي أيضًا.. وحدها الشهور القادمة (ربما) هي التي تحمل الإجابة عن كل الأسئلة المتعلقة بخارطة الشرق الأوسط الجديد.. وإن كنا نرى أن من الضروري أن يتنادى كل عقلاء العرب، وكل عقلاء المسلمين، وكل محبي الحق والعدل والحرية والحياة في هذا العالم لوضع حد لكل أعمال العنف وسفك الدماء، ولوضع حد لكل أشكال الظلم والفساد والتسلط التي يمارسها الأقوياء، ولوضع حد لكل عبث العابثين، واستفزاز المستفزين، وللتحرك السريع من أجل ضمان حقوق الإنسان، والعيش الكريم في هذه الديار، وفي كل ديار العروبة والإسلام.. بحيث تتجنب الشعوب كل أعمال العنف والحروب وسفك الدماء، وبحيث تزول كل أسباب التوتر والاحتقان واللجوء إلى العنف، والاحتكام إلى السلاح في فض المنازعات، ووقف المخاصمات.. فالعدل وحده كفيل بأن يضع الأمور كلها في نصابها الصحيح.

    وبعد

    فإن كل ما يجري في هذه المساحة الشاسعة بين نواكشوط غربًا وإلى ما وراء طشقند وسمرقند شرقًا، ومن أقصى جنوب القارة السوداء جنوبًا إلى ما وراء حدود تركيا المسلمة مع أوروبا وصولاً إلى كل تجمع سكاني إسلامي في البلقان وغير البلقان من بلدان أوروبا كلها، وكثير من ولايات أمريكا الشمالية، بل وصولاً إلى كل تجمع للمسلمين في هذا الكون.. إن كل ما يجري في كل ديار العروبة والإسلام، وفي كافة الأماكن التي يعيش فيها مسلمون في سائر أرجاء هذا الكون سببه هذا العداء الذي يكنّه كثير من الحاقدين العنصريين على المستويين الرسمي والشعبي في تلك الأقطار التي تعتبر نفسها الوريث الشرعي لدولة الإسلام، وبلاد الإسلام، و لكافة الإسلام، وتاريخه وحضارته وكافة مخلفاته.. فكان لها (الحق) في السيطرة على ثروات المسلمين، وكان لها الحق في نهب خيراتهم، وسلب ممتلكاتهم، ونشر الأمية والتخلف والفقر والمرض بين صفوفهم.. وكان لها ( الحق) في تمزيق وحدتهم السياسية، وتدمير علائقهم الاجتماعية، وتقويض بنيانهم الاقتصادي والثقافي والفكري، وتحويلهم إلى مجتمعات وتجمعات وشيع وقبائل وأقليات متخاصمة متباغضة يحارب بعضها بعضًا.

    وإن هذا الواقع المر الذي يعيشه الناس في كل ديار العروبة والإسلام، وتعيشه الجاليات المسلمة في كثير من بلدان هذا الكون سببه هذا العداء الذي تكنه جهات كثيرة في هذا العالم للإسلام والمسلمين.. وسببه أيضًا هذه الرغبة الجامحة في السيطرة على ثروات المسلمين، ونهب خيراتهم، واستعباد المسلمين والعرب.. أما أداته اليوم فهي محاولات الغرب والغربيين وكل أعداء العرب والمسلمين إلصاق تهمة الإرهاب بكل من يرفع صوته معترضًا على أعمال الغرب، وتدخلاته، واعتداءاته على المسلمين والعرب في كافة أقطارهم وأمصارهم وبلدانهم وأوطانهم.

    وإن إلصاق تهمة الإرهاب بكثير من العرب، وكثير من المسلمين في كثير من ديار العروبة والإسلام أصبح الذريعة التي يتذرع بها أعداء هذه الأمة للتمادي في تدخلاتهم واعتداءاتهم وممارساتهم ضدها، كما أصبح الذريعة لملاحقة كثير من العرب وكثير من المسلمين، وقتلهم في عقر دارهم، ونشر الرعب والخوف والفزع في كل ديار العروبة والإسلام، وفرض مخططاتهم التي تستهدف الأرض، وتستهدف الإنسان في كل هذه الديار.

     وإن هؤلاء المسلمين، وهؤلاء العرب ليسوا إرهابيين، وليسوا دمويين، وليسوا كما يصفهم الغربيون وغير الغربيين.. إنما هم رافضون للتبعية، رافضون للتدخل والعدوان والسيطرة الأجنبية على بلادهم ومقدراتهم ومستقبل أجيالهم.. ومتى كان من يرفض التبعية للأجنبي إرهابيًّا؟ ومتى كان من يرفض التدخل الأجنبي والسيطرة الأجنبية على بلاده إرهابيًّا؟

    وإن من يقاتل في سبيل تحرير بلاده من العدوان إنما يمارس عملاً مشروعًا ضمنته له كافة شرائع الأرض والسماء، وإن على الناس جميعًا في هذا العالم أن يقفوا إلى جانبه في تحقيق هذا الهدف.. وإنما الإرهابي هذا الذي يعتدي على الآخرين في عقر دارهم.. الإرهابي هو من يحتل أوطان الآخرين، وينكل بالأحرار المقاومين الذين يسعون لتحرير هذه الأوطان، واستعادتها من أيدي الغزاة الطامعين المستهترين بالقيم والمثل العليا وكل قوانين الأخلاق التي تواضع عليها الناس في هذا العالم.. الإرهابي هو من يروّع الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى في بلاد يحتلها مخالفًا بذلك كل شرائع السماء، وكل تشريعات الأرض، وكل مبادئ العدل والعدالة والأخلاق.. الإرهابي هو من يقتلع شعبًا من أرضه.. هو من يخلي بيتًا من أهله ليقذف بهم إلى تيه الصحراء وجحيمها.

    وعليه، فإنه ليس أمام الدول الكبرى، ودول مجلس الأمن، والدول الصناعية، ودول الغرب، ودول المنظومة الاشتراكية، ودول أمريكا اللاتينية، وأقطار الجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وكافة منظمات حقوق الإنسان، وأنصار الحق والعدل والحرية، وأصحاب الضمائر الحية في هذا العالم إلاّ أن يحضّروا لمؤتمر عام لمناقشة كافة أوجه العدوان على الشعوب، وإدانة المعتدين. والوقوف إلى جانب ضحايا ذلك العدوان، والعمل من أجل رفع الظلم عنهم، وإعادة حقوقهم إليهم، وإشاعة العدل بين الناس في هذا العالم.. وصولاً إلى عالم تسوده المحبة، وتخفق على روابيه رايات العدل والعمل والأمل والسلام.

    وإلى أن يأتي ذلك اليوم؛ فإنه يحسن بالمفكرين والمحللين والإعلاميين، والكتّاب، ومراكز البحوث والدراسات، ووسائل الإعلام، ودور النشر أن تسلّط كل الأضواء على حق كافة الشعوب المضطهدة، والأمم المقموعة في استرداد حريتها واستقلالها وسيادتها من الغاصبين الذين يعتدون على حرمة أراضيها، وحرية مواطنيها وكرامتهم.

15/8/2009


ليست هناك تعليقات: